مقدمة
كان علي رضي الله عنه عضوًا بارزًا في مجلس شورى الدولة العمرية، بل كان هو المستشار الأول، فقد كان عمر رضي الله عنه يعرف لعلي فضله، وفقهه، وحكمته، وكان رأيه فيه حسنًا.[/font]
فقد ثبت قوله فيه: أقضانا علي(1).] وقال ابن الجوزي: كان أبو بكر وعمر يشاورانه.[/font]
وكان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن(2).
وقال مسروق: كان الناس يأخذون عن ستة: عمر وعلى وعبد الله وأبي موسى وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب . وقال: شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر: عمر وعلى وعبد الله وأبي الدرداء وأبي بن كعب وزيد بن ثابت. ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين منهم: إلى على، وعبد الله(3).
وقال أيضًا: انتهى العلم إلى ثلاثة، عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق.
فعالم المدينة على بن أبي طالب.
وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود.
وعالم الشام أبو الدرداء.
فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق، عالم المدينة ولم يسألهما(4), فكان على من هؤلاء المقربين، يشد من أزر أخيه، ولا يبخل عليه برأيه، ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا، التي لم يرد فيها نص، وفي تنظيم أمور الدولة الفتية.
والشواهد على ذلك كثيرة، نذكر منها:
أولاً: علي بن أبي طالب والأمور القضائية في عهد بن الخطاب ( رضي الله عنهما )
1- امرأة تعتريها نوبات من الجنون.
عن أبي ظبيان الجنبي: أن عمر بن الخطاب أتى بامرأة قد زنت، فأمر برجمها، فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم على رضي الله عنه، فقال: ما هذه؟ قالوا: زنت فأمر عمر برجمها، فانتزعها على من أيديهم وردهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: ما ردكم؟ قالوا: ردنا علي، قال: ما فعل هذا علىّ إلا لشيء قد علمه، فأرسل إلى علي، فجاء وهو شبه المغضب. فقال: مالك رَدَدْتَ هؤلاء؟
قال: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم «يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلي حتى يعقل؟»
قال: بلى، قال علىّ: فإن هذه مبتلاة بنى فلان، فلعله أتاها وهو بها، فقال عمر: لا أدرى، فلم يرجمها(5), فقد كان عمر لا يعلم أنه مجنونة.
2- مضاعفة الحد لمن شرب الخمر.
أخذ عمر برأي على رضي الله عنهما في مضاعفة الحد لمن شرب الخمر، وذلك لانتشار شرب الخمر وخاصة في البلاد المفتوحة، وهي حديثة العهد بالإسلام، فأشار علىّ على عمر رضي الله عنهما بأن يجلد فيها ثمانين، كأخف الحدود .
وعلل ذلك بقوله: نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون(6)، وقد ثبت عن على رضي الله عنه أنه قال: ما كنت أقيم حدًا على أحد، فيموت، وأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه. (7) وأوَّل البيهقي قوله: (لم يسنه) زيادة على الأربعين، أو لم يسنه بالسياط وقد سنه بالنعال وأطراف الثياب مقدار أربعين والله أعلم(8), وقد استنبط الفقهاء من أفعال الخلفاء الراشدين مقدار الحد في الخمر، على قول مالك والثوري وأبي حنيفة ومن تبعهم ثمانون، لإجماع الصحابة، ومن قال إن الحد أربعون: أبو بكر، والشافعي، وقول لأحمد، وتحمل الزيادة على ذلك من عمر، رضي الله عنه، على أنها تعزيز يجوز فعله إذا رآه الإمام، وهذا هو القول الصحيح للشافعي(9), وهذا الرأي مال إليه ابن تيمية أيضا وقال:..فأما مع قلة الشاربين وقرب أمر الشارب، فتكفي الأربعون(10).
[FONT='Simplified Arabic', 'serif'][/font]
3- لا سلطان لك على ما في بطنها:
أتى عمر رضي الله بامرأة حامل فسألها عمر فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر ترجم، فلقيها علىّ فقال: ما بال هذه؟ فقالوا: أمر بها، أمير المؤمنين أن ترجم، فردها على فقال: أأمرت بها أن ترجم؟ قال: نعم، اعترفت عندي بالفجور! قال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ قال على: فلعلك انتهرتها(11), أو أخفتها؟ قال: قد كان ذاك، قال: أو ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حد على معترف بعد بلاء، أنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له» فخلى عمر سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن تلد مثل على بن أبي طالب، لولا على لهلك عمر(12).
