إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

راي السيد الشيرازي قده في ولاية الفقيه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • راي السيد الشيرازي قده في ولاية الفقيه

    ولاية الفقيه الجامع للشرائط

    مسألة ـ 2ـ بعد الإمام يأتي دور الفقيه الجامع للشرائط في الولاية، والضرورات قامت على ولايته في الجملة في أمور الحسبة، التي يؤتى بها قربة إلى الله سبحانه (ولذا سميت بالحسبة، من الاحتساب له سبحانه رجاء ثوابه).

    وإنّما كان الكلام في ولايته العامة في باب التنفيذ، كولاية الإمام (عليه السلام) حتى يكون الأصل العموم إلاّ ما خرج، أو أنّ الفقيه لا ولاية عامة له، إلاَّ ما دلَّ الدليل على حقِّه في التولِّي، والظاهر الأول، وقد ذكرنا طرفاً من الأدلة فيه في كتاب (الفقه (باب التقليد) من شرح العروة) ولا بأس هنا بالإشارة الإجمالية إلى ذلك، فإنَّ الذي يدلُّ على الولاية العامة للفقيه الأدلة الأربعة.

    أمّا الكتاب: فقوله سبحانه: ((وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ))[1] ؛ إذ من المعلوم أنه لولا الحاكم المطاع، ذو النفوذ، لزم فساد الأرض فساداً كلياً أو في الجملة، بضميمة أنه لا حقَّ لغير الفقيه التولّي زمان وجود الفقيه بالضرورة والإجماع.

    وقوله: ((وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ...))[2] ووجه الاستدلال بها كالآية السابقة.

    ربَّما يُستدل بقوله تعالى: ((وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ))[3] بضميمة أنّ لازم من يريد عدم الظلم أن ينصب من يدفع الظلم.

    وقوله تعالى: ((إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً))[4] بضميمة أنّ ظاهرها الخليفة دائماً لا في وقت دون وقت، ولأنّ الخليفة غير المزاول لا يسمّى خليفة فعليةً، وإنْ كان خليفة شأنية.

    وبقوله: ((يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ))[5] وقوله: ((إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ)[6] بضميمة أنَّ آيات القرآن كالشمس تجري في كل زمان ـ كما ورد بهذا المضمون حديث عنهم (عليهم السلام) ـ فاللازم انطباق الخلافة على إنسان يزاول الحكم، وليس غير الفقيه بالإجماع.

    بل يدلُّ عليه قوله تعالى: ((وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ))[7] فإنّ إطلاقه يشمل القضاء والحكم، وهذه الآية تدل بالتلازم على وجود الحاكم.

    كما أنّ قوله سبحانه في صدر الآية: ((أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهْلِها))[8] ، تدل بالتلازم على وجود الأمانة والأمناء، وقد ورد في الحديث[9]: (أن تؤدوا) متعلق بالأئمة وإنّ (إذا حكمتم) متعلق بالأمراء وإنَّ (أطيعوا) خطاب عام لجميع المسلمين، لكنْ في دلالة بعض هذه الآيات ولو بالضمائم المذكورة نظر، وإنْ كان في المجموع كفاية.

    وأمّا السنة: فهي روايات كثيرة، كمقبولة عمر بن حنظلة، عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال: (ينظرون من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر قي حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخف بحكم الله وعلينا رد، والرادُّ علينا كالراد على الله، وهو على حد الشرك بالله)[10].

    وعن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألت وقلت من أُعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟ قال (عليه السلام): العمري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون. قال: وسألت أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال: العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنَّهما الثقتان المأمونان[11].

    وعن أبي خديجة قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال: قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة، أو قد أدي في شيء من الأخذ والعطاء أنْ تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً، وإياكم أن يحاكم بعضكم بضعاً إلى السلطان الجائر[12].

    وهذه الرواية تدل على الشورى في الحكم ـ كما سيأتي ـ.

    وعن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري، أنْ يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ـ إلى أن قال (عليه السلام) ـ وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجتي عليكم، وأنَّا حجة الله[13].

    وكالمروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنّه قال: اللَّهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله، من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي[14].

    ومثل ما ورد في صحيحة القداح، عن الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث: فإنه بعد ألاّ يشمل (إرث المال) مطلق شامل لإرث العلم والمنصب: إن العلماء ورثة الأنبياء[15].

    وما ورد من أنّ علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل[16].

    وما ورد من أنّ علماء أمتي كسائر الأنبياء قبلي.

    وما في الفقه الرضوي: (منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل)[17].

    وما ورد من قوله (عليه السلام): (العلماء حكام على الناس)[18].

