((زواج المتعه))::
البعد التاريخي لحقيقة المتعة: ((الأستاذ عبد الحسين الدعيمي)).
إن أحكام الدين وشريعة الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله) عند الإنسان المؤمن ليست مجموعة عادات وتقاليد يقوم بها، وطالما إن زواج المتعة هو من الأحكام والشريعة السمحاء لذلك لا يكون عادة للشيعة بل هو حكم من الله منزل على عبده المرسل.
آية الاستمتاع (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجور هن فريضة)[سورة النساء: الآية 24].
مسألة اجتماعية وحاجة إنسانية
إذن فالمتعة مسألة اجتماعية إذا أحب الإنسان أن يفعلها فعلها وإن لم يحبها لم يفعلها فهيّ من المباحات في الشرع، وقد أجمع علماء المسلمين سنة وشيعه على نزول الآية السابقة من سورة النساء في المتعة ولكنهم اختلفوا على إنها نسخت أم لم تنسخ، ولأن الاعتراف بأخطاء الآخرين يستدعي رفضها والبحث عن غيرها وهذا يعني تحملهم لمشاق ومصاعب قد تضمهم وجهاً لوجه أمام الحقائق المرة واعترافات خطيرة قد تغيّر مجرى التأريخ كما تغير من قبل... وقولهم بأن للمتعة آثاراً سلبية كثيرة على المجتمع نرى في قول الإمام علي (عليه السلام) فيها ردٌ على قولهم حيث قال (عليه السلام) (لولا تحريم عمر للمتعة مازنا إلا شقي)(1) فالمتعة كغيرها من شؤون المعاملات فإذا نفذت بحذافيرها ونظمت من قبل المعنيين المسؤولين في الدول الإسلامية لما اختلفت عن غيرها من المعاملات، أما إذا تركت للهمج الرعاع يعملون بها كما يشاءون دون معرفة شروطها وأحكامها.
ستترك آثاراً سلبية كأي أمر أهمل ولم ينظم... فشروطها وأحكامها خلاصٌ للمجتمع من الوقوع في شرك الرذيلة وأمراضها.
الروايات التي وردت فيها
1- عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مات (صلى الله عليه وآله)(2).
2- نقل عن الرازي في تفسيره عن عمران بن حصين أنه قال:
نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها نسخها وأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتمتعنا بها ومات ولم ينهنا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء(3).
3- نص على نزول هذه الآية في المتعة مجاهد فيما أخرجه عنه الطبري في تفسيره.
4- عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة فقال (عن أي المتعتين تسأل؟
قال: سألتك عن متعة الحج فأنبأتني عن متعة النساء أحقٌ هي؟
قال (عليه السلام): سبحان الله..! أما تقرأ كتاب الله:
(فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) فقال أبو حنيفة:
والله لكأنها آية لم أقرأها قط(4).
تعارض الروايات
لقد قال معظم علماء السنة بنسخ آية المتعة بعدة أحاديث آحاد هي:
1- عن علي (عليه السلام) انه قال لابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر(5).
2- عن اياس بن سلمه عن أبيه قال: رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها(6).
3- عن الربيع بن سبره الجهني إن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
يا أيها الناس إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً(7).
4- وعن عبد الملك بن الربيع بن سبره عن أبيه عن جده قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها(8).
5- وعن ربيع بن الجهني أن أباه قال:
قد كنت استمتعت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) امرأة من بنى عامر ببردين أحمرين ثم نهانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة(9).
هذه أحاديث متناقضة متعارضة فيما بينها تارة تصرح بأن المتعة نسخت يوم خيبر وتارة يوم اوطاس وأخرى يوم فتح مكة وتعارض الأدلة يسقطها إضافة إلى هذا التعارض فأن هذه الأحاديث أخبار آحاد لا تنسخ القرآن المتواتر وإلا لثبت تحريف القرآن عن طريق أخبار الآحاد.. وعلى فرض ثبوت هذه الروايات من طريق التواتر فإن كلمة النهي عن المتعة بدون وجود قرائن لا تدل على التحريم، فعلى سبيل المثال.. رويت أحاديث كثيرة في النهي عن البول قائماً ولعدم وجود قرائن تدل على الحرمة فقد نقل الإمام النووي قوله معلقاً عليها (فلهذا قال العلماء يكره البول قائماً إلا لعذر..، وهي كراهة تنزيه لا تحريم)(10).
ومقالة الإمام علي فيها (لولا ن عمر نهى عن المتعة ما زني إلا شقي)(11).
وقول عبد الله بن عباس:
(ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي)(12).
إضافة إلى تلك الأحاديث المهمة التي تثبت إن عمر بن الخطاب هو الذي منعها فقد ثبت على نص عدم تحريمها بعد النبي (صلى الله عليه وآله) الكثير من الصحابة ذكرهم ابن حزم على التوالي: أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمى ومعبد ابنا أمية بن خلق ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدة خلافة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر قال ومن التابعين: طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة(13).
الاستدلال على عدم التحريم
1- إن لفظ الأجور خاص من الناحية الشرعية بالعقود المؤقتة ولا يعبر عن المهر إلا مجازاً وهو يحتاج إلى قرينة فأن دلت القرينة على قصد المجازية وهو كونه مهراً وصداقاً للنكاح الدائم أخذنا به وإلا حملناه على حقيقته بالعقد المؤقت ولذا في البيع يسمى ثمناً ولا يسمى أجرة لأنه عقد مؤبد.
2- إن عقد النكاح الدائم لا يعبر عنه بالتمتع حقيقة إلا مجازاً وذلك لأن الدائم لا يقصد منه التمتع واللذة الجنسية فقط إنما يقصد منه تكوين الأسرة إكثار الذرية والمشاركة في شؤون الحياة والمجتمع مؤبداً وما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى (خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة)[سورة الروم: الآية 21].
(هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)[سورة البقرة: الآية 187] فالفرق واضح فيما بينهما حيث إن العقد المؤقت لا يوجد فيه نص المشاركة في أمور الحياة والمجتمع كالإرث وغيره، ولا يوجد فيه ديمومة واستقرار أو سكن للإنسان إنما هو اضطراري لقضاء الشهوة فقط وتحصينه عن الوقوع في الحرام إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
3- إن القرآن الكريم علق وجوب إعطاء الأجر على الاستمتاع فهو مقصور على العقد المؤقت لأن المهر بالعقد الدائم بدون الدخول لا يجب إلا بنصف المهر إذا كان قد عينه. أما في المتعة فالأجر واجب سواء استمتع بالنظر أم باللمس أم بالجماع أولم يفعل أي شيء معها ولم يقاربها أبداً.
أيهما أصح وأقرب إلى التقوى
في مصر والسعودية وبعض الدول الإسلامية الأخرى يطبق زواج المتعة تحت أسماء مستعارة، ففي السعودية (زواج المسيار أو الزواج الصيفي وقد عبر عن هذا الزواج مقال الدكتور صالح الفوزان قائلاً (قضية الزواج في الخارج تعبر عن رغبة الرجل المسافر وحده في تحصين نفسه من الانحرافات)(14).
وفي مصر سميّ (الزواج البديل، السري، العرفي) وقد قال الدكتور أحمد شلبي عن هذا الزواج إنه زواج استكمل أركانه، وهو عقد شرعي بدون توثيق.
وقال عنه إمام الأزهر الراحل الشيخ جاد الحق: (إنه زواجٌ صحيح مستوفي الشروط وليس التوثيق لإثبات صحة الزواج)(15).
