: سورة الفاتحة
(وفيها ثلاث آيات)
1. (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الآية 1.
2. (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الآية 6.
3. (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الآية 7.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
سورة الفاتحة، الآية 1.
روى الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي (الحنفي) المتوفى (1294هـ) في كتابه ينابيع الموّدة، قال:
وفي الدّر المنظم (لابن طلحة الحلبي الشافعي):
(اعلم أنّ جميع أسرار الكتب السّماوية في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وجميع ما في الفاتحة في البسملة، وجميع ما في البسملة في باء البسملة، وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي هي تحت الباء).
ثم قال: قال الإمام علي كرّم الله وجهه:
(أنا النّقطة التي تحت الباء)(1).
(أقول) لعلّ المقصود بذلك هو أنّ الباء بلا نقطة يكون حرفاً مهملاً لا دلالة له على شيء، فـ (بسم الله الرحمن الرحيم) بلا نقطة الباء لا تعني شيئاً، ولا تدلُّ على شيء، وهكذا منزلة علي بن أبي طالب بالنسبة للقرآن، فعلي هو القرآن الناطق(2) الذي بدونه لا يتمُّ الإيمان بالقرآن، وبجهاده استقام الإسلام ـ كما في الحديث النبوي الشريف ـ وبولايته أكمل الله الدين، وأتمَّ الله على عباده النعمة، ورضي بها لهم الإسلام ديناً، في قوله تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)(3).
فالدين بدون ولاية علي بن أبي طالب ناقص.
والنعمة بدون ولاية علي بن أبي طالب نعمة ناقصة.
والإسلام بدون ولاية علي بن أبي طالب ليس إسلاماً.
(ولا يخفى) أنَّ مقتضى هذا الحديث الذي أخرجه هذا العالم الحنفي هو أنْ نذكر كل البسملات الواردات في القرآن الحكيم، نذكرها في شأن علي بن أبي طالب، وهي مائة وأربع عشرة بسملة، إلاّ أنّنا نكتفي بذكر أول بسملة ونوكل علم ذلك إلى ما نبّهنا عليه لمن أراد أنْ يتذكر.
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)
سورة الفاتحة، الآية 6.
أخرج إبراهيم بن محمد الحمويني (الشافعي) في كتابه (فرائد السمطين) روى بإسناده عن خيثمة الجعفي، عن أبي جعفر (يعني محمد بن علي الباقر) قال سمعته يقول:
(نحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح، والصراط المستقيم إلى الله)(5).
وروى (الثعلبي)(6) في تفسيره (كشف البيان في تفسير القرآن)، في تفسير قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال مسلم بن حيّان: سمعت أبا بريدة يقول: صراط محمد وآله(7).
وأخرج (وكيع بن الجراح) في تفسيره، بإسناده عن عبد الله بن عباس في قوله: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال: قولوا معاشر العباد أرشدنا إلى حبّ محمد وأهل بيته(8).
وأخرج هذا المعنى عديد من المفسّرين والمحدِّثين.
منهم السيّد أبو بكر الشافعي في (رشفة الصّادي)(9).
ومنهم الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع الموّدة، أورد أحاديث عديدةً في ذلك(10) وآخرون غيرهما.
(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)
سورة الفاتحة، الآية 7.
أخرج (الحافظ) الحاكم الحسكاني (الحنفي) في شواهد التنزيل، بإسناده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قول الله تعالى: (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال: النبيُّ ومن معه، وعلي بن أبي طالب وشيعته(11).
(1). ينابيع الموّدة، ص69.
(2). أورد القندوزي هذا قال: قال الإمام علي (رضي الله عنه): (أنا القرآن الناطق). ينابيع الموّدة، ص69.
(3). سورة المائدة، الآية 3.
(4). ينابيع الموّدة، ص70.
(5). غاية المرام، ص246.
(6). هو أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري، صاحب التفسير الكبير المعروف المتوفى عام (427 أو 437) وقد ترجم له الكثير، منهم عبد الله أسعد اليمني المعروف بـ(اليافعي) في كتابه (مرآة الجنان) ج3، ص46.
ومنهم الشافعي السّيوطي في (طبقات المفسّرين)، ص5.