    وما ورد في رواية الإمام الحسين (عليه السلام): (مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء)[19].

    وفي كتاب الحسين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة: (والله، ما الإمام إلاّ القائم بالقسط الحاكم بالكتاب، الحابس نفسه على ذات الله تعالى)[20].

    وفي حديث، عن أمير المؤمنين أنه قال لولده محمد: تفقه في الدين، فإنّ الفقهاء ورثة الأنبياء[21].

    وفي رواية الكراجكي، قال علي (عليه السلام): الملوك حكّام على الناس، والعلماء حكّام على الملوك[22].

    وعنه (عليه السلام) قال: كلُّ حاكم يحكم بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت[23]ـ الحديث.

    وما رواه العلل، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال فيه: فإن قال: فلم وجب عليهم معرفة الرسل والإقرار بهم والإذعان لهم بالطاعة؟ قيل له: لأنّه لما لم يكن في خلقهم وقولهم ما يكملون به مصالحهم، وكان الصانع متعالياً عن أن يرى، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً لم يكن بدا بينه وبينهم معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويوقفهم على ما يكون فيه إحراز منافعهم ودفع مضارهم، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته، لم يكن في مجيء الرسل منفعة، ولا سد حاجة ولكان إثباته عبثاً بغير منفعة ولا صلاح، وليس هذا من صفة الحكيم، الذي أتقن كل شيء، فإن قال: فلم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟ فقل: لعلل كثيرة منها: إنّ الخلق لما وقفوا على محدود وأمروا ألاَّ يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم عن التعدي والدخول فيما حُظر عليهم، لأنه إن لم يكن ذلك كذلك، لكان أحد لا يترك لذاته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم قيماً يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام، ومنها أنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل عاشوا وبقوا إلاّ بقيم ورئيس، لما لا بد لهم من أمر الدين، والدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق، ممّا يعلم أنه لا بد لهم ولا قوام لهم إلاّ به، فيقاتلون به عدوّهم ويقسمون به فيئهم، ويقيم له جمعتهم وجماعتهم، ويمتنع ظالمهم من مظلومهم، ومنها أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيماً أميناً حافظاً مستودعاً، لدرست الملة، وذهب الدين، وغيرت السنة والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبهوا ذلك على المسلمين، لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلاف أهوائهم، وتشتت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيماً حافظاً لما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله) لفسدوا على نحو ما بينا، وغيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وفي ذلك فساد الخلق أجمعين.

    وفي المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويتمتع فيها الكافر، ويقاتل بها العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به ويستراح من فاجر[24].

    أقول: حيث إنّ الفاجر غير مأذون عن الله، فالبرُّ هو المأذون، وليس في زمان الغيبة إلاَّ الفقيه الجامع للشرائط.

    وفي رواية، عن الصادق (عليه السلام) قال: ما زالت الأرض إلاّ ولله فيها الحجة يعرف الحلال والحرام، ويدعو إلى سبيل الله[25].

    حيث إنّ في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) ليس يوجد حجة معصوم يدعو فلا بد وأن يكون الفقيه.

    ومثله المروي عن إكمال الدين، عنه (عليه السلام) قال: (إنه تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلاّ فيها عالم، يعلم الزيادة والنقصان، ولولا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم[26]). إلى غيرها من الروايات التي دلالتها كسندها لا بأس بهما، وإمكان المناقشة في بعضها لا يضر، وقد ذكرنا جملة من المناقشات وأجوبتها في شرح العروة.

    وأما الإجماع: فقد استدل به للولاية العامة، فقد نقل الإجماع على ذلك.

    فعن المحقق الكركي أنه قال: اتفق أصحابنا على أنَّ الفقيه العادل الجامع لشرائط الفتوى المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية، نائب من قبل أئمة الهدى في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل، وربما استثنى بعض الأصحاب القتل والحدود.

    أقول: لعل مقصوده ببعض الأصحاب ابني زهرة وإدريس، كما حكى عنهما كما حكى الإجماع عن الشيخ (ملا كتاب) وعن البلغة أن حكاية الإجماع على ذلك فوق حد الإحصاء.

    وعن العوائد، أنه نص عليه كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلمات، بل لعله الظاهر من المستند في بحث القضاء حيث ادَّعى الإجماع على وجوبه، وعلله بتوقف نظام نوع الإنسان عليه.

