بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير الانام محمد واله الكرام البررة وصحبه النجباء الخيرة
لا شك ان علم الحديث من العلوم المهمة وقد تناولنا سابقا عدد من علماء الحديث والرواية من كلا المدرستين وابتدانا بالامام البخاري وصحيحه
ثم بالشيخ الكليني اعلى الله مقامه وتناول كافيه وسنتناول في هذه الصفحات الامام مسلم وصحيحه لنقف على اثار هؤلاء العلماء وسيرة حياتهم وما قدموه من علوم .
وسيكون بحثنا هذا بعدة فصول راجين ان يكون فيه منفعة للمتبعين
والله من وراء القصد
الفصل الاول
المبحث الاول
نسبه :-
هو مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد القشيري النيسابوري , وكنية بالقشيري نسبة الى القبيلة التي ينتمي اليها ونسب ايضا الى مدينة نيسابور وهي احدى مدن خرسان ’قال ياقوت في معجم البلدان 5/331: مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء ، ومنبع العلماء لم أر فيما طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها .
وفي الإرشاد للخليلي 2/802: "نيسابور" قال هلال بن العلاء الرقي: شجرة العلم أصلها بالحجاز ، ونقل ورقها إلى العراق ، وثمرها إلى خراسان.
وكل من رأيته ترجم لمسلم لا يجاوز في عد آبائه جده : كوشاذ ، بل كثير منهم لم يذكر إلا جده مسلما ، ولم أر من زاد على هذه التسمية .
المبحث الثاني
ولادته :-
ولقد اختلف العلماء في تحديد ولادته وفيه عدة اقوال :-
القول الأول: قال الذهبي في العبر 2/23: إنه مات وله ستون سنة . فعليه تكون ولادته عام 201هـ ، لأنه لا خلاف أنه توفي عام 261هـ ، وأظن أن هذا القول من العلامة الذهبي تخمينا ، لأنه قال في سير أعلام النبلاء 12/580 : توفي عن بضع وخمسون .
وأما في تذكرة الحفاظ 2/590 : فقال : يقال: إنه ولد سنة 204 هـ . وبه جزم الحافظ ابن كثير في البداية 11/34-35 ـ في وفيات سنة 261هـ ـ قال : وكان مولده في السنة التي توفي فيها الشافعي ، وهي سنة أربع ومائتين ، فكان عمره سبعا وخمسين سنة .
وكذا قال ابن حجر في تقريب التهذيب ص529 : مات سنة إحدى وستين ، وله سبع وخمسون سنة.
وهذا القول الثاني.
والقول الثالث: قال ابن الصلاح في صيانة مسلم ص1216 : مات مسلم سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور ، وهذا مشهور لكن تاريخ مولده ، ومقدار عمره كثيرا ما تطلب الطلاب علمه ، فلا يجدونه ، وقد وجده العبد الفاني عبد الرحمن السديس ـ وفقه الله لما يحبه ويرضاه ـ فذكر الحاكم أبو عبد الله ابن البيع الحافظ في كتاب "المزكين لرواة الأخبار" أنه سمع أبا عبد الله ابن الأخرم الحافظ يقول: توفي مسلم بن الحجاج عشية يوم الأحد ، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وهذا يتضمن أن مولده كان في سنة ست ومائتين ، والله أعلم. وعنه النووي في شرح مسلم 1/123 .
فهذه ثلاثة أقول أضعفها الأول ، أقواها الثالث لأن ابن الأخرم من أئمة هذا الشأن ، وله عناية بمسلم ، وذهب أكثر عمره في جمع المستخرج على مسلم ، وهو أيضا قريب العهد جدا من مسلم فتوفي مسلم وعمره إحدى عشرة سنة ، وهو بلديه ، والحاكم قد ارتضى قوله ، و الحاكم خبير بأهل بلده أيضا ، وله فيهم تأريخه العظيم: تأريخ نيسابور. والله أعلم.
ترجمة ابن الأخرم في تذكرة الحفاظ 3/864 .
المبحث الثالث
مؤلفاته وصفاته ومذهبه :-
ولا يخفى ان الامام مسلم كان اماما في الحديث ومحدثا كبيرا وكانت له مصنفات عديدة . وكان اول سماعه للحديث حسب ما قاله الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/558 : وأول سماعه في سنة ثمان عشرة [يعني: ومائتين]من يحيى بن يحيى التميمي .
