السلام عليكم
عصمة الإمام :
تنبع فكرة العصمة عند الشيعة من فكرة الوصية . فالرسول المعصوم لا يوصي إلا لمعصوم مثله . ومثلما مهمة الرسول تحتاج إلى عصمة كذلك مهمة الإمام التي هي امتداد لمهمته تحتاج لعصمة . ولو لم يكن الإمام معصوما لتساوى مع بقية الناس ، ولما كانت هناك حاجة لوصيته وهو في هذه الحالة لن ينجح في حفظ الدين وإقامة الحجة على الناس .
إن الإيمان بتميز الإمام " علي " على الآخرين سوف يقود إلى الإيمان بالوصية . والإيمان بالوصية سوف يقود إلى الإيمان بالعصمة . ونظرا لكون أهل السنة لا يؤمنون بتميز الإمام " علي " على بقية الصحابة فمن ثم هم لا يؤمنون بالوصية وبالتالي يستهجنون فكرة العصمة .
يقول العلامة الحلي : ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش . من الصغر إلى الموت عمدا أو سهوا ، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به حالهم في ذلك حال النبي ولأن الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف من المظلوم عن الظالم . ورفع الفساد وحسم مادة الفتن . وأن الإمام لطف يمنع القاهر من التعدي ، ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم الحدود والفرائض ويؤاخذ الفساق ويعزر من يستحق التعزير . فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر وتسلسل . . . (1)
إن العصمة ترتبط بنوع الدور والمهمة الملقاة على عاتق الإمام . ولما كان دور الإمام ومهمته تتطلب وجود مواصفات خاصة حتى يمكن القيام بها فمن ثم كانت العصمة ضرورة لا بد منها للإمام تدفع الجماهير إلى الثقة به والتلقي منه ولزوم الطاعة له وتحول دون منازعته من قبل الأدعياء . .
يقول الشيخ جعفر السبحاني : إن الإجابة عن الأسئلة الشرعية على وجه الحق وتفسير القرآن على الصحيح وتفنيد الشبهات على وجه يطابق الواقع وصيانة الدين عن أي تحريف لا يحصل إلا بمن يعتصم بحبل العصمة ويكون قوله وفعله مميزين
للحق والباطل . . نعم إن الإنسان الجليل ربما يملأ هذا الفراغ ولكن لا بصورة تامة جدا ، ولأجل ذلك نرى أن الأمة افترقت في الأصول والفروع إلى فرق كثيرة يصعب تحديدها وتعدادها ، فلأجل هذه الأمور لا محيص عن وجود إنسان كامل عارف بالشريعة ، أصولها وفروعها ، عالم بالقرآن واقف على الشبهات وكيفية الإجابة عنها ، قائم على الصراط السوي ليرجع إليه من تقدم على الصراط ومن تأخر عنه . هذا يقتضي كون الإمام منصوبا من جانبه سبحانه معصوما بعصمته . . ( 2 ) .
إن تقصي حال الأمة من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله يظهر لنا ما يلي :
* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر نهج الحق وكشف الصدق . . ( 2 ) معالم النبوة في القرآن . . ( * )
أولا : منحت الشريعة لكل الحكام - ومن بعدهم - وألزم الجميع بالسمع والطاعة لهم .
ثانيا : اخترعت الكثير من الأحاديث والروايات وتمت نسبتها إلى الرسول .
ثالثا : إن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين باركوا هذا الوضع كما باركوا الحكام ودعوا الجماهير إلى طاعتهم .
رابعا : إن سيرة هؤلاء الحكام وسلوكهم ومواقفهم متناقضة مع الإسلام وتصطدم بقواعده .
خامسا : إن القرآن قد حرفت معانيه وأولت آياته بحيث تخدم أغراض القوى الحاكمة .
سادسا : إن الفقهاء ساروا في ركاب الحكام وأضفوا على ممارساتهم ومواقفهم الشرعية .
ومن يتبين لنا أن الإسلام قد أخضع للأهواء والسياسة من بعد الرسول . ومال الفقهاء نحو الحكام . وتفرقت الأمة بسبب هذا الإسلام وصارت شيعا .