    أقول: ويؤيد ذلك مؤيدان:

    الأول: إنّ جمهرة كبيرة من العلماء كانوا يتصرفون في شؤون الدولة والسياسة العامة، أمثال كاشف الغطاء الكبير، حيث أجاز للملك القاجاري (فتح علي شاه) أنْ يزاول أعمال الدولة بالنيابة عنه، وحجة الإسلام الشفتي، والسيد المجاهد، والسيد المجدد، والشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي، والسيد محمد كاظم صاحب العروة، حيث أفتى بإخراج العثمانيين، والآخوند صاحب الكفاية، والسيد الحبوبي.

    أمَّا مزاولة الكركي والمجلسي والبهائي والمير الداماد وغيرهم للحكم في أيام الصفويين، فغني عن الكلام، إلى غيرهم من العلماء الكبار ممّا لا يخفى على من راجع أحوالهم (قدس الله أسرارهم)، بل لم نجد عالماً تسنى له ذلك فلم يقدم عليه، بل في كثير من القرى والأرياف في إيران والهند وپاكستان وأفغانستان والعراق ولبنان وغيرها يحكم العلماء ووكلاؤهم.

    الثاني: إنّه يستفاد اتفاق الفقهاء على ثبوت الولاية للفقهية في مواضع كثيرة من الفقه ويعللون الحكم بالولاية، كما لا يخفى على من راجع الفقه.

    مثل قولهم: بوجوب دفع الزكاة إلى الفقيه ابتداءً أو بعد طلبه.

    وقولهم: بوجوب دفع ما بقى من الزكاة في يد ابن السبيل، بعد وصوله إلى بلده إلى الفقيه، ومثل وجوب دفع الخمس بإجازة الفقيه، أو إلى نفس الفقيه ومثل أن الفقيه مكلف بصرف الخمس والزكاة في مواضعها المقررة.

    وقولهم: بوجوب استيجار الأرض المفتوح عنوة من الفقيه.

    وقولهم: لا يجوز الجهاد ولا الدفاع إلاّ بإذن الفقيه.

    وقولهم: بولايته على ميراث من لا وارث له.

    وقولهم: بأنه ولي الصغير في زواجه.

    وقولهم: في توقف إخراج الودعى الحقوق على إذنه.

    وقولهم: بطلاق المرأة التي غاب زوجها وجبره طلاق من لا يعاشر زوجته بالحسنى.

    وقولهم: بولايته في إجراء الحدود.

    وقولهم: بولايته في أداء دين الممتنع من ماله.

    وقولهم: إنّه المرجع في الهلال، وفي القضاء بكل شؤونه.

    وقولهم: بأنّه يقبض الوقف على الجهات العامة.

    وقولهم: بتوقف التّقاص من مال الغائب على إذنه، وكذلك إذا امتنع الحاضر.

    وقولهم: بجواز إجازته لبيع الوقف، حيث يجوز بيعه.

    وقولهم: بأنّه يقبض الحق عن كل ممتنع لقبض حقه مثلما إذا امتنع الدائن عن قبض الدين، أو امتنع المشتري من قبض الثمن، أو البائع من قبض الثمن إلى غير ذلك.

    وقولهم: بأنّه الذي يحجر على المفلس، والسفيه، والمجنون.

    وقولهم: بأنّه يضمُّ إلى الوصي الخائن أو العاجز من يشرف عليه.

    وقولهم: بأنَّه يعزل الخائن إذا لم ينفع الضمّ.

    وقولهم: بأنَّه يقيم الوصي لمن مات وصيه أو انعزل، وأنّه يقيم الوصي والولي لمن لا وصي له ولا ولي له، إذا احتاج إلى ذلك.

    وقولهم: بأنَّه يضرب أجل العنّين، وأنه يبعث الحكمين من أهل الزوجين، وأنّه يجبر الممتنع على أداء النفقة لزوجته أو سائر واجبي النفقة، وأنه يجبر المظاهر على أحد الأمرين.

    إلى غيرها من الموارد الكثيرة جداً، بل إنا لم نجد مصنفاً في الفقه إلاّ وفيه كثرة من هذه المسائل، كما لمن نجد فقيهاً في التاريخ ولا فقيهاً معاصراً إلاَّ وكان مزاولاً هذه الأعمال، حتى إذا كان من أشد المحتاطين، بل قد رأينا جملة منهم يرون أنفسهم من أولي الأمر، الذين قال الله عنهم: ((وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ))[27] بمقتضى أن ظاهر الآية وجود ولي الأمر الظاهر في كل زمان، وليس كل في زمان الغيبة إلاّ الفقيه الجامع للشرائط، ولذا يسمون بنائب الإمام.

    أمّا ما ورد في تفسيرها بأنَّ المراد الأئمة (عليهم السلام)[28] فهو من باب المصداق، كما هو الظاهر من غالب تفسير الآيات المطلقة بمورد خاص.

