خروج دابة من الأرض ...................... موضوع للتوضيح .................منقول........
ورد ذكر دابة من الأرض في كتاب الله تعالى:
(إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ وَلاَ تُسْمِعُ الصّمّ الدّعَآءَ إِذَا وَلّوْاْ مُدْبِرِينَ =(80) وَمَآ أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّسْلِمُونَ =(81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ =(82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ).. (النمل:80–83)..
وإذا جئنا لنقرأ الآيات كما هي بعيداً عن إيحاء وضغط الروايات الواردة في الموضوع، فسنجد:
• أن الآيات الأولى تتحدث عن أولئك المعاندين، فـ(يقول إنك يا محمد لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلبه فأماته؛ لأن الله قد ختم عليه أن لا يفهمه ولا تسمع الصم الدعاء) (502) ، ثم يقول الله تعالى لنبيه ولأمته من بعده (وما أنت يا محمد بهاد من أعماه الله عن الهدى والرشاد، فجعل على بصره غشاوة أن يتبين سبيل الرشاد عن ضلالته التي هو فيها إلى طريق الرشاد وسبيل الرشاد) (503).
• ثم أتبع ذلك قوله(وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ) ومن الربط بين الآيات السابقة وهذه الآية أخذ بعض أهل العلم أن (خروج الدابة حين لا يأمر الناس بمعروف ولا ينهون عن منكر) (504)، وأما معنى قول الله تعالى (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم) فخير ما يفسره كتاب الله تعالى، فوقع القول أو حق القول بمعنى واحد، وتعنى إما وجوب العذاب أو الغضب (لَقَدْ حَقّ الْقَوْلُ عَلَىَ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ= (7) إِنّا جَعَلْنَا فِيَ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُم مّقْمَحُونَ) (يس:7–8)
(وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً). (الإسراء:16)
(وَلَمّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرّجْزُ قَالُواْ يَمُوسَىَ ادْعُ لَنَا رَبّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ لَنُؤْمِنَنّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِيَ إِسْرَآئِيلَ) (الأعراف:134)
فليس في كتاب الله تعالى ما يدل على أن خروج الدابة يكون من أشراط الساعة، إنما في كتاب الله تعالى أن خروج دابة من الأرض عند وقوع القول وهو إما وجوب العذاب أو الغضب، بل إن المعنى هكذا حتى في يوم الحساب في حال المكذبين (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ =(83) حَتّىَ إِذَا جَآءُوا قَالَ أَكَذّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ =(84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ).(النمل:83–85) أي (ووجب السخط والغضب من الله على المكذبين بآياته بما ظلموا يعني بتكذيبهم بآيات) (505).
ولكن ما هي هذه الدابة؟.
الدابة في اللغة (اسم لما دب من الحيوان مميزة وغير مميزة) (506)، قال الله تعالى (وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ فَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ بَطْنِهِ) (النور:45) (ولما كان لما يعقل ولما لا يعقل قيل فمنهم، ولو كان لما لا يعقل لقيل فمنها أو فمنهن)(507) ، فتطلق لفظة الدابة على الإنسان وغيره من الأنفس الدابة على الأرض، قال الله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ مّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبّةٍ وَلَكِن يُؤَخّرُهُمْ إلَىَ أَجَلٍ مّسَمّىَ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)(النحل:61)
(خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَآبّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (لقمان:10)
(وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلّ فِي كِتَابٍ مّبِين ). (هود:6).
والآن ماذا يكون المعنى الإجمالي لقول الله تعالى (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ)(النمل:82) ؟.
أولاً: كما قلنا إن الآية لا تدل من قريب ولا بعيد على أن ذلك أمر يحصل بين يدي الساعة، وإنما ذكرت (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم)، ووقوع القول على الناس أمر حاصل في كل زمان ومكان بما كانوا يكسبون.
ثانياً: الدابة لا يمكن أن تحصر في الحيوان، بل هي شاملة لكل ما يدب على الأرض من الأنفس الحية، (والإنسان يمكن أن يكون دابة لأنه يدب على الأرض) (508).
ثالثاً: دلت الآيات المحكمات في كتاب الله تعالى أن الساعة تأتي بغتة (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) (الأنعام:31)، فلا يمكن قبول تلك الروايات في الدابة التي تحدد وبشكل دقيق إلى حد كبير وقت قيام الساعة، مثل ما رواه الترمذي (3072) وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث إذا خرجن لم (يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ) الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغربها).