وقال عبد الرحمن السديس مما ظهر يكون عمره عند سماعه الاول للحديث ـ على القول الراجح ـ اثنتي عشرة سنة.
ومن مؤلفاته: الجامع المسند الصحيح ، التمييز ، الكنى والأسماء ، الطبقات ، المنفردات والوحدان ، رجال عروة بن الزبير ، وهذه كلها قد طبعت .
وله : كتاب العلل ، كتاب الأفراد ، كتاب الأقران ، سؤالاته أحمد ابن حنبل ، كتاب عمرو بن شعيب ، كتاب الانتفاع بأهب السباع ، كتاب مشايخ مالك ، كتاب مشايخ الثوري ، كتاب مشايخ شعبة ، كتاب من ليس له إلا راو واحد ، كتاب المخضرمين ، كتاب أولاد الصحابة ، كتاب أوهام المحدثين ، أفراد الشاميين ، الرد على محمد بن نصر. وغيرها .
سير أعلام النبلاء 12/579 ، وطبقات علماء الحديث 2/288 ، وغنية المحتاج ص40 ، تدريب الراوي 2/363 .
وكان رجلا ميسور الحال قال الذهبي سير أعلام النبلاء 12/570 : قال الحاكم : كان متجرُ مسلم خان محمش ـ اسم موضع ـ ، ومعاشه من ضياعه بأستوا .
( أستوا ناحية من نواحي نيسابور ، كما في معجم البلدان 1/175.)
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر 10/114: قال محمد بن عبد الوهاب الفراء : كان مسلم من علماء الناس ..، وكان بزازا .
وفي العبر 2/29 : وكان صاحب تجارة ، وكان محسن نيسابور ، وله أملاك وثروة .
فتجارته في البز ، وكانت المزارع في أستوا المصدر الثاني له.
وكان قريبا من السلطان وارباب الدولة مقرب منهم وكان يأم الناس بامر من الخليفة
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/566 : قال الحاكم: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: رأيت شيخا حسن الوجه ، والثياب عليه رداء حسن ، وعمامة قد أرخاها بين كتفيه ، فقيل: هذا مسلم ، فتقدم أصحاب السلطان ، فقالوا: قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج إمام المسلمين فقدموه في الجامع ، فكبر وصلى بالناس. وهذا الخبر عند ابن عساكر في تاريخ دمشق 58/89.
وكانت عقيدته عقيدة السلف وذلك واضح من مقدمة كتابه حيث قال : في مقدمة صحيحه 1/6 : أعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه ، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم ، والمعاندين من أهل البدع .
إذا نظرت في أسماء كتب الإمام مسلم تجدها كلها تقريبا في علم الحديث وفنونه ، كما هو حال أكثر أهل الحديث في ذاك الزمان ، ولذا لم يتضح منهجه الفقهي تماما ، إلا أنه بلا شك من أهل العلم الكبار في زمانه في الحديث والفقه ، وإن لم يكن من الأئمة المجتهدين كأحمد ، والبخاري ، و إلا لظهر رأيه ، واختياره كما ظهر رأي غيره ، والناظر في كتابه الصحيح ، وانتقائه الأحاديث ، وحسن ترتيبه يدرك أنه من فقهاء أهل الحديث ، وأنه مطلع على اختلاف الفقهاء ، ولذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص529: عالم بالفقه .
و ذكر حاجي خليفة مسلما في كتابه كشف الظنون 1/555 فقال: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الشافعي . وأخذه بنصه صديق خان في الحطة ص 198 .
وقال الدهلوي في الإنصاف في بيان سبب الاختلاف ص314ـ المطبوع ضمن مجموعة الرسائل الكمالية رقم (4) ـ : وأما مسلم والعباس الأصم .. فهم متفردون لمذهب الشافعي يناضلون دونه
ومما يدل على عنايته بالفقه ، أن له سؤالات للإمام أحمد :قال القاضي أبو الحسين ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 3/309- 315 ـ في ترجمة الحسن بن حامد ـ قال ابن أبي يعلى: قرأت في بعض تصانيفه [ابن حامد] قال: اعلم أن الذي يشتمل عليه كتابنا هذا من الكتب والروايات المأخوذة من حيث نقل الحديث والسماع منها كتاب الأثرم ، وصالح ، وعبدالله ، وابن منصور ... ومسلم بن الحجاج ... ـ إلى أن قال ـ : وأما رواية مسلم بن الحجاج فأخبرنا أبو إسحاق المزكي قال حدثنا أبو حاتم مكي بن عبدان بن محمد بن بكر ، عن مسلم بن الحجاج عنه .
