بسم الله الرحمن الرحيم
للفائدة
أضع بين أيدي الأخوة مشاركة للعلامة المنار في موضوع الشيخ البحر الزاخار ( البخاري في صحيحة يروي رواية عن نفسه ) يذكر فيها معلومات قيمة عن صحيح البخاري لما اراد أن يبحث أو تثار عنده بعض الأسئلة
= == =
الشيخ المنار اعزه الله تعالى
شيخنا الفاضل البحر الزخار السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رأيت في موضوعكم إثارة مهمة وهي البحث في صحة نسبة كتاب البخاري والشكوك التي تدور حول هذه النسبة نتيجة أفضل الروايات في نسبة الكتاب.
وهذه الإثارة عبر مفتاح صغير هو ورود اسم البخاري في سند الكتاب له ، من دون أن يكون في أول الكتاب ليتبين انه إعلام بإرجاع الكتاب وأنه بطريق الإجازة كما يحدث في كتبنا .
وعلى كل حال فالموضوع أصبح اكبر من الدوران حول هذا الحديث. وإن كنت أؤيد عدم قدح اختلاف النسخ من جراء الخطأ الإنساني في النسخ.
لقد ذكرني موضوعكم ببحث لي قبل ست سنوات حول سند الصحيح، ولكنه موضوع غير منسق وغير مدروس جيدا أضعه بين أيديكم كمسودة فقط إكراما وتقديرا لكم وللأخ الأشتر الذي طلب مني هذا الموضوع. (وبدون تصحيح لضيق وقتي مع الاعتذار من الجميع)
ولا يخفى أن فيه طرافة ويمس موضوعكم في جانب مهم منه ، والموضوع في الحقيقة كان ردا على بعض المجسمة المشركين الذين يشككون بحديث الغدير ويقولون أن حدثا بهذا الحجم لا بد أن يكون مرويا بألوف الروايات ، وهم لا يدرون بأن ليس كل الصحابة رواة، ومن روى منهم أكثر من ثلاثة أحاديث لا يتجاوزون بضعة مئات، وقد روى حديث الغدير أكثر من مائة وعشرة صحابي منهم كما رصدهم الشيخ الأميني رحمه الله.
وأعنون البحث الآن بعنوان ثانوي هو (بلا تعليق) لأنه ناطق بنفسه ولا يحتاج إلى تعليق، فهو فضيحة مدوية من دون كلام وشرح.
(مقارنة بين سند حديث الغدير وسند صحيح البخاري)
- دراسة أجريت في سنة 1420 هجرية ، 1999 ميلادية-
أعظم ما يواجه المثقف بشكل عام هو تخلصه من ازدواجية المعايير. فهذا الموضوع يمكن اعتباره امتحانا حقيقيا لاحترام المثقف لذاته ولفكره.
ولعل المشكلة الثانية التي لا تقل خطورة ويصح بها امتحان المثقف ومحاكمته أيضا هي مدى تطبيق المعايير التي يعلنها المثقف كقائد لمسيرته الثقافية.
هناك بعض القضايا المفصلية التي يجب أن تدرس بعمق وبتجرد وبطريقة كشف المعايير ومدى تطبيقها.
ومن هذه القضايا قضية رفض حديث الغدير باعتبار أنه لم يرد في صحيح البخاري باللفظ والنص وأن مثل هذه القضية يجب أن يتوفر لها روايات كثيرة لأن الحضور كثير.
وحديث الغدير حضره عدد كبير من الناس (90000 – 120000 حاضر) ورواه من الحضور 110 من رواة الصحابة فقط (الذين لا يتجاوز عدد من (روى أكثر من ثلاث روايات) منهم 300 راو صحابي تقريبا . أي أكثر من ثلث عدد الصحابة الرواة المكثرين) وبحسب المشهور من الطرق الحسابية قد يصل عدد الموثقين لهذا الحديث في القرن الثالث (زمن البخاري) إلى عدة مئات من المحدثين والحفاظ. وهو في قضية شقت الأمة نصفين ولها أهمية خطيرة جدا . وقد عمد النصف المنتصر فيها –وهو الرافض لمضمون حديث الغدير- إلى منع التحديث به ومعاقبة المحدث إلى درجة الحكم بالاغتيال أو الإعدام أو قطع الأرزاق وما شابه ذلك من أنواع التعذيب والمعاقبة بحجة "أبى قومكم أن يعطوها لكم."
فإذن رغم هذا الظرف السياسي والأمني كان هذا العدد الكبير من الرواة .
وهنا بدورنا نسأل من يعتمد على كتاب البخاري هل هو متأكد من سنده؟ ومن صحة نسبته إلى البخاري؟ إذا كان يريد تطبيق نفس المعايير ويريد محاكمة حديث الغدير بما جاء في صحيح البخاري.
فهل سلم صحيح البخاري من المعايير التي وضعوها لحديث الغدير
حيث طلبوا أن يكون الرواة بعدد الحضور؟
هنا نراجع تأريخ كتاب صحيح البخاري وأفضّل أن يكون من المؤسسة التي طبعته واعتنت بتحقيقه وهي شركة صخر لبرامج الحاسب التي أنتجت (موسوعة الحديث الشريف) وهي تحدثنا بالنص على سند كتاب البخاري سننقله لكم ثم نضع جدول المقارنة ونترك الحكم لعدالتكم. مع بعض التأييد من كتب أخرى في التعليق السريع قبل إجراء جدول المقارنة.
النص المنقول من برنامج موسوعة الحديث الشريف:
سند الصحيح
-----------------
صحيح البخاري :
سمعه منه عدد كبير جدا من العلماء والحفاظ وغيرهم لكنه انتشر بعد ذلك في شرق الأرض و غربها من رواية تلميذه الثقة الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري المتوفى سنة (230هـ) [الصواب 320هـ].
