
بسمه تعالى
قال الكاتب : وقال السيد نعمة الله الجزائري رداً على من يقول بعدم التحريف: ( إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يُفْضِي إلى طرح الأخبار المستفيضة مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها ) الأنوار النعمانية 2/357.
الرد :
مع حصول الجزم بتواتر القرآن فلا محذور في طرح الأخبار المستفيضة التي ذكرها، وذلك لأن المتواتر قطعي الصدور، وأما الحديث المستفيض فهو ظني الصدور، ولا يمكن رفع اليد عن المتواتر القطعي لأجل الأخبار الظنية.
على أنه يمكن تأويل تلك الأخبار كما مرَّ في كلام الشيخ البلاغي قدس سره بما لا يستلزم القول بالتحريف.
هذا مع أن كثيراً من تلك الأخبار ضعاف الأسانيد، ومعارضة بما هو أصحّ منها سنداً وأوضح دلالة، فكيف يمكن التعويل عليها؟!
وإطباق الأصحاب على صحَّتها في الجملة ـ لو سلَّمنا به ـ لا يستلزم القول بتحريف القرآن كما مرَّ بيانه، ولهذا لم يطبقوا على القول بالتحريف.
و نضيف :
لعل المقطع يعتبر مشكل بالنسبة إليك فهو تقريباً شأنه شأن {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} عموماً حتى تتضح الصورة نبين المسألة
السيد رحمة الله عليه يستعرض ثلاثة نقاط عند بحثه لرواية الشيخ الصدوق قدس سره عن الإمام العسكري
في فضل سورة الفاتحة، وأنقل إليك النقطة الأولى و الثالثة لما لهما من الأهمية في الموضوع.

النقطة الأولى:"ماقله فقهاؤنا رضوان الله عليهم من وجوب القراءة بواحدة من القراءات السبع المتواترة، وفي تواتر تمام العشر بإضافة أبي جعفر ويعقوب وخلف خلاف، ذهب الشهيدان قدس الله روحيهما إلى ثبوت تواتره و إلى جواز القراءة به." إلنتهى كلام السيد، و قوله ثبوت تواتره أي القرآن
النقطة الثالثة:"إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي ، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين ، يفضي الى طرح الأخبار المستفيضة ، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاما،ومادة، وإعرابا، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير ولم يقع تحريف ولا تبديل ومن هنا ضبط الشخنا الطبرسي رضي الله عنه آيات القرآن وأجزاءه."
هناك عدة نقاط على هذا النقل وأبينها إن شاء ربي تعالى
1- هناك فرق شاسع بين أن تقول "إن تسليم تواتره" وبين " إن تسليم تواترها". فالجملة الأولى تكون الهاء فيها عائدة على القرآن وفي الأخبرة على القراءات و هذا طبعاً إختلاف في الوضع. فالكلام من الأساس على القراءات.
2- السيد رحمة الله عليه ينقل في النقطة الأولى (وهي في ص 356) بأن تواتر القراءات مما قال به علمائنا الأبرار، وهو يقول إذا قلنا بالتواتر(والتواتر حاصل) فإنه يتحتم رد الأخبار لواردة في التحريف. إذا النتيجة إن روايات التحريف قد أسقطت وردت بسبب أن القراءات متواترة و هذا ما ينقله هو رحمة الهل عليه.
3- سبق أن أشرت بأن السيد رحمة الله عليه ينتهج في التحقيق منهج الإخبارية وبالتالي بإن تصحيح وتضعيف الروايات يكون غير مقبول في المنهج الأصولي لأن لكل منهج قواعد وأسس تقوم عليها منهجيته
4- السيد رحمة الله عليه عندما قال "مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها" علق محقق الكتاب السيد محمد على القاضي الطباطبائي وقال"هذا الكلام من السيد المصنف عجيب ومبني على مسلك أصحاب الحديث وجرى على طريقة الإخباريين التي لا يعبأ بها والعجب من قوله إن أصحابنا أطبقوا على صحة تلك الروايات والتصديق بها الخ ليت شعري متى أطبق أصحابنا على صحة تلك الروايات وأين صدقوا بها و من هم المراد من قوله أصحابنا هل المراد منهم الإخباريين أو غيرهم؟.