وبناء على هذا ، وعلى رواية مسلم عن أحمد = ترجم له في طبقات الحنابلة 2/413 وقال عنه : أحد الأئمة من حفاظ الأثر .
قلتُ: ولا يعني ذلك أنه حنبلي ، بل وصفه بالإمامة ، وحفظ الأثر ، وقد ترجم أيضا: لشيخي أحمد : وكيع بن الجراح ، وعبد الرحمن بن مهدي ؛ لكونهم حكوا شيئا عن أحمد .
ولهذا السبب ترجم له غير واحد ممن ألف في طبقات الحنابلة بعد ابن أبي يعلى.
وقد سئل ابن تيمية : مجموع الفتاوي 20/39 ـ هل البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود الطيالسي والدرامي والبزار والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة وأبو يعلى الموصلي هل كان هؤلاء مجتهدين لم يقلدوا أحدا من الأئمة أم كانوا مقلدين ؟ وهل كان من هؤلاء أحد ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة ؟ ...
فأجاب:الحمد لله رب العالمين أما البخاري ، وأبو داود ؛ فإمامان في الفقه من أهل الاجتهاد ، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء ، ولا هم من الأئمة المجتهدين على الإطلاق بل هم يميلون إلى قول أئمة الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأمثالهم ، ومنهم من له اختصاص ببعض الأئمة كاختصاص أبي داود ، ونحوه بأحمد بن حنبل وهم إلى مذاهب أهل الحجاز كمالك ، وأمثاله ، أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق كأبي حنيفة والثوري ... وهؤلاء كلمهم يعظمون السنة والحديث .
وقال السخاوي في غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج ص40-41:
والظاهر أنه ـ رحمه الله ـ كان على طريقة الأئمة من أهل الآثار في عدم التقليد بل سلك الاختيار مع إمكان الاستدلال بما وجد له من مقال لكونه مقتديا بإمامنا ابن إدريس الفائق في الاجتهاد ، والتأسيس ، فإنه قال في كتابه الانتفاع بجلود السباع ، وقد ذكر قولة من عاب قوله : ورب عياب له منظر مشتمل الثوب على العيب .
بل قال الأستاذ أبو منصور البغدادي : بالغ مسلم في تعظيم الشافعي ـ رحمهم الله تعالى ـ في كتابه الانتفاع .
وفي كتابه الرد على محمد بن نصر وعده في هذا الكتاب من الأئمة الذين يرجع إليهم في الحديث ، وفي الجرح والتعديل .
قال عبد الرحمن السديس : ومبالغته في تعظيم الشافعي ـ رحمه الله ـ لا تعني أنه يقلده ، فقد كان أحمد أيضا: يبالغ في تعظيمه فهل كان شافعيا ؟ هذا الاستدلال فيه نظر ، والله أعلم.
ثم قال السخاوي: وكذا يمكن استدلال أصحاب أحمد بأنه كتب عن إمامهم مسائل تروى عنه ، وتُعتمد .
ولكن الميل بخلاف كل هذا أكثر مما هو أظهر ـ إلى أن قال ـ وممن قال إنه على مذهب أهل الحديث ، وليس بمقلد لواحد بعينه من العلماء ، ولا هو من المجتهدين على الإطلاع : ابن تيمية .
المبحث الرابع
ومشايخ و تلامذته :-
تلقى مسلم العلم عن جموع من العلماء من أبرزهم هؤلاء الأئمة : عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وقتيبة بن سعيد ، وسعيد بن منصور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي خيثمة زهير بن حرب ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن بشار بندار ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبي كريب محمد بن العلاء ، وأبي الربيع الزهراني ، وأبي موسى محمد بن المثنى ، وهناد بن السري ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، والبخاري ، وعبد الله الدارمي ، وإسحاق الكوسج ، وخلق سواهم.
انظر: صحيح مسلم ، تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم ، رجال مسلم لا بن منجويه ، وتأريخ بغداد 13/100، وتأريخ دمشق 58/85 ، و تهذيب الكمال 27/500 ، وسير أعلام النبلاء 12/558 .