رابعاً: من خلال استقراء كتاب الله تعالى وهو الكتاب المسطور يتبين لنا أن الدواب غير العاقلة (=غير الإنسان) لا تتكلم لغة البشر، أما ما ورد من فهم سليمان عليه السلام لمنطق الطير والحيوانات فهو أمر يحتاج لبعض الإيضاح، فلو جئنا لقراءة سورة النمل مثلاً سنجد قوله تعالى (حَتّىَ إِذَآ أَتَوْا عَلَىَ وَادِي النّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيّهَا النّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ)(النمل:18) (وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ =(20) لاُعَذّبَنّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأذْبَحَنّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ =(21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ). (النمل: 20–22) في هذه الآيات يتضح أن سليمان عليه السلام كان يتخاطب مع الحيوانات بوسيلة ما.
فهل كان ذلك عبارة عن تحدث الحيوانات بلغة البشر، كما هو المشهد الذي تصوره لنا روايات الدابة التي سنتعرض لها لاحقاً؟.
وهذا الاحتمال غير وارد على الإطلاق لعدة أسباب:
1. لو تحدثت الحيوانات كالهدهد والنمل بلغة البشر لفهمها مع سليمان عليه السلام غيره من الناس، ولما كانت هناك ميزة لسليمان عليه السلام في ذلك. 2. أن آيات القرآن الكريم تتحدث بوضوح عن قول سليمان عليه السلام ( يَأَيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)(النمل:16)، فسليمان عليه السلام عُلِّمَ منطق ولغة التخاطب لدى هذه الكائنات لا أن هذه الكائنات تتحدث لغات البشر.
3. أن هذا الأمر بالنسبة إلى سليمان عليه السلام كان أحد مفردات المُلك الذي دعا الله تعالى أن يهبه إياه ولا يكون لأحد من بعده (قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاّ يَنبَغِي لأحَدٍ مّن بَعْدِيَ إِنّكَ أَنتَ الْوَهّابُ =(35) فَسَخّرْنَا لَهُ الرّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ =(36) وَالشّيَاطِينَ كُلّ بَنّآءٍ وَغَوّاصٍ =(37) وَآخَرِينَ مُقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ) (ص:35–38).
كذلك نجد في كتاب الله تعالى وصف الحيوانات والطيور والحشرات وغيرها، ولم نجد أي إشارة ولو بعيدة أنها تتكلم وتتحدث لغات الآدميين.
ومن خلال قراءة كتاب الله المنظور (=الكون) لم نجد في يوم من الأيام حيوانات تتكلم لغة الآدميين، وهذا الاستقراء الكوني الذي درجت عليه البشرية منذ نشأتها الأولى سنة من سنن الحياة التي أوجدها وسيرها وحفظها البارئ تبارك وتعالى، وقد أمرنا الله تعالى أن نسير في الأرض ونكتشف هذه السنن والعلاقات التي تربط بين الأسباب والمسببات في دائرة الوجود الإنساني بشقيها: الطبيعية والاجتماعية، قال الله تعالى:
(قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَة إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20)
(قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ)(آل عمران:137)
فعلى هذا يكون معنى قوله تعالى ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ)(النمل:82)
• أن وقوع القول هو وقوع الغضب على الناس بسبب تغييرهم وتبديلهم ونسيانهم لأوامر ربهم، فيخرج الله تعالى مما يدب على الأرض من الأنفس الحية – وهي من بني الإنسان كما أسلفنا – من يُذكر الناس ويعيدهم إلى جادة الصواب ويحذرهم من خطورة ما هم متلبسون به، وفيه كذلك إلزام لهم بالحجة وتذكير لهم بآيات الله من حولهم، وهذا هو الذي يتناسب مع سياقات الآيات قبل وبعد (إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ وَلاَ تُسْمِعُ الصّمّ الدّعَآءَ إِذَا وَلّوْاْ مُدْبِرِينَ =(80) وَمَآ أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّسْلِمُونَ =(81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ =(82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ).. .(النمل:80–83).
===========================
(502)تفسير الطبري ج 20 ص12.
(503)المرجع السابق ج20 ص 13.
(504)المرجع السابق ج20 ص 13.
(505)المرجع السابق ج20 ص18.
(506)لسان العرب ج 1 ص 370.
(507)المرجع السابق ج1 ص 370.
(508)من أشراط الساعة، أحمد بن حمد الخليلي (محاضرة).
