تفوق يقود إلى تناقض تراجيدي وفاعلية محدودة!
قراءة «واقعية» للترسانة النووية الإسرائيلية
رشيد اسعد
باحث في السياسات النووية
يبدو أن إسرائيل تملك حاليا أسلحة نووية أكثر بكثير مما يحتمله أي سيناريو عسكري مهما كان متطرفا. وهي وقعت بذلك في المطب نفسه الذي وقعت فيه الولايات المتحدة أيام الحرب الباردة والذي أطلق عليه الاستراتيجيون العسكريون الأميركيون مصطلح Tragic Paradox أي التناقض التراجيدي، خاصة أن إسرائيل تستطيع القيام بضربات استباقية مستخدمة أسلحة تقليدية كما فعلت لتدمير مفاعل تموز في العراق ولتدمير منشأة دير الزور في سوريا.
وفي حقيقة الأمر، تفقد الأسلحة النووية قيمتها العسكرية يوما بعد يوم مع التطور التكنولوجي الكبير. فقد أثبتت القنابل الذكية وصواريخ «كروز» الموجهة كفاءة عالية و«دقة جراحية» عندما استخدمتها الولايات المتحدة لضرب وتدمير منشآت ومبان ومحطات كهرباء ومراكز اتصالات تقع وسط أماكن سكنية دون وقوع خسائر بشرية كالتي يمكن أن تحصل في حال استخدام أي سلاح نووي.
بدأت إسرائيل برنامجها النووي في العام 1948 فورا بعد إعلان الدولة، حيث أنشأ آنذاك حاييم وايزمن قسما للبحوث في النظائر المشعة. لكن العمل الأساسي والجوهري قام به كل من ديفيد بن غوريون وشيمون بيريز لإنشاء مفاعل ديمونا على أن يكون من الحجم والنوع اللذين يسمحان بإنتاج الوقود اللازم للسلاح النووي. وقد برهن الإسرائيليون بعد ذلك على قدرة فائقة في تأمين القدرات النووية ابتداء من المعرفة النظرية ووصولا إلى تأمين المعدات والطواقم المناسبة. وكان من المستحيل أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من دون مساعدة فرنسا والولايات المتحدة والنروج.
يُذكر أن مفاعل ديمونا يعمل بالماء الثقيل وبالتالي ينتج مادة البلوتونيوم بغزارة شأن كل المفاعلات التي تعمل بهذا الماء. وترتبط الكمية المنتجة من البلوتونيوم بالطاقة الناتجة عن المفاعل. وقد زادت هذه الطاقة في حالة ديمونا من 26 ميغاواط إلى أكثر من 100 ميغاواط (الميغاواط هو وحدة قياس الطاقة و يضيء كل ميغاواط حوالى 1000 منزل لدى تحويل الطاقة المنتجة إلى كهرباء). وقد احتاج كل هذا العمل إلى أطنان كثيرة من الماء الثقيل ساعدت كل من النروج وفرنسا على تأمينه للإسرائيليين.
هذا وشكلت اعترافات الفني النووي الإسرائيلي موردخاي فعنونو قبل أن يختطفه جهاز الموساد اختراقاً كبيراً لسياسة «الغموض النووي» التي تتبعها إسرائيل. وأشار في اعترافاته المثيرة وفي الصور التي كشف عنها إلى أن مفاعل ديمونا كان ينتج حوالى 40 كلغ من البلوتونيوم سنويا وهي كمية كافية لإنتاج ما بين 100 و200 رأس نووي إلى الزمن الحاضر.
وأضاف فعنونو أن المفاعل أنتج حوالى 400 كلغ من مادتي الليثيوم والتريتيوم وهي كمية كافية لإنتاج 35 سلاحا نوويا حراريا. والمفارقة التي كشفها فعنونو أن المفاعل لا ينتج كهرباءه الخاصة بل يأخذها من الشبكة العامة مما يؤكد أن هذا المفاعل لا يُستعمل أبداً لغايات سلمية بل فقط لإنتاج البلوتونيوم. وأن ما يراه الجميع من بخار متصاعد لا يشغل توربينات توليد الكهرباء بل يذهب فقط إلى الهواء.
