كان السيد ( رحمة ) مثالاً جامعاً لصفات الجمال والجلال والكمال .. كان مثال القوة والرحمة ونجدة الملهوف والعطف على الأرملة والمسكين ..
وكان هناك شاب يتفجر فتوة وقوة وكرماً يسمى ( كمال ) هو ابن عم السيد رحمة , وكان يكثر التردد على بيته .. فوجد فيه السيد رحمة مثال الشاب الصالح الذي يصلح أن يحمل رسالته الخيرية من بعده للناس , فزوجه السيد رحمة من ابنته الكريمة الصفات العذراء البتول ( روح ) .. وأنجبا توأمين اسمهما ( حسن ) و ( حسين ) ..
تربى حسن وحسين في بيت السيد رحمة وفي بيت السيد كمال والسيدة روح , حتى تشبعوا بكرم الصفات وصالح ومكارم الأخلاق ..
كبر حسن وحسين حتى تزوج كل منهم ..
وأنجب حسن : فتاة جميلة مرهفة المشاعر اسمها ( صفاء ) ومولود جميل اسمه ( ناظر )
وأنجب حسين : فتيان جميلان قويان , شديدا البأس هما ( عنتر ) و ( ناصر ) ..
وتبادلت صفاء وعنتر مشاعر الحب والمودة منذ نعومة أظفارهما ونمت هذه العلاقة يوماً بعد يوم كما تنمو الزرعة الصغيرة حتى صارت شجرة كبيرة وارفة الظلال , حتى انتهت بالزواج .. تزوج عنتر من صفاء وأنجبا طفلين جميلين أحدهما ذكر اسمه ( براء ) و الآخر أنثى اسمها ( وفاء ) ..
وكانت هناك جزيرة تسمى ( جزيرة الشر ) يستغيث أهلها نساء وأطفالاً بالسيد رحمة من بطش ( سياف ) وابنه ( الضبع ) وعلوهم عليهم وخساسة صفاتهم ..
رق قلب السيد رحمة لأهل الجزيرة .. وعزم هذا السيد على الرحيل إليها لتأليف قلب سياف وابنه وتنحيتهم عن الرياسة والملك وتعيين الشخص المناسب ..
حزم السيد رحمة متاعه واصطحب معه صهره الفتى الشجاع الكريم الصفات السيد ( كمال ) , والشيخين ( جمال وجلال ) من خواص أصحابه .. وجملة من المقاتلين الشجعان الأوفياء المحبين للسيد ( رحمة ) الفادين له بأرواحهم ..
ولما نزلوا أرض جزيرة الشر استقبله سياف بجيشه وعلى مقدمة الجيش ابنه الضبع .. ودارت بين الجيشان معركة طاحنة انتهت بهزيمة منكرة لسياف وابنه , ووقعوا في الأسر فعفى عنهم السيد رحمة وألّف قلوبهم بالمال , ورجعوا بِخُفَّي حُنَين مطأطئي الرؤوس ..
واستولى السيد رحمة على الجزيرة وأطلق عليها ( جزيرة الخير ) وعلم أن سياف يضمر الحقد عليه لأنه تسبب في عزله عن الرياسة والسلطة على الناس , فأراد السيد رحمة أن يؤلف قلبه فأعلن ( ان من دخر دار سياف فهو آمن ) ..
واحتفل أهل جزيرة الخير بالسيد رحمة وجعلوه ملكاً عليهم وبذلوا له الغالي والنفيس وعاهدوه على الموالاة والنصرة فدعى لهم بخير وطمأنهم من خوف ..
ازداد حنق سياف وابنه على السيد رحمة واجتمعوا في دار السيدة ( نادية ) مع بضعة نفر من أصحاب المصالح المشتركة ومن اهمهم وأكثرهم تأثيراً ( وهبي ) , وعقدوا فيها مؤتمراً سرياً برئاسة شخص شرير كريه المنظر والمخبر يكره السيد رحمة , يسمى ( عذاب ) ليتشاوروا كيف يتم لهم القضاء على السيد رحمة .. وكان هناك تقارب شديد بين صورة عذاب وبين صورة ( وهبي ) في قاعة الاجتماع حتى لم يكد يستطع الحاضرون التفرقة بينهما في لشدة تجانس الصورة والسريرة ..
