انسل ضوء الفجر.. من عتمة الليل
كبرت مآذن صور.. الله أكبر.. حي على خير العمل
استيقظت صور ....
لفح وجهها نسيم البحر
غردت وكأنه الموعد..
قام علي.. وحسين.. قام احمد
توضأ للصلاة.. للجهاد.. لخير العمل
تلا سوراً بينات
.. قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم .. وينصركم..
امتشق سيف علي (ع).. وراية العباس(ع) وانطلق..
زلزل كيانهم ..وانتزع الحياة من صدورهم
اعاد للوطن حياته.. عزته.. وكيانه
ورحل.. احمد قصير.. فاتح عهد الاستشهاديين
من هو احمد قصير :

ولمن لا يعرف احمد قصير فإن نظرة سريعة إلى حياته التي لم تتجاوز الثمانية عشرة عاما تتفتح براعمها على التالي:
مواليد العام 1963 من بلدة دير قانون النهر - قضاء صور فكان الطفل الثاني لعائلة الحاج جعفر قصير، عمل لفترة مع والده في السعودية، ثم شاء القدر أن يعود به إلى جنوب لبنان لينخرط في صفوف المقاومة آنذاك.
وهكذا عاد إلى أرضه التي آلمه احتلال الجيش الإسرائيلي لها منذ السادس من حزيران/ يونيو من العام 1982.
عاد كما كان، " الشاب الجريء، المميز، صاحب القلب الطيب، والشخصية القوية، والمطلع على كثير من الأمور التي تكبر سنه" على حد ما يقول والد الشهيد الحاج جعفر قصير.
والدة الشهيد احمد قصير وهي تستذكر ابنها، تروي كيف كان يعود إلى المنزل في أوقات متأخرة من الليل، فما إن تسأله عن سبب تأخره يبادرها بالقول: " كنا عم نلعب كرة قدم"، فتنظر إليه نظرة العارف، وتتبسم قائلة : " حدا بيلعب كرة بهالوقت".
تربى منذ طفولته على الإلتزام بالمبادئ الدينية وتمتع بصفات وخصال نبيلة ميزته عن كثير من أبناء جيله.
هو أول استشهادي في صفوف أفواج المقاومة اللبنانية حركة امل بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان الذي تم في (حركة المحرومين سابقا)
حزيران من العام 1982، حيث نفذ عمليته في 11 تشرين الثاني من العام 1982.
قصة عن الشهيد أحمد قصير مع الشهيد رضا حريري :

رضا واحمد ساهران طوال الليل على تركيب العبوة الضخمة في السيارة التي سوف يقودها احمد قصير ويقتحم بها مقر الحاكم العسكري في بناية عزمي وبينما كان احمد يساعد رضا
(الشهيد رضا حريري* الذي كان بطلا مقاوما حضر لعملية قصير وغيرها من العمليات البطولية) في توضيب العبوة وإيصال أسلاكها، خطر على باله خاطر ضحك له. فبادره رضا:
ـ ما بك؟ لماذا تضحك؟
ـ ثقل لي العبوة جيدا تحت مقعدي
جلس رضا وكان مستلقيا عل ظهره تحت السيارة
ـ لماذا؟
ـ أريد أن لا احس بألم الانتقال... أريد أن تكون شهادتي مريحة، لطيفة، بطرفة عين.
دمعت عينا رضا ضمه إلى صدره... إلا أنهما عاودا بسرعة إكمال العمل الذي سوف يكون أقوى ضربة نوعية توجهها المقاومة لإسرائيل وفاتحة عصر الاستشهاد.

(مع أصدقائه الحركيين الشهيدين يوسف ورضا حريري).

(حتى أصدقائه شهداء في قافلة حركة أمل و هذا ضريح الشهيد يوسف حريري).
تفاصيل العملية :
فاتح عهد الإستشهاديين هو الشهيد أحمد قصير وكان يبلغ من العمر 18ربيعاً وقام بعمليته في الساعة السابعة من صباح يوم الخميس 11 تشرين الثاني 1982، حين هزّ المدينة انفجار ضخم، استهدفت مقر الحاكم العسكري، الواقع في "بناية عزمي" وفجر نفسه بالمبنى وسقط المبنى كاملاً على من فيه، جاءت هذه العملية بعد خمسة أشهر وسبعة أيام على بداية الإجتياح الإسرائيلي للبنان، وسقوط آلاف من الشهداء والجرحى، فضلاً عن آلاف المعتقلين، يومها قاد فتى لم يتجاوز عمره ثمانية عشر عاماً سيارته "البيجو" التي كانت مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات، إقتحم بها مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي لمنطقة صور "بناية عزمي" والذي كان يضم القيادة العسكرية وبقربها معسكر للجيش الإسرائيلي في منطقة جل البحر – صور.
