بالنسبة لثورة 25 يناير ، فهي ثورة عظيمة بكل الأوجه ، و من دواعي الفخر و الاعتزاز أن أصحابها الحقيقون هم من فئة الشباب ، فهذا فخر لكل شاب مصري أنه السبب في تغير مصر إلى مصر حرة و ديمقراطية مفعمة بالعدالة الإجتماعية خالية من الرشوة و الإنتهازية و متخلصة من الأوبئة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية
و لتوصيف الحالة التي تمر بها مصر ، سأقسم الموضوع إلى ثلاثة محاور أساسية
المحور الأول:أسباب الثورة
المحور الثاني :نتائج الثورة
المحور الثالث: نهاية الثورة
بالنسبة للمحور الأول :أسباب الثورة
لا يخفى على أحد أسباب هذه الثورة العظيمة ، فلو كانت هناك ديقراطية حقيقية في مصر لما قامت هذه الثورة ، و لو كانت هناك حرية حقيقية لما قامت الثورة ، ولو كانت هناك عدالة اجتماعية لما قامت الثورة ، و لو لم تكن هناك فجوة ضخمة بين الآثرياء و الفقراء لما قامت الثورة ، ولو لم يكن هناك تزوير للإنتخابات التشريعية الأخيرة لما قامت هذه الثورة ، ولو لم يكن هناك قانون الطوارئ لما قامت هذه الثورة . ولو لم يكن هناك ضغط و كتم للشعب لما قامت هذه الثورة ، و من المتفق عليه عند العقلاء أن " الضغط يولد الإنفجار" فلولا الضغط لما كان هناك إنفجار
و السؤال : هل كل هذه الأسباب هي بفعل بطانة الرئيس فحسب ؟ هل قانون الطوارئ بفعل البطانة فحسب؟! هل الكبت و التزوير بالبطانة فقط ؟ و هل هذه البطانة تم اختيارها من الشعب أم أن الرئيس نفسه هو من اختارهم ؟! و هل يعقل أن هناك رئيس لا يعرف شعبه برغم أنه يحكمهم لمدة 30 سنة ؟؟ هل يعقل أنه لا يعرف أن معظم الشعب يعيش تحت خط الفقر و هو رئيسهم لمدة 30 سنة ؟؟ هل نبرر له ذلك بالقول بأن بطانته كانت تقول له "كله تمام يا ريس" ؟؟؟
لا شك أن كل عاقل سيقول أن الرئيس و لأنه رئيس فإنه يتحمل مسؤولية كل هذه الإنتهاكات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية من النظام تجاه الشعب . فإن كان كل ذلك يحدث بعلمه و رغبته فإنه يتحمل كل المسؤولية ، و إن كان كل ذلك يحدث دون علمه و لا إرادته فهو يتحمل أيضا جزء كبير من المسؤولية بحكم أنه لا ينزل إلى الميدان فيرى الأمور على حقيقتها و لا يجلس مع الشعب ليسمع منهم مباشرة بدل أن يجعل بطانته هي عيونه التي بها يرى و آذانه التي بها يسمع ، ففي كل الحالتين لا مجال لتبرئته من المسؤولية .. لذلك عندما انفجر الشعب نتيجة الضغط صرخ قائلا "الشعب يريد إسقاط النظام" و يقصد بذلك رأس النظام و بطانته ، فضلا عن القوانين التي أتاحت للبطانة أن تفعل ما فعلت.
بالنسبة للمحور الثاني :نتائج الثورة
لا يخفى على أحد أيضا أنه بعد انفجار ثورة 25 يناير انضم إليها من انضم ، حتى أصبحت الثورة تشمل البناة الحقيقون لها و أطراف أخرى تشترك مع بناة الثورة في الأسباب و لكن تختلف في الأهداف المراد الوصول إليها ، فالشعب لا يريد أن يكون هو بديل النظام الحالي بينما تلك الأطراف قد تهدف إلى أن تحل محل النظام الحالي ، و مع الأيام انضمت إلى الثورة أطراف تخريبية لا تتفق مع بناة الثورة لا في الأسباب ولا في الأهداف ، فهي اندست من أجل التخريب و لا شيء سوى التخريب ، فاختلطت هذه المجموعات الثلاثة في كتلة واحدة ، فأصبح الموجودون في ميدان التحريم من التعقيد بمكان بحيث يصعب توصيفهم و تحديدهم بل يصعب فصلهم إلى أصولهم الثلاثة . و في الجانب الآخر هذه الثورة أدت إلى النتائج التالية
1-تعيين نائب لرئيس الجمهورية.
2-تغيير الحكومة .
3- إعلان عدم ترشح الرئيس و ابنه في الانتخابات القادمة.
4-إعلان الاستعداد للنظر في الطعون المقدمة في مجلس الشعب .
5-إعلان الاستعداد لرفع قانون الطوارئ.
6-إعلان الاستعداد لتغير بعض مواد الدستور.
السؤال المطروح : هل حققت الثورة أهدافها ؟!
