الفلسفه الاسلاميه ... تاريخها وبدايتها
دور الفارابي في الفلسفة
بدأ الفارابي من من نقطة الإنتقاد الموجهة للرازي وللفلسفة بصورة عامة وكان النقد عبارة عن فائدة الفلسفة في تنظيم الحياة اليومية للإنسان البسيط الذي يرى الفلسفة شيئا بعيدا كل البعد عن مستوى أستيعابه ولايجد في ذلك النوع من المناقشات اي دور عملي ملموس في حياته اليومية . حاول أبو نصر محمد الفارابي (874 - 950) الفيلسوف من تركستان تضييق حجم الفجوة بين المسلم البسيط و الفلسفة ويعتبره البعض رائدا في هذا المجال حيث حاول في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" التطرق إلى القضايا الاجتماعية و السياسية المتعلقة بالإسلام. في كتاب "الجمهورية" طرح أفلاطون فكرة إن المجتمع المثالي يجب ان يكون قائده فيلسوفا يحكم حسب قوانين العقل والمنطق وتبسيطها لتصبح مفهومة من قبل الإنسان البسيط . من هذه الفكرة حاول الفارابي ان يطرح فكرته حول إن الرسول محمد كان بالضبط ما حاول أفلاطون ان يوضحه عن صفات قائد "المجتمع الفاضل" لقدرته حسب تعبير الفارابي من تبسيط اللهم روحية عليا وإيصالها إلى الإنسان البسيط .
بهذه النظرة إبتعد الفارابي كليا عن مفهوم الخالق في الفلسفة اليونانية الذي كان بعيدا كل البعد عن هموم الإنسان البسيط والذي لم يخاطب الإنسان يوما، ولكن الفارابي ضل ملتقيا مع فكر أرسطو في نقطة إن قرار الخلق لم يكن عبثيا ولا متسرعا. استخدم الفارابي فكرة النشوء اليونانية التي كانت تختلف عن فكرة الخلق في الديانات التوحيدية فحسب النظرية اليونانية فإن النشوء يبدأ من كينونة أولية ثابتة ولكن سلسلة النشآت تخضع لقوانين طبيعية بحتة وليست لقوانين دينية او إلهية . حاول الفارابي تطويع هذه الفكرة من النظرة التوحيدية للخلق فقال إن الإنسان بالرغم من منشأه على هذه الأرض فإنه إمتداد لسلسلة من أطوار النشوء التي بدأت من المصدر إلى السماء العلى إلى الكواكب والشمس و القمر وإن الإنسان له القدرة بأن يزيل أتربة هذه التراكمات من النشوء لكي يرجع إلى الخالق الأولي وكان هذا التحليل بالطبع مخالفا لفكرة القرآن عن خلق الإنسان
الكثير من الدراسات تعتبر الفارابي أهم من استطاع إيصال و شرح علوم المنطق بالعربية ، بالمقابل سنجد أن الفارابي كان يشغله هاجس الوحدة و التوحيد في ظل دول و إمارات إسلامية متفرقة في عهد الدولة الحمدانية ، كان الفارابي يتطلع لتوحيد الملة عن طريق توحيد الفكر لذلك سنجده يحاول التوحيد بين الأمة (الشريعة) و الفلسفة في كتاب الحروف و سيحاول ان يجمع بين رأي الحكيمين : أفلاطون و أرسطو في كتاب الجمع بين الحكيمين ، و سنجده أيضا عكس الكندي يحاول أن يدخل العرفان أو الغنوص في منظومته الفكرية فيقبل نظرية العقول السماوية و الفيض لكن العرفان لا يتحقق عند الفارابي بنتيجة النفس و التأمل بل المعرفة و السعادة (الصوفية العرفانية) هي نتيجة المعرفة عن طريق البرهان . و كما في نظرية الإفلاطونية المحدثة : العقل الأول الواجب الوجود لا يحتاج شيئا معه بل يفيض وجوده فيشكل العقل الثاني فالثالث حتى العقل العاشر التي يعطي الهيولى و المادة التي تتشكل منها العناصر الأربعة للطبيعة : الماء و الهواء و النار و التراب . و الدين و الفلسفة يخبراننا الحقيقة الواحدة فالفلسفة تبحث و تقرر الحقائق و الدين هو الخيالات و المثالات التي تتصور في نفوس العامة لما هي عليه الحقيقة ، و كما تتوحد الفلسفة مع الشريعة و الملة كذلك يجب أن تبنى المدينة الفاضلة على غرار تركيب الكون و العالم بحيث تحقق النظام و السعادة للجميع . هذا كان حلم الفارابي المقتبس من فكرة المدينة الفاضلة لأفلاطون .
