إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

من موجب واجبي الشرعي ومن منطلق عقيدتي احببت ان اطلع الجميع

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من موجب واجبي الشرعي ومن منطلق عقيدتي احببت ان اطلع الجميع

    ألسلام عليكم اخوتي ورحمة الله وبركاته........

    في ظل التعتيم الاعلامي التي تنال من خط ال البيت وفي ظل انتشار الفضائيات والقوة الاعلامية لبعض الاطراف ومن باب واجبي الشرعي احببت ان اطلع الاخوة الكرام على فكر من افكار ال البيت وسليلتهم فتقبلو مني خالص شكري لكم واحترامي مع الاسف الشديد لاخذي من وقتكم الثمين .......


    الولادة المباركة لافواج المقاومة اللبنانية - حركة أمل



    تاسيس افواج المقاومة اللبنانية -امل
    في في خطاب القاه الإمام القائد السيد موسى الصدر بتاريخ 22/1/1975 بمناسبة ذكرى عاشوراء دعا المواطنين اللبنانيين الى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للإعتداءات الإسرائيلية وللمؤمرات التي تدبرها إسرائيل لتشريد اللبنانيين من أراضيهم حيث ذكر في خطابه (أن الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها وإذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع وأضاف السيد القائد أن الحكام في لبنان حاولوا إذلالنا وتركوا اسرائيل تضربنا كل يوم دون دفاع .
    وفي مؤتمر صحفي عقده الإمام القائد السيد موسى الصدر بتاريخ 6/7/1975 أعلن سماحة القائد الإمام السيد موسى الصدر عن الولادة المباركة لأفواج المقاومة اللبنانية (أمل) وقدمها بأنها أزهار الفتوة والفداء ممن لبوا نداء الوطن الجريح الذي تستمر إسرائيل في الإعتداء عليه من كل جانب .
    وأوضح أن شباب أمل هم الذين استجابوا لدعوته من أجل حماية الوطن وصيانة كرامة الأمة عندما وجه لهذه الغاية دعوته الى اللبنانيين جميعاً بتاريخ 20/1/1975 في الأيام التي بلغت بها الإعتداءات الإسرائيلية على الجنوب ذروتها ولم تقم السلطات المسؤولة بواجبها .
    ولم تحرك الحكومة اللبنانية ساكناً_

    أعلان ولادة افواج امقاومة اللبنانية -امل


    أعلن سماحة القائد السيد موسى الصدر عن ولادة حركة أمل إثر الإنفجار الذي وقع في معسكر تدريبي لشباب حركة المحرومين إستشهد فيه أكثر من 35 شاباً في قرية عين البنية في قضاء بعلبك الهرمل في 6/7/1975 ورغم أن أجزاء عديدة من لبنان يومها كانت مسرحاً لإنفجارات مشابهة أعنف ورغم أن الخسائر كانت أكثر ونتائجها دماراً وموتاً وتهجيراً إلا أن الإنفجار كان له طبيعة مختلفة لأنه وهو يشير إلى الخسائر اياها في الموت إلا أنه كان يعلن ولادة شيء جديد أراده الإمام القائد وسعى له سراً قدر الإمكان لكي يكون تعبيراً عن إسلوب سعى له منذ فترة ، حين كان يردد القائد السلاح زينة الرجال وهو أفواج المقاومة حيث انبثقت من أحرفها الثلاثة الأولى كلمة (أمل).
    لقد كان اقتناء السلاح بالنسبة للسيد القائد مظهر قوة يظهرها نيابة عن المحرومين وقضاياهم .
    وفي مواضع أخرى كان السيد يردد : أنني أرى مطامع إسرائيل في الجنوب ما يتجاوز الحياة
    والأرض بل إنها تريد أن توطن الفلسطينيين وتنهي قضيتهم وهم يحملون السلاح من أجل العودة إلى أرضهم ويجب أن نشاركهم ذلك .
    فوق ذلك كانت الحرب اللبنانية الأهلية قد بدأت في أكثر من منطقة وكان الإمام القائد يدرك أن هذه الحرب ستشمل كل لبنان ولن توفر أي طائفة وأن الدولة أعجز من أن تستطيع حماية أحد بل أن الجميع سيتقاسمون مؤسساتها في ظل الخلل الفاضح في سياستها .
    لكل هذه العوامل كان على السيد القائد أن يندفع إلى تأسيس حركة أمل سراً فلما حصل الإنفجار كان على السيد القائد أن يختار أسلوب الإعلان .
    فعندما نقلوا خبر الإنفجار المرعب فكر ملياً عن كيفية مواجهة الحدث وأثناء مناقشة الأمر مع بعض مناصريه حول تبني الإعلان أو السكوت عنه طرحت أمامههم الخيارات التالية :
    1- لا أريدهم أن يأكلوني قبل أن أكبر .
    2- وفي الوقت ذاته لا أريد أن يجرني أحد إلى الحرب الأهلية .
    3- ولكنني في الوقت نفسه لا أستطيع أن أتجاهل الدماء التي سقطت من هذه الضحايا والوفاء يقضي في أن أتحرك لأجلها ، حتى لا تذهب هدراً فكان القرار الذي تبناه في إنشاء الجناح العسكري لحركة المحرومين - أمل وكان الإمام القائد قد أعلن عن ولادة الحركة خلال أحاديث أجراها معه نائب تحرير مجلة الحوادث السيد وليد عوض أثناء الإعتصام في مسجد الصفا - العاملية في بيروت بين 27/6/1975 و1/7/1975 وكان اعتصام السيد القائد حينذاك يرمز كما عبر عنه بالثورة ضد العنف والظلم والحرمان والتمييز الطائفي والتمزق الوطني وهو ثورة ضد العنف والسلاح اللذين يستعملان في غير موضعهما ثم هو ثورة ضد السياسة التقليدية وبعض التقليديين اللبنانيين الذين اعتبروا أن السياسة غاية وأن عدد القتلى والجرحى وكمية البيوت المهدمة وما يقع على المستضعفين والكادحين من تعطيل أعمالهم ومدارسهم كل ذلك اعتبروه يجري في فراغ طالما أنه يستعمل في كسب صوت واحد أومكسب سياسي معين .

    العمر الجهادي لافواج المقاومة اللبنانية - امل


    موسى الصدر عن الولادة المباركة لأفواج المقاومة اللبنانية أمل بتاريخ 6/7/1975 جاء بمثابة الولادة الجديدة لتاريخ الجهاد الذي حبس في القمقم أبان الهزائم العربية المتكررة والحالة الداخلية التي بلغت ذروتها وامتداد الحرب الأهلية في لبنان لتشمل كافة المناطق اللبنانية فهذا اليوم التاريخي الذي غير مجرى تاريخ الصراع في لبنان والمنطقة هو ثمرة الزرع الذي غرسته أنامل الإمام القائد السيد موسى الصدر وسقاه الشهداء بدمائهم الزكية وقطفه الأخ المجاهد الأستاذ نبيه بري خير قطاف، هذا العمر الجهادي لا يقدر بالسنين وقطفه الأخ المجاهد الأستاذ نبيه بري خير قطاف، هذا العمر الجهادي لا يقدر بالسنين ولا يالقرون فالعمر الحقيقي كما ذكر الميثاق المبارك للحركة منذ أن حمل الرسل رسالات التبليغ والجهاد واستشهد الأئمة والصالحين من أجل إعلاء كلمة الحق وإبطال الباطل وكسر أصنام الجاهلية ولو كانت تحكمها سلاطين القارات فكما حطم الصهاينة لا بد من تحطيم من هم أكبر منها

    إذاً فليكتب التاريخ على صخور جبل عامل وليشهد الجميع أن حركة أمل هذه الزرعة العاملية أدت الأمانة وصانت الوطن ولم تغيرها السياسات المتقلبة وسنبقى بإذن الله هكذا حتى يطلع الفجر من دنياه

    وأمل بنصر الله وعودة الإمام القائد

    _

  • #2
    حركة المحرومين (الولادة - الظروف النشئة)

