إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

عيد الغدير أعظم الأعياد في الإسلام (الإمام الشيرازي)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عيد الغدير أعظم الأعياد في الإسلام (الإمام الشيرازي)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}. صدق الله العلي العظيم. (المائدة/67)

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

    العيد في الإسلام

    قال تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (المائدة/3)

    إنّ طبيعة الأعياد في الإسلام تختلف عن الأعياد في الأديان الأخرى، فالعيد في غير الإسلام هو غالباً للحصول على مكسب مادي بحت.

    مثلاً، الشخص الذي يربح في تجارته ربحاً وفيراً يتخذ ذلك اليوم عيداً له، ومن يحقّق أمنية من أمانيه يعد ذلك اليوم عيداً له، وكذلك الشخص الذي يولد له مولود يتخذ هذا اليوم عيداً، وهكذا توجد نماذج كثيرة لهذه الأعياد في نظرهم، وخصوصاً في بعض المجتمعات الغربية ومن سار على شاكلتهم.

    وبتوضيح أكثر نقول: إنّ أغلب الأعياد في غير الإسلام ترتكز على الماديات المحضة فحسب، وعلى إشباع الرغبات الجسدية فقط.

    أما العيد في الإسلام فإنه يختلف اختلافاً كبيراً عن هذه الأعياد ـ من حيث المعنى والدلالة ـ فالإسلام الذي يرى الإنسان جسماً وروحاً ومادة ومعنى، ويحاول التعادل بينهما والتكافؤ فيهما، ينسّق في أعياده بين الماديات والمعنويات، ويؤكد على أنه كما يستفيد الإنسان من مظاهر العيد المادية، يستفيد كذلك من الأمور الروحية والمعنوية أيضاً.

    إن العيد في نظر الإسلام هو اليوم الذي يتنازل فيه الإنسان عن بعض الماديات لصالح أموره الروحية والمعنوية، خُذ مثلاً عيد الفطر: هذا العيد الذي يأتي بعد مرور شهر كامل على تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدية، والرغبات الشهوانية والجسمانية، وهي حاجته للطعام والشراب وما إلى ذلك من الأشياء التي يمتنع عنها الصائم في صيامه، فهو عيد قوة الروح وسلامته، والسيطرة على الشهوات والرغبات، لكسب معنوي، وهو التعادل بين الروح والجسم، إضافة إلى الثواب الآخروي، وامتلاك الإرادة الصلبة في مجال الطاعة لله عزوجل واكتساب فضائل روحية عديدة، مثل الإحساس بالفقراء ومواساتهم، والنزوع عن هوى النفس وشهواتها، وغير ذلك.

    فقد قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): {إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد} (وسائل الشيعة: ج15 ص308 ب41 ح20599)

    ومن الواضح أنّ هذا العيد لا يخصّ إنساناً واحداً بعينه، وإنْ كان يعود عليه بالنفع والفائدة، بل إنّ هذا العيد يشمل كل المجتمع، فآثاره عندنا عامة لا خاصة فقط، واجتماعية لا شخصية فحسب.

    أما العيد في غير الإسلام، فإنه مجرد حصول الشخص على رغبة مادية بحتة، وان كان فيها شيء من المعنويات فهو يتغاضى عنها ولا يعبأ بها، خذ مثلاً عيد ميلاد الأشخاص العاديين، ماذا يعني ذلك عندهم؟

    إنه يعني مجرد الحصول على هذا الجسم متغافلين عن الروح الذي هو جوهر الجسم وبه حياته، فهل الاحتفال بشق الإنسان وهو الجسم الأقل أهمية، ونسيان الشق الآخر وهو الروح الأكبر أهمية، يعدّ احتفالاً كاملاً وشاملاً، ومفيداً ونافعاً!

    كلاّ، ليس هذا الاحتفال احتفالاً كاملاً وشاملاً، لأنه لا يعود على جوهر الإنسان وهو روحه ومعنوياته بخير أبداً، بل يزيد في تضخيم الجسم والماديات على حساب الروح والمعنويات، ولا يكون مفيداً ولا نافعاً؛ لأنه يؤدي إلى عدم التوازن بينهما، وعدم التوازن بينهما يعني: القلق والاضطراب، والبؤس والمرض.

    وربَّ سائل يسأل: لماذا يحتفل المسلمون وخصوصاً الشيعة بذكرى ولادة الأنبياء والأئمة والأولياء (عليهم الصلاة والسلام)؟

    وللجواب نقول: إن احتفالنا بذكرى ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) هو احتفالٌ كاملٌ وشاملٌ، لأنا إضافة إلى الاحتفاء بولادتهم الجسمانية، نهتم بفضائلهم الروحية والمعنوية، ونحتشد لإحياء ما قدموه للإنسانية من خدمات عظيمة تستحق الاحتفال والتذكر دوماً.

    لذا فإن الاحتفال بـ «عيد الغدير» هو باعتبار عظمة الذكرى أولاً، وباعتبار أنّ الإمام (عليه السلام) علّمنا في هذا اليوم كيف نصل إلى الأمن والسلام، والسعادة والهناء وكيف نستعمل الأمور المادية لخير الإنسانية، وكيف نستفيد من الحياة لصالح الآخرة ونعيمها، وان لا نبيع آخرتنا الباقية لدنيانا الفانية، ولا العكس بأن نترك دنيانا ونتناساها بالمرة من أجل الآخرة، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): {ليس منا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه} (من لا يحضره الفقيه: ج3 ص156 باب المعايش والمكاسب ح3568) وهذا هو الكسب الإنساني الصحيح؛ لأنّ في اتباع ذلك الفوز بحياة سعيدة في الدنيا، وبالجنة والنجاة من النار في الآخرة.