وهناك أدلة قوية على أن إسرائيل ومنذ العام 1960 حصلت على هذا اليورانيوم العالي التخصيب لإنتاج قنابل نووية من الجيل الأول. ففي عملية سرية، سرقت حوالى 100 كلغ من هذا اليورانيوم الصالح للاستخدام في السلاح من الولايات المتحدة. كما زودتها فرنسا بخام اليورانيوم من مستعمراتها في الغابون والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى. كما استطاعت إسرائيل تهريب حوالى 200 طن من أوكسيد اليورانيوم (الكعكة الصفراء) من مدينة أنتويرب مستخدمة شركة ألمانية كغطاء ونقلتها على متن سفينة على أنها براميل من الزيت.
إضافة إلى كل هذه المصادر، قال موردخاي فعنونو في اعترافاته إن الاسرائيليين أنشأوا بين العامين 1979 و1980 وحدة سرية لتخصيب اليورانيوم عبر أجهزة الطرد المركزية. وتجاوزت نسبة التخصيب 50 في المئة ليصبح اليورانيوم صالحاً للاستخدام كوقود للسلاح النووي. وفي العام 1981، بدأوا التخصيب بواسطة اللايزر ويُعتبر العلماء في إسرائيل رواداً في هذا المجال الفائق التقنية. (يمكن بواسطة اللايزر الوصول إلى نسبة تخصيب 100 في المئة).
واستناداً إلى اعترافات فعنونو وإلى تقارير صادرة عن أجهزة استخبارات عالمية وعن مراكز معلومات عالمية متخصصة في مجالي الطاقة النووية والسلاح النووي، امتلكت إسرائيل ما بين 300 و500 كلغ من البلوتونيوم مما سمح لها ببناء 350 سلاحاً نووياً على الأقل ومن مختلف الأنواع والعيارات.
يقول منظرو الردع النووي في إسرائيل إن هذه الأخيرة قد تتجاوز «الخطوط الحمراء» كافة وتستخدم سلاحها النووي في واحدة من أربع حالات تمثل خطراً وجودياً حقيقياً لها:
÷ إختراق عسكري ناجح في مناطقها السكانية ضمن أراضي 1948.
÷ تدمير سلاح الجو الإسرائيلي.
÷ تعرض المدن الإسرائيلية لغارات جوية مكثفة ومدمرة أو لهجوم بيولوجي وكيميائي.
÷ تعرض الأراضي الإسرائيلية لهجوم نووي.
وإذا أخذنا بالاعتبار الوضع العربي الحالي، يمكن أن نرى أن الأسلحة النووية الإسرائيلية إما تفقد من قيمتها وإما لا تناسب أي سيناريو عسكري محتمل. فبالنسبة إلى «حزب الله» العدو الواضح لإسرائيل والقريب جداً من حدودها، فيهدد أمينه العام، السيد حسن نصر الله بهجمات صاروخية على إسرائيل فقط في حال وقوع هجمات إسرائيلية. وفي هذه الحالة، لن تحقق القدرات النووية الإسرائيلية وبشكل واقعي أية إضافة للأمن الإسرائيلي. وقد تكون الأسلحة التقليدية أكثر «ملائمة» في سيناريو عسكري كهذا.
بالنسبة لإيران وبغض النظر إذا ما طورت أو لم تطور أسلحة نووية، فمن الصعوبة أن يتخيل أحد أنها تستطيع أو تريد توجيه ضربة أولى لإسرائيل لما يمكن أن يحصل بعد هذا من تداعيات خطيرة وكبيرة - خاصة على المستوى الدولي. وفي هذا السياق، كان لافتاً ما قاله الرئيس السابق لقسم السياسات الحكومية في جامعة تل أبيب ولمعهد «جافي» للدراسات الاستراتيجية الدكتور زئيف ماووز: «لا تغير الأسلحة النووية أي شيء ولم يثبت تاريخيا أن هذه الأسلحة منعت الدول العربية من شن هجمات على إسرائيل. وإذا كانت إيران تطور برنامجاً نووياً عسكرياً، فإن الشرق الأوسط سيشهد استقراراً فعلياً بسبب نشوء نظام إقليمي ثنائي القطبية».