وهذا كله بسبب أن الذين تصدوا لحمله لم يصمدوا في وجه الباطل وانهاروا أمامه مما يدل على عدم صلاحيتهم للقيام بهذه المهمة . وليس من المعقول بل من المحال في حق الله سبحانه أن يترك الدين من بعد الرسول يتنازعه أهل الأهواء ويذهبون
به مذاهب شتى مما يؤدي في النهاية إلى ضلال الأمة . وضلال الأمة يقتضي إرسال رسول جديد . وقد ختمت الرسالات بمحمد ، إذن لا بد أن يكون هناك عاصم للأمة تتوافر به مؤهلات الرسول ليقوم بمهمته من بعد ه وفي مقدمة هذه المؤهلات العصمة . إن ضرورة العصمة سوف تتضع لنا أكثر إذا ما اتجهنا بأبصارنا إلى الجانب الآخر الذي غيبته السياسة عن أعيننا وهو جانب آل البيت . بعد أن ألقينا الضوء على جانب الصحابة والتابعين والفقهاء والإسلام الذي يعرضونه والمتمثل في مذهب أهل السنة . فإن إلقاء الضوء على هذا الجانب سوف يظهر لنا ما يلي :
أولا : إن أئمة آل البيت عليهم السلام تصدوا لمحاولات الانحراف بالإسلام وصدعوا بالحق في مواجهة الصحابة والتابعين
والحكام .
ثانيا : إن أئمة آل البيت تصدوا لعملية اختراع الأحاديث ونسبتها للرسول والتزموا في مواجهة هذا الأمر بضرورة عرض
الحديث على القرآن والعقل ، فما وافق القرآن والعقل كان سليما وما خالفهما كان موضوعا .
ثالثا : إن آل البيت قادوا الثورات ضد الحكام وتصدوا لفسادهم وانحرافاتهم .
رابعا : إن أئمة آل البيت بداية من الإمام علي وحتى الإمام الحادي عشر ماتوا قتلا بأيدي الحكام .
إن أئمة آل البيت قد امتحنوا وابتلوا بلاء عظيما وتعرضوا لضغوط شديدة من قبل الحكام كي يسايروا الوضع القائم لكنهم صبروا وثبتوا ورفضوا التعايش مع الواقع المنحرف وإضفاء الشرعية على الحكام .
ولا شك أنه بعد استعراض موقف الجانبين : إلا أنه في النهاية معصوم بدرجة ما ليست كاملة . إذ أنه لا بد أن تبدر منه
بعض الهفوات ولا بد أن يرتكب بعض المعاصي . أما الإمام فقدرته على عصمة نفسه أكبر من ذلك بحكم كونه تربية بيت
النبوة . هذا على المستوى الذاتي الذي أهله إلى العصمة التكوينية كعصمة الرسل غير أنها أقل منها درجة . وبما أن الرسول معصوم ومما ينطق عن الهوى ، فعندما يختار وصية فإن هذا الاختيار يكون بوحي من قبل الله سبحانه يقتضي أن تكون عصمة المختار عصمة تكوينية أيضا . وعلى المستوى الفردي العادي يمكن للمرء أن يقوم بتربية ولده تربية دقيقة يبذل فيها قصارى جهده في تقويمه وإصلاحه وعزله عن المؤثرات وعوامل الانحراف فينشأ الولد معصوما بدرجة كبيرة بحيث يصبح مثلا يحتذى به في الخلق والسلوك السوي المستقيم .
وإذا كان هذا على مستوى الأفراد فكيف يكون الأمر على مستوى الأنبياء ؟ إذا الفرد العادي يستطيع أن يوصل ولده إلى مستوى عال من الأدب والخلق فإلى أي مدى يمكن أن يوصل النبي صلى الله عليه وآله الإمام عليا عليه السلام وهو الذي رباه وصنعه على يده وأعده ليكون إماما . . ؟
ونظرا لكون أهل السنة ينظرون لمسألة العصمة نظرة مبتورة ومنقوصة كما ذكرنا فإنهم ينظرون بعين الشك إلى مسألة
عصمة الإمام عند الشيعة . أو بصورة أخرى إذا كان أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الرسل عصمة كلية فهل يعتقدون بعصمة الإمام . . ! وهم يرتكزون في هجومهم على الشيعة دائما على فكرة العصمة وفكرة الغيبة التي سوف نعرض لها فيما بعد .