    نعم، إن عيد الغدير هو إحياء للمعنويات إلى جانب الماديات، فهو يوم تعيين الخلافة لعلي (عليه السلام) بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) مضافاً إلى أنه أمر معنوي سماوي نزل به جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولهذا يعتبر هذا العيد من أهم وأعظم الأعياد عند المسلمين. وفي ذلك قال أحد أصحاب الأئمة (عليهم السلام): سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟

    قال (عليه السلام): «نعم، أعظمها حرمة».

    قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟!

    قال (عليه السلام): «اليوم الذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: من كُنت مولاه فعلي مولاه».

    قلت: وأي يوم هو؟

    قال (عليه السلام): «وما تصنع باليوم؟ إنّ السنة تدور، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة».

    فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟

    قال: «تذكرون الله (عزّ ذكره) فيه بالصيام والعبادة، والذكر لمحمد وآل محمد، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يُتخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً» (الكافي: ج4 ص149 باب صيام الترغيب ح3).

    فعلى المسلمين اليوم أن يجعلوا هذا اليوم حافزاً لهم لعمل الخير والصلاح، والاتجاه إلى الله في كل عمل من أعمالهم، والوقوف بوجه الظالمين وأعداء الدين، ليزدادوا قرباً من العلي القدير

  • #2
    يوم البشرى

    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (سورة المائدة/67).

    نزلت هذه الآية الكريمة على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) تأمره أن يبلِّغ ما أمره الله سبحانه به.

    وقد ذكر ثقاة المفسرين أنها نزلت على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لكي يبلِّغ ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الناس، وقد ذكر المفسرون والمؤرخون والمحدثون جميعاً في تفسير هذه الآية: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرّر الذهاب إلى الحج في السنة الأخيرة من حياته، والذي عرف فيما بعد بحجة الوداع (الغدير: ج1 ص8)، فوجّه (صلى الله عليه وآله) نداءه إلى المسلمين كافة يدعوهم فيه إلى أداء فريضة الحج وتعلّم مناسكه منه، فانتشر نبأ سفره، وصدى ندائه في المسلمين جميعاً، وتوافد الناس إلى المدينة المنورة، وانضمّوا إلى موكب الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى بلغ عدد الذين خرجوا معه (120) ألفاً على أغلب الروايات، وفي بعض مصادر العامة (180) ألفاً، والتحق بالنبي (صلى الله عليه وآله) ناس كثيرون من اليمن ومكة وغيرهما، ولمّا أدى الرسول (صلى الله عليه وآله) مناسك الحج انصرف راجعاً إلى المدينة، وخرجت المسيرة التي كانت تربو على (120) ألفاً من المسلمين، حتى وصلت إلى أرض تسمى «خُم» وفيها غدير اجتمع فيه ماء المطر يدعى (غدير خم) وكان وصولهم إليه في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من عام حجة الوداع وفي سنة عشر من مهاجره (صلى الله عليه وآله).

    وعندما وصلت المسيرة العظيمة إلى هذه المنطقة هبط الأمين جبرئيل من عند الله تعالى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتفاً بالآية الكريمة:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك} ( المائدة/ 67) أي: في علي (عليه السلام) فأبلغ جبرئيل الرسول (صلى الله عليه وآله) رسالة الله إليه: بأن يقيم علي بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً على الناس وخليفة من بعده ووصياً له فيهم، وأن يبلغهم ما نزل في علي (عليه السلام) من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد.

    فتوقف النبي (صلى الله عليه وآله) عن المسير وأمر أن يلحق به من تأخر عنه ويرجع من تقدم عليه، وكان الجو حاراً جداً حتى كان الرجل منهم يتصبب عرقاً من شدة الحر وبعضهم كان يضع بعض ردائه على رأسه والبعض الآخر تحت قدميه لإتقاء جمرة الحر وشدته.

    وأدركتهم صلاة الظهر فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس ومدت له ظلال على شجرات ووضعت أحداج الإبل بعضها فوق بعض حتى صارت كالمنبر، فوقف الرسول (صلى الله عليه وآله) عليها لكي يشاهده جميع الحاضرين ورفع صوته من الأعماق ملقياً فيهم خطبة بليغة مسهبة، ما زالت تصكُّ سمع الدهر، افتتحها بالحمد والثناء على الله سبحانه، وركّز حديثه وكلامه حول شخصية خليفته الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذكر فضائله ومناقبه ومزاياه ومواقفه المشرّفة ومنزلته الرفيعة عند الله ورسوله، وأمر الناس بطاعته وطاعة أهل بيته الطاهرين، وأكّد أنهم حجج الله تعالى الكاملة، وأولياؤه المقرَّبون وأُمناؤه على دينه وشريعته، وأنّ طاعتهم طاعة الله تعالى ورسوله ومعصيتهم معصية لله، وإنّ شيعتهم في الجنة ومخالفيهم في النار.

    وكان مما قال (صلى الله عليه وآله) بعدما نزلت آية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}: «يا أيها الناس، إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه، فأوشك أن أُدعى فأجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ » فقالوا: نشهد أنك قد بلَّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.

    فقال (صلى الله عليه وآله): «ألستم تشهدون أن لا إله الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حقّ وناره حقّ، وإنّ الموت حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور».

    قالوا: بلى نشهد بذلك.

    فقال (صلى الله عليه وآله): «اللهم اشهد»، ثم قال: «أيها الناس ألا تسمعون؟ ».

    قالوا: نعم.

    فقال (صلى الله عليه وآله): «فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين».

    فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟

    قال (صلى الله عليه وآله): «الثقل الأكبر: كتاب الله، طرف بيد الله عزوجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا»! ثم أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيد الإمام علي (عليه السلام) فرفعها حتى بان بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون.

