بسم الله الرحمن الرحيم
كتب: ناصر عبد الأمير الطاهر
هل كان أحد ليتصور أن في بلد كأندونيسيا وحدها أكثر من عشرين مليون فرد علوي من سلالة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)؟! بالتأكيد لا.. فهذا الرقم الكبير لربما يكون صعباً على التصديق، لكنها الحقيقة التي شهد بها شاهد من أهلها. إنه الصحافي الأندونيسي علوي محمد العطاس الذي التقته (المنبر) وأجرت معه لقاء مثيراً تحدث فيه عن تجربته في الانتقال من التسنن إلى التشيع حيث نور ولاية أهل البيت (صلوات الله عليهم)، كاشفاً النقاب عن أن جذور وأصول الشعب الأندونيسي شيعية لكن هويتهم ضائعة بفعل التطورات والتغيرات التي طرأت على المجتمع هنالك.
لقد أدهشتنا إجابات العطاس إلى الدرجة التي جعلتنا أثناء لقائنا معه نتلفت إلى بعضنا بعضاً وعلائم الاستغراب بادية على وجوهنا، فمن منا سمع بأن أحد وزراء السيادة في الحكومة الأندونيسية أجهش بالبكاء عندما قرأ كتاب (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) لسماحة المرجع الديني الأعلى الإمام الشيرازي (دام ظله العالي)، وهو الأمر الذي دفعه إلى مخاطبة السفارة الإيرانية بصفة رسمية طالباً فك طوق الإقامة الجبرية المفروض على الإمام؟
وبقدر ما أسعدتنا المعلومات التي تفضل بها العطاس والتي نقلت إلينا ملامح التشيع في أندونيسيا وكيف أن جموعاً غفيرة من الشعب تحيي كل عام ذكرى أبي عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، بقدر ما آلمنا حال الانعزالية التي يعيشها إخواننا هناك عن العالم الشيعي الذي أدار لهم ظهره، كما هو الحال بالنسبة إلى كثير من المؤمنين القاطنين في أقصى البلدان والذين يعانون من غياب الدعم والتواصل مع المراكز الشيعية. (المنبر) تأمل من خلال هذه المقابلة المثيرة أن تسلط الأضواء على أوضاع الشيعة في العالم، ولربما تكون هذه هي الحلقة الأولى من سلسلة لقاءات وتحقيقات في هذا الشأن. وفي ما يلي تفاصيل ما جرى في المقابلة:
المنبر: ما هي العوامل التي دفعتكم إلى ترك المذهب السني واعتناق العقيدة الإمامية؟ ومتى كان ذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
رغم أن عمدة دراستي كانت في المدرسة السلفية (الوهابية) إلا أنني كنت شغوفاً بقراءة كل ما هو إسلامي جديد، لذا فإنني كنت متابعاً جيداً لمجلة (المواقف) البحرينية إضافة للإرساليات التي كانت تردنا من دار التوحيد في الكويت والكتب الإسلامية المترجمة من العربية إلى الأندونيسية. وأثناء ذلك؛ كنت ألتقي بعدد من أتباع الإمام السيد موسى الصدر، الأمر الذي أزال اللبس عندي حول كثير من القضايا التي تخص المذهب الشيعي.
ولقد قادني ذلك كله، بعد رحلة، بحث وتنقيب شاقة، إلى اعتناق مذهب أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) لأنني وجدته الطريق الأسلم للوصول إلى الله تعالى، وكان ذلك قبل الثورة الإسلامية المباركة في إيران.
المنبر: هل أثر تشيعك في انتقال أفراد أسرتك وأصدقائك مثلاً إلى المذهب الحق؟
نعم بلاشك، فبسبب المد الإسلامي العالمي تعرفنا على منهج أهل البيت (صلوات الله عليهم) أكثر فأكثر، وهو ما ساعد كثيراً على اقتناع أسرتي وأصدقائي وأساتذتي أيضاً بالتشيع. وهم في الواقع كشفوا عن هويتهم الضائعة.
