قبل أن أنقل الرواية أنقل جزءًا من بدايتها مهم: "قال (عليه السلام): إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب"
روي عن محمد بن صدقة أنه قال: سأل أبو ذر الغفاري سلمان الفارسي رضي الله عنهما يا أبا عبد الله ما معرفة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنورانية؟ قال: يا جندب فامض بنا حتى نسأله عن ذلك، قال: فأتيناه فلم نجده.
قال: فانتظرناه حتى جاء قال صلوات الله عليه: ما جاء بكما؟ قالا جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية قال صلوات الله عليه: مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه لستما بمقصرين، لعمري أن ذلك الواجب على كل مؤمن ومؤمنة، ثم قال صلوات الله عليه: يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب، يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجلومعرفة الله عز وجل معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى:"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"(سورة البينة).
يقول: ما أمروا إلا بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الدين الحنيفية المحمدية السمحة، وقوله:"يقيمون الصلاة"فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
فالملك إذا لم يكن مقربا لم يحتمله، والنبي إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله، قلت: يا أمير المؤمنين من المؤمن وما نهايته وما حده حتى أعرفه؟ قال (عليه السلام): يا أبا عبد الله قلت: لبيك يا أخا رسول الله، قال: المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من أمرنا إليه بشيء إلا شرح صدره لقبوله ولم يشك ولم يرتب.
اعلم يا أبا ذر أنا عبد الله عز وجل وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته، فإن الله عز وجل قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون.
قال سلمان: قلت: يا أخا رسول الله ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال: نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز:"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين"(سورة البقرة/45) فالصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصلاة إقامة ولايتي، فمنها قال الله تعالى:"وإنها لكبيرة"ولم يقل: وإنهما لكبيرة لان الولاية كبيرة حملها إلا على الخاشعين، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون، وذلك لانأهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرون لمحمد (صلى الله عليه وآله) ليس بينهم خلاف وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل.
وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال:"إنها لكبيرة إلا علي الخاشعين"وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ولايتي فقال عز وجل:"وبئر معطلة وقصر مشيد"(الحج/15) فالقصر محمد والبئر المعطلة ولايتي عطلوها وجحدوها، ومن لم يقر بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا إنهما مقرونان.
وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي مرسل وهو إمام الخلق، وعلي من بعده إمام الخلق ووصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما قال له النبي (صلى الله عليه وآله):"أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"وأولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد، فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم كما قال الله تعالى:"وذلك دين القيمة"(البينة/5) وسأبين ذلك بعون الله وتوفيقه.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك.
قال: كنت أنا ومحمد نورا واحدا من نور الله عز وجل، فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشق فقال للنصف: كن محمدا وقال للنصف: كن عليا، فمنها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):"علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي"وقد وجه أبا بكر ببراءة إلى مكة فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد قال: لبيك، قال: إن الله يأمرك أن تؤديها أنت أو رجل عنك، فوجهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال: يا رسول الله أنزل في القرآن؟ قال: لا ولكن لا يؤدي إلا أنا أو علي.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أخا رسول الله، قال (عليه السلام): من لا يصلح لحملصحيفة يؤديها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يصلح للإمامة؟ يا سلمان ويا جندب فأنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كنا نورا واحدا صار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمد المصطفى، وصرت أنا وصيه المرتضى، وصار محمد الناطق، وصرت أنا الصامت، وإنه لا بد في كل عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت، يا سلمان صار محمد المنذر وصرت أنا الهادي، وذلك قوله: عز وجل:"إنما أنت منذر ولكل قوم هاد"(الرعد/7) فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر وأنا الهادي.
"الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به و من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله"(الرعد/8-11).
قال: فضرب (عليه السلام) بيده على الأخرى وقال: صار محمد صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر، وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار، أقول لها: خذي هذا وذري هذا، وصار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة وأنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله عز وجل علم ما فيه.
نعم يا سلمان ويا جندب وصار محمد يس والقرآن الحكيم، (سورة يس) وصار محمد ن والقلم، (سورة القلم) وصار محمد طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، (سورة طه) وصار محمد صاحب الدلالات، وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات، وصار محمد خاتم النبيين وصرت أنا خاتم الوصيين، وأنا الصراط المستقيم (الفاتحة) وأنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون (سورة النبأ) ولا أحد اختلف إلا في ولايتي، وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف، وصار محمد نبيا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الله عز وجل:"يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده"(المؤمنون:15) وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح إلا على ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتجب، فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين، وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السماوات والأرض.