[]كتاب الحروف
يحتل كتاب الحروف للفارابي أهمية خاصة بين أعماله و يعتبر الكتاب بحثا في الفلسفة الأولى ، إضافة إلى نقاش علماء اللغة و الكلام حول الكثير من الإشكاليات التي كانت تتعلق أساسا بعلاقة اللغة و المنطق و إشكالية اللفظ/المعنى عن طريق محاولة استنتاجية منطقية لتأسيس مفهوم الكلي و تشريع دور المنطق في البيئة الإسلامية التي كانت رافضة لها . يحاول الفارابي بداية شرح كيفية تكون المعرفة بدءا من الإحساس فالتجربة فالتذكر فالفكرة من ثم نشأة العلوم العملية و النظرية . وبين الفكرة و نشأة العلوم يضع الفارابي مرحلة نشوء اللغة : فبعد تولد الفكرة عند الإنسان تأتي الإشارة ثم التصويت (إخراج أصوات معينة) و من تطور الأصوات تنشأ الحروف و الألفاظ (و يختلف النطق حسب الجماعات البشرية و فيزيولوجيتها و بيئتها ) و هكذا تتشكل الألفاظ و الكلمات : المحسوس أولا ثم صورته في الذهن ثم اللفظ المعبر عنه . في مرحلة لاحقة تتكون العبارات و التعابير من دمج الكلمات و الألفاظ لتعبر ليس فقط عن الأسياء بل عن العلاقات التي تربط بينها . الفارابي هنا يستخدم أسلوب برهانيا ليحدد العلاقة بين اللفظ و المعنى و يقرر أسبقية المعنى على اللفظ (مخالف بذلك لمدرسة أهل الكلام الذين يعطون الأسبقية للفظ على المعنى ). و بنفس السياق أيضا يقرر أن نظام الألفاظ (اللغة) هي محاولة لمحاكاة نظام الأفكار (في الذهن) و ما نظام الأفكار في الذهن إلا محاولة لمحاكاة نظام الطبيعة في الخارج من علاقات بين الأشياء الفيزيائية المحسوسة . إضافة إلى ذلك فقد تقرر نتيجة تحليل الفارابي أن هناك نظامين : نظام للألفاظ يحاول محاكاة ترتيب العلاقة بين المعاني في النفس، و نظام آخر مستقل للمفهومات و المعقولات تحاول محاكاة ترتيب الأشياء الحسية في الخارج الفيزيائي . و من هنا ضرورة وجود علمين : علوم اللغة أو علم اللسان الذي يعنى بصر ألفاظ اللغة و علاقاتها مع مدلولاتها و معانيها . و علم المنطق الذي يعنى بترتيب العقل للمفاهيم و طرق الاستنتاج السليم للقضايا من البدهيات أي قواعد التفكير السليم.
يلي ذلك حسب ترتيب الفارابي مرحلة جمع اللغة و صون الألفاظ من الدخيل و الغريب ثم تقنين اللغة عن طريق وضع القواعد التي تضبط طريقة كتابتها و نطقها (نشأة علوم النحو) ، و هكذا تتطور ما يمكن تسميته بالعلوم العامية .
يترافق ذلك مع تطور للعلوم العملية من قياس و تقنية ، و من ثم سيتلو ذلك نشأة العلوم القياسية التي تعرف بالعلوم الطبيعية ، هي العلوم بحق ضمن المفهوم الأرسطي الذي يتبناه الفارابي أيضا أي علوم الرياضيات و المنطق و لأسلوب القياسي الاستنتاجي . فتتميز الطرق الاستدلالية : الخطبية و الجدلية و السفسطائية و الاللهمية (الرياضية) و أخيرا البرهانية و يتضح أن المعرفة اليقينية تنحصر في الطرق البرهانية ، و هكذا تتشكل الفلسفة ليليها بعد الذلك نشأة الشريعة أو الدين أو بمصطلح الفارابي الملة فحسب الفاربي : الفلسفة يجب أن تسبق الملة و ما الملة (الشريعة) إلا وسائل خطبية للجمهور و العوام لنقل الحقائق التي نتوصل لها عن طريق الفلسفة .
لكن في بعض الحالات (و يقصد هنا حالة الأمة الإسلامية) لا تتشكل الفلسفة في مرحلة مبكرة بل يتشكل الدين بشكل مسبق و من هنا يحصل التعارض بين تأويلات الدين و تاوبلات الفلسفة و واجب الفلاسفة تبيين الحقائق بحيث يبدو ما تقرره الملة ليس إلا مجرد مثالات لما تقرره الفلسفة .
[]دور الثقافة الشيعية
لاقت محاولة الفارابي لتفسير النشوء في الفلسفة اليونانية والتي كانت مختلفة نوعا ما عن فكرة الخلق قبولا وتعاطفا من قبل الصوفية و الإسماعيليين الذين تمكنوا من تشكيل كيان سياسي لهم في تونس وقاموا بتأسيس الدولة الفاطميةعام 909 والذي كان معارضا للخلافة السنية في بغداد وفي عام 973 إمتد نفوذ الإسماعيليين إلى القاهرة وقاموا ببناء جامع الأزهر .