المنبر: أية هوية ضائعة؟
إنني أعتقد بأن غالبية الشعب الأندونيسي كانوا من الشيعة بيد أن الظروف التي طرأت على هؤلاء أثرت تأثيراً كبيراً في اضمحلال هذه العقيدة، وكدليل على اعتقادي فإن السلاطين الذين يحكمون في (سومطرة) أو (كوالا) مازالوا يحتفظون بكثير من التقاليد والعادات الشيعية المتوارثة منذ عشرات السنين رغم أنهم فعلياً لا يعرفون أركان وأصول العقيدة الإمامية. إننا لو رجعنا لكتاب (أعيان الشيعة) لعرفنا أن من يحمل نسب أهل البيت (عليهم السلام) من السادة في أندونيسيا يتجاوزون 20 مليون شخص! وبالطبع فإن من ينتمي إلى هذا المذهب أكثر بكثير! لكن ضعف الوعي الديني من جهة وانقطاع أندونيسيا عن العالم الإسلامي من جهة أخرى بفعل الاستعمار أذابا كثيراً من العقائد والركائز الشيعية.
ومن طريف ما يذكر أن من عاداتنا التي لا تزال متبعة في أندونيسيا صب الماء على ناصية المرأة ورجلها عندما تتزوج، وهذه إحدى تعاليم الأئمة (عليهم السلام)، وهي عادة مختصة بالمذهب الجعفري وحده دون سائر المذاهب.
كما أن الشعب الأندونيسي ملتزم منذ عشرات السنين بإحياء شعائر أبي عبد الله الحسين (عليه الصلاة والسلام) في شهر محرم الحرام، فتجد منابر حسينية في كل البقاع الأندونيسية وكل الضواحي والمناطق، ويحضرها رجال ونساء وأطفال وشيوخ وكذلك كبار مسؤولي الدولة. أما في مدينة سومطرة) الغربية فثمة عادة مميزة تجري في كل شهر محرم، حيث يجتمع الشيعة والسنة في جموع غفيرة ليعدوا نعشاً يمثل نعش الإمام الحسين (عليه السلام)، ويطوفون به لمدة 14 يوماً نسبة إلى عدد المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) في الشوارع والميادين والساحات العامة نادبين لاطمين، والصحف تقوم في مثل هذه المناسبة بتغطية إعلامية مميزة حول شخصية سيد الشهداء (صلوات الله عليه) وشهداء الطف العظيم. أما في مدينة (بريامان) وهي مشتقة من اللفظة العربية (بر الأمان) فهناك خمسة ملايين يقومون بهذه الشعائر كل عام.
المنبر: إذن.. حدثنا عن تاريخ التشيع في أندونيسيا؟
أتصور أن انتشار مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في أندونيسيا جاء بفعل هجرة تجار شيعة من اليمن الجنوبي قبل عشرات السنين، وقد قام هؤلاء بالتبشير بالمذهب الجعفري ودعوة الناس إلى اتباع أهل البيت (عليهم السلام)،ولقد كان معظمهم من السادة الأشراف.
وبطبيعة الحال.. كان للتزواج الذي حصل بين أولئك وبين الشعب الأندونيسي دوراً رئيسياً في زرع بذرة التشيع هناك. ولذلك فقد اكتشتف أسرتناأن أجدادنا هم من اليمن، والأندونيسيون على هذه الحال أخوالنا. كما لا ننسى أن ثمة دور كبير لعبه الدعاة والمبلغون الذين أتوا من العراق وإيران في الترويج للمذهب الاثني عشري.
المنبر: وماذا عن البلدان المجاورة لأندونيسيا؟
التشيع منتشرة في معظم هذه البلدان، ولعلك تجد في سنغافورة وماليزيا مؤتمرات وندوات إسلامية جعفرية كثيرة على مدار العام، وهناك اهتمام كبير بقراءة دعاء كميل كل ليلة جمعة. وفي تايلند نسبة جيدة من الشيعة، أما في ماليزيا فإن اتحاد الطلبة هناك يميل كثيراً إلى شخصيات الأئمة (عليهم السلام)، وعادة ما يسلط في أدبياته وخطاباته الأضواء على حياتهم وسيرتهم.
المنبر: وأي هاتيك البلدان أكثر تمركزاً للشيعة؟
أندونيسيا هي الأعلى كثافة شيعية.