    فقال (صلى الله عليه وآله): «أيها الناس مَن أولى الناس بالمؤمنين مِن أنفسهم؟ ».

    فقالوا: الله ورسوله أعلم.

    فقال (صلى الله عليه وآله): «إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ـ يقولها ثلاث مرات ـ ثم قال: اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحب من أحبَّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلِّغ الشاهد منكم الغائب» (راجع بحار الأنوار: ج37 في أخبار الغدير ص108).

    ثم تابع رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبته فقال:

    «فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإن الله قد نصبه لكم إماماً، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن الله مولاكم وعلي إمامكم، ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، لا حلال إلا ما حلله الله وهم، ولا حرام إلا ما حرمه الله وهم فصلوه، فما من علم إلا وقد أحصاه الله في ونقلته إليه ـ في أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ.

    لا تضلوا عنه ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر له، حتم على الله أن يفعل ذلك، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق، ملعون من خالفه.

    قولي عن جبرائيل عن الله فـ {لْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (الحشر/ 18)افهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسر لكم ذلك إلا من أنا آخذ بيده شائل بعضده. ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت.

    إن الله قال وأنا قلت عنه: لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره».

    ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبته (صلى الله عليه وآله) وقال:

    «معاشر الناس، هذا أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي، اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة/3) بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة فـ {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}(التوبة/17)... »(الصراط المستقيم: ج1 ص301 ب9).

    ثم تابع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) خطبته وحثَّ الناس على إتباع علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيته، وانتهت الخطبة النبوية المسهبة والتي تناولت أموراً كثيرة وحيوية بتعيين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أميراً على المؤمنين ووصياً وخليفة لرسول ربِّ العالمين.

    وقبل أن يتفرق الناس هبط جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالآية الكريمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} وقد جاء في التفاسير: بأنّ هذه الآية جاءت بعد أنّ نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأمر من الله تعالى علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) إماماً على العالمين، وتسمى هذه الآية بآية الكمال أي كمال الدين، وهي ـ بحسب بعض الروايات ـ آخر فريضة أنزلها الله تعالى على رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله).(انظر تفسير العياشي ج1 ص293. تفسير القمي: ج1 ص162. وتفسير فرات الكوفي ص120)

    وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل، فقال له: يا محمد، إنّ الله يقرؤك السلام ويقول لك: قل لأمتك: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بولاية علي بن أبي طالب {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}، ولست أنزل عليكم بعد هذا، قد أنزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج وهي الخامسة، ولست أقبل هذه الأربعة إلاّ بها» (بحار الأنوار: ج37 ص138 ب52 ح28).

    وقد رأينا هنا أن نورد الخطبة كاملة وكما ذكرها السيد ابن طاووس الحلي الحسني (التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين: ص579 القسم 1 ب29):

    عن زيد بن أرقم قال: لما أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع جاء حتى نزل بغدير خم بالجحفة بين مكة والمدينة، ثم أمر بالدوحات بقم ما تحتهن من شوك، ثم نودي بالصلاة جامعة، فخرجنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم شديد الحر، وإن منا من يضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر والرمضاء، ومنا من يضعه فوق رأسه، فصلى بنا (صلى الله عليه وآله) ثم التفت إلينا فقال:

    «الحمد لله الذي علا في توحيده ودنا في تفرده وجل في سلطانه وعظم في أركانه وأحاط بكل شيء وهو في مكانه وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، حميدا لم يزل ومحمودا لا يزال ومجيدا لا يزول، ومبديا ومعيدا وكل أمر إليه يعود، بارئ الممسوكات وداحي المدحوات، متفضل على جميع من برأه متطول على كل من ذرأه، يلحظ كل نفس والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شيء رحمته ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما يستحقون من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر ولم يخف عليه المكنونات ولا اشتبه عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شيء والغلبة لكل شيء والقوة في كل شيء والقدرة على كل شيء، ليس كمثله شيء، وهو منشئ حي حين لا حي، ودائم حي وقائم بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

    جل أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق وصفه أحد من معاينة، ولا يحده أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل هو عز وجل على نفسه، أشهد له بأنه الله الذي ملأ الدهر قدسه والذي يغشى الأمد نوره وينفذ أمره بلا مشاورة ولا مع شريك في تقدير ولا يعاون في تدبيره، صور ما ابتدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا اختبال، شاءها فكانت، وبرأها فبانت.

    فهو الله لا إله إلا هو المتقن الصنعة والحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، والأكرم الذي إليه مرجع الأمور، أشهد أنه الله الذي تواضع كل شيء لعظمته، وذل كل شيء لهيبته، مالك الأملاك ومسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاصم كل جبار عنيد وكل شيطان مريد، لم يكن له ضد ولم يكن معه ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، إلها واحدا ماجدا، شاء، فيمضي ويريد ويقضي ويعلم ويحصي ويميت ويحيي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي و يدني ويقصي ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

    لا يولج لليل في نهار ولا مولج لنهار في ليل، إلا هو مستجيب للدعاء، مجزل العطاء محصي الأنفاس رب الجنة والناس، الذي لا يشكل عليه لغة ولا يضجره مستصرخ لا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين مولى المؤمنين ورب العالمين، الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده على كل حال.

    أحمده كثيرا وأشكره دائما على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع لأمره وأطيع وأبادر إلى رضاه وأسلم لما قضاه، رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته؛ لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، أقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي أن لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إذا لم أبلغ ما أنزل إلي لما بلغت رسالته، وقد ضمن لي العصمة وهو الله الكافي الكريم. أوحى إلي:{بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}ـ إلى آخر الآية ـ.(المائدة/67)

    معاشر الناس، وما قصرت فيما بلغت، ولا قعدت عن تبليغ ما أنزله، وأنا أبين لكم سبب هذه الآية: إن جبرئيل (عليه السلام) هبط إلي مرارا ثلاثا، فأمرني عن السلام رب السلام، أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، ووليكم بعد الله ورسوله نزل بذلك آية هي: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ} (المائدة/55). وعلي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع، يريد الله تعالى في كل حال.

