إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الصحابة في صلح الحديبية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصحابة في صلح الحديبية

    الصحابة في صلح الحديبية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    نبدأ اليوم بقصة صلح الخديبية الذي قام به الرسول الأكرم الذي لا ينطق عن الهوى
    وبعد
    مجمل القصة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في السنة السادسة للهجرة يريد العمرة مع ألف وأربعمائة من أصحابه فأمرهم أن يضعوا سيوفهم في القرب، وأحرم هو وأصحابه بذي الحليفة وقلدوا الهدي ليعلم قريشا أنه إنما جاء زائرا معتمرا وليس محاربا، ولكن قريشا بكبريائها خافت أن يسمع العرب بأن محمدا دخل عنوة إلى مكة وكسر شوكتها، فبعثوا إليه بوفد يرأسه سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري وطلبوا منه أن يرجع في هذه المرة من حيث أتى على أن يتركوا له مكة في العام القادم ثلاثة أيام، وقد اشترطوا عليه شروطا قاسية قبلها رسول الله لاقتضاء المصلحة التي أوحى بها إليه ربه عزوجل.

    ولكن بعض الصحابة لم يعجبهم هذا التصرف من النبي وعارضوه في ذلك معارضة شديدة وجاءه عمر بن الخطاب فقال: ألست نبي الله حقا ؟ قال: بلى، قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى، قال عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري، قال عمر: أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ قال عمر: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به.

    ثم أتى عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فقال: ياأبابكر أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال: بلى. ثم سأله عمر نفس الاسئلة التي سألها رسول الله، وأجابه أبو بكر بنفس الاجوبة قائلا له: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه، ولما فرغ رسول الله من كتاب الصلح قال لاصحابه: قوموا فانحروا ثم أحلقوا، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يمتثل لامره منهم أحد دخل خباءه ثم خرج فلم يكلم أحدا منهم بشيء حتى نحر بدنة بيده، ودعا حالقه فحلق رأسه، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا(1) ...

    هذه مجمل قصة الصلح في الحديبية وهي من الاحداث المتفق عليها عند الشيعة والسنة وقد ذكرها المؤرخون وأصحاب السير كالطبري وابن الاثير وابن سعد وغيرهم كالبخاري ومسلم.

    وأنا لي هنا وقفة، فلا يمكن لي أن أقرأ مثل هذا ولا أتأثر ولا أعجب من تصرف هؤلاء الصحابة تجاه نبيهم، وهل يقبل عاقل قول القائلين بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يمتثلون أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وينفذونها، فهذه الحادثة تقطع عليهم ما يرومون، هل يتصور عاقل بأن هذا التصرف في مواجهة النبي هو أمر هين؛ أو مقبول؛ أو معذور؛ قال تعالى:

    ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )(2) .

    فهل سلم عمر بن الخطاب هنا ولم يجد في نفسه حرجا مما قضى الرسول صلى الله عليه وآله ؟ ! أم كان في موقفه تردد في ما أمر النبي ؟ وخصوصا في قوله: أولست نبي الله حقا ؟ أو لست كنت تحدثنا ؟ إلى آخره، وهل سلم بعد ما أجابه رسول الله بتلك الاجوبة المقنعة ؟ كلا لم يقتنع بجوابه وذهب يسأل أبابكر الاسئلة نفسها، وهل سلم بعد ما أجابه أبو بكرونصحه أن يلزم غرز النبي، لا أدري إذا كان سلم بذلك، أو اقتنع بجواب النبي أو بجواب أبي بكر ! ! وإلا لماذا تراه يقول عن

    ____________

    (1) هذه القصة أخرجها أصحاب السير والتواريخ كما أخرجها البخاري في صحيحه من كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد ج 2 - ص 122 - صحيح مسلم في باب صلح الحديبية ج 2.

    (2) سورة النساء: آية 65
    ----------------------------------------------
    نفسه: «فعملت لذلك أعمالا.. ولا أدري سبب تخلف البقية الباقية من الحاضرين بعد ذلك إذ قال لهم رسول الله: قوموا فانحروا ثم أحلقوا، فلم يستمع إلى أمره أحد منهم حتى كررها عليهم ثلاث مرات بدون جدوى.

    سبحان الله ! أنا لا أكاد أصدق ما أقرأ، وهل يصل الامر بالصحابة إلى هذا الحد في التعامل مع أمر الرسول، ولو كانت هذه القصة مروية من طريق الشيعة وحدهم لعددت ما قالوا افتراء على الصحابة الكرام، ولكن القصة بلغت من الصحة والشهرة أن تناقلها كل المحدثين من أهل السنة والجماعة أيضا، وبما أنني ألزمت نفسي توثيق ما اتفقوا عليه، فلا أراني إلا مسلما ومتحيرا: ماذا عساني أن أقول ؟ وبم أعتذر عن هؤلاء الصحابة الذين قضوا مع رسول الله قرابة عشرين عاما من البعثة إلى يوم الحديبية، وهم يشاهدون المعجزات وأنوار النبوة، والقرآن يعلمهم ليلا نهارا كيف يتأدبون مع حضرة الرسول وكيف يكلموه، حتى هددهم الله بإحباط أعمالهم إن رفعوا أصواتهم فوق صوته.