وفي بعض دول الخليج يتزوج الرجل من امرأة بنية طلاقها بعد فترة قريبة جداً حسب إشباع رغبته الجنسية أو انتهاء عمله في تلك المنطقة وذلك حسب افتاءات علماء المنطقة.. فلنتأمل هذه الزيجات كيف تصبح حلالاً عند أهل السنة والمتعة التي تقابلها حرام عند الشيعة..!! وقد قال سبحانه وتعالى بمحكم كتابة المجيد.
(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)[سورة النحل: الآية 116].
الفرق بين زواج المتعة والزنا
1- يتم الزواج بلفظ للعقد الشرعي مثل كافة العقود الشرعية تقول المرأة زوجتك - أنكحتك - متعتك نفسي إلى أجل قدره.. وأجرته.. فيقول الرجل: قبلت.
يعني اللفظ يحتاج إلى إيجابٍ وقبولٍ وهذا اللفظ غير موجود في الزنا.
2- تُعتدٌ الزوجة بعد مفارقتها، بعده إذا كانت ممن تحيض أو خمسة وأربعون يوماً إذا كانت ممن لا تحيض أما الزانية لا عدة لها.
3- في زواج المتعة يلحق الولد بأبيه أما في الزنا فلا يلحق الولد بأحدٍ لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (الولد للفراش وللعاهر الحجر).
4- مجرد القول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعمل هو وأصحابه بالمتعة يستلزم التفريق بينها وبين الزنا لتحريم الزنا وفحشه.
5- يشترط لصحة عقد المتعة ذكر الأجرة أما الزنا فقد يحصل بأجرة أو بدونها.
6- في الزواج يجب أن لا تكون الزوجة على ذمة رجل آخر أما الزنا باعتباره محرم فلا يهم صاحبه كيفما اتفق ومهما كان فقصد الزنا له تعبيره الخاص المحرم أما قصد النكاح الشرعي له قصده ومقدماته الخاصة لتحصل فيه الصيغة الشرعية التي تحلل للرجل مقاربة المرأة والاجتماع بها.
الاستنتاج
من خلال ما تقدم نستنتج من خلال الآيات والأحاديث الصحيحة إن زواج المتعة لم يحرمه الإسلام بل إن الذي حرمه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ونهج على نهجه من المسلمين من تمسك بسيرة الخلفاء واعتبرها سنة واجتهاداً منهم واستغنوا بذلك عن النص التشريعي الذي ورد في كتاب الله وسنة رسول (صلى الله عليه وآله).
++++++++++++++++++++++++++
الهوامش:
1- الطبري ج 5 ص 17، الفخر الرازي ج 3 ص 200.
2- مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 436.
3- تفسير الرازي ج 10 ص 49.
4- وسائل الشيعة ج 14 ص 437.
5- صحيح البخاري ج 7 ص 24.
6- صحيح مسلم ج 2 ص 1023.
7- صحيح مسلم ج 2 ص 1023.
8- صحيح مسلم ج 2 ص 1025.
9- نفس المصدر.
10- صحيح مسلم شرح النووي ج 3.
11- تفسير الطبري ج 5 ص 17 والفخر الرازي ج 3 ص 200 وتفسير أبي حيان ج 3 ص 1318 والدر المنشور للسيوطي ج 2 ص 40.
12- تفسير القرطبي ج 5 ص 130.
13- المحلى لابن حزم ج 9 ص 519 المسألة 1854.
14- جريدة عكاظ الأسبوعية سنه 1996 باب الأسئلة الحرجة.
15- مجلة روز اليوسف العددان 3582، 3583.
الزواج المؤقت (المتعه)
إن صاحب منشور: (رسالة لزملائي الطلبة العدد 1)( مشوش الذهن، مبلبل الخاطر، متوتر الأعصاب، عصبي المزاج، تراه يقفز من موضوع إلى آخر، وهو يثير هذه المواضيع إثارة سطحية، ثم يتجاوزها بلا حجة ولا برهان، مع أنه يتهم الآخرين من المسلمين بلا تحرّجٍ ولا تأثُّمٍ، ولا شعورٍ بالذنب الذي يرتكبه، والجريمة التي يقترفها، وكأن هؤلاء المسلمين ليس لهم عنده حرمة، ولا لهم لديه زمام، وجدير بمثل هذا الناعق أن يقام عليه حد القذف، وأن تُنزَل به عقوبةٌ تردعه عن ارتكاب مثل هذه الآثام، وتزجره عن المضي في درب الغواية، وتفريق صفوف المسلمين، وإثارة الأحقاد بينهم، وإعادة الشحناء والبغضاء إلى قلوبهم.
فبينما تراه يثير موضوع الحسينيات بما يصدع القلب السليم، يقفز إلى موضوع الطعن بالصحابة الكرام، بما يوهم أن الشيعة لا يقيمون أي وزن لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيما ينتقل بشكل سريع وعجيب ومريب إلى موضوع الزواج المؤقت (المتعة)، وتستيقن من هذا كله أن هذا الناعق الجاهل، لا غرض له في واقع الأمر وحقيقته، إلاّ إثارة دواعي الفرقة وأسباب النزاع، كالشيطان ينزغ بين المؤمنين، نعوذ بالله تعالى من نزغه ونفثه ووسوسته، قال تعالى في محكم القرآن الكريم: (وإما ينزغنّك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميع عليم)[سورة الأعراف: الآية 200].
ويسأل الإنسان الشريف نفسه، أيردّ على هذا الغويِّ مزاعمه الكاذبة، وأوهامه الباطلة؟ أم يهمله ويتجاوز عن ترّهاته وتفاهاته؟ نعم لو كان الأمر يخصّه وحده ولا يتجاوزه إلى غيره، لكان إهماله وعدم الردّ عليه أنفع وأجدى، وقوفاً عند قوله سبحانه وتعالى وهو يصف المؤمنين: (وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراماً)[سورة الفرقان: الآية 72]، وقوله عزّ من قائل: (والذين هم عن اللغو معرضون)[سورة المؤمنون: الآية 3].
ولكن الموضوع يتجاوز هذا الناعق الجاهل، إلى مالا نعلم عدده من المؤمنين، الذين يرسل لهم منشوره المضلل هذا، في عصر هذه الثورة الإعلامية الواسعة، التي تتكفل بنشر المعلومة إلى أوسع مدىً بسرعة البرق الخاطف.
من هنا، فقد رأينا من الواجب الشرعي، أن ندحض الأباطيل بالحقائق، وأن ندفع الأكاذيب بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، لنقطع عن قلوب المؤمنين دابر الضالين المضلين، ونمحو عن صفحة الحق والإيمان أثر الشياطين الغاوين.
يقول هذا الشيطان الغويّ الرجيم: (المنافقون هم الذين استحلوا الزنى باسم المتعة، واستحلوا اللواط باسم الدين)، وأنا لا أدري أولاً: باسم أي شيطان رجيم أحلّ هذا الإبليس لنفسه وصف المؤمنين بالمنافقين، فله من الله ما يستحقه من اللعن على فريّته الكبيرة تلك، ولا أدري ثانياً: كيف حشر هذا الأفاك (اللواط) مع (المتعة)؟، وبمن من طوائف المسلمين يلصق هذه الفاحشة الممقوتة؟، ألا يثير حفيظتك أخي المؤمن، أن ينعت هذا الناعق الجاهل إخوتك المؤمنين باللواط؟! في أي مذهب من مذاهب المسلمين رأى شيوع هذا المنكر المستهجَن الفظيع، الذي يستحق مرتكبه حدّاً مغلّظاً يفوق حد الزنى؟.