و(منهم) أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، في كتابه (أبناء الرّواة)، ج1، ص119.
و(منهم) ياقوت الحموي في (معجم الأدباء)، ج5، ص35.
وآخرون...
(7). غاية المرام، ص246.
(8). غاية المرام، ص246.
(9). رشفة الصّادي، ص25.
(10). ينابيع الموّدة، ص114.
(11). شواهد التنزيل، ج1، ص66.
:: سورة الأعراف
(وفيها أربعة عشرة آية)
1. (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) / 16.
2. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها) / 42.
3. (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) / 43.
4. (وَقالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) / 43.
5. (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّار) / 44.
6. (وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ) / 46.
7. (وَنادى أَصْحابُ الأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) / 54.
8. (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) /54.
9. (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) / 79.
10. (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) / 160.
11. (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) / 161.
12. (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) / 172.
13. (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) / 178.
14. (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) / 181.
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).
الأعراف/ 16.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد بن فارس (بإسناده المذكور) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (جعفر بن محمد الصادق، حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال:
(الصراط الذي قال إبليس:
(لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).
(هو علي)(1).
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الجنّة هُمْ فِيها خالِدُونَ).
الأعراف/ 42.
روى العلاّمة البحراني (قده) عن ابن شهر آشوب ـ من طريق العامّة ـ عن أبي بكر الهذلي، عن الشّعبي، أنّ رجلاً
أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا رسول الله علّمني شيئاً ينفعني الله به؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (عليك بالمعروف فإنّه ينفعك في عاجل دنياك وآخرتك).
إذ أقبل علي فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة تدعوك.
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): نعم.
فقال الرجل: من هذا يا رسول الله؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم):
هذا من الذين أنزل الله فيهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(2).
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ).
الأعراف/ 43.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثني أبو بكر بن أبي الحسين الحافظ (بإسناده المذكور) عن عبد الله بن مليل، عن علي (في قوله تعالى):
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ).
(قال: نزلت فينا)(3).
(... وَقالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ...).
الأعراف/ 43.
نقل العلاّمة القبيسي، عن الإمام أبي جعفر، محمد بن جرير (الطبري) ـ شيخ المفسّرين والمؤرخين عند أهل السُّنة ـ حديثاً مسنداً إلى زيد بن أرقم، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال في خطبته يوم الغدير:
(معاشر النّاس: قولوا ما قلت لكم وسلّموا على عليٍ بإمرة المؤمنين، وقولوا:
(الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ).
فإن الله يعلم كل صوت، ويعلم خائنة كلّ نفس...)(4).
(وَنادى أَصْحابُ الجنّة أَصْحابَ النّار أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
الأعراف/ 44.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي (بإسناده المذكور) عن محمد بن الحنفية، عن علي قال:
(في قوله تعالى): (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). (فأنا ذلك المؤذِّن)(5).
إنّ لعلي بن أبي طالب في كتاب الله أسماء لا يعرفها النّاس.
قوله (تعالى): (فأذن مؤذن بينهم) فهو المؤذِّن بينهم يقول:
ألا لعنةُ الله على الذين كذّبوا بولايتي، واستخفّوا بحقّي(6).
وممّن أخرجه أيضاً العلاّمة الكشفي، المير محمد صالح الترمذي (الحنفي) في مناقبه(8).
(وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ).
الأعراف/ 46.
أخرج ابن حجر (الشافعي) في الصواعق المحرقة قال: الآية الثالثة عشرة قوله تعالى:
(وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ).
قال: أخرج الثعلبي في تفسير هذه الآية، عن ابن عباس أنّه قال: الأعراف موضع عال من الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم ببياض الوجوه، ومبغضهم بسواد الوجوه(9).
(وَنادى أَصْحابُ الأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ).
الأعراف/ 48.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) في (ينابيع الموّدة) (بإسناده المذكور) عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه).
قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول لعلي أكثر من عشر مرات:
(يا علي: إنّك والأوصياء من ولدك أعراف بين الجنّة والنّار، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفكم وعرفتموه، ولا يدخل النّار إلاّ من أنكركم وأنكرتموه)(10).
