ام النواصب عائشة بنت ابي بكر . الحلقة الرابعة
أم المؤمنين أم سلمة تحذر وتقف بوجه أم المؤمنين عائشة !!.
ومن الكلام المشهور الذي قيل : إن أم سلمة رحمها الله ، كتبت به إلى عائشة : إنك جنه بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أمته ، وإن الحجاب دونك لمضروب على حرمته ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ،[ ندح ] الندح بالضم : الأرض الواسعة ، والجمع أنداح . والمنادح : المفاوز . والمنتدح : المكان الواسع . وفى حديث أم سلمة أنها قالت لعائشة رضي الله عنهما : " قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه " ، أي لا توسعيه بالخروج إلى البصرة .الصحاح - الجوهري - ج 1 - ص 409 - 410 ط الرابعة سنة 1987 م ط دار العلم للملايين - بيروت – لبنان،الطبعة الأولى سنة 1956 م – القاهرة .
وسكن عقيراك فلا تصحريها ، قال ابن الأعرابي العقار هو المتاع المصون ورجل معقر كثير المتاع قال أبو محمد القتيبي العقيرى اسم مبني من عقر الدار ومنه حديث أم سلمة لعائشة : ( سكني عقيراك فلا تصحريها ) تريد الزمي بيتك . انظر معجم مقاييس اللغة - أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا - ج 4 - ص 95 مكتبة الإعلام الإسلامي .
لو أذكرتك قولة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفينها لنهشت بها نهش الرقشاء المطرقة . قلت : رقش : الرقش كالنقش ، والرقش والرقشة : لون فيه كدرة وسواد ونحوهما . جندب أرقش وحية رقشاء : فيها نقط سواد وبياض . وفي حديث أم سلمة : قالت لعائشة ، لو ذكرتك قولا تعرفينه نهشتني نهش الرقشاء المطرق : الرقشاء الأفعى ، سميت بذلك لترقيش في ظهرها وهي خطوط ونقط ، وإنما قالت المطرق لأن الحية تقع على الذكر والأنثى . لسان العرب - ابن منظور - ج 6 - ص 305 نشر أدب الحوزة - قم – إيران .
ما كنت قائله لرسول الله صلى الله عليه وآله لو لقيك ناصة قلوص قعودك من منهل إلى منهل قد تركت عهيداه ، وهتكت ستره ، إن عمود الدين لا يقوم بالنساء ، وصدعه لا يرأب بهن ، حماديات النساء خفض الأصوات وخفر الأعراض ، اجعلي قاعدة البيت قبرك حتى تلقينه ، وأنت على ذلك . فقالت عائشة : ما أعرفني بنصحك ، وأقبلني لوعظك ! وليس الأمر حيث تذهبين ، ما أنا بعمية عن رأيك ، فإن أقم ففي غير حرج ، وإن أخرج ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين . وقد ذكر هذا الحديث أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث في باب أم سلمة ، على ما أورده عليك ، قال : لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة ، أتتها أم سلمة ، فقالت لها : إنك سدة بين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكن عقيراك فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة ، لو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعهد إليك عهدا علت علت ، بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ، إن عمود الإسلام لا يثاب بالنساء إن مال ، ولا يرأب بهن إن صدع ، حماديات النساء غض الأطراف وخفر الإعراض وقصر الوهازة ، ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله عارضك بعد الفلوات ، ناصة قلوصا ، من منهل إلى آخر ، إن بعين الله مهواك ، وعلى رسوله تردين ، وقد وجهت سدافته - ويروى سجافته - وتركت عهيداه . لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا صلى الله عليه وسلم هاتكة حجابا ، وقد ضربه على ، اجعلي حصنك بيتك ، ووقاعة الستر قبرك ، حتى تلقينه ، وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله بالرقبة ، وأنصر ما تكون للدين ما حلت عنه . لو ذكرتك قولا تعرفينه لنهشت به نهش الرقشاء المطر قد . فقالت عائشة : ما أقبلني لوعظك ! وليس الأمر كما تظنين ، ولنعم المسير مسير فزعت فيه إلى فئتان متناجزتان - أو قالت متناحرتان - إن أقعد ففي غير حرج وإن أخرج فإلى ما لابد لي من الازدياد منه .[1]
وفي كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 2 - ص 454 – 456ط دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع .
خبر عائشة مع أم سلمة حين أرادت المسير إلى البصرة . قال : وأقبلت عائشة حتى دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي يومئذ بمكة ، فقالت لها : يا بنت أبي أمية ! إنك أول ظعينة هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنا بين بيتك ، وقد خبرت أن القوم استتابوا عثمان بن عفان حتى إذا تاب وثبوا عليه فقتلوه ، وقد أخبرني عبد الله بن عامر أن بالبصرة مائة ألف سيف يقتل فيها بعضهم بعضا ، فهل لك أن تسيري بنا إلى البصرة لعل الله تبارك وتعالى أن يصلح هذا الأمر على أيدينا ؟ قال : فقالت لها أم سلمة رحمة الله عليها : يا بنت أبي بكر ! بدم عثمان تطلبين ! والله لقد كنت من أشد الناس عليه ، وما كنت تسميه إلا نعثلا ، فما لك ودم عثمان ؟ وعثمان رجل من عبد مناف وأنت امرأة من بني تيم بن مرة ؟ ويحك يا عائشة ! أعلى علي وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرجين ؟ وقد بايعه المهاجرون والأنصار ؟ ثم جعلت أم سلمة رحمة الله عليها تُذَكّر عائشة فضائل علي رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير على الباب يسمع ذلك كله ، فصاح بأم سلمة وقال : يا بنت أبي أمية ! إننا قد عرفنا عداوتك لآل الزبير ، فقالت أم سلمة : والله لتوردنها ثم لا تصدرنها أنت ولا أبوك ! أتطمع أن يرضى المهاجرون والأنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعلي بن أبي طالب حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ فقال عبد الله بن الزبير : ما سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة قط ، فقالت أم سلمة رحمة الله عليها : إن لم تكن أنت سمعته قد سمعته خالتك عائشة وها هي فاسألها ! فقد سمعته صلى الله عليه وسلم يقول : ( علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني ) . أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا ؟ فقالت عائشة : اللهم نعم ! قالت أم سلمة رحمة الله عليها : فاتقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذرك الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب ، ولا يغرنك الزبير وطلحة فإنهما لا يغنيان عنك من الله شيئا . قال : فخرجت عائشة من عند أم سلمة وهي حنقة عليها ، ثم إنها بعثت إلى حفصة فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة ، فأجابتها حفصة إلى ذلك . قال : فعند ذلك أذن مؤذن طلحة والزبير بالمسير إلى البصرة ، فسار الناس في التعبية والآلة والسلاح وسارت معهم عائشة وهي تقول : اللهم ! إني لا أريد إلا الإصلاح بين المسلمين ، فأصلح بيننا إنك على كل شيء قدير .
ذكر كتاب أم سلمة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه تخبره بأمر عائشة وطلحة والزبير . قال : وكتبت أم سلمة رحمة الله عليها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لعبد الله علي أمير المؤمنين ، من أم سلمة بنت أبي أمية ، سلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ! فإن طلحة والزبير وعائشة وبنيها بني السوء وشيعة الضلال خرجوا مع ابن الجزار عبد الله بن عامر إلى البصرة ، يزعمون أن عثمان بن عفان قتل مظلوما وأنهم يطلبون بدمه ، والله كافيكم وجعل دائرة السوء عليهم إن شاء الله تعالى ، وتالله لولا ما نهى الله عز وجل عنه من خروج النساء من بيوتهن وما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته لشخصت معك ، ولكن قد بعثت إليك بأحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإليك ابني عمر بن أبي سلمة - والسلام - . قال : فجاء عمر بن أبي سلمة إلى علي رضي الله عنه فصار معه ، وكان له فضل وعبادة وعقل ، فأنشأ رجل من أصحاب علي رضي الله عنه يمدح أم سلمة وهو يقول أبياتا مطلعها : أم يا أمة لقيت الظفر ثم لا زلت تسقين المطر إلى آخرها .انتهى
وفي شرح النهج : " قالت : وأذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيسا [2]، وكان الحيس يعجبه فرفع رأسه وقال : يا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأذنب . تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكية عن الصراط . فرفعت يدي من الحيس فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك . ثم ضرب على ظهرك وقال : إياك أن تكونيها . ثم قال : يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها . يا حميراء أما أنا فقد أنذرتك " .[3]