إني لأظن أن توجيه الاتهام لأي طائفة من طوائف المسلمين بالزنى واللواط، كبيرة من الكبائر، التي تستوجب لصاحبها نار جهنم وبئس المصير، وأنه لا يمكن لأحد أن يقدم على هذه الجريمة الكبرى، ما لم يكن ابن زانية ولوطي.
أما القول عن زواج المتعة بأنه زِنى، فمصدره إما سوء الفهم وقلّة العلم، أو سوء النية وخبث الطوية، ويكفي لنفي صورة الزنى عن المتعة، أن المسلمين قد أجمعوا إجماعاً غير قابل للنقض، على أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد أباحها، ثم اختلفوا في نسخ هذه الإباحة.
فقد أخرج مسلم في صحيحه(1)، عن قيس قال: سمعت عبد الله يقول: كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)[سورة المائدة: الآية 87].
ولو كانت المتعة تندرج تحت اسم الزنى، لما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن يحلّها ساعة من نهار، فكيف والمسلمون (السنة) يروون أن النبي أحلها وحرّمها عدة مرات في عدة مواطن؟ وكيف وعبد الله – في الحديث السابق الذي رواه مسلم في صحيحه- اعتبرها من طيبات ما أحلّ الله؟.
على أن أصل مشروعية زواج المتعة، منصوص عليه في القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة من الله)[سورة النساء: الآية 24]. وقد روي عن جماعة من الصحابة، منهم أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، أنهم قرأوا: (فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى فآتوهنّ أجورهنّ فريضة)، وفي ذلك تصريح بأن المراد به عقد المتعة(2)، وقد قال الرازي في تفسيره لهذه الآية: (إن المراد بهذه الآية حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم لأجل معيّن فيجامعها، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام، روي أن النبي (صلى الله عليه وآله)، لما قدم مكة في عمرته تزينت نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) طول العزوبة، فقال: استمتعوا من هذه النساء، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا، فذهب السواد الأعظم من هذه الأمة إلى أنها صارت منسوخة، وقال السواد منهم أنها بقيت مباحة كما كانت)(3)، وعلى هذا الرأي كبار المفسرين السنة، كالجصاص والبغوي ومجاهد والقرطبي والسيوطي والشوكاني والألوسي والبيضاني وسواهم، وكبار المحدّثين وشرّاح الحديث، كابن حجر في شرحه لصحيح البخاري، والنووي في شرحه لصحيح مسلم.
وقال عمر: (متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة النساء ومتعة الحج)(4).
وجملة: وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، تدل دلالة واضحة وبشكل قاطع، أن هاتين المتعتين كانتا حلالاً طيلة حياة النبي، وحياة الخليفة الأول أبي بكر، ولذلك فقد ذهب كثير من الصحابة إلى مشروعية المتعة، خلافاً لما ذهب إليه عمر، وأنكروا عليه نهيه عن المتعة، منهم الإمام علي (عليه السلام)(5)، وعبد الله بن عباس(6)، وعمران بن حصين(7)، وأبيّ بن كعب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة وشعبة وأبو ثابت(8)، بل وعبد الله بن عمر(9)، الذي كان يراجَع في موقفه المخالف لموقف أبيه فيقول: سبحان الله، نقول لكم قال رسول الله وتقولون قال عمر(10)؟.
وفي صحاح السنة أحاديث صريحة وواضحة في بقاء حكم المتعة، وعدم نسخ النصوص التي تبيحها:
- فقد أخرج البخاري في صحيحه (ج 2 ص 176)عن عمران بن حصين أنه قال: (نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم ينزل قرآن يحرّمها، ولم ينه عنها، حتى مات (صلى الله عليه وآله)، قال رجل برأيه ما شاء).
- وأخرج مسلم في صحيحه ( ج 2 ص 1024) عن أبي الزبير قال: (سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث).
- وهذا الإمام أحمد بن حنبل يروي في مسنده، عن أبي نضرة عن جابر قال: (تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع أبي بكر، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن كانتا - أي المتعتان- على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلالاً، وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما)(11)، ويعتذر متكلم الأشاعرة وإمامهم في المنقول والمعقول لعمر، بأن هذا كان اجتهاداً منه، وهو عذر أقبح من الذنب نفسه، إذ لا اجتهاد في مورد النص.
- والإمام مالك بن أنس يقول في تفسير آية المتعة: (هو نكاح المتعة جائز، لأنه كان مشروعاً فيبقى إلى أن يظهر ناسخه)(12).
- ويقول السرخسي في المبسوط: (المتعة باطلة عندنا، جائزة عند مالك بن أنس، وهو الظاهر من قول ابن عباس).
إذن، فقد أجمع المسلمون على أن المتعة كانت حلالاً في صدر الإسلام، بنص واضح من القرآن الكريم، ونصوص صريحة من السنة النبوية، ثم اختلفوا بعد قول عمر المتقدم في المتعتين، على أقوال ثلاثة:
- الأول: أنها محرمة بقول عمر.
- الثاني: أنها محرمة بأحاديث مروية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، تنسخ الأحاديث الواردة في إباحتها.
- الثالث: أنها مباحة، وأنه لم يثبت نسخ الآية، ولا صدرت أحاديث موثوقة عن النبي (صلى الله عليه وآله) بنسخها، حيث أن الروايات في هذا الباب لا تعدو أن تكون أحاديث آحاد، وأخباراً ضعيفة السند متناقضة المتن، حيث تذهب إلى إباحتها وتحريمها عدة مرات، وفي مواطن متعددة، منها يوم خيبر، ومنها يوم الفتح، ومنها في غزوة تبوك، ومنها في حجة الوداع، ومنها..ومنها...إلى آخر هذه المواطن المزعومة، أي أن حكم إباحة المتعة قد نسخ مرتين أو ثلاثة مراتٍ أو أكثر، وعن قضية تكرار النسخ هذه قال ابن القيم (وهذا النسخ لا عهد لمثله في الشريعة البتة، ولا يقع مثله فيها)(13)، وفوق ذلك فهي معارضة بالأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، ولو كان هناك فعلاً ناسخ لمشروعية المتعة، لاحتجّ به عمر، ولم يلجأ إلى الاجتهاد في مورد النص.
فالمذاهب الأربعة تحرّمها على القولين الأولين، والشيعة تبيحها على القول الأخير، وكله كما تقولون، اجتهاد مأخوذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والمجتهد إن أخطأ الحكم كما تقولون أيضاً، فله أجر واحد، وإن أصابه فله أجران، فكيف تبيحون الاجتهاد لأنفسكم وتحرّمونه على غيركم؟ مع أنهم أثبت منكم دليلاً، وأطول في العلم باعاً، وأكثر منكم عدالة، وقرباً إلى الزهد والتقوى، ولم يذهب أي من أئمة المذاهب الأربعة، ولا من غيرهم في عصورهم، إلى القول بأنها زنى ودعارة، كما يفتري هؤلاء الأفاكون في عصرنا.