يا سلمان ويا جندب وصار محمد الذكر الذي قال الله عز وجل:"قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله"(الطلاق:10 و 11) إني أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام الحجة حجة للناس، وصرت أنا حجة الله عز وجل، جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربي، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربي، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربي.
وأنا عذاب يوم الظلة، وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان: الجن والإنس وفهمه قوم.
إني لأسمع كل قوم الجبارين والمنافقين بلغاتهم وأنا الخضر عالم موسى وأنا معلم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله عز وجل.
يا سلمان ويا جندب أنا محمد ومحمد أنا وأنا من محمد ومحمد مني، قال الله تعالى:"مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان"(الرحمن/19-20).
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إن ميتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لن يقتلوا.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك صلوات الله عليك، قال: (عليه السلام): أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي، وأيدت بروح العظمة، وإنما أنا عبد من عبيد الله لا تسمونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا، ولا معشار العشر.
لأنا آيات الله ودلائله، وحجج الله وخلفاؤه وأمناؤه وأئمته، ووجه الله وعين الله ولسان الله، بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا، ولو قال قائل: لم وكيف وفيم؟ لكفر وأشرك، لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام): من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل، ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب.
يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام):أنا احيي وأميت بإذن ربي، أنا أنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي (عليهم السلام) يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا لانا كلنا واحد، أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا، ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا، وما أعطانا الله ربنا لان من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل ومشيته فينا.
يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام): لقد أعطانا الله ربنا ما هو أجل وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كله قلنا: يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أعظم وأجل من هذا كله؟ قال: قد أعطانا ربنا عز وجل علمنا للاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقت السماوات والأرض والجنة والنار ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرب ونشرق وننتهي به إلى العرش فنجلس (1) عليه بين يدي الله عز وجل ويطيعنا كل شيء حتى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنة والنار، أعطانا الله ذلك كله بالاسم الأعظم الذي علمنا وخصنا به، ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ونعمل هذه الأشياء بأمر ربنا ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
وجعلنا معصومين مطهرين وفضلنا على كثير من عباده المؤمنين، فنحن نقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وحقت كلمة العذاب على الكافرين، أعني الجاحدين بكل ما أعطانا الله من الفضل والإحسان، يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسك بها راشدا فانه لا يبلغ أحد من شيعتنا حد الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم، وارتقى درجه من الفضل، واطلع على سر من سر الله، ومكنون خزائنه.
حديث معرفة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالنورانية
روي عن محمد بن صدقة أنه قال: سأل أبو ذر الغفاري سلمان الفارسي رضي الله عنهما يا أبا عبد الله ما معرفة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنورانية؟ قال: يا جندب فامض بنا حتى نسأله عن ذلك، قال: فأتيناه فلم نجده.
قال: فانتظرناه حتى جاء قال صلوات الله عليه: ما جاء بكما؟ قالا جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية قال صلوات الله عليه: مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه لستما بمقصرين، لعمري أن ذلك الواجب على كل مؤمن ومؤمنة، ثم قال صلوات الله عليه: يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب، يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجلومعرفة الله عز وجل معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى:"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"(سورة البينة).
يقول: ما أمروا إلا بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الدين الحنيفية المحمدية السمحة، وقوله:"يقيمون الصلاة"فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
فالملك إذا لم يكن مقربا لم يحتمله، والنبي إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله، قلت: يا أمير المؤمنين من المؤمن وما نهايته وما حده حتى أعرفه؟ قال (عليه السلام): يا أبا عبد الله قلت: لبيك يا أخا رسول الله، قال: المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من أمرنا إليه بشيء إلا شرح صدره لقبوله ولم يشك ولم يرتب.
اعلم يا أبا ذر أنا عبد الله عز وجل وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته، فإن الله عز وجل قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون.
قال سلمان: قلت: يا أخا رسول الله ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال: نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز:"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين"(سورة البقرة/45) فالصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصلاة إقامة ولايتي، فمنها قال الله تعالى:"وإنها لكبيرة"ولم يقل: وإنهما لكبيرة لان الولاية كبيرة حملها إلا على الخاشعين، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون، وذلك لانأهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرون لمحمد (صلى الله عليه وآله) ليس بينهم خلاف وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل.
وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال:"إنها لكبيرة إلا علي الخاشعين"وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ولايتي فقال عز وجل:"وبئر معطلة وقصر مشيد"(الحج/15) فالقصر محمد والبئر المعطلة ولايتي عطلوها وجحدوها، ومن لم يقر بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا إنهما مقرونان.
وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي مرسل وهو إمام الخلق، وعلي من بعده إمام الخلق ووصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما قال له النبي (صلى الله عليه وآله):"أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"وأولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد، فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم كما قال الله تعالى:"وذلك دين القيمة"(البينة/5) وسأبين ذلك بعون الله وتوفيقه.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك.
