إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

قصة تاريخ الوهابية منذ ظهور الخوارج حتى السلفيين الجدد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة تاريخ الوهابية منذ ظهور الخوارج حتى السلفيين الجدد

    كان السيد ( رحمة ) مثالاً جامعاً لصفات الجمال والجلال والكمال .. كان مثال القوة والرحمة ونجدة الملهوف والعطف على الأرملة والمسكين ..

    وكان هناك شاب يتفجر فتوة وقوة وكرماً يسمى ( كمال ) هو ابن عم السيد رحمة , وكان يكثر التردد على بيته .. فوجد فيه السيد رحمة مثال الشاب الصالح الذي يصلح أن يحمل رسالته الخيرية من بعده للناس , فزوجه السيد رحمة من ابنته الكريمة الصفات العذراء البتول ( روح ) .. وأنجبا توأمين اسمهما ( حسن ) و ( حسين ) ..

    تربى حسن وحسين في بيت السيد رحمة وفي بيت السيد كمال والسيدة روح , حتى تشبعوا بكرم الصفات وصالح ومكارم الأخلاق ..

    كبر حسن وحسين حتى تزوج كل منهم ..

    وأنجب حسن : فتاة جميلة مرهفة المشاعر اسمها ( صفاء ) ومولود جميل اسمه ( ناظر )

    وأنجب حسين : فتيان جميلان قويان , شديدا البأس هما ( عنتر ) و ( ناصر ) ..

    وتبادلت صفاء وعنتر مشاعر الحب والمودة منذ نعومة أظفارهما ونمت هذه العلاقة يوماً بعد يوم كما تنمو الزرعة الصغيرة حتى صارت شجرة كبيرة وارفة الظلال , حتى انتهت بالزواج .. تزوج عنتر من صفاء وأنجبا طفلين جميلين أحدهما ذكر اسمه ( براء ) و الآخر أنثى اسمها ( وفاء ) ..



    وكانت هناك جزيرة تسمى ( جزيرة الشر ) يستغيث أهلها نساء وأطفالاً بالسيد رحمة من بطش ( سياف ) وابنه ( الضبع ) وعلوهم عليهم وخساسة صفاتهم ..

    رق قلب السيد رحمة لأهل الجزيرة .. وعزم هذا السيد على الرحيل إليها لتأليف قلب سياف وابنه وتنحيتهم عن الرياسة والملك وتعيين الشخص المناسب ..

    حزم السيد رحمة متاعه واصطحب معه صهره الفتى الشجاع الكريم الصفات السيد ( كمال ) , والشيخين ( جمال وجلال ) من خواص أصحابه .. وجملة من المقاتلين الشجعان الأوفياء المحبين للسيد ( رحمة ) الفادين له بأرواحهم ..

    ولما نزلوا أرض جزيرة الشر استقبله سياف بجيشه وعلى مقدمة الجيش ابنه الضبع .. ودارت بين الجيشان معركة طاحنة انتهت بهزيمة منكرة لسياف وابنه , ووقعوا في الأسر فعفى عنهم السيد رحمة وألّف قلوبهم بالمال , ورجعوا بِخُفَّي حُنَين مطأطئي الرؤوس ..

    واستولى السيد رحمة على الجزيرة وأطلق عليها ( جزيرة الخير ) وعلم أن سياف يضمر الحقد عليه لأنه تسبب في عزله عن الرياسة والسلطة على الناس , فأراد السيد رحمة أن يؤلف قلبه فأعلن ( ان من دخر دار سياف فهو آمن ) ..

    واحتفل أهل جزيرة الخير بالسيد رحمة وجعلوه ملكاً عليهم وبذلوا له الغالي والنفيس وعاهدوه على الموالاة والنصرة فدعى لهم بخير وطمأنهم من خوف ..

    ازداد حنق سياف وابنه على السيد رحمة واجتمعوا في دار السيدة ( نادية ) مع بضعة نفر من أصحاب المصالح المشتركة ومن اهمهم وأكثرهم تأثيراً ( وهبي ) , وعقدوا فيها مؤتمراً سرياً برئاسة شخص شرير كريه المنظر والمخبر يكره السيد رحمة , يسمى ( عذاب ) ليتشاوروا كيف يتم لهم القضاء على السيد رحمة .. وكان هناك تقارب شديد بين صورة عذاب وبين صورة ( وهبي ) في قاعة الاجتماع حتى لم يكد يستطع الحاضرون التفرقة بينهما في لشدة تجانس الصورة والسريرة ..

    سياف : لقد استفحل أمر السيد رحمة وصار خطراً على مصالحنا ومُلكِنا , فما العمل !

    الضبع : لنشوه صورته أمام الناس , ونقول أن أبواه كانا كافرين ..

    سياف : هذا غير كاف في القضاء عليه , فإن الناس تحبه لأبعد حد هو وصهره ولن يصدّقونا ..

    وهنا نطق عذاب فقال : أرى أن الحل الأمثل أن نقوم باغتياله خفية دون أن يشعر بنا أحد

    سياف : وكيف هذا يا حكيم جزيرة الشر !

    عذاب : إن الفكرة التي طرحها الضبع أنا الذي أخبرته بها , ولكني لم أخبره عن الخطةِ كاملةً وآثرتُ أن أطرحها هنا سراً كي لا تذاع ..

    سياف : تفضل هات ما عندك ! أسرع !

    عذاب : إن الناس تعتقد في السيد رحمة أن له قدرات لا نملكها نحن , وأن له منزلة خاصة عند ربه , وأنه مجاب الدعاء , وهذا هو سر تعلق الناس به لظنهم أنه ( رحمة ) أرسلها الله إليهم هنا في جزيرتنا جزيرة الشر ..

    سأحاول قتله .. ولكني لن استطيع ذلك .. فالسيد رحمة مؤيد ومعصوم من الأذى والقتل ..


    ولذلك فإن الحل الأمثل لنقضي على السيد رحمة دون شوشرة , أن نقتله ( معنوياً ) في قلوب أتباعه وأنصاره .. وذلك بأن نغزوهم فكرياً من خلال صديقي ورفيق طريقي ( وهبي ) ونغير فكرتهم المقدسة عن السيد رحمة .. فإذا باتوا يعتقدون أنه لا فرق بينك يا سياف وبينه كبشر فسوف يتهيأ لنا الطقس لإعادة مجدنا المسلوب ومنزلتنا في قلوب الناس من جديد ..