على أن وصفها بأنها زنى، انتقاص للنبي (صلى الله عليه وآله)، الذي أباحها بإجماع المسلمين، ومورست في زمانه وتحت سمعه وبصره، فكأن دين الله وشرعه الذي جاء به النبي، قد أباح للناس إتيان الفواحش والفجور، وأقرهم عليها ولو لفترة قصيرة، وإذا عرفنا اختلاف المحرّمين للمتعة حول زمن نسخها، فسيكون الأمر أسوأ عند من رأى نسخها في حجة الوداع، باعتبار أن الشرع الحنيف، قد أقر المسلمين على ارتكاب الفواحش، على امتداد هذه الفترة الطويلة كلها، وإذا رجحنا ما يدّعونه من تكرار النسخ، فإن الأمر سيكون على درجة من القبح قصوى، لأن مفاد هذا الادّعاء، أن الشرع قرّر نسخ حكم إباحتها، ثم تراجع وأباحها مجدداً، وفي هذا إفكٌ وافتراءٌ عظيمٌ على الشرع والمشرع.
وأريد أن أسأل هذا الأفاك، الذي يصف المتعة بالزنى، هل يعرف شيئاً عن المتعة؟ وهل قرأ بعضاً من أحكامها في كتب محلّيها والقائلين بإباحتها؟ أم اكتفى عوضاً عن ذلك بقراءة أكاذيب الجبهان والغريب والقفاري ومال الله وأمثالهم، الذين ادّعوا أن من المتعة ما هو دوري، بحيث يشترك جماعة في امرأة واحدة، ولا يهم إن كانت من المومسات، أو من ذوات الأزواج، فتكون لكل واحد منهم ليلة معينة، بلا عقد ولا عدّة ولا طلاق، وإذا حملت فلا تستطيع إلحاق حملها بأحد من المتمتعين بها، فينشأ طفلها مشرّداً بلا ولي، فلا تلبث أن تتلقفه الذئاب البشرية...(14).
وأقول لهؤلاء الكذابين الأفاكين: هذه الصور التي تعرضونها، وتدّعون أنها هي المتعة، ما هي في الحقيقة إلاّ من صور النكاح في الجاهلية، كانت تمارسها صاحبات الرايات قبل الإسلام، وقد أبطلها الإسلام ومحقها محقاً، لأنها ليست في الحقيقة والواقع إلاّ الزنى المحض، الذي لا تنجم عنه إلاّ المفاسد والمآسي والشرور، وحكم فيها الرسول المعظم (صلى الله عليه وآله)، بحكمه العادل، أن (الولد للفراش، وللزانية الحجر).
وطبيعي لمن يظن أن هذه هي المتعة، أن يعتبرها حراماً وزنىً صريحاً، وما جنوح أعداء الشيعة والحاقدين عليهم، إلى تصوير المتعة بهذا الشكل المخزي، إلاّ لكي يصدق الناس كلامهم وأكاذيبهم، ويقتفوا أثرهم في الضغينة والحقد على الشيعة، أتباع أهل بيت العصمة والطهارة، أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وللبيان وتكذيب هذا الإفك والافتراء، نورد ما رواه الشيخ الكليني(15)، أن شعيب الحداد سأل الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) قائلاً : رجل من مواليك يقرؤك السلام، وقد أراد أن يتزوج امرأة وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلّقها على غير السنة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ( هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط، فلا يتزوّج)، فانظر إلى شدة احتياط الشيعة وأئمتهم الأطهار في أمر الفروج، فلقد نهاه عن التزوج بامرأة طلقها زوجها على غير السنة، أي طلاقاً فيه شبهة، فكيف يقدمون على التمتع بالمومسات وذوات الأزواج؟ إنه الإفك الواضح والافتراء الصريح، والجرأة العجيبة على الله وعلى رسوله والمؤمنين حق الإيمان، فإذا كان الاحتياط قاعدة عند الشيعة في أمر الزواج الدائم ، فهو أشد فيما عدا ذلك من الأمور، ومنها الزواج المنقطع، المسمى بزواج المتعة.
والحقيقة أن المتعة لا تمتُّ إلى هذه الصور المكذوبة بأي صلة، فليست المتعة عند الشيعة إلاّ زواجاً، بكل مالكلمة الزواج من معنى، إنها زواج مؤقت بأجل محدد سلفاً في العقد المبرم بين المتمتع وبين غير ذات الزوج، ويشترط فيه وجوباً أداء المهر (المسمى في الآية الكريمة بالأجر، والموصوف بأنه فريضة واجبة الأداء)، وفي حال الإنجاب يلحق الولد بأبيه شرعاً واجباً، وله على الأب مثل ما لإخوته من الزواج الدائم من الحقوق، كالنفقة والكسوة والتعليم والتربية والتوجيه وما إلى ذلك مما لأمثاله الذين أنجبهم الزواج الدائم.
وحتى تتبين لجميع المسلمين، الصورة الواضحة للمتعة عند الشيعة، نورد قول الشيخ الطوسي: (نكاح المتعة عندنا صحيح مباح في الشريعة، وصورته أن يعقد عليها مدة معلومة، بمهر معلوم، فإن كانت المدة مجهولة لم يصح العقد، وإن لم يذكر المهر لم يصح العقد، وبهذين الشرطين يتميز من نكاح الدوام)(16)، وقول الشهيد الثاني: (وقيل عدّتها قُرءان، وهما طُهران)(17)، وقول الشهيد الأول: (ولو استرابت فخمسةٌ وأربعون يوماً)(18)، أي لو شكّت بوجود حمل، فيجب الانتظار فترة أخرى، حتى يتبين الحمل من عدمه، كيما يتبع الولد أباه ويُلحقَ به، فلا يضيع ويصبح نهبة للذئاب البشرية.
وبهذه الصورة الصحيحة من الزواج، تندفع عن المجتمع الإسلامي شرور كبيرة ومفاسد كثيرة، إذ تُلبَّى الحاجات الجسدية الجنسية لمن لم يستطع إلى الزواج الدائم سبيلا،ً من الرجال والنساء على السواء، وخاصة في هذا العصر الذي انسدّت فيه وتعقدت كثيراً سبل الزواج، بل وحتى سبل العيش السليم، وبات الاندفاع نحو الزنى شديداً، وانتشرت في المجتمعات أمراض الزهري والسفلس وأخيراً الإيدز بما بات يهدد البشرية بالضعف والفناء وسوء العاقبة.
على أن بعض السذّج من هؤلاء، يتخابثون ظانين في أنفسهم الذكاء والفطنة، فيواجهون مُحاورهم بالقول: أنا صدّقت قول أئمتكم في المتعة، وهيا نقتدي بهم، زوجني أختك أو ابنتك لمدة عشرة أيام، وأعطيها كل يوم عشرة دنانير(19)، ويظن أنه بذلك قد قصم ظهر البعير، واكتسب الجولة وأسكت الخصم، وهو في الحقيقة والواقع لم يفعل شيئاً، ولم يكن فطنأً ولا ذكياً، وإنما فقط كان خبيث النفس، أسود القلب، خامل الذهن، خاوي العقل.
وهناك طرفة حسنة يرويها محمد بن إسحاق (ابن النديم)، مفادها أن مناظرة جرت بين الإمام أبي حنيفة النعمان وبين هشام بن الحكم (مؤمن الطاق)، ومما جاء فيها: (قال له أبو حنيفة: ما تقول في المتعة؟ قال: حلال، قال: أفيسرك أن أخواتك وبناتك يُتَمتعُ بهنّ؟ قال: شيء أحلّه الله تعالى وإن كرهتُه فيما يخصُّني، ولكن ما تقول أنت في النبيذ؟ قال: حلال، قال: أفيسرك أن تكون أخواتك وبناتك نبّاذات؟(20)، فسكت أبو حنيفة، وبماذا يستطيع أن يجيب؟.
