تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على أشرف المرسلين حبيب آله العالمين سيدنا ومولانا ابوالقاسم محمد و على أهل بيته الطيبين الطاهرين أعلام الهداية وسفن النجاة روحي وأرواح العالمين لجدهم ولهم الفداء .
الوضوء حسب فهم أهل البيت عليهم السلام و ليس على طريقة أهل السنة المغيرين لنصوص الإلهية .
يقول الله سبحانه وتعالى ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ))
أما بعد فأن من الأمور المهمة في حياتنا اليومية والتي نتقرب بها إلي الله ونتواصل مع الخالق العظيم هي الصلاة اليومية من الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء نؤديها تقربا إلي رب العزة والجلالة ، والتي من دونها أو فسادها لا تنفع أعمال العبد حيث أنها نقطة سيطرة مهمة تسيطر على قبول الأعمال عند الله سبحانه وتعالى بحيث أنها لو قـُبـِلتَ قـُبـِلَ ما بعدها ولو رُدتَ رُدَ ما بعدها لذا أصبح لزاما علينا أن ندقق كثيرا وكثيرا في صلاتنا حتى يتقبلها الله منا وتسجل في صحيفة أعمالنا و تكون جواز مرور لنا يوم القيامة بقبول جميع عباداتنا وأعمالنا.
أن للصلاة أحكام عديدة ومن أهمها الطهارة عن ( أبى جعفر الباقر عليه السلام : لا صلاة إلآ بطهور ) فلا يمكن الإتيان بالصلاة بدون طهارة و الطهارة أسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة . عن ( أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله علية وآله وسلم : إفتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبيرة وتحليلها التسليم) .
أما السؤال الذي سيقفز إلي أذهاننا ما هو دليل حجية الوضوء فنبحث في الأدلة الأربعة الكتاب ( القرآن) والسنة والإجماع والعقل ، فنجد الإجابة على السؤال في الدليل الأول وهو الكتاب في سورة المائدة الآية رقم 6 (( إذا قمتم إلي الصلاة فأغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وأمسحوا برءوسكم وأرجلكم إلي الكعبين )) أن هذه الآية هي من آيات الأحكام والتشريع في القرآن الكريم حيث أن الله عز وجل بين لنا حكم يجب على الإنسان الإتيان به قبل الصلاة ولكي نفهم هذا الحكم يجب علينا أن ندرك ألفاظ الآية بالقراءة الصحيحة لهذه الآية بحيث أن لا نقرأها بصورة تغير حكما أو تشريعا إلهيا نزل إلينا من الله عز وجل وهذا ما يسمى بصورة بسيطة تحقيق المتن في علم أصول الفقه بحيث يقوم الفقيه بالبحث حول نقطة مهمة في تحقيق المتن في القرآن الكريم حول تعيين الصحيح والأصح من وجوه القراءات المختلفة في بعض آيات القرآن الكريم والتي تتدخل في تغيير المعنى الذي تحمله الآية الكريمة . ولقد قـُرِأت الآية لدى أهل العامة بطريقة فهموا منها حكم معين أما نحن فقد قرأناها حسب ما وصل إلينا عن طريق أئمتنا عليهم السلام من سيد القراء و سيد المفسرين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولكي نبرهن هذا الكلام نتطرق إلي إعراب الآية قبل الشروع في استخراج الأحكام منها. فيقول محي الدين درويش صاحب كتاب إعراب القرآن الكريم
(( إذا قمتم إلي الصلاة فأغسلوا وجوهكم )) إذا ظرف مستقل متضمن معنى الشرط متعلق بقوله فأغسلوا .
وجملة قمتم إلي الصلاة في محل جر بالإضافة ، و إلي الصلاة متعلقتان بقمتم والفاء رابطة في فأغسلوا .
وجملة فاغسلوا لامحل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، و وجوهكم مفعول به وأيديكم عطف على وجوهكم وإلي حرف جر يدل على معنى الغاية والانتهاء والمرافق مجرور والجار والمجرور متعلقتان بمحذوف الحال .