المنبر: بعد تشيعك.. ما هو معنى أن يكون المرء شيعياً من وجهة نظرك الشخصية.
التشيع في نظري هو أن تكون مثالاً يترجم تعاليم أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، لا أن تكتفي بالرداء الشيعي. إن قول المرء: أنا شيعي.. قول عظيم جداً يحتاج إلى برهان، فالتشيع مرتبة عظيمة لا يبلغها إلا من اكتسب الأخلاق الإسلامية الرفيعة والتزم بتقوى الله وسيرة أهل البيت (عليهم السلام).
المنبر: مَن مِن الشخصيات الأندونيسية المعروفة إعتنق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً؟
كثير من وزراء حكومتنا من المتشيعين حديثاً، لكنهم ونتيجة للوضع السياسي الداخلي يخفون حقيقة مذهبهم حتى لا يخسروا بعض المعادلات السياسية. أما كبار المسؤولين العسكريين فإنهم يصرحون بتشيعهم واتباعهم لأهل البيت (عليهم السلام)، لأن مراكزهم بعيدة عن المعادلات السياسية. وجدير’ذكر أن معظم الشيعة يتمركزون في القوات البحرية المسلحة.
المنبر: ما هي الخطوات العملية التي قمتم بها على صعيد نشر مذهب آل محمد (عليهم السلام)؟
إن لنا كثيراً من الأنشطة التي تهدف إلى إعادة الهوية الضائعة للشعب الأندونيسي رغم إمكانياتنا المتواضعة، وأخيراً قمنا بترجمة كتابي (المراجعات) و (ليالي بيشاور) فنالا إعجاب الجماهير الأندونيسية المتعطشة لذكرى أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). غير أن المشكلة تكمن في قلة عدد النسخ المطبوعة، فالراغبون باقتناء كتاب (ليالي بيشاور) مثلاً هم بالآلاف، بل مئات الآلاف، لكننا طبعناه بأقل من ألف نسخة! والأمل أن نتمكن بفضل تبرعات أهل الخير من طباعة نسخ كثيرة من هذا الكتاب بالذات الذي كان له وقع عجيب في نفوس الشارع الأندونيسي. أنتم لا تعرفون ما الذي أحدثه هذا الكتاب لكنني أقول أنه كان بمثابة من أوقظ الشعب من سبات عميق، بل إنه أحياه من جديد وأنار له درب الولاية.
إنني أشكر ربي كثيراً على تعرّفي على الأخوة المؤمنين هنا في الكويت، وخاصة الأخ الكريم عبد الأمير خان الذي كان له الفضل في إيجاد قنوات تنسيق بيننا وبين المؤسسات الخيرية العاملة في الكويت، فلقد كانت له سفرات متكررة إلى أندونيسيا لغرض التجارة، وحصل أن التقينا به وقمنا بالتنسيق معه، فمد لنا جسور التعاون مع هيئة محمد الأمين (صلى الله عليه وآله) ومكتبة الألفين، وهو الأمر الذي ساعدنا كثيراً في الحصول على مختلف الكتب حيث قمنا بترجمتها وطباعتها ونشرها باللغة الأندونيسية.
المنبر: ماذا عن المؤسسات الشيعية في أندونيسيا؟
عندنا مؤسسات إمامية رسمية يبلغ عددها حوالي 12 مؤسسة، بين مسجد وحسينية ومركز، معظمها في مدينة (بندونج) العلمية، وهي مدينة ذات كثافة شيعية وفيها جمع من طلاب الحوزات العلمية، غير أن هذه المراكز ليست سوى نقطة في بحر، فالذي يؤلمني أن كثيراً من المناطق والمقاطعات بحاجة إلى مساجد أو حسينيات على الأقل، لكننا لا نستطيع إقامتها هناك.
وعلى كل حال فإننا نطمح إلى بناء مركز إسلامي إمامي متكامل تنبثق منه فروع في مختلف أرجاء الوطن، على أن تتولاه هيئة محمد الأمين (صلى الله عليه وآله) مثلاً.