(أقول): لعلَّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) (أعراف) بحذف مضاف أي: (أصحاب أعراف) (أو) بحذف (على) وما في معناها أي: (على أعراف) أو نحو ذلك.
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ).
الأعراف/ 54.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو سعد السعدي (بإسناده المذكور) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(إذا فقدتم الشمس فأتوا القمر، وإذا فقدتم القمر فأتوا الزهرة وإذا فقدتم الزهرة فأتوا الفرقدين).
قيل: يا رسول الله ما الشمس؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أنا).
قيل: ما القمر؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (علي).
قيل: ما الزهرة؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (فاطمة).
قيل: ما الفرقدان؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (الحسن والحسين)(11).
(أقول) لعل المقصود بهذا الحديث هو بيان التأويل لهذه الآية الكريمة، وإنْ كان لم يصرح بذلك فيه، ولذا ذكرناها تبعاً لمن ذكروها في ذلك.
(... وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ...).
الأعراف/ 79.
أخرج أبو الحسن الفقيه، علي بن محمد بن شاذان في المناقب المائة، التي جمعها من طرق العامّة، بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) بعد مُنصرفه من حجّة الوداع:
(أيها النّاس...)
إلى أنْ قال (صلى الله عليه وسلّم):
(ألا وإنّ ربي أمرني بوصيتكم).
ألا وإنّ ربي أمرني أنْ أدلكم على سفينة نجاتكم وباب حطّتكم.
فمن أراد منكم النجاة بعدي، والسلامة من الفتن المردية، فليتمسك بولاية علي بن أبي طالب.
فإنّه الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، وهو إمام كل مسلم بعدي، من أحبّه واقتدى به في الدنيا ورد عليّ حوضي، ومن خالفه لم يرده، ولم يرني، واختلج دوني، وأخذ به ذات الشِّمال إلى النّار.
أيها النّاس إني:
(وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)(12).
(أقول) هذه الآية الكريمة وإنْ كان نزولها في شأن ثمود، قوم نبي الله (صالح) (عليه السلام)...
ولكنَّ استشهاد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) بها في آخر عمره الشريف، ضمن وصاياه لأُمّته يدّل على أن تأويل هذه الآية، أو تطبيقها من قبل الوحي الإلهي، أو مصداقها الأكمل، أو من مصاديقها الأهم... إنّما هو في الإعراض عن قبول ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)...
ولقد تواتر أنّ للقرآن بطوناً وبطوناً.
والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي يعرف كاملاً بطون القرآن.
واستشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بآية من القرآن يختلف كثيراً وكثيراً... عن استشهاد غيره بكل تأكيد.
(... وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
الأعراف/ 160.
روى الحافظ الحنفي سليمان القندوزي في ينابيعه، بسنده عن أبي جعفر الباقر (رضي الله عنه) في تفسير هذه الآية:
(وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
فالله جلّ شأنه، وعظم سلطانه، ودام كبرياؤه، أعز وأرفع وأقدس من أنْ يعَرِضَ له ظلم، ولكن أدخل ذاته الأقدس فينا أهل البيت، فجعل ظلمنا ظلمه، فقال:
(وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(13).
(أقول) هذه الآية بنصّها مكررة في القرآن مرتين، في سورتي البقرة والأعراف، وقد ذكرناها في سورة البقرة أيضاً، ولكن حيث إنّهما آيتان من القرآن فورودهما في القرآن بهذا التفسير يعني كونهما آيتين في أهل البيت لا آية واحدة، ولذلك كررنا نحن أيضاً ذكرها في السورتين.
(... وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).
الأعراف/ 161.
روى الحافظ الهيثمي (الشافعي) في كتابه (مجمع الزوائد) قال: وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول:
(وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في نبي إسرائيل من دخله غفر له)(14).
(علي بن أبي طالب باب حطِّة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً)(15).
ورواه السّيوطي (الشافعي) عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في القول الجلي(16).
وذكر ذلك أيضاً جمع من المحدِّث ين:
(منهم) الحوت البيروتي، الشيخ محمد درويش في أسنى المطالب(17).
(ومنهم) العلاّمة الهندي، الفقير العيني في مناقبه(18).
(ومنهم) إبراهيم بن عبد الله الرصابي، في أسنى المطالب(19).