    الضبع : هذا في حياته , لكن ماذا بعد مماته ؟ ألن يذهب الناس إلى قبره طالبين منه الدعاء لقضاء حوائجهم عند ربه ؟


    وهبي : هذه مهمتي أنا يا ضبع .. لا تخف ولا تقلق , إذا مات السيد رحمة فسوف أجتهد في ترهيب الناس من التعلق به وبدعائه المزعوم , وسوف أستعين لتسهيل هذه المهمة الشاقة بحيلة مؤثرة أملاها عليّ حكيم الجزيرة صديقي ( عذاب ) وهي :

    أن أقول لهم : ( ان طلبكم الدعاء من السيد رحمة في حياته كان طعناً في ايمانكم بالله القائل ( واذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) فلماذا تطلبون منه الدعاء أصلاً ؟ هل تركتم عبادة مناة وهُبَل لتعبدوا السيد رحمة ؟

    فإذا مات السيد رحمة كان لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم شيئا ! وكانت عبادتكم لله وحده أولى وأولى ! ) ..

    هنا أشرق وجه عذاب واستراح قلبه , وتهلل وجه سياف وابنه الضبع وأمعنوا في الضحك قائلين للمدعو عذاب : ( لله درك يا أبا الحَكَم .. من تأتي بهذه الأفكار يا رجل .. )

    وانفض الاجتماع على هذه التوصية , ورجع وفد الشر مسرورين وقضوا ليلتهم في العربدة والزنا وشرب الخمر ..

    [ وكان القوم يعلمون أن طلب الدعاء من العبد حياً أو ميتاً لا تعتبر من الشر فضلاً عن الشرك ! وإنما هم لم يفرقوا بين العبادة والطلب الدعاء , بين الشفاعة الشركية والشفاعة الشرعية .. بين التوسل بالنبي ( مع اعتقاد أنه عبد الله ورسوله ) , وبين الطلب من اللات والعزى ( مع اعتقاد أنها آلهة مع الله وليست عبيداً ) .. ]

    مرت الأيام ووفد دار السيدة نادية صامتون مترقبون ساعة وفاة السيد رحمة .. وكانوا لا يبالون بطاعته أثناء حياته ولا يرفعون بذلك رأسا , ومن ذلك أن دعى السيد رحمة ( الضبعُ ) ذات يوم ليحضر عنده وكان يأكل , فأرسل إليه رسولاً والثاني والثالث فلم يأتِ وآثر الطعام على أمر السيد رحمة لقلة تعظيم منزلته في قلبه .. فرأى السيد رحمة هذه الحقيقة بنور ربه فدعى على الضبع وقال : لا أشبع الله بطنه .. ومنذ تلك الساعة والضبع لا يزيد في الدنيا إلا طمعاً وجمعاً وحباً للرياسة , وكان يأكل عدل عشرة رجال ولا يشبع .. فازداد حنقه وكراهيته للسيد رحمة هو وسياف وأضمرا مزيداً من الشر له وللسيد كمال والسيدة روح وابناءهما وعنتر وناصر على وجه الخصوص ..

    وحانت ساعة وفاته , وجمع حوله ابنته ( روح ) وزوجها السيد كمال , وابنيهما حسن وحسين , وأحفاده عنتر وناصر , وصفاء وناظر , والشيخين جمال وجلال .. وأخبر أنه سيذهب وسوف يخلفه - على رأس كل مائة سنة - مجدداً لدعوة الخير التي أتى بها يمثله من بعده ويرث أحواله وعلومه كأنه هو حاضر معهم , وأن هذا هو معنى قوله تعالى ( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم .. ) وأن بيعة المجدد واجبة في عنق كل مسلم و ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) وأن البحث عن المجدد أمر واجب للسلامة من التفرقة والتشرذم والتيه بين أئمة الضلال ومحبي الرياسة والسلطة .. وأن خاتم المجددين سيكون اسمه أحمد ولقبه المهدي .. وأنه سيكون له أعداء من داخل الجزيرة وخارجها ..

    وأوصى الكل بلزوم التحاب والتواد وعدم التفرقة والوقوف صفاً واحداً أمام مكر سياف وابنه وأخبر أنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولكن قلوبهم قلوب ذئاب .. وأصى الكل بطاعة عنتر وأنه يمثل السيد رحمة بعد رحيله وقال ( تركت فيكم أمرينإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعليكم بطاعة عنتر .. لقد علِم السيد رجمة أن الضبع ورجاله سوف يملكون زمام الأمور وأنهم ربما يبدلون كلامه وتعاليمه , ولذلك سد عليهم هذا الباب وأتى لأهل الجزيرة بصمام أمان هو السيد عنتر .. فهذا هو الوحيد الذي يعد مخزن علوم السيد رحمة وفتاه المخلص القوي الأمين ..

    وأخبر السيد رحمة أن السيد كمال وابنه حسين سوف يقتلهما معسكر سياف وابنه .. فاسترجعا وحمدا الله على كل حال , وعلما أن الأمر جلل وأن في أعناقهما رسالة كبيرة لابد من تأديتها خدمة لأهل جزيرة الخير ..

    وانتقل السيد رحمة إلى جوار ربه ..

    وصاح الناس غير مصدقين أنه قد انتقل ! وكان ظنهم أنه لن يموت لأنه مظهر الرحمة الالهية ورحمة الله تعالى لا تغيب !

    وصاح السيد جلال : أن من قال أن السيد رحمة قد مات قتلته بسيفي هذا ! بل ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى وسيرجع مرة أخرى ..

    ثم قام السيد جمال وهدأ من روع الناس , وأخبرهم أن الله تعالى قد كتب الموت على كل بني آدم .. وأن السيد رحمة قد مات ولكنه سيرجع مرة أخرى في كل عصر في صورة مجدد حتى ينتهي الزمان بظهوره في صورة السيد ( مهدي ) ..

    وفعلاً اقتنع الناس بهذا .. وانطفأت الفتنة , وبايعوا السيد جمال على الخلافة , وامتنع البعض عنها لاعتقاده ان السيد كمال أحق بها لقرابته من السيد رحمة .. ولكن السيد كمال كان سيفه قد أمعن القتل في جميع أنحاء الجزيرة ولا يخلو بيت من قتيل على يده من أتباع سياف وابنه .. ولذلك كان من المناسب تماماً أن تتأخر خلافته قليلاً حتى تهدأ ثورة سياف وابنه إذ تمت تنحيتهما عن السلطة منذ قليل ..

    وحانت ساعة سياف وحضر أجله , فأتى إليه ابنه الضبع وتبادلا الحديث قبل رحيله بحسرته ..

    سياف : أرأيت يا بني كيف يموت أبيك بحسرته ذليلاً لا سلطان له ولا جاه ؟

    الضبع : إن رحمة هو السبب ..

