من فضائل الوهابية! سعوديون يعتنقون المسيحيّة
محمد الأنصاري - « مجلة الحجاز » - 20 / 3 / 2010م
الأخبار التي تمّ تداولها مؤخراً حول اعتناق (عشرات) الطلاب من السعوديين المبتعثين الى الولايات المتحدة للديانة المسيحية، سبّبت صدمة لدى الكثير من المواطنين، وتداولتها العديد من المنتديات الأخبارية المحلية والعربية باستغراب، ملقية اللائمة على الآباء والحكومة وضعف التديّن لدى الشباب أنفسهم.
ومع أن مثل هذه الأخبار طفحت على السطح بكثرة في السنوات الأخيرة، فإنه يصعب تقصّيها، خاصة وأن اعتناق ديانة ما ليس شأناً عاماً، ولا هو مطروح للنقاش، ولا يعني إلاّ صاحب العلاقة، الذي قد يكشف عن تحوّله الديني، أو يعمّي عليه، خشية البطش، أو المضايقات الإجتماعية، أو حتى القتل.
لقد تناهى الينا العديد من الأخبار، لا يمكن الجزم بصحّتها جميعاً، بعضها يقول بأن فتيات سعوديات اعتنقن المسيحية، وبعضها يقول بأن الممثل أو المغني الفلاني غيّر دينه، والآن يتم الحديث بشكل مكثّف عن (ارتداد ديني) بين الطلبة السعوديين المبتعثين، وبأعداد غير اعتيادية بمقاييس بلد مثل السعودية.
السعودية وخلال السنوات الخمس الماضية أرسلت عشرات الآلاف من الطلبة للدراسة في الخارج، وقد جاء ذلك بعد أحداث سبتمبر 2001، وفي وقت كانت هناك وفرة مالية تحصلت عليها الحكومة من مردودات النفط، فضلاً عن أن السعودية بعد أحداث سبتمبر أرادت استرضاء الغرب بشكل عام، لاستعادة ما سمّاه كيسنجر بأموال البترودولار، فكان الإبتعاث واحداً من السبل، وقد جرى النقاش بشأنه بين بوش وولي العهد يومها ـ الملك حالياً ـ عبدالله.
أعداد المبتعثين يبلغ حالياً نحو 65 ألف شخص، معظمهم من الشباب، ذكوراً وإناثاً، كما أن معظمهم غير متزوجين، وقد أرسل هؤلاء الى العديد من العواصم الأوروبية والولايات الأميركية، واستراليا، ونيوزيلندا، فضلاً عن بلدان عربية كمصر، وإسلامية مثل باكستان والهند، وغيرها.
مشايخ الوهابية كانوا دائماً ضد الإبتعاث، وحذّروا من تعريض الشباب الى امتحانات صعبة، والآباء والأمهات من ترك أبنائهم في الخارج دون رعاية، ولا ننسى أن التراث الوهابي في معظمه يحرّم السفر الى ما يسمونه بـ (البلاد الكفرية). كانت خشية مشايخ الوهابية من تغيّر سلوك الشباب، ولم يكن يدر بخلدهم أن التغيّر يمكن أن يشمل المعتقد الديني بشكل شامل.
لا أحد درس أسباب حدوث تحوّل المعتقد لدى الشباب السعودي. الى أي مذهب إسلامي كانوا ينتمون، والى أي منطقة يعودون، ومن أي شريحة اقتصادية قد أتوا، والى أيّ مؤثرات تعرّضوا، وهل كان تحوّلهم اعتقاداً بأفضلية دينية، أم لأهداف مصلحية، أم ردّة فعل أم ماذا؟
السؤال الأكثر إلحاحاً هو: كيف يمكن أن يحدث تحوّل عقدي في مجتمع مغلق، مؤطّر دينياً وعقدياً لعشرات السنين، تشبّع وبجرعات زائدة وعلى مدار قرن كامل بالقضايا الدينية والمعارك الدينية العقدية والطائفية، فضلاً عن أن حكومته تزعم بأنها الوحيدة بين العالم التي تطبّق الشريعة، وأن أرضه تحتضن أقدس مقدّسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة؟!
الجواب يكمن في السؤال ذاته.
المجتمع السعودي اليوم ليس مجتمعاً دينياً، بل يمكن القول أنه ليس فقط أقلّ المجتمعات العربية والإسلامية التزاماً بالإسلام، بل هو ـ في ظنّنا ـ أدناها مرتبة.