    ويدفعني إلى الاحتمال بأن عمر بن الخطاب هو الذي أثار بقية الحاضرين ودفعهم إلى التردد والتخلف عن أمر الرسول - زيادة على اعترافه بأنه عمل لذلك أعمالا لم يشأ ذكرها - ما يردده هو في موارد أخرى قائلا: ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به.. إلى آخر ما هو مأثور عنه في هذه القضية(1) ...

    مما يشعرنا بأن عمر نفسه كان يدرك بعد الموقف الذي وقفه ذلك اليوم إنها قصة عجيبة وغريبة ولكنها حقيقية..

    2 - الصحابة ورزية يوم الخميس

    ومجمل القصة أن الصحابة كانوا مجتمعين في بيت رسول الله قبل وفاته بثلاثة أيام، فأمرهم أن يحضروا له الكتف والدواة ليكتب لهم كتابا يعصمهم من

    ____________

    (1) السيرة الحلبية باب صلح الحديبية ج 2 - ص 706.

    ------------------------------------------------------
    الضلالة، ولكن الصحابة اختلفوا ومنهم من عصى أمره واتهمه بالهجر، فغضب رسول الله وأخرجهم من بيته دون أن يكتب لهم شيئا، وإليك شيئا من التفصيل:

    قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه، فقال: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر إن النبي قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله، قوموا عني، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم(1) ولغطهم. هذه الحادثة صحيحة لا شك فيها، فقد نقلها علماء الشيعة ومحدثوهم في كتبهم، كما نقلها علماء السنة ومحدثوهم ومؤرخوهم، وهي ملزمة لي على ما ألزمت به نفسي ومن هنا أقف حائرا في تفسير الموقف الذي وقفه عمر بن الخطاب من أمر رسول الله، وأي أمر هو ؟ أمر «عاصم من الضلالة لهذه الامة، ولا شك أن هذا الكتاب كان فيه شيء جديد للمسلمين سوف يقطع عليهم كل شك».

    ولنترك قول الشيعة: «بأن رسول أراد أن يكتب إسم علي خليفة له، وتفطن عمر لذلك فمنعه».

    فلعلهم لا يقنعوننا بهذا الزعم الذي لا يرضينا مبدئيا، ولكن هل نجد تفسيرا معقولا لهذه الحادثة المؤلمة التي أغضبت الرسول حتى طردهم وجعلت ابن عباس يبكي حتى يبل دمعه الحصى ويسميها أكبر رزية؛ أهل السنة يقولون بأن عمر أحس بشدة مرض النبي فأشفق عليه وأراد أن يريحه، وهذا التعليل لا يقبله

    ____________

    (1) صحيح البخاري ج 3 باب قول المريض: قوموا عني.

    صحيح مسلم ج 5 ص 75 في آخر كتاب الوصية.

    مسند الامام أحمد ج 1 ص 355 وج 5 ص 116.

    تاريخ الطبري ج 3 ص 193 - تاريخ ابن الاثير ج 2 - ص 320
    .

    --------------------------------------------------
    بسطاء العقول فضلا عن العلماء، وقد حاولت مرارا وتكرارا التماس بعض الاعذار لعمر ولكن واقع الحادثة يأبى علي ذلك، وحتى لو أبدلت كلمة يهجر «والعياذ بالله» بلفظة «غلبه الوجع» فسوف لن نجد مبررا لقول عمر: «عندكم القرآن» «وحسبنا كتاب الله»، أو كان هو أعلم بالقرآن من رسول الله الذي أنزل عليه، أم أن رسول الله لا يعي ما يقول «حاشاه» أم أنه أراد بأمره ذلك أن يبعث فيهم الاختلاف والفرقة «أستغفر الله».

    ثم لو كان تعليل أهل السنة صحيحا، فلم يكن ذلك ليخفى على الرسول ولا يجهل حسن نية عمر، ولشكره رسول الله على ذلك وقربه بدلا من أن يغضب عليه ويقول أخرجوا عني.

    وهل لي أن أتسأل لماذا امتثلوا أمره عندما طردهم من الحجرة النبوية، ولم يقولوا بأنه يهجر ؟ ألانهم نجحوا بمخططهم في منع الرسول من الكتابة، فلا داعي بعد ذلك لبقائهم، والدليل أنهم أكثروا اللغط والاختلاف بحضرته (ص)، وانقسموا إلى حزبين منهم من يقول: قربوا إلى رسول الله يكتب لكم ذلك الكتاب ومنهم من يقول ما قال عمر أي إنه «يهجر».