كما نعتبر كثير من المعاصرين المعتدلين من أهل الفقه والثقافة إن هاتين الفكرتين هما نقطة الضعف في الفكر الشيعي .
ويتهم البعض الشيعة بالتناقض لتبنيها العقل الذي نبذه أهل السنة ثم تبنيها فكرة العصمة والغيبة في آن واحد ، وهما فكرتان نبذهما أهل السنة على الرغم من أنهم لا يعطون للعقل المساحة التي تعطيها له الشيعة . . ومثل هذه التهم إنما توجه للشيعة على غير علم بطبيعة العقيدة الشيعية وأصولها المستمدة من أئمة آل البيت .
ومن العسير هضم فكرة العصمة أو فكرة الغيبة على أي باحث دون هضم فكرة الإمامة التي تتميز بها الشيعة عما هاتان الفكرتان سوى نتيجتين للإمامة ومن الصعب فهم النتائج دون فهم المقدمات .
* موقف الصحابة والتابعين والفقهاء بعد الرسول .
* وموقف آل البيت .
وصورة الإسلام الذي يقدمه كل من الجانبين للناس . . سوف يتبين لنا أن جانب آل البيت لا بد وأن يكون معصوما . فإن الثبات في مواجهة الفتن ، والانتصار على الهوى هو أعلى درجات العصمة .
وهو ما يبدو من سلوك أئمة آل البيت ومواقفهم ولا يبدو من سلوك ومواقف الجانب الآخر . ولا يتصور من هذا الطرح أن الشيعة يقدمون الأئمة على الرسل أو حتى يساوونهم بهم كما يشيع ذلك خصومهم . . فإن الإمام إنما يتلقى مهمته من الرسول الذي أوصى به فكيف يكون الوصي أعلى من الموصى .
والإمام علي نال مكانته من الرسول صلى الله عليه وآله وهو ينتسب إليه بحكم القرابة فهو إمام آل بيت الرسول من بعده . والرسول وهو على قيد الحياة جمع بين الرسالة والإمامة كما جمعها إبراهيم عليه السلام من قبله . وبعد وفاته انتهى دور الرسالة وبقي دور الإمامة متمثلا في الإمام علي .
إذن الإمام علي استمد قداسته من الرسول ، فكيف يتقدم عليه ؟ وكيف بعد هذا يقال إن الشيعة يعتقدون أن عليا أحق بالرسالة من محمد وأن جبريل أخطأ في الرسالة وبدلا من أن يهبط على علي هبط على محمد وهي مقولة تتردد كثيرا على ألسنة الناس حتى يومنا هذا . . وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن عصمة الإمام أقل من عصمة الرسول ، لأن دور الإمام أقل من دور الرسول ، وهو مكمل له إلا أنها وإن كانت درجتها أقل من الرسول فهي أعلى من مستوى البشر بدرجات باعتبار أن كل إنسان إنما هو معصوم بدرجة ما .
إن المؤمن المداوم على الصلوات مثلا هو معصوم في حدود هذا الفعل ، فهو يملك القدرة على الاختيار بين المداومة على الصلوات وبين المداومة على المسكرات مثلا . واختياره الصلوات يعني عصمته من الانحراف نحو المسكرات .
أما الذي اختار المسكرات وترك الصلوات فهو غير معصوم . والمرء من الممكن أن يتفوه بأي شئ ، من الممكن أن يسب ويشتم ، من الممكن أن ينطق بكلمة الكفر . فإذا ملك لسانه عن أن يتكلم مثل هذا الكلام فهو معصوم اللسان .
والفتاة التي تصبر محتسبة حتى ترزق بزوج صالح هي معصومة . أما الفتاة التي مالت بها شهوتها وانحرفت فهي غير معصومة .
إن كلا منا من الممكن أن يكون معصوما ضمن حدود وإطار معين . من الممكن أن يعصم لسانه عن الكذب . من الممكن أن يعصم فرجه عن الزنا .
والمقدمة عند الشيعة تحتمها النصوص ، والنتيجة لا بد أن تكون شرعية أيضا ، أي أن الإمامة مسألة شرعية والعصمة والغيبة مسألتان شرعيتان كذلك . وإذا كنا قد عرضنا لقضية العصمة من الجانب العقلي فيما مضى فإن الأمر يحتم الآن أن نعرض للقضية من الجانب الشرعي .