ورد ذكر دابة من الأرض في كتاب الله تعالى:
(إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ وَلاَ تُسْمِعُ الصّمّ الدّعَآءَ إِذَا وَلّوْاْ مُدْبِرِينَ =(80) وَمَآ أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّسْلِمُونَ =(81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ =(82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ).. (النمل:80–83)..
وإذا جئنا لنقرأ الآيات كما هي بعيداً عن إيحاء وضغط الروايات الواردة في الموضوع، فسنجد:
• أن الآيات الأولى تتحدث عن أولئك المعاندين، فـ(يقول إنك يا محمد لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلبه فأماته؛ لأن الله قد ختم عليه أن لا يفهمه ولا تسمع الصم الدعاء) (502) ، ثم يقول الله تعالى لنبيه ولأمته من بعده (وما أنت يا محمد بهاد من أعماه الله عن الهدى والرشاد، فجعل على بصره غشاوة أن يتبين سبيل الرشاد عن ضلالته التي هو فيها إلى طريق الرشاد وسبيل الرشاد) (503).
• ثم أتبع ذلك قوله(وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ) ومن الربط بين الآيات السابقة وهذه الآية أخذ بعض أهل العلم أن (خروج الدابة حين لا يأمر الناس بمعروف ولا ينهون عن منكر) (504)، وأما معنى قول الله تعالى (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم) فخير ما يفسره كتاب الله تعالى، فوقع القول أو حق القول بمعنى واحد، وتعنى إما وجوب العذاب أو الغضب (لَقَدْ حَقّ الْقَوْلُ عَلَىَ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ= (7) إِنّا جَعَلْنَا فِيَ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُم مّقْمَحُونَ) (يس:7–8)
(وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً). (الإسراء:16)
(وَلَمّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرّجْزُ قَالُواْ يَمُوسَىَ ادْعُ لَنَا رَبّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ لَنُؤْمِنَنّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِيَ إِسْرَآئِيلَ) (الأعراف:134)
فليس في كتاب الله تعالى ما يدل على أن خروج الدابة يكون من أشراط الساعة، إنما في كتاب الله تعالى أن خروج دابة من الأرض عند وقوع القول وهو إما وجوب العذاب أو الغضب، بل إن المعنى هكذا حتى في يوم الحساب في حال المكذبين (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ =(83) حَتّىَ إِذَا جَآءُوا قَالَ أَكَذّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ =(84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ).(النمل:83–85) أي (ووجب السخط والغضب من الله على المكذبين بآياته بما ظلموا يعني بتكذيبهم بآيات) (505).
ولكن ما هي هذه الدابة؟.
الدابة في اللغة (اسم لما دب من الحيوان مميزة وغير مميزة) (506)، قال الله تعالى (وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ فَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ بَطْنِهِ) (النور:45) (ولما كان لما يعقل ولما لا يعقل قيل فمنهم، ولو كان لما لا يعقل لقيل فمنها أو فمنهن)(507) ، فتطلق لفظة الدابة على الإنسان وغيره من الأنفس الدابة على الأرض، قال الله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ مّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبّةٍ وَلَكِن يُؤَخّرُهُمْ إلَىَ أَجَلٍ مّسَمّىَ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)(النحل:61)
(خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَآبّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (لقمان:10)
(وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلّ فِي كِتَابٍ مّبِين ). (هود:6).
والآن ماذا يكون المعنى الإجمالي لقول الله تعالى (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ)(النمل:82) ؟.
أولاً: كما قلنا إن الآية لا تدل من قريب ولا بعيد على أن ذلك أمر يحصل بين يدي الساعة، وإنما ذكرت (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم)، ووقوع القول على الناس أمر حاصل في كل زمان ومكان بما كانوا يكسبون.
ثانياً: الدابة لا يمكن أن تحصر في الحيوان، بل هي شاملة لكل ما يدب على الأرض من الأنفس الحية، (والإنسان يمكن أن يكون دابة لأنه يدب على الأرض) (508).
ثالثاً: دلت الآيات المحكمات في كتاب الله تعالى أن الساعة تأتي بغتة (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) (الأنعام:31)، فلا يمكن قبول تلك الروايات في الدابة التي تحدد وبشكل دقيق إلى حد كبير وقت قيام الساعة، مثل ما رواه الترمذي (3072) وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث إذا خرجن لم (يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ) الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغربها).