مع حدوث الإنفجار، سرعان ما هوى المقر على من فيه وشب حريق هائل وارتفعت سحب الدخان، في لحظات مرعبة امتزج فيها صراخ الجنود مع طلقات نارية متقطعة، وتحول المكان الى ساحة من الجثث المتناثرة، تصل إليها تباعاً الجنرالات والقادة، بعضهم بواسطة السيارات، والبعض الآخر أقلّته المروحيات وعلى رأسهم قائد المنطقة الشمالية يومها الجنرال "أمير دروري".
إرباك في صفوف العدو و الناطق العسكري الإسرائيلي اعترف بمقتل 74 ضابطاً وجندياً بمن فيهم الحاكم العسكري، وأُعتبر 27 منهم في عداد المفقودين، وفي محصلة أوردتها الصحف الإسرائيلية بعد بضعة أيام أن هناك 141 قتيلاً وعشرة أُعتبروا مفقودين.
مجلس وزراء إسرائيل أعلن الحداد في يوم 15/11/1982، حيث أُطلقت صفارة في جميع أنحاء الكيان الصهيوني، تلتها دقيقة من الهدوء التام، فيما واصلت وسائل الإعلام قطع برامجها وبث الموسيقى الحزينة، في حين خصصت المدارس ساعة من حصصها للحديث عن العملية.
إحتار الإسرائيليون في تفسير العملية، ودفعهم ذلك الى القول حيناً "إن ما جرى "بسبب خلل في البناء"، وحيناً آخر" باستبعاد تفجير سيارة مفخخة، "فالانفجار تمّ بعبوات ناسفة زرعت تحت أعمدة المبنى وأدت الى انهياره كلياً.. هكذا كانت تحليلات الضباط الصهاينة ومنهم رافائيل إيتان رئيس الأركان وضابط كبير آخر.
وتلاه الشهيد بلال فحص من صفوف أفواج امل فكانت العملية الثانية الإستشهادية في منطقة الزهراني إثر تفجير نفسه بدورية إسرائيلية في 16 حزيران 1984 وتلتها عملية ثالثة للمجاهد الحركي حسن قصير الذي اقتحم بسيارته قافلة عسكرية إسرائيلية على طريق البرج الشمالي في صور بالقرب من مؤسسة جبل عامل وبدأ عصر الإنتصارات وعصر إنكسار الكيان الغاصب أمام أبناء الامام السيد موسى الصدر .
تجدر الإشارة إلى أن الشهيد القائد محمد سعد هو من خطط للعملية وقد أشار في وصيته* إلى "أخيه الحبيب سمير " وسمير كان الإسم الحركي للشهيد أحمد قصير ...
ويروي احد تلامذة معهد البرج الشمالي ان الشهيد القائد محمد سعد جاء عند الساعة السابعة الا ربعا صباح يوم 11\11\1982الى المعهد حيث كان استاذا لمادة الكيمياء , وعند الساعة السابعة تماما طلب من الحرس النظر الى مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي , وعندما نظر الحرس صوب المقر دوى انفجار هائل دمر المبنى تدميرا كاملا عندئذ طلب الشهيد القائد من الحرس قراءة سورة الفاتحة عن روح "الشهيد احمد" ثم انصرف لينام لانه لم ينم منذ 48 ساعة .

(مقتطف من وصية قائد المقاومة في حركة أمل الشهيد القائد محمد سعد يتحدث فيها عن عمليه الشهيد أحمد قصير).
شهود عيان يروون التالي:
الدكتور حسن الزين:
الدكتور حسن الزين روى تفاصيل العملية ومشاهداته عندما كان في مستشفى جبل عامل الملاصق لمبنى الحاكم العسكري المستهدف
يقول الدكتور الزين : كانت وقتها ايام اشتدت فيها ما وصف بـ"القبضة الحديدية" التي مارسها الاحتلال على أهلنا، وكانت تلك الايام في فصل الشتاء وقد حصل طوفان بفعل الامطار الغزيرة تضرر جراءها العديد من خيم جنود العدو المنصوبة في منطقة البص قبل يوم واحد من العملية، فاضطر الجنود الى اللجوء لمبنى الحاكم العسكري الذي عج حينها بالجنود.