    فسألت جبرئيل (عليه السلام) أن يستعفي لي السلام من تبليغي ذلك إليكم أيها الناس؛ لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين ولأعذال الظالمين وأدغال الآثمين وحيلة المستشرين، الذين وصفهم الله تعالى في كتابه بأنهم:{يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (الفتح/11) ويحسبونه {هَيِّناً وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}(النور/15)، وكثرة أذاهم لي مرة بعد أخرى، حتى سموني أذنا، وزعموا أني هو لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه وهواه وقبوله مني، حتى أنزل الله تعالى في ذلك لا إله إلا هو: {الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} (التوبة/61) ـ إلى آخر الآية ـ ولو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لأسمينهم، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله بسترهم قد تكرمت.

    وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي {بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ـ إلى آخر الآية ـ واعلموا معاشر الناس ذلك وافهموه. واعلموا أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما، فرض طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين بإحسان، وعلى البادي والحاضر، وعلى العجمي والعربي، وعلى الحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى كل موجود، ماض حكمه وجاز قوله ونافذ أمره، ملعون من خالفه ومرحوم من صدقه، قد غفر الله لمن سمع وأطاع له.

    معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر الله ربكم، فإن الله هو مولاكم وإلهكم، ثم من دونه رسوله ونبيه محمد القائم المخاطب لكم، ومن بعده علي وليكم وإمامكم، ثم الإمامة في ولدي الذين من صلبه إلى يوم القيامة ويوم يلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله عليكم، وهو والله عرفني الحلال والحرام، وأنا وصيت بعلمه إليه.

    معاشر الناس، فصلوه ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمته فقد علمته عليا، وهو المبين لكم بعدي.

    معاشر الناس، فلا تضلوا عنه ولا تفروا منه، ولا تستنكفوا عن ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهى عنه، لا تأخذه في الله لومة لائم، أول من آمن بالله ورسوله، والذي فدى رسول الله بنفسه، والذي كان مع رسول الله، ولا يعبد الله مع رسوله غيره.

    معاشر الناس، فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.

    معاشر الناس، إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر الله له حتما على الله أن يفعل ذلك، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الأبد، ودهر الدهر، واحذروا أن تخالفوا فتصلوا بنار {وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِين} (البقرة/24).

    معاشر الناس، لي والله بشرى لأكون من النبيين والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فقد كفر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شيء من قولي فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك في النار.

    معاشر الناس، حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي، لا إله إلا هو، ألا له الحمد مني أبد الأبد، ودهر الدهر على كل حال.

    معاشر الناس، فضلوا عليا فهو أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، مانزل الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون من خالفه مغضوب عليه، قولي عن جبرئيل، وقول جبرئيل عن الله عز وجل، فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله أن يخالفوه إن الله خبير بما تعملون.

    معاشر الناس، تدبروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته، ولا تبتغوا متشابهه؛ فوالله لن يبين لكم زواجره، ولن يوضح لكم تفسيره، إلا الذي أنا آخذ بيده، ومصعده إلي، وشائل عضده ورافعها بيدي، ومعلمكم، من كنت مولاه فهو مولاه، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي، أمر من الله نزله علي.

    معاشر الناس، إن عليا والطيبين من ولدي من صلبه هم الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر، وكل واحد منهما مبني على صاحبه، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، أمر من الله في خلقه وحكمه في أرضه. ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد نصحت، ألا إن الله تعالى قال، وأنا قلت عن الله، ألا وإنه لا أمير للمؤمنين غير أخي هذا، ألا ولا يحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره».

    ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ أول ما صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) منبره على درجة دون مقامه، متيامنا عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأنهما في مقام واحد، فرفعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده وبسطها إلى السماء، وشال عليا (عليه السلام) حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:

    «معاشر الناس، هذا علي أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي، وعلى تفسير كتاب ربي، والدعاء إليه، والعمل بما يرضاه، والمحاربة لأعدائه، والدال على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين، والإمام والهادي من الله، بأمر الله، يقول الله عز وجل: {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} (ق/29) بأمرك أقول: اللهم، وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من أنكره، واغضب على من جحده، اللهم، إنك أنزلت الآية في علي وليك عند تبين ذلك ونصبك إياه لهذا اليوم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}، {ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ} (آل عمران/85)، اللهم، إني أشهدك أني قد بلغت.

    معاشر الناس، إنما أكمل الله لكم دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله، فـ {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} (التوبة/17) لا يخفف العذاب عنهم ولا هم ينظرون.

    معاشر الناس، هذا أنصركم لي، وأحق الناس بي، والله عنه وأنا راضيان، وما أنزلت آية رضا إلا فيه، ولا خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، وما أنزلت آية في مدح في القرآن إلا فيه، ولا سأل الله بالجنة في {هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسان} (الإنسان/1) إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

    معاشر الناس، هو يؤدي دين الله، والمجادل عن رسول الله، والتقي النقي الهادي المهدي نبيه، خير نبي، ووصيه خير وصي.

    معاشر الناس، ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب أمير المؤمنين علي.

    معاشر الناس، إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، أهبط آدم بخطيئته وهو صفوة الله، فكيف أنتم؟ فإن أبيتم فأنتم أعداء الله. ما يبغض عليا إلا شقي، ولا يوالي عليا إلا تقي، ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، في علي والله نزل سورة والعصر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، والْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} (العصر/1-2)إلا علي، الذي آمن ورضي بالحق والصبر.