البعد التاريخي لحقيقة المتعة: ((الأستاذ عبد الحسين الدعيمي)).
إن أحكام الدين وشريعة الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله) عند الإنسان المؤمن ليست مجموعة عادات وتقاليد يقوم بها، وطالما إن زواج المتعة هو من الأحكام والشريعة السمحاء لذلك لا يكون عادة للشيعة بل هو حكم من الله منزل على عبده المرسل.
آية الاستمتاع (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجور هن فريضة)[سورة النساء: الآية 24].
مسألة اجتماعية وحاجة إنسانية
إذن فالمتعة مسألة اجتماعية إذا أحب الإنسان أن يفعلها فعلها وإن لم يحبها لم يفعلها فهيّ من المباحات في الشرع، وقد أجمع علماء المسلمين سنة وشيعه على نزول الآية السابقة من سورة النساء في المتعة ولكنهم اختلفوا على إنها نسخت أم لم تنسخ، ولأن الاعتراف بأخطاء الآخرين يستدعي رفضها والبحث عن غيرها وهذا يعني تحملهم لمشاق ومصاعب قد تضمهم وجهاً لوجه أمام الحقائق المرة واعترافات خطيرة قد تغيّر مجرى التأريخ كما تغير من قبل... وقولهم بأن للمتعة آثاراً سلبية كثيرة على المجتمع نرى في قول الإمام علي (عليه السلام) فيها ردٌ على قولهم حيث قال (عليه السلام) (لولا تحريم عمر للمتعة مازنا إلا شقي)(1) فالمتعة كغيرها من شؤون المعاملات فإذا نفذت بحذافيرها ونظمت من قبل المعنيين المسؤولين في الدول الإسلامية لما اختلفت عن غيرها من المعاملات، أما إذا تركت للهمج الرعاع يعملون بها كما يشاءون دون معرفة شروطها وأحكامها.
ستترك آثاراً سلبية كأي أمر أهمل ولم ينظم... فشروطها وأحكامها خلاصٌ للمجتمع من الوقوع في شرك الرذيلة وأمراضها.
الروايات التي وردت فيها
1- عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مات (صلى الله عليه وآله)(2).
2- نقل عن الرازي في تفسيره عن عمران بن حصين أنه قال:
نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها نسخها وأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتمتعنا بها ومات ولم ينهنا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء(3).
3- نص على نزول هذه الآية في المتعة مجاهد فيما أخرجه عنه الطبري في تفسيره.
4- عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة فقال (عن أي المتعتين تسأل؟
قال: سألتك عن متعة الحج فأنبأتني عن متعة النساء أحقٌ هي؟
قال (عليه السلام): سبحان الله..! أما تقرأ كتاب الله:
(فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) فقال أبو حنيفة:
والله لكأنها آية لم أقرأها قط(4).
تعارض الروايات
لقد قال معظم علماء السنة بنسخ آية المتعة بعدة أحاديث آحاد هي:
1- عن علي (عليه السلام) انه قال لابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر(5).
2- عن اياس بن سلمه عن أبيه قال: رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها(6).
3- عن الربيع بن سبره الجهني إن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
يا أيها الناس إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً(7).
4- وعن عبد الملك بن الربيع بن سبره عن أبيه عن جده قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها(8).
5- وعن ربيع بن الجهني أن أباه قال:
قد كنت استمتعت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) امرأة من بنى عامر ببردين أحمرين ثم نهانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة(9).
هذه أحاديث متناقضة متعارضة فيما بينها تارة تصرح بأن المتعة نسخت يوم خيبر وتارة يوم اوطاس وأخرى يوم فتح مكة وتعارض الأدلة يسقطها إضافة إلى هذا التعارض فأن هذه الأحاديث أخبار آحاد لا تنسخ القرآن المتواتر وإلا لثبت تحريف القرآن عن طريق أخبار الآحاد.. وعلى فرض ثبوت هذه الروايات من طريق التواتر فإن كلمة النهي عن المتعة بدون وجود قرائن لا تدل على التحريم، فعلى سبيل المثال.. رويت أحاديث كثيرة في النهي عن البول قائماً ولعدم وجود قرائن تدل على الحرمة فقد نقل الإمام النووي قوله معلقاً عليها (فلهذا قال العلماء يكره البول قائماً إلا لعذر..، وهي كراهة تنزيه لا تحريم)(10).
ومقالة الإمام علي فيها (لولا ن عمر نهى عن المتعة ما زني إلا شقي)(11).
وقول عبد الله بن عباس:
(ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي)(12).
إضافة إلى تلك الأحاديث المهمة التي تثبت إن عمر بن الخطاب هو الذي منعها فقد ثبت على نص عدم تحريمها بعد النبي (صلى الله عليه وآله) الكثير من الصحابة ذكرهم ابن حزم على التوالي: أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمى ومعبد ابنا أمية بن خلق ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدة خلافة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر قال ومن التابعين: طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة(13).
الاستدلال على عدم التحريم
1- إن لفظ الأجور خاص من الناحية الشرعية بالعقود المؤقتة ولا يعبر عن المهر إلا مجازاً وهو يحتاج إلى قرينة فأن دلت القرينة على قصد المجازية وهو كونه مهراً وصداقاً للنكاح الدائم أخذنا به وإلا حملناه على حقيقته بالعقد المؤقت ولذا في البيع يسمى ثمناً ولا يسمى أجرة لأنه عقد مؤبد.
2- إن عقد النكاح الدائم لا يعبر عنه بالتمتع حقيقة إلا مجازاً وذلك لأن الدائم لا يقصد منه التمتع واللذة الجنسية فقط إنما يقصد منه تكوين الأسرة إكثار الذرية والمشاركة في شؤون الحياة والمجتمع مؤبداً وما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى (خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة)[سورة الروم: الآية 21].
(هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)[سورة البقرة: الآية 187] فالفرق واضح فيما بينهما حيث إن العقد المؤقت لا يوجد فيه نص المشاركة في أمور الحياة والمجتمع كالإرث وغيره، ولا يوجد فيه ديمومة واستقرار أو سكن للإنسان إنما هو اضطراري لقضاء الشهوة فقط وتحصينه عن الوقوع في الحرام إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
3- إن القرآن الكريم علق وجوب إعطاء الأجر على الاستمتاع فهو مقصور على العقد المؤقت لأن المهر بالعقد الدائم بدون الدخول لا يجب إلا بنصف المهر إذا كان قد عينه. أما في المتعة فالأجر واجب سواء استمتع بالنظر أم باللمس أم بالجماع أولم يفعل أي شيء معها ولم يقاربها أبداً.
أيهما أصح وأقرب إلى التقوى
في مصر والسعودية وبعض الدول الإسلامية الأخرى يطبق زواج المتعة تحت أسماء مستعارة، ففي السعودية (زواج المسيار أو الزواج الصيفي وقد عبر عن هذا الزواج مقال الدكتور صالح الفوزان قائلاً (قضية الزواج في الخارج تعبر عن رغبة الرجل المسافر وحده في تحصين نفسه من الانحرافات)(14).
وفي مصر سميّ (الزواج البديل، السري، العرفي) وقد قال الدكتور أحمد شلبي عن هذا الزواج إنه زواج استكمل أركانه، وهو عقد شرعي بدون توثيق.
وقال عنه إمام الأزهر الراحل الشيخ جاد الحق: (إنه زواجٌ صحيح مستوفي الشروط وليس التوثيق لإثبات صحة الزواج)(15).
