بسم الله الرحمن الرحيم
ما هذا التوازن الرائع ؟ ﴿

(إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار )).
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً (22) ﴾ . الأرض فيها هواء ، والهواء متوازن ، لو أن الهواء على شكلٍ آخر ، لو أن نِسَب الأوكسجين في الهواء عالية لاحترق كل شيء ، ولو أن نسب غاز الفحم عالية لما اشتعلت النار إطلاقاً ، ولو أن النبات يتنفَّس الأوكسجين مثلنا ويعطي غاز الفحم لانتهى الأوكسجين من آلاف السنين ، ما هذا التوازن الرائع ؟ يأخذ النبات غاز الفحم ويعطي الأوكسجين ، ويأخذ الإنسان الأوكسجين ويعطي غاز الفحم . خصائص الماء : لا لون له ، لا رائحة ، لا طعم ، يتبخَّر بدرجة أربعة عشر ، سريع النفوذ ، هذا الماء لا يقبل الضغط ، لو وضعت متراً مكعباً من الماء وفوقه ثمانمئة طن لا تنضغط ولا ميلي ، أما حينما يتمدد لا يقف أمامه شيء ، يُصَدِّع الفولاذ . إذا جَمَّدت الماء في الفولاذ تمدد الماء بعد التجَمد فيتصدع الفولاذ من تمدد الماء ، الماء مصمم ، الماء كأي عنصر إذا برَّدته ينكمش ، ولكنه يتمدد عند الدرجة الحَرِجة (+4) ، ولولا هذا التمدد ما وجدت كائنات حية على وجه الأرض ، تمدد الماء في الدرجة (+4) سر الحياة على الأرض ، فراش بهوائها ، بمائها ، بنسب البحار إلى اليابسة . كل شيءٍ في الأرض خلقه الله تكريماً للإنسان : اليابسة فيها مناطق خضراء ، وفيها صحارى قاحلة ، قد يقول قائل : لمَ هذه الصحارى ؟ لو أن الأرض كلها خضراء لما عشنا ، هذه الصحارى الحارَّة تُشَكِّل حرارة تسَخِّن الهواء الذي فوقها ، إذا سخن الهواء يتخلخل ، فيقل ضغطه ، وعندما ينكمش الهواء البارد يزداد ضغطه ، من وجود ضغطين متفاوتين تمشي الرياح ، أساس الرياح منطقتان ذواتا ضغطين متباينين ، الهواء في القطب بارد منكمش ضغطه مرتفع ، وفي خط الاستواء الهواء مخلخل ضغطه منخفض ، تأتي الرياح من الشمال إلى الجنوب ، والأرض تدور ، تأتي الرياح إذاً من الشمال إلى الجنوب الشرقي ، هذا مسير الرياح ، ولبحث الرياح بحوثٌ طويلة . ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً (22) ﴾ . الله عزّ وجل فضلاً عن أنه هيَّأَ لنا الأساسيَّات أعطانا الأشياء المُحَسِّنة ، توجد أزهار فهناك بعض المُجَلَّدات ـ ثمانية عشر مجلداً ـ كل صفحةٍ في هذه المجلدات فيها رسم زهرةٍ ، وكل هذه الصفحات في ثمانية عشر مجلداً هي أنواع الأزهار التي خلَقها الله لهذا الإنسان ، فالأزهار خُلِقَت تكريماً للإنسان ، خُلِقت الروائح العطرية تكريماً للإنسان ، خُلِقت التوابل تكريماً للإنسان ، توجد أطعمة كثيرة ، وتوجد نباتات كثيرة ، وتوجد روائح كثيرة هدفها أن تقوم حياتك بها ، هدفها أن تتنعم بها ، وهذا يشير إلى اسم الودود : ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) ﴾ . (سورة البروج) هذا كلُّه من معنى : ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً (22) ﴾ . الليل والنهار من الآيات الدالة على عظمة الخالق : ، الحقيقة الحديث عن أن الأرض فراش لا ينتهي ، كل شيءٍ في الأرض مخصَّص للإنسان ، بدءاً من حجم الأرض ، لو كان حجم الأرض عشرة أضعاف لكان وزنك عشرة أضعاف ، لو حجمها العُشر لكان وزنك