الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من بُعث رحمة للعالمين محمد النبي العربي وآله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه المطيعين.
وبعد:
فهذا كتاب (مؤتمر علماء بغداد) الذي انعقد بين السنّة والشيعة الذين جمعهم الملك الكبير (ملك شاه سلجوقي) تحت اشراف العالم العظيم الوزير (نظام الملك)، وكان من قصّة ذلك:
ان الملك شاه لم يكن رجلاً متعصبّاً أعمى، يقلّد الآباء والأجداد عن عصبية وعمى، بل كان شاباً متفتّحاً محباً للعلم والعلماء وكان في نفس الوقت ولعاً باللهو والصيد والقنص.
أما وزيره (نظام المُلك) فقد كان رجلاً حكيماً فاضلاً، زاهداً عارفاً عن الدنيا، قويّ الإرادة، يحب الخير وأهله، يتحرّى الحقيقة دائماً، وكان يحب أهل بيت النبي حباً جماً كثيراً، وقد أسس المدرسة النظامية - في بغداد- وجعل لأهل العلم رواتب شهرية، وكان يحنو على الفقراء والمساكين.
حوار بين الملك وبعض جلسائه
وذات مرّة دخل على الملك شاه احد العلماء الكبار واسمه: (الحسين بن علي العلوي) وكان من كبار علماء الشيعة... ولمّا خرج العالم من عند الملك استهزء به بعض الحاضرين وغمزه فقال الملك: لماذا إستهزئتَ به؟ قال الرجل: ألا تعرف أيها الملك انه من الكفار الذين غضب الله عليهم ولعنهم؟ فقال الملك - متعجباً-: ولماذا؟ أليس مسلماً؟ فقال الرجل: كلا انه شيعي!، فقال الملك: ومامعنى الشيعي؟ أليس الشيعة هم فرقة من فرق المسلمين؟ قال الرجل: كلا انهم لايعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، قال الملك: وهل هناك مسلم لايعترف بإمامه هؤلاء الثلاثة؟ قال الرجل: نعم هؤلاء هم الشيعة، قال الملك: وإذا لايعترفون بإمامة هؤلاء الصحابة فلماذا يسميّهم الناس مسلمين؟ قال الرجل: ولذا قلت لك انهم كفار.... فتفكّر الملك مليّاً، ثم قال: لابد من إحضار الوزير نظام الملك لنرى جليّة الحال.
حوار الملك مع وزيره
والكلام حول السنة والشيعة
أحضر الملكُ نظامَ الملك وسأله عن الشيعة: هل هم مسلمون؟ قال نظام الملك: اختلف أهل السنة فطائفة منهم يقولون أنهم مسلمون لأنهم -أي الشيعة- يشهدون ان لاإله إلا الله وان محمداً رسول الله ويصلّون ويصومون، وطائفة منهم يقولون انهم كفار. قال الملك: وكم عددهم؟ فقال نظام الملك لاحصي عددهم كاملاً ولكنهم يشكّلون نصف المسلمين تقريباً. قال الملك: فهل نصف المسلمين كفار؟ قال الوزير: ان بعض أهل العلم يعتبرونهم كفاراً واني لاأُكفّرهم. قال الملك: فهل لك أيها الوزير أن تحضر علماء الشيعة وعلماء السنة لنرى جليّة الحال؟ قال الوزير: هذا أمر صعب واخاف على الملك والمملكة!.
قال الملك: لماذا؟ قال الوزير: لأن قضيّة الشيعة والسنة ليست قضية بسيطة، بل هي قضية حق وباطل قد أُريقت فيها الدماء، وأُحرقت فيها المكتبات، وأُسرت فيها نساء وأُلفّت فيها كتب وموسوعات وقامت لأجلها حروب!!
تعجب الملك الشاب من هذه القضية العجيبة، وفكّر مليّاً ثم قال: أيها الوزير انك تعلم ان الله أنعم علينا بالمُلك العريض، والجيش الكثيف فلا بد ان نشكر الله على هذه النعمة، ويكون شكرنا ان نتحرّى الحقيقة ونرشد الضال الى الصراط المستقيم، ولابد ان تكون إحدى هاتين الطائفتين على حق والأخرى على باطل، فلا بد ان نعرف الحق فنتبعه ونعرف الباطل فنتركه، فاذا هيّأت -أيها الوزير- مثل هذا المؤتمر بحضور العلماء من الشيعة والسنة بحضور القُوّاد والكتّاب وسائر أركان الدولة فاذا رأينا ان الحق مع السنة أدخلنا الشيعة في السنة بالقوة.