    المقــدمـــة

    نحن في ميثاقنا، الايمان بالله ـ المادة الاولى ـ والتراث يوجهنا، والانسان نؤمن به وبكرامته، والظلم نرفضه بانواعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمحلية والعربية والعالمية. ثم ان المحاضرات التي القيت والكتب التي وزعت أوحت الى شبابنا أن يكتبوا الدروس الثقافية التي أصبحت أربعين وموزعة بين الإخوان.انا بدأت آخذ هذه الدروس، وأضيف إليها، وكما قلت في الإسبوع الماضي، أقدم لكم درسين كل إسبوع يطبعان ويوزعان على الخلايا. طبعا، الدراسة إلزامية قانونية للحركة.
    نرجو أنه خلال أربعين درسا تتكون الثقافة الذاتية للحركة انطلاقا مما قرأتم حتى الآن بشكل منسق، وننفتح على الثقافات الأخرى كما كان في بداية الإسلام عندما وصل المسلمون إلى درجة عبر عنها القرآن " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون " [ المائدة/3 ]
    بعد هذه الآية نقول: " اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " [ المائدة / 3 ]، ثم نصل الى هذه الآية: " وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " [ المائدة / 5 ]. يعني بعد اكتمال الشخصية الإسلامية، لا مانع من العشرة مع أهل الكتاب. إذا"، نحن بصدد اكتمال الشخصية الحركية، يعني الثقافة الحركية.
    في البداية، البحث الأول الذي سيكون أربع أو خمس دروس: ولادة حركة المحرومين، وظروف نشأتها، وأبعادها التاريخية والجغرافية بما في ذلك الحلفاء في لبنان وفي العالم العربي وفي العالم.
    إن حركة المحرومين في لبنان ولدت رغم لا طائفيتها ـ نحن نقول في ميثاقنا أننا لسنا طائفيين ـ في قلب الطائفة الإسلامية الشيعية وبرعاية القيادات والمؤسسات الرسمية الدينية.
    الحركات عادة" تنطلق من القواعد، بينما حركة المحرومين انطلقت من القواعد والقيادات معا وهذا له سبب. السبب للمفارقتين:
    حركة لا طائفية تنطلق من قلب الطائفة، وحركة شعبية تنطلق من مشاركة القيادة الرسمية نفسها، ويعود السبب في ذلك إلى عوامل عديدة علينا أن ندرسها:

    1 ـ الوضع الاجتماعي والسياسي في لبنان.
    2 ـ موقع الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان والعالم العربي.
    3 ـ العوامل التاريخية والعقائدية عند الشيعة، أي التراث والمفاهيم الدينية المتطورة: مفهوم الإيمان ومبدأ الإجتهاد لدى هذه الطائفة.
    4 ـ دور القيادة في بعث هذه الحركة.


    القسم الاول: الوضع الاجتماعي والسياسي في لبنان

    أرجو الانتباه. في سنة 1920 ولد لبنان الكبير برعاية وانتداب فرنسا، من قبل عصبة الأمم التي كانت مهتمة بتصفية تركة الإمبراطورية العثمانية في هذه السنة التي تأسس فيها لبنان الكبير ألحقت بجبل لبنان الأقضية الأربعة: بيروت، طرابلس، بعلبك ـ الهرمل، الجنوب، وسميت جميعها " لبنان الكبير ". وكانت فرنسا هي الدولة المنتدبة من قبل عصبة الأمم لإدراة شؤون هذه المنطقة.
    ليست جديدة عليكم هذه الأمور، ولكن تسلسل الأحداث فيه فائدة كبيرة في فهم ولادة الحركة.
    بولادة لبنان الكبير كانت نهاية العهد الذي استمر منذ 1860 وفيه كان لجبل لبنان، بقضائيه الماروني والدرزي من 1860 الى 1920، إستقلال داخلي يحمى من قبل الدول الأوربية: بريطانيا، فرنسا، المانيا، النمسا، وروسيا. هذه الدول الخمس، كانت بموجب إتفاقية جرت في اسطنبول مع الحكومة العثمانية، تحمي استقلال جبل لبنان. هذه الإتفاقية، في الواقع، فرضت على العثمانين لأن الإستعمار الأوربي الناشىء كان يفتش عن قاعدة في هذه المنطقة إذ أن إسرائيل لم تكن بعد قد وجدت، وكان لبنان الحلقة الأضعف.

    1 ـ وضع اليد على جبل لبنان والهجرة:

    فمن حوالي أواسط العشرينات 1820 ـ 1824 بدأوا يدفعون باتجاه الخلاف الطائفي في لبنان بين الدروز والموارنة. ووقعت عدة جولات قتل فيها الالاف إلى أن كانت الجولة الأشد والأعنف في نهاية 1859 وأوائل 1860.
    في 1860 دخلت جيوش هذه الدول الخمسة إلى جبل لبنان وفرضت اتفاقية على العثمانيين بأن يكون لجبل لبنان إستقلال داخلي.
    إذا"، الإستعمار الأوروبي حرك الخلافات الطائفية، أرجو الإنتباه، وأولئك الذين كانوا ينادون بالدين وبالخلافات الدينية وبالدخول إلى الجنة من أجل الدين كانوا ينفذون أفكار الشيطان وأفكار عدو الله في هذا الإطار. دائما الخلافات الطائفية هي كذلك: لا ترضي الله سبحانه وتعالى وهي ليست دعوة إلهية أبدا. حركوا الدروز والموارنة ليشتبكوا مع بعض ولما فعلوا وضعوا يدهم على جبل لبنان.
    في هذه الفترة من 1860 ـ 1920 كانت الدول الخمس تتنافس على إجتذاب الفئات فكل دولة أوروبية تعتمد فئة، عشيرة، طائفة معينة. فالمعروف أن الانكليز كانوا يتحببون إلى الدروز، والفرنسيين والإيطاليين كانوا يتنافسون على الموارنة، وروسيا كانت تعتمد الأرثوذكس وهكذا..
    في هذه الفترة، كل دولة قدمت المساعدات الثقافية والتربوية والفنية للفئة التي تعتمدها حتى كاد أن يتحول جبل لبنان إلى قطعة من أوروبا ثقافيا وحضاريا.
    إنتشرت الجامعات، وسمعتم بالمعاهد التعليمية والمستشفيات والمصحات. تعرفون معهد عينطورة، من حوالي مائة وثلاثين أو مائة وأربعين سنة وهو مدرسة ثانوية ضخمة جدا وأنا ألقيت محاضرة في قاعتها ودهشت لموجوداتها إذ لا يوجد مثلها في جامعاتنا. الجامعة الاميركية وعمرها حوالي مائة وعشر سنوات، مصح " بحنس "، مستشفى هملين وغيره، قديم وعمره حوالي مائة سنة أو أكثر.. زرعوا هذه المناطق بالمؤسسات ورفعت الدول الأوروبية مستوى النخبة من أبناء جبل لبنان، في حين كان جمهور الشعب الماروني يعيش فقرا مدقعا اذ أهلكه القحط، وكان يضطر للهجرة إلى الاميركيتين وإلى إفريقيا الغربية وأنتم تعلمون أن الهجرة اللبنانية في الفصل الأخير بدأت في أواسط القرن التاسع عشر ابتداء من جبل لبنان. لذلك نرى أن المهاجرين القدامى الأولين إلى القارات المذكورة هم المسيحيون والدروز من جبل لبنان، اما هجرة الشيعة فقد بدأت في بدايات القرن العشرين.
    ومن جهة أخرى أعفي أهالي جبل لبنان من دفع الضرائب ومن الخدمة العسكرية للحكم العثماني. وهذه العوامل تتمثل في المثل اللبناني القديم: " نيّال من له مرقد عنزة في جبل لبنان ".
    وقد إستفادت الدول الاوربية من أبناء الجبل المسيحين في شمال إفريقيا فعملوا كمترجمين وخبراء للمستعمر الفرنسي. وكانت الهجرة الثقافية إلى مصر وتأسيس الصحف الكبرى في القاهرة: الأهرام، والهلال والمقتطف أسسها مسيحيون لبنانيون. آل زيدان وعائلات لبنانية، غالبيتها من كفرشيما، أقامت مؤسسات ثقافية. كذلك كانت الهجرة السبب في انتقال الأدب العربي إلى أميركا اللاتينية وتأسيس العصبة الأندلسية هناك. وبرزت المنادة بالقومية العربية، لمحاربة الحكم العثماني المتستر بالإسلام، من قبل أبناء الجبل، وبدأ التفاعل الحضاري والثقافي بين العرب وأوروبا، ذلك التفاعل الذي إنتشر في العالم العربي بواسطة الجامعات والمدارس الموجودة في الجبل.