وأمسحوا برءوسكم الواو واو الفصل أمسحوا فعل أمر والفاعل ضمير تقديره الواو والألف والباء للتبعيض رءوسكم مفعول به . ومما يفيد التبعيض ما يقوله الشيخ شهاب الدين القرني إذا قلت مسحت بالمنديل و كتبت بالقلم وطفت بالبيت فمن المعلوم أنك ما مسحت بكل المنديل ولا كتبت بكل القلم ولا طفت بكل البيت علوا وسفلا وظهرا وبطنا وإنما مسحت ببعض ذا و كتبت ببعض ذا وطفت ببعض ذا .
(وأرجلكم إلي الكعبين) على قراءة ابن كثير وحمزة وابوعمرو بالجر والظاهر أنه عطف على الرأس أي وأمسحوا بأرجلكم إلي الكعبين . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( قال إن كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل ) وقد روى ابن عباس : ((أن الوضوء غسلتان ومسحتان)) وكذلك روي عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( ما نزل القرآن إلا بالمسح )
المبحث الاول الغاية من الوضوء
يعتبر الوضوء شرطا لازما ومقدمة ضرورية عند الاتيان بعدد من الامور الواجبة أو المستحبة، فلا يصح ذلك العمل حتى لو كان مستحبا إلا إذا توضأ من أجله ، وأيضا يعتبر الوضوء مستحبا في أمور أخرى بنحو يكون العمل أكمل إذا أتى به مع الوضوء مع صحته في ذاته بدون وضوء ، أما الامور التي يشترط في صحتها الوضوء هي
الأول منها الصلاة الواجبة سواء اليومية أو غيرها كصلاة الآيات وصلاة الطواف الواجب والمستحب ، وكذلك لا تصح الصلاة المستحبة كصلاة النوافل و صلاة الغفيلة بدون وضوء
أما الثاني منها وهو الطواف الواجب في الحج والعمرة
والثالث منه لمس كتابة القرآن الكريم فقط دون القراءة وان كان الأفضل القراءة على وضوء .
والرابع منها فيما لو نذر الوضوء أو عاهد الله عليه أو حلف يمينا فيجب حينئذ وفاءً للنذر و العهد واليمين بالنحو الذي أخذه على نفسه .
المبحث الثاني هو شروط الوضوء
أن الأمور التي يجب توفرها عند الشروع بالوضوء كي يكون الوضوء صحيحا هي عدة :
الاول : طهارة الماء فلا يصح الوضوء بالماء النجس أو المتنجس ولا بأحد الانائين المشتبة فيهما الطاهر بالنجس ولا بماء الاستنجاء
الثاني : إطلاق الماء فلا يصح الوضوء بالماء المضاف الذي لا يطلق علية ماء بل يطلق عليه ماء كذا مثل ماء الورد أو ماء الرمان
في الاول والثاني لايفرق بين العمد أو الجهل أو النسيان في بطلان الوضوء
الثالث إباحة الماء الذي يتوضأ منه بحيث لا يتوضأ من ماء لا يمكنه إحراز الاباحة فيه .
الرابع : ان تكون أعضاء الوضوء طاهرة .وهي خصوص الوجه واليدين وموضع المسح من الرأس والرجلين دون غيرهما من المتوضئ وأن كان الافضل أن يكون سائر البدن طاهر .
الخامس : هو الاطمئنان بوصول الماء إلي البشرة .وذلك بإزالة ما يمنع وصوله إليها من المواد اللاصقةالتي تحجب البشرة وتغطيها .
السادس : هو المباشرة ويراد بها تولي المكلف بنفسه عملية غسل الأعضاء من أجل الوضوء وإيصال الماء إلي تمام العضو
السابع : عدم وجود ما يمنع من الوضوء . بنحو عدم المانع من استعمال الماء من خوف مرض أو عطش على نفسه أو نفس محترمة ونحو ذلك مما يوجب التيمم .