    معاشر الناس، قد أشهدني الله وأبلغتكم،{وما عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِين}(النور/54).

    معاشر الناس، {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران/102).

    معاشر الناس، آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلناه {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ}(النساء/47).

    معاشر الناس، النور من الله تعالى فيّ، ثم مسلوك في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحق، وبكل حق هو لنا، بقتل المقصرين والغادرين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

    معاشر الناس، إني أنذر لكم أني رسول الله، قد خلت من قبلي الرسل، فإن مت أو قتلت {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران/144) ألا إن عليا الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من صلبه.

    معاشر الناس، على الله فينا ما لا يعطيكم الله ويسخط عليكم ويبتليكم بسوط عذاب، إن ربكم لبالمرصاد.

    معاشر الناس، سيكون بعدي أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون.

    معاشر الناس، إن الله تعالى وأنا بريئان منهم.

    معاشر الناس، إنهم وأشياعهم وأنصارهم وأتباعهم {فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (النساء/145) و {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} (غافر/76).

    معاشر الناس، إني أدعها إمامة ووراثة، وقد بلغت ما بلغت، حجة على كل حاضر وغائب، وعلى كل أحد ممن ولد وشهد، ولم يولد ولم يشهد، يبلغ الحاضر الغائب، والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان من يفرغ و {يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ ونُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ} (الرحمن/35).

    معاشر الناس، إن الله تعالى لم يكن ليذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.

    معاشر الناس، إنه ما من قرية إلا والله مهلكها قبل يوم القيامة، ومملكها الإمام المهدي، والله مصدق وعده.

    معاشر الناس، قد ضل قبلكم أكثر الأولين، والله فقد أهلك الأولين بمخالفة أنبيائهم، وهو مهلك الآخرين»، ثم تلا (صلى الله عليه وآله) الآية إلى آخرها.

    ثم قال:

    «معاشر الناس، إن الله أمرني ونهاني، وقد أمرت عليا ونهيته، وعلم الأمر والنهي لديه، فاسمعوا لأمره، وتنهوا لنهيه، ولا يفرق بكم السبل عن سبيله.

    معاشر الناس، أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم الله أن تسلكوا الهدى إليه، ثم علي من بعدي، ثم ولدي من صلبه أئمة الهدى، يهدون بالحق وبه يعدلون»، ثم قرأ (صلى الله عليه وآله) الحمد.

    وقال: «فيمن ذكرت ذكرت فيهم، والله، فيهم نزلت، ولهم والله شملت، وآباءهم خصت وعمت، أولئك أولياء الله {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس/62) و {حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ} (المائدة/56)، ألا إن أعداءهم هم الشقاء والغاوون وإخوان الشياطين، الذين {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} (الأنعام/112)، ألا إن أولياءهم الذين ذكر الله في كتابه، المؤمنين الذين وصف الله فقال: {إلا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ}(المجادلة/22) ـ إلى آخر الآية ـ، ألا إن أولياءهم المؤمنون الذين وصفهم الله أنهم {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام/82) ألا إن أولياءهم الذين آمنوا ولم يرتابوا، ألا إن أولياءهم الذين يدخلون الجنة بسلام آمنين، وتتلقاهم الملائكة بالتسليم أن {طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ} (الزمر/73) ألا إن أولياءهم لهم {الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ}(غافر/40)، ألا إن أعداءهم الذين {سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (النساء/10)، ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا، ويرون لها زفيرا {كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها} (الأعراف/38) ـ إلى آخر الآية ـ، ألا إن أعداء الله الذين قال الله: {كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} (الملك/8) ـ إلى آخر الآية ـ، ألا {فَسُحْقاً لأَصْحابِ السَّعِيرِ} (الملك/11)، ألا وإن أولياءهم {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ} (المائدة/12).

    معاشر الناس، شتان ما بين السعير والأجر الكبير.

    معاشر الناس عدونا كل من ذمه الله ولعنه وولينا كل من أحبه الله ومدحه. معاشر الناس ألا إني النذير وعلي البشير. معاشر الناس إني منذر وعلي هاد.

    معاشر الناس ألا إني نبي وعلي وصي. معاشر الناس ألا إني رسول وعلي الإمام والأئمة من بعده ولده والأئمة منه ومن ولده ألا وإني والدهم وهم يخرجون من صلبه.

    ألا وإني والدهم وخاتم الأئمة منا القائم المهدي الظاهر على الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين. ألا إنه فاتح الحصون وهادمها. ألا إنه غالب كل قبيلة من الترك وهاديها. ألا إنه المدرك لكل ثار لأولياء الله. ألا إنه ناصر دين الله. ألا إنه المصباح من البحر العميق الواسم لكل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله. ألا إنه خيرة الله ومختاره. ألا إنه وارث كل علم والمحيط بكل فهم ألا إنه المخبر عن ربه والمشيد لأمر آياته. ألا إنه الرشيد السديد. ألا إنه المفوض إليه. ألا إنه قد بشر به كل نبي سلف بين يديه. ألا إنه الباقي في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في علانيته وسره.

    معاشر الناس، إني قد بينت لكم وأفهمتكم وهذا علي يفهمكم بعدي. ألا وعند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على يدي ببيعته والإقرار له ثم مضافقته بعد يدي. ألا إني قد بايعت الله وعلي قد بايع لي وأنا أمدكم بالبيعة له عن الله عز وجل: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} (الفتح/10) ـ إلى آخر الآية ـ معاشر الناس، ألا وإن الحج والعمرة من شعائر الله {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} (البقرة/158) ـ إلى آخر الآية ـ معاشر الناس، حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا تموا وأبشروا ولا تخلفوا عنه إلا تبروا وافتقروا.