    وأمّا العقل؛ فمن وجهين:

    الأول: إنَّه من القبيح أن يترك الحكيم أمته بدون قائد ينظم أمورهم ويصلح فاسدهم ويرشد ضالهم ويقيم أودهم، ويأخذ من غنيهم لفقيرهم، ويحارب أعداءهم، ويسالم أولياءهم، ويرفع عوزهم، سواء أكان الترك يسبب الفوضى والهرج والمرج أم يؤُل إلى استبداد الظالمين وسيطرة الطغاة والمفسدين، وهذا هو المشاهد في من ترك داره وعائلته، فكيف بمن ترك بلده حتى ينتهي إلى من يترك كل البشر.

    لا يقال: لا يقبح ذلك بعد أن عين الله الإمام وقتله الناس أو سببوا اختفاءه؟

    لأنه يقال: بالنسبة إلى المسببين لا يقبح، أمّا بالنسبة إلى غيرهم فهو قبيح، كما إذا عين الأب خلفاً له على عائلته إنساناً فقتله أحدهم، فإن ترك الأب إنساناً آخر بالنسبة إلى بقية الأفراد قبيح، ولا ينقض ذلك بأنّه لم يخلِّف الله إماماً آخر مع أنَّه البديل من الإمام المقتول أو النائب، فحاله عدم لا خلاف للفقيه حال عدم الإخلاف للإمام.

    لأنّه يقال: النقص غير وارد، لأنَّ الإمام الخلف أيضاً كان يقتل أو يشرد، لما جبل عليه المتكبرون من عدم تمكنهم رؤية الإنسان المتصل بالسماء المتصرف في الكون، بخلاف من ليس كذلك وإنّما يدير شؤونهم، ولذا كان الناس يحسدون الأنبياء والأئمة بما لا يحسدون مثله الفقهاء والرؤساء.

    الثاني: إنّ علة بعث الأنبياء والأئمة موجودة في نصب الرئيس، فإنهم ذكروا أنّ النصب واجب على الله، لحفظ البلاد ونظم أمور المعاش والمعاد.

    قال السيد الطباطبائي في النجم الثاقب:

    نصب الإمام حافظ الزمام *** لطف من الله على الأنام

    فإنه مقرب للطاعة *** وقائد الناس إلى الإطاعة

    فكما وجب النصب عقلاً بالنسبة إلى النبي والإمام، وجب النصب عقلاً بالنسبة إلى القائم مقامها، ويؤيد العقل أنّ النبي والإمام ينصبان الوكلاء والنوّاب في مختلف البلاد عند وجودهما مع أنّ الأمر حال الوجود أهون من حال الغيبة؛ لإمكان الوصول إليهم (عليهم السلام) حال الحضور، بخلاف حال الغيبة، ومع أنَّ أمر بعض البلاد أهون من أمر كل البلاد، فالنصب لكل البلاد في حال عدم إمكان الوصول (للغيبة) أولى.

    [1] ـ سورة البقرة: الآية251.

    [2] ـ سورة الحج: الآية 40.

    [3] ـ سورة ص: الآية 30.

    [4] ـ سورة البقرة: الآية 30.

    [5] ـ سورة ص: الآية 24.

    [6] ـ سورة النساء: الآية105.

    [7] ـ سورة النساء: الآية 58.

    [8] ـ سورة النساء: الآية 58.

    [9] تفسير البرهان : ج1 ص 380 ح13.

    [10] ـ الوسائل: ج18 ص98 الباب11ح1.

    [11] ـ الوسائل: ج18 ص99 الباب 11ح4.

    [12] ـ الوسائل: ج18ص100 الباب11ح6.

    [13] ـ الوسائل: ج18 ص101 الباب11ح9.

    [14] ـ الوسائل: ج18 ص100 الباب 11ح7.

    [15] ـ الوسائل: ج18 ص53 الباب8 ح2.

    [16] ـ المستدرك: ج3 ص189 الباب 11ح30.

    [17] ـ فقه الرضا: ص3338 الباب 89.

    [18] ـ المستدرك: ج3 ص189 الباب 11 ح30.

    [19] ـ تحف العقول: ص169.

    [20] ـ البحار: ج44 ص 334 الباب 37.

    [21] ـ البحار: ج1 ص216 الباب6 ح32.

    [22] ـ المستدرك: ج3 ص188 الباب 11ح17.

    [23] ـ المستدرك: ج3 ص 173 الباب 4ح7.

    [24] ـ نهج البلاغة : الخطبة رقم 40.

    [25] ـ إكمال الدين: ص203 ح11.

    [26] ـ الكافي : ج1 ص136 ح3.

    [27] ـ سورة النساء: الآية59.

