الناس على ما يعتادونه:
الناس على ما يعتادونه، وربما يتحول ما يعتادونه إلى أمر إلزامي، ولا يلتفتون إلى الجانب الفقهي أو العقدي أو حتى القانوني؛ فقد يتحول الأمر المستحب إلى حالة من الإلزام والوجوب في نظرهم.
***
وهذا لا يقتصر على عموم الناس، بل إن هذه الحالة تتسرب إلى المجتمعات المتدينة والمجتمعات العلمية، فمثلا المجتمعات العلمية إذا اعتادت على بعض المناهج كما في دراسة بعض الكتب العلمية إن تغيير تلك المناهج لما هو أحسن وأصلح وأنفع لم يكن بالأمر السهل، وإذا اعتادت على بعض النظريات العلمية أو بعض الثقافات المغلوطة لا تتغير إلا بعد جهد جهيد، وطول مدة مديدة، بل إن استعمال الغيبة والنميمة وتسقيط الآخرين هي من ***السهولة بمكان مثل ما يستعمل الشاب المنحرف المخدرات والزنا، فمثلا في الجانب الفقهي الآن السائد في الحوزات العلمية القول بطهارة الكتابي وذلك عندما أفتى السيد محسن الحكيم (قدس) بذلك قبل قرابة 50 عاماً، أما قبله فكان السائد هو القول بالنجاسة ولو أن شخصا قال بالطهارة قبله لحورب وشهر به حتى يسقط في أعين الناس.
إن هذه الحالة من أخطر الحالات الاجتماعية التي تقود الناس إلى كوارث في مختلف الأصعدة سواء أكان بين عامة الناس أو خاصتهم.
***
***
هل أن ثقافتنا هي التي يريدها لنا الإمام الصادق أم ماذا؟
***
رسالة الإمام الصادق عليه السلام لشيعته وما احتوت عليه من مطالب جليلة وإرشادات، ووصاياه ورغبته الملحة والأكيدة في تطبيقها ونشرها وجعلها ثقافة بين أفرادهم ومختلف طبقاتهم.
الرسالة رواها الشيخ الكليني في كتاب الكافي في أول كتاب الروضة بأسانيد ثلاثة، قال العلامة المجلسي أحدها مقبول.
الرسالة مفصلة تقرب من عشر صفحات تحتوي على جملة من التوجيهات والوصايا والمواعظ والحكم منها:
1-*************** في مقدمة الرسالة أن الإمام أمرهم بقراءتها وتعلمها وتعليمها والتفكر والتدبر فيها والعمل بما فيها.
2-****** لأهمية هذه الرسالة فإن الشيعة الأوائل وبالأخص في حياة الأئمة عليهم السلام كانوا يضعونها في مساجدهم ومواضع عباداتهم فإذا فرغوا من صلاتهم نظروا فيها واستفادوا من مطالبها.
3-*************** أن الإمام أمرهم بمجاملة ومعايشة من خالفهم في الفكر أو العقيدة.
4-*************** وأمرهم بعدم ترك التقية والتي هي تقديم الأهم على المهم حتى في أبسط الأشياء فضلا عن خطيرها.
5-*************** وأمرهم بالصبر وتحمل أذية أعدائهم ومن خالفهم حتى ولو أبغضوهم واستذلوهم واحتقروهم.
6-****** ومن باب الخلق الحسن أمرهم أن لا يحدوا ألسنتهم ولا يطيلوها على من خالفهم بقول الزور والبهتان، بل أمرهم بالكف عن الكلام المؤدي إلى العداوة والبغضاء بينهم وبين من خالفهم.
7-*************** وأمرهم بأن يكثروا من الدعاء والتسبيح والتهليل.
8-*************** وأمرهم أن لا يذلوا أنفسهم بارتكاب المعاصي.
9-*************** وأمرهم بالاهتمام بالقرآن الكريم والتمسك به والعمل بما فيه.
10- ***ونهاهم عن سبّ أعداء الله فضلاً عن غيرهم في السر والعلانية حتى لا يعرضوا أولياء الله للسب واللعن والنتيجة أنها سب لله.
11- ***وأمرهم باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسنة الأئمة عليهم السلام من بعده.
12- ***ونهاهم عن اتباع البدع المحدثة التي تحدث بين فترة وأخرى.
13- ***وأمرهم بحب المساكين من المسلمين.
14- ***ونهاهم عن تحقير أحد من المسلمين أو إهانته أو أذيته.
