إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

رد شبهة السطحية في مؤلفات السيد الشيرازي قدس سره

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد شبهة السطحية في مؤلفات السيد الشيرازي قدس سره

    سوف انقل لكم موضوعا من كتب السيد قدس سره يقابلها نفس الموضوع من كتاب السيد كاظم الحائري وهو موضوع حسن الخلق نقلته من كتاب تزكية النفس للسيد الحائري ومن كتاب الاخلاق الاسلامية للسيد الشيرازي قدس سره ونريد من القاريء ان يدرس الموضوعين للمؤلفين كلاهما ويقول لنا رايه هل فعلا ان السيد الشيرازي طرحه سطحي؟

  • #2
    كلام السيد الشيرازي



    حسن الخلق
    الفضائل والرذائل تتقسم على الأعضاء، فللسان الصدق والكذب، وللعين الطهارة والخيانة، ولليدين العمل والبطش.. وللقلب الطيب والخبث..
    وهناك فضيلة ـ تدعى ـ: (حسن الخلق) تعم جميع المشاعر، ويقابلها سوء الخلق، وهو أيضاً عام، ولا يخص حاسة أو عضواً.. يسري في جميع جهاز البدن، سريان الروح في الجسد الحي..
    وغالباً يسعد الإنسان بهذه الفضيلة أكثر من سواها، فالصدق والأمانة والحياء وحسن النية.. وما إليها، لا تجلب صديقاً ولا تنقص عدواً، أما الخلق الحسن فهو وحده كفيل بجلب أكبر عدد ممكن من الأصدقاء!!
    وقد امتنَّ الله على نبيه بهذه الموهبة الأخاذة، حيث يقول: (فبما رحمة من الله لنت لهم..) إنها حقيقة رحمة، رحمة لهم، وله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أما لهم فقد أنجاهم من العذاب الذي كان يحرق دنياهم، ويفسد آخرتهم، وأما له فقد حصل له من الأتباع، وحسن الذكر، ومثوبة الهداية، ما لم يكن يحصل له لولا اتصافه صلوات الله عليه وآله بهذه الأخلاق، قال تعالى ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك...)(1).
    هكذا ينقلب العدو صديقاً، بينما سوء الخلق بالعكس من ذلك، فكثيراً ما يبدل الصديق عدواً، وأية صفة أغلى من تلك؟ وأفضع من هذه؟
    يرشد القرآن إلى هذه النقطة المهمة في قوله:
    (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)(2).
    لكن هل هذا صنع كل أحد، كلا وكلا:
    (.. وما يلقاها إلا الذين صبروا) ليس هذا فحسب (.. وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيمٍ)(3).
    إنه حظ عظيم حقيقة، وأي حظ أكبر مما يجعل المناوئ ودوداً، والعدو حميماً؟!.
    وسوء الخلق زمام كل شر، إن سيئ الخلق يكذب ويغضب، ويسب ويلعن، ويحقد ويضرب، يكلح وجهه ويمنع رفده.. فكل إحسان أحسنه، وكل خير فعله إلى الناس، يتلاشى أمام خلقه السيئ، ولنفرض أنه أعطى درهماً لفقير ليكتسب وده، إنه بسوء خلقه وعبس وجهه، يقلبه عدواً، أو لنفرض أنه جلب لزوجته ما يرضيها، لكن سوء خلقه ـ سرعان ـ ما يكدر الصفو، ويورث العداوة.
    يقول الإمام الرضا (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الخلق السيئ يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل)(4) فالعسل الحلو يصبح حامضاً بالخل، وكذلك العمل الحلو يصبح حامضاً بسوء الخلق!
    في حسن الخلق خير الدنيا، من صداقة الناس، وسؤدد، وعيش هنيء.. والآخرة، من نعيم، وحور، وولدان، ولم لا يكون فيه خير الآخرة، والله يحب صاحبه؟
    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن جبرئيل الروح الأمين، نزل عليّ من عند رب العالمين فقال: يا محمد، عليك بحسن الخلق، فإنه ذهب بخير الدنيا والآخرة، ألا وإن أشبهكم بي أحسنكم خلقاً)(5).
    والطابع العام للمسلم هو حسن الخلق، فمن لا يحسن خلقه، لا يكون مسلماً!
    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل، وسوء الخلق)(6).
    ثم ما فائدة سوء الخلق؟ هل يرفع مشكلة، أو يجلب منفعة، أو يدفع مضرة؟
    كلا. لا هذا، ولا ذاك، ولا ذلك، إنه بالعكس يجلب كل ويل على الشخص نفسه قبل غيره فهو دائماً مهموم مجانب..
    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من ساء خلقه عذب نفسه)(7).
    ثم إنه لا يسود أحداً، ولا يكون له خليل!
    قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ في وصيته لابنه محمد بن الحنفية ـ: (إياك والعجب، وسوء الخلق، وقلة الصبر! فإنه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث صاحب، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب، وألزم نفسك التودد)(8).
    ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): (لا مروة لكذوب، ولا أخ لملول، ولا راحة لحسود، ولا سؤدد لسيئ الخلق)(9).
    وسيئ الخلق مادام منطبعاً على هذه الخصلة، يكون على قمة الشرور، كلما تحرك وقع في شر، كمن على جبل ذلق، فلا يتوب من سوء خلق، إلا وسرعان ما يقع فيه..
    قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ لأبي أيوب الأنصاري ـ: ما بلغ من كرم أخلاقك؟ قال: لا أوذي جاراً فمن دونه، ولا أمنعه معروفاً أقدر عليه، ثم قال: ما من ذنب إلا وله توبة، وما من تائب إلاّ وقد تسلم له توبته، ما خلا سيئ الخلق، لا يكاد يتوب من ذنب، إلا وقع في غيره أشد منه)(10).
    ومن ساء خلقه كدر جوه، كما يكدر الوحل أطراف الماء، لا يزال يبث الشر.. حتى تحيط به هالة من الكلح، يمجه من ينظر إليه، ويجانبه كل صديق، والويل ـ كل الويل ـ لعائلته، والله يجزيه بالشر، وإن صام وصلى، وحج وأعتق.. إنه لابد أن يذوق ما أذاق الناس.
    وهنا حديث يستغرب ـ بادئ النظر ـ لكنه لا غرابة فيه، بعد ما علمنا من عدل الجزاء..
    قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أتى رسول الله، فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات! فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقام أصحابه، فحمل، فأمر بغسل سعد، وهو قائم على عضادة الباب، فلما ان حنط وكفن وحمل سريره، تبعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا حذاء ولا رداء!
    ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة، ويسرة مرة، حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى لحده، وسوى عليه اللبن، وجعل يقول: ناولني حجراً، ناولني تراباً رطباً، يسد به ما بين اللبن، فلما ان فرغ، وحثى التراب عليه وسوى قبره.
    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لأعلم أنه سيبلى، ويصل إليه البلى، ولكن الله عز وجل يحب عبداً إذا عمل عملاً فأحكمه.
    فلما ان سوى التربة عليه، قالت أم سعد ـ من جانب ـ: هنيئاً لك الجنة!
    فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أم سعد، مه! لا تجزمي على ربك!
    فإن سعداً قد أصابته ضمة..!
    قال: فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورجع الناس. فقالوا: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت على سعد، ما لم تصنعه على أحد؟! إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء!!
    فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء، فتأسيت بها..
    قالوا: فكيف تأخذ يمنة السرير مرة، ويسرة السرير مرة؟
    قال: كانت يدي في يد جبرئيل، آخذ حيث ما أخذ..
    فقالوا: أمرت بغسله، وصليت على جنازته، ولحدته، ثم قلت: إن سعداً أصابته ضمة؟!
    فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (نعم، إنه كان في خلقه مع أهله سوء)(11).
    إن سوء خلقه سبب الضمة، وإن كان صلى عليه الرسول، وشيعته الملائكة وجبرائيل، وكان له في الإسلام سوابق ناصعة، وصحائف بيضاء!
    لا عجب، فالله عدل، لا تجوزه مظلمة، وإن غلف صاحبها بأغلفة العبادة والطاعة.

    1 ـ سورة آل عمران: آية 159.
    2 ـ سورة فصلت: الآية 34.
    3 ـ سورة فصلت: الآية 35.
    4 ـ الكافي: ج2، ص322، دار الكتب الإسلامية ـ طهران.
    5 ـ بحار الأنوار: ج64، ص387.
    6 ـ وسائل الشيعة: ج6، ص23، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
    7 ـ الكافي: ج2، ص321.
    8 ـ بحار الأنوار: ج66، ص297.
    9 ـ المصدر السابق.
    10 ـ مستدرك الوسائل: ج12، ص75، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لاحياء التراث ـ بيروت.
    11 ـ بحار الأنوار: ج66، ص298.