    والامر لم يعد بتلك البساطة يتعلق بشخص عمر وحده ولو كان كذلك لاسكته رسول الله وأقنعه بأنه لا ينطق عن الهوى ولا يمكن أن يغلب عليه الوجع في هداية الامة وعدم ضلالتها ولكن الامر استفحل واستشرى ووجد له أنصارا كأنهم متفقون مسبقا، ولذلك أكثروا اللغط والاختلاف ونسوا أو تناسوا قول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )(1) .

    وفي هذه الحادثة تعدوا حدود رفع الاصوات والجهر بالقول إلى رميه صلى الله عليه وآله بالهجر والهذيان «والعياذ بالله» ثم أكثروا اللغط والاختلاف وصارت معركة كلامية بحضرته.

    ____________

    (1) سورة الحجرات: آية 2.

    ---------------------------------------------
    وأكاد أعتقد بأن الاكثرية الساحقة كانت على قول عمر ولذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وآله عدم الجدوى في كتابة الكتاب لانه علم بأنهم لم يحترموه ولم يمتثلوا لامر الله فيه في عدم رفع أصواتهم بحضرته، وإذا كانوا لامر الله عاصين فلن يكونوا لامر رسوله طائعين.

    واقتضت حكمة الرسول بأن لا يكتب لهم ذلك الكتاب لانه طعن فيه في حياته، فكيف يعمل بما فيه بعد وفاته، وسيقول الطاعنون: بأنه هجر من القول ولربما سيشككون في بعض الاحكام التي عقدها رسول الله في مرض موته.

    إذ أن اعتقادهم بهجره ثابت.

    أستغفر الله، وأتوب إليه من هذا القول في حضرة الرسول الاكرم، وكيف لي أن أقنع نفسي وضميري الحر بأن عمر بن الخطاب كان عفويا في حين أن أصحابه ومن حضروا محضره بكوا لما حصل حتى بل دمعهم الحصى وسموها رزية المسلمين.

    ولهذا فقد خلصت إلى أن أرفض كل التعليلات التي قدمت لتبرير ذلك، ولقد حاولت أن أنكر هذه الحادثة وأكذبها لاستريح من مأساتها، ولكن كتب الصحاح نقلتها وأثبتتها وصححتها ولم تحسن تبريرها.

    وأكاد أميل إلى رأي الشيعة في تفسير هذا الحدث لانه تعليل منطقي وله قرائن عديدة.

    وإني لا زلت أذكر إجابة السيد محمد باقر الصدر عندما سألته: كيف فهم سيدنا عمر من بين الصحابة ما يريد الرسول كتابته وهو استخلاف علي - على حد زعمكم -، فهذا ذكاء منه.

    قال السيد الصدر: لم يكن عمر وحده فهم مقصد الرسول، ولكن أكثر الحاضرين فهموا ما فهمه عمر، لانه سبق لرسول الله صلى الله عليه وآله أن قال مثل هذا إذ قال لهم إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، وفي مرضه قال لهم: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده
    أبدا، ففهم الحاضرون ومن بينهم عمر أن رسول الله يريد أن يؤكد ما ذكره في غدير خم كتابيا، وهو التمسك بكتاب الله وعترته، وسيد العترة هو علي، فكأنه صلى الله عليه وآله أراد أن يقول: عليكم بالقرآن وعلي، وقد قال مثل ذلك في مناسبات أخرى كما ذكرالمحدثون.

    وكان أغلبية قريش لا يرضون بعلي لانه أصغر القوم ولانه حطم كبرياءهم وهشم أنوفهم وقتل أبطالهم، ولكنهم لا يجرؤون على رسول الله مثل عمر فقد كان جريئا على النحو الذي حصل في صلح الحديبية وفي المعارضة الشديدة للنبي عندما صلى على عبدالله بن اُبي، المنافق، وفي عدة مواقف أخرى سجلها التاريخ، وهذا الموقف منها، وأنت ترى أن المعارضة لكتابة الكتاب في مرض النبي شجعت بعض الآخرين من الحاضرين على الجرأة ومن ثم الاكثار من اللغط في حضرة الرسول صلى الله عليه وآله.

    إن هذه المقولة: جاءت ردا مطابقا تماما لمقصود الحديث، فمقولة: عندكم القرآن، حسبنا كتاب الله مخالفة لمحتوى الحديث الذي يأمرهم بالتمسك بكتاب الله وبالعترة معا، فكأن المقصود هو: حسبنا كتاب الله فهو يكفينا، ولا حاجة لنا بالعترة.

    وليس هناك تفسير معقول غير هذا، - بالنسبة إلى هذه الحادثة - اللهم إلا إذا كان المراد هو القول بإطاعة الله دون إطاعة رسوله، وهذا أيضا باطل وغير معقول...

    وأنا إذا طرحت التعصب الاعمى والعاطفة الجامحة وحكمت العقل السليم والفكر الحر لملت إلى هذا التحليل وذلك أهون من اتهام عمر بأنه أول من رفض السنة النبوية بقوله: «حسبنا كتاب الله».

    وإذا كان بعض الحكام قد رفض السنة النبوية بدعوى أنها متناقضة، فإنه اتبع في ذلك سابقة تاريخية في حياة المسلمين.