    سياف : انظر يا بني كيف وضع على ظهورنا علامة وكتب عليها ( الطلقاء ) ؟ وقد كنا سادة العرب وسادة الجزيرة ؟

    الضبع : سوف أنتقم منه يا أبتِ وسوف أسعى جاهداً في استعادة الملك منه ومن ذريته من بعده ..

    ومات سياف بحسرته والضبع ينظر .. فازداد حقده على السيد رحمة وذريته .. وصمم على الانتقام لأبيه دون أن يشعر به أحد , وقد كان أدهى العرب , وعيب على أدهى العرب أن يسمح لأحد أن يكشف أمره ..

    فكان أول ما صنع أن سعى للإمارة في خلافة السيد جمال والسيد جلال وتولى الإمارة فعلاً كأحد عُمالهم على ناحية من نواحي الجزيرة وقد كان قبل ذلك من الأسرى الطُلَقاء الذين عفى عنهم السيد رحمة ..

    وقد علق السيد رحمة على ظهورهم شعاراً كي يعرفوا به , ولئلا تكون لهم شوكة من بعد ذلك في الدولة .. وأخذ السيد رحمة بالاسباب , ولكن السيد جلال اجتهد فمنع استمرار هذا الشعار وكان هذا اجتهاداً خاطئاً منه بلا شك |أدى إلى تسلق الطلقاء إلى الحكم بعد مساواتهم بالمهاجرين والأنصار , وأدى إلى إحداث فتنة كبيرة غيرت مجرى التاريخ ..

    الضبع : يا أبتِ ! ها أنا أنفذ الخطة مُحكمة وأسعى سعياً حثيثاً بطيئاً لكن ثمرته مؤكدة , سوف أستعيد مُلكك من ذرية السيد رحمة ..

    ومرت الأيام وتولى الخلافة السيد كمال صهر السيد رحمة , وكان الضبع قد تسلق إلى الإمارة من قبل , فانشق عليه ولم يزدد إلا تصميماً على تنفيذ خطته ..

  • #2
    وكان في الجزيرة شخص يسمى ( عاصي ) وكان يضارع الضبع مكراً ودهاء , وكان بينهما تناسب وانسجام .. ولذلك أرسل إليه الضبع كي يعاونه على تنفيذ خطته , ولكي تكون الداهية داهيتان في مواجهة السيد كمال ..

    حضر عاصي عند الضبع فوعده بنصيب الأسد من بين وزرائه ومستشاريه على أن يكون معه في صفه ضد السيد كمال ..


    وكان في قلب عاص بقية من خير فتردد في مؤازرة الضبع على السيد كمال لعلمه بمنزلة السيد كمال من السيد رحمة ووصيته به قبل رحيله .. ولكن طمعه قاده إلى مناصرة الضبع في نهاية الأمر ..

    استدرج الضبعُ بعض أصحاب السيد رحمة إلى معسكره ليكتسب نوعاً من الشرعية أمام الناس , وصار مع مرور الأيام كأحد أصحاب السيد رحمة الكبار بدهائه وكرمه وعطائه الذي وسع الناس به من بيت مال المسلمين من أهل الجزيرة .. وبعد أن صار في منزلة أصحاب السيد رحمة صار يُطاوِلُ السيد كمال نفسه على نيل مقام خلافة السيد رحمة ..

    طالب الناس بمبايعته على الخلافة واستعان على ذلك بالمال والكرم والبذخ تارة , وبالترهيب والقوة تارة أخرى .. وأصبح أمر الجزيرة في خطر مرة أخرى ..

    فأرسل إليه السيد كمال خطاباً جاء فيه ( وأعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ، ولا تعقد معهم الإمامة ، ولا يدخلون في الشورى ) ..

    فبلغ به الأمر أن أمر الخطباء بلعن السيد كمال على المنابر عقب خطب الجمعة سنين طوالاً حتى عهد الأمير عزيز الذي نهى عن استمرار هذه المهزلة ولم يملك من أمره أمام هذا التيار الجارف من بغض السيد كمال إلا أن يتلو ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) ..

    وبلغ من الضبع أن قاده مكره ودهائه إلى أن يعبث بدستور الجزيرة وفي الوثائق التي تروي قصة حياة السيد رحمة فأكثر المحو الاثبات فيها وكتب أن والدي السيد رحمة ماتا على الكفر وكذلك والد السيد كمال : السيد طالب الذي نذر حياته مناصراً للسيد رحمة , وأخذ في تلميع صورته وصورة أبيه سياف الذي لم يكف شره عن السيد رحمة إلا ساعة ان أدركه الغرق , وعهد الضبعُ بهذه المهمة إلى شخص يهودي يدعى ( كعبور ) أظهر الإسلام وبلغت به الجرأة أنه كان يشرح التوراة في المسجد والمسلمون يهللون ويكبرون من الفرح والسرور والغبطة ..

    وكان ( وهبي ) يحضر دروس كعبور هذا في المسجد وعنه أخذ عقائد اليهود التي اندست في الاسلام من تجسيم لله ونظرة مادية وانتقاص لقدر النبي صلى الله عليه وسلم , وقد كشف العلماء فيما بعد بعض هذه الدسائس فيما يعرف بالاسرائيليات ولكن أكثرها لم يكتشف لأنها دُسّت على يد رجال الضبع قبل تدوين كلام السيد رحمة في صحائف أصحابه ومصاحفهم ..


    ومنذ هذه الساعة ومسلموا الجزيرة يأخذون دينهم وقيمهم الأخلاقية عن هذا الثالوث : [ الضبع وكعبور ووهبي ] .. تحت إمرة المدعو عذاب .. وبدأ خط الانحراف ..


    اشتعلت غيرة ( عنتر ) و ( ناصر ) ازاء ما حدث من تشويه تدريجي لرسالة السيد رحمة ولصورة أبويه ولسمعة السيد كمال وصورته أمام أهل الجزيرة هو وأبيه , مع تلميع بطئ لصورة الضبع وأبيه حتى تبدلت المفاهيم وتغيرت معالم أرض الجزيرة حتى كأن الأرض غير الأرض والسموات ..

    فأمعنا في مواجهة الضبع ورجاله , وسلا سيوفهما وحثا نبلاء الناس وكرمائهم على قتال الضبع تحت إمرة السيد كمال .. وكان من أسرع من سارع إلى طاعة أوامرهم فتى شديد البأس قوي الجسد كبير العقل تقي القلب اسمه ( مُطيع ) .. وابن عم السيد كمال : عباس الحبر .. وقد كان مطيع شديد الحب لعنتر وناصر وللسيد كمال والسيد رحمة بحُكم المناسبة , شديد البغض للضبع بحكم تنافر الصفات ..