وأضاف: قرابة السابعة الا عشر دقائق صباحا كنت استلقي في غرفة مقابلة للمبنى، وقفت مذعورا لا ادري ماذا حصل لبضع لحظات، ومن شدة الانفجار، لم اسمع صوته اطلاقا" لكني شاهدت بأم العين كيف كان المبنى المؤلف من ثماني طلبقات يهوي طبقة فوق طبقة.. بعدها بدأ مخزن الذخيرة بالتفجر. شعرت في أثنائها بأنها عملية ما قامت بها المقاومة ولم أكن اعلم انها استشهادية الا عندما حضر أحد المواطنين الذي كان بقرب المبنى بسيارته وروى لي كيف قامت سيارة بيضاء بسرعة قوية وتجاوزته ودخلت الى المبنى مباشرة.
وقال د. الزين: ان قتلى العدو بلغوا ما يزيد عن مئتي قتيل لانه بعد دقائق من بدء عمليات الانقاذ التي بدأت بعد ساعتين من العملية شاهدت نحو 45 جثة ممدة على الطريق العام، وأبني كلامي
على ما يلي:
أولا": إتلاف الخيم التي كان يسكنها الجنود وحضورهم الى المبنى المذكور، اضافة لذلك حصلت العملية عند الساعة السابعة الا عشر دقائق في الوقت الذي تنتهي فيه الدوريات الليلية عند الساعة السادسة والنصف وتبدأ عمليات التبديل عند الساعة السابعة، يعني ذلك ان وجود عناصر الدوريات الليلية لازم وجود عناصر التبديل النهاري، وهذه الفرصة تقضي بوجود جميع الجنود تحت أنقاض المبنى .
ولفت د. الزين الى ان ساعتين من الارتباك المتواصل والبكاء المستمر من الجنود ساد المنطقة، فالجنود الذين نجوا لا يعدون على أصابع اليدين، وكانوا لا يعرفون ماذا يفعلون بعد مقتل قادتهم ومسؤوليهم داخل المبنى المدمر.
وعند الساعة التاسعة صباحا" أي بعد ساعتين على العملية حضرت
عدة طائرات مروحية وترجل منها قرابة 25 شخصا يرتدون ملابس مدنية متشابهة عرفت انهم من استخبارات العدو الذين وصلوا وبدأوا برمي الجثث بسرعة رهيبة في المروحيات كي لا يشاهدها أحد او يتم تصويرها، وخلال ساعات ما بعد الظهر حضر وزير الحرب الاسرائيلي آنذاك آرييل شارون يرافقه عدد من المسؤولين الاسرائيليين، اذكر منهم موردخاي، وعلامات الاحباط والوجوم تملأ وجوههم، وجعلوا المستشفى الذي أنا فيه ثكنة عسكرية طيلة فترة عمليات الانقاذ التي استمرت حتى اليوم التالي، وفي اليوم الثالث قطع الاسرائيليون الامل بوجود احياء فبدأوا عمليات الجرف، وأذكر انهم قتلوا جريحا اسرائيليا" أثناءها
وعن شعوره بهذه الذكرى، قال د. حسن الزين: انها بالفعل لحظات رائعة، فكلما اذكر تلك اللحظات أشعر بالعزة والفخر بأنني كنت شاهدا على بكاء الجنود وعويلهم، وكنت شاهدا" على هزيمة الاحتلال وانكسار شوكته.
وأكد د. الزين ان ميزة عملية الشهيد قصير لم تقتصر فقط على قتل عشرات الجنود الصهاينة وإنما ايضا كانت انطلاقة فعلية لعمليات المقاومة وفاتحة لعهد العمليات الاستشهادية.
من جهته السيد أبو سامر روى مشاهداته للعملية عندما كان معتقلاً في المبنى المستهدف حيث قال: اعتقلت قبل يوم واحد من العملية ونقلوني الى الطابق السابع في مكان واسع، وقضيت تلك الليلة مكبلا"، والكيس في رأسي، ولم أنم بسبب الاوجاع التي نتجت عن التعذيب الذي مورس ضدي. وعند الساعة السابعة الا عشر دقائق تقريبا وبينما كنت مسوقا الى الحمام شعرت وكأن زلزالا ضرب المبنى وغبت للحظات عن الوعي حتى لم أسمع صوت الانفجار، وظننت للوهلة الاولى انها نوع من أنواع التعذيب، واذا بالمبنى يصبح انقاضا" وانا في رأس هذه الانقاض وفوقي سقف مدمر، والعناية الالهية ابقت احد الأعمدة واقفا وبدأت اسمع صراخا وأنينا من بين الانقاض وما هي الا لحظات حتى بدأت الذخائر بالانفجار، وعلى مدى ساعتين لم اسمع الا البكاء والعويل وطلب النجدة، وكنت ايضا مشاركا لهم بالصراخ، وبعد فترة من الوقت سمعت هدير آليات وجرافات الا انني لم اعد اسمع استغاثات الجنود فعلمت انهم قتلوا جميعا وانتابني حينها شعور بالحماسة والخوف على المصير معاً. وأسطع دليل على خبث وحقد الصهاينة تجاهنا عندما مر احدهم ورآني تحت الانقاض وسألني فقط ان كان بجانبي جنود فقلت له كلا، عندها تركني ورحل وانا استغيث دون ان القى جوابا، وبقيت على هذه الحال سبع ساعات، بعدها قلت لهم ان اسرائيليين يستغيثون تحتي فعمدوا الى انتشالي بعدما اصابتني بعض الجروح وطبعا هذه الدماء فداء للشهيد قصير وقضيته التي هي قضية كل الوطن.
