بسم الله الرحمن الرحيم
سني منصف ينتقد منهج قومه في التعامل مع التاريخ و الصحابة
وكأنه يصف المحاورين السنة في المنتديات الشيعية ... وأسلوبهم البغيض في أضلال الناس و أنكار التاريخ
حالك ياسني لا يخلوا من هذه الأمثلة الأربعة
من كتاب : الخلافات السياسية بين الصحابة
المؤلف : محمد بن المختار الشنقيطي
من صفحة 34 إلى صفحة 37
عدم الخلط بين المشاعر والوقائع
لقد آلمت الخلافات السياسية بين الصحابة جميع أجيال المسلمين التالية، نظرا لمكانة الصحابة في قلوب كل مؤمن صادق، ونظرا لما تكشفت عنه تلك الخلافات من أحداث مروعة سالت فيها أنهار الدماء، وما استتبعته من آثار على المجتمع الإسلامي طيلة تاريخه من تمزقات سياسية وعسكرية، وانشقاقات طائفية ومذهبية. ولا شك أن أي مؤمن صادق يتمنى من أعماق قلبه أن لا تكون تلك الخلافات قد حدثت أصلا. لكن الأماني شيء، والوقائع شيء آخر. ولقد نتج خطأ منهجي عن هذه المشاعر الطيبة، فلم يستطع كثيرون ممن درسوا فتن القرن الأول الهجري أن يفصلوا الحقائق عن المشاعر، بل خلطوا هذه بتلك، فجاءت كتاباتهم مزجا عجيبا بين الذات والموضوع. ولا يرجو الباحث عن الحق أن يجد ضالته في كتابات كهذه، يعبر كتابها عما يتمنون أن يكون حدث، لا عما حدث فعلا.
ولو أن هؤلاء تجنبوا الخوض في تلك الأحداث أصلا كما يحبذه بعض أهل العلم أو انتهجوا نهج السيوطي في إغفال الحديث عن بعض الأحداث المؤلمة انسياقا مع مشاعره، لما كان عليهم من ملام، فقد قال السيوطي عن مقتل الحسين: وقد وردت في مقتل الحسين قصة طويلة لا يحتمل القلب ذكرها
ولو أنهم سلكوا منهج "كان ما كان" الذي سلكه بعض أهل العلم لتجنب بعض التفاصيل لما كان في ذلك من بأس، فهذا الإمام مسلم يروي
عن عطاء بن أبي رباح قال: لما احترق البيت في زمن يزيد بن معاوية حين غزاه أهل الشام، فكان من أمره ما كان...[
وهذا الحافظ ابن كثير يقول عن معاوية: ثم كان ما كان بينه وبين علي بعد قتل عثمان ثم كان من أمره وأمر أمير المؤمنين علي ما كان ويقول: ثم كان من أمر الفريقين بصفين ما كان ثم كان من أمر التحكيم ما كانوكان ما كان
في أيام صفين
ومثله قول ابن حجر:
فأنشبوا الحرب بينهم الى أن كان ما كان فكان من وقعة الجمل ما اشتهر فكان من وقعة صفين ما كان (الإصابة 2/501-502) »فكان منهم في صفين بعد الجمل ما كان إن منهج "كان ما كان" يسع الكثيرين، وليس مثل هذا التحرج بخطإ، إنما الخطأ هو الخوض في الأمر حتى الذقون، دون التزام بمنهج العدل والإنصاف.
وربما جاء الغلو الناتج عن الخلط بين المشاعر والوقائع في صورة فجة واضحة مثل ما ذهب إليه بعض المتكلمين من إنكار وقوع حربيْ الجمل وصفين أصلا
فقد ذكر عن بعض أهل الكلام أنه أنكر الجمل وصفين لكنه قد يرد في صورة أدق وأخفى، وعلى يد علماء أرسخ قدما من أولئك المتكلمين المتحذلقين. وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك..