سمع الفربري صحيح البخاري من مؤلفه مرتين. مرة ببلدة (فربر) سنة (248هـ) والثانية ببلد مؤلفه (بخارى) سنة (252هـ) وكان يقول : سمع كتاب الصحيح تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يرويه غيري.
وكان مع الإمام البخاري أصلٌ لصحيحه، ثم رواه عنه عدد كثير.
وأتقن الروايات التي وصلتنا هي رواية الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي المتوفى سنة (344) وأبو ذر يروي الصحيح عن ثلاثة من الحفاظ المتقنين عن الفربري وهم:
أبو إسحاق المستملي: إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم المتوفى سنة (367 هـ) سمع (الصحيح ) سنة (314هـ) وانتسخه من أصل البخاري الذي كان عند شيخه الفربري.
أبو محمد الحمَّوي: عبد الله بن أحمد بن حمَّوَيه المتوفى سنة (381هـ) – سمع الصحيح سنة (361هـ). [الصواب سنة 315]
أبو الهيثم الكشميهني: محمد بن مكي بن محمد المتوفى سنة (389هـ) – سمع (الصحيح) سنة (342هـ) . [الصواب سنة 320هـ]
وعلى رواية أبي ذر المسموعة من هؤلاء المشايخ اعتمد الشيخ شرف الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله اليونيني صاحب النسخة (اليونينية) المنسوبة إليه المتوفى سنة (701هـ) ونسخته هذه معدودة أتقن نسخ (الصحيح) لكونه أعتمد فيها أصح الروايات، وقرأها على إمام النحو المشهور بابن مالك، وصححها عليه.
وكذلك كان اعتماد الحافظ ابن حجر العسقلاني في – فتح الباري- على رواية أبي ذر المذكورة، وما كان يقع من الاختلاف بين روايات الصحيح يناقشه مع تمييز الصواب.
انتهى النص المقتبس.
المصدر : موسوعة الحديث الشريف : الإصدار الأول 1.1
إنتاج شركة صخر العالمية لبرامج الحاسب (1991-1996) إحدى شركات مجموعة العالمية.
ملاحظات:
1. أقول: الصواب في وفاة الفربري 320هـ وليس 230هـ
2. أقول : إذا كان النص صحيحا كما ورد في الموسوعة ، فيكون النص التالي: وأبو ذر يروي الصحيح عن ثلاثة من الحفاظ المتقنين عن الفربري وهم ) يعني أنه يروي عنهم بلا شك، وهم تلاميذ الفربري وهم شيوخ أبي ذر الهروي ، ويؤيده قوله في أبي اسحاق المستملي (وانتسخه من اصل البخاري الذي كان عند شيخه الفربري). ولكن وفياتهم وسماعهم كما ذكرت الموسوعة، لا يتناسبان مع هذا النص فاثنان منهم قد سمعا الصحيح بعد وفاة الفربري بسنين طويلة ، وحتى لو كانوا تلاميذ الهروي فإن الحموي قد سمع الصحيح بعد وفاته بـ 17 سنة . فكيف يكون ذلك؟؟. فأبو محمد الحموي: – سمع الصحيح سنة (361هـ). و أبو الهيثم الكشميهني: سمع (الصحيح) سنة (342هـ) . مع العلم بأن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري توفي سنة (320هـ) . و الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي توفي سنة (344) . وقد راجعت النصوص فتبين أن المحقيقين في الموسوعة لم يكونوا دقيقين في نقل الأرقام، وقد اثبت صواب الأرقام أثناء سرد تحقيق الموسوعة. وحللت مشكلة هذا الاختلاف العجيب.( فكان سماع المستملي سنة 314 وسماع الحموي سنة 315 وسماع الكشميهني سنة 320 وسماع المروزي سنة 318) ونِعم التحقيق وصرف المال بالملايين.
3. أقول: قوله (وكان مع الإمام البخاري أصل لصحيحه) لا يتفق مع قوله(وانتسخه من أصل البخاري الذي كان عند شيخه الفربري) حيث أن النص الأول يدل على أن اصل البخاري عند البخاري وليس عند التلميذ الفربري بينما النص الثاني يدل على العكس.
4. أقول: من خلال الزمن في التلقي والسماع يبدو أن صحيح البخاري بقي مخفياً مدة تقارب الستة عقود من الزمن. فسماع الفربري من البخاري سنة 252 هـ بينما سماع المستملي من الفربري هو 314 هـ (314-252=62) ولم يكن الكتاب جاهزا أو كاملا. والمستملي ونظائره اكملوه ونسقوه.
وهذا يثير علامات استفهام كبيرة في الاعتقاد بأهمية صحيح البخاري في زمنه وبعد زمنه مدة. وهذا الكتاب يشبه في تأريخه تاريخ الإنجيل، ولكن مع فضاعة اشد وتساؤلات أخطر، على أن الكنيسة بدأت تعترف بعدم اليقين من صحة الأناجيل ولكن المتمسلفين يصرّون على أن صحيح البخاري اصح كتاب بعد كتاب الله، كما روجت الكنيسة بأن الأناجيل الرسمية الأربعة هي اصح الكتب المنسوبة لله، وأنها مصدر الإلهام ومن مصدر ملهم. ومنعت الباقي.