    التقى الفريقان على مقربة من شط الجزيرة , وجهر السيد كمال جيشه بعبقريته الحربية , فجعل نفسه في وسط الجيش والفتى الـ( مُطيع ) على الميمنة , وعباس الحبر على الميسرة ..

    ودارت بين الجيشين رحى معركة طاحنة كاد مُطيع أن يصل فيها إلى غرفة عمليات الضبع ويفتك به فتكاً بأسنانه ويجعل أكبر قطعة في جسده كحبة الفستق ..

    واستبان الحق بسقوط ( عمّار ) قتيلاً وهو من خواص أصحاب السيد كمال .. وكان السيد رحمة قد قال في حقه ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ) وصدق الله ( اولئك يدعون إلى النار ) , وتحول نفر من جيش الضبع إلى جيش السيد كمال ..


    وتمت زلزلة جيش الضبع ورفيقه عاصي ..

    وهنا اجتمعا ليلاً ليتشاورا ..

    الضبع : لقد اقترب ميعاد أجلنا ولا أدري كيف الخلاص من هذه الورطة !

    عاصي : لا أرى لك إلا أن تدعو القوم إلى تحكيم كتاب الله في أمر الخلافة بينك وبين بين كمال , فإن وافقوا اختلفوا وإن ردوه اختلفوا ..

    الضبع : نعم الرأي رأيُك , نجيتنا من موت مُحقق !

    ولما أسفر الصباح , أسفر عن أشباه الرايات أمام معسكر الضبع , وإذا هي خمسمائة مصحف معلقة على الرماح .. ويصيح معسكر الضبع : يامعشر العرب الله الله في نسائكم وبناتكم . فمن للروم والأتراك . وأهل فارس غداً إذا فنيتم . الله الله في دينكم , فلنتحاكم إلى كتاب الله !

    فقال السيد كمال : اللهم انك تعلم انهم ما لكتاب يريدون . فاحكم بيننا وبينهم انك انت الحكيم الحق المبين ..



    وهنا انشق معسكر السيد كمال على نفسه .. انشق جيش السيد كمال نصفين ما بين مؤيد له ومعارض .. فطائفة قالت القتال وطائفة قالت المحاكمة الى الكتاب ، ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا الى حكم الكتاب : فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت اوزارها ..

    وكان الأولى بالمعارضين في هذا الموقف ألا يكون لهم رأي مع حكم الإمام القائد ..

    قال جماعة : يا سيد كمال ان أجبت القوم أجبنا وان أبيت أبينا

    السيد كمال : نحن احق من أجاب الى كتاب الله . وان الضبع وعاصي ( وذكر رجالاً ) ليسوا بأصحاب دين وقرآن ! أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً فهم شر أطفال ورجال !

    وكان ( وهبي ) مندساً في جيش السيد كمال , وهو الذي أثار البلبلة وأصر على التحكيم وتدارك الهزيمة أن تحل بزميله الضبع .. فقد كان متعاطفاً معه بحكم تناسب الصفات .. وكانت حصيلة وتعداد رجال وهبي في جيش السيد كمال عشرين ألفاً ( كان يُطلق عليهم أصحاب جباه السود من شدة العبادة ).. أقبلوا إلى السيد كمال يخاطبونه ..

    وهبي ورجاله : اجب الى كتاب الله اذا دعيت وإلا دفعناك برمتك الى القوم ، أو نقتلك كما قتلنا صاحب السيد رحمة !

    السيد كمال : ويحكم والله انهم ما رفعوا المصاحف الا خديعة ومكيدة حين علوتموهم !

    وهبي ورجاله : فابعث إلى مطيع ليأتيك
    فبعث يدعوه .

    فقال السيد مطيع : قد رجوت أن يفتح الله لا تُعجلني . وشدد ولي الله مُطيع في القتال حتى ارتفع الرهج وعلت الأصوات وظهرت دلائل الفتح والنصر لمعسكر السيد رحمة ، ودلائل الخذلان والأدبار على جيش الضبع ورجاله ..
    ففزع وهبي ورجاله وصاحوا في السيد كمال : ابعث اليه بعزيمتك ليأتيك والا والله اعتزلناك وأسلمناك لعدوك !!

    قال لرسوله : عد وقل له اقبل الينا ، فان الفتنة قد وقعّت .
    فاقبل السيد مطيع عليهم يقول : يا أهل الذل والوهن ! أحين علوتم القوم . وعلموا انكم قاهرون رفعوا لكم المصاحف خديعة ومكراً !

    فقالوا قاتلناهم في الله . ونتركهم لله !
    فقال : امهلوني ساعة احسست بالفتح وايقنت بالظفر

    قالوا لا .

    قال : امهلوني عَدوة فرسي فقط ! فاني قد طمعت في النصر .

    قالوا : اذن ندخل معك في خطيئتك

    قال : فحدثوني عنكم . وقد قتل اماثلكم وبقي اراذلكم . متى كنتم محقين احين كنتم تقاتلون أم انتم الآن ( في مساككم عن القتال ) محقون ؟

    قالوا : دعنا منك يا مطيع . قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله . انا لسنا نطيعك ولا صاحبك . ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح تدعي اليها فاجتنبنا .

    فانفجر مطيع فيهم : خُدعتم والله فانخدعتم . ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم !
    يا أصحاب الجباه السود كنا نظن ان صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله !
    فلا أرى فراركم الا الى الدنيا من الموت !
    ألا فقبحاً لكم يا أشباه النيب الجلالة ( الحيوانات الآكلة للرمم )ما أنتم برائين بعدها عزاً ابداً . فابعدوا كما بعد القوم الظالمون !

    فسبوه وسبهم ، وضرب بسوطه وجوه دوابهم . فصاح بهم السيد كمال فكفوا .

    وقد صدقت كلمةُ مُطيع .. فإن أهل الجزيرة لم يروا عزاً أبداً حتى الآن بعد هذه والوقعة وهذا التخاذل والتردد بين صوت الحق ونعيق الباطل .. لقد ظنوا أن الحرب بين الضبع وبين السيد كمال على أمور شخصية , نعم كانت عند الضبع حرباً على المُلك , ولكن السيد كمال كان يقاتل لنجاة أهل الجزيرة ولحفظ رسالة السيد رحمة من التبديل ..

    إن هذه الوقعة التاريخية كانت حاسمة في تاريخ الجزيرة , لقد غيرت مجرى التاريخ إلى وجهة بعيدة عما أراد لهم السيد رحمة ..