    معاشر الناس، ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف به معاشر الناس الحاج معانون ونفقاتهم مخلفة عليهم والله لا يضيع أجر المحسنين.

    معاشر الناس، حجوا بكمال في الدين وتفقه ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة إقلاع.

    معاشر الناس أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمرتكم فإن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم الذي نصبه الله لكم ومن خلقه مني وأنا منه يخبركم بما تسألون ويبين لكم ما لا تعلمون. ألا وإن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيها وأعدها فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد، وأمرت فيه أن آخذ البيعة عليكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به من الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأوصياء من بعده الذين هم مني ومنه إمامة فيهم قائمة خاتمها المهدي إلى يوم يلقى الله الذي يقدر ويقضي.

    ألا معاشر الناس وكل حلال دللتكم عليه وحرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل. ألا فادرسوا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه. ألا وإني أجدد القول. ألا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. ألا وإن رأس الأمر بالمعروف أن تنبهوا قولي إلى من يحضر ويأمروه بقبوله عني ونبهوه عن مخالفته فإنه أمر من الله تعالى».

    فهذه هي البشرى، بشرى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) فمن تمسّك بها فاز بدنيا سعيدة، وآخرة حميدة بأعلى الجنان، ومن لا يؤمن بها فقد ضل ضلالاً مُبيناً وخسر دنياه وآخرته.

    نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) والعاملين به.

    تابع >>

    تعليق


    • #3
      ولهذه المناسبة العظيمة نذكر قصيدة في مدح أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) أوردها الشيخ الكفعمي في مصباحه ذكر فيها من فضائله قليلاً من كثير مع الإشارة فيها إلى يسير من أسماء يوم الغدير (مصباح الكفعمي: ص700 الفصل 49):