5. أقول: إن النص: (سمعه منه عدد كبير جدا من العلماء والحفاظ وغيرهم لكنه انتشر بعد ذلك في شرق الأرض و غربها من رواية تلميذه الثقة الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري) متوافق مع طبيعة السماع في زمن البخاري. حيث انه ليس كزمن النبوة أو كموضوع النبوة يسمعه المتعلم وغيره، وإنما هو كتاب متخصص لا يسمعه إلا العلماء وأصحاب القلم والفكر، فمن الغريب جدا أن يكون عند عدد ضيق من الناس بل دعوى الفربري أنه هو الوحيد الذي نقله وأن السامعين تسعين ألف . فهذه مشكلات تضفي الكثير من الغموض والضبابية حول منشأ وصحة الصحيح نفسه ، لأن كتابا علميا يحضره هذا العدد من العلماء لا يكون مذكورا في الحقيقة إلا من شخص واحد أو لنقل ثلاثة لا يمكن التسليم العقلي به وبطبيعته. (ولم يثبت بالفعل لهم رواية عمليا ويقال أن رواية الفربري محقت الروايات الأخرى كما حدث لروايات الإنجيل الأربعة التي محقت الأناجيل المنحولة) .
6- بالنسبة لفضاعة الادعاء بأن سماع العلماء والحفاظ من البخاري كان عددهم تسعين أو سبعين ألف ، ولم يروه غير الفربري ، يعتبر مشكلة كبيرة. ويبدو أن الذهبي شعر بهذا الإحراج فقال – ولم يصح- ولم يبين سبب عدم الصحة هل هو ضعف السند (وسند القضية موجود ولعله نفس سند البخاري الواصل إلى الخطيب البغدادي بطرق متعددة) أو إن عدم الصحة هو في متن الكلام ، ولا يعلم هل الخطأ في كون السامعين كثر بهذا المستوى أو أن الخلل بأنه لم يروه غير الفربري ، وظاهر تعقيب الذهبي في موضوعين إنه يركز على ورود رواة آخرين للصحيح ولهذا لا يصح الكلام، ولكن لم يسعفه الحظ والزمن بأن يثبت أصولا ونسخا لتلك الروايات وإنما هي مقولات عن روايات لم تظهر ولم يعرف لها نسخ، فقد قال الذهبي : ( ويروى - ولم يصح - أن الفربري قال : سمع " الصحيح " من البخاري تسعون ( 2 ) ألف رجل ، ما بقي أحد يرويه غيري . قلت : قد رواه بعد الفربري أبو طلحة منصور بن محمد البزدوي النسفي ، وبقي إلى سنة تسع وعشرين وثلاث مئة.
( الهامش )
( 2 ) في " معجم البلدان " : 4 / 246 " سبعون " .
صفحة 13
ابن ماكولا ، فما ذكر غير الفتح مات الفربري لعشر بقين من شوال سنة عشرين وثلاث مئة ، وقد أشرف على التسعين ). سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 51 ص 12
أقول : قوله : (وبقي إلى سنة تسع وعشرين وثلاث مئة ) يعني سنة وفاة النسفي .
أقول: وقد حاول الذهبي التوسع بذكر رواة آخرين للبخاري لم يثبت لهم نسخ أو كتب باقية للصحيح ولكنه عدد ستة منهم المحاملي مستدلا برواية يرويها عن البخاري نفسه واعتبرها رواية لكتابه الصحيح وهذا من أعاجيب أهل الحشو ، وما يدرينا ان تلك الدعاوى لرواية كتاب الصحيح مثل هذه. أي تحويل الرواية عنه بحديثٍ الى رواية كتاب الصحيح.
قال الذهبي : (وقد أنبأنا المؤمل بن محمد وغيره أن أبا اليمن اللغوي أخبرهم ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي الحرشي بنيسابور ، سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد البلخي ، يروي عن محمد بن يوسف الفربري ، أنه كان يقول : سمع كتاب " الصحيح " لمحمد بن إسماعيل تسعون (1) ألف رجل ، فما بقي أحد يرويه غيري (2) . وقال محمد بن طاهر المقدسي : روى " صحيح " البخاري جماعة ، منهم : الفربري ، وحماد بن شاكر ، وإبراهيم بن معقل ، وطاهر بن محمد ابن مخلد النسفيان . وقال الامير الحافظ أبو نصر بن ماكولا : آخر من حدث عن البخاري ب " الصحيح " أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البزدي من أهل بزدة . وكان ثقة ، توفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة . أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الابرقوهي بقراءتي ، أخبرنا أبو بكر زيد بن هبة الله البغدادي ، أخبرنا أحمد بن المبارك بن قفرجل ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن مهدي ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان - يعني : الثوري - عن أبي بردة ، قال : أخبرني جدي أبو بردة ، عن أبيه أبي
( الهامش )
( 1 ) في " تهذيب الاسماء واللغات " : سبعون .
( 2 ) " طبقات الحنابلة " 1 / 274 ، و " تاريخ بغداد " 2 / 9 ، و " تهذيب الاسماء واللغات " 1 / 73 / 1 ، و " وفيات الاعيان " 4 / 190 ، و " تهذيب الكمال " : 1169 ، و " مقدمة الفتح " : 492 . ( * )
صفحة 399
موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا " . وشبك بين أصابعه ، وكان جالسا ، فجاءه رجل أو طالب حاجة ، فأقبل علينا بوجهه ، فقال : " اشفعوا فلتؤجروا ، وليقض الله على لسان رسوله ما شاء) سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 21 ص 396 " .