    لقد كان السيد كمال يعمل تدارك هذه الأمة المغيبة ويحاول فطامها من طفولتها وسذاجتها , ولكن يبدو أنها لم تعِ حجم رسالة السيد كمال المستمدة من رسالة السيد رحمة , ولا حجم السيد كمال ولا حجم السيد عنتر الذي أوصى به السيد رحمة .. لقد أهملت قدر كل هؤلاء يوم التحكيم , ولم تملك قرارها الرشيد ولم يكن لديها من الحزم ولا من الوعي الكافي ولا الإرادة الكافية ما يعين على استمرار نعمة وجود السيد رحمة بينها ظاهراً خفاقاً ..

    نعم كان بإمكان السيد كمال ان يضرب الخبيث ( وهبي ) هو ورجاله بيد من حديد , ويلقي بالبقية في السجون , يؤلف قلوب قوم ماله كما يفعل الضبع , ولكن السيد كمال كان صاحب مبادئ وكان يقول : ( إن الضبع يخون ويفجر , ولولا التقى لكنت أدهى العرب ) .. هذا بالإضافة إلى أن هناك حقيقة تاريخية تقول : أن أي دولة لا تقوم إلا للأفكار القائمة في زمنها ..

    وقد كان وهبي ورجاله يمثلون خطاً فكرياً بارزاً في الجزيرة كان يعمل عمله في عقول الناس يوماً بعد يوم , حتى أنهم كانوا أصحاب الكلمة في معسكر السيد كمال ..

    وكان تردد أهل الجزيرة بين الضبع وبين السيد كمال كافياً أن ترتفع نعمة ظهور ( السيد رحمة ) ..

    يترددون بين من ومن .. ألم تم بيعة السيد كمال باختيار الأمة الحر وبالشورى كما تمت بيعة السيد جمال والسيد جلال ؟ أوكلما تمت أحداث الشغب في ناحية من نواحي الجزيرة استنفر أهلها القيادة العليا للجلوس مع هؤلاء ؟

    وقد كانت وصية السيد رحمة أنه ( إن أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه ) .. فماذا يريد ال الجزيرة أكثر من هذ ؟

    لم يقصر السيد رحمة مع هذه الأمة من اهل الجزيرة , وأخذ استعداداته من غدر الضبع ورجاله من أهل النفوس والمطامع .. ونصح ووجه وأوصى بطاعة قوم محددين بأعيانهم .. ولكن لم يجد لكلامه صدى يستحقه , ولم يجد السيد كمال صدى ولا كبير اكتراث له ولقدره العظيم الذي يجهله اهل الجزيرة عقوبة لهم حتى الآن ..

    لقد خلّد السيد كمال هذه المعاني في خطبة موجة عقب وقعة العار المذكورة حين قال بكلماته البليغة المؤثرة:


    ألا اني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً .
    وكنت ناهياً فأصبحت منهياً .
    وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون


    يتبع ..


    بدأت المفاوضات بين الفريقين على اجراء عملية التحكيم بين السيد كمال الخليفة الشرعي وبين الخارجين عليه .. وقال الناس قد رضينا بحكم القرآن !

    أهل جيش الضبع : قد رضينا واخترنا العاصي .

    وهبي ورجاله من رؤوس الفتنة : قد رضينا واخترنا أبا موسى ( وكان رجلاً من غير المتحمسين للسيد كمال ولا دعوته ) .

    السيد كمال : اني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى ان أوليه .

    وهبي ورجاله : انا لا نرضى الا به ، فانه قد حذرنا ما وقعنا فيه

    قال السيد كمال : فانه ليس لي برضاً وقد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب حتى أمنته بعد أشهر . ولكن هذا عباس الحبر أوليه ذلك

    وهبي ورجاله الخارجين على السيد كمال : والله لا نبالي أكنت أنت او عباس الحبر ، ولا نريد الا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء . ليس الى واحد منكما بأدني من الآخر !! ( أنظر إلى الولاء للضبع في ثوب دعاوى العدل والقسط )

    السيد كمال فاني اجعل مُطيع

    وهبي والخوارج : وهل سعر الأرض علينا غير مطيع ؟!

    السيد كمال : ان معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه ونظره من العاصي . وانه لا يصلح للقرشي الا مثله ، فعليكم بعبدالله عباس الحبر فارموه به . فان عمرو ألا يعقد عقدة الا حلها عبدالله . ولا يحل عقدة الا عقدها ولا يبرم امرأ الا نقضه . ولا ينقض امرأ الا أبرمه .

    وهبي والخوارج : لا والله لا يحكم فيها مضريان ( مُضر جد من أجداد عرب الجزيرة ) حتى تقوم الساعة ، ولكن اجعله رجلاً من أهل اليمن .

    فقال السيد كمال اني أخاف أن يُخدع يَمَنِيُّكُم ! فان عاصياً ليس من الله في شيء اذا كان له في أمر هوى .

    وهبي وعصابة الخوارج : والله لأن يحكما ببعض ما نكره . وأحدهما من أهل اليمن . أحب الينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مُضَرِيّان

    فقال السيد كمال متنزلاً لعقولهم المتحجرة : فالأحنف بن قيس التميمي

    فقالوا لا يكون الا أبا موسى .

    فقال : قد أبيتم الا أبا موسى ؟

    قالوا نعم .

    قال فاصنعوا ما أردتم ..

    وكانت كلمة السيد كمال الأخيرة تلك شبيهة بقوله ( وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ) ..

    ولنا - في هذا المقام - عدة وقفات ..

    بأي حق وقف وهبي ورجاله للقائد الأعلى وخليفة السيد رحمة يردون عليه كلمة بكلمة وينقضون أوامره واحدا تلو الآخر ؟ خاصة في هذا الموقف الحرج وهذه الساعات المتوترة !

    هل هذا هو ما أوصى السيد رحمة بالسيد كمال والسيد عنتر ؟ وهل علّم وهبي ورجاله أهل الجزيرة حُسن السمع والطاعة لإمامهم وقائدهم ؟ على العكس .. لقد كانت كل أفاعيلهم تدل على تطلعهم للسلطة وحلول كل واحد منهم محل السيد كمال , إنها نفوس مصابة بحب الرياسة وحب السلطة دون مخالطة وازع من تقوى أو ضمير حي أو خوف من الله ..

    ولذلك قال لهم الإمام : فاصنعوا ما أردتم .. كما قال لهم من قبل وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ..

    تعليق


    • #3

      ولكن لم تكن هاتان لحادثتان لتمُرّان مرور الكرام دون حلول غضب السماء على أهل الجزيرة .. وسوف نرى كيف تعقدت الأمور وآلت إلى غياب شمس السيد رحمة عن الجزيرة وخسوف نور قمر السيد كمال ..

