من جديد يوقعني العشق في شراكه ……..
ومن جديد يفيض عشقي حروفاً تأتلف في كلمات , تفضح أمري وسرّي .
ما أعجبه ….
يأتيني من أبواب متفرقة , متلبّساً كل حين باسم ورسم , فأكشفه وأعرفه .
يغريني ويغويني بحَبّه, فإذا اليمامة قبض يمينه طوعاً واختيارا , موسومة برقّ حُبّه .
ويتساءلون :
ما بالها !!؟؟ بالأمس كان معشوقها الروميّ , والآن العطار لها ربٌّ وحبيب .
أتبدّل الأحباب والأرباب , كما تبدّل الثياب ؟؟ ولا عهد عندها ولا ميثاق ؟؟
معذورون .. من أطّروا أنفسهم بحدود الصورة والاسم , ولم يروا إلا التعدد والكثرة في عالم الأضداد والهويّات .
أما العاشق الناظر من علٍ , من صار فوق النفي والإثبات , فلا يرى الوجود إلا وحدة جامعة , وأهل الله وجه واحداً وروحاً واحدة , وإن تعددت أشكالهم ورسومهم , أسماؤهم وهوياتهم , أزمنتهم وأمكنتهم .
فالروميّ هو العطار , و المنبع الأصلي يفيض على الجميع , كلٌ حسب قابليته واستعداده ,
فتعيه قلوب واعية , ليتمظهر الفيض إبداعا وخلقا آخر , فتبارك الله أحسن الخالقين .
والعاشق الحقّ هو من تعلق بالثابت الذي لا يتلون ولا يتغير , مترفعا عن عشق الصور .
فيا أيها البلبل المتعلق بالوردة
” يا من تعلقت بالصورة , لا تتباه أكثر من ذلك بعشق الجميلة … وعشق شيء مآله الزوال يصيب العقلاء بالضجر والملل ”
وأنت أيتها الحجلة الجبلية الشغوفة بالجوهر
” ما أصل الجوهر إلا حجر اصطبغ بلون , وإذا تلاشى لون الجوهر , عاد حجراً ”
فكونوا من أهل المعنى لا الصورة لأن
” أهل الصورة غرقى بحر كلامي , وأهل المعنى رجال أسراري ”
ويا قارئ العشق متى كانت تهمك الأوصاف , وما يلوح أنه اختلاف , بل وحدك ترحل أبداً عبر الحروف إلى عالم المعاني الرحب اللامتناهي , سواء كان الكاتب زيدا أو عمرا , أنثى أو ذكرا .
فانظر إلى معناي تحاول أن تترجمه حروفي , أي حال بات حالي من عشق عطار :
..” نثر نافجة المسك المليئة بالأسرار , على هذا العالم في كلّ آونة ” .. فأوقع قلبي في هواه , وإذا بالهوى هواء أتنشقه من معاني الصور الملوّنة في إبداع قلّ نظيره , وإذا بالهواء حياة وخلود . في سِفر وسَفر روحيّ , لا حسابات للزمان والمكان فيه .
سفَر وسِفر كأنه مثنوي الرومي حين سمّاه ” قرآن السالكين ” , فهاهو العطار يطلق أيضاً ما يشابه ذلك على منطق طيره , وما زهوّاً ما ترسمه الكلمات , بل تقرير واقع , وهاهي القرون المتوالية , تثبت حقيقة ما أكّده :
” هذا الكتاب حلية الأيام , وفيه نصيب للخاص والعام , ومن يشبه الثلج ويطلع على هذا الكتاب , يخرج كالنار متقداً من خلف الحجاب , ونظمي يتسم بميزة عجيبة , إذ يولد في كلّ آونة معاني جديدة …….. وإلى يوم القيامة لن يكتب إنسان قط كلاماً مثل كلامي أنا الولهان , فقد نثرت الدرّ من بحر الحقيقة , كما ختم الكلام علي , وهذه هي الوثيقة ”
فامض معي , يا قارئ العشق , نستجلي أسرار تلك الوثيقة , واعجبْ لطفلة , أربكها العشق , فهمّت لحظة أن تعود , عن درب يأنس سالكوه بالنار , ولا يقرّ لهم قرار , وقد آلوا أن يجعلوا الأرواح على الدرب نثار .
لولا أن يأتيها وحي أن ” الأطفال وحدهم يرشدون باكراً ” فتلبس خرقة التصوّف , وتشمر عن ساعد العزم , وتخوض نيرانه بقلب كسّر الأقفال , وجلى صدأ الموروث والمعتاد , تدفعه الهمّة وترفعه , فيخفّ ويشفّ , ولولا نظرة وجذبة من معشوقه ومولاه , لأقعدته وحشة الطريق , وأرجعته عن مبتغاه . وما الجذبة إلا منحة إلهية يهبها الله لمن أراد من عباده , ينطق بها عطاري , على لسان الهدهد حين سأله أحد الطيور , بماذا استحق عليهم السبق رغم أنه يشبههم :
أيها الطائر , كان سليمان يديم النظر إلي في كلّ أوان , وما حصلت على ذلك بذهب وفضة , وإنما تتأتى هذه المكانة من نظرة واحدة ……. فاقض العمر كله في طاعة , حتى تحظى من سليمان بنظرة .