أقول: وما هو موجود في كتاب الخطيب البغداداي لروايته لجملة تسعين الف سامع هي : أخبرنا القاضى أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري بنيسابور قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الفقيه البلخي يقول سمعت أبا العباس أحمد بن عبد الله الصفار البلخي يقول سمعت أبا إسحاق المستملى يروى عن محمد بن يوسف الفربري انه كان يقول سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقى أحد يروى عنه غيرى.) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 2 ص 9
وقد روى الذهبي السند مرة ثانية قبل روايته هذه بتغيير بسيط في الألفاط فقال : وقال الخطيب في تاريخه : أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي الحرشي بنيسابور ، قال : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الفقيه البلخي ( ح ) ، قال الخطيب : سمعت أحمد بن عبدالله الصفار البلخي ، يقول : سمعت أبا إسحاق المستملي يروي عن محمد بن يوسف الفربري ، أنه كان يقول : سمع كتاب " الصحيح " لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل ، فما بقي أحد يرويه غيري. سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 21 ص 497
أقول: وأما كثرة من حضر عليه فهذا لا ينازعون به، فقد روى الخطيب البغدادي أن حضور البخاري في بغداد فقط أكثر من عشرين ألف رجل ولا مانع أنهم سمعوا منه أو بعضهم كتابه هذا أو غيره، مما لا يجعلنا نستبعد عدد من حضر الصحيح في كل أرجاء العالم الذي جاله البخاري كما وصف الفربري: (أخبرني الحسن بن محمد قال أنبأنا محمد بن أبى بكر قال نبأنا أبو نصر أحمد بن أبى حامد الباهلى قال سمعت إسحاق بن أحمد بن خلف قال سمعت أبا على صالح بن محمد البغدادي يقول كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد وكنت استملى له ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين الفا وقال محمد بن أبى بكر سمعت أبا صالح خلف بن محمد يقول سمعت محمد بن يوسف بن عاصم يقول رأيت لمحمد بن إسماعيل ثلاث مستملين ببغداد وكان اجتمع في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل)
وقد ورد للترويج له انه يُستقبل دائما بالألوف واغلب من يعدو خلفه ممن يكتب عنه:
(وقال محمد بن يعقوب بن الاخرم : سمعت أصحابنا يقولون : لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل ركبانا على الخيل ، سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة [ في العادة إن الراجلة أكثر عشرة مرات من الخيالة]. وقال عبدالله بن حماد الآملي : وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل . وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان : كان أهل المعرفة بالبصرة يعدون خلف البخاري في طلب الحديث ، وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ، ويجلسوه في بعض الطريق ، فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه . قالا : وكان أبو عبد الله عند ذلك شابا ، لم يخرج وجهه) سير اعلام النبلاء للذهبي ج21 ص437
7- أقول : إن مما يثير الشبهات كون شراح الصحيح تارة اتهموا صاحبة بالتدليس والتغيير في كتابه وأخرى اتهموه بغموض المنهج ومرة اتهموا رواة كتابه بتغيير أشياء في كتابه وقد سمحوا لأنفسهم بالتبديل وإضافة التراجم ، وهذه أمثلة بسيطة :
ابن حجر يتهم البخاري أنه يورد أحاديث في باب لا علاقة لها به وانما مجرد أن يثبت مصدر العنعنة (....وأكثر منه حتى أنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئا معنعنا) مقدمة فتح الباري- ابن حجر ص 9
وهذا شاهد التغيير والإضافة:
(وقد أوضح السبب في ذلك الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري فقال أخبرني الحافظ أبو ذر عبد الرحيم بن أحمد الهروي قال حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملى قال انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. قال أبو الوليد الباجي ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملى ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشمهينى ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع إنهم انتسخوا من أصل واحد وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه ويبين ذلك انك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث) مقدمة فتح الباري- ابن حجر ص 6
وشاهد غموض المنهج هو الاجتهاد في تحصيل شرط البخاري وعدم رسوهم على بر له وكل يدعي انه عرف المنهج:
(قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر فيما قرأت على الثقة أبي الفرج بن حماد أن يونس بن إبراهيم بن عبد القوي أخبره عن أبي الحسن بن المقير عن أبي المعمر المبارك بن أحمد عنه شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الاثبات ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وأن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وأن لم يكن الا راو واحد وصح الطريق إليه كفى قال وما ادعاه الحاكم أبو عبد الله أن شرط البخاري ومسلم أن يكون للصحابي راويان فصاعدا ثم يكون للتابعي المشهور راويان ثقتان إلى آخر كلامه فمنتقض عليه بأنهما اخرجا أحاديث جماعة من الصحابة ليس لهم الا راو واحد انتهى والشرط الذي ذكره الحاكم وأن كان منتقضا في حق بعض الصحابة الذين أخرج لهم فإنه معتبر في حق من بعدهم فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له الا راو واحد قط وقال الحافظ أبو بكر الحازمي رحمه الله هذا الذي قاله الحاكم قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح ولو استقرأ الكتاب حق استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة دعواه ثم قال ما حاصله أن شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا وأن يكون راوية مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط متصفا بصفات العدالة ضابطا متحفظا سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد قال ومذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه العدول فبعضهم حديثه صحيح ثابت وبعضهم حديثه مدخول قال وهذا باب فيه غموض وطريق إيضاحه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم) مقدمة فتح الباري- ابن حجر ص 7
أقول : ومن طرائف ما قيل في المعايير لتمييز فقه وعلم البخاري وهو إن صباحة وجهه دليل تميزه في العلم ومشابهته لعلم مالك فاقرأ:
(قال محمد بن أبى حا تم وسمعت حاشد بن عبد الله يقول قال لي أبو مصعب أحمد بن أبى بكر المديني محمد بن إسماعيل افقه عندنا وأبصر من بن حنبل فقال له رجل من جلسائه جاوزت الحد فقال أبو مصعب لو أدركت مالكا ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل لقلت كلاهما واحدا في الفقه والحديث ) تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي ج 2 ص 19
يتبع............................