والحمد لله
يتبع
عصمة الإمام :
تنبع فكرة العصمة عند الشيعة من فكرة الوصية . فالرسول المعصوم لا يوصي إلا لمعصوم مثله . ومثلما مهمة الرسول تحتاج إلى عصمة كذلك مهمة الإمام التي هي امتداد لمهمته تحتاج لعصمة . ولو لم يكن الإمام معصوما لتساوى مع بقية الناس ، ولما كانت هناك حاجة لوصيته وهو في هذه الحالة لن ينجح في حفظ الدين وإقامة الحجة على الناس .
إن الإيمان بتميز الإمام " علي " على الآخرين سوف يقود إلى الإيمان بالوصية . والإيمان بالوصية سوف يقود إلى الإيمان بالعصمة . ونظرا لكون أهل السنة لا يؤمنون بتميز الإمام " علي " على بقية الصحابة فمن ثم هم لا يؤمنون بالوصية وبالتالي يستهجنون فكرة العصمة .
يقول العلامة الحلي : ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش . من الصغر إلى الموت عمدا أو سهوا ، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به حالهم في ذلك حال النبي ولأن الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف من المظلوم عن الظالم . ورفع الفساد وحسم مادة الفتن . وأن الإمام لطف يمنع القاهر من التعدي ، ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم الحدود والفرائض ويؤاخذ الفساق ويعزر من يستحق التعزير . فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر وتسلسل . . . (1)
إن العصمة ترتبط بنوع الدور والمهمة الملقاة على عاتق الإمام . ولما كان دور الإمام ومهمته تتطلب وجود مواصفات خاصة حتى يمكن القيام بها فمن ثم كانت العصمة ضرورة لا بد منها للإمام تدفع الجماهير إلى الثقة به والتلقي منه ولزوم الطاعة له وتحول دون منازعته من قبل الأدعياء . .
يقول الشيخ جعفر السبحاني : إن الإجابة عن الأسئلة الشرعية على وجه الحق وتفسير القرآن على الصحيح وتفنيد الشبهات على وجه يطابق الواقع وصيانة الدين عن أي تحريف لا يحصل إلا بمن يعتصم بحبل العصمة ويكون قوله وفعله مميزين
للحق والباطل . . نعم إن الإنسان الجليل ربما يملأ هذا الفراغ ولكن لا بصورة تامة جدا ، ولأجل ذلك نرى أن الأمة افترقت في الأصول والفروع إلى فرق كثيرة يصعب تحديدها وتعدادها ، فلأجل هذه الأمور لا محيص عن وجود إنسان كامل عارف بالشريعة ، أصولها وفروعها ، عالم بالقرآن واقف على الشبهات وكيفية الإجابة عنها ، قائم على الصراط السوي ليرجع إليه من تقدم على الصراط ومن تأخر عنه . هذا يقتضي كون الإمام منصوبا من جانبه سبحانه معصوما بعصمته . . ( 2 ) .
إن تقصي حال الأمة من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله يظهر لنا ما يلي :
* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر نهج الحق وكشف الصدق . . ( 2 ) معالم النبوة في القرآن . . ( * )
أولا : منحت الشريعة لكل الحكام - ومن بعدهم - وألزم الجميع بالسمع والطاعة لهم .
ثانيا : اخترعت الكثير من الأحاديث والروايات وتمت نسبتها إلى الرسول .
ثالثا : إن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين باركوا هذا الوضع كما باركوا الحكام ودعوا الجماهير إلى طاعتهم .
رابعا : إن سيرة هؤلاء الحكام وسلوكهم ومواقفهم متناقضة مع الإسلام وتصطدم بقواعده .
خامسا : إن القرآن قد حرفت معانيه وأولت آياته بحيث تخدم أغراض القوى الحاكمة .
سادسا : إن الفقهاء ساروا في ركاب الحكام وأضفوا على ممارساتهم ومواقفهم الشرعية .
ومن يتبين لنا أن الإسلام قد أخضع للأهواء والسياسة من بعد الرسول . ومال الفقهاء نحو الحكام . وتفرقت الأمة بسبب هذا الإسلام وصارت شيعا .