      أرسل الضبع إلى السيد كمال خطاباً جاء فيه :
      ( فهل لك في أمر لنا ولك فيه حياة وعذر وبراءة ، وصلاح للأمة ، وحقن للدماء ، وألفة للدين ، وذهاب للضغائن والفتن : أن يحكم بيننا وبينك حكمان رضيان ، أحدهما من أصحابي والآخر من أصحابك ، فيحكمان بما في كتاب الله بيننا ، فإنه خير لي ولك ، وأقطع لهذه الفتن . فاتق الله ! فيما دعيت له ، وارض بحكم القرآن إن كنت من أهله !! والسلام ) .

      فكتب إليه السيد كمال رسالة فيها تشريح نفسي للضبع وتعرية تامة لأهدافه ومراميه :

      قال : ( أما بعد فإن أفضل ما شغل به المرء نفسه اتباع ما يحسن به فعله ، ويستوجب فضله ، ويسلم من عيبه . وإن البغي والزور يزريان بالمرء في دينه ودنياه ..

      فاحذر الدنيا فإنه لا فرح في شئ وصلت إليه منها . ولقد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته . وقد رام قوم أمرا بغير الحق فتأولوا على الله تعالى ، فأكذبهم ومتعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ .

      ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن ، ولقد علمت انك لست من أهل القرآن ، ولست حكمه تريد . والله المستعان . وقد أجبنا القرآن إلى حكمه ، ولسنا إياك أجبنا . ومن لم يرض بحكم فقد ضل ضلالا بعيدا ) .

      يتمسح الضبع الآن بالقرآن وحكم القرآن بينما كان هو ووهبي ورجاله بالأمس يساومونه على الدنيا وقد عرضوا عليه أن يرضى كل طرف بغنيمته من الجزيرة والسكوت عن الآخر والمداهنة معه .. فقال لهم :
      ( قد عرفت ما عرضت إن هذه لنصيحه و شفقة , و لقد أهمني هذا الأمر و أسهرني و ضربت أنفه و عينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد ص إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم .. ) ..

      لقد كان السيد كمال يرى الإسلام يضيع أمام عينيه لأجل أطماع شخصية وضيعة وقذرة من شخص منافق أسلم تحلة القسم حين أدركه الغرق , وقد تذكر مقولة السيد رحمة ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ) ولذلك عزم على حسم مادة الفساد من منبعها قبل أن تستفحل .. ولكن الأمة لم تعِ حجم الخطر إلا بعد أن جثم على صدرها , وقد خذلت السيد كمال للأسف ولم يجد أعواناً بما فيه الكفاية حتى رُفعت نعمة ظهور أهل بيت السيد رحمة حتى الآن بكل ما تحمله من خير وبر ونعيم ورضا من الله على عباده .. ولا عودة لتلك النعمة إلا بإصلاح ما أفسدته الأمة واستدراك خطئها الفادح بالأمس .. وبدلاً من ترداد المغفلين ( سيدنا الضبع سيدنا الضبع : فليعلموا أن الواجب نحوه بالأمس كان القتل ! ) وهذا هو الواجب عليهم اليوم حيال خطه الفكري الذي أحدثه في الاسلام !

      إن رسالة السيد رحمة تختلف في مضمونها وأهدافها بل ووسائلها عن هدف الضبع ورجاله ! فلا مشابه بينهما بوجه من الوجوه , لقد كانت رسالة السيد كمال تتميماً لعمل السيد رحمة الإصلاحي الذي أسس قواعده في الجزيرة , ثم عهِدَ إلى السيد كمال بتعلية بنيانه عالياً خفاقاً إذا مكّن الله له ..

      وكان ملخص مضمون هذه الرسالة السامية هو ( إيجاد العبد الصالح الذي يفرح به ربه وتفرح به الملائكة وتزغرد له السماء ) .. إجاد العبد المؤهل لإقامة علاقة ورابطة قوية مع الله يتم تأسيسها هنا , وتدوم في الدار الآخرة .. إنه هدف أسمى من السموات والأرض والجبال ..

      وأما ( رسالة ) الضبع ورجاله فقد كانت أطماع شخصية عاجلة لا ينظر أصحابها إلا تحت أقدامهم , مُلك , رياسة , سلطة , أموال , غنائم , فتوحات , سبايا , جواري .. هذاك كان هدف الضبع ورجاله ولا يزال هذا هو هدفهم وعنوان إسلامهم حتى الآن .. وهذا هو الإسلام الذي عرضوه على البشرية منذ بزوغ نوره حتى الآن ..

      لقد تم تفريغ الاسلام من روحه ومضمونه لأجل حب الدنيا .. لقد بدّل الضبع ورجاله نعمة الله عليهم - ببعثة وتربية السيد رحمة وخليفته السيد كمال - كفراً بها وأحلوا قومهم دار البوار .. لأجل أطماع فرد أو أفراد معدودون على الأصابع يتم إطفاء النور وهدم القيم ووأد المبادئ المنزلة من السماء وتبديلها بالمظاهر والقشور والفُتات إسكاتاً للجماهير المخدوعة من معاشر المغفلين ..

      وقد كان السيد كمال يعلم حجم لخطر الذي يحدق برسالة السيد رحمة التي عهد إليه بحفظها , ولذلك أصرّ على القتال وقتل هذا الرجل المارق الجشِع عديم المبادئ لحصد رأسه وحز رؤوس الفتنة , حتى التقيا في اليوم الذي سُمي " يوم الهرير " وقد أسفر صباحه عن سبعين ألف قتيل .. ومع ذلك لا يظل الضبع عند حَمَلة المباخر مجتهد له أجر والسيد كمال مجتهد أيضاً وله أجران ..

      إنه تيه أكثر شبهاً بتيه بني اسرائيل في صحرء سيناء .. ولكن بني اسرائيل كانوا يطمعون في الخروج , وأما حملة المباخر وأنصار الضبع فلا يريدون الخروج من هذا التيه الأكثر خطراً من تيه بني اسرائيل , لأنه تيه عن نعمة الله ورسوله وأهل بيته .. تيه آخره إلى النار ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ) ..



      ولنرجع إلى موقف وهبي والخوارج المخزي ..

      نحن الآن أمام خليفة المسلمين وأمير المؤمنين ومعلم الأمة وأستاذها بعد السيد رحمة بوصية منه , نحن امام شخصية عملاقة في السماء وفي الأرض , جاء هو والسيد رحمة إلى هذه الجزيرة ليحررها من قبضة الشيطان وأطماع وغارات ( الضباع ) وليعلمها التوحيد , وها هو الآن يحاول ان يعلم هذه الأمة الاعتماد على النفس ويقوّم لسانها من لثغة الأطفال ولكنة الأطفال .. يعلمها كيفية الوقوف في وجه الظلم والظلمة والبغاة والطغاة من عبدة الدنيا وآكلي الرمم وضعاف العقول ..