للفائدة
أضع بين أيدي الأخوة مشاركة للعلامة المنار في موضوع الشيخ البحر الزاخار ( البخاري في صحيحة يروي رواية عن نفسه ) يذكر فيها معلومات قيمة عن صحيح البخاري لما اراد أن يبحث أو تثار عنده بعض الأسئلة
= == =
الشيخ المنار اعزه الله تعالى
شيخنا الفاضل البحر الزخار السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رأيت في موضوعكم إثارة مهمة وهي البحث في صحة نسبة كتاب البخاري والشكوك التي تدور حول هذه النسبة نتيجة أفضل الروايات في نسبة الكتاب.
وهذه الإثارة عبر مفتاح صغير هو ورود اسم البخاري في سند الكتاب له ، من دون أن يكون في أول الكتاب ليتبين انه إعلام بإرجاع الكتاب وأنه بطريق الإجازة كما يحدث في كتبنا .
وعلى كل حال فالموضوع أصبح اكبر من الدوران حول هذا الحديث. وإن كنت أؤيد عدم قدح اختلاف النسخ من جراء الخطأ الإنساني في النسخ.
لقد ذكرني موضوعكم ببحث لي قبل ست سنوات حول سند الصحيح، ولكنه موضوع غير منسق وغير مدروس جيدا أضعه بين أيديكم كمسودة فقط إكراما وتقديرا لكم وللأخ الأشتر الذي طلب مني هذا الموضوع. (وبدون تصحيح لضيق وقتي مع الاعتذار من الجميع)
ولا يخفى أن فيه طرافة ويمس موضوعكم في جانب مهم منه ، والموضوع في الحقيقة كان ردا على بعض المجسمة المشركين الذين يشككون بحديث الغدير ويقولون أن حدثا بهذا الحجم لا بد أن يكون مرويا بألوف الروايات ، وهم لا يدرون بأن ليس كل الصحابة رواة، ومن روى منهم أكثر من ثلاثة أحاديث لا يتجاوزون بضعة مئات، وقد روى حديث الغدير أكثر من مائة وعشرة صحابي منهم كما رصدهم الشيخ الأميني رحمه الله.
وأعنون البحث الآن بعنوان ثانوي هو (بلا تعليق) لأنه ناطق بنفسه ولا يحتاج إلى تعليق، فهو فضيحة مدوية من دون كلام وشرح.
(مقارنة بين سند حديث الغدير وسند صحيح البخاري)
- دراسة أجريت في سنة 1420 هجرية ، 1999 ميلادية-
أعظم ما يواجه المثقف بشكل عام هو تخلصه من ازدواجية المعايير. فهذا الموضوع يمكن اعتباره امتحانا حقيقيا لاحترام المثقف لذاته ولفكره.
ولعل المشكلة الثانية التي لا تقل خطورة ويصح بها امتحان المثقف ومحاكمته أيضا هي مدى تطبيق المعايير التي يعلنها المثقف كقائد لمسيرته الثقافية.
هناك بعض القضايا المفصلية التي يجب أن تدرس بعمق وبتجرد وبطريقة كشف المعايير ومدى تطبيقها.
ومن هذه القضايا قضية رفض حديث الغدير باعتبار أنه لم يرد في صحيح البخاري باللفظ والنص وأن مثل هذه القضية يجب أن يتوفر لها روايات كثيرة لأن الحضور كثير.
وحديث الغدير حضره عدد كبير من الناس (90000 – 120000 حاضر) ورواه من الحضور 110 من رواة الصحابة فقط (الذين لا يتجاوز عدد من (روى أكثر من ثلاث روايات) منهم 300 راو صحابي تقريبا . أي أكثر من ثلث عدد الصحابة الرواة المكثرين) وبحسب المشهور من الطرق الحسابية قد يصل عدد الموثقين لهذا الحديث في القرن الثالث (زمن البخاري) إلى عدة مئات من المحدثين والحفاظ. وهو في قضية شقت الأمة نصفين ولها أهمية خطيرة جدا . وقد عمد النصف المنتصر فيها –وهو الرافض لمضمون حديث الغدير- إلى منع التحديث به ومعاقبة المحدث إلى درجة الحكم بالاغتيال أو الإعدام أو قطع الأرزاق وما شابه ذلك من أنواع التعذيب والمعاقبة بحجة "أبى قومكم أن يعطوها لكم."
فإذن رغم هذا الظرف السياسي والأمني كان هذا العدد الكبير من الرواة .
وهنا بدورنا نسأل من يعتمد على كتاب البخاري هل هو متأكد من سنده؟ ومن صحة نسبته إلى البخاري؟ إذا كان يريد تطبيق نفس المعايير ويريد محاكمة حديث الغدير بما جاء في صحيح البخاري.
فهل سلم صحيح البخاري من المعايير التي وضعوها لحديث الغدير
حيث طلبوا أن يكون الرواة بعدد الحضور؟
هنا نراجع تأريخ كتاب صحيح البخاري وأفضّل أن يكون من المؤسسة التي طبعته واعتنت بتحقيقه وهي شركة صخر لبرامج الحاسب التي أنتجت (موسوعة الحديث الشريف) وهي تحدثنا بالنص على سند كتاب البخاري سننقله لكم ثم نضع جدول المقارنة ونترك الحكم لعدالتكم. مع بعض التأييد من كتب أخرى في التعليق السريع قبل إجراء جدول المقارنة.
النص المنقول من برنامج موسوعة الحديث الشريف:
سند الصحيح
-----------------
صحيح البخاري :
سمعه منه عدد كبير جدا من العلماء والحفاظ وغيرهم لكنه انتشر بعد ذلك في شرق الأرض و غربها من رواية تلميذه الثقة الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري المتوفى سنة (230هـ) [الصواب 320هـ].
