ومنها: أنه أقدم على أبي ذر رحمه الله تعالى، مع تقدمه في الإسلام حتى ضربه، ونفاه إلى الربذة.
أجاب قاضي القضاة: باحتمال أنه اختار لنفسه ذلك.
اعترضه المرتضى: بأن المتواتر من الأخبار خلاف ذلك، لأن المشهور:
أنه نفاه أولا إلى الشام فلما اشتكى معاوية منه، استقدمه إلى المدينة، ثم نفاه منها إلى ربذة (1).
وروي أن عثمان قال يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال، فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار (2): لا بأس بذلك، فقال أبو ذر: يا ابن اليهودية، أتعلمنا ديننا؟. فقال عثمان: قد كثر أذاك لي، وتولعك بأصحابي، إلحق بالشام، فأخرجه إليها (3)، فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية بثلاثمائة دينار، فردها عليه.
____________
(1) الملل والنحل ج 1 ص 26 وتاريخ الخميس ج 2 ص 268، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 162 والاستيعاب هامش الإصابة ج 1 ص 114، والسيرة الحلبية ج 2 ص 78، وشرح النهج ج 1 ص 240 و ج 2 ص 355، عن كتاب السقيفة، لأبي بكر الجوهري، والصواعق المحرقة ص 48 وقال في تاريخ الكامل ج 3 ص 56: ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع، لا يصح النقل، ولو صح لكان ينبغي: أن يعتذر عن عثمان.
(2) وهو من أحبار اليهود، إلا أنه ورفقاءه كانوا من دعاة اليهود بين المسلمين، وهم الذين أدخلوا الإسرائيليات في الإسلام، حتى أصبحت جزءا من الأخبار الدينية والتاريخية، وصاروا من الرواة عند أعاظم القوم. راجع: أضواء على السنة المحمدية، لمحمود أبو رية ط دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة.
(3) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 162، ومروج الذهب ج 2 ص 240، وشرح النهج ج 1 ص 240 و 242 و ج 2 ص 356
وقال ابن أبي الحديد: واعلم، أن الذي عليه أكثر أرباب السيرة، وعلماء الأخبار والنقل: أن عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام، ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة.
______________________________
وكان أبو ذر يقول: " والله حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقا يطفئ، وباطلا يحيى، وصادقا مكذبا، وأثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه " (1).
فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام، فتدارك أهله، إن كان لك فيه حاجة، فكتب معاوية إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إلى معاوية: " أما بعد، فاحمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأوعره "، فوجهه مع من سار به ليلا ونهارا، وحمله على بعير ليس عليه إلا قتب، حتى قدم المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فبعث إليه عثمان، وقال له: إلحق بأي أرض شئت، فقال أبو ذر: بمكة؟
قال: لا، قال: بيت المقدس؟ قال: لا، قال: بأحد المصرين؟ قال:
لا. ولكن سر إلى ربذة، فلم يزل بها حتى مات.
وروى الواقدي: أن أبا ذر لما دخل على عثمان، قال له: لا أنعم الله بك عينا يا جنيدب، فقال أبو ذر: أنا جنيدب، وسماني رسول الله صلى الله عليه وآله: عبد الله، فاخترت اسم رسول الله صلى الله عليه وآله الذي سماني به على اسمي، فقال عثمان: أنت الذي تزعم: إنا نقول إن يد الله مغلولة، وأن الله فقير، ونحن الأغنياء؟ فقال أبو ذر: لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله في عباده، ولكني أشهد: لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا، جعلوا مال الله دولا، وعباده خولا،
____________________
(1) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 161، وشرح النهج ج 1 ص 240.
____________________
ودين الله دخلا (1)، فقال: هل سمعتم من رسول الله؟ فقال علي والحاضرون: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر " (2)، فنفاه إلى ربذة.
وروى الواقدي: أن أبا الأسود الدؤلي قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه، فنزلت الربذة، فقلت له: ألا تخبرني، خرجت من المدينة طائعا، أم أخرجت؟ فقال: كنت في ثغر من ثغور المسلمين، أغني عنهم فأخرجت إلى المدينة، فقلت: أصحابي، ودار هجرتي، فأخرجت منها إلى ما ترى.
ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد، إذ مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله، فضربني برجله، وقال: لا أراك نائما في المسجد، قلت: بأبي أنت وأمي: غلبتني عيني فنمت فيه: فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟
قلت: إذن ألحق بالشام فإنها أرض مقدسة، وأرض بقية الإسلام، وأرض الجهاد، فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منها؟ قلت: أرجع إلى المسجد فقال: كيف إذا أخرجوك منه؟ قلت: آخذ سيفي فأضربه، فقال صلى الله عليه وآله:
ألا أدلك على خير من ذلك، إنسق معهم حيث ساقوك، وتسمع وتطيع، فسمعت وأطعت، وأنا أسمع وأطيع، والله ليقتلن الله عثمان وهو آثم في جنبي (3).
____________
(1) مروج الذهب ج 2 ص 341 وتاريخ الخميس ج 2 ص 269، وشرح النهج ج 1 ص 240 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 161، ومستدرك الحاكم ج 4 ص 480 وكنز العمال ج 6 ص 29 و 90
(2) الإصابة ج 4 ص 64 وفي هامشها الاستيعاب ج 1 ص 216 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 64 وأسد الغابة ج 1 ص 301 وتاريخ الخميس ج 2 ص 258 والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 404 وقال: رواه الترمذي بسند حسن.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 240 ومسند أحمد ج 5 ص 156.