وأضاف: بعد ستة عشر عاما على العملية لا يمكن الا ان اوجه التحية الى روح الشهيد قصير الذي اعطانا فرصة الحياة من جديد كما اعطانا الكرامة والعزة وشق طريقا آخر للجهاد والمقاومة.
والدة الشهيد:
والدة الشهيد التي لم تعلم باستشهاد ولدها احمد الا بعد عام وقالت ان أحمد توجه الى بيروت للعمل في دكان والده، وكالعادة انتظرته حتى يعود يوم الجمعة الا انه لم يحضر، وكذلك يومي السبت والاحد فتوجهت فورا انا ووالده الى بيروت وبدأنا نسأل عنه عند اقاربه واصدقائه، والجميع لم يعرف شيئا" عن احمد حتى بلغ الامر بنا لوضع صورته في الجريدة دون فائدة، وعشت عذابات الام الثكلى فترة عام تقريبا لم أترك وسيلة لم استنجد بها للعثور على احمد ولم يخطر ببالي انه قد استشهد في عملية لانه اذا حصل ذلك فإنني سأبلغ بالطبع، الا ان وصية الشهيد احمد حالت دون معرفتي حيث وصى بعدم ذكر اسمه الا بعد انسحاب العدو من المنطقة حفاظا على سلامة اهله وعلمت بأمر استشهاده من احدى الاخوات عن طريق الخطأ، ثم سحبت قولها، وكان وقتها أخو الشهيد على علم بالامر، فتوجهت فورا الى بيروت وسألت ولدها عن مصير احمد فأخفى علمه حتى استحلفته برسول الله ودماء الامام الحسين (ع) عندها أجابني بالحقيقة.
وفي ايران اطلقت بلدية طهران إسم الشهيد احمد قصير على احد الشوارع الرئيسية في العاصمة الايرانية ورفعت فيه صورة كبيرة للبطل الجنوبي مع لوحة كتب عليها " الشهيد احمد جعفر قصير ، تاريخ الاستشهاد في 11/11/1982 ، عملية استشهادية داخل مقر الحاكم العسكري في مدينة صور " وذلك تكريما ً لفاتح عهد الاستشهاديين.
أحمد قصير مضى .... مضى فاتح عهد الإستشهاديين
مؤكّـداً ومثبّـتاً لفكرة إنتصار الدم على السيف
واستمرت قافلة الشهداء..
فكانت من أقوى الضربات التي تلقتها اسرائيل عملية الاستشهادي احمد قصير ..
يكفينا شرفا" و فخرا" أنك أحمد قصير ابن أمل و تلميذٌ من تلامذة الشهيد القائد محمد سعد .
أكتفي بهذه الكلمات المنقولة عن لسان دولة الرئيس الاخ نبيه بري :
نحن أبناء "أمل" نقاتل بصمت و نستشهد بصمت
هذا سر خلودنا في الساحات التي وإن نسينا الناس لن تنسانا..
شهداء أمل المجهولون في الأرض المعروفون في السماء
وتبقى أمل عنوان الشهداء الأبرار ومنارة الأتقياء مهما حاولوا ومهما زيفوا لن ولن ولن يستطيعوا محوها من سماء الخلود.

في 11/11/1982 .. في يوم الشهيد .. تحية وسلام لفاتح عهد الإستشهاديين أحمد قصير .. ولكل شهداء الوطن .. لصنّـاع الحياة وأنبل بني البشر وستبقى المقاومة هي الرد ... وقوافل الشهداء تصنع النصر..
هو أنت
ومن مثلك يا من أنت
يا نزف النجيع في محابر العشق
يا هديل البحر على ترنيمة الشفق
ووجع الالوان عند خلاص الشمس
هو أنت ...
أحمد قصير فاتح العصر ...
وراية الفتح وبيان النصر ...
وهامة الشهداء يا أول الرصاص والنار
من جل البحر الى فجر أيار..