    تعليق


    • #3
      كلام السيد الحائري

      الفصل الثامن والعشرون
      حسـن الخُــلُق



      قال تعالى :
      1 ـ ﴿فَبِمَا رَحْمَة مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(1).
      2 ـ ﴿بِسْمِ الله الرَحْمن الرَحِيم ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون * وَإِنَّ لَكَ لاََجْراً غَيْرَ مَمْنُون * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم﴾(2).
      3 ـ ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْر لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ...﴾(3).
      قد يُرى من نافلة الحديث التحدُّث عن حسن الخُلُق في فصل مستقل; لأنَّ الكتاب كلَّه في الأخلاق، فما معنى إفراد باب للحديث عن حسن الخُلُق ؟ !
      إلاّ أنَّ حسن الخُلُق وإن كان قد يُطلَق على جميع محامد الأخلاق، والإسلام كلُّه أخلاق، وكأنَّ هذا المعنى العام هو المقصود بالمرويّ عن رسول الله :
      (1) السورة 3، آل عمران، الآية : 159. (2) السورة 68، القلم، الآيات : 1 ـ 4. (3) السورة 9، التوبة، الآية : 61.

      «إنَّما بُعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق»(1).
      وبقوله المرويّ أيضاً : «بُعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها»(2) إلاّ أنَّه قد يُطلق على خصوص حسن المعاشرة والتعامل مع الخَلْق، وقد يضاف إليه الخالق، إلاّ أنّ الثاني يعود مرّة أُخرى إلى جانب الخُلُق بالمعنى العام; فانَّه جميعاً يبعث بمرضاة الخالق، فيدخل في حسن التعامل مع الخالق. فنحن ـ هنا ـ نقصد بحسن الخُلُق خصوص الأوّل، أعني : حسن المعاشرة والتعامل مع الخَلْق.
      ونشير ـ هنا ـ إلى الخطأ الوارد عن العرفاء المنحرفين عن عرفان أهل البيت حيث يقول القائل منهم : «إنَّ حسن المعاشرة مع الخَلْق يرتبط بمعرفتك مقام الخَلْق، إنّهم بأقدارهم مربوطون، وفي طاقتهم محبوسون، وعلى الحكم موقوفون. فتستفيد بهذه المعرفة ثلاثة أشياء : أمن الخَلْق منك حتّى الكلب، ومحبَّة الخَلْق إياك ونجاة الخَلْق بك»(3).
      فترى أنَّه ربط حسن الخُلُق مع الناس بالاعتقاد بالجبر، وأنَّهم جميعاً ـ إذن ـ معذورون; لأنَّهم مربوطون بأقدارهم، وموقوفون على حكم القضاء بشأنهم، فعلى ماذا نتأذَّى منهم أو نجازيهم بالسوء. فالمفروض أن يأمن الخَلْق جميعاً منّا. وهذا معنى ما يقال : من أنّ الصوفي يؤمن بالتصالح مع جميع الناس.
      أقول: ومع القول بالجبر لا يبقى موضوع للأخلاق وللحسن والقبح، ولا يبقى معنى للتبرؤ من أعداء الله الذي هو فرع مهم من فروع الدين. ولئن كان من الضروري أمن الناس جميعاً من المؤمن فأين الجهاد، وأين الحدود، وأين التعزيرات ؟ !
      (1) البحار 16 / 210، و 71 / 382. (2) المصدر السابق : ص 287، و 69 / 405. (3) راجع منازل السائرين لعبد الله الأنصاري قسم الأخلاق باب الخلق.