المثال الأول:
إنكار الحقائق الثابتة بأصح معايير التثبت التاريخي عند المسلمين مثل إنكار امتناع علي بن أبي طالب من بيعة الصديق رضي الله عنهما طيلة الشهور الستة الشهور الأولى من خلافته، وإنكار امتناع سعد من مبايعة الصديق بقية حياته. رغم أن الحديث بالواقعتين صحيح، فقد أخرج البخاري قصة سعد وفيها:
فأخذ عمر بيده [بيد أبي بكر] فبايعه وبايعه الناس، فقال قائل قتلتم سعدا، فقال عمر: قتله الله
وفي رواية لابن حبان:
ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل من الأنصار: قتلتم سعدا، قال عمر فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة وشر
وأخرج البخاري ومسلم قصة امتناع علي عن بيعة الصديق ستة أشهر. لكن البعض ينكر ذلك. منهم -على سبيل المثال لا الحصر - إمام الحرمين الجويني، الذي عد الأمر كذبا صريحا افتراه الروافض، فقال: »وما تخرص به الروافض من إبداء علي شراسا وشماسا في عقد البيعة له [أي للصديق] كذب صريح«. ومنهم القاضي أبو بكر بن العربي وتلميذه المعاصر الشيخ محب الدين الخطيب، وسنتحدث عنهما في نهاية هذه
المثال الثاني:
اعتماد نصوص ضعيفة خالفتها نصوص ثابتة، لمجرد أن مضمون النصوص الضعيفة هو الذي يريح ضمير المؤلف. فقد استدل البعض على بيعة سعد للصديق بأثر منقطع رواه أحمد في مسنده عن حُميد بن عبد الرحمن الحميري عن الصديق رضي الله عنه، وفيه أن الصديق قال لسعد: ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: "قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم" قال فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء
ورفضوا حديث البخاري في الموضوع أو تكلفوا في تأوله. والمعروف أن الحميري من صغار التابعين، وأنه لم يدرك حياة الصديق ولا بيعة السقيفة، وإنما روى عن متأخري ومُعمَّري الصحابة أمثال أبي هريرة وأبي بكرة وابن عمر وابن عباس. وقد صرح بانقطاع هذا الخبر ابن حجر والهيثمي وأحمد شاكر والألباني وغيرهم. أما قول محقق "منهاج السنة": وصحح الألباني الحديث
فهو لا يخرج عن إطار ما ذكرناه من الميل إلى تصحيح الضعيف المؤيد لرأي المؤلف ورؤيته. وإلا فإن الألباني لم يصحح إلا أصل الحديث:
قريش ولاة هذا الأمر
بناء على طرق وشواهد أخرى، فقال: وللحديث شاهد من حديث جابر، وآخر من حديث أبي هريرة، وسيأتي بلفظ: "الناس تبع لقريش"
أما الحوار بين سعد والصديق وهو مدار الخلاف هنا
فلم يصححه الألباني، بل وافق سلفه من المحدثين، فصرح بانقطاعه قائلا:
رجاله ثقات، إلا أن حميدا لم يدرك أبا بكر كما في "المجمع"[مجمع الزوائد]
المثال الثالث:
إيراد بعض المتبحرين في علم الحديث أحاديث موضوعة بينة الوضع، دون تنبيه على وضعها ما دامت تؤيد رأيهم. ولعل الحافظ ابن عساكر من أبلغ الأمثلة هنا، وإن لم يكن الوحيد بكل أسف: فقد ذكر ابن كثير الحديث الموضوع الذي أورده الحافظ ابن عساكر»أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار جبريل في استكتاب معاوية، فقال: استكتبه فإنه أمين« ثم علق ابن كثير على ذلك بقوله: »والعجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره واطلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره – بل ومَن تقدَّمه بدهر – كيف يورد في تاريخه هذا وأحاديث كثيرة من هذا النمط، ثم لا يبين حالها، ولا يشير إلى شيء من ذلك إشارة، لا ظاهرة ولا خفية. ومثل هذا الصنيع فيه نظر، والله أعلم« وقال في موضع آخر: »والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبه عليها وعلى نكارتها وضعف رجالها« وقريب منه قول وقد ساق ابن عساكر في الترجمة [ترجمة معاوية] أحاديث واهية وباطلة طول بها جدا
وقد فهم شيخ الإسلام ابن تيمية مصدر هذا النوع من الغلو، فحسم الأمر بدون مواربة، ولم يقبل الدفاع عن الصحابة بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو التنكر لحقائق التاريخ. فصرح أن لعلي من الفضائل الثابتة في الصحيحين وغيرهما، ومعاوية ليس له بخصوصه فضيلة في الصحيح وهاجم أولئك الذين وضعوا لمعاوية فضائل لم ترد في السنة
ورووا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كلها كذبوحينما أورد ابن تيمية حديث حميد الحميري في بعض نسخ "المنهاج" صرح بإرساله، كما تقتضيه الأمانة العلمية، ولم يتكلف في رد حديث الصحيحين في السقيفة كما فعل بعض الأقدمين والمعاصرين، بل بنى عليه الكثير من تحليلاته.
المثال الرابع:
الدعوى القائلة أن أحدا من الصحابة لم يحضر الفتنة غير الأكابر المشهورين مثل عائشة وعلي وطلحة والزبير وعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت. وهي دعوى تعبر عن مشاعر أصحابها الطيبة تجاه الصحابة رضي الله عنهم، لكنها مع الأسف - لا تعبر عن الحقيقة التاريخية. فقد سرد الحافظان الذهبي وابن حجر أسماء عشرات من الصحابة الذين اشتركوا في الفتنة. وقد ادعى شعبة أن وقعة صفين لم يحضرها من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت واتبعه في ذلك عدد من المعاصرين، وهذا حصر غير دقيق، بل حضرها غيره من أهل بدر، وقد ذكر منهم الإمام البخاري فضالة بن أبي فضالة الأنصاري فقال: وقُتل فضالة مع علي يوم صفين، وكان من أهل بدروذكر الذهبي منهم كعب بن عمرو الأنصاري، فقال :وقد شهد صفين مع علي، وكان من بقايا البدريين وذكر ابن حجر منهم ثابت بن عبيد وأسيد بن ثعلبة وسهل بن حنيف وأبا عمرو الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان.كما دلت نصوص عامة على وجود عدد من الأصحاب بصفين، مثل ما أورده الهيثمي في قصة طويلة: فكان عمار بن ياسر يكون علما لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، لا يسلك عمار واديا من أودية صفين إلا تبعه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
إن كل هذه الانزلاقات عن منهج العلم والعدل سببها عدم الفصل بين الحقائق والمشاعر في هذه المواضيع الحساسة التي تثير عواطف كل مسلم. وهو فصل ضروري لكل باحث عن الحق في كل عصر ومصر.
حمل الكتاب من هنا :
http://www.4shared.com/document/iBiDK-RN/___-___.htm
تعليق