المبحث الثالث هو في أفعال الوضوء
افعال الوضوء هي ابتداء من النية إلي نهاية مسح الرجل اليسرى .
النية وهي إرادة تفعل بالقلب وكيفيتها أن ينوى الوجوب أو الندب والقربه ووقت النية عند غسل الكفين و تتضيق عند غسل الوجه ويجب استدامة حكمها إلي الفراغ لا يعتبر في النية التلفظ أو الاخطار في القلب بل يكفى الارادة الاجمالية المرتكزة في النفس بحيث لو سئل ماذا تفعل يقول أتوضأ ، نعم لو شرع في العمل ثم ذهل عنه وغفل بالمرة بحيث لو سئل ماذا تفعل بقى متحيرا ولا يدرى ماذا يقول يكون عملا بلا نية .
غسل الوجه وهو الفرض الثاني من فروض الوضوء وهو ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلي طرف الذقن طولا وما اشتملت عليه الابهام والوسطى عرضا . ويجب غسله من أعلى الوجه إلي الذقن ولو غسل منكوسا لم يجز ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ولا تخليلها بل يغسل الظاهر. ويذكر النجفي في شرح مقدار الوجه النص التالي ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلي طرف الذقن - وهو مجمع اللحيين الذي ينحدر عنه الشعر من الجانبين - طولا وما اشتملت عليه الابهام والوسطى وما خرج فليس بوجه ، مضافا إلي ما نقل عن زرارة بن أعين أنه قال لأبي جعفر الباقر عليه السلام ( أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يتوضأ الذي قال الله عزوجل قال عليه السلام : الوجه الذي قال الله وامر الله عزوجل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر وأن نقص منه أثم ما دارت عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلي الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه . فقال له الصدغ من الوجه فقال : لا )
الفرض الثاني غسل اليدين والواجب غسل الذراعين والمرفقين والابتداء من المرفق الذي يلتقي فيه عظم الذراع بالعضد وانتهاء برؤس الاصابع ولو غسل منكوسا لم يجز و يجب الابتداء باليد اليمنى ثم اليد اليسرى
عندئذ ينتقل الانسان من عملية الغسل إلى المسح حيث يدخل في الفرض الثالث وهو المسح الرأس والواجب منه ما يسمى ماسحا و المندوب : مقدار ثلاث اصابع عرضا ويختص المسح بمقدمة الرأس ويجب أن يكون بنداوة الوضوء ولا يجوز استئناف ماء جديد ويعنى على المتوضىء أن يمسح رأسه من الرطوبة المتبقية في يده بعد غسل اليدين ولا يستخدم ماء جديد للمسح . والافضل أن يسمح من قمة الرأس فنازلا ويكره المسح بالعكس من مقدمة الرأس إلي قمة الرأس.
الفرض الرابع وهو مسح الرجلين ويجب مسح القدمين من رؤوس الأصابع إلي الكعبين وهما قبتا القدمين ويجوز منكوسا وليس بين الرجلين ترتيب ويجب المسح على بشرة القدم ولا يجوز على حائل من خف أو غيره إلا للضرورة أو التقيه.
المبحث الرابع نواقض الوضوء
كما نذكر نواقض الوضوء والتي هي حسب التالي :
1. البول والغائط
2. الريح
3. النوم مطلقا وهو كل ما غلب على القلب والسمع والبصر
4. كل ما أزال العقل مثل الاغماء و السكر والجنون
5. الاستحاضة ( الكثيرة والمتوسطة والقليلة) وان كان بعض انواعها يستوجب الغسل في بعض احكامه
6. الجنابة تنقض الوضوء ولكن تستوجب الغسل فقط .