بقلم : ثناء درويش
سوريا – مصياف
ومن جديد يفيض عشقي حروفاً تأتلف في كلمات , تفضح أمري وسرّي .
ما أعجبه ….
يأتيني من أبواب متفرقة , متلبّساً كل حين باسم ورسم , فأكشفه وأعرفه .
يغريني ويغويني بحَبّه, فإذا اليمامة قبض يمينه طوعاً واختيارا , موسومة برقّ حُبّه .
ويتساءلون :
ما بالها !!؟؟ بالأمس كان معشوقها الروميّ , والآن العطار لها ربٌّ وحبيب .
أتبدّل الأحباب والأرباب , كما تبدّل الثياب ؟؟ ولا عهد عندها ولا ميثاق ؟؟
معذورون .. من أطّروا أنفسهم بحدود الصورة والاسم , ولم يروا إلا التعدد والكثرة في عالم الأضداد والهويّات .
أما العاشق الناظر من علٍ , من صار فوق النفي والإثبات , فلا يرى الوجود إلا وحدة جامعة , وأهل الله وجه واحداً وروحاً واحدة , وإن تعددت أشكالهم ورسومهم , أسماؤهم وهوياتهم , أزمنتهم وأمكنتهم .
فالروميّ هو العطار , و المنبع الأصلي يفيض على الجميع , كلٌ حسب قابليته واستعداده ,
فتعيه قلوب واعية , ليتمظهر الفيض إبداعا وخلقا آخر , فتبارك الله أحسن الخالقين .
والعاشق الحقّ هو من تعلق بالثابت الذي لا يتلون ولا يتغير , مترفعا عن عشق الصور .
فيا أيها البلبل المتعلق بالوردة
” يا من تعلقت بالصورة , لا تتباه أكثر من ذلك بعشق الجميلة … وعشق شيء مآله الزوال يصيب العقلاء بالضجر والملل ”
وأنت أيتها الحجلة الجبلية الشغوفة بالجوهر
” ما أصل الجوهر إلا حجر اصطبغ بلون , وإذا تلاشى لون الجوهر , عاد حجراً ”
فكونوا من أهل المعنى لا الصورة لأن
” أهل الصورة غرقى بحر كلامي , وأهل المعنى رجال أسراري ”
ويا قارئ العشق متى كانت تهمك الأوصاف , وما يلوح أنه اختلاف , بل وحدك ترحل أبداً عبر الحروف إلى عالم المعاني الرحب اللامتناهي , سواء كان الكاتب زيدا أو عمرا , أنثى أو ذكرا .
فانظر إلى معناي تحاول أن تترجمه حروفي , أي حال بات حالي من عشق عطار :
..” نثر نافجة المسك المليئة بالأسرار , على هذا العالم في كلّ آونة ” .. فأوقع قلبي في هواه , وإذا بالهوى هواء أتنشقه من معاني الصور الملوّنة في إبداع قلّ نظيره , وإذا بالهواء حياة وخلود . في سِفر وسَفر روحيّ , لا حسابات للزمان والمكان فيه .
سفَر وسِفر كأنه مثنوي الرومي حين سمّاه ” قرآن السالكين ” , فهاهو العطار يطلق أيضاً ما يشابه ذلك على منطق طيره , وما زهوّاً ما ترسمه الكلمات , بل تقرير واقع , وهاهي القرون المتوالية , تثبت حقيقة ما أكّده :
” هذا الكتاب حلية الأيام , وفيه نصيب للخاص والعام , ومن يشبه الثلج ويطلع على هذا الكتاب , يخرج كالنار متقداً من خلف الحجاب , ونظمي يتسم بميزة عجيبة , إذ يولد في كلّ آونة معاني جديدة …….. وإلى يوم القيامة لن يكتب إنسان قط كلاماً مثل كلامي أنا الولهان , فقد نثرت الدرّ من بحر الحقيقة , كما ختم الكلام علي , وهذه هي الوثيقة ”
فامض معي , يا قارئ العشق , نستجلي أسرار تلك الوثيقة , واعجبْ لطفلة , أربكها العشق , فهمّت لحظة أن تعود , عن درب يأنس سالكوه بالنار , ولا يقرّ لهم قرار , وقد آلوا أن يجعلوا الأرواح على الدرب نثار .
لولا أن يأتيها وحي أن ” الأطفال وحدهم يرشدون باكراً ” فتلبس خرقة التصوّف , وتشمر عن ساعد العزم , وتخوض نيرانه بقلب كسّر الأقفال , وجلى صدأ الموروث والمعتاد , تدفعه الهمّة وترفعه , فيخفّ ويشفّ , ولولا نظرة وجذبة من معشوقه ومولاه , لأقعدته وحشة الطريق , وأرجعته عن مبتغاه . وما الجذبة إلا منحة إلهية يهبها الله لمن أراد من عباده , ينطق بها عطاري , على لسان الهدهد حين سأله أحد الطيور , بماذا استحق عليهم السبق رغم أنه يشبههم :
أيها الطائر , كان سليمان يديم النظر إلي في كلّ أوان , وما حصلت على ذلك بذهب وفضة , وإنما تتأتى هذه المكانة من نظرة واحدة ……. فاقض العمر كله في طاعة , حتى تحظى من سليمان بنظرة .
بقلم : ثناء درويش
سوريا – مصياف