    وإني لاعجب لمن يقرأ هذه الحادثة ويمر بها وكأن شيئا لم يكن، مع أنها من أكبر الرزايا كما سماها ابن عباس، وعجبي أكبر من الذين يحاولون جهدهم
    الحفاظ على كرامة صحابي وتصحيح خطئه ولو كان ذلك على حساب كرامة رسول الله وعلى حساب الاسلام ومبادئه.

    ولماذا نهرب من الحقيقة ونحاول طمسها عندما لا تتماشى مع أهوائنا، لماذا لا نعترف بأن الصحابة بشر مثلنا، لهم أهواء وميول ويخطئون ويصيبون.

    ولا يزول عجبي إلا عندما أقرأ كتاب الله وهو يروي لنا قصص الانبياء عليهم الصلاة والسلام، وما لاقوه من شعوبهم في المعاندة رغم ما يشاهدونه من معجزات.. ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) .

    وهكذا أصبحت أدرك خلفية موقف الشيعة من بعض الصحابة الذين يحملونهم مسؤولية الكثير من المآسي التي وقعت في حياة المسلمين منذ رزية يوم الخميس التي حرمت الامة من كتاب الهداية الذي أراد الرسول صلى الله عليه وآله أن يكتبه لهم.

    3 - الصحابة في سرية أسامة

    مجمل هذه القصة: أنه صلى الله عليه وآله، جهز جيشا لغزو الروم قبل وفاته بيومين، وأمر على هذه السرية أسامة بن زيد بن حارثة وعمره ثمانية عشر عاما، وقد عبأ صلى الله عليه وآله في هذه السرية وجوه المهاجرين والانصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين فطعن قوم منهم في تأمير أسامة، وقالوا: كيف يؤمر علينا شاب لا نبات بعارضيه، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقد قالوا في ذلك وأكثروا النقد، حتى غضب صلى الله عليه وآله غضبا شديدا مما سمع من طعنهم وانتقادهم، فخرج صلى الله عليه وآله معصب الرأس محموما، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الارض بأبي هو وأمي، من شدة ما به من لغوب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

    «أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله، وأيم الله إنه كان خليقا
    بالامارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها..»(1) .

    ثم جعل صلى الله عليه وآله يحضهم على التعجيل وجعل يقول: جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة أرسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك على مسامعهم وهم متثاقلون وعسكروا بالجرف وما كادوا يفعلون.

    إن مثل ذلك يدفعني إلى أن أتسأل: ما هذه الجرأة على الله ورسوله ؟ !، وما هذا العقوق في حق الرسول الاكرم الذي هو حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ؟ لم أكن أتصور كما لا يمكن لاحد أن يتصور تفسيرا مقبولا لهذا العصيان، وهذه الجرأة.

    وكالعادة، عند قراءة مثل هذه الاحداث التي تمس كرامة الصحابة من قريب أو بعيد أحاول تكذيب مثل هذه القضايا وتجاهلها، ولكن لا يمكن تكذيب ما أجمع عليه المؤرخون والمحدثون من علماء السنة والشيعة، وتجاهل ذلك.

    وقد عاهدت ربي أن أكون منصفا، فلا أتعصب لمذهبي ولا أقيم وزنا لغير الحق، والحق هنا مر كما يقال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «قل الحق ولو كان على نفسك وقل الحق ولو كان مرا...» والحق في هذه القضية: هو أن هؤلاء الصحابة الذين طعنوا في تأمير أسامة قد خالفوا أمر ربهم وخالفوا الصريح من النصوص التي لا تقبل الشك ولا تقبل التأويل، وليس لهم عذر في ذلك، إلا ما يلتمسه البعض من أعذار باردة حفاظا على كرامة الصحابة و «السلف الصالح» والعاقل الحر لا يقبل بحال من الاحوال هذه التمحلات. اللهمّ إلا إذا كان من الذين لا يفقهون حديثا، ولا يعقلون، أو من الذين أعمت العصبية أعينهم فلم يعودوا يفرقون بين الفرض الواجب طاعته والنهي الواجب تركه، ولقد فكرت مليا عساني أجد عذرا لهؤلاء مقبولا، فلم يسعفني تفكيري بطائل، وقرأت اعتذار أهل السنة على هؤلاء بأنهم كانوا مشايخ قريش وكبراءها، ولهم

    ____________

    (1) طبقات ابن سعد ج 2 - ص 190 - تاريخ ابن الاثير ج 2 - ص 317.

    السيرة الحلبية ج 3 - ص 207 - تاريخ الطبري ج 3 - ص 226
    .

    -----------------------------------------------
    الاسبقية في الاسلام بينما أسامة كان حدثا ولم يشارك في المعارك المصيرية لعزة الاسلام، كمعركة بدر وأحد وحنين، ولم تكن له سابقة بل كان صغير السن عندما ولاه رسول الله إمارة السرية، وطبيعة النفوس البشرية تأبى بجبلتها إذا كانت بين كهول وشيوخ أن تنقاد إلى الاحداث وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان ولذلك طعنوا في تأميره وأرادوا منه صلى الله عليه وآله أن يستبدله بأحد من وجوه الصحابة وكبرائهم.