      هنيئا هنيئا ليوم الغدير***ويوم النصوص ويوم السرور

      ويوم الكمال لدين الإله***وإتمام نعمة رب غفور

      ويوم الدليل على المرتضى***ويوم البيان لكشف الضمير

      ويوم الرشاد وإبداء ما***تجن به مضمرات الصدور

      ويوم الأمان ويوم النجاة***ويوم التعاطف ويوم الحبور

      ويوم الصلاة ويوم الزكاة***ويوم الصيام ويوم الفطور

      يوم العقود ويوم الشهود***ويوم العهود لصنو البشر

      ويوم الطعام ويوم الشراب***ويوم اللباس ويوم النحور

      ويوم تواصل أرحامكم***ويوم العطاء وبر الفقير

      ويوم تفرج كرب الوصي***بموت ابن عفان أهل الفجور

      ويوم لشيث ويوم لهود***ويوم لإدريس ما من نكير

      ويوم نجاة النبي الخليل***من النار ذات الوقود السعير

      ويوم الظهور على الساحرين***وإغراق فرعون ماء البحور

      ويوم لموسى وعيسى معا***ويوم سليمان من غير ضير

      ويوم الوصية للأنبياء***على الأوصياء بكل الدهور

      ويوم انكشاف المقام الصراح***وإيضاح برهان سر الأمور

      ويوم الجزاء وحط الآثام***ويوم الميارة للمستمير

      ويوم البشارة يوم الدعاء***وعيد الإله العلي الكبير

      ويوم البياض ونزع السواد***وموقف عز خلا من نظير

      ويوم السباق ونفي الهموم***وصفح الإله عن المستجير

      ويوم اشتمام أريج المسوك***وعنبرها وأريج العبير

      ويوم مصافحة المؤمنين***ويوم التخلص من كل ضير

      ويوم الدليل على الرائدين***ومحنة عبد ويوم الطهور

      ويوم انعتاق رقاب جنت***من النار يا صاح ذات السعير

      ويوم الشروط ونشر النزاع***وترك الكبائر بعد الغرور

      ويوم النبي ويوم الوصي***ويوم الأئمة من غير زور

      ويوم الخطابة من جبرئيل***بمنبر عز على السرير

      ويوم الفلاح ويوم النجاح***ويوم الصلاح لكل الأمور

      ويوم يكف يراع الإله***من المؤمنين بنسخ الشرور

      ويوم التهاني ويوم الرضا***ويوم استزادة رب شكور

      ويوم استراحة أهل الولاء***ويوم تجارة أهل الأجور

      ويوم الزيارة للمؤمنين***ويوم ابتسام ثنايا الثغور

      ويوم التودد للأولياء***وإلباس إبليس ثوب الدحور

      ويوم انشراح أهيل الصلاح***وحزن قلوب أهيل الفجور

      ويوم ارتغام أنوف العداء***ويوم القبول وجبر الكسير

      ويوم العبادة يوم الوصول***إلى رحمات العلي القدير

      ويوم السلام على المصطفى***وعترته الأطهرين البدور

      ويوم الإمارة للمرتضى***أبي الحسنين الإمام الأمير

      ويوم اشتراط ولاء الوصي***على المؤمنين بيوم الغدير

      ويوم الولاية في عرضها***على كل خلق السميع البصير

      ويوم الزيادة ما ينفقون***بمائة ألف خلت من نظير

      ويوم المعارج في رفعها***وأنباء فضل عظيم كبير

      فهذا الإمام عديم النظير***وأنى يكون له من نظير

      وأين الصباب وأين السحاب***وليس الكواكب مثل البدور

      ومن يجعل الوجه مثل القفا***ومن يجعل النور مثل (بدر) الدجور

      ومن يجعل الأرض مثل السماء***وليس الصحيح كمثل الكسير

      وأين الثريا وأين الثرى***وليس العناق كمثل النمير

      ومن يجعل الضبع مثل الأسود***ومن يجعل النهر مثل البحور

      وليس العصي شبيه السيوف***ومن يجعل الصعو مثل الصقور

      وأين المعلى وأين السفيح***وليس الوفاة كمثل النشور

      وأين المجلى وأين اللطيم***وليس البصير كمثل الضرير

      ومن يجعل الدر مثل الحصى***ودرهم زيف كمثل النضير

      علي الوصي وصي النبي***وغوث الولي وحتف الكفور

      إمام الأنام ونور الظلام***وغيث الغمام الهطول الغزير

      فين النجاة وعين الحياة***ومردي الكماة بسيف مبير

      حمام الطغاة وهادي الهداة***مبيد الشراة بأرض الثبور

      غياث المحول وزوج البتول***وصنو الرسول السراج المنير

      فصيح المقال مليح الفعال***عظيم الجلال وصي البشير

      أمير الثبات عظيم البيات***بحرب العداة وفك الأسير

      ثبيت الأساس زكي الغراس***جميل النحاس وبدر البدور

      نقي الجيوب شجاع الحروب***ونافي الكروب ببأس مرير

      ذكي البخار عظيم الفخار***ومجدي النضار إلى المستجير (المستمير)

      أمان البلاد وساقي العباد***بيوم المعاد بعذب نمير

      صلاح الزمان وغيث هتان***قسيم الجنان قسيم السعير

      همام الصفوف ومقري الضيوف***وعند الزحوف كليث هصور

      مزيل الشرور وصدر الصدور***حياة الشكور وموت الكفور

      علي العماد وواري الزناد***دليل الرشاد إلى كل خير

      أقام الصلاة وآتى الزكاة***ومولى العفاة وجبر الكسير

      هو الهاشمي هو الأبطحي***هو الطالبي وبدر البدور

      مكلم ذئب الفلا جهرة***وقالع صخر قليب النمير

      و من قد هوى النجم في داره***ومن قاتل الجن في قعر بير

      مزك بخاتمه راكعا***ومجدي الإجارة للمستجير

      و جاء الحديث من المصطفى***علي مع الحق في كل دور

      حديث المحبة لا يختفي***يضاهي الذكاء إذا في الظهور

      رتاج مدينة علم النبي***ويعسوب دين الإله المنير

      مقام علي من المصطفى***كموسى وهارون ما من نكير

      فراش النبي علاه نيام***بمكة يفديه من كل ضير

      و سل عنه بدرا واحدا ترى***له سطوات شجاع جسور

      و سل عنه عمرا وسل مرحبا***وسل عنه صفين ليل الهرير

      و كم نصر الطهر في معرك***بسيف صقيل وعزم مرير

      و في وقعة الجمل العائشي***بنصف جمادى خلا من نظير

      غزاة السلاسل لا تنسها***وهضام أسكنه في القبور

      و ست وعشرون حرب روي***مع الهاشمي البشير النذير

      و كم بذل النفس يوم النزال***فيردي الكماة بقطع النحور

      خفيف على صهوات الجياد***ثقيل على سطوات الكفور

      أمير السرايا بأمر النبي***وما من عليه بها من أمير

      إمام مكلم أهل الرقيم***بعيد الممات قبيل النشور

      و ثعبان مسجده جهرة***أتاه وكلمه في الحضور

      و سد النبي لأبوابهم***سوى بابه فتحت للمرور

      و في السطل والماء فخرا له***بعثه الإله لأجل الطهور

      همام قضى الله في عرشه***ولادته في المكان الخطير

      و ردت له الشمس في بابل***وآثر بالقرص قبل الفطور

      ترى ألف عبد له معتقا***ويختار في القوت قرص الشعير

      و سار على الريح فوق البساط***نقله المؤالف من غير مزور

      إمام قد أنبأ بالغائبات***بجمع عظيم وجم غفير

      وغسل سلمان في ليلة***وعاد إلى طيبة في الدجور

      وداد أتاه من المؤمنين***بسورة مريم ما من نكير

      وفي سورة الرعد سماه هاد***واسم النبي بمعنى النذير

      وآية من يشتري نفسه***ذكره الإله بطرس الزبور

      وفي مدحه نزلت هل أتى***وفي ولديه وبنت البشير

      جزاهم بما صبروا جنة***وملكا كبيرا ولبس الحرير

      و حلوا أساور من فضة***ويسقيهم من شراب طهور

      و كم آية نزلت فيهم***بطرس الكتاب خلال السطور

      كآي الولاية ثم التناجي***وآي المودة ما من نكير

      و آي التباهل دلت على***مقام عظيم ومجد كبير

      وآية ((كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)) ***وقد شركوا بالكتاب المنير

      من الرجس قد عصموا في الكتاب***وأعطى الإمامة (الأمانة) من غير زور

      إمامي علي لسان البليغ***قد أضحى بوصفكم في حسور

      و كيف نقول لمن قال فيه***رسول الإله اللطيف الخبير

      بعجز الملائك والعالمين***عن إحصاء مفخره المستنير

      ولو أنهم جهدوا جهدهم***لما وصفوه بعشر العشير

      مفاخر تحكي أواذي البحار***ومن ذا يعد أواذي البحور

      ومن ذا يعد رمال الورى***وقطر السحاب القوي الغزير

      وأولاده الغر سفن النجاة***هداة الأنام إلى كل نور

      ومن كتب الله في عرشه***لأسمائهم قبل خلق الدهور

      وفي كتب موسى وعيسى ترى***ومن قبلها أثبتت في الزبور

      هم الطيبون هم الطاهرون***هم الأكرمون ورفد الفقير

      هم الزاهدون هم العابدون***هم الحامدون لرب شكور

      هم التائبون هم الراكعون***هم الساجدون لمولى قدير

      هم العالمون هم العاملون***هم الصائمون نهار الهجير

      إلى آخر القصيدة التي اخترنا منها هذه الأبيات.