فالمحقق هنا أيضاً مستغرب لأن السيد رحمه الله لم يحدد من هم المقرين في حين أنه عندما ذكر المخالفين لما يقول ذكر علماء الطائفة كالشيخ الصدوق والشريف المرتضى و الشيخ الطبرسي عذا إلى جانب جمع كبير من علمائنا المختلفين مع ما نقلته عن السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله
5- جملة ما في الأمر أن السيد رحمة الله عليه يقول بأن هناك جماعة تقول بالتحريف لم يذكرهم وهناك أعلام أجلاء معروفين عند الطائفة بأنهم أساطينها و علماؤها و أجلاؤها قد نفوا التحريف .

59 - القول في تأليف القرآن وما ذكر قوم من الزيادة فيه والنقصان
أقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد (ص)، باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف
الصفحة 81 والنقصان، فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم يرتب (1) بما ذكرناه. وأما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة من ادعاه، وكلمت عليه المعتزلة وغيرهم طويلا فلم اظفر منهم بحجة اعتمدها في فساده. وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين (ع) من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتا منزلا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمى تأويل القرآن قرآنا قال الله تعالى: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) فسمى تأويل القرآن قرآنا، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف.
وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب.
وأما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه، فالوجه الذي أقطع على فساده أن يمكن لأحد من الخلق زيادة مقدار سورة فيه على حد يلتبس به عند أحد من الفصحاء، وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الاعجاز، و يكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن، غير أنه لا بد متى وقع ذلك من أن
____________
1 - قوله يرتب بفتح الياء وسكون الراء وفتح التاء وسكون الباء مجزوم يرتاب مضارع ارتاب، و يمكن أن يقرء بضم الياء وفتح الراء وكسر التاء المشددة مضارع رتب يرتب ترتيبا، فعلى الأول الباء بمعنى في أي لم يرتب فيما ذكر، وعلى الثاني بمعنى على أي على ما ذكرنا والأول أنسب.
الصفحة 82 يدل الله عليه، ويوضح لعباده عن الحق فيه، ولست أقطع على كون ذلك بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه، ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن محمد (ع)، وهذا المذهب بخلاف ما سمعناه عن بني نوبخت - رحمهم الله - من الزيادة في القرآن والنقصان فيه، وقد ذهب إليه جماعة من متكلمي الإمامية و أهل الفقه منهم والاعتبار.
أقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد (ص)، باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف
الصفحة 81 والنقصان، فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم يرتب (1) بما ذكرناه. وأما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة من ادعاه، وكلمت عليه المعتزلة وغيرهم طويلا فلم اظفر منهم بحجة اعتمدها في فساده. وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين (ع) من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتا منزلا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمى تأويل القرآن قرآنا قال الله تعالى: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) فسمى تأويل القرآن قرآنا، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف.
وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب.
وأما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه، فالوجه الذي أقطع على فساده أن يمكن لأحد من الخلق زيادة مقدار سورة فيه على حد يلتبس به عند أحد من الفصحاء، وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الاعجاز، و يكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن، غير أنه لا بد متى وقع ذلك من أن
____________
1 - قوله يرتب بفتح الياء وسكون الراء وفتح التاء وسكون الباء مجزوم يرتاب مضارع ارتاب، و يمكن أن يقرء بضم الياء وفتح الراء وكسر التاء المشددة مضارع رتب يرتب ترتيبا، فعلى الأول الباء بمعنى في أي لم يرتب فيما ذكر، وعلى الثاني بمعنى على أي على ما ذكرنا والأول أنسب.
الصفحة 82 يدل الله عليه، ويوضح لعباده عن الحق فيه، ولست أقطع على كون ذلك بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه، ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن محمد (ع)، وهذا المذهب بخلاف ما سمعناه عن بني نوبخت - رحمهم الله - من الزيادة في القرآن والنقصان فيه، وقد ذهب إليه جماعة من متكلمي الإمامية و أهل الفقه منهم والاعتبار.
تعليق