تحية أمل و الإنتصار....
كبرت مآذن صور.. الله أكبر.. حي على خير العمل
استيقظت صور ....
لفح وجهها نسيم البحر
غردت وكأنه الموعد..
قام علي.. وحسين.. قام احمد
توضأ للصلاة.. للجهاد.. لخير العمل
تلا سوراً بينات
.. قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم .. وينصركم..
امتشق سيف علي (ع).. وراية العباس(ع) وانطلق..
زلزل كيانهم ..وانتزع الحياة من صدورهم
اعاد للوطن حياته.. عزته.. وكيانه
ورحل.. احمد قصير.. فاتح عهد الاستشهاديين
من هو احمد قصير :
ولمن لا يعرف احمد قصير فإن نظرة سريعة إلى حياته التي لم تتجاوز الثمانية عشرة عاما تتفتح براعمها على التالي:
مواليد العام 1963 من بلدة دير قانون النهر - قضاء صور فكان الطفل الثاني لعائلة الحاج جعفر قصير، عمل لفترة مع والده في السعودية، ثم شاء القدر أن يعود به إلى جنوب لبنان لينخرط في صفوف المقاومة آنذاك.
وهكذا عاد إلى أرضه التي آلمه احتلال الجيش الإسرائيلي لها منذ السادس من حزيران/ يونيو من العام 1982.
عاد كما كان، " الشاب الجريء، المميز، صاحب القلب الطيب، والشخصية القوية، والمطلع على كثير من الأمور التي تكبر سنه" على حد ما يقول والد الشهيد الحاج جعفر قصير.
والدة الشهيد احمد قصير وهي تستذكر ابنها، تروي كيف كان يعود إلى المنزل في أوقات متأخرة من الليل، فما إن تسأله عن سبب تأخره يبادرها بالقول: " كنا عم نلعب كرة قدم"، فتنظر إليه نظرة العارف، وتتبسم قائلة : " حدا بيلعب كرة بهالوقت".
تربى منذ طفولته على الإلتزام بالمبادئ الدينية وتمتع بصفات وخصال نبيلة ميزته عن كثير من أبناء جيله.
هو أول استشهادي في صفوف أفواج المقاومة اللبنانية حركة امل بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان الذي تم في (حركة المحرومين سابقا)
حزيران من العام 1982، حيث نفذ عمليته في 11 تشرين الثاني من العام 1982.
قصة عن الشهيد أحمد قصير مع الشهيد رضا حريري :

رضا واحمد ساهران طوال الليل على تركيب العبوة الضخمة في السيارة التي سوف يقودها احمد قصير ويقتحم بها مقر الحاكم العسكري في بناية عزمي وبينما كان احمد يساعد رضا
(الشهيد رضا حريري* الذي كان بطلا مقاوما حضر لعملية قصير وغيرها من العمليات البطولية) في توضيب العبوة وإيصال أسلاكها، خطر على باله خاطر ضحك له. فبادره رضا:
ـ ما بك؟ لماذا تضحك؟
ـ ثقل لي العبوة جيدا تحت مقعدي
جلس رضا وكان مستلقيا عل ظهره تحت السيارة
ـ لماذا؟
ـ أريد أن لا احس بألم الانتقال... أريد أن تكون شهادتي مريحة، لطيفة، بطرفة عين.
دمعت عينا رضا ضمه إلى صدره... إلا أنهما عاودا بسرعة إكمال العمل الذي سوف يكون أقوى ضربة نوعية توجهها المقاومة لإسرائيل وفاتحة عصر الاستشهاد.

(مع أصدقائه الحركيين الشهيدين يوسف ورضا حريري).

(حتى أصدقائه شهداء في قافلة حركة أمل و هذا ضريح الشهيد يوسف حريري).
تفاصيل العملية :
فاتح عهد الإستشهاديين هو الشهيد أحمد قصير وكان يبلغ من العمر 18ربيعاً وقام بعمليته في الساعة السابعة من صباح يوم الخميس 11 تشرين الثاني 1982، حين هزّ المدينة انفجار ضخم، استهدفت مقر الحاكم العسكري، الواقع في "بناية عزمي" وفجر نفسه بالمبنى وسقط المبنى كاملاً على من فيه، جاءت هذه العملية بعد خمسة أشهر وسبعة أيام على بداية الإجتياح الإسرائيلي للبنان، وسقوط آلاف من الشهداء والجرحى، فضلاً عن آلاف المعتقلين، يومها قاد فتى لم يتجاوز عمره ثمانية عشر عاماً سيارته "البيجو" التي كانت مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات، إقتحم بها مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي لمنطقة صور "بناية عزمي" والذي كان يضم القيادة العسكرية وبقربها معسكر للجيش الإسرائيلي في منطقة جل البحر – صور.