المبحث الخامس مسائل متفرقة
روي عن الامام ابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : بينما امير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع ابن الحنفيه رضوان الله عليه إذ قال له : يا محمد أئتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء فأكفاه بيد اليمنى على يده اليسرى ثم قال : بسم الله و الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا قال ثم استنجى فقال اللهم حصّن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرّمني على النار قال ثم تمضمض فقال اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكراك ثم استنشق فقال اللهم لا تحرم عليّ ريح الجنة وأجعلني ممن يشتم ريحها و طِـيبها قال : ثم غسل وجهه فقال اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ثم غسل يده اليمنى فقال اللهم اعطنى كتابي بيميني و الخلد والجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ثم غسل يده اليسرى فقال اللهم لا تعطنى كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلي عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح راسه فقال اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك ثم مسح رجليه فقال اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم رفع راسه فنظر إلي محمد فقال يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره فيكتب الله له ثواب ذلك إلي يوم القيامة .
أخواني ارجو أن أكون وفقت على أن أوصل معلومة مهمة بخصوص فريضة الوضوء لعل الله أن يغفر لي ذنوبي و يكفر عن سيئاتي وأنا العبد الفقير المحتاج إلي ربه وكل أملى وقصدي الاستفادة لي ولكم و أن آخر دعوانا.
الحمدُ لِلهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
وفي الختام أطلب من الله القبول ومنكم الدعاء لوالدي ولجميع المؤمنين و المومنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
الحمد لله الذي سمك السماء وندب عباده إلي الدعاء و الصلاة والسلام على من قدمه في الاصطفاء محمد خاتم الأنبياء وعلى آله الطاهرين مصابيح الدجى سيما على قائمهم خاتم الأوصياء
المراجع :
القرآن الكريم سورة المائدة 6
وسائل الشيعة ج 1 ص 263
شرائع الاسلام للمحقق الحلي .
إعراب القرآن الكريم ج 2 لمحي الدين الدرويش
فتح القدير للشوكاني ج 2
جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام النجفي ج 1 ص 300
شرائع الاسلام للحلي
الصلاة والسلام على أشرف المرسلين حبيب آله العالمين سيدنا ومولانا ابوالقاسم محمد و على أهل بيته الطيبين الطاهرين أعلام الهداية وسفن النجاة روحي وأرواح العالمين لجدهم ولهم الفداء .
الوضوء حسب فهم أهل البيت عليهم السلام و ليس على طريقة أهل السنة المغيرين لنصوص الإلهية .
يقول الله سبحانه وتعالى ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ))
أما بعد فأن من الأمور المهمة في حياتنا اليومية والتي نتقرب بها إلي الله ونتواصل مع الخالق العظيم هي الصلاة اليومية من الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء نؤديها تقربا إلي رب العزة والجلالة ، والتي من دونها أو فسادها لا تنفع أعمال العبد حيث أنها نقطة سيطرة مهمة تسيطر على قبول الأعمال عند الله سبحانه وتعالى بحيث أنها لو قـُبـِلتَ قـُبـِلَ ما بعدها ولو رُدتَ رُدَ ما بعدها لذا أصبح لزاما علينا أن ندقق كثيرا وكثيرا في صلاتنا حتى يتقبلها الله منا وتسجل في صحيفة أعمالنا و تكون جواز مرور لنا يوم القيامة بقبول جميع عباداتنا وأعمالنا.
أن للصلاة أحكام عديدة ومن أهمها الطهارة عن ( أبى جعفر الباقر عليه السلام : لا صلاة إلآ بطهور ) فلا يمكن الإتيان بالصلاة بدون طهارة و الطهارة أسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة . عن ( أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله علية وآله وسلم : إفتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبيرة وتحليلها التسليم) .