الجواب : إن كانت تلك الأمور هي أهداف الثورة فقد حققت أهدافها ، و إن كانت تلك الأمور بعض أهدافها فقد حققت الثورة بعض أهدافها ، و إن كانت هذه الأمور ليست هي الهدف الأساسي للثورة فتكون الثورة فشلت في تحقيق هدفها حتى الآن .
و المتأمل لحقيقة الثوار و حقيقة هدفهم يجد أن هدفهم واضح لا ضبابة فيه و هو "الشعب يريد إسقاط النظام " و قد يخرج بعض الشعب فيقول : نحن من الشعب و نحن لا نريد إسقاط النظام ، و عليه نصحح شعار الثورة فنقول "الثورة تريد إسقاط النظام" و هذا الشعار لا يختلف عليه أحد من الثوار ..
و عليه فالسؤال الذي يفرض نفسه : هل تم إسقاط النظام ؟
الجواب : لا
فما تم كتابته أعلاه من نتائج ، هي أمور ستتحقق ضمنيا بتحقق الهدف المنشود "إسقاط النظام" فلو تم إسقاط النظام فإنه بالضرورة سوف تتغير الحكومة و سوف يكون هناك نائب و سوف يتغير مجلس الشعب و الشورى و سوف يتعدل الدستور و سوف يرفع قانون الطوارئ و سوف لن يترشح مبارك و ابنه ، فكل ما تم الإعلان عنه هي أمور مضمون تحققها بإسقاط النظام . أما في حالة بقاء النظام فلا نضمن تحققها لأنها لا زالت على هيئة وعود ، ولا أحد يستطيع منع مبارك من الترشح إذا قرر تغيير رأيه بعد شهور فقد يقول للشعب : أنا لم أكن أنوي الترشح كما قلت لكم و لكني أرى أنه من الضروري الترشح من أجل المحافظة على الأمن ، أو ترشيح ابنه لنفس التبرير ، أو النظر في طعون مجلس الشعب ثم إدخال بعض النواب المعارضين الشكليين للنظام ، كل هذه الأمور من السهولة فعلها مادام النظام قائما .. و عليه ، فمن يغتر بهذه الوعود و يرى أن الثورة حققت أهدافها فهو واهم واهم واهم ، فالثورة في نظري لم تحقق هدفها حتى الآن .
بالنسبة للمحور الثالث : نهاية الثورة.
لا يخفى على أحد أيضا ، أن نهاية الثورة ستكون بأحد أمرين لا ثالث لهما .
1- إسقاط النظام .
2-إسقاط الثورة.
فنحن أمام أمرين لا ثالث لهما ، إما أن تنجح الثورة في إسقاط النظام ، أو ينجح النظام في إسقاط الثورة ، و الثورة باقية مادام النظام باقي إلا إذا نجح أحدهما في إسقاط الآخر . و سوف أحلل الاحتمالين و كيفية تحقيقهما .
1-إسقاط النظام.
إسقاط النظام يتم بأحد أمرين ، الأمر الأول:إسقاط رمزي، والأمر الثاني:إسقاط جوهري.. بالنسبة للإسقاط الرمزي فهو يتم عن طريق رحيل الرئيس مبارك ، فيكون رأس النظام قد رحل وناب عنه بطانته ، وبالتالي فلازال النظام موجودا عن طريق وجود بطانته .. أما الأمر الثاني " الإسقاط الجوهري" فيتم عن طريق رحيل الرئيس مع البطانة ، و تشكيل حكومة انتقالية يرأسها شخص لم ينتم إلى النظام في يوم من الأيام ، فحينها نستطيع القول بأنه قد تم إسقاط النظام . أما لو رحل مبارك و أصبح الرئيس الإنتقالي أحد رجاله المقربين فالتغير هو مجرد تغير شكلي رمزي .
السؤال المطروح : كيف يمكن أن يرحل الرئيس مبارك؟
هناك عدة احتمالات ممكنة لحدوث رحيل الرئيس ، و من أهمها ما يلي :
أ- الرحيل المفاجئ للرئيس مبارك عن طريق ملك الموت الذي لا يعرف أحد متى يأتي للإنسان ولا يستطيع مبارك أن يمنع مجيئه .
ب- أن يصاب مبارك بمرض كالمرض الذي أصابه قبل شهور ، وبالتالي اضطرراه للسفر إلى الخارج للعلاج و بالتالي تم رحيله عن الوطن .
ج- أن يقرر الرئيس مبارك بنفسه التنحي عن الرئاسة و إعطاء صلاحياته لنائبه ، ثم السفر بعيدا عن الحياة السياسة لأخذ قسط من الراحة كأي إنسان في عمره .
د- أن يتدخل الجيش و يقوم بإقصاء الرئيس مبارك و يسيطر الجيش على الأمر بجعل الرئيس الإنتقالي أحد قادة الجيش ، ثم ترحيل الرئيس إلى مكان آمن لا يعلمه أحد فيحافظوا على مصر و يحافظوا على رئيسه السابق .
هـ- أن يقوم أحد بطانة الرئيس المختلفين مع الرئيس بسبب ماحدث ، فيخطط لاغتيال الرئيس و ينجح في عملية اغتياله .
