بيان سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي
إلى جماهير المؤمنين في العراق
إلى جماهير المؤمنين في العراق
بسمه تعالى
يجري في العراق اليوم التحضير لاقامة مسيرات سياسية في الشوارع تحت عنوان المطالبة بالخدمات، والغاية منها تأليب الجمهور العراقي ضد النظام استغلالاً لظروف الثورات الشعبية الواسعة التي تجري في تونس ومصر، ويجري اليوم في البحرين واليمن وليبيا والجزائر وأقطار عربية أخرى.
ويجري الإعداد لها مرحلياً ابتداءً من المطالبة بالخدمات وانتهاءً إلى ممارسة العنف والتخريب والتجاوز - خلال هذه المسيرات - على ممتلكات الناس والممتلكات العامة لاضعاف النظام.
وتتم الدعوة إلى هذه المسيرات على الشبكة العنكبوتية من قبل عناوين وجهات أقل ما يقال فيها أنها غير معروفة لعامة الناس.
ونظراً لأهمية هذه الدعوات، وما يترتّب عليها من آثار سوف أتحدث عنها في ستة نقاط إن شاء الله. أرجو أن يكون موضع اهتمام جماهير المؤمنين، الذين يهمهم أمر العراق ومستقبله، وما عاناه الشعب العراقي خلال فترة حكم حزب البعث من عذاب ومعاناة وتصفيات جماعية وحروب ودمار وتخريب.
النقطة الأولى
الحكومة القائمة اليوم تولّدت وتكوّنت من خلال معاناة الناس وعذابهم بعد معاناة وعذاب طويل طال الشعب العراقي بكل شرائحه لاكثر من ثلاثة عقود، أيام تسلط البعث على العراق.وقد كان هؤلاء الحكام قبل سقوط النظام من جملة المعذبين والمضطهدين والمشردين من عرض هذا الشعب وهم في الغالب بقية السيف ممن طالتهم المطاردة والملاحقة والتعذيب والسجون والهجرة على يد جلاوزة النظام السابق.
ومن يتابع سير الاحداث السياسية خلال هذه المدة يعرف جيداً ان أمريكا كانت تخطط أن تستعيد إلى مواضع القرار والحكم في العراق العصابات التي كانت تحكم البلاد من قبل، وتعرف أمريكا جيداً أنها من خلال هذه العصابات تستطيع ان تحكم قبضتها على مواضع القرار السياسي والجيش والاقتصاد في العراق. . وأما الجماعات التي يختارهم الناس عند صناديق التصويت (الاقتراع) فهم لا يخدمون بالضرورة المصالح الامريكية، ولا تستطيع ان تستخدمهم أمريكا للمحافظة على مواقعها السياسية والعسكرية والاقتصادية في هذا البلد.
ولكن مبادرة الناس إلى صناديق التصويت (الاقتراع) أحبطت المشروع الامريكي، كما يعرف الناس. . فلم يبق لأمريكا إلا أن تقبل بالامر الواقع الذي فرضه الشارع العراقي، وتنتظر الفرص المؤاتية للإجهاز على هذا النظام واستبداله بنظام من رجال العصابات الذين تعرف أمريكا كيف تخاطبهم وكيف تستدرجهم وكيف تستخدمهم لغاياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في العراق، ويحسنون هم مطاوعة الارادة الأمريكية في مشاريعها في العراق وفي المنطقة.
والحقيقة ان الساحة العراقية شهدت خلال هذه المدة صراعاً تحت الرماد بين الخيار الأمريكي للحكم وخيار الناس، وقد شاء الله تعالى ان ينتصر الجمهور العراقي المؤمن المتدين في هذا الصراع على الارادة الأمريكية ويحبط الله المشروع الأمريكي مرة بعد أخرى.
