التركة والحظ والأنصبة : قضية للتدبر من كتاب الله
مما لا شك فيه بأن قضية التركات وتوزيعها هي من القضايا الهامة جداً والتي تمس الكثير الكثير من الناس .
وقد أنزل الله سبحانه في كتابه الحكيم آيات بينات فيها الحكم لمثل هذه القضية الهامة وبين للمسلمين المؤمنين أنها من حدود الله وطلب منهم الالتزام بها وحذر من تعديها تحذيراً شديداً .
وأظن أن الكثيرين منا عندما يقرؤون ما فقهه الفقهاء من هذه القضية وما تطبقه المحاكم الشرعية سنداً لما قدمه هؤلاء الفقهاء يصاب بالصدمة سواء في نسب توزيع الأنصبة والجهات المستحقة لها هذا ناهيك عن ما يسمونه الرد والعول والذي هو دليل من الأدلة الدامغة بأن تطبيقهم لحكم الله في هذه القضية ليس صحيحاً .
ما أود طرحه في هذا الموضوع هو جملة من التساؤلات التي تطرح نفسها وتستدعي التوقف عندها وتدبرها جيداً عسانا إن أحسنا تدبرها وفقه دليلها نصل لفهم وفقه صحيح نطيع الله به ولا نتعدى حدوده .
وقبل أن أطرح هذه التساؤلات سوف أورد الآيات التي تناولت موضوع التركة وأشراطها وأنصبتها والجهات المستحقة لها .
1 ـ هناك توكيد على الوصية لمن يحضره الموت ولها أشراطها كذلك :
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ{180} فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{181} فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{182} / البقرة
{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ }المائدة106
2 ـ هناك توكيد لنصاب مفروض للأولاد ( رجالاً ونساء ) من تركة والديهم كما أن هناك حض على تخصيص مقدار من التركة لأولي القربى واليتامى والمساكين :
لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً{7} وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً{8} وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً{9} / النساء .
3 ـ البيانات من كتاب الله التي تحكم توزيع التركة توضح أن المعادلة العامة للجهات التي تستحقها هي :
زوج التارك + أولاده + أبويه + أخوته .
وها هي البيانات :
يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً{11} وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ{12} / النساء
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النساء176
ما أفهمه من البيانات أعلاه أنه وقبل توزيع التركة يجب :
1 ـ تسديد كامل ديون التارك .
2 ـ تنفيذ وصيته شرط أن تكون للوالدين والأقربين وبالمعروف وألا يكون فيها جنفاً أو إثماً وفي حال وجود مثل هذا فيجب الإصلاح فيها بما يستوجب التقوى .
3 ـ تخصيص مقدار من التركة لأولي القربى واليتامى والمساكين الذين يقعون ضمن دائرة التارك وضمن المستطاع .
4 ـ المتبقي من التركة بعد تنفيذ البنود الثلاثة أعلاه هو صافي التركة القابل للتوزيع على المستحقين للتركة والذين تشملهم المعادلة العامة وهم ( زوج التارك + أولاده + أبويه + أخوته ) فقط
ملاحظات حول المعادلة العامة :
ـ هذه المعادلة لها طرفين هما الأنصبة ومقدار التركة .
ـ وطالما أن البيانات قد حددت نسباً من صافي التركة للمستحقين فذلك يعني أن طرفي المعادلة هما :
مجموع النسب = 1 وغير ذلك فالمعادلة غير متوازنة وبالتالي ففهمنا وفقهنا وتطبيقنا للبيانات التي تحكمها غير صحيح .
والتساؤلات التي تطرح نفسها وتستدعي التوقف ملياً عندها وتدبرها وفهمها وفقهها ليصار لتطبيقها هي :
1 ـ لقد حدد البيان 11 / النساء حظوظ ( وليس نصيب ) الأولاد فيما بينهم وميز بينهم في الجنس ( ذكور ، إناث ) وأعطى للذكر مثل حظ الأنثيين .
فهل نفهم من ذلك أن المعادلة الأساس لتوزيع أنصبة الأولاد فيما بينهم هي هذه فقط ؟
2 ـ في نفس البيان 11 / النساء عاد ليبين أمرين آخرين يخصان الأولاد وهما :
ـ وضع الأولاد وعدد النساء منهم .
ـ نصيب النساء من التركة .
والأسئلة التي تتطلب جواباً في هذا الصدد هي :
1 ـ لمن عائدية كلمة (كُنَّ ) في الجملة ( فَإِن كُنَّ نِسَاء ) أهي للأولاد ككل أم لـــ (الأُنثَيَيْنِ ) ؟
2 ـ ما هو دليل كلمة (نِسَاء ) في الجملة ( فَإِن كُنَّ نِسَاء ) أهو الإناث البالغات أم أن الدليل هنا يأتي بمعنى النسيء الذي يعني في هذا المجال الأولاد القاصرين ( ذكوراً وإناثاً ) وغير المنتجين لسبب ما والذين عكسهم الأولاد الرجال ( الذكور والإناث ) المنتجين الذين لديهم الاستطاعة على السعي والعمل والكد والكسب ؟
3 ـ ما هو دليل ( فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ) أهو ما يعرف في المعادلات الرياضية بــ ( أكثر أو يساوي ) أم أن الدليل أكثر من اثنتين وماذا بشأن اثنتين ؟
4 ـ في البيانات هناك أطراف لها نصيب حدد بنسب تلتها العبارة ( ما ترك ) وهناك أطراف لها نصيب حدد بنسب تلتها العبارة ( مما ترك ) فهل نفهم أن العبارة ( ما ترك ) تشير إلى صافي التركة القابلة للتوزيع وأن العبارة ( مما ترك ) تشير إلى المتبقي من التركة بعد اقتطاع نسب المستحقين من صافي التركة المعبر عن نسبهم بالقول ( ما ترك ) ؟
5 ـ مطلع البيان 11 / النساء يوصي التارك بأولاده وهذا يعني الذين هم من صلبه فقط فماذا بشأن الأبناء فقد يكون التارك ( والد وأب ) ( والدة وأم ) وقد يكون ( أب وليس والد ) ( أم وليست والدة ) ؟
6 ـ البيان 11 / النساء يوصي بالأبوين كذلك والأب هو المربي وقد لايكون الوالد أو الوالدة كما اشرنا سابقاً فمن هم الأبوين ؟
7 ـ ما هو دليل الكلالة في البيان 12 / النساء حيث وصف من يورث بسببها سواء كان ( رجلاً = ذكراً بالغاً) أو ( امرأة = أنثى بالغة )
8 ـ البيان 176 / النساء بين أن الكلالة بسبب هلاك المرء فما دليل الهلاك هنا أهو الموت أم فقدان الفاعلية في الحياة وهو ما زال على قيد الحياة سيما أنه جاء وصف من كل بسبب الهلاك بأنه ( امرء ) وهذا يعني أنه كان صاحب مروءة وفاعلية وكان بالغاً منتجاً قبل أن يكل بسبب الهلاك ؟
أرجو من الجميع المشاركة بفاعلية
والسلام عليكم