وفي بعض دول الخليج يتزوج الرجل من امرأة بنية طلاقها بعد فترة قريبة جداً حسب إشباع رغبته الجنسية أو انتهاء عمله في تلك المنطقة وذلك حسب افتاءات علماء المنطقة.. فلنتأمل هذه الزيجات كيف تصبح حلالاً عند أهل السنة والمتعة التي تقابلها حرام عند الشيعة..!! وقد قال سبحانه وتعالى بمحكم كتابة المجيد.
(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)[سورة النحل: الآية 116].
الفرق بين زواج المتعة والزنا
1- يتم الزواج بلفظ للعقد الشرعي مثل كافة العقود الشرعية تقول المرأة زوجتك - أنكحتك - متعتك نفسي إلى أجل قدره.. وأجرته.. فيقول الرجل: قبلت.
يعني اللفظ يحتاج إلى إيجابٍ وقبولٍ وهذا اللفظ غير موجود في الزنا.
2- تُعتدٌ الزوجة بعد مفارقتها، بعده إذا كانت ممن تحيض أو خمسة وأربعون يوماً إذا كانت ممن لا تحيض أما الزانية لا عدة لها.
3- في زواج المتعة يلحق الولد بأبيه أما في الزنا فلا يلحق الولد بأحدٍ لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (الولد للفراش وللعاهر الحجر).
4- مجرد القول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعمل هو وأصحابه بالمتعة يستلزم التفريق بينها وبين الزنا لتحريم الزنا وفحشه.
5- يشترط لصحة عقد المتعة ذكر الأجرة أما الزنا فقد يحصل بأجرة أو بدونها.
6- في الزواج يجب أن لا تكون الزوجة على ذمة رجل آخر أما الزنا باعتباره محرم فلا يهم صاحبه كيفما اتفق ومهما كان فقصد الزنا له تعبيره الخاص المحرم أما قصد النكاح الشرعي له قصده ومقدماته الخاصة لتحصل فيه الصيغة الشرعية التي تحلل للرجل مقاربة المرأة والاجتماع بها.
الاستنتاج
من خلال ما تقدم نستنتج من خلال الآيات والأحاديث الصحيحة إن زواج المتعة لم يحرمه الإسلام بل إن الذي حرمه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ونهج على نهجه من المسلمين من تمسك بسيرة الخلفاء واعتبرها سنة واجتهاداً منهم واستغنوا بذلك عن النص التشريعي الذي ورد في كتاب الله وسنة رسول (صلى الله عليه وآله).
++++++++++++++++++++++++++
الهوامش:
1- الطبري ج 5 ص 17، الفخر الرازي ج 3 ص 200.
2- مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 436.
3- تفسير الرازي ج 10 ص 49.
4- وسائل الشيعة ج 14 ص 437.
5- صحيح البخاري ج 7 ص 24.
6- صحيح مسلم ج 2 ص 1023.
7- صحيح مسلم ج 2 ص 1023.
8- صحيح مسلم ج 2 ص 1025.
9- نفس المصدر.
10- صحيح مسلم شرح النووي ج 3.
11- تفسير الطبري ج 5 ص 17 والفخر الرازي ج 3 ص 200 وتفسير أبي حيان ج 3 ص 1318 والدر المنشور للسيوطي ج 2 ص 40.
12- تفسير القرطبي ج 5 ص 130.
13- المحلى لابن حزم ج 9 ص 519 المسألة 1854.
14- جريدة عكاظ الأسبوعية سنه 1996 باب الأسئلة الحرجة.
15- مجلة روز اليوسف العددان 3582، 3583.
الزواج المؤقت (المتعه)
إن صاحب منشور: (رسالة لزملائي الطلبة العدد 1)( مشوش الذهن، مبلبل الخاطر، متوتر الأعصاب، عصبي المزاج، تراه يقفز من موضوع إلى آخر، وهو يثير هذه المواضيع إثارة سطحية، ثم يتجاوزها بلا حجة ولا برهان، مع أنه يتهم الآخرين من المسلمين بلا تحرّجٍ ولا تأثُّمٍ، ولا شعورٍ بالذنب الذي يرتكبه، والجريمة التي يقترفها، وكأن هؤلاء المسلمين ليس لهم عنده حرمة، ولا لهم لديه زمام، وجدير بمثل هذا الناعق أن يقام عليه حد القذف، وأن تُنزَل به عقوبةٌ تردعه عن ارتكاب مثل هذه الآثام، وتزجره عن المضي في درب الغواية، وتفريق صفوف المسلمين، وإثارة الأحقاد بينهم، وإعادة الشحناء والبغضاء إلى قلوبهم.
فبينما تراه يثير موضوع الحسينيات بما يصدع القلب السليم، يقفز إلى موضوع الطعن بالصحابة الكرام، بما يوهم أن الشيعة لا يقيمون أي وزن لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيما ينتقل بشكل سريع وعجيب ومريب إلى موضوع الزواج المؤقت (المتعة)، وتستيقن من هذا كله أن هذا الناعق الجاهل، لا غرض له في واقع الأمر وحقيقته، إلاّ إثارة دواعي الفرقة وأسباب النزاع، كالشيطان ينزغ بين المؤمنين، نعوذ بالله تعالى من نزغه ونفثه ووسوسته، قال تعالى في محكم القرآن الكريم: (وإما ينزغنّك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميع عليم)[سورة الأعراف: الآية 200].
ويسأل الإنسان الشريف نفسه، أيردّ على هذا الغويِّ مزاعمه الكاذبة، وأوهامه الباطلة؟ أم يهمله ويتجاوز عن ترّهاته وتفاهاته؟ نعم لو كان الأمر يخصّه وحده ولا يتجاوزه إلى غيره، لكان إهماله وعدم الردّ عليه أنفع وأجدى، وقوفاً عند قوله سبحانه وتعالى وهو يصف المؤمنين: (وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراماً)[سورة الفرقان: الآية 72]، وقوله عزّ من قائل: (والذين هم عن اللغو معرضون)[سورة المؤمنون: الآية 3].
ولكن الموضوع يتجاوز هذا الناعق الجاهل، إلى مالا نعلم عدده من المؤمنين، الذين يرسل لهم منشوره المضلل هذا، في عصر هذه الثورة الإعلامية الواسعة، التي تتكفل بنشر المعلومة إلى أوسع مدىً بسرعة البرق الخاطف.
من هنا، فقد رأينا من الواجب الشرعي، أن ندحض الأباطيل بالحقائق، وأن ندفع الأكاذيب بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، لنقطع عن قلوب المؤمنين دابر الضالين المضلين، ونمحو عن صفحة الحق والإيمان أثر الشياطين الغاوين.
يقول هذا الشيطان الغويّ الرجيم: (المنافقون هم الذين استحلوا الزنى باسم المتعة، واستحلوا اللواط باسم الدين)، وأنا لا أدري أولاً: باسم أي شيطان رجيم أحلّ هذا الإبليس لنفسه وصف المؤمنين بالمنافقين، فله من الله ما يستحقه من اللعن على فريّته الكبيرة تلك، ولا أدري ثانياً: كيف حشر هذا الأفاك (اللواط) مع (المتعة)؟، وبمن من طوائف المسلمين يلصق هذه الفاحشة الممقوتة؟، ألا يثير حفيظتك أخي المؤمن، أن ينعت هذا الناعق الجاهل إخوتك المؤمنين باللواط؟! في أي مذهب من مذاهب المسلمين رأى شيوع هذا المنكر المستهجَن الفظيع، الذي يستحق مرتكبه حدّاً مغلّظاً يفوق حد الزنى؟.