قلت : ومن العجيب الغريب أن عائشة تطلب من أم سلمة أن تخرج معها ضد إمام زمانها علي بن أبي طالب ع ، لاسيما هي عالمة إن أم سلمة تحمل الولاء المطلق له ، ولعمري إن ذلك الولاء لم يكن إلا تطبيقا لما قاله النبي ص لهن من نصائح لذلك عندما سمعت ذلك أم سلمة تفجرت بوجه عائشة تذكرها بما قاله النبي ص من الأحداث التي تقع وأيضا ماقاله بحق علي ع . قال أبو مخنف : جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان ، فقالت لها : يا بنت أبي أمية ، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك ، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك ، فقالت أم سلمة : لأمر ما قلت هذه المقالة ، فقالت عائشة : إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان ، فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير ، وطلحة ، فأخرجي معنا ، لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا بنا ، فقالت أم سلمة : إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان ، وتقولين فيه أخبث القول ، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا ، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، أفأذكرك ؟ قالت : نعم ، قالت : أتذكرين يوم أقبل عليه السلام ونحن معه ، حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال ، خلا بعلي يناجيه ، فأطال ، فأردت أن تهجمي عليهما ، فنهيتك فعصيتني ، فهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية ، فقلت : ما شأنك ؟ فقلت : إني هجمت عليهما وهما يتناجيان ، فقلت لعلى ، ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام ، أفما تدعني يا بن أبي طالب ويومي ! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ، وهو غضبان محمر الوجه ، فقال : ارجعي وراءك ، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان ، فرجعت نادمة ساقطة ! قالت عائشة : نعم أذكر ذلك . قالت : وأذكرك أيضا ، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت تغسلين رأسه ، وأنا أحيس له حيسا ، وكان الحيس يعجبه ، فرفع رأسه ، وقال : ( يا ليت شعري ، أيتكن صاحبة الجمل إلا ذنب ، تنبحها كلاب الحوأب ، فتكون ناكبة عن الصراط ! ) ، فرفعت يدي من الحيس ، فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك ، ثم ضرب على ظهرك ، وقال : ( إياك أن تكونيها ) ، ثم قال : ( يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها يا حميراء ، أما أنا فقد أنذرتك ) ، قالت عائشة : نعم ، أذكر هذا . قالت : وإذ كرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر له ، وكان على يتعاهد نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخصفها ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعل ، فأخذها يومئذ يخصفها ، وقعد في ظل سمرة ، وجاء أبوك ومعه عمر ، فاستأذنا عليه ، فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أراد ، ثم قالا : يا رسول الله ، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعا ؟ فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ، ولو فعلت لتفرقتم عنه ، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران ، فسكتا ثم خرجا ، فلما خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت له ، وكنت أجرا عليه منا : من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم ؟ فقال : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا ، فقلت : يا رسول الله ، ما أرى إلا عليا فقال هو ذاك ، فقالت عائشة : نعم ، أذكر ذلك ، فقالت : فأي خروج تخرجين بعد هذا ؟ فقالت : إنما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله ، فقالت : أنت ورأيك . فانصرفت عائشة عنها ، وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى علي عليه السلام .[4]
قلت : هذه هي عائشة ام المؤمنين وهذه هي ام سلمة ام المؤمنين وللقارئ ان يرى الفرق بنفسه عن كلا الامرين والحمد لله رب العالمين .
الشيخ واثق الشمري
Alshaikh_alshimary@yahoo.com
[1]- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 6 - ص 219 - 221 دار إحياء الكتب العربية .
[2] - [ حيس ] الحيس : الخلط ، ومنه سمى الحيس ، وهو تمر يخلط بسمن وأقط . قال الراجز : التمر والسمن معا ثم الاقط الحيس إلا أنه لم يختلط تقول منه : حاس الحيس يحيسه حيسا ، أي اتخذه . قال الشاعر : وإذا تكون كريهة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب . ثم شبهت به العرب حتى قالوا لمن أحدقت به الإماء في طرفيه : محيوس . قال الراجز : قد حيس هذا الدين عندي حيسا . انظر الصحاح - الجوهري - ج 3 - ص 920 - 921 ط الرابعة سنة 1987 م ط دار العلم للملايين - بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى سنة 1956 م - القاهرة .
[3] - المعيار والموازنة - أبو جعفر الإسكافي - هامش ص 28ط 1981 م .