النقطة الثانية
تعاني الحكومة القائمة اليوم من نقاط ضعف كثيرة، وثغرات في الحالة الأمنية، والبلدية والخدمية والاقتصادية والتشغيل وغير ذلك، رغم أن العراق بلد غني، والشعب العراقي شعب متحضر عريق، رغم ذلك كله فان الحكومة الناهضة بالأمر اليوم لم تتمكن من علاج الكثير من مشاكل الناس الأمنية والاقتصادية والخدمية والبلدية. . ورغم أن القائمين بالنظام ينسبون كثيراً من نقاط العجز والتخلف الاقتصادي والأمني إلى عوامل خارجة عن إرادتهم كالمحاصصة السياسية التي تفرضها عليهم ظروف العراق القهرية اليوم، والتي لا يمكن تجاوزها بأي ثمن، والفساد الإداري في كثير من أجهزة الدولة التنفيذية التي ورثها النظام القائم من النظام البائد لحزب البعث، ولم تتمكن هيئات النزاهة لحدّ الآن من التغلب عليه بنسبة معقولة لأسباب موضوعية.
أقول: رغم كل ذلك فان النظام الحاكم اليوم في العراق يعاني من نقاط ضعف وعجز كثيرة، لابد له أن يتداركها في هذه المرحلة ومن دون ذلك فسيزداد الوضع سوءً، وترتفع صيحات التذمر والاحتجاج من قبل الجمهور الذي اختارهم لهذا الموقع مرة بعد أخرى.
النقطة الثالثة
وللناس ان يعبّروا عن رأيهم واعتراضهم ونقدهم للأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية المتخلفة. وحق الاعتراض حق مشروع، يدخل في الإسلام في حوزة (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والنصيحة الواجبين).وليس لأحد أيّاً كان أن يمنع الناس من أن يعبروا عن رأيهم واحتجاجهم واعتراضهم على حالات التخلف وعلى ثغرات العجز والضعف في عمل النظام. ولا شك أن هذا الاعتراض حق مشروع للناس، ولكن دون أن يحمل هذا الاعتراض والنقد والاحتجاج حالة التسقيط والتشهير والتخريب والاضعاف للنظام.
النقطة الرابعة
هناك حفنة من الناس يخططون للاندساس في هذه المسيرات، لا ليطالبوا الحكومة بتوفير الأمن، والخدمات وفرص العمل للشباب وتوفير الخدمات البلدية وإغاثة العوائل المنكوبة، وإنما لكي يحققوا من خلال هذه المسيرات مآربهم التي يسعون اليها في اضعاف هذه الحكومة وتسقيطها وإلغاء خيار الناس في القرار السياسي والحكم واستبداله بالخيار الأمريكي في الحكم والقرار، وإدخال العراق مرة أخرى في حوزة العصابات التي كانت تعمل لمصلحة أنظمة الاستكبار العالمي: أمريكا والاتحاد الأوروبي.وهم يندسّون في وسط هذه المسيرات لاشعال نار الفتنة، وتوجيه الشعارات باتجاه التخريب والتسقيط، وليس باتجاه الاصلاح والبناء، ويخططون لتوجيه المسيرات باتجاه التخريب والإفساد والسطو على ممتلكات الناس والدولة لاضعاف النظام.
وهذه المحاولات جزء من مؤامرة واسعة وكبيرة ومخططة ومدروسة، تم تخطيطها واعدادها في غرف الرصد والتخطيط الأمريكية - الأوروبية، والغاية منها واضحة، وهي إلغاء خيار الناس في الحكم واستعادة العصابات التي كانت تتناوب على الحكم مرة أخرى وفي طليعتها حزب البعث السيئ الصيت إلى مواقع القرار، وإعادة الشعب العراقي إلى دورة جديدة من المحن والمصائب التي كابدها هذا الشعب طويلاً.