قال الوزير: وإذا لم يقبل الشيعة ان يدخلوا مذهب السنة فماذا تفعل؟ قال الملك الشاب: نقتلهم! فقال الوزير: وهل يمكن قتل نصف المسلمين؟ قال الملك: فما هو العلاج والحل. قال الوزير: ان تترك هذا الأمر.
إنتهى الحوار بين الملك ووزيره الحكيم العالم، ولكن بات الملك تلك الليلة متفكراً قلقاً ولم ينم الى الصباح، فكيف يستعصى عليه هذا الأمر المهم. وفي الصباح الباكر دعى نظام الملك وقال له: حسناً نستدعي علماء الطرفين، ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشات التي تدور بينهما ان الحق مع أيّهما، فان كان الحق مع مذهب السنة دعونا الشيعة بالحكمة والموعظة الحسنة ورغبناهم بالمال والجاه كما كان يفعل رسول الله (ص) مع المؤلّفة قلوبهم، وبذلك نتمكن من خدمة الاسلام والمسلمين، فقال الوزير: رأيك حسن ولكني أتخوّف من هذا المؤتمر! قال الملك: ولماذا الخوف؟ فقال الوزير: لأني أخاف ان يتغلّب الشيعة على السنّة وتُرجّح احتجاجاتهم علينا وبذلك يقول الناس في الشك والشبهة! فقال الملك: وهل يمكن ذلك؟ قال الوزير: نعم لأن الشيعة لهم أدلّة قاطعة وبراهين ساطعة من القرآن والأحاديث الشريفة على صحة مذهبهم، وحقيقة عقيدتهم! فلم يقتنع الملك بهذا الجواب من وزيره (نظام المُلك) وقال له لابد من إحضار علماء الطرفين لينكشف لنا الحق ونميّزه عن الباطل، فاستمهل الوزيرُ الملك الى شهر لتنفيذ الأمر، ولكن الملك الشاب لم يقبل ذلك... وأخيراً تقرر أن تكون لمدة خمسة عشر يوماً.
وبعد:
فهذا كتاب (مؤتمر علماء بغداد) الذي انعقد بين السنّة والشيعة الذين جمعهم الملك الكبير (ملك شاه سلجوقي) تحت اشراف العالم العظيم الوزير (نظام الملك)، وكان من قصّة ذلك:
ان الملك شاه لم يكن رجلاً متعصبّاً أعمى، يقلّد الآباء والأجداد عن عصبية وعمى، بل كان شاباً متفتّحاً محباً للعلم والعلماء وكان في نفس الوقت ولعاً باللهو والصيد والقنص.
أما وزيره (نظام المُلك) فقد كان رجلاً حكيماً فاضلاً، زاهداً عارفاً عن الدنيا، قويّ الإرادة، يحب الخير وأهله، يتحرّى الحقيقة دائماً، وكان يحب أهل بيت النبي حباً جماً كثيراً، وقد أسس المدرسة النظامية - في بغداد- وجعل لأهل العلم رواتب شهرية، وكان يحنو على الفقراء والمساكين.
حوار بين الملك وبعض جلسائه
وذات مرّة دخل على الملك شاه احد العلماء الكبار واسمه: (الحسين بن علي العلوي) وكان من كبار علماء الشيعة... ولمّا خرج العالم من عند الملك استهزء به بعض الحاضرين وغمزه فقال الملك: لماذا إستهزئتَ به؟ قال الرجل: ألا تعرف أيها الملك انه من الكفار الذين غضب الله عليهم ولعنهم؟ فقال الملك - متعجباً-: ولماذا؟ أليس مسلماً؟ فقال الرجل: كلا انه شيعي!، فقال الملك: ومامعنى الشيعي؟ أليس الشيعة هم فرقة من فرق المسلمين؟ قال الرجل: كلا انهم لايعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، قال الملك: وهل هناك مسلم لايعترف بإمامه هؤلاء الثلاثة؟ قال الرجل: نعم هؤلاء هم الشيعة، قال الملك: وإذا لايعترفون بإمامة هؤلاء الصحابة فلماذا يسميّهم الناس مسلمين؟ قال الرجل: ولذا قلت لك انهم كفار.... فتفكّر الملك مليّاً، ثم قال: لابد من إحضار الوزير نظام الملك لنرى جليّة الحال.
