وفقنا الله في هذا العام لحج بيت الله الحرام، نسأل الله أن يتقبل منا بقبولٍ حسن. وقد كانت الرحله حافلة بالمواقف والأحداث والذكريات الجميلة والسعيده و-بعضها المؤلم. ومن بين الذكريات الأليمة ما عايشناهُ عند الرجوع الى أرض الوطن في قلب مطار جده، حيث ان احتملت المحمل الحسن قلت بأن الطيران السعودي لا يعرف أدنى أخلاقيات المهنية في عمله، وان تخليت عن هذا الظن الحسن لقلت بأنهم لا ينظرون للحاج بنظرة انسانية قط!
قبل اسبوعٍ من الآن ، في يوم السبت المنصرم، كان قدرنا أن نعيش الألم من اختيار الطيران السعودي كناقلٍ لنا، فلتعيشوا معنا في أجواء هذا الألم:
المشهد الأول:
يجب على الحاج أن يبكر قبل 8 ساعات من الأقلاع!
ويبدوا أن هذا القانون هو امتياز خاص للطيران السعودي وحقوقه محفوظةٌ له، ولعله يوجد في أنحاء أخر من العالم، ولكن بالتأكيد فان هذا لا يعني بأي حال تقدم في مجال الطيران!
كان موعد طائرتنا الساعه الحادية عشر صباحاً، ما يعني أن علينا أن نتوجه للمطار بحلول الساعة الرابعه فجراً، وقد سبقنا بأربع ساعات الى المطار جمله من الحجاج من نفس الحمله ممن كان يفترض أن يطيروا بحلول الساعه ال 8 صباحاً. فور وصولنا الى هناك، لاحظت أن من سبقونا من الحجاج من ذات حملتنا قد افترشوا ارضية المطار بين ممدٍ وجديل على أرضية المطار كحال من ضربهم علي الكيماوي بسلاحٍ كيماوي! تقدمت ومن معي من الحجاج بالحقائب وتوجهنا الى منطقة قريبة من صالة الشحن، وسمعنا هناك الشد والجذب بين مسؤلين في المطار أحدهما يعطي الاذن بادخال الحقائب والآخر يرفض، وبين شدٍ وجذب تم الأخذ بأحوط الأقوال وهو عدم الاذن ولكم أن تتخيلوا مشاعر الحاج في حينها. الحاج الذي يبحث عن الرخص الشرعية أثناء أداء مناسكه يجبر هنا على العمل بألاحتياط الأصعب عليه!
المشهد الثاني:
جاء الفرج في حوالي الساعه السابعه صباحاً، فاذن لنا بادخال حقائبنا، وعلمنا في ذات الوقت بأن طائرة من سبقنا من حملتنا قد تأخرت من الثامنه الى الساعة الحادية عشر!
توجهنا بتذاكرنا الالكترونيه الى طاولة الشحن لنفاجأ بأن علينا أن نحصل على البوردينج باس!
عجيب! في مطارات أشد تعقيداً أمنيا – سافرت اليها- تستحصل البوردينج باس من هذه الطاوله وهنا!!!
أنقسمنا حينها الى ثلاث أقسام: أنا بجوار الحقائب وأصدقائي لاستحصال البوردينج باس، وأما من كان معنا من النساء فنصبن خيامهن في مؤخرة الصاله!
تحصل الأخوة أخيراً على البوردينج باس، ولكن يبدوا أن موظفي المطار الذين كانوا على الطاولة اضطروا لتناول الشاي – وفي رواية التدخين- فتركوا الطاولة! استطتعنا تلافي الأمر بالتوجه لموظفي الشحن في جهة أخرى من صالة الشحن.
المشهد الثالث:
في ساحة المطار الخارجيه هناك كل شيء الا دورات المياه وأماكن للغسيل، ولعلها موجوده ولكنها متنكره!
هناك مسجدٌ مكشوف بدون دورات مياه، وهناك دكان للخرداوات (Duty free)
وهناك عُمّال من كل الجنسيات وهناك حجاج يفترشون الأرض.

لا بأس ...!
توجهنا بحلول التاسعه والنصف الى صالة المغادره، نتوجه الى المبنى الأزرق فيقال لنا توجهوا الى الأصفر، نتوجه الى الأصفر يقال لنا توجهوا الى المبنى الأزرق، نرجع للأصفر فيعاد نفس المشهد السابق. أكملنا بحسب ظني أربعة أشواط من السعي بين المبنى الأزرق والأصفر، وكل حارس للمبنى يلعن الحارس الآخر!
وبعد التي واللتيا دخلنا صالة المغادره!