http://www.assafir.com/WeeklyArticle...B3%D8%B9%D8%AF
قراءة «واقعية» للترسانة النووية الإسرائيلية
رشيد اسعد
باحث في السياسات النووية
يبدو أن إسرائيل تملك حاليا أسلحة نووية أكثر بكثير مما يحتمله أي سيناريو عسكري مهما كان متطرفا. وهي وقعت بذلك في المطب نفسه الذي وقعت فيه الولايات المتحدة أيام الحرب الباردة والذي أطلق عليه الاستراتيجيون العسكريون الأميركيون مصطلح Tragic Paradox أي التناقض التراجيدي، خاصة أن إسرائيل تستطيع القيام بضربات استباقية مستخدمة أسلحة تقليدية كما فعلت لتدمير مفاعل تموز في العراق ولتدمير منشأة دير الزور في سوريا.
وفي حقيقة الأمر، تفقد الأسلحة النووية قيمتها العسكرية يوما بعد يوم مع التطور التكنولوجي الكبير. فقد أثبتت القنابل الذكية وصواريخ «كروز» الموجهة كفاءة عالية و«دقة جراحية» عندما استخدمتها الولايات المتحدة لضرب وتدمير منشآت ومبان ومحطات كهرباء ومراكز اتصالات تقع وسط أماكن سكنية دون وقوع خسائر بشرية كالتي يمكن أن تحصل في حال استخدام أي سلاح نووي.
بدأت إسرائيل برنامجها النووي في العام 1948 فورا بعد إعلان الدولة، حيث أنشأ آنذاك حاييم وايزمن قسما للبحوث في النظائر المشعة. لكن العمل الأساسي والجوهري قام به كل من ديفيد بن غوريون وشيمون بيريز لإنشاء مفاعل ديمونا على أن يكون من الحجم والنوع اللذين يسمحان بإنتاج الوقود اللازم للسلاح النووي. وقد برهن الإسرائيليون بعد ذلك على قدرة فائقة في تأمين القدرات النووية ابتداء من المعرفة النظرية ووصولا إلى تأمين المعدات والطواقم المناسبة. وكان من المستحيل أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من دون مساعدة فرنسا والولايات المتحدة والنروج.
يُذكر أن مفاعل ديمونا يعمل بالماء الثقيل وبالتالي ينتج مادة البلوتونيوم بغزارة شأن كل المفاعلات التي تعمل بهذا الماء. وترتبط الكمية المنتجة من البلوتونيوم بالطاقة الناتجة عن المفاعل. وقد زادت هذه الطاقة في حالة ديمونا من 26 ميغاواط إلى أكثر من 100 ميغاواط (الميغاواط هو وحدة قياس الطاقة و يضيء كل ميغاواط حوالى 1000 منزل لدى تحويل الطاقة المنتجة إلى كهرباء). وقد احتاج كل هذا العمل إلى أطنان كثيرة من الماء الثقيل ساعدت كل من النروج وفرنسا على تأمينه للإسرائيليين.
هذا وشكلت اعترافات الفني النووي الإسرائيلي موردخاي فعنونو قبل أن يختطفه جهاز الموساد اختراقاً كبيراً لسياسة «الغموض النووي» التي تتبعها إسرائيل. وأشار في اعترافاته المثيرة وفي الصور التي كشف عنها إلى أن مفاعل ديمونا كان ينتج حوالى 40 كلغ من البلوتونيوم سنويا وهي كمية كافية لإنتاج ما بين 100 و200 رأس نووي إلى الزمن الحاضر.
وأضاف فعنونو أن المفاعل أنتج حوالى 400 كلغ من مادتي الليثيوم والتريتيوم وهي كمية كافية لإنتاج 35 سلاحا نوويا حراريا. والمفارقة التي كشفها فعنونو أن المفاعل لا ينتج كهرباءه الخاصة بل يأخذها من الشبكة العامة مما يؤكد أن هذا المفاعل لا يُستعمل أبداً لغايات سلمية بل فقط لإنتاج البلوتونيوم. وأن ما يراه الجميع من بخار متصاعد لا يشغل توربينات توليد الكهرباء بل يذهب فقط إلى الهواء.