كما نتمنى أيضاً من الأخوة في هيئة خدام المهدي (عليه السلام) أن يعاضدوننا في أهدافنا من خلال تزويدنا بآخر الكتب والإصدارات التي يصدرونها ومنحنا الإذن بترجمتها وطباعتها، وكذلك دعمنا في مشاريعنا المستقبلية إن شاء الله تعالى.
المنبر: كيف السبيل لنشر المذهب الشيعي في أندونيسيا، وما هي أفضل آلية يمكن اتباعها في هذا الشأن؟
إنني ألخص هذه الآلية بكلمة واحدة هي (التوعية) بكل ما تحمله من معاني، والتي يجب أن تتركز بالدرجة الأولى على فئة الشباب. ولعل (التوعية) أول ما يؤكد عليه الإمام الأكبر السيد الشيرازي (حفظه الله) الذي تفوق نسبة مقلديه من الأندونيسيين 75 في المئة، وهو يحظى باحترام ومودة خاصة بينهم، فلو كان قريباً منهم لشدوا الرحال إليه لزيارته، ولست أبالغ إن قلت أن قلوب الأندونيسيين يعتصرها البكاء والألم لبعدهم عن الإمام الأكبر لأنهم يشعرون بأنه أب روحي لهم، إلى جانب أن كثيراً من أرباب الفكر والقلم والشخصيات المرموقة ملتزمون بفكره ومشروعه الحضاري، وهناك بعض منهم انتقل من التسنن إلى التشيع بعدما قرأ كتبه المتعددة، كما حدث مع أحد الوزراء.
المنبر: ما الذي حدث لهذا الوزير؟
قبل ثمانية أشهر تقريباً، كان لي الشرف بلقاء أحد وزراء السيادة في حكومتنا لمعاملة خاصة، فانتهزت الفرصة وأهديت له كتاب (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) للإمام الأكبر. ولم أكن أتصور أن هذا الكتاب سيحدث انقلاباً جذرياً في شخصية الوزير، فقد بكى بكاءً شديداً عندما أتم قراءته، وسألني عن شخصية سماحة الإمام فأخبرته بأنه قيد الإقامة الجبرية في قم المقدسة، وما إن سمع هذه المعلومة مني حتى أجهش بالبكاء ثانية.

كتب: ناصر عبد الأمير الطاهر
هل كان أحد ليتصور أن في بلد كأندونيسيا وحدها أكثر من عشرين مليون فرد علوي من سلالة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)؟! بالتأكيد لا.. فهذا الرقم الكبير لربما يكون صعباً على التصديق، لكنها الحقيقة التي شهد بها شاهد من أهلها. إنه الصحافي الأندونيسي علوي محمد العطاس الذي التقته (المنبر) وأجرت معه لقاء مثيراً تحدث فيه عن تجربته في الانتقال من التسنن إلى التشيع حيث نور ولاية أهل البيت (صلوات الله عليهم)، كاشفاً النقاب عن أن جذور وأصول الشعب الأندونيسي شيعية لكن هويتهم ضائعة بفعل التطورات والتغيرات التي طرأت على المجتمع هنالك.
لقد أدهشتنا إجابات العطاس إلى الدرجة التي جعلتنا أثناء لقائنا معه نتلفت إلى بعضنا بعضاً وعلائم الاستغراب بادية على وجوهنا، فمن منا سمع بأن أحد وزراء السيادة في الحكومة الأندونيسية أجهش بالبكاء عندما قرأ كتاب (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) لسماحة المرجع الديني الأعلى الإمام الشيرازي (دام ظله العالي)، وهو الأمر الذي دفعه إلى مخاطبة السفارة الإيرانية بصفة رسمية طالباً فك طوق الإقامة الجبرية المفروض على الإمام؟
وبقدر ما أسعدتنا المعلومات التي تفضل بها العطاس والتي نقلت إلينا ملامح التشيع في أندونيسيا وكيف أن جموعاً غفيرة من الشعب تحيي كل عام ذكرى أبي عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، بقدر ما آلمنا حال الانعزالية التي يعيشها إخواننا هناك عن العالم الشيعي الذي أدار لهم ظهره، كما هو الحال بالنسبة إلى كثير من المؤمنين القاطنين في أقصى البلدان والذين يعانون من غياب الدعم والتواصل مع المراكز الشيعية. (المنبر) تأمل من خلال هذه المقابلة المثيرة أن تسلط الأضواء على أوضاع الشيعة في العالم، ولربما تكون هذه هي الحلقة الأولى من سلسلة لقاءات وتحقيقات في هذا الشأن. وفي ما يلي تفاصيل ما جرى في المقابلة:
المنبر: ما هي العوامل التي دفعتكم إلى ترك المذهب السني واعتناق العقيدة الإمامية؟ ومتى كان ذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
رغم أن عمدة دراستي كانت في المدرسة السلفية (الوهابية) إلا أنني كنت شغوفاً بقراءة كل ما هو إسلامي جديد، لذا فإنني كنت متابعاً جيداً لمجلة (المواقف) البحرينية إضافة للإرساليات التي كانت تردنا من دار التوحيد في الكويت والكتب الإسلامية المترجمة من العربية إلى الأندونيسية. وأثناء ذلك؛ كنت ألتقي بعدد من أتباع الإمام السيد موسى الصدر، الأمر الذي أزال اللبس عندي حول كثير من القضايا التي تخص المذهب الشيعي.