العُشر ، لو لم تكن هناك جاذبية لكانت الحياة لا تُطاق لأن الله عزّ وجل يقول : ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً (61) ﴾ . ( سورة النمل : آية " 61" ) أنت مستقر عليها بفعل الجاذبية ، وثمة شيء آخر : لو كان الليل مئة ساعة لما أُطيقت الحياة ؛ تنام وتستيقظ ، وتنام وتستيقظ ، طاقتك للنوم ثماني ساعات ، والليل مئة ساعة ، ناس يعملون في الليل ، ولا أحد ينام ، ضجيج وعمل ، جعل ربنا عزّ وجل الليل اثنتي عشرة ساعة ، والنهار اثنتي عشرة ساعة ، ويختلفان من فصلٍ إلى فصل ، حتى الليل والنهار مصمم للإنسان ، وزن الإنسان مصمم ، هذا التناسب مثلاً : هذا الحليب الذي تنتجه البقرة يتناسب تناسباً مذهلاً مع جسم الإنسان ، وهو غذاءٌ كامل ، لأن الذي خلق الإنسان هو الذي خلق البقرة ، وخلق هذا الحليب خصيصاً له حيث إن وليد البقرة يحتاج إلى اثنين كيلو في اليوم ، بينما تعطي البقرة أربعين كيلو . هذا الخروف تنتفع من كل شيءٍ فيه ؛ مـن جلده ، وصوفه ، ولحمه ، ودهنه ، وشحمه ، وأمعائه ، وكل أعضائه ، فهو خُلِقَ خصيصاً لك . الفواكه وتصميمها من الآيات الدالة على عظمة الله تعالى : الفواكه .. انظر إلى التفَّاحة ؛ شكلها جميل ، حجمها معقول ، رائحتها عطرة ، قشرتها مانعة ، طعمها لذيذ ، فيها غذاء مفيد ، فيها مواد سكرية ومعادن ، وفيها حديد ، فمن الذي جعل مقوِّماتها ، عناصرها ، قِوامها ؟ كيف تأكلها لو أنها كالصخر ؟ تحتاج إلى مطحنة بحص ، فإنها لا تؤكل معك ، قوامها معقول ، قشرتها ، حتى قَطْفُها سهل ، لو أردت أن تسحب عنقود العنب سحباً لَعُصِر في يدك ولا ينسحب معك ، أما بحركة معاكسة تنزعه من على الشجرة ، كل شيء مصمم ، هذا البطيخ يجب أن ينضج خلال تسعين يوماً لأنه فاكهة الصيف ، لو أنه نضج في يومٍ واحد لا تنتفع منه إطلاقاً ، كذلك الخضراوات ، أما المحاصيل فيجب أن تنضج في يومٍ واحد تسهيلاً لجنيها ، وهذه الفواكه مبرمجة ، كل فترة من الصيف تنضج فاكهة ، تبدأ بهذه الفاكهة ثم هذه الفاكهة ، مبرمجة فيما بينها ، ومبرمجة في نضجها في ذاتها ، والثمار الكبيرة على الأرض ، لو أنها على الشجر لصار هناك حوادث موت كثيرة جداً ، لو وقعت بطيخة وزنها اثنتي عشرة كيلو على إنسان فإنها تُميته ، البطيخ على الأرض ، والفواكه اللطيفة على الشجر ، والشجر قريب ، هناك تصميم مذهل في الكون . هذه الأرض فِراش ، بحجمها فِراش ، بنسب الماء إلى اليابسة فِراش ، بليلها ونهارها فِراش ، بشَّمسِها ؛ لو أن الشمس أقرب لاحترق كل ما على الأرض ، نموذج الان في هذه الايام بلغت الحرارة إحدى وخمسين درجة كاد الناس يخرجون من جلودهم ، من صمم هذه الحرارة بشكل معتدل بين الخمسة والخمسة وثلاثين على مدار السنة ؟ هذه فِراش ، فحجم الأرض ، وشكل الأرض الكُروي ، والشمس ، والليل والنهار ، والجاذبية ، والماء والهواء ، والمحاصيل والفواكه والخضراوات ، والأسماك والأطيار ، والمعادن وأشباه المعادن ، والفيتامينات ، وتصميم الفواكه والخضراوات مع جسمك ، هذا كلُّه لأنه شيء مريح جعل لكم الأرض فِراشاً . ، حينما تقول : ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾ . ( سورة الفاتحة) حينما تركع ، وحينما تسجد فلا تنسَ أن الله سبحانه وتعالى خلق لك الأرض فِراشاً ، سمح لك أن تبني بيتاً ، أعطاك مواداً أولية للبناء ، ليس هذا الإسمنت في الأساس من صنع البشر من أعطى هذه المواد ـ مواد الإسمنت ـ خصائصها فسهُل عليك البناء ؟ من أعطى الحديد خصائصه فسهُل عليك البناء ؟ من خلق هذا الوقود السائل فسَهُلَت عليك الحركة ؟ لأن الآية الكريمة : ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾ . ( سورة النحل) عُزي خَلْقُ المركبة ، والطائرة ، والباخرة إلى الله ، ومعنى عُزي إلى الله : أي هو الذي خلق موادها الأولية ، وهو الذي خلق الوقود السائل الذي أودعه الله في الأرض ، هذه الطاقة من خلقها ؟ ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) ﴾ . ( سورة يس) أحدث نظرية للبترول أنه في العصور المطيرة انطمرت هذه النباتات العملاقة في باطن الأرض ، وهي طاقةٌ مخزونة فأصبحت بترولاً ، وصناعات البترول لا تُعدُّ ولا تُحصى ، بل إن استهلاك البترول في الوقود يُعدُّ استهلاكاً له غير معقول لأن له استعمالات أخرى ، الآن كل شيء بالبترول ، فهذه الأرض فِراش . ، ولا تزال الأرض تملك ثروات لا يعلمها إلا الله ، قال تعالى : ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) ﴾ . (سورة طه) المعادن والفلذات التي اكتشُفت والتي لم تُكتشَف ، يوجد في البحر وحده مليون نوع من السمك ، ليس مليون سمكة بل مليون نوع من السمك ، بدءاً من الحيتان الزرقاء وزن مئة وخمسين طناً ـ هو شيء لا يُصدَّق مخلوق هائل ـ مدينة ، يخرج منه تسعون برميل زيت ، فيه خمسون طن لحماً ، وخمسون طن دهناً ، وفيه أرقام لكبده ولدماغه ولمعدته شيء لا يُصدَّق ، وليده يرضع منه ثلاثمئة كيلو في الرضعة الواحدة ، وهو يحتاج ثلاثة رضعات في اليوم ، فيرضع منه طن حليب ، إلى سمكٍ صغير تراه في بعض أحواض السمك ـ سمك تزييني ـ سمكة صفراء ، سمكة خضراء ، سمكة فسفورية ، سمكة شفافة ، سمكة سوداء هذه للمنظر فقط سمك تزييني . النباتات ؛ يعيش هذا النخل ستة آلاف عام ، هناك نخلٌ نأكل منه التمر كان على عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم ، تعيش النخلة ستة آلاف عام وتعطي تمراً فيه ست وأربعون مادة غذائية ، التمرة صيدلية ، العسل ، ماذا أقول ؟ أنواع النباتات لا تُعدُّ ولا تُحصى . سخَّر الله للإنسان كل شيء تكريماً له أمَّا هذا المُسخَّر له فهو غافل عن الله : ، أنواع النباتات لا تُعَدُّ ولا تُحصى ، أنواع الأزهار ، أنوع الأطيار ، أنواع الأسماك ، أنواع المعادن ، أنواع الفِلزات ، هذا كلُّه من أجل الإنسان ، سخَّر الله لنا كل شيء تكريماً لنا ، أمَّا هذا المُسخَّر له فهو غافل عن الله : ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) ﴾ . ( سورة الإسراء) أما الذي سُخِّرَت له كل هذه النعم هو وحده الغافل ، ما موقفه يوم القيامة وقد رأى كل المخلوقات سُخِّرت له وهي تسبِّح الله عزّ وجل ؟ لو عرفنا الحقيقة لم نَنَم الليل ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾ . (سورة الحجر) ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً (22) ﴾ . كالفراش تماماً ، أنت الآن في الحر تجد وسائل لتخفيف الحر ، يوجد برد فهناك وقود ومدافئ ، أنت تحتاج إلى الماء ، الماء موجود تستخرجه من أي مكان ، أي مكان إذا حفرت بئراً تصل إلى الماء ، من أودع الماء في الأرض ؟ الله جلَّ جلاله ، نظام المطر ، نظام الرياح ، هذا كلُّه يحتاج إلى دراسات . على المؤمن أن يحمد الله تعالى لأنه هداه إليه : كلمة (فِراش) كلمة دقيقة جداً يجب أن نذوب شكراً لله عزّ وجل ، والإنسان حينما يقف بين يدي الله عزّ وجل ليقول : ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾ . هل حمدت الله على أنَّه أوجدك ؟ وهل حمدت الله على أنه أمَدَّك ؟ وهل حمدت الله على أنه هداك اليه ؟ هناك شعوب ؛ تسعمئة مليون في بعض البلاد يعبدون البقر ، شعب اليابان يعبد ذكر الرجل ، شعوبٌ تعبدُ الجرذان ، شعوبٌ تعبد النار ، والشعوب المتحضِّرة تعبد أهواءها أي تعبد المرأة ، تعبد شهوتها . ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) ﴾ . ( سورة الفرقان) لكن المؤمن وحده يعبد الله ، يعبد خالِقَ الكون ، يعبد ربَّ العالمين ، يعبد المُسَيِّر ، يعبد الحكيم ، يعبد القدير ، يعبد الغَني : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً (22) ﴾ . هذا الكون مبنيٌ بناءً رائعاً أساسه التوازن الحركي : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا (41) ﴾ . ( سورة فاطر : آية " 41 " ) تحمَّلوا قليلاً ، هذه آياتٌ دالةٌ على عظمة الله عزَّ وجل . ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا (41) ﴾ . ( سورة فاطر : آية " 41 " ) الزوال هو الانحراف ، أي إن لهذا الكوكب مسار ، لو أنه خرج عن مساره ، ماذا يحصل ؟ لو أنه زال عن مساره ، أقرب مثال هو الأرض ، لو أن الأرض في دورتها حول الشمس خرجت عن مسارها ما الذي يحصل ؟ قال : حينما تبتعد هذه الأرض عن مسارها ، تبتعد عن مصدر الطاقة والحرارة ، تُصبح الأرض كوكباً جليدياً متجمِّداً تنعدم فيها الحياة لأن الوجه غير المقابل للشمس ، إذا ثبتت الأرض من دون أن تدور تهبط حرارته إلى مئتين وسبعين تحت الصفر ، تنعدم الحياة ، لو أن الأرض توقفت لصار طرف الوجه المقابل للشمس ثلاثمئة وثلاثين درجة ، بينما بلغت على الوجه الآخر مئتين وسبعين درجة تحت الصفر ، انتهت الحياة ، لو أنها خرجت عن مسارها وانطلقت بعيداً في الفضاء الخارجي ، وحُرِمت من أشعة الشمس ومن طاقتها ودفئها أيضاً لأصبحت كوكباً متجمداً ، ومع الصفر المُطلق تتلاشى حركة الذرَّات ، ومع تلاشي حركة الذرَّات تنتهي الأرض ، أروع ما في هذه الآية أن كلمة تزول أعطت معنيين في آنٍ واحد، لو أن الأرض انحرفت عن خط سيرها ، لو أن الأرض زالت عن خط سيرها لزالت وتلاشت حركة الأرض حول الشمس من الآيات الدالة على عظمة الله تعالى : قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا (41) ﴾ . ( سورة فاطر : آية " 41 " ) للتقريب لو أن الأرض خرجت عن مسارها ، وأردنا أن نعيدها إلى مسارها ـ طبعاً هذا كلام كله افتراضي ، لكن الهدف منه أن تعرف ما معنى ارتباط الأرض بالشمس ـ قال : نحتاج إلى مليون ملْيون حبل فولاذي ـ أمتن عنصر في الكون الفولاذ المَضفور ، لذلك المصاعد والتليفريكات كلها تستخدم الحبال الفولاذية المضفورة لأنها أمتن عنصر ـ لو أردنا أن نعيد الأرض إلى مسارها حول الشمس لاحتجنا إلى مليون ملْيون حبل فولاذي ، قطر كل حبل خمسة أمتار ، ما معنى حبل فولاذي قطره خمسة أمتار ؟ أي أن هذا الحبل يقاوم من قوى الشد مليوني طن ، ملخَّص الكلام أن الأرض مرتبطة بالشمس بقوة جذبٍ تساوي مليون ملْيون ضرب مليوني طن ، هذا معنى قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا (41) ﴾ . ( سورة فاطر : آية " 41 " ) لو أنها خرجت عن سيرها لزالت وتلاشت ، الأرض مربوطة بقوة جذب تساوي مليونين ضرب مليون ملْيون طن ، كل هذه القوة من أجل أن تُزيح الأرض عن مسارٍ مستقيم ثلاثة ميلي في الثانية ، من ثلاثة ميلي كل ثانية ينشأ مسار مُغلق حول الشمس ، ثلاثة ميلي في الثانية على مدى العام ينشأ مسار حول الشمس مغلق ، هذه حركة الأرض حول الشمس . ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) ﴾ . ( سورة فاطر : آية " 41 " ) أجل رحيم على جهل عباده ، وعلى انحرافهم . الله جلَّ جلاله يمسك السماء أن تقع على الأرض : يقول الله جلَّ جلاله في آيةٍ أخرى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ (65) ﴾ . ( سورة الحج : آية " 65 " ) لو أن كوكباً انجذب إلى كوكبٍ واصطدما لانتهت الحياة على الكوكبين ، فالله جلَّ جلاله يمسك السماء أن تقع على الأرض ، رَصدوا قبل سنوات وسنوات مذنباً يتِّجه نحو الأرض وظنوا أنه سوف يصطدم بها ، وظنوا أن هذا هو يوم القيامة ، ثمَّ حوَّل المذنب وجهته قبل مسافةٍ طويلة ، فلو سمح الله عزَّ وجل في أية لحظة لكوكبٍ أن يصطدم بكوكب آخر لانتهت الحياة ، فالله جلَّ جلاله يقول : ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ (65) ﴾ . وفي آيةٍ ثالثة : ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً (32) ﴾ . ( سورة الأنبياء : آية " 32 " ) لننظر في الظواهر التي تجري في العالم الآن ، فمثلاً هذا الفيضان الذي شَرَّد مئتين وخمسين مليون إنساناً في الصين وجعلهم بلا مأوى (او باكستان حاليا) ، والذي أنهى آبار النفط كلها ، والذي أتلف المحاصيل كلها ، وجعل الصين تعيش في مصيبةٍ ما بعدها من مصيبة وذلك كله بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الأرض ، وهذا الارتفاع بسبب تَخَلْخُل طبقة الأوزون التي هي السقف المحفوظ للأرض ، والسبب أن الإنسان حينما تعلَّم ولم يوازي علمه دينه غيَّر خلق الله عزَّ وجل ، قال تعالى : ﴿ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ (119) ﴾ . (سورة النساء ) تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز : ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً (22) ﴾ . هناك علاقة وثيقة بين قوله تعالى في الآية السابقة ، وبين تتمة الآية : ﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ (32) ﴾ . لحكمةٍ إلهية جعل الله رِزْقَ الإنسان في الأمطار ، الأمطار وحدها آيةٌ من آيات الله الدالة على عظمته ، من أين جاءت هذه البحار ؟ هناك مرصداً عملاقاً في أوروبا يستخدم الأشعة فوق البنفسجية في كشف النجوم ، اكتشف سحابة كونية ، سحابة واحدة من بين آلاف السحب تستطيع هذه السحابة أن تملأ البحار كلَّها ستين مرة في يوم واحد بالماء العذب ، فكل من يقول : إن الرزق محدد ، وهناك أزمة مياه في العالم وأزمة رزق في العالم ، فرد عليه بأن : ﴿ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ﴾ (سورة الذاريات) إن ربنا حينما يقنن ، يقنن تقنين تأديب ، ولا يقنن تقنين عجز . ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) ﴾ . (سورة الشورى) خشية الله محصورةٌ في العلماء : قال تعالى : ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ﴾ . ( سورة الواقعة ) لو تعلمون : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) ﴾ . ( سورة فاطر : آية " 28 " ) كلمة ﴿إنما﴾ تعني أن العلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشون الله ، ﴿إنما﴾ الخشية محصورةٌ في العلماء ، مطلق العلماء ، يقول أحد أكبر علماء الفيزياء : كل إنسان لا يرى فوق هذا الكون قوةً هي أقوى ما تكون ، عليمةً هي أعلم ما تكون ، رحيمةً هي أرحم ما تكون ، حكيمةً هي أحكم ما تكون ، هو إنسانٌ حي في جسده وشكله ولكنه ميت في عقله ونفسه وفطرته التي تَنَكَّرَ لها . معرفة الله تسمو بنا وإلا فنحن كالدابة كما ورد في الذكر الحكيم : ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً (5) ﴾ . ( سورة الجمعة : آية " 5 " ) هذه هي الحقيقة : ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ﴾ . ( سورة الفرقان ) وقال : ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾ . ( سورة النحل ) لا بدَّ من أن نعرف الله ، معرفة الله عِلَّة وجودنا ، معرفة الله تسمو بنا ، معرفة الله تسعدنا ، معرفة الله تحقق الهدف من وجودنا ، معرفة الله تُفْضي بنا إلى الجنة وهذا هو الأصل لذلك : ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ (22) ﴾ . المطر وحده آية من آيات الله الدالة على عظمته : كيف جعل الله أربعة أخماس الأرض بحاراً وخمسها يابسة ، وجعل مناطق ساحلية من اليابسة خضراء ، ومناطق داخلية صفراء ، يا رب لمَ من اليابسة هذه الأراضي الصحراوية ؟ لا ماء ولا نبات ، حر شديد ؟ إنها معمل ، هذه الصحراء معمل ، الهواء فيها ساخن جداً بينما هو بارد جداً بالأماكن الباردة ، الهواء البارد ثقيل ، كثيف ، ضغطه مرتفع ، الهواء الحار مخلخل ضغطه منخفض ، حينما توجد منطقتان إحداهما ذات ضغطٍ منخفض ، والثانية ذات ضغطٍ مرتفع يتحرَّك الهواء بينهما ، إذا تحرَّك ساق بخار الماء الذي في الهواء ، ساقه من البحر إلى الداخل ، لما ساقه إلى الداخل واجه جبهاتٍ باردة فانعقد المطر ، فكانت هذه الخيرات ، وهذه الأشجار ، وهذه النباتات ، وهذه الينابيع ، وهذه الأنهار مثلاً بكثافة مياه الأمازون ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية ، غزارته في الثانية ثلاثمئة ألف متر مكعب ، أين ينابيع هذا النهر ؟ أين مستودعاته ؟ المطر وحده آية من آيات الله الدالة على عظمته ، من قال : إن الهواء يحمل بخار ماء بكل درجة ، كل درجة يستوعب بها الهواء كمية بخار ماء خاصة ، لولا هذه الخاصة لم تكن الأمطار ، فالهواء الحار يحمل كمية بخار كبيرة ، وعندما يواجه جبهة باردة ينكمش ، يعصر ، قال الله عزَّ وجل : ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (14) ﴾ . ( سورة النبأ ) يتبع
تعليق