وهو اليوم، حسب معرفتنا الدقيقة له، مجتمع طائفي متصارع داخلياً ويصدر صراعاته الطائفية الى الخارج، ولكنه ليس مجتمعاً دينياً يحتكم الى المعايير والقيم الدينية. بمعنى أن غيرته التي تظهر في بعض القضايا السياسية، الإسلامية والعربية (خاصة في نجد الوهابية بالتحديد، والتي تتحكم بالمؤسسة الدينية) هي غيرة طائفية، وليست دينية، أي أن المحرّك طائفي، حتى في موضوع مثل (الرسوم المهينة للرسول صلى الله عليه وسلم). فبعض مشايخ الوهابية تحمّس للدفاع عن النبي وعرضه، مستبطناً الدفاع عن المذهب الوهابي، وحتى لا يقال بأن العالم الإسلامي غضب من تلك الرسوم، في حين أن مشايخ الوهابية صمتوا.
ونقول أكثر من هذا، فإن ظاهرة التديّن في السعودية، وتحديداً في محيط المدرسة الوهابية المتحكّمة، إنما هي في كثير أو قليل منها (ظاهرة نفاقية نفعية) لا يعضدها الفعل، بل لقلقة لسان. في السعودية تسمع الكثير عن الدين الصحيح، والإسلام الصحيح، وتصدح عشرات الآلاف من المآذن بالأذان والصلوات؛ وتغطي البرامج الدينية مساحة واسعة من الإعلام الرسمي المقروء والمسموع والمرئي.. لكن أثر ذلك على سلوك الأفراد، قليل جداً. إن الحياة الدينية الطاغية في قمعها، خلقت شخصيات منافقة مزدوجة الشخصية: ففي الظاهر تسمع عبارات التدين، وتجد في كثير من الأحيان سواسية سلوك مفروضة؛ ولكن ما أن يختلي المرء بنفسه في بيته وبين الجدران الأربعة ترى نقيضاً في الممارسة والمعتقد مما لا يمت الى الإسلام بصلة. وهذا، قد يفسّر في جانب كبير منه سلوك السعوديين في الخارج، الذين ينغمسون في الملذات والشهوات الى أبعد الحدود، وبشكل مقزّز. ولكَ أن تعجب للمفارقة بين سمعة السعوديةكدولة إسلامية، منحتها الأماكن المقدسة صورة حسنة عنها، في حين أن سمعة الأفراد (كسعوديين) بائسة كأشخاص غير متدينيين.
وفي الوقت الذي نمت وتنمو فيه الظاهرة الدينية في معظم بلدان العالم الإسلامي، بل وحتى بين المسلمين المقيمين في الخارج، فإنك تجد أن ظاهرة التديّن الى انحلال في معقلها النجدي، حيث توجد الوهابية، وحيث سلطتها القاهرة.
محمد الأنصاري - « مجلة الحجاز » - 20 / 3 / 2010م
الأخبار التي تمّ تداولها مؤخراً حول اعتناق (عشرات) الطلاب من السعوديين المبتعثين الى الولايات المتحدة للديانة المسيحية، سبّبت صدمة لدى الكثير من المواطنين، وتداولتها العديد من المنتديات الأخبارية المحلية والعربية باستغراب، ملقية اللائمة على الآباء والحكومة وضعف التديّن لدى الشباب أنفسهم.
ومع أن مثل هذه الأخبار طفحت على السطح بكثرة في السنوات الأخيرة، فإنه يصعب تقصّيها، خاصة وأن اعتناق ديانة ما ليس شأناً عاماً، ولا هو مطروح للنقاش، ولا يعني إلاّ صاحب العلاقة، الذي قد يكشف عن تحوّله الديني، أو يعمّي عليه، خشية البطش، أو المضايقات الإجتماعية، أو حتى القتل.
لقد تناهى الينا العديد من الأخبار، لا يمكن الجزم بصحّتها جميعاً، بعضها يقول بأن فتيات سعوديات اعتنقن المسيحية، وبعضها يقول بأن الممثل أو المغني الفلاني غيّر دينه، والآن يتم الحديث بشكل مكثّف عن (ارتداد ديني) بين الطلبة السعوديين المبتعثين، وبأعداد غير اعتيادية بمقاييس بلد مثل السعودية.
السعودية وخلال السنوات الخمس الماضية أرسلت عشرات الآلاف من الطلبة للدراسة في الخارج، وقد جاء ذلك بعد أحداث سبتمبر 2001، وفي وقت كانت هناك وفرة مالية تحصلت عليها الحكومة من مردودات النفط، فضلاً عن أن السعودية بعد أحداث سبتمبر أرادت استرضاء الغرب بشكل عام، لاستعادة ما سمّاه كيسنجر بأموال البترودولار، فكان الإبتعاث واحداً من السبل، وقد جرى النقاش بشأنه بين بوش وولي العهد يومها ـ الملك حالياً ـ عبدالله.
أعداد المبتعثين يبلغ حالياً نحو 65 ألف شخص، معظمهم من الشباب، ذكوراً وإناثاً، كما أن معظمهم غير متزوجين، وقد أرسل هؤلاء الى العديد من العواصم الأوروبية والولايات الأميركية، واستراليا، ونيوزيلندا، فضلاً عن بلدان عربية كمصر، وإسلامية مثل باكستان والهند، وغيرها.