بدأ الفكر الإسماعيلي بالإقتناع بأن الإمام الشيعي هو بطريقة ما عبارة عن ضل الله في الأرض وكانت هناك قناعة بان الرسول محمد بن عبد الله عهد بالعلم الحقيقي إلى علي بن أبي طالب وسلالته من بعده وتم تسمية هذا العلم المتوارت "النور المحمدي" . كان الفكر الإسماعيلي يعتقد إن الفلسفة تركز فقط على الجانب العقلي والمنطقي في الدين ولاتعير إهتماما إلى الجانب الروحي ولهذا نشأ تيار يركز على فهم المعاني الدفينة للقرآن وسمي هذا العلم علم الباطن وبدلا من استعمال العلم والقياسات لفهم العالم الخارجي استعمل الإسماعيليون تلك الوسائل لفهم التفكير الداخلي الباطني للإنسان
قام الإسماعيليون بدمج بعض الأفكار الزردشتية مع الإفلاطونية المحدثة لتوضيح فكرتهم الفلسفية التي كانت عبارة عن فكرة قديمة نوعا ما ومفاده ان الحياة او الحقيقة او الأعمال اليومية لها وجهان وجه نراه في الحياة الدنيا ووجه خفي يقع في السماوات العلى وعليه وحسب هذا المفهوم فإن اي صلاة او دعاء او زكاة يقوم به الإنسان في هذه الحياة هي في الحقيقة نسخة مشابهة لنفس تلك الفعاليات في السماء العلى مع فرق مهم وهو ان نسخة السماء العلى هي الخالدة وذات ابعاد حقيقية وإن السماء العلى نفسها هي أكثر حقيقية من الحياة الدنيا .
من الجدير بالذكر ان فكرة بعدي الحياة الدنيا و السماء العلى كانت فكرة إيرانية قديمة تركها الفرس عندما إعتنقوا الإسلام ولكن الإسماعيليين أعادوها للحياة ودمجوها مع فكرة النشوء اليونانية وتحليل الفارابي القائلة إن الإنسان بالرغم من منشأه على هذه الأرض فإنه إمتداد لسلسلة من أطوار النشوء التي بدأت من المصدر إلى السماء العلى إلى الكواكب والشمس و القمر وإن الإنسان له القدرة بأن يزيل اتربة هذه التراكمات من النشوء لكي يرجع إلى الخالق الأولي
كانت السماوات العشر التي تفصل الإنسان عن الله حسب المفهوم الإسماعيلي مرتكزة على الرسول محمد و أئمة الشيعة السبع حسب الإسماعيلية (علي ، الحسن ، الحسين ، علي زين العابدين بن الحسين ،محمد الباقر بن علي ،جعفر الصادق بن محمد ، إسماعيل بن جعفر الصادق) ، ففي السماء الأولى كان الرسول محمد وفي السماء الثانية علي بن أبي طالب ، وبعد الأئمة السبع وأخيرا وفي السماء الأقرب إلى الأرض كانت فاطمة ابنة الرسول محمد . وكان هذا بالطبع مخالفا لفكرة أرسطو و تحليل الفارابي لتلك الفكرة حيث كانت الفلسفة اليونانية تؤمن إن هناك "الأول" ومن هذا الأول نشأ "الثاني"الذي إتصف بالذكاء ونتيجة لقدرة الثاني على إستيعاب فكرة الأول نشأ "الثالث" ومن الثالث نشأ "السماء العلى" ومنه نشأت النجوم و الكواكب والشمس والقمر ومنه اتى العاشر والأخير الذي كان بمثابة جسر رابط بين الحياة الدنيا و السماء العلى
[]علم الباطن
تعتبر الباطنية فرقة من فرق الشيعة ويطلق عليه ايضا القرمطية او القرامطة و الإسماعيلية وكانوا يأمنون حسب تعبيرهم ان "لكل ظاهر باطنا والظاهر بمنزلة القشور والباطن بمنزلة اللب المطلوب" ويعتقد ان لفظة الباطنية ظهرت مع ميمون بن ديصان الأحوازي الذي إختاره جعفر الصادق وصيا على حفيده محمد بن إسماعيل
كانت الفكرة الرئيسية لعلم الباطن هو معرفة الأبعاد الخفية للدين وتم التكثيف من استعمال الرموز التي حسب إعتقاد الإسماعيليين أظهرت حقائق عميقة لم يتمكن الحواس اوالمنطق من إدراكها . كانت الوسيلة الرئيسية هي التأويل والذي كان بإعتقادهم سوف يرجع بهم إلى لحظة الوحي بالتالي إلى اللوح المحفوظ . حاول الفيلسوف الفرنسي هينري كوربن (1903 - 1978) توضيح فكرة التأويل حيث كان كوربن مهتما بتاريخ ودور الثقافة الشيعية فقال كوربن ان التأويل يمكن تشبيهه بالتناغم في الموسيقى حيث كان الإسماعيليون يزعمون إنهم قادرون على سماع عدة مستويات عند سماعهم لآية قرآنية وكانوا يحاولون سماع الصدى الفردوسي بالإضافة إلى الكلمات المجردة