وهذا كله بسبب أن الذين تصدوا لحمله لم يصمدوا في وجه الباطل وانهاروا أمامه مما يدل على عدم صلاحيتهم للقيام بهذه المهمة . وليس من المعقول بل من المحال في حق الله سبحانه أن يترك الدين من بعد الرسول يتنازعه أهل الأهواء ويذهبون
به مذاهب شتى مما يؤدي في النهاية إلى ضلال الأمة . وضلال الأمة يقتضي إرسال رسول جديد . وقد ختمت الرسالات بمحمد ، إذن لا بد أن يكون هناك عاصم للأمة تتوافر به مؤهلات الرسول ليقوم بمهمته من بعد ه وفي مقدمة هذه المؤهلات العصمة . إن ضرورة العصمة سوف تتضع لنا أكثر إذا ما اتجهنا بأبصارنا إلى الجانب الآخر الذي غيبته السياسة عن أعيننا وهو جانب آل البيت . بعد أن ألقينا الضوء على جانب الصحابة والتابعين والفقهاء والإسلام الذي يعرضونه والمتمثل في مذهب أهل السنة . فإن إلقاء الضوء على هذا الجانب سوف يظهر لنا ما يلي :
أولا : إن أئمة آل البيت عليهم السلام تصدوا لمحاولات الانحراف بالإسلام وصدعوا بالحق في مواجهة الصحابة والتابعين
والحكام .
ثانيا : إن أئمة آل البيت تصدوا لعملية اختراع الأحاديث ونسبتها للرسول والتزموا في مواجهة هذا الأمر بضرورة عرض
الحديث على القرآن والعقل ، فما وافق القرآن والعقل كان سليما وما خالفهما كان موضوعا .
ثالثا : إن آل البيت قادوا الثورات ضد الحكام وتصدوا لفسادهم وانحرافاتهم .
رابعا : إن أئمة آل البيت بداية من الإمام علي وحتى الإمام الحادي عشر ماتوا قتلا بأيدي الحكام .
إن أئمة آل البيت قد امتحنوا وابتلوا بلاء عظيما وتعرضوا لضغوط شديدة من قبل الحكام كي يسايروا الوضع القائم لكنهم صبروا وثبتوا ورفضوا التعايش مع الواقع المنحرف وإضفاء الشرعية على الحكام .
ولا شك أنه بعد استعراض موقف الجانبين : إلا أنه في النهاية معصوم بدرجة ما ليست كاملة . إذ أنه لا بد أن تبدر منه
بعض الهفوات ولا بد أن يرتكب بعض المعاصي . أما الإمام فقدرته على عصمة نفسه أكبر من ذلك بحكم كونه تربية بيت
النبوة . هذا على المستوى الذاتي الذي أهله إلى العصمة التكوينية كعصمة الرسل غير أنها أقل منها درجة . وبما أن الرسول معصوم ومما ينطق عن الهوى ، فعندما يختار وصية فإن هذا الاختيار يكون بوحي من قبل الله سبحانه يقتضي أن تكون عصمة المختار عصمة تكوينية أيضا . وعلى المستوى الفردي العادي يمكن للمرء أن يقوم بتربية ولده تربية دقيقة يبذل فيها قصارى جهده في تقويمه وإصلاحه وعزله عن المؤثرات وعوامل الانحراف فينشأ الولد معصوما بدرجة كبيرة بحيث يصبح مثلا يحتذى به في الخلق والسلوك السوي المستقيم .
وإذا كان هذا على مستوى الأفراد فكيف يكون الأمر على مستوى الأنبياء ؟ إذا الفرد العادي يستطيع أن يوصل ولده إلى مستوى عال من الأدب والخلق فإلى أي مدى يمكن أن يوصل النبي صلى الله عليه وآله الإمام عليا عليه السلام وهو الذي رباه وصنعه على يده وأعده ليكون إماما . . ؟
ونظرا لكون أهل السنة ينظرون لمسألة العصمة نظرة مبتورة ومنقوصة كما ذكرنا فإنهم ينظرون بعين الشك إلى مسألة
عصمة الإمام عند الشيعة . أو بصورة أخرى إذا كان أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الرسل عصمة كلية فهل يعتقدون بعصمة الإمام . . ! وهم يرتكزون في هجومهم على الشيعة دائما على فكرة العصمة وفكرة الغيبة التي سوف نعرض لها فيما بعد .