      تعليق


      • #4
        أهل البيت (عليهم السلام) سفن النجاة

        تطرّقنا في بداية بحثنا حول يوم الغدير، وإلى أنّ عيد الغدير هو أعظم أعياد المسلمين؛ وذلك لأنّ في هذا اليوم نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفة له، وأميراً للمؤمنين من قبل الله تعالى.
        وسوف نركّز في بحثنا الآتي على بعض خصائص هذا الإمام العظيم وصفاته الكريمة، لتكون لنا درساً نقتدي بها في العمل والتطبيق؛ فهم (عليهم السلام) سفن النجاة لهذه الأمة، فمن تمسك بهم نجا، ومن تخلف عنهم هلك، وقد قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فيهم: «... إنما مَثَلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك» (بحار الأنوار: ج23 ص105 ب7 ح3)

        تعليق


        • #5
          قطعات من سفينة نوح
          وهنا ننقل كرامة من كرامات أمير المؤمنين وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) الكثيرة، خصّهم الله تعالى بها فجعلهم آية للعالمين، حيث قال تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (القمر/15).
          ففي تموز عام (1951م) حينما كان جماعة من العلماء السوفييت المختصين بالآثار القديمة ينقِّبون في إحدى المناطق، فعثروا على قطع متناثرة من أخشاب قديمة متسوسة وبالية، مما دعاهم إلى التنقيب والحفر أكثر وأعمق، فوقفوا على أخشاب أخرى متحجِّرة وكثيرة، كانت بعيدة في أعماق الأرض، ومن بين تلك الأخشاب التي توصلوا إليها خشبة على شكل مستطيل طولها (14) عقدة وعرضها (10) عقد سببت دهشتهم واستغرابهم، إذ أنها لم تتغير ولم تتسوَّس، ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الأخرى! وفي أواخر عام (1952م) أكمل التحقيق حول هذه الآثار، فظهر أنّ اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة النبي نوح (عليه السلام)، وأنّ الأخشاب الأخرى هي حطام سفينة نوح، وشوهد أنّ هذه اللوحة قد نقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلى أقدم لغة وبعد الانتهاء من الحفر عام (1953م)، شكلت الحكومة السوفييتية لجنة قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة ومن أهم علماء الآثار، وبعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة والحروف المنقوشة عليها اتفقوا على أنّ هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح (عليه السلام)، وأنّ النبي نوحاً (عليه السلام) كان قد وضع هذه اللوحة في سفينته للتبرك والحفظ.
          وكانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية وقد ترجمها إلى اللغة الإنكليزية العالم البريطاني (آيف ماكس) أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانشستر وهذا نص ترجمتها بالعربية: (يا إلهي ويا معيني، برحمتك وكرمك ساعدني، ولأجل هذه النفوس المقدّسة محمّد، إيليا، شبر، شبير، [هذه الأسماء إيليا، شبر، شبير باللغة السامانية ومعناها بالعربية: علي، الحسن، الحسين] فاطمة، الذين هم جميعهم عظماء، ومكرّمون، العالم قائم لأجلهم، ساعدني لأجل أسمائهم، أنت فقط تستطيع أن توجه نحو الطريق المستقيم).
          وبقي هؤلاء العلماء في دهشة وحيرة كبرى أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة المقدسة ومنزلة أصحابها عند الله تعالى، حيث توسل بها نوح (عليه السلام).
          واللغز الذي لم يستطع تفسيره أي واحد منهم هو عدم تفسخ هذه اللوحة بالذات رغم مرور آلاف السنين عليها.
          أما نحن الشيعة فلا يخالطنا شك أو ريبة في ذلك، لأنّ أهل البيت (عليهم السلام)، هم الذين خلق الله تعالى العالم من أجلهم، ولأجلهم أنزل شرائعه وكتبه، ولأجلهم وبيان فضلهم بقيت هذه اللوحة رغم مرور آلاف السنوات سالمة حتى تكون آية للعالمين، ودلالة على فضل محمد وآله الطيبين الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) [اللوحة موجودة في متحف الآثار القديمة بموسكو].

          تعليق


          • #6
            مع الأصبغ بن نباته

            يذكر أحد أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو الأصبغ بن نباته ما رآه من فضائله ومكارمه (عليه السلام) قائلاً: كنت مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد صلاة العشاء وذهبت معه إلى منزله المتواضع في الكوفة، وكان يحتوي على ساحة وإلى جانبها بيت، وفوق البيت غرفة تتوسط السطح، وفي تلك الليلة نمت أنا وسط ساحة المنزل ونام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الغرفة التي كانت تتوسط السطح، وبعد أن وضعت رأسي على الوسادة بعض الوقت، أحسست بأمير المؤمنين (عليه السلام) قد نزل من السطح وترك فراشه وهو في حالة إرهاق وتعب، فتعجبت من نزوله وهو بهذه الحالة، وقلت له: يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تفعل؟
            قال الإمام (عليه السلام): الصلاة النافلة.
            يقول الأصبغ بن نباته، فقلت له: أنت يا مولاي تعبت في النهار، فمن الصباح إلى المساء تقوم بخدمة الناس، ولا تريد أن تستريح في ليلك، فلماذا تُحمِّل نفسك أكثر مما تطيق؟
            فأجابه الإمام (عليه السلام): يا أصبغ، إن نمت النهار ضيّعت رعيتي، وإن نمت الليل ضيّعت نفسي.
            نعم، يجب علينا أن نتعلم من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) هذه الروح، وهذا الاستعداد والإخلاص حتى نحصل على سعادتنا في الدنيا والآخرة (أنظر تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص166).

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
            ردود 2
            12 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            يعمل...
            X