    [28] ـ تفسير العياشي.: ج1 ص252ح173.

  • #2
    الحكومة الشرعية وغير الشرعية

    مسألة ـ 26ـ قد تقدم أنّ ميزان الحكم في الإسلام رضى الناس بالحاكم، في إطار رضى الله سبحانه، ولذا كان كل حكم لا يتوفر فيه هذان العنصران، حكماً غير إسلامي (في غير ما استثني) وإنْ لبس الحاكم ألف ثوب من أثواب الإسلام، ولذا كان الوصول إلى الحكم بطريق الانقلابات العسكرية باطلاً في نظر الإسلام، لأنّ الحاكم يستند إلى القوة، لا إلى رضى الله ورضى الناس، وهذا الحاكم الانقلابي يبقى غير شرعي في بلاد الإسلام، وإنْ بقي خمسين سنة وإنْ تزهّد في الدنيا وطبق كل أحكام الإسلام، وكذا حال الحكم الوراثي، فعلى المسلمين أمام هاتين الظاهرتين الشاذتين أنْ يعملوا أمرين:

    الأول: التنديد بأمثال هذه السلطات، وبيان أنّ السلطة الشرعية هي السلطة المرضية للناس، في إطار رضى الله سبحانه.

    الثاني: العمل لإزالتها لتسد مسدها السلطة الشرعية المشتملة على الشرطين السابقين، وبعبارة أخرى الإسلام يعتبر الكفاية الإسلامية في ذات الحاكم، بالإضافة إلى رضى الناس بالكفوء، فكل سلطة لا تستمد شرعيتها من ذلك فهي سلطة غير شرعية، وإنْ استمدت شرعيتها من الوراثة أو من القوة، وعلى الدول الإسلامية إنْ كانت تؤمن بالله واليوم الآخر ألاّ تعترف إلاّ بالسلطات الشرعية بالمعنى الذي ذكرناه، هذا بالإضافة إلى أنْ السلطة التي تستمد شرعيتها من قوة الوراثة أو قوة السلاح لابد وأنْ تكون سلطة مستبدة، والمستبد دائماً يجعل نفسه هو الميزان في كل شيء، بخلاف السلطة التي تستمد شرعيتها من الله سبحانه، فإنها دائما تجعل الميزان هو الله في كل شيء، ولذا يظهر التناقض الكامل بين السلطتين في عدة أمور:

    الأول: إنّ السلطة الشرعية ترى نفسها مسؤولة أمام الله، وليست كذلك السلطة الاستبدادية.

    الثاني: إنّ الشرعية ترى أنّ الميزان لكل أحكامها هو رضى الله، بينما الاستبدادية ترى أنّ الميزان السلطان نفسه.

    الثالث: إنّ الشرعية ترى أنّ المشرِّع هو الله، والاستبدادية ترى أنّ المشرِّع السلطان.

    الرابع: إنّ الشرعية ترى لزوم الكفاءة في أعوانها وأجهزة الحكم، بينما الاستبدادية ترى لزوم الموالاة للسلطان في الأعوان الأجهزة، سواء كانت كفاءة ذاتية لهم أم لا.

    الخامس: إنّ الشرعية لا تضر الدين والأخلاق، بل تنفعهما، إذ الاستمداد للأجهزة تكون من الله ومن الأخلاق، بينما الاستبدادية تضر الدين والأخلاق، إذ توجب شرك الأجهزة فإنّهم يجعلون السلطان مصدر الأمر والنهي والقانون ويعتبرون رضاه لا رضى الله، وبذلك تفسد أخلاقهم أيضاً، لأنّ الأجهزة لإرضاء السلطان لابد لهم من الكذب والنفاق والغش وتحطيم الكفاءات وترفيع من لا كفاءة له.

    فعن محمد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله، ولا دين لمن دان بجحود شيء من آيات الله[1].

    وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): من أرضى سلطاناً جائراً بسخط الله، خرج من دين الله[2].

    وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عزّ وجلّ: ((وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)) قال: ليس العبادة هي السجود والركوع، إنما هي إطاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده[3].

    أقول: وقد ورد مثل ذلك في تفسير قوله تعالى: ((اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ))[4] ، إلى غيرها من الروايات الكثيرة التي هي بهذه المضامين.

    السادس: إنّ الشرعية تدع الناس أحراراً، بينما الاستبدادية تكبت وتصادر الحريات حتى لا ينفلت أحد من كونه متجهاً إلى السلطان.

    السابع: إنّ الشرعية تنعش الاقتصاد والسياسة، لأنّ إنعاشهما فرع الحرية والكفاءة، وهما متوفران في الشرعية، بينما الاستبدادية تحطم الاقتصاد والسياسة، لأنّها تحطم الكفاءة والحرية.