مع حدوث الإنفجار، سرعان ما هوى المقر على من فيه وشب حريق هائل وارتفعت سحب الدخان، في لحظات مرعبة امتزج فيها صراخ الجنود مع طلقات نارية متقطعة، وتحول المكان الى ساحة من الجثث المتناثرة، تصل إليها تباعاً الجنرالات والقادة، بعضهم بواسطة السيارات، والبعض الآخر أقلّته المروحيات وعلى رأسهم قائد المنطقة الشمالية يومها الجنرال "أمير دروري".
إرباك في صفوف العدو و الناطق العسكري الإسرائيلي اعترف بمقتل 74 ضابطاً وجندياً بمن فيهم الحاكم العسكري، وأُعتبر 27 منهم في عداد المفقودين، وفي محصلة أوردتها الصحف الإسرائيلية بعد بضعة أيام أن هناك 141 قتيلاً وعشرة أُعتبروا مفقودين.
مجلس وزراء إسرائيل أعلن الحداد في يوم 15/11/1982، حيث أُطلقت صفارة في جميع أنحاء الكيان الصهيوني، تلتها دقيقة من الهدوء التام، فيما واصلت وسائل الإعلام قطع برامجها وبث الموسيقى الحزينة، في حين خصصت المدارس ساعة من حصصها للحديث عن العملية.
إحتار الإسرائيليون في تفسير العملية، ودفعهم ذلك الى القول حيناً "إن ما جرى "بسبب خلل في البناء"، وحيناً آخر" باستبعاد تفجير سيارة مفخخة، "فالانفجار تمّ بعبوات ناسفة زرعت تحت أعمدة المبنى وأدت الى انهياره كلياً.. هكذا كانت تحليلات الضباط الصهاينة ومنهم رافائيل إيتان رئيس الأركان وضابط كبير آخر.
وتلاه الشهيد بلال فحص من صفوف أفواج امل فكانت العملية الثانية الإستشهادية في منطقة الزهراني إثر تفجير نفسه بدورية إسرائيلية في 16 حزيران 1984 وتلتها عملية ثالثة للمجاهد الحركي حسن قصير الذي اقتحم بسيارته قافلة عسكرية إسرائيلية على طريق البرج الشمالي في صور بالقرب من مؤسسة جبل عامل وبدأ عصر الإنتصارات وعصر إنكسار الكيان الغاصب أمام أبناء الامام السيد موسى الصدر .
تجدر الإشارة إلى أن الشهيد القائد محمد سعد هو من خطط للعملية وقد أشار في وصيته* إلى "أخيه الحبيب سمير " وسمير كان الإسم الحركي للشهيد أحمد قصير ...
ويروي احد تلامذة معهد البرج الشمالي ان الشهيد القائد محمد سعد جاء عند الساعة السابعة الا ربعا صباح يوم 11\11\1982الى المعهد حيث كان استاذا لمادة الكيمياء , وعند الساعة السابعة تماما طلب من الحرس النظر الى مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي , وعندما نظر الحرس صوب المقر دوى انفجار هائل دمر المبنى تدميرا كاملا عندئذ طلب الشهيد القائد من الحرس قراءة سورة الفاتحة عن روح "الشهيد احمد" ثم انصرف لينام لانه لم ينم منذ 48 ساعة .

(مقتطف من وصية قائد المقاومة في حركة أمل الشهيد القائد محمد سعد يتحدث فيها عن عمليه الشهيد أحمد قصير).
شهود عيان يروون التالي:
الدكتور حسن الزين:
الدكتور حسن الزين روى تفاصيل العملية ومشاهداته عندما كان في مستشفى جبل عامل الملاصق لمبنى الحاكم العسكري المستهدف
يقول الدكتور الزين : كانت وقتها ايام اشتدت فيها ما وصف بـ"القبضة الحديدية" التي مارسها الاحتلال على أهلنا، وكانت تلك الايام في فصل الشتاء وقد حصل طوفان بفعل الامطار الغزيرة تضرر جراءها العديد من خيم جنود العدو المنصوبة في منطقة البص قبل يوم واحد من العملية، فاضطر الجنود الى اللجوء لمبنى الحاكم العسكري الذي عج حينها بالجنود.