إني لأظن أن توجيه الاتهام لأي طائفة من طوائف المسلمين بالزنى واللواط، كبيرة من الكبائر، التي تستوجب لصاحبها نار جهنم وبئس المصير، وأنه لا يمكن لأحد أن يقدم على هذه الجريمة الكبرى، ما لم يكن ابن زانية ولوطي.
أما القول عن زواج المتعة بأنه زِنى، فمصدره إما سوء الفهم وقلّة العلم، أو سوء النية وخبث الطوية، ويكفي لنفي صورة الزنى عن المتعة، أن المسلمين قد أجمعوا إجماعاً غير قابل للنقض، على أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد أباحها، ثم اختلفوا في نسخ هذه الإباحة.
فقد أخرج مسلم في صحيحه(1)، عن قيس قال: سمعت عبد الله يقول: كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)[سورة المائدة: الآية 87].
ولو كانت المتعة تندرج تحت اسم الزنى، لما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن يحلّها ساعة من نهار، فكيف والمسلمون (السنة) يروون أن النبي أحلها وحرّمها عدة مرات في عدة مواطن؟ وكيف وعبد الله – في الحديث السابق الذي رواه مسلم في صحيحه- اعتبرها من طيبات ما أحلّ الله؟.
على أن أصل مشروعية زواج المتعة، منصوص عليه في القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة من الله)[سورة النساء: الآية 24]. وقد روي عن جماعة من الصحابة، منهم أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، أنهم قرأوا: (فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى فآتوهنّ أجورهنّ فريضة)، وفي ذلك تصريح بأن المراد به عقد المتعة(2)، وقد قال الرازي في تفسيره لهذه الآية: (إن المراد بهذه الآية حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم لأجل معيّن فيجامعها، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام، روي أن النبي (صلى الله عليه وآله)، لما قدم مكة في عمرته تزينت نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) طول العزوبة، فقال: استمتعوا من هذه النساء، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا، فذهب السواد الأعظم من هذه الأمة إلى أنها صارت منسوخة، وقال السواد منهم أنها بقيت مباحة كما كانت)(3)، وعلى هذا الرأي كبار المفسرين السنة، كالجصاص والبغوي ومجاهد والقرطبي والسيوطي والشوكاني والألوسي والبيضاني وسواهم، وكبار المحدّثين وشرّاح الحديث، كابن حجر في شرحه لصحيح البخاري، والنووي في شرحه لصحيح مسلم.
وقال عمر: (متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة النساء ومتعة الحج)(4).
وجملة: وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، تدل دلالة واضحة وبشكل قاطع، أن هاتين المتعتين كانتا حلالاً طيلة حياة النبي، وحياة الخليفة الأول أبي بكر، ولذلك فقد ذهب كثير من الصحابة إلى مشروعية المتعة، خلافاً لما ذهب إليه عمر، وأنكروا عليه نهيه عن المتعة، منهم الإمام علي (عليه السلام)(5)، وعبد الله بن عباس(6)، وعمران بن حصين(7)، وأبيّ بن كعب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة وشعبة وأبو ثابت(8)، بل وعبد الله بن عمر(9)، الذي كان يراجَع في موقفه المخالف لموقف أبيه فيقول: سبحان الله، نقول لكم قال رسول الله وتقولون قال عمر(10)؟.
وفي صحاح السنة أحاديث صريحة وواضحة في بقاء حكم المتعة، وعدم نسخ النصوص التي تبيحها:
- فقد أخرج البخاري في صحيحه (ج 2 ص 176)عن عمران بن حصين أنه قال: (نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم ينزل قرآن يحرّمها، ولم ينه عنها، حتى مات (صلى الله عليه وآله)، قال رجل برأيه ما شاء).
- وأخرج مسلم في صحيحه ( ج 2 ص 1024) عن أبي الزبير قال: (سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث).
- وهذا الإمام أحمد بن حنبل يروي في مسنده، عن أبي نضرة عن جابر قال: (تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع أبي بكر، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن كانتا - أي المتعتان- على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلالاً، وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما)(11)، ويعتذر متكلم الأشاعرة وإمامهم في المنقول والمعقول لعمر، بأن هذا كان اجتهاداً منه، وهو عذر أقبح من الذنب نفسه، إذ لا اجتهاد في مورد النص.
- والإمام مالك بن أنس يقول في تفسير آية المتعة: (هو نكاح المتعة جائز، لأنه كان مشروعاً فيبقى إلى أن يظهر ناسخه)(12).
- ويقول السرخسي في المبسوط: (المتعة باطلة عندنا، جائزة عند مالك بن أنس، وهو الظاهر من قول ابن عباس).
إذن، فقد أجمع المسلمون على أن المتعة كانت حلالاً في صدر الإسلام، بنص واضح من القرآن الكريم، ونصوص صريحة من السنة النبوية، ثم اختلفوا بعد قول عمر المتقدم في المتعتين، على أقوال ثلاثة:
- الأول: أنها محرمة بقول عمر.
- الثاني: أنها محرمة بأحاديث مروية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، تنسخ الأحاديث الواردة في إباحتها.
- الثالث: أنها مباحة، وأنه لم يثبت نسخ الآية، ولا صدرت أحاديث موثوقة عن النبي (صلى الله عليه وآله) بنسخها، حيث أن الروايات في هذا الباب لا تعدو أن تكون أحاديث آحاد، وأخباراً ضعيفة السند متناقضة المتن، حيث تذهب إلى إباحتها وتحريمها عدة مرات، وفي مواطن متعددة، منها يوم خيبر، ومنها يوم الفتح، ومنها في غزوة تبوك، ومنها في حجة الوداع، ومنها..ومنها...إلى آخر هذه المواطن المزعومة، أي أن حكم إباحة المتعة قد نسخ مرتين أو ثلاثة مراتٍ أو أكثر، وعن قضية تكرار النسخ هذه قال ابن القيم (وهذا النسخ لا عهد لمثله في الشريعة البتة، ولا يقع مثله فيها)(13)، وفوق ذلك فهي معارضة بالأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، ولو كان هناك فعلاً ناسخ لمشروعية المتعة، لاحتجّ به عمر، ولم يلجأ إلى الاجتهاد في مورد النص.
فالمذاهب الأربعة تحرّمها على القولين الأولين، والشيعة تبيحها على القول الأخير، وكله كما تقولون، اجتهاد مأخوذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والمجتهد إن أخطأ الحكم كما تقولون أيضاً، فله أجر واحد، وإن أصابه فله أجران، فكيف تبيحون الاجتهاد لأنفسكم وتحرّمونه على غيركم؟ مع أنهم أثبت منكم دليلاً، وأطول في العلم باعاً، وأكثر منكم عدالة، وقرباً إلى الزهد والتقوى، ولم يذهب أي من أئمة المذاهب الأربعة، ولا من غيرهم في عصورهم، إلى القول بأنها زنى ودعارة، كما يفتري هؤلاء الأفاكون في عصرنا.