    الثامن: إنّ السلطة الاستبدادية توجب تجميد الفكر، فإن تجميد العمل الحر يؤثر على الفكر، بينما الشرعية بالعكس توجب انطلاق الفكر.

    التاسع: إنّ الاستبدادية توجب كثرة الإجرام، لأنّ حاشية السلطة مطلقو الأيدي، بينما الشرعية تقلل الإجرام.

    العاشر: وأخيراً فإنّ الشرعية توجب تقديم البلاد إلى الأمام، بينما الاستبدادية توجب تأخير البلاد، فالبلاد في ظل الشرعية عامرة، وأهلها علماء أصحاء في الأمن والاستقرار والرفاه، بينما العكس من كل ذلك في ظل الاستبدادية، وعليه فالاستبدادية تضر الدين والدنيا، بينما الشرعية تنفع الدين والدنيا، ثم إنّ الشرعية الحقيقية هي التي تُقدَم من كونها مجمع رضى الله ورضى الناس، بينما ما كان حسب رضى الناس فقط (كما في الديمقراطيات) ليست كذلك لأمرين:

    الأول: إنّها استبدادية في الجملة، لأنّ ميزان رضى الله إذا فقد، فالأصوات تأتي من الرغبة والرهبة، مثلاً الأثرياء بضغط أموالهم يشترون الأصوات، وكذلك الأصوات تأتي من ضغط الكتل الضاغطة، فصار مصدر استمداد رئيس الدولة شرعيتها من (المال والسلاح) لا من الكفاءات البحتة.

    الثاني: إنّها غير عارفة بكل المصالح والمفاسد، فإنّ ذهنية الإنسان مهما كان عبقرياً مستمدة من البيئة والمحيط وسائر الخصوصيات الاجتماعية، ومن الواضح أنّ مثل هذه الذهنية لا تستوعب كل المزايا والخصوصيات لتضع القانون الصحيح، بينما شريعة الله موضوعة من قبل إله حكيم عالم عادل، لم يؤثر فيه الزمان والمكان والعواطف وما أشبه، بل وضع القانون لمصلحة البشر مائة في المائة.

    ثم لا يخفى أنّ الاستبداد لا يتكون ولا يبقى إلاّ في جو الجهل وعدم الوعي، مثلاً يبدأ الاستبداد بأحد أمرين:

    الأول: الانقلاب.

    الثاني: تدرج السلطة من الشرعية إلى الاستبدادية، إما بنفسها أو بأنْ تجعل الحكم وراثة في أولاده أو عشيرته مثلاً، والناس يقبلون كلا الأمرين في أول الأمر، ثم يأخذ المستبد في الاستبداد وتحريف المناهج، فاللازم إيجاد الوعي الكافي في الأمة حتى يستنكر جميع الأفراد كلا الأمرين، فإذا حدث انقلاب شجبوه ليكلا يجد أنصاراً ليستولي على الحكم، ثم يأخذ في الاستبداد، وذات مرة حدث انقلاب في إحدى البلاد فقاطعهم الناس ولذا اضطر الانقلابيون إلى الانسحاب إلى ثكناتهم، ولذا نجد أنّ في بلاد الغرب لا يحدث انقلاب، لأنّ المغامرين يعرفون سلفاً أنهم لو قاموا بالانقلاب لم يؤيدهم أحد، مما يكون مصيرهم الفشل ثم سوقهم إلى المحاكم وإدانتهم.

    أما في بلاد الإسلام؛ فإنْ حدث انقلاب صفق لهم أغلب الناس، مما يوجب تقوية حكمهم، فإذا استقروا أخذوا في الإعدامات، وملؤوا المعتقلات والسجون، وصادروا الحريات، وأهانوا الكرامات، والانقلابات كما شاهدت أنا ثلاثين منها في بلاد الإسلام فقط (باستثناء انقلابات إفريقيا) كلها ظهرت بعد مدة انتهاء الاستعمار، فأراد الغرب والشرق تبديل عبد لهم سابق إلى عبد جديد، وهذا غير الثورات الشعبية التي يشترك فيها أكثر الشعب، فإنّها ثورات حقيقية لأهداف وطنية غالباً.