سمع الفربري صحيح البخاري من مؤلفه مرتين. مرة ببلدة (فربر) سنة (248هـ) والثانية ببلد مؤلفه (بخارى) سنة (252هـ) وكان يقول : سمع كتاب الصحيح تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يرويه غيري.
وكان مع الإمام البخاري أصلٌ لصحيحه، ثم رواه عنه عدد كثير.
وأتقن الروايات التي وصلتنا هي رواية الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي المتوفى سنة (344) وأبو ذر يروي الصحيح عن ثلاثة من الحفاظ المتقنين عن الفربري وهم:
أبو إسحاق المستملي: إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم المتوفى سنة (367 هـ) سمع (الصحيح ) سنة (314هـ) وانتسخه من أصل البخاري الذي كان عند شيخه الفربري.
أبو محمد الحمَّوي: عبد الله بن أحمد بن حمَّوَيه المتوفى سنة (381هـ) – سمع الصحيح سنة (361هـ). [الصواب سنة 315]
أبو الهيثم الكشميهني: محمد بن مكي بن محمد المتوفى سنة (389هـ) – سمع (الصحيح) سنة (342هـ) . [الصواب سنة 320هـ]
وعلى رواية أبي ذر المسموعة من هؤلاء المشايخ اعتمد الشيخ شرف الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله اليونيني صاحب النسخة (اليونينية) المنسوبة إليه المتوفى سنة (701هـ) ونسخته هذه معدودة أتقن نسخ (الصحيح) لكونه أعتمد فيها أصح الروايات، وقرأها على إمام النحو المشهور بابن مالك، وصححها عليه.
وكذلك كان اعتماد الحافظ ابن حجر العسقلاني في – فتح الباري- على رواية أبي ذر المذكورة، وما كان يقع من الاختلاف بين روايات الصحيح يناقشه مع تمييز الصواب.
انتهى النص المقتبس.
المصدر : موسوعة الحديث الشريف : الإصدار الأول 1.1
إنتاج شركة صخر العالمية لبرامج الحاسب (1991-1996) إحدى شركات مجموعة العالمية.
ملاحظات:
1. أقول: الصواب في وفاة الفربري 320هـ وليس 230هـ
2. أقول : إذا كان النص صحيحا كما ورد في الموسوعة ، فيكون النص التالي: وأبو ذر يروي الصحيح عن ثلاثة من الحفاظ المتقنين عن الفربري وهم ) يعني أنه يروي عنهم بلا شك، وهم تلاميذ الفربري وهم شيوخ أبي ذر الهروي ، ويؤيده قوله في أبي اسحاق المستملي (وانتسخه من اصل البخاري الذي كان عند شيخه الفربري). ولكن وفياتهم وسماعهم كما ذكرت الموسوعة، لا يتناسبان مع هذا النص فاثنان منهم قد سمعا الصحيح بعد وفاة الفربري بسنين طويلة ، وحتى لو كانوا تلاميذ الهروي فإن الحموي قد سمع الصحيح بعد وفاته بـ 17 سنة . فكيف يكون ذلك؟؟. فأبو محمد الحموي: – سمع الصحيح سنة (361هـ). و أبو الهيثم الكشميهني: سمع (الصحيح) سنة (342هـ) . مع العلم بأن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري توفي سنة (320هـ) . و الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي توفي سنة (344) . وقد راجعت النصوص فتبين أن المحقيقين في الموسوعة لم يكونوا دقيقين في نقل الأرقام، وقد اثبت صواب الأرقام أثناء سرد تحقيق الموسوعة. وحللت مشكلة هذا الاختلاف العجيب.( فكان سماع المستملي سنة 314 وسماع الحموي سنة 315 وسماع الكشميهني سنة 320 وسماع المروزي سنة 318) ونِعم التحقيق وصرف المال بالملايين.
3. أقول: قوله (وكان مع الإمام البخاري أصل لصحيحه) لا يتفق مع قوله(وانتسخه من أصل البخاري الذي كان عند شيخه الفربري) حيث أن النص الأول يدل على أن اصل البخاري عند البخاري وليس عند التلميذ الفربري بينما النص الثاني يدل على العكس.
4. أقول: من خلال الزمن في التلقي والسماع يبدو أن صحيح البخاري بقي مخفياً مدة تقارب الستة عقود من الزمن. فسماع الفربري من البخاري سنة 252 هـ بينما سماع المستملي من الفربري هو 314 هـ (314-252=62) ولم يكن الكتاب جاهزا أو كاملا. والمستملي ونظائره اكملوه ونسقوه.
وهذا يثير علامات استفهام كبيرة في الاعتقاد بأهمية صحيح البخاري في زمنه وبعد زمنه مدة. وهذا الكتاب يشبه في تأريخه تاريخ الإنجيل، ولكن مع فضاعة اشد وتساؤلات أخطر، على أن الكنيسة بدأت تعترف بعدم اليقين من صحة الأناجيل ولكن المتمسلفين يصرّون على أن صحيح البخاري اصح كتاب بعد كتاب الله، كما روجت الكنيسة بأن الأناجيل الرسمية الأربعة هي اصح الكتب المنسوبة لله، وأنها مصدر الإلهام ومن مصدر ملهم. ومنعت الباقي.