طرح المفكر الإسماعيلي أبو يعقوب السجستاني (توفي عام 971) نظريته حول أفضل وسيلة لمعرفة كينونة وماهية الخالق الا وهي وسيلة نفي النفي ، على سبيل المثال يبدأ المرء بالقول إن الله ليس كينونة وإن الله ليس بعالم كل شيء ثم يبدأ المرحلة الثانية وهي نفي هذا النفي بقول ان الله ليس ليس كينونة وإن الله ليس ليس بعالم كل شيء. كانت الفكرة الرئيسية من هذا الطرح هو محاولة إظهار ان اللغة الإنسانية غير قادرة على وصف طبيعة الخالق
بعد السجستاني حاول المفكر الإسماعيلي حميد الدين كرماني (توفي عام 1020) يوضح اهمية إسلوب نفي النفي في بعث الطمأنينة الداخلية إذا تم إستعمالها بحكمة وإنها ليست عبارة عن خداع عقلي بل محاولة لتنوير الباطن . من الجدير بالذكر ان فلسفة نفي النفي يتم إستعمالها بكثافة لحد هذا اليوم وخاصة في مجال البحوث الإحصائية العلمية حيث يبدأ الفرضية عادة بنفي ثم يتم نفي هذا النفي ، على سبيل المثال يبدأ باحث ما بدراسة علاقة التدخين بالسرطان فيبدأ من فرضية انه لاعلاقة بين التدخين و السرطان وتدريجيا من خلال الأرقام و الأحصاءات يتم نفي هذا النفي. كانت لمدرسة الفكر الباطني والفكر الإسماعيلي أعظم الأثر في نشوء حركة إخوان الصفا الفلسفية لاحقا.
[]إخوان الصفا
تحت تأثير الفكر الإسماعيلي إنبثقت جماعة اخوان الصفاء في البصرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري وكانت إهتمامات هذه الجماعة متنوعة وتمتد من العلم و الرياضيات إلى الفلك و السياسة وقاموا بكتابة فلسفتهم عن طريق 52 رسالة مشهورة ذاع صيتها حتى في الأندلس ويعتبر البعض هذه الرسائل بمثابة موسوعة للعلوم الفلسفية ، كان الهدف المعلن من هذه الحركة "التظافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس" للإطلاع على نبذة مختصرة من رسائل إخوان الصفا اقرأ هذا الرابط . من الأسماء المشهورة في هذه الحركة كانت أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو الحسن علي ابن هارون الزنجاني .
تأثرت رسائل إخوان الصفا بالفلسفة اليونانية والفارسية والهندية وكانوا يأخذون من كل مذهب بطرف ولكنهم لم يتأثروا على الإطلاق بفكر الكندي وإشتركت مع فكر الفارابي و الإسماعيليين في نقطة الأصل السماوي للأنفس وعودتها إلى الله وكان فكرتهم عن منشأ الكون يبدأ من الله ثم إلى العقل ثم إلى النفس ثم إلى المادة الأولى ثم الأجسام و الأفلاك و العناصر والمعادن و النبات و الحيوان فكان نفس الإنسان من وجهة نظرهم جزءا من النفس الكلية التي بدورها سترجع إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى البعث الأصغر، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى الله البعث الأكبر . وكان إخوان الصفا على قناعة إن الهدف المشترك بين الأديان و الفلسفات المختلفة هو أن تتشبه النفس بالله بقدر ما يستطيعه الإنسان .
كانت كتابات إخوان الصفا ولاتزال مصدر خلاف بين علماء الاسلام وشمل الجدل التسائل حول الإنتماء المذهبي للجماعة فالبعض إعتبرهم من أتباع المدرسة المعتزلية والبعض الآخر إعتبرهم من نتاج المدرسة الباطنية وذهب البعض الآخر إلى حد وصفهم بالإلحاد و الزندقة ولكن إخوان الصفا أنفسهم قسموا العضوية في حركتهم إلى 4 مراتب :
مَن يملكون صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول وسرعة التصور. ولا يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عامًا؛ ويُسمَّوْن بالأبرار والرحماء، وينتمون إلى طبقة أرباب الصنائع.
مَن يملكون الشفقة والرحمة على الأخوان. وأعضاؤها من عمر ثلاثين فما فوق؛ ويُسمَّوْن بالأخيار الفضلاء، وطبقتهم ذوو السياسات.
مَن يملكون القدرة على دفع العناد والخلاف بالرفق واللطف المؤدِّي إلى إصلاحه. ويمثل هؤلاء القوة الناموسية الواردة بعد بلوغ الإنسان الأربعين من العمر، ويُسمَّوْن بالفضلاء الكرام، وهم الملوك والسلاطين.
المرتبة الأعلى هي التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عيانًا. وهي قوة الملكية الواردة بعد بلوغ الخمسين من العمر، وهي الممهِّدة للصعود إلى ملكوت السماء؛ وإليها ينتمي الأنبياء .