ولقد قادني ذلك كله، بعد رحلة، بحث وتنقيب شاقة، إلى اعتناق مذهب أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) لأنني وجدته الطريق الأسلم للوصول إلى الله تعالى، وكان ذلك قبل الثورة الإسلامية المباركة في إيران.
المنبر: هل أثر تشيعك في انتقال أفراد أسرتك وأصدقائك مثلاً إلى المذهب الحق؟
نعم بلاشك، فبسبب المد الإسلامي العالمي تعرفنا على منهج أهل البيت (صلوات الله عليهم) أكثر فأكثر، وهو ما ساعد كثيراً على اقتناع أسرتي وأصدقائي وأساتذتي أيضاً بالتشيع. وهم في الواقع كشفوا عن هويتهم الضائعة.
المنبر: أية هوية ضائعة؟
إنني أعتقد بأن غالبية الشعب الأندونيسي كانوا من الشيعة بيد أن الظروف التي طرأت على هؤلاء أثرت تأثيراً كبيراً في اضمحلال هذه العقيدة، وكدليل على اعتقادي فإن السلاطين الذين يحكمون في (سومطرة) أو (كوالا) مازالوا يحتفظون بكثير من التقاليد والعادات الشيعية المتوارثة منذ عشرات السنين رغم أنهم فعلياً لا يعرفون أركان وأصول العقيدة الإمامية. إننا لو رجعنا لكتاب (أعيان الشيعة) لعرفنا أن من يحمل نسب أهل البيت (عليهم السلام) من السادة في أندونيسيا يتجاوزون 20 مليون شخص! وبالطبع فإن من ينتمي إلى هذا المذهب أكثر بكثير! لكن ضعف الوعي الديني من جهة وانقطاع أندونيسيا عن العالم الإسلامي من جهة أخرى بفعل الاستعمار أذابا كثيراً من العقائد والركائز الشيعية.
ومن طريف ما يذكر أن من عاداتنا التي لا تزال متبعة في أندونيسيا صب الماء على ناصية المرأة ورجلها عندما تتزوج، وهذه إحدى تعاليم الأئمة (عليهم السلام)، وهي عادة مختصة بالمذهب الجعفري وحده دون سائر المذاهب.
كما أن الشعب الأندونيسي ملتزم منذ عشرات السنين بإحياء شعائر أبي عبد الله الحسين (عليه الصلاة والسلام) في شهر محرم الحرام، فتجد منابر حسينية في كل البقاع الأندونيسية وكل الضواحي والمناطق، ويحضرها رجال ونساء وأطفال وشيوخ وكذلك كبار مسؤولي الدولة. أما في مدينة سومطرة) الغربية فثمة عادة مميزة تجري في كل شهر محرم، حيث يجتمع الشيعة والسنة في جموع غفيرة ليعدوا نعشاً يمثل نعش الإمام الحسين (عليه السلام)، ويطوفون به لمدة 14 يوماً نسبة إلى عدد المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) في الشوارع والميادين والساحات العامة نادبين لاطمين، والصحف تقوم في مثل هذه المناسبة بتغطية إعلامية مميزة حول شخصية سيد الشهداء (صلوات الله عليه) وشهداء الطف العظيم. أما في مدينة (بريامان) وهي مشتقة من اللفظة العربية (بر الأمان) فهناك خمسة ملايين يقومون بهذه الشعائر كل عام.