المشهد الرابع:
دخلنا الى صالة المغادره الرئيسية بزحامٍ شبيه برمي الجمرات، وناولنا أحد الموظفين مشكوراً هناك مصحفاً شريفاً. لتبدأ حينها المرحلة الفريزريه. وهذه المرحلة تعني أن توضع في جمودٍ قارص وبردٍ قارص ولا ترى مسؤلاً ولا تسمع همساً في المطار سوى ضجة الحجاج (طوال مدة تواجدنا في المطار لم نسمع اعلاناً عن طائرة تقلع أو تهبط أو أن على المسافرين عبر .. أن ....: يجوز الميكرفونات عطلانه!).
هناك لم نرى غير أكوام متكدسه من الحجاج في بردٍ قارص .. لا أكل لنقتات عليه .. و لا كراسي لنجلس عليها سوى قطع من الكارتون افترشناها وبعضنا فضل الوقوف! بقينا لساعات وساعات ولا خبر من المطار عن تأجيل أو خلافه!
تذهب فتسأل من يلبسون زياً له علاقه بموظفي المطار فيقال لك لا نعرف شيئاً، شركة بن لادن هي المسؤلة عن المطار! مازحتُ أحد اصدقائي قائلاً لعلهم مشغلون بحشو الطائرة بالمتفجرات الآن وحالما تكون جاهزه سنقلع!
بقينا وغيرنا من الحجاج في طوابير تفتقر لأدنى معايير احترام الانسان فما بالك بحاجٍ لبيت الله الحرام!!!
حان وقت الصلاة، وتوجهنا الى دورات المياة الذي يبدوا أن سيول جده لا زالت عالقة بها الى الآن. أسبغنا الوضوء وصلينا في أرض المطار!
بدأ ضجيج الحجاج يعلو خصوص أولئك الذين قدموا منذ الليل. علمت بأن القنصل الكويتي قد حضر لمعالجة الأزمه وغيره من مسؤلي الدول الأخرى. بعد الظهيره، تذكرت أن في بطاقة الحج الخاصة بي رقم بعثة الحج العمانيه في مكة المكرمه فتواصلت معهم وأفادوني باستيائهم مما يحصل، وأخبروني بجهودٍ يبذلونها لحل الأزمه!
كاد البرد يفتك بنا لولا أن كنا نمارس رياضة المشي في أرض المطار. ويبدوا أن المشهد كان خصباً لاثارة اشاعات من قبيل أن عمال المطار مضربون عن العمل! اضراب في دولة عربيه!
بعد تدخل المسؤلين، وبعد التي والتيا .. أسعف الله حظ الأخوه الكويتيون فبرق نجمهم للتوجه الى صالة ما قبل الأقلاع، وقد علمت لاحقاً أنهم نقلوا من مكان الى مكان لأن طائرتنا أقلعت قبلهم، فلم يكن من داعٍ لأن نغبطهم حتى!
قرر الطيران السعودي وفي لحظة حسم أن يجمع كل الحجاج من سلطنة عمان – الجارة الشقيقه- في طائرة واحده، فتوجهنا الى الصاله الختاميه لنفاجأ بأن الطائرة المقابله لنا ليست مخصصة لنا وأن علينا النزول عبر الدرجات الى الأسفل حيث يوجد باصٌ في الانتظار.
هل تذكرون المثل الذي يسأل عن الاذن فيشير اليه صاحبها من الجهة الأبعد؟!!
هذا ما حصل بالضبط ما سائق الباص، حيث أخذنا عبر الطريق الأطول في حين أنه كان بامكانه الاختصار!
وأخيراً .. وصلنا الطائرة، وكما تعلمون الأفضليه للأسبق، فلا سيت نمبر مفعل ولا شيء ... احجز المكان الذي ترغب به ويبدوا أن رحلة العذاب لم تنته فقد جلسنا حوالي الساعه (من الساعه الخامسه والنصف الى الساعه السادسه والنصف) في الطائرة وهي لا تحرك ساكنا. لا بأس فقد أقلعنا في النهايه ووصلنا ارض الوطن بسلام والحمد لله.
المشهد الخامس:
عند وصولنا لأرض الوطن، استعدنا انسانيتنا فهناك من يرحب من موظفي المطار، وهنا لديك الخيار اما ان تختم جوازك عبر موظفي المطار أو عبر جهاز آلي. وفور حصولنا على الحقائب أعفينا كحجاج من امرار حقائبنا على جهاز فحص الحقائب!
الدرس الذي تعلمته:
أكبر غلطه ارتكبتها هذا العام هو اختياري للطيران السعودي، والعودة براً – مع مشقتها – أرحم من عذاب المطار!
تعليق