سياف : لقد استفحل أمر السيد رحمة وصار خطراً على مصالحنا ومُلكِنا , فما العمل !
الضبع : لنشوه صورته أمام الناس , ونقول أن أبواه كانا كافرين ..
سياف : هذا غير كاف في القضاء عليه , فإن الناس تحبه لأبعد حد هو وصهره ولن يصدّقونا ..
وهنا نطق عذاب فقال : أرى أن الحل الأمثل أن نقوم باغتياله خفية دون أن يشعر بنا أحد
سياف : وكيف هذا يا حكيم جزيرة الشر !
عذاب : إن الفكرة التي طرحها الضبع أنا الذي أخبرته بها , ولكني لم أخبره عن الخطةِ كاملةً وآثرتُ أن أطرحها هنا سراً كي لا تذاع ..
سياف : تفضل هات ما عندك ! أسرع !
عذاب : إن الناس تعتقد في السيد رحمة أن له قدرات لا نملكها نحن , وأن له منزلة خاصة عند ربه , وأنه مجاب الدعاء , وهذا هو سر تعلق الناس به لظنهم أنه ( رحمة ) أرسلها الله إليهم هنا في جزيرتنا جزيرة الشر ..
سأحاول قتله .. ولكني لن استطيع ذلك .. فالسيد رحمة مؤيد ومعصوم من الأذى والقتل ..
ولذلك فإن الحل الأمثل لنقضي على السيد رحمة دون شوشرة , أن نقتله ( معنوياً ) في قلوب أتباعه وأنصاره .. وذلك بأن نغزوهم فكرياً من خلال صديقي ورفيق طريقي ( وهبي ) ونغير فكرتهم المقدسة عن السيد رحمة .. فإذا باتوا يعتقدون أنه لا فرق بينك يا سياف وبينه كبشر فسوف يتهيأ لنا الطقس لإعادة مجدنا المسلوب ومنزلتنا في قلوب الناس من جديد ..
الضبع : هذا في حياته , لكن ماذا بعد مماته ؟ ألن يذهب الناس إلى قبره طالبين منه الدعاء لقضاء حوائجهم عند ربه ؟
وهبي : هذه مهمتي أنا يا ضبع .. لا تخف ولا تقلق , إذا مات السيد رحمة فسوف أجتهد في ترهيب الناس من التعلق به وبدعائه المزعوم , وسوف أستعين لتسهيل هذه المهمة الشاقة بحيلة مؤثرة أملاها عليّ حكيم الجزيرة صديقي ( عذاب ) وهي :
أن أقول لهم : ( ان طلبكم الدعاء من السيد رحمة في حياته كان طعناً في ايمانكم بالله القائل ( واذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) فلماذا تطلبون منه الدعاء أصلاً ؟ هل تركتم عبادة مناة وهُبَل لتعبدوا السيد رحمة ؟
فإذا مات السيد رحمة كان لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم شيئا ! وكانت عبادتكم لله وحده أولى وأولى ! ) ..
هنا أشرق وجه عذاب واستراح قلبه , وتهلل وجه سياف وابنه الضبع وأمعنوا في الضحك قائلين للمدعو عذاب : ( لله درك يا أبا الحَكَم .. من تأتي بهذه الأفكار يا رجل .. )
وانفض الاجتماع على هذه التوصية , ورجع وفد الشر مسرورين وقضوا ليلتهم في العربدة والزنا وشرب الخمر ..
[ وكان القوم يعلمون أن طلب الدعاء من العبد حياً أو ميتاً لا تعتبر من الشر فضلاً عن الشرك ! وإنما هم لم يفرقوا بين العبادة والطلب الدعاء , بين الشفاعة الشركية والشفاعة الشرعية .. بين التوسل بالنبي ( مع اعتقاد أنه عبد الله ورسوله ) , وبين الطلب من اللات والعزى ( مع اعتقاد أنها آلهة مع الله وليست عبيداً ) .. ]
مرت الأيام ووفد دار السيدة نادية صامتون مترقبون ساعة وفاة السيد رحمة .. وكانوا لا يبالون بطاعته أثناء حياته ولا يرفعون بذلك رأسا , ومن ذلك أن دعى السيد رحمة ( الضبعُ ) ذات يوم ليحضر عنده وكان يأكل , فأرسل إليه رسولاً والثاني والثالث فلم يأتِ وآثر الطعام على أمر السيد رحمة لقلة تعظيم منزلته في قلبه .. فرأى السيد رحمة هذه الحقيقة بنور ربه فدعى على الضبع وقال : لا أشبع الله بطنه .. ومنذ تلك الساعة والضبع لا يزيد في الدنيا إلا طمعاً وجمعاً وحباً للرياسة , وكان يأكل عدل عشرة رجال ولا يشبع .. فازداد حنقه وكراهيته للسيد رحمة هو وسياف وأضمرا مزيداً من الشر له وللسيد كمال والسيدة روح وابناءهما وعنتر وناصر على وجه الخصوص ..