المنبر: إذن.. حدثنا عن تاريخ التشيع في أندونيسيا؟
أتصور أن انتشار مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في أندونيسيا جاء بفعل هجرة تجار شيعة من اليمن الجنوبي قبل عشرات السنين، وقد قام هؤلاء بالتبشير بالمذهب الجعفري ودعوة الناس إلى اتباع أهل البيت (عليهم السلام)،ولقد كان معظمهم من السادة الأشراف.
وبطبيعة الحال.. كان للتزواج الذي حصل بين أولئك وبين الشعب الأندونيسي دوراً رئيسياً في زرع بذرة التشيع هناك. ولذلك فقد اكتشتف أسرتناأن أجدادنا هم من اليمن، والأندونيسيون على هذه الحال أخوالنا. كما لا ننسى أن ثمة دور كبير لعبه الدعاة والمبلغون الذين أتوا من العراق وإيران في الترويج للمذهب الاثني عشري.
المنبر: وماذا عن البلدان المجاورة لأندونيسيا؟
التشيع منتشرة في معظم هذه البلدان، ولعلك تجد في سنغافورة وماليزيا مؤتمرات وندوات إسلامية جعفرية كثيرة على مدار العام، وهناك اهتمام كبير بقراءة دعاء كميل كل ليلة جمعة. وفي تايلند نسبة جيدة من الشيعة، أما في ماليزيا فإن اتحاد الطلبة هناك يميل كثيراً إلى شخصيات الأئمة (عليهم السلام)، وعادة ما يسلط في أدبياته وخطاباته الأضواء على حياتهم وسيرتهم.
المنبر: وأي هاتيك البلدان أكثر تمركزاً للشيعة؟
أندونيسيا هي الأعلى كثافة شيعية.
المنبر: بعد تشيعك.. ما هو معنى أن يكون المرء شيعياً من وجهة نظرك الشخصية.
التشيع في نظري هو أن تكون مثالاً يترجم تعاليم أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، لا أن تكتفي بالرداء الشيعي. إن قول المرء: أنا شيعي.. قول عظيم جداً يحتاج إلى برهان، فالتشيع مرتبة عظيمة لا يبلغها إلا من اكتسب الأخلاق الإسلامية الرفيعة والتزم بتقوى الله وسيرة أهل البيت (عليهم السلام).
المنبر: مَن مِن الشخصيات الأندونيسية المعروفة إعتنق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً؟
كثير من وزراء حكومتنا من المتشيعين حديثاً، لكنهم ونتيجة للوضع السياسي الداخلي يخفون حقيقة مذهبهم حتى لا يخسروا بعض المعادلات السياسية. أما كبار المسؤولين العسكريين فإنهم يصرحون بتشيعهم واتباعهم لأهل البيت (عليهم السلام)، لأن مراكزهم بعيدة عن المعادلات السياسية. وجدير’ذكر أن معظم الشيعة يتمركزون في القوات البحرية المسلحة.
المنبر: ما هي الخطوات العملية التي قمتم بها على صعيد نشر مذهب آل محمد (عليهم السلام)؟
إن لنا كثيراً من الأنشطة التي تهدف إلى إعادة الهوية الضائعة للشعب الأندونيسي رغم إمكانياتنا المتواضعة، وأخيراً قمنا بترجمة كتابي (المراجعات) و (ليالي بيشاور) فنالا إعجاب الجماهير الأندونيسية المتعطشة لذكرى أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). غير أن المشكلة تكمن في قلة عدد النسخ المطبوعة، فالراغبون باقتناء كتاب (ليالي بيشاور) مثلاً هم بالآلاف، بل مئات الآلاف، لكننا طبعناه بأقل من ألف نسخة! والأمل أن نتمكن بفضل تبرعات أهل الخير من طباعة نسخ كثيرة من هذا الكتاب بالذات الذي كان له وقع عجيب في نفوس الشارع الأندونيسي. أنتم لا تعرفون ما الذي أحدثه هذا الكتاب لكنني أقول أنه كان بمثابة من أوقظ الشعب من سبات عميق، بل إنه أحياه من جديد وأنار له درب الولاية.