وقد علق ابن تيمية على هذه القصة: إن هذه القصة إن كانت صحيحة، فلا تخلو من أن يكون عمر لم يعلم أنها حامل، فأخبره علي بحملها، ولا ريب أن الأصل عدم العلم، والإمام إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل، فعرفه بعض الناس بحالها، كان هذا من جملة إخباره بأحوال الناس... إلى أن قال عن عمر، يعطي الحقوق ويقيم الحدود ويحكم بين الناس كلهم، وفي زمنه انتشر الإسلام وظهر ظهورًا لم يكن قبله مثله، وهو دائمًا يقضي ويفتي ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك،ن فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك؟(13) وكان رده هذا في سياق رده على الروافض.
4- ردوا الجهالات إلى السنة:
أتى عمر بامرأة أنكحت في عدتها ففرق بينهما وجعل صداقها في بيت المال وقال: لا أجيز مهرًا رد نكاحه، وقال: لا تجتمعان أبدًا، فبلغ ذلك عليًا فقال: وإن كانوا جهلوا السنة لها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، فخطب عمر الناس فقال: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع عمر إلى قول على(14).
5- هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي:
قال جعفر بن محمد: أتى عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة، فألقت صفارها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذها ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله، فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المنى، فهم بعقوبة الشاب ، فجعل يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين تثبت في أمرى ، فو الله ما أتيت فاحشة وما هممت بها ، فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر على إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه، وذاقه، فعرف طعم البيض، وزجر المرأة فاعترفت(15).
ونستخلص من هذه الواقعة بعض الدروس:
(أ) أن وسائل الإثبات في القضاء الإسلامي كانت تشمل الإقرار والشهادة واليمين والنكول.. وتتسع لتشمل الأمارات والفراسة.
(ب) اهتمام عمر بمشاورة كبار الصحابة في النوازل، وعلى الخصوص على، رضي الله عنهما الذي كانت منزلته عنده متميزة(16).
كان علي رضي الله عنه عضوًا بارزًا في مجلس شورى الدولة العمرية، بل كان هو المستشار الأول، فقد كان عمر رضي الله عنه يعرف لعلي فضله، وفقهه، وحكمته، وكان رأيه فيه حسنًا.[/font]
فقد ثبت قوله فيه: أقضانا علي(1).] وقال ابن الجوزي: كان أبو بكر وعمر يشاورانه.[/font]
وكان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن(2).
وقال مسروق: كان الناس يأخذون عن ستة: عمر وعلى وعبد الله وأبي موسى وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب . وقال: شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر: عمر وعلى وعبد الله وأبي الدرداء وأبي بن كعب وزيد بن ثابت. ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين منهم: إلى على، وعبد الله(3).
وقال أيضًا: انتهى العلم إلى ثلاثة، عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق.
فعالم المدينة على بن أبي طالب.
وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود.
وعالم الشام أبو الدرداء.
فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق، عالم المدينة ولم يسألهما(4), فكان على من هؤلاء المقربين، يشد من أزر أخيه، ولا يبخل عليه برأيه، ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا، التي لم يرد فيها نص، وفي تنظيم أمور الدولة الفتية.
والشواهد على ذلك كثيرة، نذكر منها:
أولاً: علي بن أبي طالب والأمور القضائية في عهد بن الخطاب ( رضي الله عنهما )
1- امرأة تعتريها نوبات من الجنون.
عن أبي ظبيان الجنبي: أن عمر بن الخطاب أتى بامرأة قد زنت، فأمر برجمها، فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم على رضي الله عنه، فقال: ما هذه؟ قالوا: زنت فأمر عمر برجمها، فانتزعها على من أيديهم وردهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: ما ردكم؟ قالوا: ردنا علي، قال: ما فعل هذا علىّ إلا لشيء قد علمه، فأرسل إلى علي، فجاء وهو شبه المغضب. فقال: مالك رَدَدْتَ هؤلاء؟
قال: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم «يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلي حتى يعقل؟»
قال: بلى، قال علىّ: فإن هذه مبتلاة بنى فلان، فلعله أتاها وهو بها، فقال عمر: لا أدرى، فلم يرجمها(5), فقد كان عمر لا يعلم أنه مجنونة.