وحانت ساعة وفاته , وجمع حوله ابنته ( روح ) وزوجها السيد كمال , وابنيهما حسن وحسين , وأحفاده عنتر وناصر , وصفاء وناظر , والشيخين جمال وجلال .. وأخبر أنه سيذهب وسوف يخلفه - على رأس كل مائة سنة - مجدداً لدعوة الخير التي أتى بها يمثله من بعده ويرث أحواله وعلومه كأنه هو حاضر معهم , وأن هذا هو معنى قوله تعالى ( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم .. ) وأن بيعة المجدد واجبة في عنق كل مسلم و ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) وأن البحث عن المجدد أمر واجب للسلامة من التفرقة والتشرذم والتيه بين أئمة الضلال ومحبي الرياسة والسلطة .. وأن خاتم المجددين سيكون اسمه أحمد ولقبه المهدي .. وأنه سيكون له أعداء من داخل الجزيرة وخارجها ..
وأوصى الكل بلزوم التحاب والتواد وعدم التفرقة والوقوف صفاً واحداً أمام مكر سياف وابنه وأخبر أنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولكن قلوبهم قلوب ذئاب .. وأصى الكل بطاعة عنتر وأنه يمثل السيد رحمة بعد رحيله وقال ( تركت فيكم أمرينإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعليكم بطاعة عنتر .. لقد علِم السيد رجمة أن الضبع ورجاله سوف يملكون زمام الأمور وأنهم ربما يبدلون كلامه وتعاليمه , ولذلك سد عليهم هذا الباب وأتى لأهل الجزيرة بصمام أمان هو السيد عنتر .. فهذا هو الوحيد الذي يعد مخزن علوم السيد رحمة وفتاه المخلص القوي الأمين ..
وأخبر السيد رحمة أن السيد كمال وابنه حسين سوف يقتلهما معسكر سياف وابنه .. فاسترجعا وحمدا الله على كل حال , وعلما أن الأمر جلل وأن في أعناقهما رسالة كبيرة لابد من تأديتها خدمة لأهل جزيرة الخير ..
وانتقل السيد رحمة إلى جوار ربه ..
وصاح الناس غير مصدقين أنه قد انتقل ! وكان ظنهم أنه لن يموت لأنه مظهر الرحمة الالهية ورحمة الله تعالى لا تغيب !
وصاح السيد جلال : أن من قال أن السيد رحمة قد مات قتلته بسيفي هذا ! بل ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى وسيرجع مرة أخرى ..
ثم قام السيد جمال وهدأ من روع الناس , وأخبرهم أن الله تعالى قد كتب الموت على كل بني آدم .. وأن السيد رحمة قد مات ولكنه سيرجع مرة أخرى في كل عصر في صورة مجدد حتى ينتهي الزمان بظهوره في صورة السيد ( مهدي ) ..
وفعلاً اقتنع الناس بهذا .. وانطفأت الفتنة , وبايعوا السيد جمال على الخلافة , وامتنع البعض عنها لاعتقاده ان السيد كمال أحق بها لقرابته من السيد رحمة .. ولكن السيد كمال كان سيفه قد أمعن القتل في جميع أنحاء الجزيرة ولا يخلو بيت من قتيل على يده من أتباع سياف وابنه .. ولذلك كان من المناسب تماماً أن تتأخر خلافته قليلاً حتى تهدأ ثورة سياف وابنه إذ تمت تنحيتهما عن السلطة منذ قليل ..
وحانت ساعة سياف وحضر أجله , فأتى إليه ابنه الضبع وتبادلا الحديث قبل رحيله بحسرته ..