[]كتاب الإشارات لابن سينا
وصلت الفلسفة الإسلامية إلى إحدى قممها على يد ابن سينا (980 - 1037) الذي ولد لعائلة شيعية في إحدى قرى "بخارى" وتأثر منذ صغره بفلسفة الفارابي و الإفلاطونية المحدثة . أدرك ابن سينا إن الفلسفة بحاجة إلى التأقلم مع متغيرات الإمبراطورية الإسلامية الذي أصبح فيه الخليفة بعيدا كل البعد عن صفات قائد المدينة الفاضلة التي دعى إليها أفلاطون وإعتبرها الفارابي مطابقة لصفات الرسول محمد . كان ابن سينا مقتنعا ان الرسول محمد هو أرفع شأنا من الفيلسوف لكونه معتمدا على الإتصال المباشر بالمعرفة الإلهية ولكنه وفي نفس الوقت كان معاديا لفكرة الأيمان الأعمى حيث كان ابن سينا متأثرا بفكر أرسطو بإستعمال العقل و المنطق والأدلة للوصول إلى ماهية الخالق بل إعتبر ابن سينا استعمال هذه الوسائل واجبا على كل مسلم لكي يحرر فكره من الخرافة و الأساطير ومن الجدير بالذكر ان ابن سينا لم يكن عابدا متزهدا حيث ان هناك مصادر تشير إلى وفاته وهو في الثامنة و الخمسين من العمر لإفراطه في شرب النبيذ .
طرح ابن سينا فكرته في الإثبات العقلي على وجود الخالق التي يجب ان تبدأ حسب رأيه بفهم طريقة تفكير الإنسان أولا وأعطى مثال الشجرة لتوضيح فكرته. فالشجرة وحسب مثال ابن سينا تتألف من جذر و جذع و اوراق ولحاء وعندما يحاول الإنسان فهم موضوع معين فيجب عليه تقسيم الموضوع إلى عدة أقسام ثانوية ويتوقف عملية التقسيم هذه لحد التوصل إلى جزء غير قابل للقسمة وسوف يساعد هذه الطريقة حسب رأي ابن سينا في الوصول إلى جوهر المسألة التي قد تم تعقيدها لأسباب خارجية.
كان ابن سينا موافقا لفكر أرسطو بأن الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات وإن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة وأضاف ابن سينا بان إنعدام المحرك الأولي معناه ان الكون كله عبارة عن فوضى ولكن الكون ليس بفوضى وعليه فإن خلقه من الأساس كانت منظمة ورجع ابن سينا إلى فكرة تبسيط الأشياء إلى أجزاءها الأولية البسيطة لغرض فهمها فقال ان الله فكرة الله هي البساطة نفسها حيث ان الفكرة غير قابلة لتقسيم او تفريع أكثر .
قدم ابن سينا طرحه الفكري عن الخلق و النشوء الذي كان مشابها لفكرة الإفلاطونية المحدثة عن الفضاءات العشرة او السماوات العشرة المتسلسلة لنشوء الكون التي تفصل الإنسان عن الله وركز على الطبقة الأخيرة او الجسر الرابط بين الحياة الدنيا و السماء العلى وقال ان هذا الجسر عبارة عن الوحي من جبريل إلى الرسول محمد. في سنواته الأخيرة إنكب ابن سينا على كتابة كتابه المشهور كتاب الإشارات حيث كان هناك في هذا الكتاب توجه واضح وصريح نحو الفلسفة المشرقية وفيه ذكر مصطلح الإشراق وكان لهذا الكتاب أعظم الأثر في نشوء المدرسة الفكرية الإشراقية على يد يحيى السهروردي
[]الغزالي والإسماعيليين
بدأ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (1058 - 1111) التعمق في فائدة التحليل المنطقي و العقلي والفلسفة من الأساس في إثبات او نفي الخالق ، كان الغزالي باحثا من الطراز الرفيع حيث تولى وهو في الرابعة والثلاثين من عمره إدارة المدرسة النظامية في بغداد وكان الهدف الرئيسى للوزير السلجوقي نظام الملك من هذا التعيين هو قيام الغزالي بالتصدي للفكر الإسماعيلي لكن طموح الغزالى لم يتوقف عند هذه الرغبة الضيقة للوزير السلجوقي حيث أن بحثه عن اليقين المطلق عن طبيعة الخالق دفعه إلى التعمق في دراسة جميع المذاهب الفكرية والتوجهات الفلسفية وإنتهى به البحث إلى الإستنتاج إن جميع الفلسفات والمدارس الفكرية السابقة قد فشلت في إثبات وجود الخالق لكون فكرة الخالق غير خاضعة للقياس من الأساس وأعلن في كتابه "تهافت الفلاسفة" فشل الفلسفة في إيجاد جواب لطبيعة الخالق وصرح إن الفلسفة يجب ان تبقى مواضيع إهتماماتها في المسائل القابلة للقياس و الملاحظة مثل الطب و الرياضيات و الفلك وإعتبر الغزالي محاولة الفلاسفة في إدراك شيء غير قابل للإدراك بحواس الإنسان منافيا لمفهوم الفلسفة من الأساس .