وأخذ الحديث ، والعلم عن الإمام مسلم خلق من الرواة من أبرزهم :
الإمام أبو عيسى الترمذي ، والفقيه إبراهيم بن محمد بن سفيان ، وأبو حامد أحمد بن حمدون ، والحافظ أبو الفضل أحمد بن سلمة ، وأبو حامد ابن الشرقي ، والحافظ أبو عمرو الخفاف ، والحافظ سعيد بن عمرو البرذعي ، والحافظ صالح بن محمد البغدادي ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ومحمد بن إسحاق السراج ، وأبو عوانة الإسفراييني ، وأبو محمد القلانسي ، ومكي بن عبدان ، وخلق غيرهم. تأريخ دمشق 58/85 ، وتهذيب الكمال 27/504 ، وسير أعلام النبلاء 12/562 ، وغيرها.
المبحث الخامس
وفاته وما قيل حولها :- قال ابن الصلاح في صيانة مسلم ص1216: وكان لموته سبب غريب نشأ عن غمرة فكرية علمية ـ ثم ساق سنده إلى الحاكم ـ قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب سمعت أحمد بن سلمة يقول: عقد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة ، فذكر له حديث لم يعرفه ، فانصرف إلى منزله ، وأوقد السراج ، وقال لمن في الدار : لا يدخلن أحد منكم هذا البيت ، فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر ، فقال: قدموها إلي ، فقدموها ، فكان يطلب الحديث ، ويأخذ تمرة تمرة يمضغها ، فأصبح وقد فني التمر ، ووجد الحديث.
قال الحاكم: زادني الثقة من أصحابنا: أنه منها مرض ، ومات .
وانظر: تاريخ بغداد 13/103، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق 58/94 ، و تهذيب الكمال27/506 .
وكانت وفاته عشية يوم الأحد ، ودفن الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، رحمه الله .
انظر: طبقات الحنابلة 2/417 ، وتاريخ دمشق 58/94، وصيانة مسلم ص1216 ، وشرح مسلم للنووي 1/123 و تهذيب الكمال 27/507 ، والبداية والنهاية 11/34 .
لا شك ان علم الحديث من العلوم المهمة وقد تناولنا سابقا عدد من علماء الحديث والرواية من كلا المدرستين وابتدانا بالامام البخاري وصحيحه
ثم بالشيخ الكليني اعلى الله مقامه وتناول كافيه وسنتناول في هذه الصفحات الامام مسلم وصحيحه لنقف على اثار هؤلاء العلماء وسيرة حياتهم وما قدموه من علوم .
وسيكون بحثنا هذا بعدة فصول راجين ان يكون فيه منفعة للمتبعين
والله من وراء القصد
الفصل الاول
المبحث الاول
نسبه :-
هو مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد القشيري النيسابوري , وكنية بالقشيري نسبة الى القبيلة التي ينتمي اليها ونسب ايضا الى مدينة نيسابور وهي احدى مدن خرسان ’قال ياقوت في معجم البلدان 5/331: مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء ، ومنبع العلماء لم أر فيما طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها .
وفي الإرشاد للخليلي 2/802: "نيسابور" قال هلال بن العلاء الرقي: شجرة العلم أصلها بالحجاز ، ونقل ورقها إلى العراق ، وثمرها إلى خراسان.
وكل من رأيته ترجم لمسلم لا يجاوز في عد آبائه جده : كوشاذ ، بل كثير منهم لم يذكر إلا جده مسلما ، ولم أر من زاد على هذه التسمية .
المبحث الثاني
ولادته :-
ولقد اختلف العلماء في تحديد ولادته وفيه عدة اقوال :-
القول الأول: قال الذهبي في العبر 2/23: إنه مات وله ستون سنة . فعليه تكون ولادته عام 201هـ ، لأنه لا خلاف أنه توفي عام 261هـ ، وأظن أن هذا القول من العلامة الذهبي تخمينا ، لأنه قال في سير أعلام النبلاء 12/580 : توفي عن بضع وخمسون .
وأما في تذكرة الحفاظ 2/590 : فقال : يقال: إنه ولد سنة 204 هـ . وبه جزم الحافظ ابن كثير في البداية 11/34-35 ـ في وفيات سنة 261هـ ـ قال : وكان مولده في السنة التي توفي فيها الشافعي ، وهي سنة أربع ومائتين ، فكان عمره سبعا وخمسين سنة .
