القرآن في منهج أهل البيت
كان القرآن الكريم هو الأساس في منهج أهل البيت(ع)، وتأتي السّنّة في خطه: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر:7]، والقرآن هو الذي يؤصِّل لنا مفاهيم السُّنّة، ومن هنا، فإنَّ الحديث عندما يأتينا، فإننا يجب أن نعرضه على القرآن، فما وافق كتاب الله نأخذ به، وما خالفه ندعه.. وفي هذا يقول الإمام الرِّضا(ع) في ما ينقل بعض أصحابه، وهو (الريان بن الصلت)، قال: "قلت للرضا(ع): ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله فلا تتجاوزوه ـ أي قفوا عنده وادرسوه وتدبّروه وخذوا منه مفاهيم الفكر في العقل، وخذوا منه خطوط الحركة في الواقع، ومناهج الحركة في ما تتحرّكون به في هذا العلم أو ذاك ـ لا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا"(28)، فهو الهدى والنور، وإذا انفتحتم عليه وعرفتم كلَّ معانيه، فإنَّكم سوف تعرفون الهدى مشرقاً منيراً مضيئاً، أما إذا تجاوزتموه إلى غيره، فقد ترون ظلماتٍ بعضها فوق بعض.
ويقودنا الإمام الرضا(ع)، كما يقودنا الأئمة من أهل البيت(ع) في كلِّ أحاديثهم إلى القرآن الكريم. وقد جاء في حديث أحد أصحابه أنه قال: "سمعت إبراهيم بن العباس يحدّث عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر، أنَّ رجلاً سأل أبا عبد الله: ما بال القران لا يزداد عند النشر والدراسة إلا غضاضةً؟ ـ أي إلاَّ جِدَةً، فهو قد نزل قبل عشرات القرون، ونحن نقرأه بعد كلِّ هذه القرون، فما بالُنا، وهو كتابٌ قديمٌ استهلك الناس قراءته ودراسته، فما بالُنا نشعر أننا عندما ندرسه، فكأننا ندرس شيئاً جديداً علينا لم نقرأه من قبل ـ فقال(ع): لأنَّ الله لم يُنزله لزمان دون زمان ـ ذلك أنَّ القرآن هو كتاب الله الذي يعيش مع الزمن كلِّه، ومن هنا، فقد اختزن القرآن بإيحاءات معانيه وفي الآفاق التي يمكن أن ينفتح ويطل عليها، ما يمكن له أن يخاطب أهلَ كلِّ جيلٍ بقضاياهم ومشاكلهم ـ لأنَّ الله لم ينزله لزمانٍ دون زمان ولا لناسٍ دون ناس ـ فقد خاطب الناس كلَّهم: {يا أيُّها النّاس اتقوا ربّكم} [الحج:1]، {يا أيّها الناسُ إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى} [الحجرات:13]، وخاطب المؤمنين في كلِّ زمانٍ ومكان: {يا أيُّها الذين آمنوا}، لم يخاطب الناس في زمنه، ولم يخاطب المؤمنين في زمنه ـ فهو في كلِّ زمانٍ جديد، وعند كلِّ قومٍ غضّ حيويّ إلى يوم القيامة"(29).
ومن خلال ذلك، لا بدَّ عندما نقرأ القرآن وندرسه، أن نستوحيه في كلِّ ما يستجدُّ في حياتنا، لنقف عند آفاقه حتى تنفتح على آفاقنا، فلا نقرأ القرآن في الأحداث التي عاشت في عهد الرسالة الأولى وحسب، بل نقرأه من خلال تلك الأحداث على أساس أن تكون هذه الأحداث أحداث الحياة وليست أحداث زمنٍ معيّن أو موقع معيّن. وبهذا نستطيع أن نتحرّك بالقرآن وأن يحرّكنا القرآن، وأن نحرّك القران في كلِّ واقعنا.
