الحادي والاربعون : عيون أخبار الرضا (ع) - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 199 - 204 -
حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا : حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا قالا حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال : حدثني أبو الحسين صالح بن أبي حماد الرازي ، عن إسحاق بن حماد بن زيد قال : جمعنا يحيى بن أكثم القاضي قال أمرني المأمون باحضار جماعة من أهل الحديث وجماعة من أهل الكلام والنظر فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا ثم مضيت بهم ، فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لاعلمه بمكانهم ففعلوا فأعلمته فأمرني بإدخالهم فدخلوا ، فسلموا ، فحدثهم ساعة وآنسهم ثم قال : إني أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي هذا حجة فمن كان حاقنا أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته وانبسطوا وسلوا خفافكم وضعوا أرديتكم ففعلوا ما أمروا به فقال : يا أيها القوم إنما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم وامامكم ولا يمنعكم جلالتي ومكاني من قول الحق حيث كان ورد الباطل على من أتى به وأشفقوا على أنفسكم من النار وتقربوا إلى الله تعالى برضوانه وإيثار طاعته فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلا سلطه عليه فناظروني بجميع عقولكم إني رجل أزعم أن عليا عليه السلام خير البشر بعد رسول الله ص فإن كنت مصيبا فصوبوا قولي وإن كنت مخطئا فردوا علي وهلموا ، فإن شئتم سألتكم وإن شئتم سألتموني فقال له الذين يقولون بالحديث : بل نسألك ، فقال : هاتوا وقلدوا كلامكم رجلا واحدا منكم فإذا تكلم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد وإن أتى بخلل فسددوه ، فقال قائل منهم : إنما نحن نزعم أن خير الناس بعد رسول الله ص أبو بكر من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول الله ص أنه قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس فقال المأمون : الروايات كثيرة ولا بد من أن تكون كلها حقا أو كلها باطلا أو بعضها حقا أو بعضها باطلا ، فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا من قبل أن بعضها ينقض بعضا ، ولو كانت كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين ودروس الشريعة ، فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار وهو بعضها حق وبعضها باطل ، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها ليعتقد وينفي خلافه فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما اعتقده وأخذ به وروايتك هذه من الاخبار التي أدلتها باطلة في نفسها وذلك رسول الله ص احكم الحكماء وأولى الخلق بالصدق وأبعد الناس من الامر بالمحال وحمل الناس على التدين بالخلاف وذلك أن هذين الرجلين لا يخلوا من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين فإن كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما وهذا تكليف ما لا يطاق ، لأنك إذا اقتديت لواحد خالفت الاخر والدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة وردهم عمر أحرارا وأشار إلى أبي بكر بعزل خالد وبقتله بمالك بن نويرة ، فأبى أبو بكر عليه وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر ووضع عمر ديوان العطية ولم يفعله أبو بكر وأستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر ولهذا نظائر كثيرة . قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : في هذا فصل ولم يذكر المأمون لخصمه وهو أنهم لم يرووا أن النبي ص قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، وإنما رووا أبو بكر وعمر ، ومنهم من روى أبا بكر وعمر فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب اقتدوا باللذين من بعدي كتاب الله والعترة يا أبا بكر وعمر ومعنى قوله بالرفع : اقتدوا أيها الناس وأبو بكر وعمر بالذين من بعدي كتاب الله والعترة رجعنا إلى حديث المأمون ، فقال آخر من أصحاب الحديث فإن النبي ص قال : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فقال المأمون : هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم أنه ص آخى بين أصحابه وآخر عليا عليه السلام ، فقال له في ذلك ؟ فقال : وما أخرتك إلا لنفسي ، فأي الروايتين ثبتت بطلت الأخرى ؟ قال الآخران عليا عليه السلام قال : على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو وعمر ، وقال المأمون : هذا مستحيل من قبل النبي ص لو علم إنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد ومما يكذب هذه الرواية قول علي عليه السلام لما قبض النبي ص : وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي ولكني أشفقت أن يرجع الناس كفارا وقوله عليه السلام : أنى يكونان خيرا مني وقد عبدت الله تعالى قبلهما وعبدته بعدهما ؟ قال آخر : فإن أبا بكر أغلق بابه وقال : هل من مستقيل فأقيله ؟ فقال علي عليه السلام : قدمك رسول الله ص فمن ذا يؤخرك ؟ فقال المأمون : هذا باطل من قبل أن عليا عليه السلام قعد بيعة أبي بكر ورويتم أنه قعد عنها حتى قبضت فاطمة عليها السلام وأنها أوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها ووجه آخر وهو إنه أن كان النبي ص استخلفه فكيف كان له أن يستقيل وهو يقول للأنصار : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وقال آخر : إن عمرو بن العاص قال : يا نبي الله من أحب الناس إليك من النساء ؟ قال : عائشة من الرجال ؟ فقال : أبوها فقال المأمون : هذا باطل قبل إنكم رويتم : أن النبي ص وضع بين يديه طائر مشوي فقال اللهم أتني بأحب خلقك إليك فكان عليا عليه السلام فأي روايتكم تقبل ؟ فقال آخر : فإن عليا عليه السلام قال من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري قال المأمون كيف يجوز أن يقول علي عليه السلام : أجلد الحد على من لا يجب حد عليه فيكون متعديا لحدود الله عز وجل عاملا بخلاف أمره وليس تفضيل من فضله عليهما فرية وقد رويتم عن إمامكم أنه قال : وليتكم ولست بخيركم فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه أو علي عليه السلام على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه ؟ ولا بد له في قوله من أن يكون صادقا أو كاذبا فإن كان صادقا فأني عرف ذلك ؟ بوحي ؟ فالوحي منقطع أو بالتظني فالمتظني متحير أو بالنظر فالنظر مبحث ، وإن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب ، قال آخر : جاء أن النبي ص قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة قال المأمون : هذا الحديث محال لأنه لا يكون في الجنة كهل ويروى أن اشجعيه كانت عند النبي ( ص ) فقال : لا يدخل الجنة عجوز فبكت فقال لها النبي ص : إن الله تعالى يقول : ( إنا أنشأناهن انشآءا فجعلناهن أبكارا عربا أترابا فإن زعمتم إن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة فقد رويتم أن النبي ص قال للحسن والحسين : إنهما سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما قال آخر : فقد جاء أن النبي ص: قال : لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر قال المأمون : هذا محال لأن الله تعالى يقول إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) وقال تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوة مبعوثا ومن أخذ ميثاقا على النبوة مؤخرا ؟ قال آخر : إن النبي ص نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم فقال : إن الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة وبعمر خاصة فقال : المأمون : هذا مستحيل من قبل أن الله تبارك وتعال لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه ص فيكون عمر في الخاصة والنبي ص في العامة ، وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم : أن النبي ص قال : دخلت الجنة : فسمعت خفق نعلين ، فإذا بلال مولا أبي بكر سبقني إلى الجنة ، وإنما قالت الشيعة : علي عليه السلام خير من أبي بكر فقلتم عبد أبي بكر خير من الرسول ص لأن السابق أفضل من المسبوق وكما رويتم أن الشيطان يفر من ظل عمر والقى على لسان نبي الله ص وأنهن الغرانيق العلى ففر من عمر وألقى على لسان النبي ص بزعمكم الكفار ، قال آخر : قد قال النبي ص : لو نزل العذاب ما نجى إلا عمر بن الخطاب قال المأمون : هذا خلاف الكتاب أيضا ، لأن الله تعالى يقول لنبيه ص وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم فجعلتم عمر مثل الرسول ، قال آخر : فقد شهد النبي ص لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة فقال المأمون : لو كان هذا كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة : نشدتك بالله أمن المنافقين أنا ؟ فإن كان قد قال له النبي ص: أنت من أهل الجنة ولم يصدقه حتى ذكاة حذيفة فصدق حذيفة ولم يصدق النبي ص فهذا على غير الاسلام وإن كان قد صدق النبي ص فلم سأل حذيفة ؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما قال الآخر : قال النبي ص : وضعت في كفة الميزان ووضعت أمتي في كفة أخرى فرجحت بهم ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ، ثم عمر فرجح بهم ، ثم رفع الميزان فقال ، المأمون : هذا محال من قبل أنه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنه محال لأنه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف ترجح بما ليس ، فأخبروني بما يتفاضل الناس ؟ فقال بعضهم بالأعمال الصالحة قال : فأخبروني فممن فضل صاحبه على عهد النبي ص ثم أن المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي ص أيلحق به ؟ فإن قلتم : نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهادا وحجا وصوما وصلاة وصدقة من أحدهم ! قالوا : صدقت لا يلحق فاضل دهرنا لفاضل عصر النبي ص قال المأمون : فانظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل علي عليه السلام وقيسوا إليها ما رووا في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءا من اجزاء كثيرة فالقول قولكم وإن كانوا قد رووا في فضائل علي عليه السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تعدوه قال : فأطرق القوم جميعا فقال المأمون : ما لكم سكتم ؟ قالوا : قد أستقصينا ، قال المأمون : فأني أسألكم خبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيه ص ؟ قالوا : السبق إلى الاسلام لان الله تعالى يقول : ( السابقون السابقون أولئك المقربون قال : فهل علمتم أحدا أسبق من علي عليه السلام إلى الاسلام ؟ قالوا : إنه سبق حدثا لم يجر عليه حكم وأبو بكر أسلم كهلا قد جرى عليه الحكم وبين هاتين الحالتين فرق قال المأمون : فخبروني عن إسلام علي عليه السلام بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي ص فإن قلتم بإلهام فضلتموه على النبي ص لأن النبي ص لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعيا ومعرفا فإن قلتم بدعاء النبي ص فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى ؟ فإن قلتم : من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيه ص في قوله تعالى وما انا من المتكلفين ) وفي قوله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيه ص بدعاء علي عليه السلام من بين صبيان الناس وايثاره عليهم ، فدعاه ثقة به وعلما بتأييد الله تعالى وعلة أخرى خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلف خلقه ما لا يطيقون ؟ فإن قلتم : نعم فقد كفرتم وإن قلتم : لا فكيف يجوز أن يأمر نبيه ص بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنه وضعفه عن القبول وعلة أخرى هل رأيتم النبي ص دعا أحدا من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة علي عليه السلام ؟ فإن زعمتم أنه لم يدع غيره فهذه فضيلة لعلي عليه السلام على جميع صبيان الناس ثم قال : أي الأعمال بعد السبق إلى الايمان قالوا : الجهاد في سبيل الله ، قال : فهل تجدون لاحد من العشرة في الجهاد ما لعلي عليه السلام في جميع مواقف النبي ص من الأثر هذه ؟ بدر قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلا قتل علي عليه السلام منهم نيفا وعشرين وأربعون لسائر الناس فقال قائل : كان أبو بكر مع النبي ص في عريشة يدبرها فقال المأمون : لقد جئت بها عجيبة ! أكان يدبر دون النبي ص أو معه فيشركه أو لحاجة النبي( ص إلى رأي أبي بكر ؟ أي الثلاث أحب إليك أن تقول ؟ فقال : أعوذ بالله من أن أزعم أنه يدبر دون النبي ص أو يشركه أو بافتقار من النبي ص إليه قال : فما الفضيلة في العريش ؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلفه عن الحرب فيجب أن يكون كل متخلف فاضلا أفضل من المجاهدين والله عز وجل يقول : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما قال : إسحاق بن حماد بن زيد ثم قال لي : إقرأ هل أتى على الانسان حين من الدهر فقرأت حتى بلغت ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إلى قوله وكان سعيكم مشكورا (فقال : فيمن نزلت هذه الآيات : فقلت في علي عليه السلام قال : فهل بلغك أن عليا عليه السلام قال : حين أطعم المسكين واليتيم والأسير : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا على ما وصف الله عز وجل في كتابه ؟ فقلت : لا ، قال فإن الله تعالى عرف سريرة علي عليه السلام ونيته فأظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره فهل علمت أن الله تعالى وصف في شئ مما وصف في الجنة ما في هذه السورة ( قوارير من فضة قلت : لا قال : فهذه فضيلة أخرى فكيف تكون القوارير من فضة ؟ فقلت : لا أدري قال يريد كأنها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها وهذا مثل قوله ص يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير وعني به نساء كأنها القوارير رقة وقوله ص : ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحرا أي كأنه بحر من كثرة جريه وعدوه وكقول الله تعالى : ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ورائه عذاب غليظ أي كأنه يأتيه الموت ولو أتاه من مكان واحد مات ثم قال : يا إسحاق ألست ممن يشهد أن العشرة في الجنة ؟ فقلت : بلى ثم قال : أرأيت لو أن رجلا قال : ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا ، أكان عندك كافرا ؟ قلت لا قال أفرأيت لو قال ما أدري هذه السورة قرآن أم لا أكان عندك كافرا ؟ قلت بلى قال : أرى فضل الرجل يتأكد خبروني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي أصحيح عندك ؟ قلت : بلى قال : بان والله عنادك لا يخلوا هذا من أن يكون كما دعاه النبي ص أو يكون مردودا أو عرف الله الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه أو تزعم إن الله لم يعرف الفاضل من المفضول فأي الثلاث أحب إليك أن تقول به ؟ قال : إسحاق : فأطرقت ساعة ثم قلت : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول في أبي بكر : ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فنسبه الله عز وجل إلى صحبة نبيه ص فقال المأمون : سبحان الله ما أقل علمك باللغة والكتاب ؟ أما يكون الكافر صاحبا للمؤمن ؟ فأي فضيلة في هذا أما سمعت قول الله تعالى : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سويك رجلا فقد جعله له صاحبا وقال الهذلي شعرا : ‹ ولقد غدوت وصاحبي وحشية * تحت الرداء بصيرة بالمشرق وقال الأزدي شعرا :
ولقد ذعرت الوحش فيه وصاحبي * محض القوائم من هجان هيكل
فصير فرسه صاحبه وأما قوله إن الله معنا فان الله تبارك وتعالى مع البر والفاجر ، أما سمعت قوله تعالى : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا وأما قوله : لا تحزن فأخبرني من حزن أبي بكر أكان طاعة أو معصية فإن زعمت إنه طاعة فقد جعلت النبي ص ينهى عن الطاعة وهذا خلاف صفة الحكيم ، وإن زعمت أنه معصية فأي فضيلة للعاصي ؟
حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا : حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا قالا حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال : حدثني أبو الحسين صالح بن أبي حماد الرازي ، عن إسحاق بن حماد بن زيد قال : جمعنا يحيى بن أكثم القاضي قال أمرني المأمون باحضار جماعة من أهل الحديث وجماعة من أهل الكلام والنظر فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا ثم مضيت بهم ، فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لاعلمه بمكانهم ففعلوا فأعلمته فأمرني بإدخالهم فدخلوا ، فسلموا ، فحدثهم ساعة وآنسهم ثم قال : إني أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي هذا حجة فمن كان حاقنا أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته وانبسطوا وسلوا خفافكم وضعوا أرديتكم ففعلوا ما أمروا به فقال : يا أيها القوم إنما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم وامامكم ولا يمنعكم جلالتي ومكاني من قول الحق حيث كان ورد الباطل على من أتى به وأشفقوا على أنفسكم من النار وتقربوا إلى الله تعالى برضوانه وإيثار طاعته فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلا سلطه عليه فناظروني بجميع عقولكم إني رجل أزعم أن عليا عليه السلام خير البشر بعد رسول الله ص فإن كنت مصيبا فصوبوا قولي وإن كنت مخطئا فردوا علي وهلموا ، فإن شئتم سألتكم وإن شئتم سألتموني فقال له الذين يقولون بالحديث : بل نسألك ، فقال : هاتوا وقلدوا كلامكم رجلا واحدا منكم فإذا تكلم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد وإن أتى بخلل فسددوه ، فقال قائل منهم : إنما نحن نزعم أن خير الناس بعد رسول الله ص أبو بكر من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول الله ص أنه قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس فقال المأمون : الروايات كثيرة ولا بد من أن تكون كلها حقا أو كلها باطلا أو بعضها حقا أو بعضها باطلا ، فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا من قبل أن بعضها ينقض بعضا ، ولو كانت كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين ودروس الشريعة ، فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار وهو بعضها حق وبعضها باطل ، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها ليعتقد وينفي خلافه فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما اعتقده وأخذ به وروايتك هذه من الاخبار التي أدلتها باطلة في نفسها وذلك رسول الله ص احكم الحكماء وأولى الخلق بالصدق وأبعد الناس من الامر بالمحال وحمل الناس على التدين بالخلاف وذلك أن هذين الرجلين لا يخلوا من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين فإن كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما وهذا تكليف ما لا يطاق ، لأنك إذا اقتديت لواحد خالفت الاخر والدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة وردهم عمر أحرارا وأشار إلى أبي بكر بعزل خالد وبقتله بمالك بن نويرة ، فأبى أبو بكر عليه وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر ووضع عمر ديوان العطية ولم يفعله أبو بكر وأستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر ولهذا نظائر كثيرة . قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : في هذا فصل ولم يذكر المأمون لخصمه وهو أنهم لم يرووا أن النبي ص قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، وإنما رووا أبو بكر وعمر ، ومنهم من روى أبا بكر وعمر فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب اقتدوا باللذين من بعدي كتاب الله والعترة يا أبا بكر وعمر ومعنى قوله بالرفع : اقتدوا أيها الناس وأبو بكر وعمر بالذين من بعدي كتاب الله والعترة رجعنا إلى حديث المأمون ، فقال آخر من أصحاب الحديث فإن النبي ص قال : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فقال المأمون : هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم أنه ص آخى بين أصحابه وآخر عليا عليه السلام ، فقال له في ذلك ؟ فقال : وما أخرتك إلا لنفسي ، فأي الروايتين ثبتت بطلت الأخرى ؟ قال الآخران عليا عليه السلام قال : على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو وعمر ، وقال المأمون : هذا مستحيل من قبل النبي ص لو علم إنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد ومما يكذب هذه الرواية قول علي عليه السلام لما قبض النبي ص : وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي ولكني أشفقت أن يرجع الناس كفارا وقوله عليه السلام : أنى يكونان خيرا مني وقد عبدت الله تعالى قبلهما وعبدته بعدهما ؟ قال آخر : فإن أبا بكر أغلق بابه وقال : هل من مستقيل فأقيله ؟ فقال علي عليه السلام : قدمك رسول الله ص فمن ذا يؤخرك ؟ فقال المأمون : هذا باطل من قبل أن عليا عليه السلام قعد بيعة أبي بكر ورويتم أنه قعد عنها حتى قبضت فاطمة عليها السلام وأنها أوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها ووجه آخر وهو إنه أن كان النبي ص استخلفه فكيف كان له أن يستقيل وهو يقول للأنصار : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وقال آخر : إن عمرو بن العاص قال : يا نبي الله من أحب الناس إليك من النساء ؟ قال : عائشة من الرجال ؟ فقال : أبوها فقال المأمون : هذا باطل قبل إنكم رويتم : أن النبي ص وضع بين يديه طائر مشوي فقال اللهم أتني بأحب خلقك إليك فكان عليا عليه السلام فأي روايتكم تقبل ؟ فقال آخر : فإن عليا عليه السلام قال من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري قال المأمون كيف يجوز أن يقول علي عليه السلام : أجلد الحد على من لا يجب حد عليه فيكون متعديا لحدود الله عز وجل عاملا بخلاف أمره وليس تفضيل من فضله عليهما فرية وقد رويتم عن إمامكم أنه قال : وليتكم ولست بخيركم فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه أو علي عليه السلام على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه ؟ ولا بد له في قوله من أن يكون صادقا أو كاذبا فإن كان صادقا فأني عرف ذلك ؟ بوحي ؟ فالوحي منقطع أو بالتظني فالمتظني متحير أو بالنظر فالنظر مبحث ، وإن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب ، قال آخر : جاء أن النبي ص قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة قال المأمون : هذا الحديث محال لأنه لا يكون في الجنة كهل ويروى أن اشجعيه كانت عند النبي ( ص ) فقال : لا يدخل الجنة عجوز فبكت فقال لها النبي ص : إن الله تعالى يقول : ( إنا أنشأناهن انشآءا فجعلناهن أبكارا عربا أترابا فإن زعمتم إن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة فقد رويتم أن النبي ص قال للحسن والحسين : إنهما سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما قال آخر : فقد جاء أن النبي ص: قال : لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر قال المأمون : هذا محال لأن الله تعالى يقول إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) وقال تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوة مبعوثا ومن أخذ ميثاقا على النبوة مؤخرا ؟ قال آخر : إن النبي ص نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم فقال : إن الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة وبعمر خاصة فقال : المأمون : هذا مستحيل من قبل أن الله تبارك وتعال لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه ص فيكون عمر في الخاصة والنبي ص في العامة ، وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم : أن النبي ص قال : دخلت الجنة : فسمعت خفق نعلين ، فإذا بلال مولا أبي بكر سبقني إلى الجنة ، وإنما قالت الشيعة : علي عليه السلام خير من أبي بكر فقلتم عبد أبي بكر خير من الرسول ص لأن السابق أفضل من المسبوق وكما رويتم أن الشيطان يفر من ظل عمر والقى على لسان نبي الله ص وأنهن الغرانيق العلى ففر من عمر وألقى على لسان النبي ص بزعمكم الكفار ، قال آخر : قد قال النبي ص : لو نزل العذاب ما نجى إلا عمر بن الخطاب قال المأمون : هذا خلاف الكتاب أيضا ، لأن الله تعالى يقول لنبيه ص وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم فجعلتم عمر مثل الرسول ، قال آخر : فقد شهد النبي ص لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة فقال المأمون : لو كان هذا كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة : نشدتك بالله أمن المنافقين أنا ؟ فإن كان قد قال له النبي ص: أنت من أهل الجنة ولم يصدقه حتى ذكاة حذيفة فصدق حذيفة ولم يصدق النبي ص فهذا على غير الاسلام وإن كان قد صدق النبي ص فلم سأل حذيفة ؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما قال الآخر : قال النبي ص : وضعت في كفة الميزان ووضعت أمتي في كفة أخرى فرجحت بهم ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ، ثم عمر فرجح بهم ، ثم رفع الميزان فقال ، المأمون : هذا محال من قبل أنه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنه محال لأنه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف ترجح بما ليس ، فأخبروني بما يتفاضل الناس ؟ فقال بعضهم بالأعمال الصالحة قال : فأخبروني فممن فضل صاحبه على عهد النبي ص ثم أن المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي ص أيلحق به ؟ فإن قلتم : نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهادا وحجا وصوما وصلاة وصدقة من أحدهم ! قالوا : صدقت لا يلحق فاضل دهرنا لفاضل عصر النبي ص قال المأمون : فانظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل علي عليه السلام وقيسوا إليها ما رووا في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءا من اجزاء كثيرة فالقول قولكم وإن كانوا قد رووا في فضائل علي عليه السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تعدوه قال : فأطرق القوم جميعا فقال المأمون : ما لكم سكتم ؟ قالوا : قد أستقصينا ، قال المأمون : فأني أسألكم خبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيه ص ؟ قالوا : السبق إلى الاسلام لان الله تعالى يقول : ( السابقون السابقون أولئك المقربون قال : فهل علمتم أحدا أسبق من علي عليه السلام إلى الاسلام ؟ قالوا : إنه سبق حدثا لم يجر عليه حكم وأبو بكر أسلم كهلا قد جرى عليه الحكم وبين هاتين الحالتين فرق قال المأمون : فخبروني عن إسلام علي عليه السلام بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي ص فإن قلتم بإلهام فضلتموه على النبي ص لأن النبي ص لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعيا ومعرفا فإن قلتم بدعاء النبي ص فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى ؟ فإن قلتم : من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيه ص في قوله تعالى وما انا من المتكلفين ) وفي قوله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيه ص بدعاء علي عليه السلام من بين صبيان الناس وايثاره عليهم ، فدعاه ثقة به وعلما بتأييد الله تعالى وعلة أخرى خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلف خلقه ما لا يطيقون ؟ فإن قلتم : نعم فقد كفرتم وإن قلتم : لا فكيف يجوز أن يأمر نبيه ص بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنه وضعفه عن القبول وعلة أخرى هل رأيتم النبي ص دعا أحدا من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة علي عليه السلام ؟ فإن زعمتم أنه لم يدع غيره فهذه فضيلة لعلي عليه السلام على جميع صبيان الناس ثم قال : أي الأعمال بعد السبق إلى الايمان قالوا : الجهاد في سبيل الله ، قال : فهل تجدون لاحد من العشرة في الجهاد ما لعلي عليه السلام في جميع مواقف النبي ص من الأثر هذه ؟ بدر قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلا قتل علي عليه السلام منهم نيفا وعشرين وأربعون لسائر الناس فقال قائل : كان أبو بكر مع النبي ص في عريشة يدبرها فقال المأمون : لقد جئت بها عجيبة ! أكان يدبر دون النبي ص أو معه فيشركه أو لحاجة النبي( ص إلى رأي أبي بكر ؟ أي الثلاث أحب إليك أن تقول ؟ فقال : أعوذ بالله من أن أزعم أنه يدبر دون النبي ص أو يشركه أو بافتقار من النبي ص إليه قال : فما الفضيلة في العريش ؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلفه عن الحرب فيجب أن يكون كل متخلف فاضلا أفضل من المجاهدين والله عز وجل يقول : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما قال : إسحاق بن حماد بن زيد ثم قال لي : إقرأ هل أتى على الانسان حين من الدهر فقرأت حتى بلغت ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إلى قوله وكان سعيكم مشكورا (فقال : فيمن نزلت هذه الآيات : فقلت في علي عليه السلام قال : فهل بلغك أن عليا عليه السلام قال : حين أطعم المسكين واليتيم والأسير : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا على ما وصف الله عز وجل في كتابه ؟ فقلت : لا ، قال فإن الله تعالى عرف سريرة علي عليه السلام ونيته فأظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره فهل علمت أن الله تعالى وصف في شئ مما وصف في الجنة ما في هذه السورة ( قوارير من فضة قلت : لا قال : فهذه فضيلة أخرى فكيف تكون القوارير من فضة ؟ فقلت : لا أدري قال يريد كأنها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها وهذا مثل قوله ص يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير وعني به نساء كأنها القوارير رقة وقوله ص : ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحرا أي كأنه بحر من كثرة جريه وعدوه وكقول الله تعالى : ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ورائه عذاب غليظ أي كأنه يأتيه الموت ولو أتاه من مكان واحد مات ثم قال : يا إسحاق ألست ممن يشهد أن العشرة في الجنة ؟ فقلت : بلى ثم قال : أرأيت لو أن رجلا قال : ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا ، أكان عندك كافرا ؟ قلت لا قال أفرأيت لو قال ما أدري هذه السورة قرآن أم لا أكان عندك كافرا ؟ قلت بلى قال : أرى فضل الرجل يتأكد خبروني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي أصحيح عندك ؟ قلت : بلى قال : بان والله عنادك لا يخلوا هذا من أن يكون كما دعاه النبي ص أو يكون مردودا أو عرف الله الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه أو تزعم إن الله لم يعرف الفاضل من المفضول فأي الثلاث أحب إليك أن تقول به ؟ قال : إسحاق : فأطرقت ساعة ثم قلت : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول في أبي بكر : ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فنسبه الله عز وجل إلى صحبة نبيه ص فقال المأمون : سبحان الله ما أقل علمك باللغة والكتاب ؟ أما يكون الكافر صاحبا للمؤمن ؟ فأي فضيلة في هذا أما سمعت قول الله تعالى : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سويك رجلا فقد جعله له صاحبا وقال الهذلي شعرا : ‹ ولقد غدوت وصاحبي وحشية * تحت الرداء بصيرة بالمشرق وقال الأزدي شعرا :
ولقد ذعرت الوحش فيه وصاحبي * محض القوائم من هجان هيكل
فصير فرسه صاحبه وأما قوله إن الله معنا فان الله تبارك وتعالى مع البر والفاجر ، أما سمعت قوله تعالى : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا وأما قوله : لا تحزن فأخبرني من حزن أبي بكر أكان طاعة أو معصية فإن زعمت إنه طاعة فقد جعلت النبي ص ينهى عن الطاعة وهذا خلاف صفة الحكيم ، وإن زعمت أنه معصية فأي فضيلة للعاصي ؟
تعليق