على أن وصفها بأنها زنى، انتقاص للنبي (صلى الله عليه وآله)، الذي أباحها بإجماع المسلمين، ومورست في زمانه وتحت سمعه وبصره، فكأن دين الله وشرعه الذي جاء به النبي، قد أباح للناس إتيان الفواحش والفجور، وأقرهم عليها ولو لفترة قصيرة، وإذا عرفنا اختلاف المحرّمين للمتعة حول زمن نسخها، فسيكون الأمر أسوأ عند من رأى نسخها في حجة الوداع، باعتبار أن الشرع الحنيف، قد أقر المسلمين على ارتكاب الفواحش، على امتداد هذه الفترة الطويلة كلها، وإذا رجحنا ما يدّعونه من تكرار النسخ، فإن الأمر سيكون على درجة من القبح قصوى، لأن مفاد هذا الادّعاء، أن الشرع قرّر نسخ حكم إباحتها، ثم تراجع وأباحها مجدداً، وفي هذا إفكٌ وافتراءٌ عظيمٌ على الشرع والمشرع.
وأريد أن أسأل هذا الأفاك، الذي يصف المتعة بالزنى، هل يعرف شيئاً عن المتعة؟ وهل قرأ بعضاً من أحكامها في كتب محلّيها والقائلين بإباحتها؟ أم اكتفى عوضاً عن ذلك بقراءة أكاذيب الجبهان والغريب والقفاري ومال الله وأمثالهم، الذين ادّعوا أن من المتعة ما هو دوري، بحيث يشترك جماعة في امرأة واحدة، ولا يهم إن كانت من المومسات، أو من ذوات الأزواج، فتكون لكل واحد منهم ليلة معينة، بلا عقد ولا عدّة ولا طلاق، وإذا حملت فلا تستطيع إلحاق حملها بأحد من المتمتعين بها، فينشأ طفلها مشرّداً بلا ولي، فلا تلبث أن تتلقفه الذئاب البشرية...(14).
وأقول لهؤلاء الكذابين الأفاكين: هذه الصور التي تعرضونها، وتدّعون أنها هي المتعة، ما هي في الحقيقة إلاّ من صور النكاح في الجاهلية، كانت تمارسها صاحبات الرايات قبل الإسلام، وقد أبطلها الإسلام ومحقها محقاً، لأنها ليست في الحقيقة والواقع إلاّ الزنى المحض، الذي لا تنجم عنه إلاّ المفاسد والمآسي والشرور، وحكم فيها الرسول المعظم (صلى الله عليه وآله)، بحكمه العادل، أن (الولد للفراش، وللزانية الحجر).
وطبيعي لمن يظن أن هذه هي المتعة، أن يعتبرها حراماً وزنىً صريحاً، وما جنوح أعداء الشيعة والحاقدين عليهم، إلى تصوير المتعة بهذا الشكل المخزي، إلاّ لكي يصدق الناس كلامهم وأكاذيبهم، ويقتفوا أثرهم في الضغينة والحقد على الشيعة، أتباع أهل بيت العصمة والطهارة، أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وللبيان وتكذيب هذا الإفك والافتراء، نورد ما رواه الشيخ الكليني(15)، أن شعيب الحداد سأل الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) قائلاً : رجل من مواليك يقرؤك السلام، وقد أراد أن يتزوج امرأة وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلّقها على غير السنة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ( هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط، فلا يتزوّج)، فانظر إلى شدة احتياط الشيعة وأئمتهم الأطهار في أمر الفروج، فلقد نهاه عن التزوج بامرأة طلقها زوجها على غير السنة، أي طلاقاً فيه شبهة، فكيف يقدمون على التمتع بالمومسات وذوات الأزواج؟ إنه الإفك الواضح والافتراء الصريح، والجرأة العجيبة على الله وعلى رسوله والمؤمنين حق الإيمان، فإذا كان الاحتياط قاعدة عند الشيعة في أمر الزواج الدائم ، فهو أشد فيما عدا ذلك من الأمور، ومنها الزواج المنقطع، المسمى بزواج المتعة.
والحقيقة أن المتعة لا تمتُّ إلى هذه الصور المكذوبة بأي صلة، فليست المتعة عند الشيعة إلاّ زواجاً، بكل مالكلمة الزواج من معنى، إنها زواج مؤقت بأجل محدد سلفاً في العقد المبرم بين المتمتع وبين غير ذات الزوج، ويشترط فيه وجوباً أداء المهر (المسمى في الآية الكريمة بالأجر، والموصوف بأنه فريضة واجبة الأداء)، وفي حال الإنجاب يلحق الولد بأبيه شرعاً واجباً، وله على الأب مثل ما لإخوته من الزواج الدائم من الحقوق، كالنفقة والكسوة والتعليم والتربية والتوجيه وما إلى ذلك مما لأمثاله الذين أنجبهم الزواج الدائم.
وحتى تتبين لجميع المسلمين، الصورة الواضحة للمتعة عند الشيعة، نورد قول الشيخ الطوسي: (نكاح المتعة عندنا صحيح مباح في الشريعة، وصورته أن يعقد عليها مدة معلومة، بمهر معلوم، فإن كانت المدة مجهولة لم يصح العقد، وإن لم يذكر المهر لم يصح العقد، وبهذين الشرطين يتميز من نكاح الدوام)(16)، وقول الشهيد الثاني: (وقيل عدّتها قُرءان، وهما طُهران)(17)، وقول الشهيد الأول: (ولو استرابت فخمسةٌ وأربعون يوماً)(18)، أي لو شكّت بوجود حمل، فيجب الانتظار فترة أخرى، حتى يتبين الحمل من عدمه، كيما يتبع الولد أباه ويُلحقَ به، فلا يضيع ويصبح نهبة للذئاب البشرية.
وبهذه الصورة الصحيحة من الزواج، تندفع عن المجتمع الإسلامي شرور كبيرة ومفاسد كثيرة، إذ تُلبَّى الحاجات الجسدية الجنسية لمن لم يستطع إلى الزواج الدائم سبيلا،ً من الرجال والنساء على السواء، وخاصة في هذا العصر الذي انسدّت فيه وتعقدت كثيراً سبل الزواج، بل وحتى سبل العيش السليم، وبات الاندفاع نحو الزنى شديداً، وانتشرت في المجتمعات أمراض الزهري والسفلس وأخيراً الإيدز بما بات يهدد البشرية بالضعف والفناء وسوء العاقبة.
على أن بعض السذّج من هؤلاء، يتخابثون ظانين في أنفسهم الذكاء والفطنة، فيواجهون مُحاورهم بالقول: أنا صدّقت قول أئمتكم في المتعة، وهيا نقتدي بهم، زوجني أختك أو ابنتك لمدة عشرة أيام، وأعطيها كل يوم عشرة دنانير(19)، ويظن أنه بذلك قد قصم ظهر البعير، واكتسب الجولة وأسكت الخصم، وهو في الحقيقة والواقع لم يفعل شيئاً، ولم يكن فطنأً ولا ذكياً، وإنما فقط كان خبيث النفس، أسود القلب، خامل الذهن، خاوي العقل.
وهناك طرفة حسنة يرويها محمد بن إسحاق (ابن النديم)، مفادها أن مناظرة جرت بين الإمام أبي حنيفة النعمان وبين هشام بن الحكم (مؤمن الطاق)، ومما جاء فيها: (قال له أبو حنيفة: ما تقول في المتعة؟ قال: حلال، قال: أفيسرك أن أخواتك وبناتك يُتَمتعُ بهنّ؟ قال: شيء أحلّه الله تعالى وإن كرهتُه فيما يخصُّني، ولكن ما تقول أنت في النبيذ؟ قال: حلال، قال: أفيسرك أن تكون أخواتك وبناتك نبّاذات؟(20)، فسكت أبو حنيفة، وبماذا يستطيع أن يجيب؟.
تعليق