أما السؤال الذي سيقفز إلي أذهاننا ما هو دليل حجية الوضوء فنبحث في الأدلة الأربعة الكتاب ( القرآن) والسنة والإجماع والعقل ، فنجد الإجابة على السؤال في الدليل الأول وهو الكتاب في سورة المائدة الآية رقم 6 (( إذا قمتم إلي الصلاة فأغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وأمسحوا برءوسكم وأرجلكم إلي الكعبين )) أن هذه الآية هي من آيات الأحكام والتشريع في القرآن الكريم حيث أن الله عز وجل بين لنا حكم يجب على الإنسان الإتيان به قبل الصلاة ولكي نفهم هذا الحكم يجب علينا أن ندرك ألفاظ الآية بالقراءة الصحيحة لهذه الآية بحيث أن لا نقرأها بصورة تغير حكما أو تشريعا إلهيا نزل إلينا من الله عز وجل وهذا ما يسمى بصورة بسيطة تحقيق المتن في علم أصول الفقه بحيث يقوم الفقيه بالبحث حول نقطة مهمة في تحقيق المتن في القرآن الكريم حول تعيين الصحيح والأصح من وجوه القراءات المختلفة في بعض آيات القرآن الكريم والتي تتدخل في تغيير المعنى الذي تحمله الآية الكريمة . ولقد قـُرِأت الآية لدى أهل العامة بطريقة فهموا منها حكم معين أما نحن فقد قرأناها حسب ما وصل إلينا عن طريق أئمتنا عليهم السلام من سيد القراء و سيد المفسرين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولكي نبرهن هذا الكلام نتطرق إلي إعراب الآية قبل الشروع في استخراج الأحكام منها. فيقول محي الدين درويش صاحب كتاب إعراب القرآن الكريم
(( إذا قمتم إلي الصلاة فأغسلوا وجوهكم )) إذا ظرف مستقل متضمن معنى الشرط متعلق بقوله فأغسلوا .
وجملة قمتم إلي الصلاة في محل جر بالإضافة ، و إلي الصلاة متعلقتان بقمتم والفاء رابطة في فأغسلوا .
وجملة فاغسلوا لامحل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، و وجوهكم مفعول به وأيديكم عطف على وجوهكم وإلي حرف جر يدل على معنى الغاية والانتهاء والمرافق مجرور والجار والمجرور متعلقتان بمحذوف الحال .
وأمسحوا برءوسكم الواو واو الفصل أمسحوا فعل أمر والفاعل ضمير تقديره الواو والألف والباء للتبعيض رءوسكم مفعول به . ومما يفيد التبعيض ما يقوله الشيخ شهاب الدين القرني إذا قلت مسحت بالمنديل و كتبت بالقلم وطفت بالبيت فمن المعلوم أنك ما مسحت بكل المنديل ولا كتبت بكل القلم ولا طفت بكل البيت علوا وسفلا وظهرا وبطنا وإنما مسحت ببعض ذا و كتبت ببعض ذا وطفت ببعض ذا .
(وأرجلكم إلي الكعبين) على قراءة ابن كثير وحمزة وابوعمرو بالجر والظاهر أنه عطف على الرأس أي وأمسحوا بأرجلكم إلي الكعبين . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( قال إن كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل ) وقد روى ابن عباس : ((أن الوضوء غسلتان ومسحتان)) وكذلك روي عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( ما نزل القرآن إلا بالمسح )
المبحث الاول الغاية من الوضوء
يعتبر الوضوء شرطا لازما ومقدمة ضرورية عند الاتيان بعدد من الامور الواجبة أو المستحبة، فلا يصح ذلك العمل حتى لو كان مستحبا إلا إذا توضأ من أجله ، وأيضا يعتبر الوضوء مستحبا في أمور أخرى بنحو يكون العمل أكمل إذا أتى به مع الوضوء مع صحته في ذاته بدون وضوء ، أما الامور التي يشترط في صحتها الوضوء هي
الأول منها الصلاة الواجبة سواء اليومية أو غيرها كصلاة الآيات وصلاة الطواف الواجب والمستحب ، وكذلك لا تصح الصلاة المستحبة كصلاة النوافل و صلاة الغفيلة بدون وضوء
أما الثاني منها وهو الطواف الواجب في الحج والعمرة
والثالث منه لمس كتابة القرآن الكريم فقط دون القراءة وان كان الأفضل القراءة على وضوء .