حوار الملك مع وزيره
والكلام حول السنة والشيعة
أحضر الملكُ نظامَ الملك وسأله عن الشيعة: هل هم مسلمون؟ قال نظام الملك: اختلف أهل السنة فطائفة منهم يقولون أنهم مسلمون لأنهم -أي الشيعة- يشهدون ان لاإله إلا الله وان محمداً رسول الله ويصلّون ويصومون، وطائفة منهم يقولون انهم كفار. قال الملك: وكم عددهم؟ فقال نظام الملك لاحصي عددهم كاملاً ولكنهم يشكّلون نصف المسلمين تقريباً. قال الملك: فهل نصف المسلمين كفار؟ قال الوزير: ان بعض أهل العلم يعتبرونهم كفاراً واني لاأُكفّرهم. قال الملك: فهل لك أيها الوزير أن تحضر علماء الشيعة وعلماء السنة لنرى جليّة الحال؟ قال الوزير: هذا أمر صعب واخاف على الملك والمملكة!.
قال الملك: لماذا؟ قال الوزير: لأن قضيّة الشيعة والسنة ليست قضية بسيطة، بل هي قضية حق وباطل قد أُريقت فيها الدماء، وأُحرقت فيها المكتبات، وأُسرت فيها نساء وأُلفّت فيها كتب وموسوعات وقامت لأجلها حروب!!
تعجب الملك الشاب من هذه القضية العجيبة، وفكّر مليّاً ثم قال: أيها الوزير انك تعلم ان الله أنعم علينا بالمُلك العريض، والجيش الكثيف فلا بد ان نشكر الله على هذه النعمة، ويكون شكرنا ان نتحرّى الحقيقة ونرشد الضال الى الصراط المستقيم، ولابد ان تكون إحدى هاتين الطائفتين على حق والأخرى على باطل، فلا بد ان نعرف الحق فنتبعه ونعرف الباطل فنتركه، فاذا هيّأت -أيها الوزير- مثل هذا المؤتمر بحضور العلماء من الشيعة والسنة بحضور القُوّاد والكتّاب وسائر أركان الدولة فاذا رأينا ان الحق مع السنة أدخلنا الشيعة في السنة بالقوة.
قال الوزير: وإذا لم يقبل الشيعة ان يدخلوا مذهب السنة فماذا تفعل؟ قال الملك الشاب: نقتلهم! فقال الوزير: وهل يمكن قتل نصف المسلمين؟ قال الملك: فما هو العلاج والحل. قال الوزير: ان تترك هذا الأمر.
إنتهى الحوار بين الملك ووزيره الحكيم العالم، ولكن بات الملك تلك الليلة متفكراً قلقاً ولم ينم الى الصباح، فكيف يستعصى عليه هذا الأمر المهم. وفي الصباح الباكر دعى نظام الملك وقال له: حسناً نستدعي علماء الطرفين، ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشات التي تدور بينهما ان الحق مع أيّهما، فان كان الحق مع مذهب السنة دعونا الشيعة بالحكمة والموعظة الحسنة ورغبناهم بالمال والجاه كما كان يفعل رسول الله (ص) مع المؤلّفة قلوبهم، وبذلك نتمكن من خدمة الاسلام والمسلمين، فقال الوزير: رأيك حسن ولكني أتخوّف من هذا المؤتمر! قال الملك: ولماذا الخوف؟ فقال الوزير: لأني أخاف ان يتغلّب الشيعة على السنّة وتُرجّح احتجاجاتهم علينا وبذلك يقول الناس في الشك والشبهة! فقال الملك: وهل يمكن ذلك؟ قال الوزير: نعم لأن الشيعة لهم أدلّة قاطعة وبراهين ساطعة من القرآن والأحاديث الشريفة على صحة مذهبهم، وحقيقة عقيدتهم! فلم يقتنع الملك بهذا الجواب من وزيره (نظام المُلك) وقال له لابد من إحضار علماء الطرفين لينكشف لنا الحق ونميّزه عن الباطل، فاستمهل الوزيرُ الملك الى شهر لتنفيذ الأمر، ولكن الملك الشاب لم يقبل ذلك... وأخيراً تقرر أن تكون لمدة خمسة عشر يوماً.
تعليق