      لماذا لم يتعلم هؤلاء الصبية ( وهبي ورجاله ) طول اللسان أمام الضبع ؟ ولم يحسنوا الكياسة والفطانة إلا أمام ولي نعمتهم بعدما كانوا مسخرة الدنيا وأضحوكة العالم وعبيداً لبني الأصفر , لا يعبأون بهم ولا يلقون إليهم بالاً ! لماذا لم يتأدبوا ويجعلوا لهم إماماً واحداً هو الذي عينه السيد رحمة ورضيه لهم بدلاً من ألوف الأئمة ومدعوا النبوة والتجديد والإصلاح ممن ملأ الأرض زَهَمُهُم ونَتَنُهُم !

      لقد انقسم الاسلام منذ تلكم الأيام العصيبة إلى نوعين :

      -إسلام الرسالة , اسلام الآخرة , اسلام بناء العبد الصالح . ( وهذا هو الاسلام الذي بعث الله به السيد رحمة , ومحوره هو الأخلاق والإنسان )

      - وإسلام مزيف , اسلام الملك والمصالح الشخصية , وهو ما انتهى إلينا اليوم تحت مسمى ( الإسلام السياسي ) ..

      إن العلامة الفارقة بين الاسلام الحق والاسلام المزيف تكمن في هذا المعيار .. معيار الاهتمام بالأخلاق والاهتمام بالانسان .. فزد أو أنقص ..

      ( والله لأن يحكما ببعض ما نكره . وأحدهما من أهل اليمن . أحب الينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مُضَرِيّان )


      هذا نموذج من طريقة التفكير التي كانت سائدة بين هؤلاء المنافقين في صدر الإسلام .. نعرات عصبية ونعقات جاهلية تجعل الحق غير مقبولاً إذا جاء من شخص غير مقبول , والباطل مقبولاً إذا صدر عن شخص مقبول .. إنها عقول وقلوب مفرغة من معنى الرسالة ومن كل إرادة صادقة في نشر الخير الذي بعث الله به السيد رحمة ..

      ويأتي إلينا مروجوا اسلام الضباع ويقولون لنا أن هؤلاء كانت قلوبهم ممتلئة من لا إله إلا الله ! وجردوا أنفسهم من الحظوظ والرغبات ! جيل قرآني فريد !!

      تعليق


      • #4
        لما وقع اختيار الضبع على العاصي ، ورضي أتباعه بأبي موسى أخذوا في تنظيم الكتاب فكتب : هذا ما تقاضى عليه ( أمير المؤمنين )

        فقال الضبع بئس الرجل انا ان أقررت انه أمير المؤمنين ثم قاتلته ! ( وكأن وارث السيد رحمة الرسمي لا يستحق لقب أمير المؤمنين إلا بإقرار الضبع الطليق )

        قال عاصي للكاتب اكتب اسمه واسم ابيه . انما هو أميركم . وأما أميرنا فلا .

        قال السيد كمال : لا إله إلا الله والله أكبر سُنّة بِسُنّة !! أما والله لَعلى يَدَيّ دار هذا الأمرُ يوم الحديبية بين السيد رحمة وبين سهيل بن عمرو .. وكنتُ كاتب السيد رحمة فراجعني المشركون في هذا . وقال لي السيد رحمة : ( ان لك مثلها , ستعطيها وأنت مُضطهَد ) .. فاليوم اكتبها الى ابنائهم كما كتبها السيد رحمة الى آبائهم سنة ومثلاً ..

        قال العاصي : شبهتنا بالكفار ونحن مؤمنون ؟

        فقال له السيد كمال : يا بن النابغة . ومتى لم تكن للكافرين ولياً وللمسلمين عدواً !


        ومع ان هذا هو رأي أمير المؤمنين في هذه العصابة , إلا أن من الطريف أن جاء في نص وثيقة مفاوضات التحكيم : ( وعلى أبي موسى والعاصي عهد الله وميثاقه ليحكمان بين الأمة بالحق ! وأخذنا عليهما عهد الله وميثاقه ليقضيا بما وجدا في كتاب الله ! فالسنة الجامعة غير المفرقة ! )

        وقد ذكروا أن من علامات الأحمق : الثقة بكل أحد .

        من أين لمن حارب السيد رحمة عمره كله حتى رحل عن الجزيرة وعن الدنيا ولم ينقد له إلا حينما أدركه الغرق : أن يحكم بالحق وبكتاب الله لا بالهوى !! وهذا هو كلام أمير المؤمنين في حقهم صريح لا يحتمل التأويل !

        لكل داء دواء يُستطب به * إلا الحماقة أعيت من يداويها !

        ولكن الحقيقة المرة : أن السيد كمال لم تكن له - في قلوبهم - تلك الأهمية والمنزلة المطلوبة التي أنزله السيد رحمة إياها قبل رحيله .. بل على العكس : كان هناك بغض دفين نحوه , وكل من لم يستطع إظهار هذا البغض أو التأفف من السيد رحمة أظهره في حق السيد كمال من بعده لأن الكل كان يعلم أنه هو الممثل الرسمي عنه حتى كأنهما وجهان لعملة واحدة , ولكن مع ذلك لم يعرفوا له حقه ولا قدره ولم يصبروا على الحق الذي معه .. ذلك لأن الحق الكمالي ّ ثقيل على النفوس للغاية إلا ما ندر من ذرية السيد عنتر , وقليل ماهم ..

        نرجع إلى فتنة وهبي ورجاله الخارجين على السيد كمال .. من الرُكّع السجود .. اهل قيام الليل والبكاء من خشية الله .. او أصحاب الجباه السود .. أشباه النيب الجلالة كما سماهم السيد مطيع ..

        جاء أحدهم ذات يوم الى المسجد والسيد كمال جالس وحوله أصحابه . فصاح ـ لا حكم إلا لله ولو كره المشركون !

        فتلفت الناس .. ثم صاح لا حكم إلا لله ولو كره المنافقون !

        فرفع السيد كمال رأسه إليه ، ثم صاح الرجل ، لا حكم إلا لله ولو كره كمال !

        فقال السيد كمال : إن كمالاً لا يكره أن يكون الحكم لله .

        ثم قال حكم الله انتظر فيكم

        فقال له الناس هلا ملت يا أمير المؤمنين فأفنَيتَهُم ؟

        فقال كلمة محورية ومفصلية سيظل يسمعُها التاريخ ويكتمها دعاة الفتنة , قال : انهم لا يفنون وان منهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة .

        كلمة واحدة ولكنها تحل لنا كل مشاكلنا المعاصرة مع من أشباه النيب الجلالة الجُدُد, المسبحون بحمد حكام الجور وأئمة الضلال .. الكارهين لكل ما رحمة وكل ما هو كمال ..

        كلمة واحدة تنبأ بها السيد كمال ووصم بها أصدقائنا اصدقاء الإسلام ممن ينوحون على أعواد المنابر ويتباكون على ضياع جزيرة الإسلام وتكالب الأعداء عليها كما يتداعى الأكلة إلى قصعتها .. وهم هم الأكَلة لو كانوا يعلمون ! من منهم ليس ضبعاً أو عاصياً ! من منهم مناصراً لدعوة السيد كمال النقية نقاء دعوة السيد رحمة ! من منهم يصبر على ثقل الحق الصِرف ! من كان منهم كذلك فليخبرنا ! كي نكذبه بكل فعل من أفعاله وأقواله وأحواله !

        دخل اثنان من رؤوس الخوارج الوهبيين على السيد كمال

        فقال له أحدهما واسمه حرقوص : تب من خطيئتك وأخرج بنا الى معوية نجاهده .

        فقال : اني كنت نهيت عن الحكومة فأبيتم ثم الآن تجعلونها ذنباً اما أنها ليست بمعصية ولكنها عجز من الرأي وضعف في التدبير وقد نهيتكم عنه

        فقال له الآخر : أما والله لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لأقتلنك اطلب بذلك وجه الله ورضوانه !!

        وخرج السيد كمال يخطب الناس فصاح به الخوارج من جوانب المسجد لا حكم إلا لله ! وصاح به خارجيّ ( ولقد أوحى اليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )

        فقال السيد كمال : ( فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .

        خرج أحد الخوارج يسمى الأشعث بن قيس بنص الوثيقة يقرؤه على الناس ، ويعرضه عليهم ويمر به على صفوف الضبع وراياتهم فرضوا بذلك ، ثم مر به على صفوف جيش السيد كمال وراياتهم يعرضه عليهم .. فلما مربهم الأشعث فقرأه عليهم قال فتيان منهم : لا حكم إلا لله ! ثم حملا على جيش الضبع بسيوفهما فقاتلا حتى قتلا على باب رواق الضبع

        ثم مر على مجموعة أخرى فقال رجل منهم : لا حكم إلا لله ولو كره المشركون !

        ثم مر على ثالثة فقالوا : لا حكم إلا لله ، لا نرضى ولا نحكم الرجال في دين الله .

        ثم مر على رابعة فقرأها عليهم فقال رجل منهم : لا حكم إلا لله ، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين .

        ثم إن أحدهم شد بسيفه ليضرب به الأشعث ، فأخطأه ..

        فتركهم وانطلق إلى السيد كمال فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عرضت الحكومة على الجيشين ، فقالوا جميعا : قد رضينا . حتى مررت ببعضهم فقالوا : لا نرضى ، لا حكم إلا لله .

        فلنحمل عليهم فنقتلهم .

        فقال السيد كمال : هل هي غير راية أو رايتين ونُبذ من الناس ؟ قال : بلى . قال : دعهم !

        فظن السيد كمال أنهم قليلون لا يعبأ بهم . فما راعه إلا نداء الناس من كل جهة وفي كل ناحية : لا حكم إلا لله ! الحكم لله يا علي لا لك ! لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين الله ! إن الله قد أمضى حكمه في الضبع وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم . وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين ، فرجعنا وتبنا ، فارجع أنت يا كمال كما رجعنا ، وتب إلى الله كما تبنا ، وإلا برئنا منك .

        فقال السيد كمال : ويحكم !! أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع ؟ أو ليس الله الله تعالى قال : ( أوفوا بالعقود ) ؟

        فأبى أن يرجع ، وأبت الخوارج إلا تضليل التحكيم والطعن فيه ، وبرئت من السيد كمال ، وبرئ منهم ..

        ( إن الله قد أمضى حكمه في الضبع وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم ) .. هذا هو تفسير تلك المقولة اللاعقلانية من الخوارج , أن يؤوال الحكم لهم في نهاية المطاف , فقد غارت أنفسهم النارية من حُكم رجلين من دونهم .. وكانت هذه النزعة الفردية هي الظاهرة المسيطرة على قطعان الخوارج البشرية منذ بداية تَشَكُّلِها .. وكانت هذه الأمراض القلبية والمعاصي الباطنية هي سبب تطاولهم على إمامهم ورد حكمه ومعصية أوامره باستمرار على طول الخط ..

        ولكن الإمام كان صورة السيد رحمة ومظهراً لصفة ( العزيز ) المُراد لا المُريد , المطلوب لا الطالب .. ومن هنا كانت بداية حلول اللعنة على هؤلاء الأبالسة وعلى كل من لم ينكر عليهم شيطنتهم .. وكانت اللعنة باختصار هي تنازل السيد كمال عن قيادة أهل الجزيرة وولاية امرهم , ووضع الحواجز والعقبات أمام تحقق هذا الأمر .. فلم يكن من الممكن استمرار هذا الأخذ والرد لفترة طويلة إلا أن يُمعِن السيد كمال في القتل والتذبيح كما سيفعل الضبع بعد ذلك بلا رحمة .. ولكن السيد كمال هو مظهر من مظاهر الرحمة ولم يكن له ان يفعل ذلك .. ولكنه ترك لهم الجمل بما حمل .. ماداموا هم العُقلاء الأكياس الذين يحسنون كل شئ كل شئ ..

        قال له أحد رجال وهبي مراجعاً إياه : يا أمير المؤمنين ! أما إلى الرجوع عن هذا الكتاب من سبيل ؟ فإني اخاف أن يورث ذلاً !
        فقال : أبعد أن كتبناه ننقضه ؟ إن هذا لا يحل !

        فاحتالوا عليه قائلين : إن مُطيعاً لا يرضى بما في هذه الصحيفة , ولا يرى إلا قتال القوم ( يحسبونه مثلهم )
        ققال : بلى إن مُطيعاً يرضى إذا رضيتُ , وقد رضيتُ ورضيتم , ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ولا التبديل بعد الإقرار إلا أن يُعصى الله أو يُتعدى ما في كتابه ..

        كانت هذه هي بداية حلول اللعنة المحققة على هؤلاء .. والتي لم تزُل حتى اللحظة , فما زالت الأرض تعُجُّ بوهبي ورجاله في كل شبر من الأرض يمارسون مزيداً من التعتيم على السيد كمال , ومزيداً من التكايُس والتعاقُل وادّعاء الرُشد والبلوغ والاستغناء عن خدمات الإمام .. السيد كمال وخلفاؤه ..

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

        يعمل...
        X