    2 ـ لمحة عن الاقضية:

    دام هذا الوضع جيلين ترسخ في أثنائها في نفوس أبناء الجبل وخلق في بعض النفوس شعورا بالتفوق بأنهم كانوا متقدمين ـ تفوق وتقدم حضاري ـ بينما برز الشعورالقومي العربي لدى الآخرين منهم. في هذا الوقت، أي بين 1860 ـ 1920 ، كان وضع الأقضية الأربعة يختلف كليا عن وضع جبل لبنان. كان جبل لبنان في هذه الفترة يتقدم بشكل صاروخي ويقترب حضاريا وثقافيا من أوروبا، بينما الأقضية الأربعة الأخرى تختلف.
    بيروت وطرابلس كانتا موضع رعاية العثمانين باعتبار أنهم أبناء مذهب واحد، وأصناف النشاط التجاري بلغت الأوج. والمؤسسات الإسلامية الثقافية باسم المقاصد الخيرية تأسست من أيام العثمانين. البيروتيون والطرابلسيون، وحول بيروت، منطقة إقليم الخروب... استلموا مهاما رسمية وألقابا عثمانية: بيك ـ باشا.. وكانوا بدورهم يحسون بتفوق معنوي بسبب ارتباطهم بالسلطان، بالباب العالي. هذا وضع جبل لبنان والشمال وبيروت وبقي وضع القضائين الشيعيين.
    أما البقاع، بعلبك ـ الهرمل، فبسبب الأكثرية الشيعية كان موضع إهمال من الدولة العثمانية التي شجعت فيه النظام العشائري وغاب عنه أمن الدولة. وكانت السلطات العثمانية تساهم في إفقار المنطقة وحرق الغابات الكثيفة الموجودة فيها، وربما تعلمون أن جبال بعلبك ـ الهرمل كانت مليئة بالغابات، والحكومة العثمانية كانت تقطع الأشجار من هذه الغابات لحرقها في تسيير القطارات وسكك الحديد، فكنت ترى المحطات مليئة بالأخشاب التي اقتطعت من أشجار هذه المنطقة. أي أن العثمانيين لم يكتفوا بعدم خدمة المنطقة وحسب، بل وعمدوا إلى إفقارها ومن جملة الإفقار نزع الأحراش من المنطقة، وتجهيل الناس، ورعاية تخلفهم الحضاري، وتحريض الناس على الأخذ بالثأر، وأمثال ذلك. وإلا فهذا أمر غريب، في وسط هذه المنطقة المتحضرة، أن تتحكم العشائرية.
    أما الجنوب فكان يعيش الفقر وسيطرة عمال السلطان. شبابه يساقون إلى الخدمة العسكرية وإلى حروب اليمن ـ وكان يسمى " سفربرلك ". والذي كان يذهب إلى الحرب كان يودع أهل بيته، فهو ذاهب للموت. وكان يعفى من الخدمة العسكرية كل من يدفع ضريبة باهظة ـ خمس وسبعون ليرة ذهبية ـ ولما كان الأهالي لا يملكون هذا المبلغ، فإن البعض كان يبيع أرضه. لمن؟ لآل الملوك، آل جنبلاط، آل الاسعد.. للاقطاعيين القدامى والجدد الذين كانوا موجودين في الجنوب.
    كان هؤلاء الإقطاعيون يشترون الأراضي، وبالتالي أصبح الجنوب فارغا من الشباب من جهة، وأصبحت أراضيه ملكا" للإقطاعيين الجدد من جهة أخرى، وتعطلت مدارس جبل عامل. هل تعلمون أنه في حناوية، عيتا الزط، النبطية، حبوش، العباسية... في كل بلد كان هناك جامعة صغيرة؟ الجامعات الدينية وعلماء جبل عامل معروفون. وكان هناك رئيس جامعة دينية صغيرة في حناوية وهكذا في كل بلد، وآخرهم مدرسة السيد حسن يوسف مكي في النبطية، والذي كان أستاذاً للشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر والشيخ أحمد عارف الزين وهؤلاء كونوا النهضة العاملية الأخيرة.
    عم الجهل والتخلف، وفتك بعض الولاة العثمانيين ـ أحمد الجزار ـ بالعلماء، ومن جملتهم جدي طبعا السيد صالح شرف الدين، وأحرقوا كتبهم وطردوا كبارهم، وساد الظلم والإضطهاد وبدأت الهجرة. ويقال أن أفران عكا اشتغلت إسبوعا كاملا بإحراق كتب علماء جبل عامل، هذا لا ينسى!
    إذا"، جبل لبنان يطلع للقمة، طرابلس وبيروت تجارة واتكالية، والجنوب والبقاع ينزلان إلى الحضيض. بهذا التفاوت العميق بين المناطق الخمسة شكل لبنان الكبير بعد الحرب الكونية الأولى، وفي هذه الظروف المتباينة أسست فرنسا الإستعمارية الدولة الجديدة.
    وتمكن أبناء الجبل، ولا سيما الموارنة، من خلال الظروف الثقافية والعلاقات المتينة مع أوروبا، من أن يحتفظوا بالمراكز الأساسية في الدولة. ويبدو بوضوح في الوثيقة الأساسية أن " لبنان الكبير " هو جبل لبنان والأقضية التابعة له ولذلك اسمه لبنان.
    في الواقع، الأقضية الأربعة أقمار حول الشمس ـ حول جبل لبنان ـ هذه هي العقلية التي سادت، أي، أن الأقضية الأربعة مزارع تابعة لجبل لبنان.
    طبعا فترة الحماية الأوروبية كان لها تأثير في إرتباط أبناء الجبل بأوروبا والعالم دون العالم العربي لأنه أيضا"، كان خارجا من الإستعمار، وكان تحت الحماية الإنكليزية أو الفرنسية في ذلك الوقت. هذا الربط كان يشجعهم على الإمساك والتمسك بدفة الحكم وعلى شعورهم بالإنتماء الغربي.

    تعليق


    • #3
      3 ـ عهد الاستقلال:

      وفي زمن الإستقلال، تنازل أبناء الجبل عن الإنتماء الأوروبي مقابل تنازل الاقضية الاربعة عن الوحدة العربية، فكما يقولون، نفيان اسسا الميثاق الوطني: بالنسبة للمسيحيين عدم الإنتماء للغرب، وعدم الوحدة مع العرب بالنسبة للمسلمين. هذا أساس الاستقلال عام 1943، أي بعد الحرب الكونية الثانية.
      مع العلم أن فترة الإنتداب أسست إمتيازات الموارنة وأبناء جبل لبنان، ورسخت سيطرتهم، وبالتالي كانت السبب في خلق النظام الطائفي الذي نعيشه اليوم، والغاية الحقيقية منه إبقاء الوجود السياسي المميز للطائفة المارونية وعدم ذوبانه.
      طبعا"، الواقع أن النظام الطائفي: رئيس الجمهورية ماروني ورئيس الوزراء كذا ورئيس المجلس كذا.. هذه أمور كانت في الواقع عبارة عن الحفاظ على الإمتيازات التي حصلوا عليها في أثناء الفترة 1860 ـ 1920. ولكنهم كانوا يعطون بعض المبررات: أولا"، كانوا يقولون أن الأقليات في العالم العربي مضطهدة وأن الأكثرية الإسلامية لا تسمح للكفاءات أن تبرز وأن تتسلم المراكز الأساسية. والحقيقة أن مسألة الأقليات لو صحت في الغرب، فهي ليست صحيحة إطلاقا في العالم الإسلامي حيث يحمي الإسلام بقوة كافة الأقليات المؤمنة بالله، ويشهد التاريخ أن الكفاءات اليهودية والنصرانية في العالم الإسلامي كانت موضع اهتمام واحترام.
      ثانيا"، كانوا يقولون أن الطوائف اللبنانية الموزعة في المناطق هي متفاوتة المستوى، ولذلك فوجود النظام الديموقراطي الليبرالي، والذي هو استباق بين أبناء الشعب لا يمكن أن يكون نظاما عادلا" لأن الفرص المتوفرة للناس متفاوتة وليست متكافئة. لذلك لا بد من وجود تقسيم لهيكل الدولة بين الطوائف. الهيكل يجب أن تتقاسمه الطوائف التي هي بمنزلة الأحزاب في البلاد.
      لكن الذي حصل أن الهيكل تقاسمه زعماء الطوائف. فكنت ترى أن الزعيم الشيعي أو الزعيم السني يأخذ خمسة مراكز مثلا فيبحث بين أقاربه عن أناس يوليهم هذه المراكز الأساسية، فإذا" لم يجد شخصا" منهم فإنه كان يتنازل عن هذا الحق.
      هذا الذي حصل في بداية التقسيم، إذا كان التقسيم في الواقع تقسيما" للمرافق بين الإقطاعيين ولم يكن إطلاقا تقسيما بين الشعب، وبقيت أكثرية الناس محرومة من الفرص كافة.
      وفي النهاية، بقي عهد الإستقلال استمرارا" للعهود السابقة، فازداد الحرمان والتفاوت والشعورالعام بالتمييز الطائفي والتذمر، وبقي المجتمع متفككا غير متماسك. وبقي أصحاب الإمتيازات يحمون دولتهم بالمظاهر الزائفة: من الإزدهار الإقتصادي بالعواطف، إلى الفلسفات الخاوية أن الصيغة اللبنانية أفضل الصيغ، قوة الجيش، الإمساك بمفاتيح السلطة، وتنازلوا جزئيا في بعض الفترات لبعض الفئات فعملوا تحالفا مارونيا ـ سنيا، وتحالفا مارونيا ـ درزيا. وهكذا حاولوا أن يرضوا بعض الفئات الأخرى ويعطوا قليلا من الإمتيازات هنا وهناك، ولكن التحالف كان دائما بين الإقطاع والأغنياء من مختلف الطوائف وبين الدولة.
      هذه المحاولات لم تكن نافعة ولم يتمكن أولو الأمر من بناء مجتمع متماسك موحد كما لم يتمكنوا من البت في أي موقف أساسي سياسي أو إقتصادي أو ثقافي.
      بقيت الدولة اضعف الفئات ـ أداة حفظ التوازن ـ وتعمقت الزعامات التقليدية وأصبحت موروثة، وبقيت المؤسسات كلها، وحتى الجيش، حذرة، مجمدة، محجمة، تسد أبوابها في وجه الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب... وتروضت الأحزاب. وأحب أن أتكلم هنا عن الأحزاب.
      الأحزاب السياسية تروضت في هذا المجتمع فتحولت إلى زعامات جديدة، واضطرت بسبب التعقيدات الموجودة في المجتمع الى استعمال نفس الأساليب والوسائل المتعارفة لدى الإقطاعيين: يأخذون منحا لجماعاتهم، يرعون مصالح عناصرهم، يتحالفون مع الخصوم ومع الشيطان حتى ينجحوا، يتحالفون مع الإقطاع حتى يصبحوا نوابا وهكذا.
      إستعمال الوسائل التقليدية في لبنان من قبل الأحزاب لم يمكنها من استقطاب الناس. الحزب الشيوعي مثلا، تاريخ تأسيسه يعود إلى خمس وخمسين سنة من قبل الأحداث. ما حجمه؟
      أخذت الأحزاب قليلا بقوة السلاح ولم تتمكن من تحسين أحوال الناس وأعمالهم ومصالحهم، وتحولت إلى تحالفات سياسية تستعمل من قبل الزعامات المحلية تارة ومن الأنظمة والقوى العربية والعالمية تارة أخرى.
      إن هذا الوضع الإجتماعي الشاذ جعل التسلل من الخارج لكل طامع أمرا في منتهى السهولة، فاصبح المجتمع اللبناني ساحة صراع بين العرب وغير العرب واستفادت " الميركنتيلية " اللبنانية من هذا الصراع ماديا ولكنها دفعت الثمن غاليا ومرة واحدة في الأحداث الأخيرة.
      هذا فيما يخص الوضع الإجتماعي والسياسي في لبنان، والذي يشكل المادة الأولى والأرضية لطرحنا مسألة نشأة الحركة ودورها.