2- مضاعفة الحد لمن شرب الخمر.
أخذ عمر برأي على رضي الله عنهما في مضاعفة الحد لمن شرب الخمر، وذلك لانتشار شرب الخمر وخاصة في البلاد المفتوحة، وهي حديثة العهد بالإسلام، فأشار علىّ على عمر رضي الله عنهما بأن يجلد فيها ثمانين، كأخف الحدود .
وعلل ذلك بقوله: نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون(6)، وقد ثبت عن على رضي الله عنه أنه قال: ما كنت أقيم حدًا على أحد، فيموت، وأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه. (7) وأوَّل البيهقي قوله: (لم يسنه) زيادة على الأربعين، أو لم يسنه بالسياط وقد سنه بالنعال وأطراف الثياب مقدار أربعين والله أعلم(8), وقد استنبط الفقهاء من أفعال الخلفاء الراشدين مقدار الحد في الخمر، على قول مالك والثوري وأبي حنيفة ومن تبعهم ثمانون، لإجماع الصحابة، ومن قال إن الحد أربعون: أبو بكر، والشافعي، وقول لأحمد، وتحمل الزيادة على ذلك من عمر، رضي الله عنه، على أنها تعزيز يجوز فعله إذا رآه الإمام، وهذا هو القول الصحيح للشافعي(9), وهذا الرأي مال إليه ابن تيمية أيضا وقال:..فأما مع قلة الشاربين وقرب أمر الشارب، فتكفي الأربعون(10).
[FONT='Simplified Arabic', 'serif'][/font]
3- لا سلطان لك على ما في بطنها:
أتى عمر رضي الله بامرأة حامل فسألها عمر فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر ترجم، فلقيها علىّ فقال: ما بال هذه؟ فقالوا: أمر بها، أمير المؤمنين أن ترجم، فردها على فقال: أأمرت بها أن ترجم؟ قال: نعم، اعترفت عندي بالفجور! قال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ قال على: فلعلك انتهرتها(11), أو أخفتها؟ قال: قد كان ذاك، قال: أو ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حد على معترف بعد بلاء، أنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له» فخلى عمر سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن تلد مثل على بن أبي طالب، لولا على لهلك عمر(12).
وقد علق ابن تيمية على هذه القصة: إن هذه القصة إن كانت صحيحة، فلا تخلو من أن يكون عمر لم يعلم أنها حامل، فأخبره علي بحملها، ولا ريب أن الأصل عدم العلم، والإمام إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل، فعرفه بعض الناس بحالها، كان هذا من جملة إخباره بأحوال الناس... إلى أن قال عن عمر، يعطي الحقوق ويقيم الحدود ويحكم بين الناس كلهم، وفي زمنه انتشر الإسلام وظهر ظهورًا لم يكن قبله مثله، وهو دائمًا يقضي ويفتي ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك،ن فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك؟(13) وكان رده هذا في سياق رده على الروافض.
4- ردوا الجهالات إلى السنة:
أتى عمر بامرأة أنكحت في عدتها ففرق بينهما وجعل صداقها في بيت المال وقال: لا أجيز مهرًا رد نكاحه، وقال: لا تجتمعان أبدًا، فبلغ ذلك عليًا فقال: وإن كانوا جهلوا السنة لها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، فخطب عمر الناس فقال: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع عمر إلى قول على(14).
5- هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي:
قال جعفر بن محمد: أتى عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة، فألقت صفارها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذها ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله، فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المنى، فهم بعقوبة الشاب ، فجعل يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين تثبت في أمرى ، فو الله ما أتيت فاحشة وما هممت بها ، فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر على إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه، وذاقه، فعرف طعم البيض، وزجر المرأة فاعترفت(15).
ونستخلص من هذه الواقعة بعض الدروس:
(أ) أن وسائل الإثبات في القضاء الإسلامي كانت تشمل الإقرار والشهادة واليمين والنكول.. وتتسع لتشمل الأمارات والفراسة.
(ب) اهتمام عمر بمشاورة كبار الصحابة في النوازل، وعلى الخصوص على، رضي الله عنهما الذي كانت منزلته عنده متميزة(16).
تعليق