5. أقول: إن النص: (سمعه منه عدد كبير جدا من العلماء والحفاظ وغيرهم لكنه انتشر بعد ذلك في شرق الأرض و غربها من رواية تلميذه الثقة الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري) متوافق مع طبيعة السماع في زمن البخاري. حيث انه ليس كزمن النبوة أو كموضوع النبوة يسمعه المتعلم وغيره، وإنما هو كتاب متخصص لا يسمعه إلا العلماء وأصحاب القلم والفكر، فمن الغريب جدا أن يكون عند عدد ضيق من الناس بل دعوى الفربري أنه هو الوحيد الذي نقله وأن السامعين تسعين ألف . فهذه مشكلات تضفي الكثير من الغموض والضبابية حول منشأ وصحة الصحيح نفسه ، لأن كتابا علميا يحضره هذا العدد من العلماء لا يكون مذكورا في الحقيقة إلا من شخص واحد أو لنقل ثلاثة لا يمكن التسليم العقلي به وبطبيعته. (ولم يثبت بالفعل لهم رواية عمليا ويقال أن رواية الفربري محقت الروايات الأخرى كما حدث لروايات الإنجيل الأربعة التي محقت الأناجيل المنحولة) .
6- بالنسبة لفضاعة الادعاء بأن سماع العلماء والحفاظ من البخاري كان عددهم تسعين أو سبعين ألف ، ولم يروه غير الفربري ، يعتبر مشكلة كبيرة. ويبدو أن الذهبي شعر بهذا الإحراج فقال – ولم يصح- ولم يبين سبب عدم الصحة هل هو ضعف السند (وسند القضية موجود ولعله نفس سند البخاري الواصل إلى الخطيب البغدادي بطرق متعددة) أو إن عدم الصحة هو في متن الكلام ، ولا يعلم هل الخطأ في كون السامعين كثر بهذا المستوى أو أن الخلل بأنه لم يروه غير الفربري ، وظاهر تعقيب الذهبي في موضوعين إنه يركز على ورود رواة آخرين للصحيح ولهذا لا يصح الكلام، ولكن لم يسعفه الحظ والزمن بأن يثبت أصولا ونسخا لتلك الروايات وإنما هي مقولات عن روايات لم تظهر ولم يعرف لها نسخ، فقد قال الذهبي : ( ويروى - ولم يصح - أن الفربري قال : سمع " الصحيح " من البخاري تسعون ( 2 ) ألف رجل ، ما بقي أحد يرويه غيري . قلت : قد رواه بعد الفربري أبو طلحة منصور بن محمد البزدوي النسفي ، وبقي إلى سنة تسع وعشرين وثلاث مئة.
( الهامش )
( 2 ) في " معجم البلدان " : 4 / 246 " سبعون " .
صفحة 13
ابن ماكولا ، فما ذكر غير الفتح مات الفربري لعشر بقين من شوال سنة عشرين وثلاث مئة ، وقد أشرف على التسعين ). سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 51 ص 12
أقول : قوله : (وبقي إلى سنة تسع وعشرين وثلاث مئة ) يعني سنة وفاة النسفي .
أقول: وقد حاول الذهبي التوسع بذكر رواة آخرين للبخاري لم يثبت لهم نسخ أو كتب باقية للصحيح ولكنه عدد ستة منهم المحاملي مستدلا برواية يرويها عن البخاري نفسه واعتبرها رواية لكتابه الصحيح وهذا من أعاجيب أهل الحشو ، وما يدرينا ان تلك الدعاوى لرواية كتاب الصحيح مثل هذه. أي تحويل الرواية عنه بحديثٍ الى رواية كتاب الصحيح.
قال الذهبي : (وقد أنبأنا المؤمل بن محمد وغيره أن أبا اليمن اللغوي أخبرهم ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي الحرشي بنيسابور ، سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد البلخي ، يروي عن محمد بن يوسف الفربري ، أنه كان يقول : سمع كتاب " الصحيح " لمحمد بن إسماعيل تسعون (1) ألف رجل ، فما بقي أحد يرويه غيري (2) . وقال محمد بن طاهر المقدسي : روى " صحيح " البخاري جماعة ، منهم : الفربري ، وحماد بن شاكر ، وإبراهيم بن معقل ، وطاهر بن محمد ابن مخلد النسفيان . وقال الامير الحافظ أبو نصر بن ماكولا : آخر من حدث عن البخاري ب " الصحيح " أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البزدي من أهل بزدة . وكان ثقة ، توفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة . أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الابرقوهي بقراءتي ، أخبرنا أبو بكر زيد بن هبة الله البغدادي ، أخبرنا أحمد بن المبارك بن قفرجل ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن مهدي ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان - يعني : الثوري - عن أبي بردة ، قال : أخبرني جدي أبو بردة ، عن أبيه أبي
( الهامش )
( 1 ) في " تهذيب الاسماء واللغات " : سبعون .
( 2 ) " طبقات الحنابلة " 1 / 274 ، و " تاريخ بغداد " 2 / 9 ، و " تهذيب الاسماء واللغات " 1 / 73 / 1 ، و " وفيات الاعيان " 4 / 190 ، و " تهذيب الكمال " : 1169 ، و " مقدمة الفتح " : 492 . ( * )
صفحة 399
موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا " . وشبك بين أصابعه ، وكان جالسا ، فجاءه رجل أو طالب حاجة ، فأقبل علينا بوجهه ، فقال : " اشفعوا فلتؤجروا ، وليقض الله على لسان رسوله ما شاء) سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 21 ص 396 " .