      تعليق


      • #4
        القسم الثاني: موقع الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان والعالم العربي

        إن الشيعة كانت في لبنان منذ أن كان، عمرت سهوله كما عمرت الجبال، وعصمت جنوبه كما شرقه والشمال.. عاشت معه في السراء والضراء، فسقت تراب لبنان من دم، كما رفعت في سمائه، الوية مجد. شاركت في اخضراره، فلم يعتب الجمال، وقادت ثوراته فلم تعتب السيوف، وبذلت حتى تعبت الحتوف. إن مدارس العامليين وكتبهم خلال عشرة قرون، هي مكاتب لبنان.
        نظرة سريعة إلى التاريخ، نرى الخدمات التي قدمتها هذه الطائفة من أيام العامليين الحمدانيين ودولة بني مرداس وبني عمار في طرابلس والشمال ومكتبتهم المعروفة بأنها كانت تحوي مليون كتاب. في الحقيقة، أحسن شيء يجمع هذه الأمور محاضرة للدكتور محمد علي مكي، وسأعطي مقتطفات منها عن دور الحمدانيين وبني مرداس وبني عمار وثقافتهم التي أفادت الحضارات وعمران صور. وكما يبين في بعض المناطق، تطورات صور العمرانية، سياسة أبنائها وشجاعتهم المذهلة، وصلابة جبل لبنان وتنقلات الشيعة القاسية فيه خلال القرنين العاشر والحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر، مواقفهم الحاسمة ضد الصليبين، صلابتهم النادرة أمام الإضطهاد المملوكي، وفي المجازر الرهيبة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر. هذه صفحات من تاريخ الشيعة جعلت بينهم وبين لبنان ميثاقا عميقا وأبديا لا يتنازلون عنه ولا يتنازل هو عنهم، لأن مسألة كل منهما حيال الآخر مسألة مصير.
        وبعد تلك الأمجاد تحركت عهود الإستعمار والإستبداد فشردت شبابهم وأفقرت أراضيهم وهدمت مدارسهم وخلقت لهم من مناطقهم سجونا" ومن حياتهم شجونا وبقي الأمل في ليلهم المدلهم الذي تجاوز قرونا وقرونا.
        ثم طلع الفجر وتحقق الأمل وجاء الإستقلال يمسح الجروح ويرفع كرامة المواطن ويمنح الحرية والعدالة ويجند طاقات الإنسان ليساهم في بناء وطنه ورفع مستواه، وبالتالي يشترك مع إخوانه في عطائه القومي ومشاركته الإنسانية. وأخلص الشيعة لهذا الوطن وبدأوا يعملون فيه بكل اهتمام ودقة.
        واختار اللبنانيون الديمقراطية نظاما لا يقبلون عنها بديلا. ثم لاحظوا أن المناطق اللبنانية مختلفة جدا في المستويات الثقافية والعمرانية والإجتماعية وكأنها بلاد تتفاوت حضارتها، وهذا يعني أن الفرص غير متكافئة ونظام التزاحم غير عادل.
        وبنتيجة هذه العوامل، لاحظوا أن العدالة الإجتماعية ستبقى خيالا في الخاطر، ووحدة الوطن شعارات تطلق في الأعياد والمناسبات، والتمنيات.
        أما الفروق بين المناطق والطوائف فتزداد يوما بعد يوم كما هو الحال بين الدول الصناعية والنامية مما جعل العالم يواجه اليوم أصعب مشكلة إنسانية يعهدها.
        ومما يزيد من عمق المشكلة في لبنان أن الناس تعودوا خلال تاريخهم الطويل أن يعيشوا فئات، عائلات أو طوائف.
        لأجل ذلك كله، ولان المناطق كانت منقسمة بصورة تقريبية بين الطوائف، قرروا نظام التقسيم الطائفي في هيكل الحكم وفي خيرات الوطن، واتفقوا على ذلك ضمن ميثاق وطني مؤقت إيمانا منهم بأن هذه الطريقة هي الضمان المناسب للعدالة الإجتماعية بين أبناء الوطن الواحد في مرحلة التأسيس.. مرحلة الإنطلاق.
        هكذا نفهم، بأقصى درجات التفاؤل وفي أفضل تفسير للأحداث، معنى النظام الطائفي في لبنان وقد سبق وعرفنا التفسيرات الأخرى التي ترد لدى الكثير من الباحثين والأيام أثبتت صحتها.
        ومرّ ربع القرن، أي عمر جيل هذه التجربة الفريدة في العالم، وهذه المدة كانت كافية لتقييم النتائج رغم قصرها في عمر الأوطان.
        بدأ اللبنانيون خلالها عموما" وأبناء منطقة الجنوب والبقاع بوجه خاص، بتحمل مسؤولياتهم الوطنية مستفيدين من ظلال الديمقراطية والحرية والإستقلال ليمارسوا نشاطهم الحياتي في نطاق هذه المثل العليا الكريمة.
        والشيعة الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من هاتين المنطقتين، أصبحوا يعتقدون أن عهود الإستعمار والإحتقار والتصنيف وطمس الحقائق قد ولت، وأن عليهم أن يتحركوا من أجل خلق حياة أفضل لهم ولأولادهم ومن أجل وطن عزيز كريم مستقل. فكان الإتجاه أولا نحو الزراعة، فحولوا القطاع الساحلي في الجنوب إلى بساتين غنية تشكل رقما قياسيا في الدخل القومي، وحولوا سهول البقاع إلى مزارع لا مثيل لها في الشرق، وبقيت المناطق الجبلية التي لا ترتوي بالماء فزرعت بالتبغ وبمختلف المحصولات البعلية.
        وانتقلت النخبة منهم إلى المدن، إلى العاصمة لأجل العمل فشارك عشرات الألوف منهم في حقول العمران والمصانع والسياحة والبلديات والميناء والمطار والمسلخ. في حين هاجر الطامحون منهم إلى البلاد العربية الشقيقة وإلى إفريقيا الغربية وإلى أميركا اللاتينية وأستراليا. هاجروا دون توجيه أو حماية عسكرية أو سياسية أو قانونية سوى حماية خلقية وأصالة شخصية، وتجاوز عددهم خلال هذه المدة مائة ألف مهاجر يعملون بجهد ويعيشون في تقشف على أمل العودة.
        الإقبال على التعليم كان شديدا، فالآباء يعملون ويتحملون الأشقى من الأعمال كي يوفروا المال اللازم لتعليم الأبناء حتى المستويات النهائية.
        والأبناء والبنات يتلهفون إلى المدارس، وكانوا يقطعون في بعض الحالات ويوميا بضعة كيلومترات ليصلوا إلى المدرسة.
        ويزداد العدد، ففي العام الدراسي 1966 ـ 1967 زاد عدد الطلاب في الجنوب ثلاثين بالمئة، وأصبحنا لا نجد اليوم بين الأجيال الطالعة إلا ثلاثة بالمائة من الأميين بدلا من سبع وأربعين بالمائة قبل خمسة عشر عاما. واشترك الكثير منهم في الوظائف فكانوا نماذج للإخلاص والجد ونزاهة الكف وكان منهم الخبراء والإختصاصيون الكبار.
        والرغبة في الإنضواء في سلك الجيش والأمن الداخلي كانت جامحة عندهم، وبرغم الموانع التي تقف في طريقهم بحجة عدم التوازن نشاهد ارتفاع المعدل لديهم فكانوا في طليعة المناضلين والأشداء في سبيل الدفاع عن الوطن وعن أمنه وقدموا ضحايا كثيرة حتى في سلاح الطيران. وكان السعي في الإعلام والمكتبات والفن والرياضة والتعلم وفي مختلف الإختصاصات الحرة من طب وهندسة ومحاماة وغيرها.
        إن هذا الإندفاع كان بحاجة إلى رعاية الدولة وحماية الوطن لكي يجعل المستويات المتباعدة بين المواطنين متقاربة، ويصب الطاقات الخيرة في خدمة منسقة للوطن ترفع من شأنه ومنع تعرضه للأذى من الخارج أو التمزق من الداخل. هكذا كنا نفهم الطائفية في النظام الديمقراطي.
        كل هذه الأمور دليل على أن الشيعة التزموا بواجباتهم الوطنية تجاه لبنان بكل قوة وأعطوا كل ما يملكون في هذا السبيل.
        لكن المبادرات هذه لم تلق الأصداء المطلوبة لدى المسؤولين منذ بداية الإستقلال، وكانت دائما تصطدم بعراقيل وموانع نابعة من الإهمال والإلتهاء بالمصالح الخاصة، تصطدم بنوايا سيئة ومبيتة لخلق اليأس والجمود والإتكالية والإستزلام وسيطرة الإقطاع على البلد الطيب العريق الذي يعيش فيه شعب هو من أرقى الشعوب في العالم ويملك تاريخا قل ما يوجد لدى شعب آخر أو أمة اخرى.
        نذكر في هذه المحاضرة نماذج من الضروري جدا أن يعرفها الحركيون. إنها ليست تفاصيل فنية ولكن دراسات دقيقة وملخصة.
        نذكرها على سبيل المثال لا الحصر تدليلا على المطلب وشهادة حق لمصلحة المعذبين في هذه الجنة، جنة الله على الأرض ـ لبنان.