سياف : أرأيت يا بني كيف يموت أبيك بحسرته ذليلاً لا سلطان له ولا جاه ؟
الضبع : إن رحمة هو السبب ..
سياف : انظر يا بني كيف وضع على ظهورنا علامة وكتب عليها ( الطلقاء ) ؟ وقد كنا سادة العرب وسادة الجزيرة ؟
الضبع : سوف أنتقم منه يا أبتِ وسوف أسعى جاهداً في استعادة الملك منه ومن ذريته من بعده ..
ومات سياف بحسرته والضبع ينظر .. فازداد حقده على السيد رحمة وذريته .. وصمم على الانتقام لأبيه دون أن يشعر به أحد , وقد كان أدهى العرب , وعيب على أدهى العرب أن يسمح لأحد أن يكشف أمره ..
فكان أول ما صنع أن سعى للإمارة في خلافة السيد جمال والسيد جلال وتولى الإمارة فعلاً كأحد عُمالهم على ناحية من نواحي الجزيرة وقد كان قبل ذلك من الأسرى الطُلَقاء الذين عفى عنهم السيد رحمة ..
وقد علق السيد رحمة على ظهورهم شعاراً كي يعرفوا به , ولئلا تكون لهم شوكة من بعد ذلك في الدولة .. وأخذ السيد رحمة بالاسباب , ولكن السيد جلال اجتهد فمنع استمرار هذا الشعار وكان هذا اجتهاداً خاطئاً منه بلا شك |أدى إلى تسلق الطلقاء إلى الحكم بعد مساواتهم بالمهاجرين والأنصار , وأدى إلى إحداث فتنة كبيرة غيرت مجرى التاريخ ..
الضبع : يا أبتِ ! ها أنا أنفذ الخطة مُحكمة وأسعى سعياً حثيثاً بطيئاً لكن ثمرته مؤكدة , سوف أستعيد مُلكك من ذرية السيد رحمة ..
ومرت الأيام وتولى الخلافة السيد كمال صهر السيد رحمة , وكان الضبع قد تسلق إلى الإمارة من قبل , فانشق عليه ولم يزدد إلا تصميماً على تنفيذ خطته ..
وكان هناك شاب يتفجر فتوة وقوة وكرماً يسمى ( كمال ) هو ابن عم السيد رحمة , وكان يكثر التردد على بيته .. فوجد فيه السيد رحمة مثال الشاب الصالح الذي يصلح أن يحمل رسالته الخيرية من بعده للناس , فزوجه السيد رحمة من ابنته الكريمة الصفات العذراء البتول ( روح ) .. وأنجبا توأمين اسمهما ( حسن ) و ( حسين ) ..
تربى حسن وحسين في بيت السيد رحمة وفي بيت السيد كمال والسيدة روح , حتى تشبعوا بكرم الصفات وصالح ومكارم الأخلاق ..
كبر حسن وحسين حتى تزوج كل منهم ..
وأنجب حسن : فتاة جميلة مرهفة المشاعر اسمها ( صفاء ) ومولود جميل اسمه ( ناظر )
وأنجب حسين : فتيان جميلان قويان , شديدا البأس هما ( عنتر ) و ( ناصر ) ..
وتبادلت صفاء وعنتر مشاعر الحب والمودة منذ نعومة أظفارهما ونمت هذه العلاقة يوماً بعد يوم كما تنمو الزرعة الصغيرة حتى صارت شجرة كبيرة وارفة الظلال , حتى انتهت بالزواج .. تزوج عنتر من صفاء وأنجبا طفلين جميلين أحدهما ذكر اسمه ( براء ) و الآخر أنثى اسمها ( وفاء ) ..
وكانت هناك جزيرة تسمى ( جزيرة الشر ) يستغيث أهلها نساء وأطفالاً بالسيد رحمة من بطش ( سياف ) وابنه ( الضبع ) وعلوهم عليهم وخساسة صفاتهم ..
رق قلب السيد رحمة لأهل الجزيرة .. وعزم هذا السيد على الرحيل إليها لتأليف قلب سياف وابنه وتنحيتهم عن الرياسة والملك وتعيين الشخص المناسب ..