إنّـا له لحافظون
قال عليّ بن محمّد بن موسى الرازيّ: حدّثني أبي قال: ذكر الرضا(ع) يوماً القرآن فعظّم الحجة فيه ـ يعني ما احتجّ الله به على عباده في كلِّ ما لله فيه الحجة {فلله الحجّة} [الأنعام:149] على جميع خلقه، واحتجَّ به على الكافرين والمشركين والمنافقين ـ والآية والمعجزة في نظمه ـ يعني في أسلوبه ـ وقال: هو حبل الله المتين وعروته الوثقى وطريقته المثلى المؤدي إلى الجنّة ـ باعتبار أنَّ من أخذ به استطاع أن يكتشف طريق الجنّة في كلِّ ما يخطّطه القرآن للإنسان ـ والمُنجي من النار لا يَخْلَق ـ يعني لا يبلى ـ على الأزمنة، ولا يفت على الألسنة، لأنَّه لم يُجعل لزمانٍ دون زمان، بل جُعِل دليلَ البرهان والحجّة على كلِّ لسان: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [فصّلت:42] ـ وهذه الكلمة تشير إلى أنَّ القرآن لا يمكن أن يُنسب إليه التحريف، سواء من حيث الزيادة أو من حيث النقصان. وعلى هذا الأساس، فما يُنسَب إلى شيعة أهل البيت(ع) بأنَّهم يرون تحريف القرآن، فإنَّ ذلك مما يكذّبه حديث أئمتهم(ع) ـ {لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد} [فصّلت:42]، وهكذا نرى كيف يعظّم أهل البيت(ع) القرآن، وكيف يريدون من الناس جميعاً أن يكون النورَ الذي يُشرق في عقولهم، والهدى الذي يتمثّل أمام عيونهم، والمنهج الذي ينتهجونه في كلِّ ما يريدون الوصولَ إليه، والطريق المستقيم الذي يقود إلى الجنّة وينجي من النّار.
وهذا هو الذي يفرض على المسلمين، ولا سيّما أتباع الأئمة من أهل البيت(ع)، أن تكون الدراسات القرآنية في موقع القلب في الدراسات الإسلامية، في عملية فهم وتدبّر واستنطاق لمفاهيمه من خلال ظواهره، على أساس القواعد الثابتة لفهم النص في اللغة العربية في تنوعاتها البلاغية، وأن لا يُسمح لأصحاب الاتجاهات الفكرية والمذهبية الخاصة في أيّ شأن من الشؤون الثقافية أن يفرضوا أفكارهم ومذهبيّاتهم على القرآن في عملية تأويل يخرج به النص عن القاعدة الظهورية في فهمه أو في الاستناد إلى بعض الروايات غير الموثوقة سنداً أو متناً مما وضعه الواضعون، فإن مسألة القرآن من أخطر المسائل في العقيدة الإسلامية وفي التشريع الإسلامي، فلا يجوز لأي شخص أن يلعب فيه بالوسائل المنحرفة عن القاعدة الأصيلة. وسوف تسقط كل تلك التجارب أمام النور القرآني الذي يضيء غيره ولا يحتاج إلى شيء يضيء معانيه.
من كتابات السيد فضل الله
كان القرآن الكريم هو الأساس في منهج أهل البيت(ع)، وتأتي السّنّة في خطه: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر:7]، والقرآن هو الذي يؤصِّل لنا مفاهيم السُّنّة، ومن هنا، فإنَّ الحديث عندما يأتينا، فإننا يجب أن نعرضه على القرآن، فما وافق كتاب الله نأخذ به، وما خالفه ندعه.. وفي هذا يقول الإمام الرِّضا(ع) في ما ينقل بعض أصحابه، وهو (الريان بن الصلت)، قال: "قلت للرضا(ع): ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله فلا تتجاوزوه ـ أي قفوا عنده وادرسوه وتدبّروه وخذوا منه مفاهيم الفكر في العقل، وخذوا منه خطوط الحركة في الواقع، ومناهج الحركة في ما تتحرّكون به في هذا العلم أو ذاك ـ لا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا"(28)، فهو الهدى والنور، وإذا انفتحتم عليه وعرفتم كلَّ معانيه، فإنَّكم سوف تعرفون الهدى مشرقاً منيراً مضيئاً، أما إذا تجاوزتموه إلى غيره، فقد ترون ظلماتٍ بعضها فوق بعض.
ويقودنا الإمام الرضا(ع)، كما يقودنا الأئمة من أهل البيت(ع) في كلِّ أحاديثهم إلى القرآن الكريم. وقد جاء في حديث أحد أصحابه أنه قال: "سمعت إبراهيم بن العباس يحدّث عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر، أنَّ رجلاً سأل أبا عبد الله: ما بال القران لا يزداد عند النشر والدراسة إلا غضاضةً؟ ـ أي إلاَّ جِدَةً، فهو قد نزل قبل عشرات القرون، ونحن نقرأه بعد كلِّ هذه القرون، فما بالُنا، وهو كتابٌ قديمٌ استهلك الناس قراءته ودراسته، فما بالُنا نشعر أننا عندما ندرسه، فكأننا ندرس شيئاً جديداً علينا لم نقرأه من قبل ـ فقال(ع): لأنَّ الله لم يُنزله لزمان دون زمان ـ ذلك أنَّ القرآن هو كتاب الله الذي يعيش مع الزمن كلِّه، ومن هنا، فقد اختزن القرآن بإيحاءات معانيه وفي الآفاق التي يمكن أن ينفتح ويطل عليها، ما يمكن له أن يخاطب أهلَ كلِّ جيلٍ بقضاياهم ومشاكلهم ـ لأنَّ الله لم ينزله لزمانٍ دون زمان ولا لناسٍ دون ناس ـ فقد خاطب الناس كلَّهم: {يا أيُّها النّاس اتقوا ربّكم} [الحج:1]، {يا أيّها الناسُ إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى} [الحجرات:13]، وخاطب المؤمنين في كلِّ زمانٍ ومكان: {يا أيُّها الذين آمنوا}، لم يخاطب الناس في زمنه، ولم يخاطب المؤمنين في زمنه ـ فهو في كلِّ زمانٍ جديد، وعند كلِّ قومٍ غضّ حيويّ إلى يوم القيامة"(29).
