إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

من كتابات ساكنة الروح ثناء درويش

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من كتابات ساكنة الروح ثناء درويش

    من كتابات ساكنة الروح ثناء درويش


    أوراقٌ سافرة .. من دفتر عربية مسافرة

    "1"
    موطن النعام

    أحكي لكم عن نعامةٍ ، كانت في وقتٍ من مواقيته ، ترتع وتلعب مع بنات جنسها ، في روضٍ خصيبٍ ، أخضرٍ ، مديد، كفسحة أحلامها وخيالاتها ، بيد أنّه كان محاطاً بسورٍ عالٍ ، يحجب ما وراءه تماماً ، عن معشر النعام . وكان جناحاها من القصرِ والعجزِ ، بحيث لم ينفعها مدّ العنق لترى ما خلف السور ، رغم المحاولات الأنثوية الوادعة . فأحبت واقعها ، واعتبرته جنّتها ، ودار خلدها ، والوطن الأجمل في العالم ، ورفلت بثوب الرضا ، تجمّل حياتها البسيطة بتعداد نعمائه عليها ، فتزداد غبطة وسكينة ، بينما تغزل على منوالها حلمها الملوّن السرمديّ ، بأن يتاح لها يوماً أن تطير ، لترى ما وراء أفقها المرسوم بيد ما أسموه لها "مشيئة القدر".
    فجأة وفي نعيم أحلامها ، سمعت النعامة هديراً صاخباً ، هالها ورفيقاتها ، وسرى الذعر بينهن بالعدوى ، فتصورن أنفسهن مذبوحاتٍ ، عارياتٍ ، أو لقمةً سائغةً في فم مفترس .
    استيقظ إرث القهر والعجز والخوف دفعةً واحدة ، وخيمت لعنة الأنوثة عليهن ، وصار الموت عندهن أرحم من انتهاك حرمتهن ، فوهب الخوف لأجنحتهن العزم ليطرن من فوق السور ، ورحن يركضن ويركضن مذعورات ، قبل أن يتبينّ مصدر الصوت ، أو يلتفتن ولو التفاتة صغيرة ليرين حجم الخطر المحدق بهن .
    ركضت النعامة حتى أعياها التعب ، ولم تعد ساقاها تقويان على المزيد من الجري ، فدفنت رأسها مع سائر النعام في الرمال ،وهي تحسب لسذاجتها ،أن ذاك منجيها ، من مصير محتّم .
    حتى إذا ما طال عليها الأمد ، وأوشكت على الهلاك ، فيما هدير الصوت يصلها بنفس الرتابة والديمومة ،أخرجت رأسها متحديةً ، تنشد الحياة ولو لبرهة قصيرة .
    أية أبجدية تقدر أن تصور لحظة القرار تلك ، بل أية لغة مهما اغتنت ، تملك أن تسطّر بحروفها المحدودة ، انبعاثها من جديد من كثيب الخوف المتراكم ، لتأخذ شهيقاً طويلاً ، وتزفر كل شيء سواه .
    استجمعت النعامة قواها الواهنة ، لتستحضر تفاصيل الواقعة ، فرأت رفيقاتها قد اختنقن في الرمال ، رحلن كالكثيرات قبلهن ، وزهقت الظلمة نفوسهن الضعيفة بلا ثمن ، فيما بيوضهن وصغارهن هناك في موطن النعام الساحر ، الذاخر بالخيالات والصور ، وسيل الكلمات ، ينتظرن بالأمل ، فرجاً تأتي به السماء ، وعدت به الأمهات مرارا ولم يأت قط .
    أدارت النعامة رأسها فيما حولها بأسىً ، تستطلع وحشة المكان ، وابتسمت في سخرية مرّة ، حين رأت أن الصوت ما كان إلا طاحوناً قديماً متداعٍ ، عاد يهدر ويهدر بلا توقف ، يحلم ويحلم بالطحين .. وما ثمّ طحين .
    شيعت بنظرة أخيرة رفيقاتها ، ضحايا الخوف المتجذر في النفوس منذ عهد البداوة والجاهليّة الأولى ، بينما امتدّ أمامها درب الرجوع نحو الحقيقة الكامنة هناك في أعماق موطنها ، ضيقاً ووعراً بلا ملامح أو علامات دالّة .
    عادت النعامة إلى وطن النعام ، وحيدة ، متعبة ، فارغة ، لكنها بوجه آخر ، عادت حرّة ، قويّة ، وغير خائفة .
    عادت لتحيا الحرية "الفطرة" .. التي كرّمها بها الله على العالمين ، والتي لا تُستجدى بل هي حقٌّ إنسانيٌّ فطرت عليه منذ أول خلق.
    عادت لتتنشق أنفاس الحرية المسؤولة ، باعتبارها " أمانة الله " .. والتي حملت صليبها اختيارا ، رضا وطواعية ، لتكون قانونها الأوحد ، الملزم بلا رقيب أو حسيب ، ولا ترغيب ولا ترهيب .
    عادت تغني نشيد الحرية ، لأجيال لابد قادمة ، في بلاد لا تعرف عن الحريّة إلا صورها .
    أغنية طويلة يقول مطلعها :
    " من قال
    إن خلقي كنعامةٍ
    يا قوم قدرْ
    كم من حمامةٍ
    بإرادةٍ أضحت نسرْ
    أنا الوجود الكامل
    المتغيرُ .. المتجددُ ..
    يأبى الركود أو الأسرْ
    إن الحياة والخلود
    لجامع حبٍ وحربٍ
    ليكون حرْ "

    وللنشيد بقية
    من كتابات ساكنة الروح ثناء درويش
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X