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ).
الأعراف/ 172.
روى العلاّمة الحلي (قده) عن جمهور علماء السُّنة في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى).
أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):
لو يعلم النّاس متى سُمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال عزّ وجلّ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ).
قالت الملائكة (بلى).
فقال الله تعالى: (أنا ربّكم، ومحمّد نبيِّكم، وعليّ أميركم)(20).
وأخرج الحافظ أبو الحسن بن المغازلي (الشافعي) في مناقبه، عن أبي الحسن أحمد بن المظفَّر العطار (بسنده المذكور) عن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، أنّه قرأ عليه أصبغ بن نباته هذه الآية فبكى عليٌّ (كرّم الله وجهه) وقال:
(إنّي لأذكر الوقت الذي أخذ الله تعالى عليَّ فيه الميثاق)(21).
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي...).
الأعراف/ 178.
أخرج الحافظ القندوزي (الحنفي) قال:
في المناقب، عن أبي بصير، عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) قال: قال أمير المؤمنين علي (سلام الله عليه) في خطبته:
(أنا الهادي، وأنا المُهتدي)(22).
(أقول) هذا كموارد أخرى سبقت وتأتي ـ المُراد به الفرد الأكمل والمصداق الأتمّ ـ لأنّ الهداية مقولة بالتشكيك، تنطبق على أفرادها بمراتب متفاوتة.
فعلي (عليه السلام) هو أكمل الأفراد في الاهتداء، وهو أولى المهتدين بصدق الاهتداء عليه.
(ولا يبعد) أيضاً: أنْ يكون المراد بذلك أنا المقصود بكلمة الهادي في القرآن، وأنا المهتدي المذكور في القرآن. (إنّه مجرد انطباق على أكمل الأفراد).
(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
الأعراف/ 181.
روى الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) عن زاذان عن علي (رضي الله عنه) قال:
(تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنّة، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ في حقّهم:
(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
(أنا وشيعتي)(23).
(أقول) المعنى: يهدون بالحق وبالحق يعدلون عن الباطل.
وأخرجه أيضاً العلاّمة السيّد هاشم البحراني في كتابه الصغير، عن مناقب أحمد بن موسى بن مردويه(25).
وآخرون أيضاً أخرجوه.
(1). شواهد التنزيل/ ج1/ ص61.
(2). غاية المرام/ ص326.
(3). شواهد التنزيل/ ج1/ ص200.
(4). كتاب (ماذا في التاريخ) ج3/ ص156.
(5). شواهد التنزيل/ ج1/ ص202-203.
(6). شواهد التنزيل/ ج1/ ص202-203.
(7). ينابيع الموّدة/ ص101.
(8). المناقب للكشفي/ الباب الأول.
(9). الصواعق المحرقة/ ص101.
(10). ينابيع الموّدة/ ص452.
(11). شواهد التنزيل/ ج2/ ص211.
(12). الناقب المائة/ المنقبة الحادية والعشرون/ ص14-15.
(13). ينابيع الموّدة/ ص358.
(14). مجمع الزوائد/ ج9/ ص168.
(15). كنز العمال/ ج6/ ص153.
(16). القول الجلي للسيوطي (مخطوط) الحديث (39).
(17). أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب/ حرف العين/ ص141.
(18). مناقب العيني ص38.
(19). أسنى المطالب للوصالي/ الباب الثامن عشر/ أواخره.
(20). (دلائل الصدق) نقلاً عن العلامة عن الديلمي في (الفردوس).
(21). المناقب لابن المغازلي/ ص271-272.
(22). ينابيع الموّدة/ ص495.
(23). ينابيع الموّدة/ ص109.
(24). مناقب الخوارزمي/ ص237.
(25). الكتاب المذكور/ ص112.
(وفيها ثلاث آيات)
1. (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الآية 1.
2. (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الآية 6.
3. (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الآية 7.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
سورة الفاتحة، الآية 1.
روى الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي (الحنفي) المتوفى (1294هـ) في كتابه ينابيع الموّدة، قال:
وفي الدّر المنظم (لابن طلحة الحلبي الشافعي):
(اعلم أنّ جميع أسرار الكتب السّماوية في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وجميع ما في الفاتحة في البسملة، وجميع ما في البسملة في باء البسملة، وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي هي تحت الباء).