ومن خلال ذلك، لا بدَّ عندما نقرأ القرآن وندرسه، أن نستوحيه في كلِّ ما يستجدُّ في حياتنا، لنقف عند آفاقه حتى تنفتح على آفاقنا، فلا نقرأ القرآن في الأحداث التي عاشت في عهد الرسالة الأولى وحسب، بل نقرأه من خلال تلك الأحداث على أساس أن تكون هذه الأحداث أحداث الحياة وليست أحداث زمنٍ معيّن أو موقع معيّن. وبهذا نستطيع أن نتحرّك بالقرآن وأن يحرّكنا القرآن، وأن نحرّك القران في كلِّ واقعنا.
إنّـا له لحافظون
قال عليّ بن محمّد بن موسى الرازيّ: حدّثني أبي قال: ذكر الرضا(ع) يوماً القرآن فعظّم الحجة فيه ـ يعني ما احتجّ الله به على عباده في كلِّ ما لله فيه الحجة {فلله الحجّة} [الأنعام:149] على جميع خلقه، واحتجَّ به على الكافرين والمشركين والمنافقين ـ والآية والمعجزة في نظمه ـ يعني في أسلوبه ـ وقال: هو حبل الله المتين وعروته الوثقى وطريقته المثلى المؤدي إلى الجنّة ـ باعتبار أنَّ من أخذ به استطاع أن يكتشف طريق الجنّة في كلِّ ما يخطّطه القرآن للإنسان ـ والمُنجي من النار لا يَخْلَق ـ يعني لا يبلى ـ على الأزمنة، ولا يفت على الألسنة، لأنَّه لم يُجعل لزمانٍ دون زمان، بل جُعِل دليلَ البرهان والحجّة على كلِّ لسان: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [فصّلت:42] ـ وهذه الكلمة تشير إلى أنَّ القرآن لا يمكن أن يُنسب إليه التحريف، سواء من حيث الزيادة أو من حيث النقصان. وعلى هذا الأساس، فما يُنسَب إلى شيعة أهل البيت(ع) بأنَّهم يرون تحريف القرآن، فإنَّ ذلك مما يكذّبه حديث أئمتهم(ع) ـ {لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد} [فصّلت:42]، وهكذا نرى كيف يعظّم أهل البيت(ع) القرآن، وكيف يريدون من الناس جميعاً أن يكون النورَ الذي يُشرق في عقولهم، والهدى الذي يتمثّل أمام عيونهم، والمنهج الذي ينتهجونه في كلِّ ما يريدون الوصولَ إليه، والطريق المستقيم الذي يقود إلى الجنّة وينجي من النّار.
وهذا هو الذي يفرض على المسلمين، ولا سيّما أتباع الأئمة من أهل البيت(ع)، أن تكون الدراسات القرآنية في موقع القلب في الدراسات الإسلامية، في عملية فهم وتدبّر واستنطاق لمفاهيمه من خلال ظواهره، على أساس القواعد الثابتة لفهم النص في اللغة العربية في تنوعاتها البلاغية، وأن لا يُسمح لأصحاب الاتجاهات الفكرية والمذهبية الخاصة في أيّ شأن من الشؤون الثقافية أن يفرضوا أفكارهم ومذهبيّاتهم على القرآن في عملية تأويل يخرج به النص عن القاعدة الظهورية في فهمه أو في الاستناد إلى بعض الروايات غير الموثوقة سنداً أو متناً مما وضعه الواضعون، فإن مسألة القرآن من أخطر المسائل في العقيدة الإسلامية وفي التشريع الإسلامي، فلا يجوز لأي شخص أن يلعب فيه بالوسائل المنحرفة عن القاعدة الأصيلة. وسوف تسقط كل تلك التجارب أمام النور القرآني الذي يضيء غيره ولا يحتاج إلى شيء يضيء معانيه.
من كتابات السيد فضل الله
تعليق