وهناك أدلة قوية على أن إسرائيل ومنذ العام 1960 حصلت على هذا اليورانيوم العالي التخصيب لإنتاج قنابل نووية من الجيل الأول. ففي عملية سرية، سرقت حوالى 100 كلغ من هذا اليورانيوم الصالح للاستخدام في السلاح من الولايات المتحدة. كما زودتها فرنسا بخام اليورانيوم من مستعمراتها في الغابون والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى. كما استطاعت إسرائيل تهريب حوالى 200 طن من أوكسيد اليورانيوم (الكعكة الصفراء) من مدينة أنتويرب مستخدمة شركة ألمانية كغطاء ونقلتها على متن سفينة على أنها براميل من الزيت.
إضافة إلى كل هذه المصادر، قال موردخاي فعنونو في اعترافاته إن الاسرائيليين أنشأوا بين العامين 1979 و1980 وحدة سرية لتخصيب اليورانيوم عبر أجهزة الطرد المركزية. وتجاوزت نسبة التخصيب 50 في المئة ليصبح اليورانيوم صالحاً للاستخدام كوقود للسلاح النووي. وفي العام 1981، بدأوا التخصيب بواسطة اللايزر ويُعتبر العلماء في إسرائيل رواداً في هذا المجال الفائق التقنية. (يمكن بواسطة اللايزر الوصول إلى نسبة تخصيب 100 في المئة).
واستناداً إلى اعترافات فعنونو وإلى تقارير صادرة عن أجهزة استخبارات عالمية وعن مراكز معلومات عالمية متخصصة في مجالي الطاقة النووية والسلاح النووي، امتلكت إسرائيل ما بين 300 و500 كلغ من البلوتونيوم مما سمح لها ببناء 350 سلاحاً نووياً على الأقل ومن مختلف الأنواع والعيارات.
يقول منظرو الردع النووي في إسرائيل إن هذه الأخيرة قد تتجاوز «الخطوط الحمراء» كافة وتستخدم سلاحها النووي في واحدة من أربع حالات تمثل خطراً وجودياً حقيقياً لها:
÷ إختراق عسكري ناجح في مناطقها السكانية ضمن أراضي 1948.
÷ تدمير سلاح الجو الإسرائيلي.
÷ تعرض المدن الإسرائيلية لغارات جوية مكثفة ومدمرة أو لهجوم بيولوجي وكيميائي.
÷ تعرض الأراضي الإسرائيلية لهجوم نووي.
وإذا أخذنا بالاعتبار الوضع العربي الحالي، يمكن أن نرى أن الأسلحة النووية الإسرائيلية إما تفقد من قيمتها وإما لا تناسب أي سيناريو عسكري محتمل. فبالنسبة إلى «حزب الله» العدو الواضح لإسرائيل والقريب جداً من حدودها، فيهدد أمينه العام، السيد حسن نصر الله بهجمات صاروخية على إسرائيل فقط في حال وقوع هجمات إسرائيلية. وفي هذه الحالة، لن تحقق القدرات النووية الإسرائيلية وبشكل واقعي أية إضافة للأمن الإسرائيلي. وقد تكون الأسلحة التقليدية أكثر «ملائمة» في سيناريو عسكري كهذا.
بالنسبة لإيران وبغض النظر إذا ما طورت أو لم تطور أسلحة نووية، فمن الصعوبة أن يتخيل أحد أنها تستطيع أو تريد توجيه ضربة أولى لإسرائيل لما يمكن أن يحصل بعد هذا من تداعيات خطيرة وكبيرة - خاصة على المستوى الدولي. وفي هذا السياق، كان لافتاً ما قاله الرئيس السابق لقسم السياسات الحكومية في جامعة تل أبيب ولمعهد «جافي» للدراسات الاستراتيجية الدكتور زئيف ماووز: «لا تغير الأسلحة النووية أي شيء ولم يثبت تاريخيا أن هذه الأسلحة منعت الدول العربية من شن هجمات على إسرائيل. وإذا كانت إيران تطور برنامجاً نووياً عسكرياً، فإن الشرق الأوسط سيشهد استقراراً فعلياً بسبب نشوء نظام إقليمي ثنائي القطبية».
http://www.assafir.com/WeeklyArticle...B3%D8%B9%D8%AF
تعليق