حزم السيد رحمة متاعه واصطحب معه صهره الفتى الشجاع الكريم الصفات السيد ( كمال ) , والشيخين ( جمال وجلال ) من خواص أصحابه .. وجملة من المقاتلين الشجعان الأوفياء المحبين للسيد ( رحمة ) الفادين له بأرواحهم ..
ولما نزلوا أرض جزيرة الشر استقبله سياف بجيشه وعلى مقدمة الجيش ابنه الضبع .. ودارت بين الجيشان معركة طاحنة انتهت بهزيمة منكرة لسياف وابنه , ووقعوا في الأسر فعفى عنهم السيد رحمة وألّف قلوبهم بالمال , ورجعوا بِخُفَّي حُنَين مطأطئي الرؤوس ..
واستولى السيد رحمة على الجزيرة وأطلق عليها ( جزيرة الخير ) وعلم أن سياف يضمر الحقد عليه لأنه تسبب في عزله عن الرياسة والسلطة على الناس , فأراد السيد رحمة أن يؤلف قلبه فأعلن ( ان من دخر دار سياف فهو آمن ) ..
واحتفل أهل جزيرة الخير بالسيد رحمة وجعلوه ملكاً عليهم وبذلوا له الغالي والنفيس وعاهدوه على الموالاة والنصرة فدعى لهم بخير وطمأنهم من خوف ..
ازداد حنق سياف وابنه على السيد رحمة واجتمعوا في دار السيدة ( نادية ) مع بضعة نفر من أصحاب المصالح المشتركة ومن اهمهم وأكثرهم تأثيراً ( وهبي ) , وعقدوا فيها مؤتمراً سرياً برئاسة شخص شرير كريه المنظر والمخبر يكره السيد رحمة , يسمى ( عذاب ) ليتشاوروا كيف يتم لهم القضاء على السيد رحمة .. وكان هناك تقارب شديد بين صورة عذاب وبين صورة ( وهبي ) في قاعة الاجتماع حتى لم يكد يستطع الحاضرون التفرقة بينهما في لشدة تجانس الصورة والسريرة ..
سياف : لقد استفحل أمر السيد رحمة وصار خطراً على مصالحنا ومُلكِنا , فما العمل !
الضبع : لنشوه صورته أمام الناس , ونقول أن أبواه كانا كافرين ..
سياف : هذا غير كاف في القضاء عليه , فإن الناس تحبه لأبعد حد هو وصهره ولن يصدّقونا ..
وهنا نطق عذاب فقال : أرى أن الحل الأمثل أن نقوم باغتياله خفية دون أن يشعر بنا أحد
سياف : وكيف هذا يا حكيم جزيرة الشر !
عذاب : إن الفكرة التي طرحها الضبع أنا الذي أخبرته بها , ولكني لم أخبره عن الخطةِ كاملةً وآثرتُ أن أطرحها هنا سراً كي لا تذاع ..
سياف : تفضل هات ما عندك ! أسرع !
عذاب : إن الناس تعتقد في السيد رحمة أن له قدرات لا نملكها نحن , وأن له منزلة خاصة عند ربه , وأنه مجاب الدعاء , وهذا هو سر تعلق الناس به لظنهم أنه ( رحمة ) أرسلها الله إليهم هنا في جزيرتنا جزيرة الشر ..
سأحاول قتله .. ولكني لن استطيع ذلك .. فالسيد رحمة مؤيد ومعصوم من الأذى والقتل ..
ولذلك فإن الحل الأمثل لنقضي على السيد رحمة دون شوشرة , أن نقتله ( معنوياً ) في قلوب أتباعه وأنصاره .. وذلك بأن نغزوهم فكرياً من خلال صديقي ورفيق طريقي ( وهبي ) ونغير فكرتهم المقدسة عن السيد رحمة .. فإذا باتوا يعتقدون أنه لا فرق بينك يا سياف وبينه كبشر فسوف يتهيأ لنا الطقس لإعادة مجدنا المسلوب ومنزلتنا في قلوب الناس من جديد ..