    إنه اعتذار لا يستند إلى دليل عقلي ولا شرعي ولا يمكن لاي مسلم قرأ القرآن وعرف أحكامه إلا أن يرفض مثل هذا، لان الله عزوجل يقول:

    ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(1) ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )(2) .فأي عذر بعد هذه النصوص الصريحة يقبله العاقلون وماذا عساني أن أقول في قوم أغضبوا رسول الله وهم يعلمون أن غضب الله في غضبه، وذلك بعد أن رموه بالهجر وقالوا بحضرته ما قالوا وأكثروا اللغط والاختلاف وهو مريض، بأبي هو وأمي، حتى أخرجهم من حجرته، أو لم يكفهم كل هذا، وبدلا من أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى الله ويستغفروه مما فعلوا ويطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم كما علمهم القرآن، عوضا عن ذلك فقد زادوا في الطين بلة كما يقول المثل الشعبي عندنا، فطعنوا في تأميره أسامة بعد يومين من رميه بالهجر والجرح لما يندمل، حتى أجبروه أن يخرج صلى الله عليه وآله بتلك الحالة التي وصفها المؤرخون، لا يقدر على المشي من شدة المرض وهو يتهادى بين رجلين، ثم يقسم بالله بأن أسامة خليق بالامارة، ويزيدنا الرسول بأنهم هم أنفسهم الذين طعنوا في تأميره زيد بن حارثة من قبل ليعلمنا أن هؤلاء لهم معه مواقف سابقة متعددة وسوابق شاهدة على أنهم لم يكونوا من الذين لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى ويسلمون تسليما،

    ____________

    (1) سورة الحشر: آية 7.

    (2) سورة الاحزاب: آية 36.
    وارجو المشاركة بالرئي
    -------------------------------------------------
    والحمد لله رب العالمين

  • #2
    تتمة الصحابة في صلح الحديبية

    تتمة الصحابة في صلح الحديبية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وهذه تتمة الحديث ان شاء الله وأرجو عدم اتململ لانه موضوع هام

    ومما يدلنا على المعارضة الصريحة، أنهم رغم ما شاهدوه من غضب رسول الله ومن عقد اللواء له بيده الشريفة والامر لهم بالاسراع والتعجيل، تثاقلوا وتباطأوا، ولم يذهبوا حتى توفي بأبي هو وأمي وفي قلبه حسرة على أمته المنكوبة التي سوف تنقلب على أعقابها وتهوى في النار ولا ينجو منها إلا القليل الذي شبهه رسول الله بهمل النعم.

    وإذا أردنا أن نتمعن في هذه القضية فإننا سنجد الخليفة الثاني من أبرز عناصرها إذ أنه هو الذي جاء بعد وفاة رسول الله إلى الخليفة أبي بكر وطلب منه أن يعزل أسامة ويبدله بغيره فقال له أبو بكر: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ! أتأمرني أن أعزله وقد ولاه رسول الله(1) .

    فأين هو عمر من هذه الحقيقة التي أدركها أبو بكر، أم أن في الامر سراً آخر خفي عن المؤرخين، أم أنهم هم الذين أسروه حفاظاً على كرامته كما هي عادتهم وكما أبدلوا عبارة «يهجر» بلفظ «غلبه الوجع».

    عجبي من هؤلاء الصحابة الذين أغضبوه يوم الخميس واتهموه بالهجر والهذيان وقالوا حسبنا كتاب الله، وكتاب الله يقول لهم في محكم آياته:

    ( قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله )(2) .

    وكأنهم هم أعلم بكتاب الله وأحكامه من الذي أنزل عليه وها هم بعد يومين فقط من تلك الرزية المؤلمة وقبل يومين فقط من لحوقه بالرفيق الاعلى يغضبونه أكثر فيطعنون في تأميره ولا يطيعون أمره، وإذا كان في الرزية الاولى مريضا طريح الفراش، فقد اضطر في الثانية أن يخرج معصب الرأس مدثراً بقطيفة يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الارض وخطب فيهم خطبة كاملة من

    ____________

    (1) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 - ص 190 - تاريخ الطبري ج 3 - ص 226.

    (2) سورة آل عمران: آية 31

    ------------------------------------------
    فوق المنبر بدأها بتوحيد الله والثناء عليه ليشعرهم بذلك بأنه بعيد عن الهجر ثم أعلمهم بما عرفه من طعنهم، ثم ذكرهم بقضية أخرى طعنوا فيها من قبل أربع سنوات خلت، أفهل يعتقدون بعد ذلك بأنه يهجر أو أنه غلبه الوجع لدرجة أنه لم يعد يعي ما يقول ؟.