        تعليق


        • #5
          في حقل الزراعة: الأرض الواسعة التي تتجاوز ثلثي الارض الزراعية في لبنان وهي من أحسن الأنواع وأخصبها، كانت موجودة، واليد العاملة مستعدة والخبرات التجريبية والفنية متوفرة ولكنها تحتاج الى الماء. الماء هذه النعمة الإلهية التي منحها الله تعالى لبلدنا الطيب بكميات كبيرة تبلغ احد عشر مليار مترا مكعبا في السنة ولكنها تهدر في البحر عدا ستماية مليون مترا مكعبا منه فقط.
          هذا الماء كان موجودا في البقاع والجنوب، فكانت الحاجة إلى مشروع الليطاني وإلى إقامة سد على نهر العاصي وإلى تنفيذ بحيرة اليمونة وإلى إنشاء السدود في وادي سباط ـ جنتا، يحفوفا وشمسطار وإلى مشاريع مياه في مرجحين، جباب الحمر، اللبوة وحوش تل صفية وإيعات وغيرها.
          أسست مصلحة الليطاني سنة 1954 وصرفت أربعمائة مليون ليرة لبنانية ولم توضع دراسة شاملة للري بل العكس حولوا ثلاثماية مليون مترا مكعبا من نهر الليطاني الى نهر الأولي لأجل مشاريع الكهرباء وبذلك حرموا الجنوب منها.
          وكان المستعمر الفرنسي قد أسس سنة 1932 بداية السد في العاصي وبدأ بقناتي الهرمل والعين ثم تجمد كل شيء حتى عام 1964 حيث وضعت الإعتمادات اللازمة للدراسة لكي تتجمد مرة أخرى، وتبقى الأرض الخصبة في المنطقة بائرة ويبقى الناس هناك في فقر وعذاب وشقاء يهاجرون إلى المدن ويتقاتلون فيما بينهم ويرحل الأمن والسلام ويستقر التخلف والحرمان.
          وهكذا كان مصير المشاريع الأخرى، واستمر هدر مليارات أمتار المياه إلى البحر، تأخذ معها التربة والخصوبة، فتصبغ البحر وتؤكد للعالم عدم صلاحية المسؤولين عن الحكم، وتعطي للعدو حجة دامغة لإدانتنا وللطمع في أرضنا ومياهنا.
          وكان الزرع الغالب في الجنوب، بسبب عدم وجود المياه، التبغ، ومأساة التبغ دامية وحزينة: يعمل الفلاح مع جميع أفراد عائلته خلال السنة الكاملة لكي يفرض عليه الكم والنوع والسعر، وتتحكم فيه " الريجي " وتحتقره وتصنفه بدلا من تصنيف التبغ، لكي يلجأ إلى الوسطاء لاخذ حقه المشروع. أما إذا طالب بحقه بدون واسطة فجزاؤه الطرد والحرمان وفي بعض السنوات الرصاص.
          وإليكم بعض معالم هذه المأساة بالأرقام:

          ـ ثلاثمائة ألف مواطن ترتبط حياتهم بزراعة التبغ.
          ـ يساهم مزارعو التبغ بأكثر من أربعين مليون ليرة في الدخل القومي.
          ـ كلفة الكيلو غرام من التبغ من وقت استلامه من المزارع إلى وقت وصوله إلى ظهر الباخرة في لبنان 5,50، ليرات وفي تركيا او غيرها 1,30 ليرة، وذلك لأجل النفقات الإدارية الباهظة التي يتحملها المزارع.
          ـ معدل الهدر عند الفرز في العالم 8 إلى 12 بالمئة، وفي لبنان يبلغ 28 بالمئة.
          ـ معدل الزرع في العالم من 8 إلى 13 دونما وفي لبنان 1,80 دونما وهكذا يعرف سبب الخسارة التي يدعونها في شراء التبغ من المزارع ويمننونه.
          اسعار التبغ في العالم ارتفعت سنة 73 بين 30 بالمئة وإلى 50 بالمئة ومع ذلك ففي لبنان زاد السعر في هذه السنة للمزارع 5 بالمئة وفي سنة المأساة 1972 ورغم زيادة السعر في العالم خفض السعر 2 بالمئة
          ـ قدر معدل الإنتاج لدونم واحد في الجنوب بين 90 و 110 كيلوغراما وفي الشمال قدر هذه السنة 440 كيلوغراما.
          ـ وقد اطلعتم من خلال الصحف على التفاوت في الأسعار وفي المعاملة وفي النوعية وعلى الأوضاع التي تهدد كيان هذا الزرع من أساسه في لبنان.
          وفي حقل الزرع أيضا لا بد من أن نضيف مشكلات التسويق الذي يمارسه المسؤولون، رغم وجود مؤسسات كبرى مع موازنات كثيرة لأجل تسويق الحمضيات والموز والتفاح والحبوب ومشكلات بيع الخضار وبصورة خاصة الشمندر.
          وإذا أضفنا إلى هذه اللوحة المأساوية عن وضع المزارعين، ذلك البعد الدامي الذي يرتسم في كل يوم وفي كل إسبوع ست مرات بواسطة العدو الاسرائيلي على أرض الجنوب فيمنع المزارعين من جمع محصولهم.
          وإذا أضفنا إلى ذلك محنة الغلاء المثقل المتزايد، تكتمل الصورة..
          أما العامل الذي رأيناه يترك قريته لكي يؤمن قوت أهله ونفقات دراسة أولاده، فانه يعيش في ضواحي بيروت في ظروف قاسية لا تتناسب مع مستوى لبنان الحضاري، بل لا مثيل لها في أكثر البلدان المتخلفة.
          بيوت مزدحمة، دون تنظيم، وفي أحياء محرومة من الكهرباء والماء ومن المدارس والمستوصفات والطرق والمجارير... يسكنها ثلاثمائة وخمسون ألف عامل تقريبا والتدبير الرسمي الوحيد هو وضع تخطيط ورسم شوارع متقاربة لكي تقضي على البيوت بصورة نهائية.
          وعندما أردنا المبادرة بالتعاون مع سكان حي ظهر الريحان بالحدث؛ حيث أقيمت كلية العلوم من الجامعة اللبنانية، وبالتعاون مع الخيرين من إخواننا بنينا قرية نموذجية ومساكن شعبية بلغت أربعمائة وستين بيتا، وعندما سعينا لإسكان الناس وتسهيل مهمة بناء الجامعة جاءت تدابير تمنع السكان من الماء والكهرباء وغيرهما من ضرورات الحياة جزاء لهذه المبادرات.
          وأصعب ما في هذا الحقل هو إفراز هذه الأحياء مئات من المشردين يجوبون شوارع بيروت يشكلون المجال المناسب لمختلف الجرائم رغم ذكائهم الفطري بلغ عددهم سنة 68، الفا ومائة طفل.