رابعاً: من خلال استقراء كتاب الله تعالى وهو الكتاب المسطور يتبين لنا أن الدواب غير العاقلة (=غير الإنسان) لا تتكلم لغة البشر، أما ما ورد من فهم سليمان عليه السلام لمنطق الطير والحيوانات فهو أمر يحتاج لبعض الإيضاح، فلو جئنا لقراءة سورة النمل مثلاً سنجد قوله تعالى (حَتّىَ إِذَآ أَتَوْا عَلَىَ وَادِي النّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيّهَا النّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ)(النمل:18) (وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ =(20) لاُعَذّبَنّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأذْبَحَنّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ =(21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ). (النمل: 20–22) في هذه الآيات يتضح أن سليمان عليه السلام كان يتخاطب مع الحيوانات بوسيلة ما.
فهل كان ذلك عبارة عن تحدث الحيوانات بلغة البشر، كما هو المشهد الذي تصوره لنا روايات الدابة التي سنتعرض لها لاحقاً؟.
وهذا الاحتمال غير وارد على الإطلاق لعدة أسباب:
1. لو تحدثت الحيوانات كالهدهد والنمل بلغة البشر لفهمها مع سليمان عليه السلام غيره من الناس، ولما كانت هناك ميزة لسليمان عليه السلام في ذلك. 2. أن آيات القرآن الكريم تتحدث بوضوح عن قول سليمان عليه السلام ( يَأَيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)(النمل:16)، فسليمان عليه السلام عُلِّمَ منطق ولغة التخاطب لدى هذه الكائنات لا أن هذه الكائنات تتحدث لغات البشر.
3. أن هذا الأمر بالنسبة إلى سليمان عليه السلام كان أحد مفردات المُلك الذي دعا الله تعالى أن يهبه إياه ولا يكون لأحد من بعده (قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاّ يَنبَغِي لأحَدٍ مّن بَعْدِيَ إِنّكَ أَنتَ الْوَهّابُ =(35) فَسَخّرْنَا لَهُ الرّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ =(36) وَالشّيَاطِينَ كُلّ بَنّآءٍ وَغَوّاصٍ =(37) وَآخَرِينَ مُقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ) (ص:35–38).
كذلك نجد في كتاب الله تعالى وصف الحيوانات والطيور والحشرات وغيرها، ولم نجد أي إشارة ولو بعيدة أنها تتكلم وتتحدث لغات الآدميين.
ومن خلال قراءة كتاب الله المنظور (=الكون) لم نجد في يوم من الأيام حيوانات تتكلم لغة الآدميين، وهذا الاستقراء الكوني الذي درجت عليه البشرية منذ نشأتها الأولى سنة من سنن الحياة التي أوجدها وسيرها وحفظها البارئ تبارك وتعالى، وقد أمرنا الله تعالى أن نسير في الأرض ونكتشف هذه السنن والعلاقات التي تربط بين الأسباب والمسببات في دائرة الوجود الإنساني بشقيها: الطبيعية والاجتماعية، قال الله تعالى:
(قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَة إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20)
(قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ)(آل عمران:137)
فعلى هذا يكون معنى قوله تعالى ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ)(النمل:82)
• أن وقوع القول هو وقوع الغضب على الناس بسبب تغييرهم وتبديلهم ونسيانهم لأوامر ربهم، فيخرج الله تعالى مما يدب على الأرض من الأنفس الحية – وهي من بني الإنسان كما أسلفنا – من يُذكر الناس ويعيدهم إلى جادة الصواب ويحذرهم من خطورة ما هم متلبسون به، وفيه كذلك إلزام لهم بالحجة وتذكير لهم بآيات الله من حولهم، وهذا هو الذي يتناسب مع سياقات الآيات قبل وبعد (إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ وَلاَ تُسْمِعُ الصّمّ الدّعَآءَ إِذَا وَلّوْاْ مُدْبِرِينَ =(80) وَمَآ أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّسْلِمُونَ =(81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ =(82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ).. .(النمل:80–83).
===========================
(502)تفسير الطبري ج 20 ص12.
(503)المرجع السابق ج20 ص 13.
(504)المرجع السابق ج20 ص 13.
(505)المرجع السابق ج20 ص18.
(506)لسان العرب ج 1 ص 370.
(507)المرجع السابق ج1 ص 370.
(508)من أشراط الساعة، أحمد بن حمد الخليلي (محاضرة).