ثم قال: قال الإمام علي كرّم الله وجهه:
(أنا النّقطة التي تحت الباء)(1).
(أقول) لعلّ المقصود بذلك هو أنّ الباء بلا نقطة يكون حرفاً مهملاً لا دلالة له على شيء، فـ (بسم الله الرحمن الرحيم) بلا نقطة الباء لا تعني شيئاً، ولا تدلُّ على شيء، وهكذا منزلة علي بن أبي طالب بالنسبة للقرآن، فعلي هو القرآن الناطق(2) الذي بدونه لا يتمُّ الإيمان بالقرآن، وبجهاده استقام الإسلام ـ كما في الحديث النبوي الشريف ـ وبولايته أكمل الله الدين، وأتمَّ الله على عباده النعمة، ورضي بها لهم الإسلام ديناً، في قوله تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)(3).
فالدين بدون ولاية علي بن أبي طالب ناقص.
والنعمة بدون ولاية علي بن أبي طالب نعمة ناقصة.
والإسلام بدون ولاية علي بن أبي طالب ليس إسلاماً.
(ولا يخفى) أنَّ مقتضى هذا الحديث الذي أخرجه هذا العالم الحنفي هو أنْ نذكر كل البسملات الواردات في القرآن الحكيم، نذكرها في شأن علي بن أبي طالب، وهي مائة وأربع عشرة بسملة، إلاّ أنّنا نكتفي بذكر أول بسملة ونوكل علم ذلك إلى ما نبّهنا عليه لمن أراد أنْ يتذكر.
* * * * *
وأخرج الحافظ القندوزي هذا، عن الحكيم الترمذي محمد بن علي، في شرح الرسالة الموسومة بالفتح المبين، قال ابن عباس (رضي الله عنه): يشرح لنا علي (رضي الله عنه) نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم ليلةً، فانفلق عمودُ الصّبح وهو بعدُ لم يفرغ الخ(4).(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)
سورة الفاتحة، الآية 6.
أخرج إبراهيم بن محمد الحمويني (الشافعي) في كتابه (فرائد السمطين) روى بإسناده عن خيثمة الجعفي، عن أبي جعفر (يعني محمد بن علي الباقر) قال سمعته يقول:
(نحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح، والصراط المستقيم إلى الله)(5).
وروى (الثعلبي)(6) في تفسيره (كشف البيان في تفسير القرآن)، في تفسير قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال مسلم بن حيّان: سمعت أبا بريدة يقول: صراط محمد وآله(7).
وأخرج (وكيع بن الجراح) في تفسيره، بإسناده عن عبد الله بن عباس في قوله: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال: قولوا معاشر العباد أرشدنا إلى حبّ محمد وأهل بيته(8).
وأخرج هذا المعنى عديد من المفسّرين والمحدِّثين.
منهم السيّد أبو بكر الشافعي في (رشفة الصّادي)(9).
ومنهم الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع الموّدة، أورد أحاديث عديدةً في ذلك(10) وآخرون غيرهما.
(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)
سورة الفاتحة، الآية 7.
أخرج (الحافظ) الحاكم الحسكاني (الحنفي) في شواهد التنزيل، بإسناده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قول الله تعالى: (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال: النبيُّ ومن معه، وعلي بن أبي طالب وشيعته(11).
(1). ينابيع الموّدة، ص69.
(2). أورد القندوزي هذا قال: قال الإمام علي (رضي الله عنه): (أنا القرآن الناطق). ينابيع الموّدة، ص69.
(3). سورة المائدة، الآية 3.
(4). ينابيع الموّدة، ص70.
(5). غاية المرام، ص246.
(6). هو أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري، صاحب التفسير الكبير المعروف المتوفى عام (427 أو 437) وقد ترجم له الكثير، منهم عبد الله أسعد اليمني المعروف بـ(اليافعي) في كتابه (مرآة الجنان) ج3، ص46.
ومنهم الشافعي السّيوطي في (طبقات المفسّرين)، ص5.
و(منهم) أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، في كتابه (أبناء الرّواة)، ج1، ص119.