الضبع : هذا في حياته , لكن ماذا بعد مماته ؟ ألن يذهب الناس إلى قبره طالبين منه الدعاء لقضاء حوائجهم عند ربه ؟
وهبي : هذه مهمتي أنا يا ضبع .. لا تخف ولا تقلق , إذا مات السيد رحمة فسوف أجتهد في ترهيب الناس من التعلق به وبدعائه المزعوم , وسوف أستعين لتسهيل هذه المهمة الشاقة بحيلة مؤثرة أملاها عليّ حكيم الجزيرة صديقي ( عذاب ) وهي :
أن أقول لهم : ( ان طلبكم الدعاء من السيد رحمة في حياته كان طعناً في ايمانكم بالله القائل ( واذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) فلماذا تطلبون منه الدعاء أصلاً ؟ هل تركتم عبادة مناة وهُبَل لتعبدوا السيد رحمة ؟
فإذا مات السيد رحمة كان لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم شيئا ! وكانت عبادتكم لله وحده أولى وأولى ! ) ..
هنا أشرق وجه عذاب واستراح قلبه , وتهلل وجه سياف وابنه الضبع وأمعنوا في الضحك قائلين للمدعو عذاب : ( لله درك يا أبا الحَكَم .. من تأتي بهذه الأفكار يا رجل .. )
وانفض الاجتماع على هذه التوصية , ورجع وفد الشر مسرورين وقضوا ليلتهم في العربدة والزنا وشرب الخمر ..
[ وكان القوم يعلمون أن طلب الدعاء من العبد حياً أو ميتاً لا تعتبر من الشر فضلاً عن الشرك ! وإنما هم لم يفرقوا بين العبادة والطلب الدعاء , بين الشفاعة الشركية والشفاعة الشرعية .. بين التوسل بالنبي ( مع اعتقاد أنه عبد الله ورسوله ) , وبين الطلب من اللات والعزى ( مع اعتقاد أنها آلهة مع الله وليست عبيداً ) .. ]
مرت الأيام ووفد دار السيدة نادية صامتون مترقبون ساعة وفاة السيد رحمة .. وكانوا لا يبالون بطاعته أثناء حياته ولا يرفعون بذلك رأسا , ومن ذلك أن دعى السيد رحمة ( الضبعُ ) ذات يوم ليحضر عنده وكان يأكل , فأرسل إليه رسولاً والثاني والثالث فلم يأتِ وآثر الطعام على أمر السيد رحمة لقلة تعظيم منزلته في قلبه .. فرأى السيد رحمة هذه الحقيقة بنور ربه فدعى على الضبع وقال : لا أشبع الله بطنه .. ومنذ تلك الساعة والضبع لا يزيد في الدنيا إلا طمعاً وجمعاً وحباً للرياسة , وكان يأكل عدل عشرة رجال ولا يشبع .. فازداد حنقه وكراهيته للسيد رحمة هو وسياف وأضمرا مزيداً من الشر له وللسيد كمال والسيدة روح وابناءهما وعنتر وناصر على وجه الخصوص ..
وحانت ساعة وفاته , وجمع حوله ابنته ( روح ) وزوجها السيد كمال , وابنيهما حسن وحسين , وأحفاده عنتر وناصر , وصفاء وناظر , والشيخين جمال وجلال .. وأخبر أنه سيذهب وسوف يخلفه - على رأس كل مائة سنة - مجدداً لدعوة الخير التي أتى بها يمثله من بعده ويرث أحواله وعلومه كأنه هو حاضر معهم , وأن هذا هو معنى قوله تعالى ( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم .. ) وأن بيعة المجدد واجبة في عنق كل مسلم و ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) وأن البحث عن المجدد أمر واجب للسلامة من التفرقة والتشرذم والتيه بين أئمة الضلال ومحبي الرياسة والسلطة .. وأن خاتم المجددين سيكون اسمه أحمد ولقبه المهدي .. وأنه سيكون له أعداء من داخل الجزيرة وخارجها ..
وأوصى الكل بلزوم التحاب والتواد وعدم التفرقة والوقوف صفاً واحداً أمام مكر سياف وابنه وأخبر أنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولكن قلوبهم قلوب ذئاب .. وأصى الكل بطاعة عنتر وأنه يمثل السيد رحمة بعد رحيله وقال ( تركت فيكم أمرينإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعليكم بطاعة عنتر .. لقد علِم السيد رجمة أن الضبع ورجاله سوف يملكون زمام الأمور وأنهم ربما يبدلون كلامه وتعاليمه , ولذلك سد عليهم هذا الباب وأتى لأهل الجزيرة بصمام أمان هو السيد عنتر .. فهذا هو الوحيد الذي يعد مخزن علوم السيد رحمة وفتاه المخلص القوي الأمين ..