    أما كيف نوجد الوعي في المسلمين حتى يلفظوا الثورات؟ فذلك بسبب الجرائد والمجلات والإذاعات والمنابر والكتب والنوادي والنشرات، وسائر وسائل العلم والثقافة، حسب الممكن، إنّ من أول البديهيات لدى العالم كله أنّ المعلم للابتدائية يلزم عليه بعد دراسة اثنتي عشرة سنة، وشهادة حسن السلوك سنتان من التطبيق، حتى يُسلَّمْ له صف فيه ثلاثون أو أربعون طالباً، فكيف يسمح العالم بأنْ يأتي إلى الحكم ضابط غير مجرب فيستولي على مقدرات بلد بكامله، عدد أفراده خمسون مليوناً أو يزيد أو ينقص، أليس هذا من أبشع أحكام المدنية الحاضرة، وأسوأ قرارات جاهلية القرن العشرين؟ هذا بالنسبة إلى الانقلاب. وكذلك بالنسبة إلى الاستبداد الوراثي، فإنّ الإسلام دين يؤيد الكفاية لا الوراثة، والأئمة الطاهرون كانوا أصحاب كفاءات، وقد أثبتوا ذلك بجدارة، ولذا لا تجد في التاريخ الإسلامي على طوله عائلة متسلسلة بهذه الجدارة، وهذا ما أراده الله لهم: ((إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً))[5] ، وكيف كان، فعلى المسلم أنْ يستنكر الحكم الوراثي مهما كان شكله وأسلوبه، ولا أدل على فشل الوراثيات أنك لا تجد وراثة في عصرنا الحاضر، ألا ترى السلطة وأعوانها يستبدون بالحكم ويجعلون أساس حكمهم على الترغيب والترهيب، ويقربون العملاء والمهللين بحمد السلطة، ويبعدون الكفاءات.

    وربما يعتذر للوراثة بأنا نرى أنّ الانقلاب أسوأ، مثلاً كان في العراق في أيام الملك الوراثي أحسن من العراق في أيام الانقلابيين، وكذا في مصر وغيرهما.

    والجواب: إنّ العراق الانقلابي أسوأ من العراق الملكي، ومَنْ مَهد للانقلاب غير الملكيين؟ فلو كان العراق (استشارياً) حقاً وعى الناس، ومع الوعي لم يحدث الانقلاب، فإنّ الديكتاتور (مهما كان اسمه ملكاً أو رئيساً جمهورياً كعبد الناصر وعبد الكريم وأضرابهما) لابد له من الإبقاء على سلطته على تجهيل الشعب وإفقارهم وتحطيم الكفاءات وتقريب العملاء، وأول المشاكل اليوم لبلاد الإسلام هي حكوماتها، فإنّهم سببوا تأخير البلاد، ولم يزرع إسرائيل في قبل البلاد الإسلامية إلاّ هؤلاء الحكام، ولم يبق على إسرائيل إلاّ هؤلاء الحكام، لأنّ في إسرائيل ثلاثة ملايين، وعادة يقابله في كل بلاد الإسلام الحكام فقط بما لا يتجاوز عددهم مائة ألف، وهل مائة ألف تتمكن من مقابلة ثلاثة ملايين؟ إنّ حكام المسلمين يعتذرون عن ذلك بأنّ مع إسرائيل أمريكا، والجواب: إنّ معكم روسيا، بالإضافة إلى أنّ مع حكام المسلمين أمريكا أيضاً، وأي إنسان يجهل أنّ مع جملة من الدول النفطية أمريكا كما أنّ (السادات) أيضاً مع أمريكا، إنّ المشكلة هي الديكتاتورية التي سببت ضياع أرض الإسلام سنة (48) م، وقبلها والمشكلة باقية إلى الآن.

    نعم، بدّل المستعمرون بعض عملائهم، فبينما كان العميل في ثوب (فاروق الملكي) صار في ثوب (ناصر الجمهوري) إلى آخر القائمة، وهل إسرائيل معجزة؟ أليس قد قال الله: ((إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ))[6] ومعنى ذلك أنّ (ثلاثمائة ألف صابر فقط) كاف لتحطيم إسرائيل ذات الملايين الثلاثة.