وكذا قال ابن حجر في تقريب التهذيب ص529 : مات سنة إحدى وستين ، وله سبع وخمسون سنة.
وهذا القول الثاني.
والقول الثالث: قال ابن الصلاح في صيانة مسلم ص1216 : مات مسلم سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور ، وهذا مشهور لكن تاريخ مولده ، ومقدار عمره كثيرا ما تطلب الطلاب علمه ، فلا يجدونه ، وقد وجده العبد الفاني عبد الرحمن السديس ـ وفقه الله لما يحبه ويرضاه ـ فذكر الحاكم أبو عبد الله ابن البيع الحافظ في كتاب "المزكين لرواة الأخبار" أنه سمع أبا عبد الله ابن الأخرم الحافظ يقول: توفي مسلم بن الحجاج عشية يوم الأحد ، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وهذا يتضمن أن مولده كان في سنة ست ومائتين ، والله أعلم. وعنه النووي في شرح مسلم 1/123 .
فهذه ثلاثة أقول أضعفها الأول ، أقواها الثالث لأن ابن الأخرم من أئمة هذا الشأن ، وله عناية بمسلم ، وذهب أكثر عمره في جمع المستخرج على مسلم ، وهو أيضا قريب العهد جدا من مسلم فتوفي مسلم وعمره إحدى عشرة سنة ، وهو بلديه ، والحاكم قد ارتضى قوله ، و الحاكم خبير بأهل بلده أيضا ، وله فيهم تأريخه العظيم: تأريخ نيسابور. والله أعلم.
ترجمة ابن الأخرم في تذكرة الحفاظ 3/864 .
المبحث الثالث
مؤلفاته وصفاته ومذهبه :-
ولا يخفى ان الامام مسلم كان اماما في الحديث ومحدثا كبيرا وكانت له مصنفات عديدة . وكان اول سماعه للحديث حسب ما قاله الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/558 : وأول سماعه في سنة ثمان عشرة [يعني: ومائتين]من يحيى بن يحيى التميمي .
وقال عبد الرحمن السديس مما ظهر يكون عمره عند سماعه الاول للحديث ـ على القول الراجح ـ اثنتي عشرة سنة.
ومن مؤلفاته: الجامع المسند الصحيح ، التمييز ، الكنى والأسماء ، الطبقات ، المنفردات والوحدان ، رجال عروة بن الزبير ، وهذه كلها قد طبعت .
وله : كتاب العلل ، كتاب الأفراد ، كتاب الأقران ، سؤالاته أحمد ابن حنبل ، كتاب عمرو بن شعيب ، كتاب الانتفاع بأهب السباع ، كتاب مشايخ مالك ، كتاب مشايخ الثوري ، كتاب مشايخ شعبة ، كتاب من ليس له إلا راو واحد ، كتاب المخضرمين ، كتاب أولاد الصحابة ، كتاب أوهام المحدثين ، أفراد الشاميين ، الرد على محمد بن نصر. وغيرها .
سير أعلام النبلاء 12/579 ، وطبقات علماء الحديث 2/288 ، وغنية المحتاج ص40 ، تدريب الراوي 2/363 .
وكان رجلا ميسور الحال قال الذهبي سير أعلام النبلاء 12/570 : قال الحاكم : كان متجرُ مسلم خان محمش ـ اسم موضع ـ ، ومعاشه من ضياعه بأستوا .
( أستوا ناحية من نواحي نيسابور ، كما في معجم البلدان 1/175.)
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر 10/114: قال محمد بن عبد الوهاب الفراء : كان مسلم من علماء الناس ..، وكان بزازا .
وفي العبر 2/29 : وكان صاحب تجارة ، وكان محسن نيسابور ، وله أملاك وثروة .
فتجارته في البز ، وكانت المزارع في أستوا المصدر الثاني له.
وكان قريبا من السلطان وارباب الدولة مقرب منهم وكان يأم الناس بامر من الخليفة
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/566 : قال الحاكم: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: رأيت شيخا حسن الوجه ، والثياب عليه رداء حسن ، وعمامة قد أرخاها بين كتفيه ، فقيل: هذا مسلم ، فتقدم أصحاب السلطان ، فقالوا: قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج إمام المسلمين فقدموه في الجامع ، فكبر وصلى بالناس. وهذا الخبر عند ابن عساكر في تاريخ دمشق 58/89.