وأخبر السيد رحمة أن السيد كمال وابنه حسين سوف يقتلهما معسكر سياف وابنه .. فاسترجعا وحمدا الله على كل حال , وعلما أن الأمر جلل وأن في أعناقهما رسالة كبيرة لابد من تأديتها خدمة لأهل جزيرة الخير ..
وانتقل السيد رحمة إلى جوار ربه ..
وصاح الناس غير مصدقين أنه قد انتقل ! وكان ظنهم أنه لن يموت لأنه مظهر الرحمة الالهية ورحمة الله تعالى لا تغيب !
وصاح السيد جلال : أن من قال أن السيد رحمة قد مات قتلته بسيفي هذا ! بل ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى وسيرجع مرة أخرى ..
ثم قام السيد جمال وهدأ من روع الناس , وأخبرهم أن الله تعالى قد كتب الموت على كل بني آدم .. وأن السيد رحمة قد مات ولكنه سيرجع مرة أخرى في كل عصر في صورة مجدد حتى ينتهي الزمان بظهوره في صورة السيد ( مهدي ) ..
وفعلاً اقتنع الناس بهذا .. وانطفأت الفتنة , وبايعوا السيد جمال على الخلافة , وامتنع البعض عنها لاعتقاده ان السيد كمال أحق بها لقرابته من السيد رحمة .. ولكن السيد كمال كان سيفه قد أمعن القتل في جميع أنحاء الجزيرة ولا يخلو بيت من قتيل على يده من أتباع سياف وابنه .. ولذلك كان من المناسب تماماً أن تتأخر خلافته قليلاً حتى تهدأ ثورة سياف وابنه إذ تمت تنحيتهما عن السلطة منذ قليل ..
وحانت ساعة سياف وحضر أجله , فأتى إليه ابنه الضبع وتبادلا الحديث قبل رحيله بحسرته ..
سياف : أرأيت يا بني كيف يموت أبيك بحسرته ذليلاً لا سلطان له ولا جاه ؟
الضبع : إن رحمة هو السبب ..
سياف : انظر يا بني كيف وضع على ظهورنا علامة وكتب عليها ( الطلقاء ) ؟ وقد كنا سادة العرب وسادة الجزيرة ؟
الضبع : سوف أنتقم منه يا أبتِ وسوف أسعى جاهداً في استعادة الملك منه ومن ذريته من بعده ..
ومات سياف بحسرته والضبع ينظر .. فازداد حقده على السيد رحمة وذريته .. وصمم على الانتقام لأبيه دون أن يشعر به أحد , وقد كان أدهى العرب , وعيب على أدهى العرب أن يسمح لأحد أن يكشف أمره ..
فكان أول ما صنع أن سعى للإمارة في خلافة السيد جمال والسيد جلال وتولى الإمارة فعلاً كأحد عُمالهم على ناحية من نواحي الجزيرة وقد كان قبل ذلك من الأسرى الطُلَقاء الذين عفى عنهم السيد رحمة ..
وقد علق السيد رحمة على ظهورهم شعاراً كي يعرفوا به , ولئلا تكون لهم شوكة من بعد ذلك في الدولة .. وأخذ السيد رحمة بالاسباب , ولكن السيد جلال اجتهد فمنع استمرار هذا الشعار وكان هذا اجتهاداً خاطئاً منه بلا شك |أدى إلى تسلق الطلقاء إلى الحكم بعد مساواتهم بالمهاجرين والأنصار , وأدى إلى إحداث فتنة كبيرة غيرت مجرى التاريخ ..
الضبع : يا أبتِ ! ها أنا أنفذ الخطة مُحكمة وأسعى سعياً حثيثاً بطيئاً لكن ثمرته مؤكدة , سوف أستعيد مُلكك من ذرية السيد رحمة ..
ومرت الأيام وتولى الخلافة السيد كمال صهر السيد رحمة , وكان الضبع قد تسلق إلى الإمارة من قبل , فانشق عليه ولم يزدد إلا تصميماً على تنفيذ خطته ..
تعليق