إنني أشكر ربي كثيراً على تعرّفي على الأخوة المؤمنين هنا في الكويت، وخاصة الأخ الكريم عبد الأمير خان الذي كان له الفضل في إيجاد قنوات تنسيق بيننا وبين المؤسسات الخيرية العاملة في الكويت، فلقد كانت له سفرات متكررة إلى أندونيسيا لغرض التجارة، وحصل أن التقينا به وقمنا بالتنسيق معه، فمد لنا جسور التعاون مع هيئة محمد الأمين (صلى الله عليه وآله) ومكتبة الألفين، وهو الأمر الذي ساعدنا كثيراً في الحصول على مختلف الكتب حيث قمنا بترجمتها وطباعتها ونشرها باللغة الأندونيسية.
المنبر: ماذا عن المؤسسات الشيعية في أندونيسيا؟
عندنا مؤسسات إمامية رسمية يبلغ عددها حوالي 12 مؤسسة، بين مسجد وحسينية ومركز، معظمها في مدينة (بندونج) العلمية، وهي مدينة ذات كثافة شيعية وفيها جمع من طلاب الحوزات العلمية، غير أن هذه المراكز ليست سوى نقطة في بحر، فالذي يؤلمني أن كثيراً من المناطق والمقاطعات بحاجة إلى مساجد أو حسينيات على الأقل، لكننا لا نستطيع إقامتها هناك.
وعلى كل حال فإننا نطمح إلى بناء مركز إسلامي إمامي متكامل تنبثق منه فروع في مختلف أرجاء الوطن، على أن تتولاه هيئة محمد الأمين (صلى الله عليه وآله) مثلاً.
كما نتمنى أيضاً من الأخوة في هيئة خدام المهدي (عليه السلام) أن يعاضدوننا في أهدافنا من خلال تزويدنا بآخر الكتب والإصدارات التي يصدرونها ومنحنا الإذن بترجمتها وطباعتها، وكذلك دعمنا في مشاريعنا المستقبلية إن شاء الله تعالى.
المنبر: كيف السبيل لنشر المذهب الشيعي في أندونيسيا، وما هي أفضل آلية يمكن اتباعها في هذا الشأن؟
إنني ألخص هذه الآلية بكلمة واحدة هي (التوعية) بكل ما تحمله من معاني، والتي يجب أن تتركز بالدرجة الأولى على فئة الشباب. ولعل (التوعية) أول ما يؤكد عليه الإمام الأكبر السيد الشيرازي (حفظه الله) الذي تفوق نسبة مقلديه من الأندونيسيين 75 في المئة، وهو يحظى باحترام ومودة خاصة بينهم، فلو كان قريباً منهم لشدوا الرحال إليه لزيارته، ولست أبالغ إن قلت أن قلوب الأندونيسيين يعتصرها البكاء والألم لبعدهم عن الإمام الأكبر لأنهم يشعرون بأنه أب روحي لهم، إلى جانب أن كثيراً من أرباب الفكر والقلم والشخصيات المرموقة ملتزمون بفكره ومشروعه الحضاري، وهناك بعض منهم انتقل من التسنن إلى التشيع بعدما قرأ كتبه المتعددة، كما حدث مع أحد الوزراء.
المنبر: ما الذي حدث لهذا الوزير؟
قبل ثمانية أشهر تقريباً، كان لي الشرف بلقاء أحد وزراء السيادة في حكومتنا لمعاملة خاصة، فانتهزت الفرصة وأهديت له كتاب (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) للإمام الأكبر. ولم أكن أتصور أن هذا الكتاب سيحدث انقلاباً جذرياً في شخصية الوزير، فقد بكى بكاءً شديداً عندما أتم قراءته، وسألني عن شخصية سماحة الإمام فأخبرته بأنه قيد الإقامة الجبرية في قم المقدسة، وما إن سمع هذه المعلومة مني حتى أجهش بالبكاء ثانية.
تعليق