وكانت عقيدته عقيدة السلف وذلك واضح من مقدمة كتابه حيث قال : في مقدمة صحيحه 1/6 : أعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه ، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم ، والمعاندين من أهل البدع .
إذا نظرت في أسماء كتب الإمام مسلم تجدها كلها تقريبا في علم الحديث وفنونه ، كما هو حال أكثر أهل الحديث في ذاك الزمان ، ولذا لم يتضح منهجه الفقهي تماما ، إلا أنه بلا شك من أهل العلم الكبار في زمانه في الحديث والفقه ، وإن لم يكن من الأئمة المجتهدين كأحمد ، والبخاري ، و إلا لظهر رأيه ، واختياره كما ظهر رأي غيره ، والناظر في كتابه الصحيح ، وانتقائه الأحاديث ، وحسن ترتيبه يدرك أنه من فقهاء أهل الحديث ، وأنه مطلع على اختلاف الفقهاء ، ولذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص529: عالم بالفقه .
و ذكر حاجي خليفة مسلما في كتابه كشف الظنون 1/555 فقال: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الشافعي . وأخذه بنصه صديق خان في الحطة ص 198 .
وقال الدهلوي في الإنصاف في بيان سبب الاختلاف ص314ـ المطبوع ضمن مجموعة الرسائل الكمالية رقم (4) ـ : وأما مسلم والعباس الأصم .. فهم متفردون لمذهب الشافعي يناضلون دونه
ومما يدل على عنايته بالفقه ، أن له سؤالات للإمام أحمد :قال القاضي أبو الحسين ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 3/309- 315 ـ في ترجمة الحسن بن حامد ـ قال ابن أبي يعلى: قرأت في بعض تصانيفه [ابن حامد] قال: اعلم أن الذي يشتمل عليه كتابنا هذا من الكتب والروايات المأخوذة من حيث نقل الحديث والسماع منها كتاب الأثرم ، وصالح ، وعبدالله ، وابن منصور ... ومسلم بن الحجاج ... ـ إلى أن قال ـ : وأما رواية مسلم بن الحجاج فأخبرنا أبو إسحاق المزكي قال حدثنا أبو حاتم مكي بن عبدان بن محمد بن بكر ، عن مسلم بن الحجاج عنه .
وبناء على هذا ، وعلى رواية مسلم عن أحمد = ترجم له في طبقات الحنابلة 2/413 وقال عنه : أحد الأئمة من حفاظ الأثر .
قلتُ: ولا يعني ذلك أنه حنبلي ، بل وصفه بالإمامة ، وحفظ الأثر ، وقد ترجم أيضا: لشيخي أحمد : وكيع بن الجراح ، وعبد الرحمن بن مهدي ؛ لكونهم حكوا شيئا عن أحمد .
ولهذا السبب ترجم له غير واحد ممن ألف في طبقات الحنابلة بعد ابن أبي يعلى.
وقد سئل ابن تيمية : مجموع الفتاوي 20/39 ـ هل البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود الطيالسي والدرامي والبزار والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة وأبو يعلى الموصلي هل كان هؤلاء مجتهدين لم يقلدوا أحدا من الأئمة أم كانوا مقلدين ؟ وهل كان من هؤلاء أحد ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة ؟ ...
فأجاب:الحمد لله رب العالمين أما البخاري ، وأبو داود ؛ فإمامان في الفقه من أهل الاجتهاد ، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء ، ولا هم من الأئمة المجتهدين على الإطلاق بل هم يميلون إلى قول أئمة الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأمثالهم ، ومنهم من له اختصاص ببعض الأئمة كاختصاص أبي داود ، ونحوه بأحمد بن حنبل وهم إلى مذاهب أهل الحجاز كمالك ، وأمثاله ، أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق كأبي حنيفة والثوري ... وهؤلاء كلمهم يعظمون السنة والحديث .
وقال السخاوي في غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج ص40-41:
والظاهر أنه ـ رحمه الله ـ كان على طريقة الأئمة من أهل الآثار في عدم التقليد بل سلك الاختيار مع إمكان الاستدلال بما وجد له من مقال لكونه مقتديا بإمامنا ابن إدريس الفائق في الاجتهاد ، والتأسيس ، فإنه قال في كتابه الانتفاع بجلود السباع ، وقد ذكر قولة من عاب قوله : ورب عياب له منظر مشتمل الثوب على العيب .