    سبحانك اللهم وبحمدك كيف يجرؤ هؤلاء على رسولك فلا يرضون بالعقد الذي أبرمه، ويعارضونه بشدة حتى يأمرهم بالنحر والحلق ثلاث مرات فلا يستجيب منهم أحد، ومرة أخرى يجذبونه من قميصه ويمنعونه من الصلاة على عبدالله بن اُبي ويقولون له: إن الله قد نهاك أن تصلي على المنافقين ! وكأنهم يعلمونه ما نزل إليه في حين أنك قلت في قرآنك: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )(1) .

    وقلت أيضا: ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله )(2) .

    وقلت وقولك الحق: ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )(3) .

    عجبا لهؤلاء القوم ! فمرة لا يمتثلون لامره ومرة يتهمونه بالهجر ويكثرون اللغط بحضرته في غير احترام ولا أدب، وأخرى يطعنون في تأميره زيد بن حارثة ومن بعده في تأمير ابنه أسامة بن زيد فكيف يبقى بعد كل هذا شك عند الباحثين من أن الشيعة على حق عندما يحيطون مواقف بعض الصحابة بعلامات الاستفهام ويمتعضون منها احتراما وحبا ومودة لصاحب الرسالة وأهل بيته.

    على أني لم أذكر من المخالفات غير أربع أو خمس وذلك للاختصار ولتكون أمثلة فقط، ولكن علماء الشيعة قد أحصوا مئات الموارد التي خالف فيها الصحابة

    ____________

    (1) سورة النحل: آية 44.

    (2) سورة النساء: آية 105.

    (3) سورة البقرة: آية 151.

    --------------------------------------
    النصوص الصريحة ولم يستدلوا إلا بما أخرجه علماء السنة في صحاحهم ومسانيدهم.

    وإني عندما أستعرض بعض المواقف التي وقفها بعض الصحابة من رسول الله أبقى حائرا مدهوشا، لا من تصرفات هؤلاء الصحابة فحسب ولكن من موقف علماء السنة والجماعة الذين يصورون لنا الصحابة دوما على حق لا يمكن التعرض لهم بأي نقد، وبذلك يمنعون الباحث من الوصول إلى الحقيقة ويبقى يتخبط في التناقضات الفكرية.

    وزيادة على ما سبق أسوق بعض الامثلة التي تعطينا صورة حقيقية على هؤلاء الصحابة ونفهم بذلك موقف الشيعة منهم:

    أخرج البخاري في صحيحه ج 4 ص 47 في باب الصبر على الاذى وقول الله تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم ) من كتاب الادب، قال: حدثنا الاعمش قال سمعت شقيقا يقول قال عبدالله: قسم النبي صلى الله عليه وآله قسمة كبعض ما كان يقسم فقال رجل من الانصار والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، قلت أما أني لاقولن للنبي صلى الله عليه وآله فأتيته وهو في أصحابه فساورته فشق ذلك على النبي وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته ثم قال: قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر.

    كما أخرج البخاري في الكتاب نفسه أعني كتاب الادب في باب التبسم والضحك.

    قال حدثنا أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وآله وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.

    كما أخرج البخاري في كتاب الادب في باب من لم يواجه الناس بالعتاب قال: قالت عائشة صنع النبي صلى الله عليه وآله شيئا فرخص فيه، فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك
    النبي صلى الله عليه وآله فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله أني لاعلمهم بالله وأشدهم له خشية... !.

    ولعمري ان الذين يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله يميل به الهوى ويحيد به عن طريق الحق فيقسم قسمة لا يريد بها وجه الله وإنما تبعا لهواه وعاطفته، والذين يتنزهون عن أشياء يصنعها رسول الله اعتقادا منهم بأنهم أتقى لله وأعلم به من رسوله، فهؤلاء ليسوا جديرين بذلك التقديس حيث ينزلهم البعض منزلة الملائكة فيحكمون بأنهم أفضل الخلق بعد رسول الله وأن المسلمين مدعوون لاتباعهم والاقتداء بهم والسير على سنتهم لا لشيء إلا لانهم صحابة رسول الله وهذا يتناقض مع أهل السنة والجماعة الذين لا يصلون على محمد وآله إلا ويضيفون إليهم الصحابة أجمعين وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد عرف قدرهم وأنزلهم منزلتهم فأمرهم بأن يصلوا على رسوله وأهل بيته الطاهرين ليا لاعناقهم ليخضعوا ويعرفوا مكانة هؤلاء عند الله فلماذا نجعلهم نحن في منزلة فوق منزلتهم ونسويهم بمن رفع الله قدرهم وفضلهم على العالمين.

    ودعني أستنتج بأن الامويين والعباسيين الذين ناصبوا أهل البيت النبوي العداء فأبعدوهم وشردوهم وقتلوهم وأتباعهم وشيعتهم، تفطنوا لما في هذه المزية من الفضل العميم والخطر الجسيم، فإذا كان الله سبحانه لا يقبل صلاة مسلم إلا إذا صلى عليهم، فبماذا يبررون عداءهم وانحرافهم عن أهل البيت، ولذلك تراهم ألحقوا الصحابة بأهل البيت ليموهوا على الناس بأن أهل البيت والصحابة في الفضل سواء.