وأضاف: قرابة السابعة الا عشر دقائق صباحا كنت استلقي في غرفة مقابلة للمبنى، وقفت مذعورا لا ادري ماذا حصل لبضع لحظات، ومن شدة الانفجار، لم اسمع صوته اطلاقا" لكني شاهدت بأم العين كيف كان المبنى المؤلف من ثماني طلبقات يهوي طبقة فوق طبقة.. بعدها بدأ مخزن الذخيرة بالتفجر. شعرت في أثنائها بأنها عملية ما قامت بها المقاومة ولم أكن اعلم انها استشهادية الا عندما حضر أحد المواطنين الذي كان بقرب المبنى بسيارته وروى لي كيف قامت سيارة بيضاء بسرعة قوية وتجاوزته ودخلت الى المبنى مباشرة.
وقال د. الزين: ان قتلى العدو بلغوا ما يزيد عن مئتي قتيل لانه بعد دقائق من بدء عمليات الانقاذ التي بدأت بعد ساعتين من العملية شاهدت نحو 45 جثة ممدة على الطريق العام، وأبني كلامي
على ما يلي:
أولا": إتلاف الخيم التي كان يسكنها الجنود وحضورهم الى المبنى المذكور، اضافة لذلك حصلت العملية عند الساعة السابعة الا عشر دقائق في الوقت الذي تنتهي فيه الدوريات الليلية عند الساعة السادسة والنصف وتبدأ عمليات التبديل عند الساعة السابعة، يعني ذلك ان وجود عناصر الدوريات الليلية لازم وجود عناصر التبديل النهاري، وهذه الفرصة تقضي بوجود جميع الجنود تحت أنقاض المبنى .
ولفت د. الزين الى ان ساعتين من الارتباك المتواصل والبكاء المستمر من الجنود ساد المنطقة، فالجنود الذين نجوا لا يعدون على أصابع اليدين، وكانوا لا يعرفون ماذا يفعلون بعد مقتل قادتهم ومسؤوليهم داخل المبنى المدمر.
وعند الساعة التاسعة صباحا" أي بعد ساعتين على العملية حضرت
عدة طائرات مروحية وترجل منها قرابة 25 شخصا يرتدون ملابس مدنية متشابهة عرفت انهم من استخبارات العدو الذين وصلوا وبدأوا برمي الجثث بسرعة رهيبة في المروحيات كي لا يشاهدها أحد او يتم تصويرها، وخلال ساعات ما بعد الظهر حضر وزير الحرب الاسرائيلي آنذاك آرييل شارون يرافقه عدد من المسؤولين الاسرائيليين، اذكر منهم موردخاي، وعلامات الاحباط والوجوم تملأ وجوههم، وجعلوا المستشفى الذي أنا فيه ثكنة عسكرية طيلة فترة عمليات الانقاذ التي استمرت حتى اليوم التالي، وفي اليوم الثالث قطع الاسرائيليون الامل بوجود احياء فبدأوا عمليات الجرف، وأذكر انهم قتلوا جريحا اسرائيليا" أثناءها
وعن شعوره بهذه الذكرى، قال د. حسن الزين: انها بالفعل لحظات رائعة، فكلما اذكر تلك اللحظات أشعر بالعزة والفخر بأنني كنت شاهدا على بكاء الجنود وعويلهم، وكنت شاهدا" على هزيمة الاحتلال وانكسار شوكته.
وأكد د. الزين ان ميزة عملية الشهيد قصير لم تقتصر فقط على قتل عشرات الجنود الصهاينة وإنما ايضا كانت انطلاقة فعلية لعمليات المقاومة وفاتحة لعهد العمليات الاستشهادية.
من جهته السيد أبو سامر روى مشاهداته للعملية عندما كان معتقلاً في المبنى المستهدف حيث قال: اعتقلت قبل يوم واحد من العملية ونقلوني الى الطابق السابع في مكان واسع، وقضيت تلك الليلة مكبلا"، والكيس في رأسي، ولم أنم بسبب الاوجاع التي نتجت عن التعذيب الذي مورس ضدي. وعند الساعة السابعة الا عشر دقائق تقريبا وبينما كنت مسوقا الى الحمام شعرت وكأن زلزالا ضرب المبنى وغبت للحظات عن الوعي حتى لم أسمع صوت الانفجار، وظننت للوهلة الاولى انها نوع من أنواع التعذيب، واذا بالمبنى يصبح انقاضا" وانا في رأس هذه الانقاض وفوقي سقف مدمر، والعناية الالهية ابقت احد الأعمدة واقفا وبدأت اسمع صراخا وأنينا من بين الانقاض وما هي الا لحظات حتى بدأت الذخائر بالانفجار، وعلى مدى ساعتين لم اسمع الا البكاء والعويل وطلب النجدة، وكنت ايضا مشاركا لهم بالصراخ، وبعد فترة من الوقت سمعت هدير آليات وجرافات الا انني لم اعد اسمع استغاثات الجنود فعلمت انهم قتلوا جميعا وانتابني حينها شعور بالحماسة والخوف على المصير معاً. وأسطع دليل على خبث وحقد الصهاينة تجاهنا عندما مر احدهم ورآني تحت الانقاض وسألني فقط ان كان بجانبي جنود فقلت له كلا، عندها تركني ورحل وانا استغيث دون ان القى جوابا، وبقيت على هذه الحال سبع ساعات، بعدها قلت لهم ان اسرائيليين يستغيثون تحتي فعمدوا الى انتشالي بعدما اصابتني بعض الجروح وطبعا هذه الدماء فداء للشهيد قصير وقضيته التي هي قضية كل الوطن.