والرابع منها فيما لو نذر الوضوء أو عاهد الله عليه أو حلف يمينا فيجب حينئذ وفاءً للنذر و العهد واليمين بالنحو الذي أخذه على نفسه .
المبحث الثاني هو شروط الوضوء
أن الأمور التي يجب توفرها عند الشروع بالوضوء كي يكون الوضوء صحيحا هي عدة :
الاول : طهارة الماء فلا يصح الوضوء بالماء النجس أو المتنجس ولا بأحد الانائين المشتبة فيهما الطاهر بالنجس ولا بماء الاستنجاء
الثاني : إطلاق الماء فلا يصح الوضوء بالماء المضاف الذي لا يطلق علية ماء بل يطلق عليه ماء كذا مثل ماء الورد أو ماء الرمان
في الاول والثاني لايفرق بين العمد أو الجهل أو النسيان في بطلان الوضوء
الثالث إباحة الماء الذي يتوضأ منه بحيث لا يتوضأ من ماء لا يمكنه إحراز الاباحة فيه .
الرابع : ان تكون أعضاء الوضوء طاهرة .وهي خصوص الوجه واليدين وموضع المسح من الرأس والرجلين دون غيرهما من المتوضئ وأن كان الافضل أن يكون سائر البدن طاهر .
الخامس : هو الاطمئنان بوصول الماء إلي البشرة .وذلك بإزالة ما يمنع وصوله إليها من المواد اللاصقةالتي تحجب البشرة وتغطيها .
السادس : هو المباشرة ويراد بها تولي المكلف بنفسه عملية غسل الأعضاء من أجل الوضوء وإيصال الماء إلي تمام العضو
السابع : عدم وجود ما يمنع من الوضوء . بنحو عدم المانع من استعمال الماء من خوف مرض أو عطش على نفسه أو نفس محترمة ونحو ذلك مما يوجب التيمم .
المبحث الثالث هو في أفعال الوضوء
افعال الوضوء هي ابتداء من النية إلي نهاية مسح الرجل اليسرى .
النية وهي إرادة تفعل بالقلب وكيفيتها أن ينوى الوجوب أو الندب والقربه ووقت النية عند غسل الكفين و تتضيق عند غسل الوجه ويجب استدامة حكمها إلي الفراغ لا يعتبر في النية التلفظ أو الاخطار في القلب بل يكفى الارادة الاجمالية المرتكزة في النفس بحيث لو سئل ماذا تفعل يقول أتوضأ ، نعم لو شرع في العمل ثم ذهل عنه وغفل بالمرة بحيث لو سئل ماذا تفعل بقى متحيرا ولا يدرى ماذا يقول يكون عملا بلا نية .
غسل الوجه وهو الفرض الثاني من فروض الوضوء وهو ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلي طرف الذقن طولا وما اشتملت عليه الابهام والوسطى عرضا . ويجب غسله من أعلى الوجه إلي الذقن ولو غسل منكوسا لم يجز ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ولا تخليلها بل يغسل الظاهر. ويذكر النجفي في شرح مقدار الوجه النص التالي ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلي طرف الذقن - وهو مجمع اللحيين الذي ينحدر عنه الشعر من الجانبين - طولا وما اشتملت عليه الابهام والوسطى وما خرج فليس بوجه ، مضافا إلي ما نقل عن زرارة بن أعين أنه قال لأبي جعفر الباقر عليه السلام ( أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يتوضأ الذي قال الله عزوجل قال عليه السلام : الوجه الذي قال الله وامر الله عزوجل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر وأن نقص منه أثم ما دارت عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلي الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه . فقال له الصدغ من الوجه فقال : لا )
الفرض الثاني غسل اليدين والواجب غسل الذراعين والمرفقين والابتداء من المرفق الذي يلتقي فيه عظم الذراع بالعضد وانتهاء برؤس الاصابع ولو غسل منكوسا لم يجز و يجب الابتداء باليد اليمنى ثم اليد اليسرى
عندئذ ينتقل الانسان من عملية الغسل إلى المسح حيث يدخل في الفرض الثالث وهو المسح الرأس والواجب منه ما يسمى ماسحا و المندوب : مقدار ثلاث اصابع عرضا ويختص المسح بمقدمة الرأس ويجب أن يكون بنداوة الوضوء ولا يجوز استئناف ماء جديد ويعنى على المتوضىء أن يمسح رأسه من الرطوبة المتبقية في يده بعد غسل اليدين ولا يستخدم ماء جديد للمسح . والافضل أن يسمح من قمة الرأس فنازلا ويكره المسح بالعكس من مقدمة الرأس إلي قمة الرأس.