      وعلى أيّة حال، فلنذكر لك هنا نموذجاً من روايات حسن الخُلُق الواردة عن أهل اليبت :
      1 ـ عن محمّد بن مسلم بسند صحيح، عن الباقر قال : «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً»(1).
      والمقصود بذلك : إمّا كون حسن الخُلُق كاشفاً عن كمال الدين، وأنّ مَن يكمل دينه يحسن أخلاقه، أوكون حسن الخُلُق هو نوع كمال للدين، وأنَّ الدين به يكمل.
      2 ـ عن عليِّ بن الحسين ، عن رسول الله : «ما يوضع في ميزان امرى يوم القيامة أفضل من حسن الخُلُق»(2).
      3 ـ عن الصادق : «ما يقدم المؤمن على الله ـ عزَّوجلَّ ـ بعمل بعد الفرائض أحبّ إلى الله ـ تعالى ـ من أن يسع الناس بخُلُقه»(3).
      4 ـ عن ذريح بسند صحيح، عن الصادق قال : «قال رسول الله : إنَّ صاحب الخُلُق الحسن له مثل أجر الصائم القائم»(4).
      5 ـ عن عبدالله بن سنان، عن الصادق : «البِرّ وحسن الخُلُق يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار»(5).
      6 ـ عن الصادق قال : «إنَّ الخُلُق منيحة يمنحها الله ـ عزَّ وجلَّ ـ خَلْقه : فمنه سجيّة، ومنه نيّة. فقلت : فأ يّتهما أفضل ؟ فقال : صاحب السجيّة، هو مجبول لا يستطيع غيره. وصاحب النيّة يصبر على الطاعة تصبّراً، فهو أفضلهما»(6).
      (1) و (2) الكافي: 2 / 99. (3) المصدر السابق : ص 100. (4) المصدر السابق. (5) المصدر السابق. (6) المصدر السابق.: ص 101.

      7 ـ عن أبي عبيدة الحذّاء، عن الصادق قال : «أُتي النبيّ باُسارى فأمر بقتلهم خلا رجل من بينهم. فقال الرجل : بأبي أنت وأُمّي يا محمَّد كيف أطلقت عنّي من بينهم ؟ فقال : أخبرني جبرئيل عن الله ـ عزَّوجلَّ ـ أنَّ فيك خمس خصال يحبّه الله عزَّوجلَّ ورسوله : الغيرة الشديدة على حرمك، والسخاء، وحسن الخُلُق، وصدق اللسان، والشجاعة. فلمّا سمعها الرجل أسلم، وحسن إسلامه، وقاتل مع رسول الله قتالاً شديداً حتّى استشهد»(1).
      وبودِّي أن أزيَّن الكتاب ـ هنا ـ بإشارة عابرة إلى خُلُق رسول الله الذي لا يمكن أن يوصف، وكيف يمكن أن يُوصَف خُلُق من قال بشأنه الله سبحانه وتعالى : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم﴾. وهذه الإشارة ضمن أمرين :
      الأوّل : نقل عبارة عجبتني عن الطبرسي وهي ما يلي :
      «من عجيب أمر رسول الله أ نّه كان أجمع الناس لدواعي الترفع، ثُمَّ كان أدناهم إلى التواضع; وذلك أنَّه كان أوسط الناس نسباً، وأوفرهم حسباً، وأسخاهم وأشجعهم، وأزكاهم وأفصحهم. وهذه كلُّها من دواعي الترفع. ثمّ كان من تواضعه أنَّه كان يرقع الثوب، ويخصف النعل، ويركب الحمار، ويعلف الناضح (يعني البعير يستقى عليه) ويجيب دعوة المملوك، ويجلس في الأرض، ويأكل على الأرض، وكان يدعو إلى الله من دون زأر (أي : نهر) ولا كهر (أي : عبس الوجه) ولا زجر. ولقد أحسن مَن مدحه في قوله :
      فَما حَمَلَتْ مِنْ نَاقَة فَوْقَ ظَهْرِها *** أَبَرَّ وأوْفى ذِمَّةً مِنْ مُحمَّدِ»(2) والثاني : قِصّتان طريفتان عن خُلُق رسول الله وهما ما يلي :
      (1) البحار 71 / 384 ـ 385. (2) البحار 16 / 199 نقلاً عن تفسير الطبرسي، وهو موجود في تفسير الطبرسي : مج 1 / 2 / 428 ـ 429.