بل قال الأستاذ أبو منصور البغدادي : بالغ مسلم في تعظيم الشافعي ـ رحمهم الله تعالى ـ في كتابه الانتفاع .
وفي كتابه الرد على محمد بن نصر وعده في هذا الكتاب من الأئمة الذين يرجع إليهم في الحديث ، وفي الجرح والتعديل .
قال عبد الرحمن السديس : ومبالغته في تعظيم الشافعي ـ رحمه الله ـ لا تعني أنه يقلده ، فقد كان أحمد أيضا: يبالغ في تعظيمه فهل كان شافعيا ؟ هذا الاستدلال فيه نظر ، والله أعلم.
ثم قال السخاوي: وكذا يمكن استدلال أصحاب أحمد بأنه كتب عن إمامهم مسائل تروى عنه ، وتُعتمد .
ولكن الميل بخلاف كل هذا أكثر مما هو أظهر ـ إلى أن قال ـ وممن قال إنه على مذهب أهل الحديث ، وليس بمقلد لواحد بعينه من العلماء ، ولا هو من المجتهدين على الإطلاع : ابن تيمية .
المبحث الرابع
ومشايخ و تلامذته :-
تلقى مسلم العلم عن جموع من العلماء من أبرزهم هؤلاء الأئمة : عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وقتيبة بن سعيد ، وسعيد بن منصور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي خيثمة زهير بن حرب ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن بشار بندار ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبي كريب محمد بن العلاء ، وأبي الربيع الزهراني ، وأبي موسى محمد بن المثنى ، وهناد بن السري ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، والبخاري ، وعبد الله الدارمي ، وإسحاق الكوسج ، وخلق سواهم.
انظر: صحيح مسلم ، تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم ، رجال مسلم لا بن منجويه ، وتأريخ بغداد 13/100، وتأريخ دمشق 58/85 ، و تهذيب الكمال 27/500 ، وسير أعلام النبلاء 12/558 .
وأخذ الحديث ، والعلم عن الإمام مسلم خلق من الرواة من أبرزهم :
الإمام أبو عيسى الترمذي ، والفقيه إبراهيم بن محمد بن سفيان ، وأبو حامد أحمد بن حمدون ، والحافظ أبو الفضل أحمد بن سلمة ، وأبو حامد ابن الشرقي ، والحافظ أبو عمرو الخفاف ، والحافظ سعيد بن عمرو البرذعي ، والحافظ صالح بن محمد البغدادي ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ومحمد بن إسحاق السراج ، وأبو عوانة الإسفراييني ، وأبو محمد القلانسي ، ومكي بن عبدان ، وخلق غيرهم. تأريخ دمشق 58/85 ، وتهذيب الكمال 27/504 ، وسير أعلام النبلاء 12/562 ، وغيرها.
المبحث الخامس
وفاته وما قيل حولها :- قال ابن الصلاح في صيانة مسلم ص1216: وكان لموته سبب غريب نشأ عن غمرة فكرية علمية ـ ثم ساق سنده إلى الحاكم ـ قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب سمعت أحمد بن سلمة يقول: عقد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة ، فذكر له حديث لم يعرفه ، فانصرف إلى منزله ، وأوقد السراج ، وقال لمن في الدار : لا يدخلن أحد منكم هذا البيت ، فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر ، فقال: قدموها إلي ، فقدموها ، فكان يطلب الحديث ، ويأخذ تمرة تمرة يمضغها ، فأصبح وقد فني التمر ، ووجد الحديث.
قال الحاكم: زادني الثقة من أصحابنا: أنه منها مرض ، ومات .
وانظر: تاريخ بغداد 13/103، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق 58/94 ، و تهذيب الكمال27/506 .
وكانت وفاته عشية يوم الأحد ، ودفن الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، رحمه الله .
انظر: طبقات الحنابلة 2/417 ، وتاريخ دمشق 58/94، وصيانة مسلم ص1216 ، وشرح مسلم للنووي 1/123 و تهذيب الكمال 27/507 ، والبداية والنهاية 11/34 .
تعليق