الفرض الرابع وهو مسح الرجلين ويجب مسح القدمين من رؤوس الأصابع إلي الكعبين وهما قبتا القدمين ويجوز منكوسا وليس بين الرجلين ترتيب ويجب المسح على بشرة القدم ولا يجوز على حائل من خف أو غيره إلا للضرورة أو التقيه.
المبحث الرابع نواقض الوضوء
كما نذكر نواقض الوضوء والتي هي حسب التالي :
1. البول والغائط
2. الريح
3. النوم مطلقا وهو كل ما غلب على القلب والسمع والبصر
4. كل ما أزال العقل مثل الاغماء و السكر والجنون
5. الاستحاضة ( الكثيرة والمتوسطة والقليلة) وان كان بعض انواعها يستوجب الغسل في بعض احكامه
6. الجنابة تنقض الوضوء ولكن تستوجب الغسل فقط .
المبحث الخامس مسائل متفرقة
روي عن الامام ابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : بينما امير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع ابن الحنفيه رضوان الله عليه إذ قال له : يا محمد أئتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء فأكفاه بيد اليمنى على يده اليسرى ثم قال : بسم الله و الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا قال ثم استنجى فقال اللهم حصّن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرّمني على النار قال ثم تمضمض فقال اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكراك ثم استنشق فقال اللهم لا تحرم عليّ ريح الجنة وأجعلني ممن يشتم ريحها و طِـيبها قال : ثم غسل وجهه فقال اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ثم غسل يده اليمنى فقال اللهم اعطنى كتابي بيميني و الخلد والجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ثم غسل يده اليسرى فقال اللهم لا تعطنى كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلي عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح راسه فقال اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك ثم مسح رجليه فقال اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم رفع راسه فنظر إلي محمد فقال يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره فيكتب الله له ثواب ذلك إلي يوم القيامة .
أخواني ارجو أن أكون وفقت على أن أوصل معلومة مهمة بخصوص فريضة الوضوء لعل الله أن يغفر لي ذنوبي و يكفر عن سيئاتي وأنا العبد الفقير المحتاج إلي ربه وكل أملى وقصدي الاستفادة لي ولكم و أن آخر دعوانا.
الحمدُ لِلهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
وفي الختام أطلب من الله القبول ومنكم الدعاء لوالدي ولجميع المؤمنين و المومنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
الحمد لله الذي سمك السماء وندب عباده إلي الدعاء و الصلاة والسلام على من قدمه في الاصطفاء محمد خاتم الأنبياء وعلى آله الطاهرين مصابيح الدجى سيما على قائمهم خاتم الأوصياء
المراجع :
القرآن الكريم سورة المائدة 6
وسائل الشيعة ج 1 ص 263
شرائع الاسلام للمحقق الحلي .
إعراب القرآن الكريم ج 2 لمحي الدين الدرويش
فتح القدير للشوكاني ج 2
جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام النجفي ج 1 ص 300
شرائع الاسلام للحلي