كان لتعمق الغزالى في دراسة التيارات الفكرية و الفلسفية السابقة دور سلبي فبدلا من إقترابه نحو اليقين بالخالق زاد إقترابه من الشك وإنتهى به الأمر بالإصابة بمرض الكآبة وترك مهنة التدريس وكان في تلك الفترة من حياته مقتنعا ان الدليل الوحيد للوصول إلى اليقين بشأن وجود الخالق هو ملاقاته وجها لوجه بعد الموت . للخروج من هذه الأزمة بدأ الغزالي تدريجيا يقتنع إن هناك جانبا روحيا غير ملموس في الإنسان لايمكن تجاهله وبغض النظر عن منشأ هذا الجانب فإن هناك فصلا واضحا بين ما أسماه "عالم الشهادة" و"عالم الملكوت" ويقصد به الجزء الظاهر المحسوس والخاضع لقوانين الفيزياء مع الجزء المعنوي الغير الملموس .
إستخلص الغزالى إلى فكرة أنه من المستحيل تطبيق قوانين الجزء المرئي من الإنسان لفهم طبيعة الجزء المعنوي وعليه فإن الوسيلة المثلى لفهم الجانب الروحي يجب ان يتم بوسائل غير فيزيائية وإختار الغزالي طريق التصوف للوصول إلى اليقين بوجود الخالق أثناء الحياة بدلا من الإنتظار إلى مابعد الموت للوصول إلى الحقيقة . يظهر الطابع الصوفي للغزالي جليا في كتابه مشكاة الأنوار من خلال تفسيره للآية 35 من سورة النور والتي تنص على "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" حيث قال الغزالي إن النور المقصود هنا يشير إلى الله والى كل جسم مضيئ آخر مثل المشكاة والنجوم وحتى العقل المستنير لأن ضوء العقل المستنير قادر على عبور حاجز الزمن والفضاء وكان الغزالي يقصد بالعقل المستنير العقل القادر على التخيل و التصور وإدراك إن الجانب الروحي يتطلب نظرة غير حرفية وغير فيزيائية لفهمها .
بهذه النظرة ألغى الغزالى أي دور للفلسفة في إثبات او عدم إثبات وجود الخالق من خلال طرحه الفكري بأنه لايمكن استعمال الفلسفة في الوصول إلى اليقين الذي لايقبل الجدل حول ماهية الله ففكرة الله كانت حسب نظره واقعة خارج نطاق التفكير المنطقي ولكن هذا التصريح الخطير لم تكن نهاية الفلسفة حيث قام ابن رشد من قرطبة بإحياء دور الفلسفة في الوصول إلى معرفة الله حيث إعتبر ابن رشد الفلسفة اعلى مراتب التدين
.
[]مفهوم ابن رشد
من المفارقات التأريخية حول ابن رشد (1126 - 1198) هو إختلاف وجهات النظر حوله بين المسلمين المعاصرين له وبين وجهة نظر الغرب له ، فقد إعتبره الغرب من أهم الفلاسفة المسلمين على الإطلاق حيث ترجمت أعماله إلى اللاتينية و العبرية وأثرت أفكاره بشكل واضح على كتابات على الفلاسفة المسيحيين واليهود ومنهم بالتحديد توماس أكويناس (1225 - 1274) و ألبرت الكبير (1206 - 1280) و موسى بن ميمون (1135 - 1204) و أيرنست رينان (1823 - 1892) بينما لم يلق ابن رشد نفس الإهتمام من المعاصرين له حيث فضل الفيلسوفان المعاصران له ، يحيى السهروردي و مؤيد الدين العربي إتباع منهج ابن سينا بدلا من منهج ابن رشد .
كان ابن رشد متعمقا في الشريعة الإسلامية بحكم منصبه كقاضي إشبيلية وحاول التقريب بين فلسفة أرسطو و العقيدة الإسلامية حيث كان ابن رشد مقتنعا انه لايوجد تناقض على الإطلاق بين الدين و الفلسفة وإن كلاهما يبحثان عن نفس الحقيقة ولكن بإسلوبين مختلفين وقام بالرد على كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي في كتابه المشهور "تهافت التهافت" وأصر على عكس الغزالي على قدرة الفلسفة بإيصال الإنسان إلى اليقين الذي لايقبل الجدل حول ماهية الله .
شدد ابن رشد على نقطة في غاية من الأهمية كانت غائبة عن بال من سبقوه وهي إن الفلسفة و علم الكلام و الصوفية والباطنية وغيرها من التيارات الفكرية تشكل خطرا على الأشخاص الذين ليس لهم القدرة على التفكير الفلسفي وان الشخص الغير المتعمق او الذي يأخذ بقشرة الفكرة سوف يتعرض إلى صراعات نفسية و فكرية تؤدي به إلى الشك و التشتت بدلا من اليقين و التنور .