    وخصوصا إذا عرفنا أن ساداتهم وكبراءهم هم بعض الصحابة الذين استأجروا ضعفاء العقول ممن صحبوا رسول الله أو من التابعين ليرووا الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة وبالاخص في من اعتلوا منصة الخلافة وكانوا سببا مباشرا في وصولهم - أي الامويين والعباسيين - إلى الحكم والتحكم في رقاب المسلمين والتاريخ خير شاهد على ما أقول؛ إذ أن عمر بن الخطاب الذي اشتهر بمحاسبة ولاته وعزلهم لمجرد شبهة نراه يلين مع معاوية بن أبي سفيان ولا يحاسبه قط وقد ولاه أبو بكر وأقره عمر طيلة حياته ولم يعترض عليه حتى بالعتاب
    واللوم، رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له إن معاوية يلبس الذهب والحرير اللذين حرمهما رسول الله على الرجال، فكان عمر يجيبهم: «دعوه فإنه كسرى العرب» واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاما لم يتعرض له أحد بالنقد ولا بالعزل ولما ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكنته من الاستيلاء على الثروة الاسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الامة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغصب والتحكم في رقاب المسلمين وإرغامهم بالقوة والقهر على بيعة ابنه الفاسق شارب الخمر يزيد وهذه قصة أخرى طويلة لست بصدد تفصيلها في هذا الكتاب والمهم هو أن أعرف نفسيات هؤلاء الصحابة الذين اعتلوا منصة الخلافة ومهدوا لقيام الدولة الاموية بصفة مباشرة نزولا على حكم قريش التي تأبى أن تكون النبوة والخلافة في بني هاشم(1) .

    وللدولة الاموية الحق بل من واجبها أن تشكر أولئك الذين مهدوا لها، وأقل الشكر أن تستأجروا رواة مأجورين يروون في فضائل أسيادهم ما تسير به الركبان وفي نفس الوقت يرفعون هؤلاء فوق منزلة خصومهم أهل البيت، باختلاق الفضائل والمزايا التي يشهد الله أنها إذا ما بحثت تحت ضوء الادلة الشرعية والعقلية والمنطقية، فلن يبقى منها شيء يذكر، أللهم إلا إذا أصاب عقولنا مس وآمنا بالتناقضات.

    وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإننا نسمع الكثير عن عدل عمر الذي سارت به الركبان حتى قيل «عدلت فنمت» وقيل دفن عمر واقفا لئلا يموت العدل معه وفي عدل عمر حدث ولا حرج، ولكن التاريخ الصحيح يحدثنا بأن عمر حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة لم يتوخ سنة رسول الله ولم يتقيد بها، فقد ساوى النبي صلى الله عليه وآله بين جميع المسلمين في العطاء فلم يفضل أحدا على

    ____________

    (1) للتفصيل إقرأ:

    الخلافة والملك: أبو الاعلى المحمودي.

    يوم الاسلام: أحمد أمين.


    -------------------------------
    أحد، واتبعه في ذلك أبو بكر مدة خلافته، ولكن عمر بن الخطاب اخترع طريقة جديدة وفضل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين كافة على الانصار كافة، وفضل العرب على سائر العجم، وفضل الصريح على المولى(1) وفضل مضر على ربيعة، ففرض لمضر ثلاثمائة ولربيعة مائتين(2) وفضل الاوس على الخزرج(3) .

    فأين هذا التفضيل من سنة رسول الله ؟ ونسمع عن علم عمر بن الخطاب الكثير الذي لا حصر له حتى قيل أنه أعلم الصحابة وقيل أنه وافق ربه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي صلى الله عليه وآله.

    ولكن الصحيح من التاريخ يدلنا على أن عمر لم يوافق القرآن حتى بعد نزوله، عندما سأله أحد الصحابة أيام خلافته فقال: يا أمير المؤمنين أني أجنبت فلم أجد الماء فقال له عمر: لا تصل واضطر عمار بن ياسر أن يذكره بالتيمم ولكن عمر لم يقنع بذلك وقال لعمار: إنا نحملك ما تحملت(4) .

    فأين عمر من آية التيمم المنزلة في كتاب الله وأين علمه من سنة النبي صلى الله عليه وآله الذي علمهم كيفية التيمم كما علمهم الوضوء، وعمر نفسه يعترف في العديد من القضايا بأنه ليس بعالم، بل بأن كل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال وبقوله عدة مرات، لولا علي لهلك عمر، ولقد أدركه الاجل ومات ولم يعرف حكم الكلالة التي حكم فيها بأحكام متعددة ومختلفة كما يشهد بذلك التاريخ.

    كذلك نسمع عن بطولة عمر وشجاعته وقوته الشيء الكثير حتى قيل إن قريش خافت عندما أسلم عمر، وقويت شوكة المسلمين بإسلامه، وقيل إن الله أعز الاسلام بعمر بن الخطاب وقيل إن رسول الله لم يجهر بدعوته إلا بعد إسلام

    ____________

    (1) شرح ابن أبي الحديد ج 8 - ص 111.