          أما المهاجرون فان لقمتهم المغموسة بالدم والعرق والغربة كانت تطعم القريب والغريب، وجهدهم المتواصل كان يصرف في سبيل عمران العاصمة والقرى ونجاحهم الجزئي 4 بالمئة فقط كان مستورا، وكانوا يخفون حنينهم ومأساة أولادهم الذين كانوا يجهلون آباءهم وأمهاتهم. كل ذلك لكي يؤدوا واجبهم الوطني.
          وقد أهملهم الوطن، حاشا الوطن، لقد أهملهم المسؤولون لا من حيث الحماية أو التمويل أو التسهيلات الجمركية أو الضريبية وغيرها، لا. لا. بل حرموا من أبسط المسؤوليات الحكومية تجاه المواطن في الخارج، وإليكم بعض الأمثال:


          لقد صرح لي رئيس وزراء غينيا أن رحلة واحدة من أحد المسؤولين اللبنانيين إلى غينيا كفيلة بخروج عشرات من اللبنانيين المقيمين هناك من السجن كما حصل ذلك بالنسبة لرعايا فرنسا والمانيا الغربية عندما اعتقلوا بنفس الإتهام.
          ومع ذلك لم يسافر أحد وبقي هؤلاء سنوات في سجون بلاد الاغتراب.
          والآن يعاني مئات من اللبنانيين في جمهورية إفريقيا الوسطى أشد أنواع الإضطهاد والحجز ولا يخرج أحدهم إلا بدفع مئات الألوف ومصادرة أمواله، والرئيس بوكاسا ينتظر مبادرة رسمية من الحكومة والألوف من شبابنا وعائلاتهم ينتظرون دون جدوى.
          أما مأساة الجالية في كنغو كينشاسا فقد انتهت بمبادرة شخصية من مواطن انتظر طويلا برقية رسمية أو مراجعة أو رحلة من بيروت. ثم اتفق مع الرئيس موبوتو بعد إنهاء المشكلة بأنه سيسعى لإقامة سفارة لبنانية هناك شأن الدول العربية الأخرى، ولكن الوعد لم ينفذ بل القنصل الفخري يستنيب وكيلا له والوكيل ينيب عنه وكيلا" آخر يرعى شؤون الجالية اللبنانية ـ وهو يهودي ـ.
          والوضع في أغلب المهاجر من جهة الادارة القنصلية سيء للغاية إذ لا يوجد أكثر من شخص واحد لعشرين الف لبناني في إقريقيا الغربية.
          هذا والاوضاع الاجتماعية تتغير بسرعة في بلاد الاغتراب وهذه تستدعي الحضور الدائم الذي يحل محله الان غياب دائم والمأساة.
          وأترك البحث عن وضع المهاجر بعد عودته كالمحارب المنتصر العائد، أترك هذا البحث الحزين لفرصة أخرى رغم أني قدمت دراسة مفصلة لمعالجة وضع الهجرة في محاضرة موضوعية مفصلة في بلدة مزيارة منذ أربع سنوات.
          وفي سبيل التعلم كان يعاني أبناؤها فقدان المدارس رغم أن بعضهم كان يقطع بضع كيلومترات للوصول إلى مدرسته في الشتاء والصيف.
          وكان من المقرر أن تبنى ثمانون مدرسة في الجنوب خلال الخمس سنوات التي انتهت في سنة سبعين شرط تقديم كل قرية أرضا مناسبة لوزارة التربية الوطنية. ونفذوا الشروط وتنازلنا في بعض القرى عن الأوقاف مقابل ايجار رمزي ومرت السنوات الخمس ولم تكن النتيجة سوى نصف مدرسة.
          وفي كثير من القرى تسمى غرف متباعدة مستأجرة من قبل أهل القرية مدرسة ناهيك عن التجهيزات غير اللائقة.
          وكانت المدارس الخاصة في المناطق وفي بيروت وبنتيجة عدم توفر المال اللازم كانت ولم تزل المستويات منخفضة رغم جهاد أصحابها وجهودهم.
          والآن وأمام حلم تجميع المدراس فاننا نشعر بكل صراحة ودون عقدة أن مستقبل أبنائنا مهدد ومستواهم الدراسي في الأغلب غير متناسب مع طموح اللبنانيين.

          أما عن الموظفين وحرمانهم من حقوقهم ومن مراكز مرموقة ومن عدم اعتماد المسؤولين على الكفاءات بل على المحسوبيات فحدث ولا حرج حيث أننا نشعر بتصنيف فاضح واحتقار في هذا المجال الحيوي جدا، هذا المجال الذي يشكل مفتاحا لمختلف مجالات التنمية والخدمات.
          إن الدراسة الصحيحة التي كانت من المقرر أن تقدم في هذا اليوم أصبحت مستحيلة حيث امتنع مجلس الخدمة المدنية من تزويدنا بها رغم أن قانون تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ينص على صلاحية المجلس للمراقبة، وقد بقيت رسالة المجلس الموجهة إلى مجلس الخدمة بتاريخ 24/ 12 /72 بلا جواب بانتظار موافقة رئيس مجلس الوزراء.
          ولكن في حدود المعلومات المتجمعة لدينا تبلغ نسبة الحرمان في الفئة الثانية 63 بالمئة وفي الفئة الثالثة 88 بالمئة والوضع في المؤسسات التابعة للدولة والشركات المتأثرة بمراقبتها أمر وأدهى.

          أما في الفئة الأولى فقد صدرت تشكيلات مؤخرا أعطت من حيث الكمية نسبة عالية للطائفة ولكنها غير كافية وهي تعالج الدوائر الحكومية فقط دون المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والتابعة، ودون أجهزة الأمن كالجيش وقوى الأمن، ودون المحافظات.
          يبقى حقل العلماء الاختصاصيين من أبنائنا فهو في محنة مشتركة وفي مصيبة عامة فلا مجال للكفاءات إذا لم تسخر لرغبات الإقطاع، وها نحن نجد أمام أعيننا خيرة شبابنا الذين استهلكت دراساتهم العالية حياة أهلهم وآمال السنوات يتركون الوطن واحدا تلو الاخر لانهم يرون قسوة الامل في البلاد بل الغربة في الوطن أمر وأصعب.
          مر ربع قرن من عهد الاستقلال وفي إطار النظام الطائفي الديمقراطي، وأعيد النظر في الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي من قبل بعض أهل الرأي من أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، وكانت النتائج تؤكد أن التفاوت بين أبناء وطن واحد قد ازداد وان العدالة لم تزل حلما يدغدغ الخيال.
          فقالوا إن السبب هو غياب الطائفة عن مسرح الأحداث وعن مائدة الخبرات والوظائف والموازنات؟
          وقالوا إن النواب يمثلون مناطقهم رغم انتخابهم الطائفي، والمناطق اللبنانية مختلطة، وان النواب يمثلون بعد الانتخاب الوطن كله في النظام البرلماني.
          وقالوا أن الطوائف الأخرى كل منها تتمثل بمجلس مركزي أعلى يمثلها وأن الشيعة بحاجة إلى مجلس أعلى لكي تعالج هذا التصنيف الطائفي.
          وقالوا إن الذين كانوا ينادون بتأسيس مثل هذه المؤسسة كانوا على حق.