النقطة الخامسة
ويبقى على جماهير شعبنا المسلم الواعي، وبشكل خاص على شبابنا المؤمن في العراق أن يكونوا على حذر شديد من هذه اللعبة السياسية التي تخطط لها أمريكا بالتعاون مع حزب البعث والإرهاب، ولا يسمحوا لأولئك المندسين الفاسدين ان يستغلوا الاوضاع السياسية الراهنة في تحريف مسار جماهيرنا المؤمنة إلى التخريب والإفساد والتسقيط، وإلغاء خيارهم بأيديهم.ولست أدعو إلى التخوف والقلق من هذه اللعبة السياسية، لأنني أعلم أن الشعب العراقي على درجة عالية من الوعي السياسي الذي يمكنه من أن يتجاوز هذه المشاريع الاستكبارية الاستعمارية ويحبطها، ولكني أقول: لابد أن يكون الجمهور على حذر من هذه اللعبة وفرق بين الحذر والخوف.
والله تعالى يحفظ هذا الشعب من الكيد الأمريكي والمخططات البعثية لاستعادة مواقعهم في الحكم والمال والاعلام، ولا يضيع الله شعباً قدم عشرات الآلاف من الشهداء - رحمهم الله - للدفاع عن الاسلام وعن كرامته واستقلاله، وسار في ركب علي والحسين عليهما السلام منذ قرون طويلة، ونشأ وتكوّن في مدرستهما.
النقطة السادسة
وهي الكلمة الأخيرة في هذا الخطاب أوجهها إلى المسؤولين القائمين بنظام الحكم في العراق، فأقول لهم: إن هذه الجماهير المنكوبة المستضعفة هي التي جازفت بنفسها في أيام التفجيرات والتفخيخات وذهبت إلى صناديق الرأي والتصويت متحدية الإرهاب وحزب البعث، ووضعتكم في موضع المسؤولية والقرار، فابذلوا كل جهد في خدمتهم، وكونوا في أوساطهم وعايشوهم في همومهم وحرمانهم، وإذا لم يسعكم ذلك فإن بوسعكم ان تواسوهم في معيشتكم وترفعوا الفواصل بين معيشتكم ومعيشتهم.إنكم مدينون للناس في مواقعكم، ومدينون للمرجعية الدينية في تأييدها لكم، فقاربوا بين مستويات معيشتكم ومستويات معيشتهم.
إن الفساد الإداري يستشري في دوائر الدولة بصورة واسعة وعميقة ومفجعة. . وهذه الدوائر هي التي يرجع اليها الناس في حاجاتهم. . إن الحكومة القائمة لابد ان تخطط لثورة واسعة على الفساد الإداري في مختلف المستويات الإدارية.
إنّ المحاصصات الإدارية تتم غالباً على حساب مصالح الناس، فيحلّ في مواقع المسؤوليات الإدارية ناس بمقاييس المحاصصة وليس بمقاييس الكفاءة والأمانة، لا يملك هؤلاء مؤهلات العمل، ولا يملكون الصلاح والأمانة الكافية لهذه المواقع. .
إن ملفات الكهرباء، والخدمات البلدية، والخدمات الطبية وتشغيل الايدي العاطلة، والمشاكل الأمنية، التي تهدد أمن الناس واستقرارهم بصورة جدية ومشاكل التموين الغذائي والسكن ومشاكل الشباب وغيرها، بين أيديكم تنتظر الحل والجواب، وقد صبر الناس كثيراً فلا تدعوا هذا الصبر أن ينفذ، ويحل محله السخط واليأس.
نسأل الله تعالى أن يوفق المسؤولين والقائمين بالامر في العراق لأداء حقوق الناس، ومعايشة همومهم وآلامهم ونكباتهم، واستخلاص بيت مال المسلمين من أيدي الفاسدين وتوجيهه لخدمة اصحابه الشرعيين. . إنه سميع مجيب
محمد مهدي الآصفي
النجف الأشرف
في 17 ربيع الأول 1432هـ
شاهد الموضوع على موقع سماحة الشيخ
تعليق