      الأُولى : ما ورد بسند تام عن أبان الأحمر، عن الصادق قال : «جاء رجل إلى رسول الله وقد بُلِيَ ثوبه ـ يعني : ثوب رسول الله ـ فحمل إليه اثني عشر درهماً. فقال : يا عليّ خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً ألبسه. قال عليٌّ فجئت إلى السوق، فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به إلى رسول الله ، فنظر إليه فقال : يا عليّ غير هذا أحبُّ إليَّ. أترى صاحبه يقيلنا ؟ فقلت : لا أدري، فقال : انظر. فجئت إلى صاحبه فقلت : إنّ رسول الله قد كره هذا، يريد ثوباً دونه، فأقلنا فيه، فردّ عليّ الدراهم. وجئت بها إلى رسول الله فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً، فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله : ما شأنك ؟ قالت : يا رسول الله إنَّ أهلي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة، فضاعت، فلأ أجسر أن أرجع إليهم، فأعطاها رسول الله أربعة دراهم، وقال : ارجعي إلى أهلك. ومضى رسول الله إلى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم، ولبسه وحمد الله. وخرج فرآى رجلاً عرياناً يقول : من كساني كساه الله من ثياب الجنّة، فخلع رسول الله قميصه الذي اشتراه، وكساه السائل. ثُمَّ رجع إلى السوق، فاشترى بالأربعة التي بقت قميصاً آخر، فلبسه وحمد الله. ورجع إلى منزله فإذا الجارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله : ما لك لا تأتين أهلك ؟ قالت : يا رسول الله إنِّي قد أبطأت عليهم أخاف أن يضربوني، فقال رسول الله : مرّي بين يديّ، ودلّيني على أهلك. وجاء رسول الله حتّى وقف على باب دارهم، ثُمّ قال : السلام عليكم يا أهل الدار، فلم يجيبوه، فأعاد السلام، فلم يجيبوه، فأعاد السلام، فقالوا : وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال لهم : ما لكم تركتم إجابتي في أوّل السلام والثاني ؟ فقالوا : يا رسول الله سمعنا كلامك(1) فأحببنا أن نستكثر منه. فقال
      (1) الظاهر أنَّ الصحيح : (سلامك) كما هو الوارد في البحار : 16 / 215.

      رسول الله : إنّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤذوها، فقالوا : يا رسول الله هي حرّة لممشاك. فقال رسول الله الحمد لله : ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه : كسا الله بها عريانين، وأعتق نسمة»(1).
      الثانية : عن موسى بن جعفر ، عن أبيه، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين «إنَّ يهودياً كان له على رسول الله دنانير فتقاضاه، فقال له : يا يهوديّ، ما عندي ما اُعطيك، فقال : فإنِّي لا أُفارقك يا محمّد حتّى تقضيني، فقال : إذن أجلس معك. فجلس معه حتّى صلَّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله يتهدّدونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله إليهم فقال : ما الذي تصنعون به ؟ فقالوا : يا رسول الله يهوديّ يحبسك ؟ ! فقال : لم يبعثني ربِّي عزَّوجلَّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره. فلمّا علا النهار قال اليهودي : أشهد أنّ لا إله إلاّ الله، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإنِّي قرأت نعتك في التوراة : محمّد بن عبدالله مولده بمكّة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظّ، ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا متريّن بالفحش، ولا قول الخناء، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأ نَّك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله. وكان اليهودي كثير المال ...»(2).
      أختم الحديث عن حسن الخُلُق بالإشارة إلى نموذج رائع من خُلُق الإسلام، وهو : ضرورة البرّ بالوالدين بأعلى مستويات البِرّ اللذين هما خالقان مجازيان للإنسان، أي : أنَّهما من المقدِّمات الإعداديّة لوجوده، وقد يكون لا لشيء إلاّ لشهوة بينهما. وقرن شكرهما في القرآن بشكر الله والإحسان إليهما بعبادة الله الذي هو الخالق الحقيقي، في حين أنَّه في الغرب المتمدّن اليوم لا يسأل الولد عن
      (1) الخصال : ص 490 ـ 491. (2) البحار 16 / 216 ـ 217.

      حال أبويه العجوزين المطروحين في دور العجزة أو المستشفيات إلاّ بعد موتهما، فيراجعهما بعد الموت; لأجل بيع جسدهما للمستشفيات !!!
      قال الله تعالى :
      1 ـ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾(1).
      2 ـ ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(2).
      فقد قرن شكرهما بشكر الله حتّى ولو كانا مشركين; وذلك بقرينة استثناء إطاعتهما في الشرك. وهذه القرينة وردت في آية اُخرى ـ أيضاً ـ في وصية الإنسان بوالديه حسناً، وهي قوله تعالى :
      3 ـ ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(3).
      فيا ترى هل يوجد سلطان في الدنيا يأمر أحداً بالإحسان إلى والد له عدوّ لذلك السلطان ؟ ! نعم، هذا هو الخُلُق الرفيع للإسلام الذي لايضاهيه خلق.

      (1) السورة 17، الإسراء، الآيتان : 23 ـ 24. (2) السورة 31، لقمان، الآيتان : 14 ـ 15. (3) السورة 29، العنكبوت، الآية : 8 .

      تعليق


      • #4
        اين هم اصحاب الشبهة

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
        ردود 2
        12 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
        بواسطة ibrahim aly awaly
         
        يعمل...
        X