15- ***ونهاهم عن التكبر والتجبر على الآخرين.
16- ***ونهاهم من أن يبغض بعضهم بعضاً.
17- ***ونهاهم عن الحسد للآخرين.
18- ***ونهاهم عن إعانة الظالم على ظلم أحد من المسلمين.
19- ***ونهاهم من أن يضايقوا معسراً من المسلمين.
20- ***ونهاهم من حبس حقوق الله أو حقوق الناس.
21- ***ونهاهم أن يكونوا سبباً لإحراج أئمتهم بتصرفاتهم اللا مسؤولة.
22- ***أو أن يكونوا سبباً للعن أهل الصلاح.
23- ***وذكرهم أنه لا توجد بين الله وأحد من خلقه قرابة – نبياً كان أو إماماً أو ملكاً مقربا – إلا بطاعة الله.
24- ***وأمرهم أن يكرموا أنفسهم عن أهل الباطل ولا يكونوا سببا لتطاول أهل الباطل على الله وعلى نبيه وعلى الأئمة عليهم السلام.
25- ***وأمر شيعته أن يتأدبوا بآداب الله وآداب نبيه وآله الطاهرين وأن يحبوا في الله ويبغضوا في الله.
26- ***وكشف لهم حقيقة من الحقائق؛ أن مكارم الأخلاق ومحبة الآخرين ناشئ من طيب أصل الإنسان، وأن سوء خُلقه ناشئ من خسة طبعه.
27- ***وأمرهم بالصبر أو التصبر على البلاء في طاعة الله وطاعة أوليائه.
***
وهكذا يستمر الإمام الصادق عليه السلام في وصاياه لشيعته والموالين له بما يربيهم التربية الصالحة ويدفعهم إلى القرب من الله والتمسك بحبله والعروة التي لانفصام لها.
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أكثر من نص في التنديد بمن يدعي التشيع وهو من المخالفين لأقوال أهل البيت وأفعالهم، وكيف ما كان فهل الثقافة الشيعية السائدة اليوم هي الثقافة التي يريدها الإمام الصادق عليه السلام والتي المحنا إليها سابقا أم إنها الثقافة التي يندد بها الإمام ولا يريدها؟!
***
إذا كنا حقا صريحين وصادقين مع أنفسنا ومع أئمتنا فإننا لا نرى هذه الثقافة التي يريدها الإمام منتشرة بيننا كما ينبغي، ولو تساءلنا فهل الشيعة تطبق بنود رسالة الإمام الصادق عليه السلام ***ومنها مثلا البند الثالث مجاملة الناس ومعايشة من خالفهم والبند العاشر القاضي بعدم سب ولعن أحد حتى أعداء الله فضلا عن غيرهم؟ أو أن بعضنا يروج من حيث يعلم أو لا يعلم مفهوم السب واللعن كجزء من الثقافة الأساسية لأهل البيت عليهم السلام.
***
أو البند الثاني عشر الناهي عن البدع واتباعها أو البند الثالث عشر الآمر بحب المساكين من عموم المسلمين أو البند الرابع عشر الناهي عن تحقير أحد من المسلمين وإهانته أو أذيته.
وبقيت البنود في هذه الرسالة وفي وصيته لابن جندب وابن النعمان وباقي كلماته التي ذكرناها أو التي لم نشر إليها.
وإن بعضنا يروج من حيث يعلم أو لا يعلم لثقافة الحقد والحسد والإقصاء والتسقيط والسب واللعن والتضليل والتفسيق لمن يخالفه عقديا أو مذهبيا أو ثقافيا والتركيز على الرأي الأحادي ويوحي للناس أن هذه الثقافة هي التي طرحها أئمة أهل البيت، إن هذه الثقافة التي يريد بعضنا أن يطرحها هي ثقافة معاكسه ومنافية للثقافة التي يرديها الأئمة عليهم السلام وعلى رأسهم الإمام الصادق مهما كانت المبررات والمحاولات العقيمة والشهادة على ذلك أنه إذا ما قدر لأحد أن يطرح خلاف ما يريد هذا البعض ثارت ثائرته وأقام الدنيا ولم يقعدها ورماه بكل سهام في جعبته حتى لا تنكشف عورته.
علينا أن نعود إلى الثقافة الأصيلة التي طرحها الأئمة عليهم السلام حتى نكون زين لهم ولا نكون شينا عليهم وحتى نحببهم إلى الناس كما أمرونا.
***
تعليق