في محاولة من ابن رشد لتضييق الفجوة بين الدين و الفلسفة طرح ابن رشد فكرته حول أفضل وسيلة لتفسير الدين و الخالق من وجهة نظر فلسفية فقال إن على الفيلسوف القبول ببعض الأفكار الدينية لكي يصبح فعالا في الوصول إلى طبيعة الخالق ومن هذه الأفكار :
وجود الله
وحدانية الله
كون الله فريدا من نوعه
عدالة الله
الحياة بعد الموت
خلق الله للكون
قام ابن رشد بتوضيح فكرته أكثر قائلا ان القرآن على سبيل المثال قد ذكر ان الله قد خلق الكون ولكنه لم يوضح كيف تم هذا الخلق ومتى تم هذا الخلق وبهذا فإن القرآن قد فتح الباب على مصراعيه للفيلسوف بان يستعمل العقل و المنطق للتعمق في هذه النقطة وبهذا إعتبر ابن رشد التحليل الفلسفي لأمور الدين قمة التدين وليس منافيا لمفهوم الدين []
[]العصر الحديث
بعد انتهاء العصر الذهبي للإمبراطورية الإسلامية ، يمكننا ان نقول بشكل عام انه قد ساد نوع من الخمول في الحركة الفكرية و الفلسفية . سادت في المناطق الإسلامية بين معظم الأوساط الدينية فلسفات أكثر ارتباطا بفلسفة الإشراق (السهروردي و محي الدين بن عربي ) و حكمة الماللهن (الملا صدرا ) التي كانت أساسا تشكل الثقافة و العلم للطرق الصوفية التعبدية التي انتشرت بين سائر الناس . ولهذا الحكيم والفيلسوف مدرسة فلسفية وحكمية قائمة بذاتها وهي مدرسة الحكمة الماللهة ومن أهم مميزات هذه المدرسة انها وفقت بين القرآن والعرفان والبرهان.
لكن عودة الاتصال بالغرب بعد بدء الحملات العسكرية الأوروبية على البلدان الإسلامية أعاد من جديد ضرورة التفكير الفلسفي و طرح مفهوم النهضة بين مفكرين كانوا يحاولون الإجابة عن سؤال سبب التخلف .
سؤال التخلف سيسيطر على الساحة الفكرية و سيطرحه بداية بعض رجال الدين مثل : جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و رشيد رضا و شكيب أرسلان و رفاعة الطهطاوي إضافة لمفكرين أكثر علمانية أهمهم : شبلي شميل ، ساطع الحصري . و سيقى هذا السؤال مطروحا بسبب فشل المحاولات التحديثية و التجارب العلمانية للحكومات العربية بعد الاستقلال في تجربة تحديث البلدان العربية و الإسلامية . سيبقى السؤال مطروحا بأساليب مختلفة فمثلا سيؤلف أبو الحسن الندوي كتاب ماذا خسر العالم بتخلف المسلمين ؟ .
لكن كل هذه المحاولات يمكن ان نقول أنها كانت تندرج في إطار الفكر عامة و الفكر السياسي خاصة أكثر منها محاولات فلسفية عميقة ، فأسئلة مثل : ما معنى الوجود و ما هي ماهيته ؟ من النادر أن تبحث فيما تعاني أمة ما من مشكلة وجود حقيقة و مشكلة إثبات ذات .
ربما تكون إحدى المحاولات الفلسفية النادرة لمسلم في العصور الحديثة هي تجربة الشاعر المفكر محمد إقبال الذي صاغ معظم فكره تقريبا بشكل قصائد باللغتين الفارسية و الأردية . إضافة لبعض محاضرات في الفكر السياسي الإسلامي ، و كتاب فريد من نوعه يدعى تجديد الفكر الإسلامي .