مشايخ الوهابية كانوا دائماً ضد الإبتعاث، وحذّروا من تعريض الشباب الى امتحانات صعبة، والآباء والأمهات من ترك أبنائهم في الخارج دون رعاية، ولا ننسى أن التراث الوهابي في معظمه يحرّم السفر الى ما يسمونه بـ (البلاد الكفرية). كانت خشية مشايخ الوهابية من تغيّر سلوك الشباب، ولم يكن يدر بخلدهم أن التغيّر يمكن أن يشمل المعتقد الديني بشكل شامل.
لا أحد درس أسباب حدوث تحوّل المعتقد لدى الشباب السعودي. الى أي مذهب إسلامي كانوا ينتمون، والى أي منطقة يعودون، ومن أي شريحة اقتصادية قد أتوا، والى أيّ مؤثرات تعرّضوا، وهل كان تحوّلهم اعتقاداً بأفضلية دينية، أم لأهداف مصلحية، أم ردّة فعل أم ماذا؟
السؤال الأكثر إلحاحاً هو: كيف يمكن أن يحدث تحوّل عقدي في مجتمع مغلق، مؤطّر دينياً وعقدياً لعشرات السنين، تشبّع وبجرعات زائدة وعلى مدار قرن كامل بالقضايا الدينية والمعارك الدينية العقدية والطائفية، فضلاً عن أن حكومته تزعم بأنها الوحيدة بين العالم التي تطبّق الشريعة، وأن أرضه تحتضن أقدس مقدّسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة؟!
الجواب يكمن في السؤال ذاته.
المجتمع السعودي اليوم ليس مجتمعاً دينياً، بل يمكن القول أنه ليس فقط أقلّ المجتمعات العربية والإسلامية التزاماً بالإسلام، بل هو ـ في ظنّنا ـ أدناها مرتبة.
وهو اليوم، حسب معرفتنا الدقيقة له، مجتمع طائفي متصارع داخلياً ويصدر صراعاته الطائفية الى الخارج، ولكنه ليس مجتمعاً دينياً يحتكم الى المعايير والقيم الدينية. بمعنى أن غيرته التي تظهر في بعض القضايا السياسية، الإسلامية والعربية (خاصة في نجد الوهابية بالتحديد، والتي تتحكم بالمؤسسة الدينية) هي غيرة طائفية، وليست دينية، أي أن المحرّك طائفي، حتى في موضوع مثل (الرسوم المهينة للرسول صلى الله عليه وسلم). فبعض مشايخ الوهابية تحمّس للدفاع عن النبي وعرضه، مستبطناً الدفاع عن المذهب الوهابي، وحتى لا يقال بأن العالم الإسلامي غضب من تلك الرسوم، في حين أن مشايخ الوهابية صمتوا.
ونقول أكثر من هذا، فإن ظاهرة التديّن في السعودية، وتحديداً في محيط المدرسة الوهابية المتحكّمة، إنما هي في كثير أو قليل منها (ظاهرة نفاقية نفعية) لا يعضدها الفعل، بل لقلقة لسان. في السعودية تسمع الكثير عن الدين الصحيح، والإسلام الصحيح، وتصدح عشرات الآلاف من المآذن بالأذان والصلوات؛ وتغطي البرامج الدينية مساحة واسعة من الإعلام الرسمي المقروء والمسموع والمرئي.. لكن أثر ذلك على سلوك الأفراد، قليل جداً. إن الحياة الدينية الطاغية في قمعها، خلقت شخصيات منافقة مزدوجة الشخصية: ففي الظاهر تسمع عبارات التدين، وتجد في كثير من الأحيان سواسية سلوك مفروضة؛ ولكن ما أن يختلي المرء بنفسه في بيته وبين الجدران الأربعة ترى نقيضاً في الممارسة والمعتقد مما لا يمت الى الإسلام بصلة. وهذا، قد يفسّر في جانب كبير منه سلوك السعوديين في الخارج، الذين ينغمسون في الملذات والشهوات الى أبعد الحدود، وبشكل مقزّز. ولكَ أن تعجب للمفارقة بين سمعة السعوديةكدولة إسلامية، منحتها الأماكن المقدسة صورة حسنة عنها، في حين أن سمعة الأفراد (كسعوديين) بائسة كأشخاص غير متدينيين.
وفي الوقت الذي نمت وتنمو فيه الظاهرة الدينية في معظم بلدان العالم الإسلامي، بل وحتى بين المسلمين المقيمين في الخارج، فإنك تجد أن ظاهرة التديّن الى انحلال في معقلها النجدي، حيث توجد الوهابية، وحيث سلطتها القاهرة.
اختكم ايات كريمة
تعليق