كما نعتبر كثير من المعاصرين المعتدلين من أهل الفقه والثقافة إن هاتين الفكرتين هما نقطة الضعف في الفكر الشيعي .
ويتهم البعض الشيعة بالتناقض لتبنيها العقل الذي نبذه أهل السنة ثم تبنيها فكرة العصمة والغيبة في آن واحد ، وهما فكرتان نبذهما أهل السنة على الرغم من أنهم لا يعطون للعقل المساحة التي تعطيها له الشيعة . . ومثل هذه التهم إنما توجه للشيعة على غير علم بطبيعة العقيدة الشيعية وأصولها المستمدة من أئمة آل البيت .
ومن العسير هضم فكرة العصمة أو فكرة الغيبة على أي باحث دون هضم فكرة الإمامة التي تتميز بها الشيعة عما هاتان الفكرتان سوى نتيجتين للإمامة ومن الصعب فهم النتائج دون فهم المقدمات .
* موقف الصحابة والتابعين والفقهاء بعد الرسول .
* وموقف آل البيت .
وصورة الإسلام الذي يقدمه كل من الجانبين للناس . . سوف يتبين لنا أن جانب آل البيت لا بد وأن يكون معصوما . فإن الثبات في مواجهة الفتن ، والانتصار على الهوى هو أعلى درجات العصمة .
وهو ما يبدو من سلوك أئمة آل البيت ومواقفهم ولا يبدو من سلوك ومواقف الجانب الآخر . ولا يتصور من هذا الطرح أن الشيعة يقدمون الأئمة على الرسل أو حتى يساوونهم بهم كما يشيع ذلك خصومهم . . فإن الإمام إنما يتلقى مهمته من الرسول الذي أوصى به فكيف يكون الوصي أعلى من الموصى .
والإمام علي نال مكانته من الرسول صلى الله عليه وآله وهو ينتسب إليه بحكم القرابة فهو إمام آل بيت الرسول من بعده . والرسول وهو على قيد الحياة جمع بين الرسالة والإمامة كما جمعها إبراهيم عليه السلام من قبله . وبعد وفاته انتهى دور الرسالة وبقي دور الإمامة متمثلا في الإمام علي .
إذن الإمام علي استمد قداسته من الرسول ، فكيف يتقدم عليه ؟ وكيف بعد هذا يقال إن الشيعة يعتقدون أن عليا أحق بالرسالة من محمد وأن جبريل أخطأ في الرسالة وبدلا من أن يهبط على علي هبط على محمد وهي مقولة تتردد كثيرا على ألسنة الناس حتى يومنا هذا . . وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن عصمة الإمام أقل من عصمة الرسول ، لأن دور الإمام أقل من دور الرسول ، وهو مكمل له إلا أنها وإن كانت درجتها أقل من الرسول فهي أعلى من مستوى البشر بدرجات باعتبار أن كل إنسان إنما هو معصوم بدرجة ما .
إن المؤمن المداوم على الصلوات مثلا هو معصوم في حدود هذا الفعل ، فهو يملك القدرة على الاختيار بين المداومة على الصلوات وبين المداومة على المسكرات مثلا . واختياره الصلوات يعني عصمته من الانحراف نحو المسكرات .
أما الذي اختار المسكرات وترك الصلوات فهو غير معصوم . والمرء من الممكن أن يتفوه بأي شئ ، من الممكن أن يسب ويشتم ، من الممكن أن ينطق بكلمة الكفر . فإذا ملك لسانه عن أن يتكلم مثل هذا الكلام فهو معصوم اللسان .
والفتاة التي تصبر محتسبة حتى ترزق بزوج صالح هي معصومة . أما الفتاة التي مالت بها شهوتها وانحرفت فهي غير معصومة .
إن كلا منا من الممكن أن يكون معصوما ضمن حدود وإطار معين . من الممكن أن يعصم لسانه عن الكذب . من الممكن أن يعصم فرجه عن الزنا .
والمقدمة عند الشيعة تحتمها النصوص ، والنتيجة لا بد أن تكون شرعية أيضا ، أي أن الإمامة مسألة شرعية والعصمة والغيبة مسألتان شرعيتان كذلك . وإذا كنا قد عرضنا لقضية العصمة من الجانب العقلي فيما مضى فإن الأمر يحتم الآن أن نعرض للقضية من الجانب الشرعي .
والحمد لله
يتبع