قال: كنت أنا ومحمد نورا واحدا من نور الله عز وجل، فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشق فقال للنصف: كن محمدا وقال للنصف: كن عليا، فمنها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):"علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي"وقد وجه أبا بكر ببراءة إلى مكة فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد قال: لبيك، قال: إن الله يأمرك أن تؤديها أنت أو رجل عنك، فوجهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال: يا رسول الله أنزل في القرآن؟ قال: لا ولكن لا يؤدي إلا أنا أو علي.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أخا رسول الله، قال (عليه السلام): من لا يصلح لحملصحيفة يؤديها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يصلح للإمامة؟ يا سلمان ويا جندب فأنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كنا نورا واحدا صار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمد المصطفى، وصرت أنا وصيه المرتضى، وصار محمد الناطق، وصرت أنا الصامت، وإنه لا بد في كل عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت، يا سلمان صار محمد المنذر وصرت أنا الهادي، وذلك قوله: عز وجل:"إنما أنت منذر ولكل قوم هاد"(الرعد/7) فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر وأنا الهادي.
"الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به و من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله"(الرعد/8-11).
قال: فضرب (عليه السلام) بيده على الأخرى وقال: صار محمد صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر، وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار، أقول لها: خذي هذا وذري هذا، وصار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة وأنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله عز وجل علم ما فيه.
نعم يا سلمان ويا جندب وصار محمد يس والقرآن الحكيم، (سورة يس) وصار محمد ن والقلم، (سورة القلم) وصار محمد طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، (سورة طه) وصار محمد صاحب الدلالات، وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات، وصار محمد خاتم النبيين وصرت أنا خاتم الوصيين، وأنا الصراط المستقيم (الفاتحة) وأنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون (سورة النبأ) ولا أحد اختلف إلا في ولايتي، وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف، وصار محمد نبيا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الله عز وجل:"يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده"(المؤمنون:15) وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح إلا على ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتجب، فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين، وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السماوات والأرض.
يا سلمان ويا جندب وصار محمد الذكر الذي قال الله عز وجل:"قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله"(الطلاق:10 و 11) إني أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام الحجة حجة للناس، وصرت أنا حجة الله عز وجل، جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربي، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربي، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربي.
وأنا عذاب يوم الظلة، وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان: الجن والإنس وفهمه قوم.
إني لأسمع كل قوم الجبارين والمنافقين بلغاتهم وأنا الخضر عالم موسى وأنا معلم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله عز وجل.
يا سلمان ويا جندب أنا محمد ومحمد أنا وأنا من محمد ومحمد مني، قال الله تعالى:"مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان"(الرحمن/19-20).
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إن ميتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لن يقتلوا.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك صلوات الله عليك، قال: (عليه السلام): أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي، وأيدت بروح العظمة، وإنما أنا عبد من عبيد الله لا تسمونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا، ولا معشار العشر.
لأنا آيات الله ودلائله، وحجج الله وخلفاؤه وأمناؤه وأئمته، ووجه الله وعين الله ولسان الله، بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا، ولو قال قائل: لم وكيف وفيم؟ لكفر وأشرك، لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام): من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل، ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب.
يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام):أنا احيي وأميت بإذن ربي، أنا أنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي (عليهم السلام) يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا لانا كلنا واحد، أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا، ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا، وما أعطانا الله ربنا لان من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل ومشيته فينا.
يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام): لقد أعطانا الله ربنا ما هو أجل وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كله قلنا: يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أعظم وأجل من هذا كله؟ قال: قد أعطانا ربنا عز وجل علمنا للاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقت السماوات والأرض والجنة والنار ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرب ونشرق وننتهي به إلى العرش فنجلس (1) عليه بين يدي الله عز وجل ويطيعنا كل شيء حتى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنة والنار، أعطانا الله ذلك كله بالاسم الأعظم الذي علمنا وخصنا به، ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ونعمل هذه الأشياء بأمر ربنا ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
وجعلنا معصومين مطهرين وفضلنا على كثير من عباده المؤمنين، فنحن نقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وحقت كلمة العذاب على الكافرين، أعني الجاحدين بكل ما أعطانا الله من الفضل والإحسان، يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسك بها راشدا فانه لا يبلغ أحد من شيعتنا حد الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم، وارتقى درجه من الفضل، واطلع على سر من سر الله، ومكنون خزائنه.
بحار الأنوار المجلد 26 من صفحة 7 إلى صفحة 15