وأضاف: بعد ستة عشر عاما على العملية لا يمكن الا ان اوجه التحية الى روح الشهيد قصير الذي اعطانا فرصة الحياة من جديد كما اعطانا الكرامة والعزة وشق طريقا آخر للجهاد والمقاومة.
والدة الشهيد:
والدة الشهيد التي لم تعلم باستشهاد ولدها احمد الا بعد عام وقالت ان أحمد توجه الى بيروت للعمل في دكان والده، وكالعادة انتظرته حتى يعود يوم الجمعة الا انه لم يحضر، وكذلك يومي السبت والاحد فتوجهت فورا انا ووالده الى بيروت وبدأنا نسأل عنه عند اقاربه واصدقائه، والجميع لم يعرف شيئا" عن احمد حتى بلغ الامر بنا لوضع صورته في الجريدة دون فائدة، وعشت عذابات الام الثكلى فترة عام تقريبا لم أترك وسيلة لم استنجد بها للعثور على احمد ولم يخطر ببالي انه قد استشهد في عملية لانه اذا حصل ذلك فإنني سأبلغ بالطبع، الا ان وصية الشهيد احمد حالت دون معرفتي حيث وصى بعدم ذكر اسمه الا بعد انسحاب العدو من المنطقة حفاظا على سلامة اهله وعلمت بأمر استشهاده من احدى الاخوات عن طريق الخطأ، ثم سحبت قولها، وكان وقتها أخو الشهيد على علم بالامر، فتوجهت فورا الى بيروت وسألت ولدها عن مصير احمد فأخفى علمه حتى استحلفته برسول الله ودماء الامام الحسين (ع) عندها أجابني بالحقيقة.
وفي ايران اطلقت بلدية طهران إسم الشهيد احمد قصير على احد الشوارع الرئيسية في العاصمة الايرانية ورفعت فيه صورة كبيرة للبطل الجنوبي مع لوحة كتب عليها " الشهيد احمد جعفر قصير ، تاريخ الاستشهاد في 11/11/1982 ، عملية استشهادية داخل مقر الحاكم العسكري في مدينة صور " وذلك تكريما ً لفاتح عهد الاستشهاديين.
أحمد قصير مضى .... مضى فاتح عهد الإستشهاديين
مؤكّـداً ومثبّـتاً لفكرة إنتصار الدم على السيف
واستمرت قافلة الشهداء..
فكانت من أقوى الضربات التي تلقتها اسرائيل عملية الاستشهادي احمد قصير ..
يكفينا شرفا" و فخرا" أنك أحمد قصير ابن أمل و تلميذٌ من تلامذة الشهيد القائد محمد سعد .
أكتفي بهذه الكلمات المنقولة عن لسان دولة الرئيس الاخ نبيه بري :
نحن أبناء "أمل" نقاتل بصمت و نستشهد بصمت
هذا سر خلودنا في الساحات التي وإن نسينا الناس لن تنسانا..
شهداء أمل المجهولون في الأرض المعروفون في السماء
وتبقى أمل عنوان الشهداء الأبرار ومنارة الأتقياء مهما حاولوا ومهما زيفوا لن ولن ولن يستطيعوا محوها من سماء الخلود.

في 11/11/1982 .. في يوم الشهيد .. تحية وسلام لفاتح عهد الإستشهاديين أحمد قصير .. ولكل شهداء الوطن .. لصنّـاع الحياة وأنبل بني البشر وستبقى المقاومة هي الرد ... وقوافل الشهداء تصنع النصر..
هو أنت
ومن مثلك يا من أنت
يا نزف النجيع في محابر العشق
يا هديل البحر على ترنيمة الشفق
ووجع الالوان عند خلاص الشمس
هو أنت ...
أحمد قصير فاتح العصر ...
وراية الفتح وبيان النصر ...
وهامة الشهداء يا أول الرصاص والنار
من جل البحر الى فجر أيار..
تحية أمل و الإنتصار....
تعليق