هذه جميع السيناريوهات الممكنة ، و كلها تشترك في المضمون و هو " رحيل مبارك" و لكن كل سيناريو سيؤدي إلى نتائج و عواقب مختلفة تماما عن نتائج السيناريو الآخر ، و أسوء سيناريو هو الأخير الذي سيؤدي إلى اضطراب في البلد كما أن السيناريو الأول سيكون مفاجئ و سيؤدي أيضا إلى حالة من الإضطراب ، لذا فالأفضل هو أن يكون الرحيل بإرادة مبارك قبل أن يكون بإرادة الله أو إرادة الجيش أو إرادة أحد البطانة .
2- إسقاط الثورة .
في حال تمسك الرئيس مبارك بالبقاء و امتناعه عن الرحيل مبررا ذلك بأنه سوف تحدث فوضى أو ماشابه من تبريرات واهية غير منطقية . فإنه يلزم على الرئيس حينها أن ينجح في إسقاط النظام . و السؤال المطروح :كيف يمكن إسقاط الثورة ؟
و لإسقاط الثورة هناك عدة احتمالات لذلك ، و من أهمها ما يلي :
أ-القيام بمجزرة حقيقية بقتل جميع المتظاهرين في ميدان التحرير و بالتالي زرع خوف حقيقي للآخرين في المحافظات الأخرى و بالتالي إخماد الثوروة و إسقاطها .
ب-إغراء المتظاهرين بالمال ، عن طريق إعطاء كل متظاهر مبلغ مغري خاصة أن معظمهم من فئة الشباب ، في مقابل العودة إلى منازلهم ، و قبول الشباب بالمال كمقابل لإخماد الثورة .
ج-إدخال عناصر شبابية فعالة ضمن المتظاهرين ، ليوهموا الثوار بأن الوعود التي أطلقها مبارك و نائبه هو دليل على نجاح الثورة ، و بالتالي فالثورة حققت أهدافها ، ومالا يبلغ كله لا يترك جله و بالتالي تكون الثوروة قد حصلت على 6 من 7 و هذا امتياز .
د-أن يتعب المتظاهرون من الصراخ و النوم في ميدان التحرير ، فيقرروا بأنفسهم العودة إلى منازلهم بعد أن أعياهم البرد و أحرقتهم الشمس .
هـ -أن يتحالف النظام مع المعارضة و يقوموا بصفقة سرية بينهم في مقابل قيام المعارضة بالتأثير على الشباب و إخراجهم من ميدان التحرير ، فيصدق الثوار المعارضة و الحكماء باعتبارهم كانوا جزء من الثورة قبل وقت قصير فيكون تصديقهم أسهل من تصديق النظام ، فيرجع الثوار لمنازلهم بعد أن توهموا تحقيق أهدافهم.
طبعا النظام حوال استخدام الأسلوب الأول ، حتى انتهت جميع الرصاصات ، و لم يعد في مصر مكان لدفن شهداء التحرير ، ولم تعد المستشفيات تقدر على استقبال الجرحى ، فلم تعد هناك وسيلة إرهابية لإرهاب الثوار ، فإن فكر النظام بإسقاط قنبلة على ميدان التحرير لتفجير المتظاهرين فإن احتمال إسقاط الثورة ضئيلة ، بل سيؤدي لخروج الجميع و تفجير ثورة أشد و أنكى . و الملاحظ أن النظام يستخدم الأسلوب " ج " و " هـ" ، و قد فلح الأسلوب "ج" من منع المتظاهرين من الذهاب إلى القصر الجمهوري ، فهل ينجح الأسلوب " هـ" من إرجاع المتظاهرين إلى بيوتهم ؟ هذا ما أخشاه ..
و في جميع الحالات ، لو تم إسقاط الثورة فإنها هزيمة كبيرة لمصر ، وسوف تصبح مصر أكثر ديكتاتورية و سترجع إلى الوراء بشكل ملفت لو انتصر النظام على الشعب ، أما لو انتصر الشعب على النظام ، فإن هذا انتصار لمصر ، لأن بناة مصر الحقيقيون هم الشعب ، فإذا سقط النظام فالشعب مستعد لأن يصلح كل مافسد ، و يبني كل ماتم هدمه ، و يزرع كل ماتم إقتلاعه ، و ماهي إلإ بضع سنوات و سنرى مصر حرة ديمقراطية ينعم شعبها بالعدالة الإجتماعية ، و ينعم شبابها بالوظيفة و الحياة الإجتماعية الرغيدة بعد أن تم تضييق الفجوة بين الأثرياء و الفقراء ، فأصبح أصحاب المليارات هم أصحاب ملايين فقط ، في مقابل تحول الفقراء إلى متوسطوا دخل ، و حينها سيتوافد السياح إلى مصر الجديدة الحرة ليروا تغيرها و حينها تعود السياحة إلى أفضل مما كانت عليه و يعود الإقتصاد أفضل مما كانت عليه ، كل ذلك إذا انتصر الشعب على النظام ، و لن ينتصر الشعب إلا بتحقيق الهدف المنشود : " الشعب يريد إسقاط النظام" ...
تعليق