    نعم إنْ كانت صابرة، تصبر على الإيمان وعلى مناهج الحكم، وعلى صنع السلاح، وعلى إعداد ما استطاعت من قوة، فلماذا لإسرائيل الصغيرة ستمائة قسم من السلاح تصنعها إسرائيل بنفسها، وليس لكل المسلمين الثمانمائة مليون أو أكثر ستون قسماً من السلاح يصنعونها؟ ولماذا حكومة إسرائيل تأتي وتذهب برضى الشعب اليهودي بينما لا تجد في كل بلاد الإسلام حكومة تأتي إلاّ بالوراثة أو بالانقلاب وتذهب أيضاً بالانقلاب؟ ولماذا تهجر العقول المفكرة بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر، حتى خلت البلاد من المفكرين والمثقفين، ومن بقي منهم في البلاد، يعيش الكبت والإرهاب؟ ولماذا في إسرائيل الصغيرة الصحف حرةً في تكوينها وفي ما تنشر بينما استحصال إجازة الصحيفة في البلد الإسلامي أحياناً تكلف (مليون دينار) ثم لا تجد صحيفة واحدة في كل بلاد الإسلام تقدر أن تقول ما تريد؟ ولذا تجد في إسرائيل الصغيرة عدد الصحف أكثر من عدد الصحف في كل البلاد العربية بملايينها المائة والخمسين ـ كما دلّ على ذلك بعض الإحصاءات الرسمية ـ إنها أمراض لا علاج لها إلاّ بتحطيم ديكتاتوريات هذه البلاد المتمثلة في الحكام، بإرجاع الأمر إلى رأي الشعب في إطار رضى الله سبحانه، وهذا لا يكون إلاّ بالتضحية بعد الوعي المتزايد المستوعب لكل البلاد الإسلامية، حتى تتوقف الانقلابات وتُنّحى الحكومات الانقلابية ويعرفهم الناس بصفة اللصوص وقطاع الطرق وعملاء الاستعمار لا بصفة المنقذين والوطنيين، وتتنحى كذلك الحكومات الوراثية، لتحل محلهم حكومات شعبية استشارية انتخابية لها مواصفات مقررة في الشريعة الإسلامية، وهناك تجد أن البلاد تقفز في أقل من عشر سنوات إلى مصاف الدول الصناعية، ولا تجد من إسرائيل عيناً ولا أثراً، ولا تجد سجوناً ومعتقلات وتعذيباً، ولا تجد سرقة أموال الأمة وإيداعها في البنوك الأجنبية، ولا تجد العقول المهاجرة الهاربة بحريتها إلى خارج بلاد الإسلام،وهكذا هلُم جرّاً.

    ثم إنّه لاشك في صعوبة إزالة أمثال هذه الحكومات، لكن وعد الله سبحانه (لمن تسلح بالإيمان) كاف في إزالتها، وما في التاريخ البعيد والقريب أمثلة حية تدل على أنّ الشعوب تقدر على تقرير مصائرها إنْ نشرت الوعي، وضحت من أجل قضيتها، فهذه الهند التي تضاهي كل بلاد الإسلام مجموعة في عدد أفرادها، وقد كانت أكثر تبعثراً واستبداداً من الحكام أيام استعمار الإنكليز لها، وقد نفض شعبها عن أنفسهم غبار الجهل والجمود، فلم يمض نصف قرن إلاّ وخلعوا نير الإنجليز عن أعناقهم ووحدوا بلادهم، وأزالوا الحكومات الوراثية العميلة للإنكليز.

    نعم بقيت مأساة المسلمين في الهند فإنها كانت بلاداً إسلامية، ثم أخذها الغرب الصليبي من أيديهم، وسلمها أخيراً إلى حكام الأصنام، ولم يتحرك المسلمون لإرجاعها إلى حظيرة الإسلام كما كانت، كما أنّ حكام المسلمين قبل الاستعمار البريطاني قد قصروا بحق الهند تقصيراً لا يغتفر حيث لم يهتموا لجعل أهلها جميعاً مسلمين، مع أنّها كانت بأيديهم ألف سنة، من أول الفتح الإسلامي إلى سقوطها بيد الإنكليز، تحت شعار (الشركة التجارية للهند الشرقية)، وبالجملة فإنّ مآسي المسلمين الحاضرة والغابرة إنّما هي وليدة الاستبداد والحكومات التي تستمد شرعيتها من الوراثة، أو من القوة، وما دام هذا موجوداً في بلاد الإسلام لا يتوقع خير منها أبداً، فالمهم الضروري نشر الوعي المسقط لهذه الحكومات أولاً، ثم مجيء حكومات باختيار الأمة المسلمة في إطار رضى الله، لتكون نواة لحكومة إسلامية واحدة، تجمع كل المسلمين على غرار (الولايات المتحدة) ـ ولا مناقشة في المثال ـ.

    [1] ـ وسائل الشيعة: ج11 ص421 الباب 11ح1.

    [2] ـ وسائل الشيعة: ج11 ص421 الباب 11ح4.

    [3] ـ وسائل الشيعة: ج11 ص423 الباب11ح12.

    [4] ـ سورة التوبة: الآية 31، وانظر وسائل الشيعة ج18 ص90 الباب 10ح3.

    [5] ـ سورة الأحزاب: الآية33.

    [6] ـ سورة الأنفال: الآية 75.

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
    استجابة 1
    9 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
    ردود 2
    12 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    يعمل...
    X