أقول: وما هو موجود في كتاب الخطيب البغداداي لروايته لجملة تسعين الف سامع هي : أخبرنا القاضى أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري بنيسابور قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الفقيه البلخي يقول سمعت أبا العباس أحمد بن عبد الله الصفار البلخي يقول سمعت أبا إسحاق المستملى يروى عن محمد بن يوسف الفربري انه كان يقول سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقى أحد يروى عنه غيرى.) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 2 ص 9
وقد روى الذهبي السند مرة ثانية قبل روايته هذه بتغيير بسيط في الألفاط فقال : وقال الخطيب في تاريخه : أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي الحرشي بنيسابور ، قال : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الفقيه البلخي ( ح ) ، قال الخطيب : سمعت أحمد بن عبدالله الصفار البلخي ، يقول : سمعت أبا إسحاق المستملي يروي عن محمد بن يوسف الفربري ، أنه كان يقول : سمع كتاب " الصحيح " لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل ، فما بقي أحد يرويه غيري. سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 21 ص 497
أقول: وأما كثرة من حضر عليه فهذا لا ينازعون به، فقد روى الخطيب البغدادي أن حضور البخاري في بغداد فقط أكثر من عشرين ألف رجل ولا مانع أنهم سمعوا منه أو بعضهم كتابه هذا أو غيره، مما لا يجعلنا نستبعد عدد من حضر الصحيح في كل أرجاء العالم الذي جاله البخاري كما وصف الفربري: (أخبرني الحسن بن محمد قال أنبأنا محمد بن أبى بكر قال نبأنا أبو نصر أحمد بن أبى حامد الباهلى قال سمعت إسحاق بن أحمد بن خلف قال سمعت أبا على صالح بن محمد البغدادي يقول كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد وكنت استملى له ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين الفا وقال محمد بن أبى بكر سمعت أبا صالح خلف بن محمد يقول سمعت محمد بن يوسف بن عاصم يقول رأيت لمحمد بن إسماعيل ثلاث مستملين ببغداد وكان اجتمع في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل)
وقد ورد للترويج له انه يُستقبل دائما بالألوف واغلب من يعدو خلفه ممن يكتب عنه:
(وقال محمد بن يعقوب بن الاخرم : سمعت أصحابنا يقولون : لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل ركبانا على الخيل ، سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة [ في العادة إن الراجلة أكثر عشرة مرات من الخيالة]. وقال عبدالله بن حماد الآملي : وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل . وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان : كان أهل المعرفة بالبصرة يعدون خلف البخاري في طلب الحديث ، وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ، ويجلسوه في بعض الطريق ، فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه . قالا : وكان أبو عبد الله عند ذلك شابا ، لم يخرج وجهه) سير اعلام النبلاء للذهبي ج21 ص437
7- أقول : إن مما يثير الشبهات كون شراح الصحيح تارة اتهموا صاحبة بالتدليس والتغيير في كتابه وأخرى اتهموه بغموض المنهج ومرة اتهموا رواة كتابه بتغيير أشياء في كتابه وقد سمحوا لأنفسهم بالتبديل وإضافة التراجم ، وهذه أمثلة بسيطة :
ابن حجر يتهم البخاري أنه يورد أحاديث في باب لا علاقة لها به وانما مجرد أن يثبت مصدر العنعنة (....وأكثر منه حتى أنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئا معنعنا) مقدمة فتح الباري- ابن حجر ص 9
وهذا شاهد التغيير والإضافة:
(وقد أوضح السبب في ذلك الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري فقال أخبرني الحافظ أبو ذر عبد الرحيم بن أحمد الهروي قال حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملى قال انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. قال أبو الوليد الباجي ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملى ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشمهينى ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع إنهم انتسخوا من أصل واحد وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه ويبين ذلك انك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث) مقدمة فتح الباري- ابن حجر ص 6
وشاهد غموض المنهج هو الاجتهاد في تحصيل شرط البخاري وعدم رسوهم على بر له وكل يدعي انه عرف المنهج:
(قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر فيما قرأت على الثقة أبي الفرج بن حماد أن يونس بن إبراهيم بن عبد القوي أخبره عن أبي الحسن بن المقير عن أبي المعمر المبارك بن أحمد عنه شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الاثبات ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وأن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وأن لم يكن الا راو واحد وصح الطريق إليه كفى قال وما ادعاه الحاكم أبو عبد الله أن شرط البخاري ومسلم أن يكون للصحابي راويان فصاعدا ثم يكون للتابعي المشهور راويان ثقتان إلى آخر كلامه فمنتقض عليه بأنهما اخرجا أحاديث جماعة من الصحابة ليس لهم الا راو واحد انتهى والشرط الذي ذكره الحاكم وأن كان منتقضا في حق بعض الصحابة الذين أخرج لهم فإنه معتبر في حق من بعدهم فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له الا راو واحد قط وقال الحافظ أبو بكر الحازمي رحمه الله هذا الذي قاله الحاكم قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح ولو استقرأ الكتاب حق استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة دعواه ثم قال ما حاصله أن شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا وأن يكون راوية مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط متصفا بصفات العدالة ضابطا متحفظا سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد قال ومذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه العدول فبعضهم حديثه صحيح ثابت وبعضهم حديثه مدخول قال وهذا باب فيه غموض وطريق إيضاحه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم) مقدمة فتح الباري- ابن حجر ص 7
أقول : ومن طرائف ما قيل في المعايير لتمييز فقه وعلم البخاري وهو إن صباحة وجهه دليل تميزه في العلم ومشابهته لعلم مالك فاقرأ:
(قال محمد بن أبى حا تم وسمعت حاشد بن عبد الله يقول قال لي أبو مصعب أحمد بن أبى بكر المديني محمد بن إسماعيل افقه عندنا وأبصر من بن حنبل فقال له رجل من جلسائه جاوزت الحد فقال أبو مصعب لو أدركت مالكا ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل لقلت كلاهما واحدا في الفقه والحديث ) تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي ج 2 ص 19
يتبع............................
تعليق