[4] - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 6 - ص 217 - 218 مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان .
أم المؤمنين أم سلمة تحذر وتقف بوجه أم المؤمنين عائشة !!.
ومن الكلام المشهور الذي قيل : إن أم سلمة رحمها الله ، كتبت به إلى عائشة : إنك جنه بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أمته ، وإن الحجاب دونك لمضروب على حرمته ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ،[ ندح ] الندح بالضم : الأرض الواسعة ، والجمع أنداح . والمنادح : المفاوز . والمنتدح : المكان الواسع . وفى حديث أم سلمة أنها قالت لعائشة رضي الله عنهما : " قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه " ، أي لا توسعيه بالخروج إلى البصرة .الصحاح - الجوهري - ج 1 - ص 409 - 410 ط الرابعة سنة 1987 م ط دار العلم للملايين - بيروت – لبنان،الطبعة الأولى سنة 1956 م – القاهرة .
وسكن عقيراك فلا تصحريها ، قال ابن الأعرابي العقار هو المتاع المصون ورجل معقر كثير المتاع قال أبو محمد القتيبي العقيرى اسم مبني من عقر الدار ومنه حديث أم سلمة لعائشة : ( سكني عقيراك فلا تصحريها ) تريد الزمي بيتك . انظر معجم مقاييس اللغة - أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا - ج 4 - ص 95 مكتبة الإعلام الإسلامي .
لو أذكرتك قولة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفينها لنهشت بها نهش الرقشاء المطرقة . قلت : رقش : الرقش كالنقش ، والرقش والرقشة : لون فيه كدرة وسواد ونحوهما . جندب أرقش وحية رقشاء : فيها نقط سواد وبياض . وفي حديث أم سلمة : قالت لعائشة ، لو ذكرتك قولا تعرفينه نهشتني نهش الرقشاء المطرق : الرقشاء الأفعى ، سميت بذلك لترقيش في ظهرها وهي خطوط ونقط ، وإنما قالت المطرق لأن الحية تقع على الذكر والأنثى . لسان العرب - ابن منظور - ج 6 - ص 305 نشر أدب الحوزة - قم – إيران .
ما كنت قائله لرسول الله صلى الله عليه وآله لو لقيك ناصة قلوص قعودك من منهل إلى منهل قد تركت عهيداه ، وهتكت ستره ، إن عمود الدين لا يقوم بالنساء ، وصدعه لا يرأب بهن ، حماديات النساء خفض الأصوات وخفر الأعراض ، اجعلي قاعدة البيت قبرك حتى تلقينه ، وأنت على ذلك . فقالت عائشة : ما أعرفني بنصحك ، وأقبلني لوعظك ! وليس الأمر حيث تذهبين ، ما أنا بعمية عن رأيك ، فإن أقم ففي غير حرج ، وإن أخرج ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين . وقد ذكر هذا الحديث أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث في باب أم سلمة ، على ما أورده عليك ، قال : لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة ، أتتها أم سلمة ، فقالت لها : إنك سدة بين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكن عقيراك فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة ، لو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعهد إليك عهدا علت علت ، بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ، إن عمود الإسلام لا يثاب بالنساء إن مال ، ولا يرأب بهن إن صدع ، حماديات النساء غض الأطراف وخفر الإعراض وقصر الوهازة ، ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله عارضك بعد الفلوات ، ناصة قلوصا ، من منهل إلى آخر ، إن بعين الله مهواك ، وعلى رسوله تردين ، وقد وجهت سدافته - ويروى سجافته - وتركت عهيداه . لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا صلى الله عليه وسلم هاتكة حجابا ، وقد ضربه على ، اجعلي حصنك بيتك ، ووقاعة الستر قبرك ، حتى تلقينه ، وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله بالرقبة ، وأنصر ما تكون للدين ما حلت عنه . لو ذكرتك قولا تعرفينه لنهشت به نهش الرقشاء المطر قد . فقالت عائشة : ما أقبلني لوعظك ! وليس الأمر كما تظنين ، ولنعم المسير مسير فزعت فيه إلى فئتان متناجزتان - أو قالت متناحرتان - إن أقعد ففي غير حرج وإن أخرج فإلى ما لابد لي من الازدياد منه .[1]
وفي كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 2 - ص 454 – 456ط دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع .
خبر عائشة مع أم سلمة حين أرادت المسير إلى البصرة . قال : وأقبلت عائشة حتى دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي يومئذ بمكة ، فقالت لها : يا بنت أبي أمية ! إنك أول ظعينة هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنا بين بيتك ، وقد خبرت أن القوم استتابوا عثمان بن عفان حتى إذا تاب وثبوا عليه فقتلوه ، وقد أخبرني عبد الله بن عامر أن بالبصرة مائة ألف سيف يقتل فيها بعضهم بعضا ، فهل لك أن تسيري بنا إلى البصرة لعل الله تبارك وتعالى أن يصلح هذا الأمر على أيدينا ؟ قال : فقالت لها أم سلمة رحمة الله عليها : يا بنت أبي بكر ! بدم عثمان تطلبين ! والله لقد كنت من أشد الناس عليه ، وما كنت تسميه إلا نعثلا ، فما لك ودم عثمان ؟ وعثمان رجل من عبد مناف وأنت امرأة من بني تيم بن مرة ؟ ويحك يا عائشة ! أعلى علي وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرجين ؟ وقد بايعه المهاجرون والأنصار ؟ ثم جعلت أم سلمة رحمة الله عليها تُذَكّر عائشة فضائل علي رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير على الباب يسمع ذلك كله ، فصاح بأم سلمة وقال : يا بنت أبي أمية ! إننا قد عرفنا عداوتك لآل الزبير ، فقالت أم سلمة : والله لتوردنها ثم لا تصدرنها أنت ولا أبوك ! أتطمع أن يرضى المهاجرون والأنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعلي بن أبي طالب حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ فقال عبد الله بن الزبير : ما سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة قط ، فقالت أم سلمة رحمة الله عليها : إن لم تكن أنت سمعته قد سمعته خالتك عائشة وها هي فاسألها ! فقد سمعته صلى الله عليه وسلم يقول : ( علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني ) . أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا ؟ فقالت عائشة : اللهم نعم ! قالت أم سلمة رحمة الله عليها : فاتقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذرك الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب ، ولا يغرنك الزبير وطلحة فإنهما لا يغنيان عنك من الله شيئا . قال : فخرجت عائشة من عند أم سلمة وهي حنقة عليها ، ثم إنها بعثت إلى حفصة فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة ، فأجابتها حفصة إلى ذلك . قال : فعند ذلك أذن مؤذن طلحة والزبير بالمسير إلى البصرة ، فسار الناس في التعبية والآلة والسلاح وسارت معهم عائشة وهي تقول : اللهم ! إني لا أريد إلا الإصلاح بين المسلمين ، فأصلح بيننا إنك على كل شيء قدير .
ذكر كتاب أم سلمة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه تخبره بأمر عائشة وطلحة والزبير . قال : وكتبت أم سلمة رحمة الله عليها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لعبد الله علي أمير المؤمنين ، من أم سلمة بنت أبي أمية ، سلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ! فإن طلحة والزبير وعائشة وبنيها بني السوء وشيعة الضلال خرجوا مع ابن الجزار عبد الله بن عامر إلى البصرة ، يزعمون أن عثمان بن عفان قتل مظلوما وأنهم يطلبون بدمه ، والله كافيكم وجعل دائرة السوء عليهم إن شاء الله تعالى ، وتالله لولا ما نهى الله عز وجل عنه من خروج النساء من بيوتهن وما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته لشخصت معك ، ولكن قد بعثت إليك بأحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإليك ابني عمر بن أبي سلمة - والسلام - . قال : فجاء عمر بن أبي سلمة إلى علي رضي الله عنه فصار معه ، وكان له فضل وعبادة وعقل ، فأنشأ رجل من أصحاب علي رضي الله عنه يمدح أم سلمة وهو يقول أبياتا مطلعها : أم يا أمة لقيت الظفر ثم لا زلت تسقين المطر إلى آخرها .انتهى
وفي شرح النهج : " قالت : وأذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيسا [2]، وكان الحيس يعجبه فرفع رأسه وقال : يا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأذنب . تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكية عن الصراط . فرفعت يدي من الحيس فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك . ثم ضرب على ظهرك وقال : إياك أن تكونيها . ثم قال : يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها . يا حميراء أما أنا فقد أنذرتك " .[3]