فكيف يجوز مع هذه الروايات الاعتبار بما قال القاضي؟.
أجاب قاضي القضاة: باحتمال أنه اختار لنفسه ذلك.
اعترضه المرتضى: بأن المتواتر من الأخبار خلاف ذلك، لأن المشهور:
أنه نفاه أولا إلى الشام فلما اشتكى معاوية منه، استقدمه إلى المدينة، ثم نفاه منها إلى ربذة (1).
وروي أن عثمان قال يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال، فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار (2): لا بأس بذلك، فقال أبو ذر: يا ابن اليهودية، أتعلمنا ديننا؟. فقال عثمان: قد كثر أذاك لي، وتولعك بأصحابي، إلحق بالشام، فأخرجه إليها (3)، فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية بثلاثمائة دينار، فردها عليه.
____________
(1) الملل والنحل ج 1 ص 26 وتاريخ الخميس ج 2 ص 268، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 162 والاستيعاب هامش الإصابة ج 1 ص 114، والسيرة الحلبية ج 2 ص 78، وشرح النهج ج 1 ص 240 و ج 2 ص 355، عن كتاب السقيفة، لأبي بكر الجوهري، والصواعق المحرقة ص 48 وقال في تاريخ الكامل ج 3 ص 56: ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع، لا يصح النقل، ولو صح لكان ينبغي: أن يعتذر عن عثمان.
(2) وهو من أحبار اليهود، إلا أنه ورفقاءه كانوا من دعاة اليهود بين المسلمين، وهم الذين أدخلوا الإسرائيليات في الإسلام، حتى أصبحت جزءا من الأخبار الدينية والتاريخية، وصاروا من الرواة عند أعاظم القوم. راجع: أضواء على السنة المحمدية، لمحمود أبو رية ط دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة.
(3) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 162، ومروج الذهب ج 2 ص 240، وشرح النهج ج 1 ص 240 و 242 و ج 2 ص 356
وقال ابن أبي الحديد: واعلم، أن الذي عليه أكثر أرباب السيرة، وعلماء الأخبار والنقل: أن عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام، ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة.
______________________________
وكان أبو ذر يقول: " والله حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقا يطفئ، وباطلا يحيى، وصادقا مكذبا، وأثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه " (1).
فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام، فتدارك أهله، إن كان لك فيه حاجة، فكتب معاوية إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إلى معاوية: " أما بعد، فاحمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأوعره "، فوجهه مع من سار به ليلا ونهارا، وحمله على بعير ليس عليه إلا قتب، حتى قدم المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فبعث إليه عثمان، وقال له: إلحق بأي أرض شئت، فقال أبو ذر: بمكة؟
قال: لا، قال: بيت المقدس؟ قال: لا، قال: بأحد المصرين؟ قال:
لا. ولكن سر إلى ربذة، فلم يزل بها حتى مات.
وروى الواقدي: أن أبا ذر لما دخل على عثمان، قال له: لا أنعم الله بك عينا يا جنيدب، فقال أبو ذر: أنا جنيدب، وسماني رسول الله صلى الله عليه وآله: عبد الله، فاخترت اسم رسول الله صلى الله عليه وآله الذي سماني به على اسمي، فقال عثمان: أنت الذي تزعم: إنا نقول إن يد الله مغلولة، وأن الله فقير، ونحن الأغنياء؟ فقال أبو ذر: لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله في عباده، ولكني أشهد: لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا، جعلوا مال الله دولا، وعباده خولا،
____________________
(1) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 161، وشرح النهج ج 1 ص 240.
____________________
ودين الله دخلا (1)، فقال: هل سمعتم من رسول الله؟ فقال علي والحاضرون: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر " (2)، فنفاه إلى ربذة.
وروى الواقدي: أن أبا الأسود الدؤلي قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه، فنزلت الربذة، فقلت له: ألا تخبرني، خرجت من المدينة طائعا، أم أخرجت؟ فقال: كنت في ثغر من ثغور المسلمين، أغني عنهم فأخرجت إلى المدينة، فقلت: أصحابي، ودار هجرتي، فأخرجت منها إلى ما ترى.
ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد، إذ مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله، فضربني برجله، وقال: لا أراك نائما في المسجد، قلت: بأبي أنت وأمي: غلبتني عيني فنمت فيه: فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟
قلت: إذن ألحق بالشام فإنها أرض مقدسة، وأرض بقية الإسلام، وأرض الجهاد، فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منها؟ قلت: أرجع إلى المسجد فقال: كيف إذا أخرجوك منه؟ قلت: آخذ سيفي فأضربه، فقال صلى الله عليه وآله:
ألا أدلك على خير من ذلك، إنسق معهم حيث ساقوك، وتسمع وتطيع، فسمعت وأطعت، وأنا أسمع وأطيع، والله ليقتلن الله عثمان وهو آثم في جنبي (3).
____________
(1) مروج الذهب ج 2 ص 341 وتاريخ الخميس ج 2 ص 269، وشرح النهج ج 1 ص 240 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 161، ومستدرك الحاكم ج 4 ص 480 وكنز العمال ج 6 ص 29 و 90
(2) الإصابة ج 4 ص 64 وفي هامشها الاستيعاب ج 1 ص 216 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 64 وأسد الغابة ج 1 ص 301 وتاريخ الخميس ج 2 ص 258 والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 404 وقال: رواه الترمذي بسند حسن.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 240 ومسند أحمد ج 5 ص 156.
فكيف يجوز مع هذه الروايات الاعتبار بما قال القاضي؟.
تعليق