و(منهم) ياقوت الحموي في (معجم الأدباء)، ج5، ص35.
وآخرون...
(7). غاية المرام، ص246.
(8). غاية المرام، ص246.
(9). رشفة الصّادي، ص25.
(10). ينابيع الموّدة، ص114.
(11). شواهد التنزيل، ج1، ص66.
:: سورة الأعراف
(وفيها أربعة عشرة آية)
1. (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) / 16.
2. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها) / 42.
3. (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) / 43.
4. (وَقالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) / 43.
5. (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّار) / 44.
6. (وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ) / 46.
7. (وَنادى أَصْحابُ الأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) / 54.
8. (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) /54.
9. (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) / 79.
10. (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) / 160.
11. (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) / 161.
12. (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) / 172.
13. (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) / 178.
14. (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) / 181.
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).
الأعراف/ 16.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد بن فارس (بإسناده المذكور) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (جعفر بن محمد الصادق، حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال:
(الصراط الذي قال إبليس:
(لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).
(هو علي)(1).
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الجنّة هُمْ فِيها خالِدُونَ).
الأعراف/ 42.
روى العلاّمة البحراني (قده) عن ابن شهر آشوب ـ من طريق العامّة ـ عن أبي بكر الهذلي، عن الشّعبي، أنّ رجلاً
أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا رسول الله علّمني شيئاً ينفعني الله به؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (عليك بالمعروف فإنّه ينفعك في عاجل دنياك وآخرتك).
إذ أقبل علي فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة تدعوك.
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): نعم.
فقال الرجل: من هذا يا رسول الله؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم):
هذا من الذين أنزل الله فيهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(2).
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ).
الأعراف/ 43.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثني أبو بكر بن أبي الحسين الحافظ (بإسناده المذكور) عن عبد الله بن مليل، عن علي (في قوله تعالى):
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ).
(قال: نزلت فينا)(3).
(... وَقالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ...).
الأعراف/ 43.
نقل العلاّمة القبيسي، عن الإمام أبي جعفر، محمد بن جرير (الطبري) ـ شيخ المفسّرين والمؤرخين عند أهل السُّنة ـ حديثاً مسنداً إلى زيد بن أرقم، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال في خطبته يوم الغدير:
(معاشر النّاس: قولوا ما قلت لكم وسلّموا على عليٍ بإمرة المؤمنين، وقولوا:
(الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ).
فإن الله يعلم كل صوت، ويعلم خائنة كلّ نفس...)(4).
(وَنادى أَصْحابُ الجنّة أَصْحابَ النّار أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
الأعراف/ 44.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي (بإسناده المذكور) عن محمد بن الحنفية، عن علي قال:
(في قوله تعالى): (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). (فأنا ذلك المؤذِّن)(5).
* * * * *
وروى هو أيضاً، عن فرات بن إبراهيم الكوفي (بإسناده المذكور) عن ابن عباس قال:إنّ لعلي بن أبي طالب في كتاب الله أسماء لا يعرفها النّاس.
قوله (تعالى): (فأذن مؤذن بينهم) فهو المؤذِّن بينهم يقول:
ألا لعنةُ الله على الذين كذّبوا بولايتي، واستخفّوا بحقّي(6).
* * * * *
وممّن أخرج حديث محمد بن الحنفية فقيه الأحناف، الحافظ سليمان القندوزي في ينابيعه، وأخرجه عن غيره أيضاً بمعناه(7).وممّن أخرجه أيضاً العلاّمة الكشفي، المير محمد صالح الترمذي (الحنفي) في مناقبه(8).
(وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ).
الأعراف/ 46.
أخرج ابن حجر (الشافعي) في الصواعق المحرقة قال: الآية الثالثة عشرة قوله تعالى:
(وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ).
قال: أخرج الثعلبي في تفسير هذه الآية، عن ابن عباس أنّه قال: الأعراف موضع عال من الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم ببياض الوجوه، ومبغضهم بسواد الوجوه(9).
(وَنادى أَصْحابُ الأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ).
الأعراف/ 48.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) في (ينابيع الموّدة) (بإسناده المذكور) عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه).
قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول لعلي أكثر من عشر مرات:
(يا علي: إنّك والأوصياء من ولدك أعراف بين الجنّة والنّار، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفكم وعرفتموه، ولا يدخل النّار إلاّ من أنكركم وأنكرتموه)(10).
(أقول): لعلَّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) (أعراف) بحذف مضاف أي: (أصحاب أعراف) (أو) بحذف (على) وما في معناها أي: (على أعراف) أو نحو ذلك.
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ).
الأعراف/ 54.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو سعد السعدي (بإسناده المذكور) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(إذا فقدتم الشمس فأتوا القمر، وإذا فقدتم القمر فأتوا الزهرة وإذا فقدتم الزهرة فأتوا الفرقدين).
قيل: يا رسول الله ما الشمس؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أنا).
قيل: ما القمر؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (علي).
قيل: ما الزهرة؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (فاطمة).
قيل: ما الفرقدان؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (الحسن والحسين)(11).
(أقول) لعل المقصود بهذا الحديث هو بيان التأويل لهذه الآية الكريمة، وإنْ كان لم يصرح بذلك فيه، ولذا ذكرناها تبعاً لمن ذكروها في ذلك.
(... وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ...).
الأعراف/ 79.
أخرج أبو الحسن الفقيه، علي بن محمد بن شاذان في المناقب المائة، التي جمعها من طرق العامّة، بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) بعد مُنصرفه من حجّة الوداع:
(أيها النّاس...)
إلى أنْ قال (صلى الله عليه وسلّم):
(ألا وإنّ ربي أمرني بوصيتكم).
ألا وإنّ ربي أمرني أنْ أدلكم على سفينة نجاتكم وباب حطّتكم.
فمن أراد منكم النجاة بعدي، والسلامة من الفتن المردية، فليتمسك بولاية علي بن أبي طالب.
فإنّه الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، وهو إمام كل مسلم بعدي، من أحبّه واقتدى به في الدنيا ورد عليّ حوضي، ومن خالفه لم يرده، ولم يرني، واختلج دوني، وأخذ به ذات الشِّمال إلى النّار.
أيها النّاس إني:
(وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)(12).
(أقول) هذه الآية الكريمة وإنْ كان نزولها في شأن ثمود، قوم نبي الله (صالح) (عليه السلام)...
ولكنَّ استشهاد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) بها في آخر عمره الشريف، ضمن وصاياه لأُمّته يدّل على أن تأويل هذه الآية، أو تطبيقها من قبل الوحي الإلهي، أو مصداقها الأكمل، أو من مصاديقها الأهم... إنّما هو في الإعراض عن قبول ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)...
ولقد تواتر أنّ للقرآن بطوناً وبطوناً.
والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي يعرف كاملاً بطون القرآن.
واستشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بآية من القرآن يختلف كثيراً وكثيراً... عن استشهاد غيره بكل تأكيد.
(... وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
الأعراف/ 160.
روى الحافظ الحنفي سليمان القندوزي في ينابيعه، بسنده عن أبي جعفر الباقر (رضي الله عنه) في تفسير هذه الآية:
(وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
فالله جلّ شأنه، وعظم سلطانه، ودام كبرياؤه، أعز وأرفع وأقدس من أنْ يعَرِضَ له ظلم، ولكن أدخل ذاته الأقدس فينا أهل البيت، فجعل ظلمنا ظلمه، فقال:
(وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(13).
(أقول) هذه الآية بنصّها مكررة في القرآن مرتين، في سورتي البقرة والأعراف، وقد ذكرناها في سورة البقرة أيضاً، ولكن حيث إنّهما آيتان من القرآن فورودهما في القرآن بهذا التفسير يعني كونهما آيتين في أهل البيت لا آية واحدة، ولذلك كررنا نحن أيضاً ذكرها في السورتين.
(... وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).
الأعراف/ 161.
روى الحافظ الهيثمي (الشافعي) في كتابه (مجمع الزوائد) قال: وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول:
(وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في نبي إسرائيل من دخله غفر له)(14).
* * * * *
وفي (كنز العمال) أخرج المتّقي الهندي (الشافعي) عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وسلّم) (قال):(علي بن أبي طالب باب حطِّة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً)(15).
ورواه السّيوطي (الشافعي) عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في القول الجلي(16).