قلت : ومن العجيب الغريب أن عائشة تطلب من أم سلمة أن تخرج معها ضد إمام زمانها علي بن أبي طالب ع ، لاسيما هي عالمة إن أم سلمة تحمل الولاء المطلق له ، ولعمري إن ذلك الولاء لم يكن إلا تطبيقا لما قاله النبي ص لهن من نصائح لذلك عندما سمعت ذلك أم سلمة تفجرت بوجه عائشة تذكرها بما قاله النبي ص من الأحداث التي تقع وأيضا ماقاله بحق علي ع . قال أبو مخنف : جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان ، فقالت لها : يا بنت أبي أمية ، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك ، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك ، فقالت أم سلمة : لأمر ما قلت هذه المقالة ، فقالت عائشة : إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان ، فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير ، وطلحة ، فأخرجي معنا ، لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا بنا ، فقالت أم سلمة : إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان ، وتقولين فيه أخبث القول ، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا ، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، أفأذكرك ؟ قالت : نعم ، قالت : أتذكرين يوم أقبل عليه السلام ونحن معه ، حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال ، خلا بعلي يناجيه ، فأطال ، فأردت أن تهجمي عليهما ، فنهيتك فعصيتني ، فهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية ، فقلت : ما شأنك ؟ فقلت : إني هجمت عليهما وهما يتناجيان ، فقلت لعلى ، ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام ، أفما تدعني يا بن أبي طالب ويومي ! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ، وهو غضبان محمر الوجه ، فقال : ارجعي وراءك ، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان ، فرجعت نادمة ساقطة ! قالت عائشة : نعم أذكر ذلك . قالت : وأذكرك أيضا ، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت تغسلين رأسه ، وأنا أحيس له حيسا ، وكان الحيس يعجبه ، فرفع رأسه ، وقال : ( يا ليت شعري ، أيتكن صاحبة الجمل إلا ذنب ، تنبحها كلاب الحوأب ، فتكون ناكبة عن الصراط ! ) ، فرفعت يدي من الحيس ، فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك ، ثم ضرب على ظهرك ، وقال : ( إياك أن تكونيها ) ، ثم قال : ( يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها يا حميراء ، أما أنا فقد أنذرتك ) ، قالت عائشة : نعم ، أذكر هذا . قالت : وإذ كرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر له ، وكان على يتعاهد نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخصفها ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعل ، فأخذها يومئذ يخصفها ، وقعد في ظل سمرة ، وجاء أبوك ومعه عمر ، فاستأذنا عليه ، فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أراد ، ثم قالا : يا رسول الله ، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعا ؟ فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ، ولو فعلت لتفرقتم عنه ، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران ، فسكتا ثم خرجا ، فلما خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت له ، وكنت أجرا عليه منا : من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم ؟ فقال : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا ، فقلت : يا رسول الله ، ما أرى إلا عليا فقال هو ذاك ، فقالت عائشة : نعم ، أذكر ذلك ، فقالت : فأي خروج تخرجين بعد هذا ؟ فقالت : إنما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله ، فقالت : أنت ورأيك . فانصرفت عائشة عنها ، وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى علي عليه السلام .[4]
قلت : هذه هي عائشة ام المؤمنين وهذه هي ام سلمة ام المؤمنين وللقارئ ان يرى الفرق بنفسه عن كلا الامرين والحمد لله رب العالمين .
الشيخ واثق الشمري
Alshaikh_alshimary@yahoo.com
[1]- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 6 - ص 219 - 221 دار إحياء الكتب العربية .
[2] - [ حيس ] الحيس : الخلط ، ومنه سمى الحيس ، وهو تمر يخلط بسمن وأقط . قال الراجز : التمر والسمن معا ثم الاقط الحيس إلا أنه لم يختلط تقول منه : حاس الحيس يحيسه حيسا ، أي اتخذه . قال الشاعر : وإذا تكون كريهة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب . ثم شبهت به العرب حتى قالوا لمن أحدقت به الإماء في طرفيه : محيوس . قال الراجز : قد حيس هذا الدين عندي حيسا . انظر الصحاح - الجوهري - ج 3 - ص 920 - 921 ط الرابعة سنة 1987 م ط دار العلم للملايين - بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى سنة 1956 م - القاهرة .
[3] - المعيار والموازنة - أبو جعفر الإسكافي - هامش ص 28ط 1981 م .
[4] - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 6 - ص 217 - 218 مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان .
تعليق