    (2) تاريخ اليعقوبي ج 2 - ص 106.

    (3) فتوح البلدان ص 437.

    (4) صحيح البخاري - ج 1 - ص 52

    ----------------------------------------------
    عمر، ولكن التاريخ الثابت الصحيح، لا يوقفنا على شيء من هذه البطولة والشجاعة، ولا يعرف التاريخ رجلا واحدا من المشاهير أو حتى من العاديين الذين قتلهم عمر بن الخطاب في مبارزة أو في معركة كبدر وأحد والخندق وغيرها، بل العكس هو الصحيح فالتاريخ يحدثنا أنه هرب مع الهاربين في معركة أحد وكذلك هرب يوم حنين، وبعثه رسول الله لفتح مدينة خيبر فرجع مهزوما، وحتى السرايا التي شارك فيها كان تابعا غير متبوع، وآخرها سرية أسامة التي كان فيها مأمورا تحت قيادة الشاب أسامة بن زيد.

    فأين دعوى البطولات والشجاعة من هذه الحقائق.. ؟ ونسمع عن تقوى عمر بن الخطاب ومخافته وبكائه من خشية الله الشيء الكثير، حتى قيل إنه كان يخاف أن يحاسبه الله لو عثرت بغلة في العراق لانه لم يعبد لها الطريق، ولكن التاريخ الثابت الصحيح يحدثنا بأنه كان فظا غليظا لا يتورع ولا يخاف فيضرب من يسأله عن آية من كتاب الله حتى يدميه بدون ذنب اقترفه، بل وتسقط المرأة حملها لمجرد رؤيته هيبة ومخافة منه، ولماذا لم يتورع مخافة من الله عندما سل سيفه وهدد كل من يقول بأن محمدا قد مات وأقسم بالله أنه لم يمت وإنما ذهب يناجي ربه كما فعل موسى بن عمران وتوعد من يقول بموته بضرب عنقه(1) .

    ولماذا لم يتورع ولم يخش الله سبحانه في تهديد حرق بيت فاطمة الزهراء بالنار إن لم يخرج المتخلفون فيه للبيعة(2) وقيل له إن فيها فاطمة فقال: وإن؛ وتجرأ على كتاب الله وسنة رسوله فحكم في خلافته بأحكام تخالف النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة(3) .

    وإنما أخذت هذا الصحابي الكبير الشهير كمثل واختصرت كثيرا لعدم الاطالة ولو شئت الدخول في التفاصيل لملات كتبا عديدة، ولكن كما قلت: إنما أذكر هذه الموارد على سبيل المثال لا الحصر.

    ____________

    (1) تاريخ الطبري - وتاريخ ابن الاثير.

    (2) الامامة والسياسة ابن قتيبة.

    (3) راجع النص والاجتهاد، عبدالحسين شرف الدين، فقد أحصى كثيرا من الموارد التي اجتهد فيها عمر مقابل النصوص، مع ذكر المصادر المقبولة لدى الفرق الاسلامية كافة.

    ------------------------------------------
    والذي ذكرته هو نزر يسير يعطينا دلالة واضحة على نفسيات الصحابة وموقف العلماء من أهل السنة المتناقض، فبينما يمنعون على الناس نقدهم والشك فيهم، يروون في كتبهم ما يبعث على الشك والطعن فيهم، وليت علماء السنة والجماعة لم يذكروا مثل هذه الاشياء الصريحة التي تمس كرامة الصحابة وتخدش في عدالتهم إذن لاراحونا من عناء الارتباك.

    وإني أتذكر لقائي مع أحد علماء النجف الاشرف وهو أسد حيدر مؤلف كتاب «الامام الصادق والمذاهب الاربعة» وكنا نتحدث عن السنة والشيعة، فروى لي قصة والده الذي التقى في الحج عالما تونسيا من علماء الزيتونة، وذلك منذ خمسين عاما، ودار بينهما نقاش في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فكان العالم التونسي يستمع إلى والدي وهو يعدد الادلة على إمامته (ع) وأحقيته في ا لخلافة فأحصى أربعة أو خمسة أدلة، ولما انتهى سأله العالم الزيتوني هل لديك غير هذا ؟ قال: لا، فقال التونسي: أخرج مسبحتك وأبدا في العد، وأخذ يذكر الادلة على خلافة الامام علي (ع) حتى عدد له مائة دليل لا يعرفها والدي، وأضاف الشيخ أسد حيدر: لو يقرأ أهل السنة والجماعة ما في كتبهم، لقالوا مثل مقالتنا ولانتهى الخلاف بيننا من زمان بعيد.

    ولعمري إنه الحق الذي لا مفر منه لو يتحرر الانسان من تعصبه الاعمى وكبريائه وينصاع للدليل الواضح.

    ***
    والله شاهد بأني اريد الحق
    والحمد لله رب العالمين

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
    استجابة 1
    10 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
    ردود 2
    12 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    يعمل...
    X