وذكر ذلك أيضاً جمع من المحدِّث ين:
(منهم) الحوت البيروتي، الشيخ محمد درويش في أسنى المطالب(17).
(ومنهم) العلاّمة الهندي، الفقير العيني في مناقبه(18).
(ومنهم) إبراهيم بن عبد الله الرصابي، في أسنى المطالب(19).
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ).
الأعراف/ 172.
روى العلاّمة الحلي (قده) عن جمهور علماء السُّنة في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى).
أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):
لو يعلم النّاس متى سُمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال عزّ وجلّ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ).
قالت الملائكة (بلى).
فقال الله تعالى: (أنا ربّكم، ومحمّد نبيِّكم، وعليّ أميركم)(20).
وأخرج الحافظ أبو الحسن بن المغازلي (الشافعي) في مناقبه، عن أبي الحسن أحمد بن المظفَّر العطار (بسنده المذكور) عن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، أنّه قرأ عليه أصبغ بن نباته هذه الآية فبكى عليٌّ (كرّم الله وجهه) وقال:
(إنّي لأذكر الوقت الذي أخذ الله تعالى عليَّ فيه الميثاق)(21).
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي...).
الأعراف/ 178.
أخرج الحافظ القندوزي (الحنفي) قال:
في المناقب، عن أبي بصير، عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) قال: قال أمير المؤمنين علي (سلام الله عليه) في خطبته:
(أنا الهادي، وأنا المُهتدي)(22).
(أقول) هذا كموارد أخرى سبقت وتأتي ـ المُراد به الفرد الأكمل والمصداق الأتمّ ـ لأنّ الهداية مقولة بالتشكيك، تنطبق على أفرادها بمراتب متفاوتة.
فعلي (عليه السلام) هو أكمل الأفراد في الاهتداء، وهو أولى المهتدين بصدق الاهتداء عليه.
(ولا يبعد) أيضاً: أنْ يكون المراد بذلك أنا المقصود بكلمة الهادي في القرآن، وأنا المهتدي المذكور في القرآن. (إنّه مجرد انطباق على أكمل الأفراد).
(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
الأعراف/ 181.
روى الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) عن زاذان عن علي (رضي الله عنه) قال:
(تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنّة، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ في حقّهم:
(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
(أنا وشيعتي)(23).
(أقول) المعنى: يهدون بالحق وبالحق يعدلون عن الباطل.
* * * * *
وأخرجه فقيه الحنفية، موفّق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه(24).وأخرجه أيضاً العلاّمة السيّد هاشم البحراني في كتابه الصغير، عن مناقب أحمد بن موسى بن مردويه(25).
وآخرون أيضاً أخرجوه.
(1). شواهد التنزيل/ ج1/ ص61.
(2). غاية المرام/ ص326.
(3). شواهد التنزيل/ ج1/ ص200.
(4). كتاب (ماذا في التاريخ) ج3/ ص156.
(5). شواهد التنزيل/ ج1/ ص202-203.
(6). شواهد التنزيل/ ج1/ ص202-203.
(7). ينابيع الموّدة/ ص101.
(8). المناقب للكشفي/ الباب الأول.
(9). الصواعق المحرقة/ ص101.
(10). ينابيع الموّدة/ ص452.
(11). شواهد التنزيل/ ج2/ ص211.
(12). الناقب المائة/ المنقبة الحادية والعشرون/ ص14-15.
(13). ينابيع الموّدة/ ص358.
(14). مجمع الزوائد/ ج9/ ص168.
(15). كنز العمال/ ج6/ ص153.
(16). القول الجلي للسيوطي (مخطوط) الحديث (39).
(17). أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب/ حرف العين/ ص141.
(18). مناقب العيني ص38.
(19). أسنى المطالب للوصالي/ الباب الثامن عشر/ أواخره.
(20). (دلائل الصدق) نقلاً عن العلامة عن الديلمي في (الفردوس).
(21). المناقب لابن المغازلي/ ص271-272.
(22). ينابيع الموّدة/ ص495.
(23). ينابيع الموّدة/ ص109.
(24). مناقب الخوارزمي/ ص237.
(25). الكتاب المذكور/ ص112.