          تعليق


          • #6
            وبعد بحث طويل وصراع مرير ورفض الطوائف عروض تأسيس مجلس واحد مشترك ولد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بعد مخاض عسير وفي 17 ايار 1996. وهذه المؤسسة تأسست تحت ضغط الناس، مظاهرات الناس، برقيات الناس، لذلك فإن واقع هذه المؤسسة هو تجسيد دماء الناس، وآمال الناس، وآلام الناس، وطموحات الناس.
            وعانى منذ ولادته الصعوبات من الداخل واتهامات من الخارج وظروفا وطنية لا ننساها، راجيا عدم عودتها، حين بقي البلد سبعة أشهر بدون وزارة.
            ولد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مبتور الصلاحيات، فاقد الموازنة، مطعونا في نظامه الداخلي، مجمد الصلاحيات حتى اليوم في أدراج مجلس النواب وهو لم يزل في طور التأسيس يشق طريق المجهول بصعوبة، يعود نفسه وطائفته على الاقتناع بوجوده وببقائه وبإبعاد صلاحياته، مكتوف اليدين لا يمكنه ان يتصرف في الاوقاف ولا في الشؤون الدينية ورجالها، تعصف به الرياح من هنا وهناك، يحس بتناقضات ومطامع من الداخل وبالاغراءات والاضطهاد من الخارج. مع ذلك كله " والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " استمر في الجهد والبناء والاحصاء والتجول والتحرك وقد سمعتم في تقرير الامين العام بعضا من نشاطاته حتى يمكننا القول انه نجح متحديا في حقول اربعة من واجباته الخمس وهي: تنسيق جزئي لطاقات أبنائه، تنظيم لعلاقات الطائفة مع الطوائف الشقيقة اللبنانية، تصحيح علاقات الطائفة مع أبنائها في الخارج، والمساهمة الذاتية في رفع مستوى أبنائه في ميادين الثقافة والتربية وتعليم المهن وإبراز وجهها الحقيقي للمواطنين وللعالم وفي المشاركات الوطنية والقومية.

            أما في حقوق الطائفة في الوظائف والمناطق فعلى الرغم من ان الدراسات والاحصاءات أكدت مزيدا من الحرمان المعروف، وعلى الرغم من جهد سنوات أربع في الدراسة والمطالبة والإصرار والمقابلات والوعود والإعترافات والمحاضرات وتشكيل لجان المتابعة وغيرها. على الرغم من كل ذلك، لم يتمكن المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى بهذه الوسائل من أن يخطو خطوة واحدة في سبيل تحسين الوضع رغم أن هذه المهمة هي أولى مهماته وأنها الغاية الأصلية من وجوده.
            لم يتمكن مجلسنا من العمل ـ باستثناء ما سمعتم عن الاضراب المؤدي الى تأسيس مجلس الجنوب والذي استعمل فيه الاسلوب الاخر ـ ونتيجة عدم تمكنه بدا اليأس على ابناء الطائفة وبدأ يذوب المجلس ويتجمد وكان معرضا لان يصبح مؤسسة شكلية تزين مجالس الحكم وتكمل زينة البلاد والطقوس الفارغة التي تخدر أحيانا وتغضب المحرومين دائما.
            وفي بداية السنة الخامسة من عمر المجلس أي في ايار 1973 وبعد مرور تجربة فاشلة عمرها أربع سنوات وبعد اقتناع أعضاء المجلس ورئيسه واقتناع الطائفة بعدم نجاح المطالبة والإلحاح والمقابلات والإحصاءات ومناشدة الضمائر وتحت ضغط من الإيمان والضمير ونداء من الوطن ومطالبة من المحرومين، ولدت حركة المطالبة بأسلوبها الجديد. تلك الحركة التي نعيش اليوم مراحلها الحاسمة الفاصلة والتي كانت في الاساس حركة المطالبة بحقوق ابناء الطائفة في الوظائف وبعمران المناطق التي يقطنها أكثرية أبنائها ثم تحولت إلى حركة المطالبة بحقوق المحرومين.
            إن هذه الحركة بدأت في الجلسة التاريخيةالتي انعقدت للهيئتين الشرعية والتنفيذية في 22 حزيران 1973 ووضعت فيها الوثيقة المشهورة التي بموجبها التزمت الاكثرية الساحقة من نواب الطائفة بالتخلي عن الحكومة اذا لم تتحقق مطالب الطائفة خلال أربعة أشهر من تاريخ نيل الثقة.
            وكان من الواضح أن الأسلوب السياسي إذا تم سيضع حداً قاطعاً للمشكلة حيث أن الحكم في لبنان مشاركة ولا حكومة دون إشتراك الشيعة فيها وأن كل حكومة تسقط إذا سحب نواب الشيعة ثقتهم منها.
            مطالب المحرومين:

            ولكن الخطة السياسية هذه أجلت أو تعثرت لأسباب معروفة فلم يبق أمامنا الا اسلوب المطالبة الضاغط ولو استدعى ذللك بعض العنف. فعدنا إلى العاشوراء وقد كان شباط 1974 يصادف عاشوراء 1393 هـ واجتمعنا في جلسة أخرى يوم 8 شباط 1974 حيث وضعت تفاصيل المطالب وهي:

            1 ـ في حقل الوظائف العامة: وعلى أساس العدالة التي يؤكدها الدستور نجد أن الطائفة الشيعية تشغل في الوقت الحاضر، وفي الفئة الأولى، على سبيل المثال، تسعة عشر مركزا من أصل استحقاقها البالغ ثلاثين مركزا.
            هذا مع العلم أن الطائفة محرومة من أي مركز في الوظائف العليا الإدارية والقضائية بالإضافة إلى الحيف اللاحق بها في مراكز الجيش وقوى الأمن الداخلي، فضلا عن رؤساء كل مجالس إدارات الدولة.
            إن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يطالب بإنصاف الطائفة الشيعية بشكل سريع عن طريق تعيين أصحاب الكفاءات من أبناء هذه الطائفة في أحد عشر مركزا من مراكز الفئة الاولى.

            2 ـ بالنسبة الى نوعية المراكز يرفض المجلس تصنيف المواطنين طائفيا ويؤكد بقوة مطالب القائلين برفض طائفية الوظيفة وضرورة تبادلها بين مختلف الطوائف حسب كفاءاتهم.
            3 ـ ان مسألة الدفاع عن حدود الوطن وعن سلامة المواطنين في أرجاء البلاد هي المسؤولية الأولى للسلطات، وفي هذا الحقل يحتج المجلس على إهمال قضية الدفاع عن جنوب لبنان ولا يمكنه القبول بأعذار ومبررات غير صحيحة أو غير كافية.
            4 ـ إن الألوف من المواطنين في مناطق بعلبك ـ الهرمل وفي الشمال وفي مناطق أخرى لا يملكون بطاقة هوية لبنانية وبالتالي يحرمون من كافة حقوق المواطنية. إن هؤلاء لا يمكن التشكيك في لبنانيتهم ولا في ولائهم الوطني ولكن ظروفهم الحياتية وسكناهم في مناطق نائية جعلتهم من المكتومين والمعلقين.
            5 ـ في حقل الإنماء: يؤكد المجلس على ضرورة تنفيذ مشاريع انمائية في المناطق المحرومة والمتخلفة وذلك عن طريق قوانين وبرامج ولحظ اعتمادات في الموازنة العامة لكي تصبح المناطق اللبنانية متقاربة المستوى ويطلب المجلس في هذا المجال تحقيق ما يلي:

            ـ تنفيذ مشروع ري الجنوب من مياه الليطاني وذلك بإنهاء الجدل حول منسوب المياه واعتماد الدراسات الدقيقة التي وضعت بهذا الخصوص.
            ـ إصدار التشريعات اللازمة لتأمين اعتمادات التنفيذ.
            ـ إلغاء جر مياه الليطاني الى مدينة بيروت والاستعانة بمياه نهر بيروت ونهر ابراهيم.
            ـ وإعتبار مشروع الليطاني مشروعا وطنيا اجتماعيا الى جانب كونه ذا صفة اقتصادية.
            6 ـ تنفيذ المشروع الجاهز للبحيرات الاصطناعية الذي يروي الاراضي الواقعة في قضائي صور وبنت جبيل ( مثلث يارين ـ كفرا ـ يارون ) والتي لن تستفيد من مشروع الليطاني.
            7 ـ تنفيذ مشروع القاع ـ الهرمل من الاعتمادات المرصودة منذ عام 1962 وإصدار التشريع اللازم لتأمين الاعتمادات اللازمة لإنهاء شبكات الري في المرحلة الاولى وضخ المياه في المرحلة الثانية بحيث يتم تأمين ري سبعة الاف هكتار.
            انشاء عمليات الضم والفرز بحيث تنتهي مع نهاية تنفيذ المشروع للتمكن من الافادة منه بصورة صحيحة
            8 ـ لحظ الاعتمادات اللازمة لانشاء الخزان الواجب تنفيذه في بحيرة اليمونة القديمة لتأمين ري اربعة الاف هكتار اضافية مع ما يلزم من اعتمادات لاتمام شبكات الري في الاراضي الواقعة بين دير الاحمر ـ الكنيسة حتى شمسطار.
            9 ـ تنفيذ مشروع انشاء السدود في نحلة ـ وادي سباط ـ جنتا ـ يحفوفا ـ شمسطار، ومشروع ري سهل بعلبك من مياه رأس العين، وري الاراضي من حوش تل صفية وايعات من مياه نبع عدوس، ومشروع منخفض عيحا، ومشروع ري مرجحين ـ جباب الحمر من عيون أرغش، ومشروع مياه اللبوة، وتقويم مجرى الليطاني في أراضي حوش الرافقة ـ بدنايل ـ تمنين التحتا، وتزويد مدينة بعلبك بمياه نبع البغل ونبع اللجوج.
            10 ـ عطاء الاولوية في انشاء المدارس الرسمية والمهنية ودور المعلمين والمعلمات في الجنوب والبقاع وعكار وعدم اللجوء الى تمرير المشاريع المدرسية في المناطق المتقدمة تدريجيا كما هو الحال الان.
            11 ـ نشاء المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق المحرومة وتحسين وضع مستشفى الهرمل وتخصيص الأموال الموجودة في مصلحة التعمير لانشاء شبكات المجارير في تلك المناطق وذلك بموجب قوانين نافذة تمنع التصرف الكيفي بأموال مصلحة التعمير.
            12 ـ نفيذ مشروع اوتوستراد بيروت ـ صيدا ـ صور ـ واتوستراد بيروت شتورا ـ بعلبك ـ الحدود السورية وتنفيذ مشروع طرق القرى المحرومة.
            13 ـ صحيح أوضاع مزارعي التبغ وانهاء المأساة.
            14 ـ يادة اعتمادات المشروع الاخضر ووضع قانون لاعطاء الاولوية للمناطق المحرومة.
            15 ـ نماء الثروة الحيوانية وتعميم المشاتل الزراعية وتصنيع الزراعة وانشاء مصانع لتأمين تصريف المنتوجات الزراعية بعد تصنيعها.
            16 ـ صد الاعتمادات اللازمة لانهاء التنقيب عن الاثار في مدينتي بعلبك وصور خلال مدة عشر سنوات وانشاء فندق سياحي في بعلبك مع مشاريع سياحية في كافة المناطق الاثرية.
            17 ـ راسة شاملة للمناجم في مختلف المناطق وبصورة خاصة النفط الذي تؤكد الدراسات وجوده في لبنان.
            18 ـ صحيح قانون توزيع اموال البلديات بحيث يؤمن العدالة والازدهار لمختلف البلدات اللبنانية.
            19 ـ فو عام عن مخالفات البناء لكي يتمكن سكان ضواحي بيروت وغيرهم من الاستفادة من المياه والكهرباء.
            20 ـ صحيح أوضاع ضواحي بيروت وبصورة خاصة الكرنتينا والنهر وحي السلم وبرج حمود وتل الزعتر وبرج البراجنة.
            هكذا وبكل أصالة ومنطقية ومن خلال الواقع الموضوعي للطائفة في لبنان ولدت حركة المحرومين

            تعليق


            • #7
              علينا أن نفهم ونغير الواقع العربي تجاه الشيعة لان القوة في لبنان تتعدل نتيجة للضغط العربي، واضح أن المعادلات العربية في القوة تنعكس على لبنان. ومع الأسف، الشيعة لم يكن عندهم أي عنصر ضغط عربي. العالم العربي خلال التاريخ بدا محجوبا عن التفاعل مع ابناء الطائفة بسبب حملة الاضطهاد الرسمي والشعبي التي كانت تتعرض لها.
              نحن في المادة الثالثة، يعني في، التراث ووضع الطائفة الشيعية، سنتكلم ان لماذا هذا الهجوم. ذلك لانهم كانوا أقلية عقائدية، وهذه الاقلية كانت خطرة على الحكم. العالم العربي كان بأكثريته ينظر ويشك بسلامة موقع الشيعة، ويعتبره كما يصف الكاتب المصري الكبير الأستاذ أحمد أمين في كتابه " ضحى الاسلام " إذ يقول: " الحق أن الشيعة ملجأ يلجأ إليه كل من يريد هدم الإسلام ". هذا رأي العالم العربي فينا، وهو نتيجة للدس والتضليل الذي تعرض له الشيعة عبر التاريخ. يجب ان لا نشعر بأية حساسية إطلاقا يجب أن نصحح الصورة نحن نقول إن العالم العربي لم يكن يشكل ضغطا إيجابيا لمصلحتنا.

              طبعا، نحن بدأنا نبذل جهودا لأن تفاعل الوضع العربي مع القوى في لبنان ينعكس على واقعنا الاجتماعي. منذ تأسيس المجلس، والذي هو أول مؤسسة رسمية، بدأنا بالرحلات والاتصالات والاعلام والمشاركة في المؤتمرات، والتعاون الوثيق هنا مع الطائفة الاسلامية السنية. ومع ذلك، العالم العربي كان قليل التعاطف والتفاعل مع الشيعة مما يزيد في المحنة ويقلل من قوة الموقف، وكان ينظر بحذر شديد إلى حركة المحرومين التي أعلنت مرات أنها حركة لا طائفية. وسنرى في الفصل القادم أن واقع الطائفة العقائدي والتراثي يؤكد التزامها التام بإسلاميتها، وبكونها طليعة النضال والحركة لخدمة الاسلام. اما البحث عن عروبة الشيعة فهذا بحث طويل، حول أن الشيعة ليسوا عربا بل من ايران، موضع إهتمام ورد وجدل، ومستشرقون مثل ( لامنس ) وغيره اشتركوا حتى يدسوا ويخلقوا صراعات داخلية لأنهم كانوا مكلفين بتعميق الهوة بين المسلمين.
              هذا البحث أصبح واضحا اليوم بعد الدراسات التي وضعت مؤخرا، وخاصة محمد علي مكي وتثبت أن الشيعة في التزاماتهم يفوقون الاخرين، والإشارة إلى ما جاء على لسان أحمد أمين وما جاء في كتاب الشيخ صبحي الصالح " النظم الاسلامية " حول الشيعة تحت عنوان الطوائف الناقمة على الإسلام وغيرها من التهجمات إنما المقصود بها أن تذكر أننا نحن طليعة المسلمين وأننا أخوة وأن العالم العربي نتيجة التظليل الذي مر فيه كان ينظر إلينا بشك والحمدالله الذي لا يحمد على مكروه سواه فنحن لا نريد أن نشعر بحساسية إطلاقا". هم مظللون علينا أن نصحح الصورة ولكن بالإختصار أن العالم العربي لم يكن يشكل ضغطا" إيجابيا" لمصلحتنا.
              إذا"، في بحثنا اليوم، قرأنا موضوعين: الواقع الاجتماعي والسياسي في لبنان، والواقع الاجتماعي والسياسي للشيعة في لبنان والعالم العربي.
              أمامنا نقطتان: العوامل التاريخية والعقائدية عند الشيعة، ودور القيادة.
              مع دراسة هذين الموضوعين تكتمل الصورة وظروف النشأة لحركة المحرومين، أي، بداية نشأتها طبعا. نحن الان نسلم هاتين المحاضرتين للجنة الثقافية المركزية للطبع والتوزيع وكما ذكرت قراءة ودراسة هذه المواد إلزامية لشباب الحركة. وبنفس الوقت، في المناقشات التي تجري في الخلايا وفي صفوف الكوادر. طبعا، يلخص المسؤول المناقشات ويرسلها إلى اللجنة الثقافية المركزية حتى تتحول بدورها إلى مكتب العقيدة والثقافة.
              والسـلام عليكـم

              تعليق


              • #8
                و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

                شكراً لك أخي الكريم (نعل الحسين) على الموضوع ...

                جزاك الله خيراً وبارك فيك وكثر من أمثالك ..



                تحياتي

                تعليق


                • #9
                  مشكور يا أخي نعل الحسين وبارك الله فيك وثبتك على دينه ،،

                  ويعطيك العافية

                  تعليق


                  • #10
                    آجرك الله أخي الكريم

                    ووفقك لكل خير لن كنت اتمنى انك كنت تجزأ هذا الموضوع الى عدة أجزاء لتسهل متابعنه و قرائته

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    x

                    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                    صورة التسجيل تحديث الصورة

                    اقرأ في منتديات يا حسين

                    تقليص

                    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                    يعمل...
                    X