ارحمنا ياالله-خفف عنا العذاب يالله أهل جهنم بهذا الدعاء يجأرون إلى الله أن يخفف عنهم العذاب فتستجيب جهنم بنارها المستعره في الحال لكل من دعا إلى الله عز وجل وتخفف وتخفف وتخفف حتى تصبح على الخلق وكأنها يوم صيف حار أهل جهنم كلهم من الرجال وكلهم فوق سن الرشد وليس بيهم من النساء أحد .أهل جهنم في ملابسهم العادية التى كانوا بها على الحياة الدنيايجرون هنا وهناك في جهنم في شوارعها العريضه وفى ميادينها الفسيحة وكلهم ألم وحسره وندم لما فرطوا في حياتهم الدنيا.تنتشر في جهنم أشجار الزقوم وثمارها طعام الاثمين وكما ورد في القران الكريم .-
انهم في فوضى دائمه وحياتهم أشبه ما يكون بحياة الغجر
يمزحون ويقزفون بعضهم ببعض بقطع من النارالملتهب لاتحسبوا رقصاتى بينكم طربا --- فالطير يرقص مذبوحا من الالم
وعندما يعطش أهل جهنم فانهم يشربون من الانهار الموجودة في جهنم ومياهها أشبه بمياه الحمم والبراكين
للموضوع بقية عبد القهار الدردير أحمد عبد المنعم عاشور سوهاج-ساقلته
بدأ الفارابي من من نقطة الإنتقاد الموجهة للرازي وللفلسفة بصورة عامة وكان النقد عبارة عن فائدة الفلسفة في تنظيم الحياة اليومية للإنسان البسيط الذي يرى الفلسفة شيئا بعيدا كل البعد عن مستوى أستيعابه ولايجد في ذلك النوع من المناقشات اي دور عملي ملموس في حياته اليومية . حاول أبو نصر محمد الفارابي (874 - 950) الفيلسوف من تركستان تضييق حجم الفجوة بين المسلم البسيط و الفلسفة ويعتبره البعض رائدا في هذا المجال حيث حاول في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" التطرق إلى القضايا الاجتماعية و السياسية المتعلقة بالإسلام. في كتاب "الجمهورية" طرح أفلاطون فكرة إن المجتمع المثالي يجب ان يكون قائده فيلسوفا يحكم حسب قوانين العقل والمنطق وتبسيطها لتصبح مفهومة من قبل الإنسان البسيط . من هذه الفكرة حاول الفارابي ان يطرح فكرته حول إن الرسول محمد كان بالضبط ما حاول أفلاطون ان يوضحه عن صفات قائد "المجتمع الفاضل" لقدرته حسب تعبير الفارابي من تبسيط اللهم روحية عليا وإيصالها إلى الإنسان البسيط .
بهذه النظرة إبتعد الفارابي كليا عن مفهوم الخالق في الفلسفة اليونانية الذي كان بعيدا كل البعد عن هموم الإنسان البسيط والذي لم يخاطب الإنسان يوما، ولكن الفارابي ضل ملتقيا مع فكر أرسطو في نقطة إن قرار الخلق لم يكن عبثيا ولا متسرعا. استخدم الفارابي فكرة النشوء اليونانية التي كانت تختلف عن فكرة الخلق في الديانات التوحيدية فحسب النظرية اليونانية فإن النشوء يبدأ من كينونة أولية ثابتة ولكن سلسلة النشآت تخضع لقوانين طبيعية بحتة وليست لقوانين دينية او إلهية . حاول الفارابي تطويع هذه الفكرة من النظرة التوحيدية للخلق فقال إن الإنسان بالرغم من منشأه على هذه الأرض فإنه إمتداد لسلسلة من أطوار النشوء التي بدأت من المصدر إلى السماء العلى إلى الكواكب والشمس و القمر وإن الإنسان له القدرة بأن يزيل أتربة هذه التراكمات من النشوء لكي يرجع إلى الخالق الأولي وكان هذا التحليل بالطبع مخالفا لفكرة القرآن عن خلق الإنسان
الكثير من الدراسات تعتبر الفارابي أهم من استطاع إيصال و شرح علوم المنطق بالعربية ، بالمقابل سنجد أن الفارابي كان يشغله هاجس الوحدة و التوحيد في ظل دول و إمارات إسلامية متفرقة في عهد الدولة الحمدانية ، كان الفارابي يتطلع لتوحيد الملة عن طريق توحيد الفكر لذلك سنجده يحاول التوحيد بين الأمة (الشريعة) و الفلسفة في كتاب الحروف و سيحاول ان يجمع بين رأي الحكيمين : أفلاطون و أرسطو في كتاب الجمع بين الحكيمين ، و سنجده أيضا عكس الكندي يحاول أن يدخل العرفان أو الغنوص في منظومته الفكرية فيقبل نظرية العقول السماوية و الفيض لكن العرفان لا يتحقق عند الفارابي بنتيجة النفس و التأمل بل المعرفة و السعادة (الصوفية العرفانية) هي نتيجة المعرفة عن طريق البرهان . و كما في نظرية الإفلاطونية المحدثة : العقل الأول الواجب الوجود لا يحتاج شيئا معه بل يفيض وجوده فيشكل العقل الثاني فالثالث حتى العقل العاشر التي يعطي الهيولى و المادة التي تتشكل منها العناصر الأربعة للطبيعة : الماء و الهواء و النار و التراب . و الدين و الفلسفة يخبراننا الحقيقة الواحدة فالفلسفة تبحث و تقرر الحقائق و الدين هو الخيالات و المثالات التي تتصور في نفوس العامة لما هي عليه الحقيقة ، و كما تتوحد الفلسفة مع الشريعة و الملة كذلك يجب أن تبنى المدينة الفاضلة على غرار تركيب الكون و العالم بحيث تحقق النظام و السعادة للجميع . هذا كان حلم الفارابي المقتبس من فكرة المدينة الفاضلة لأفلاطون .
[]كتاب الحروف
يحتل كتاب الحروف للفارابي أهمية خاصة بين أعماله و يعتبر الكتاب بحثا في الفلسفة الأولى ، إضافة إلى نقاش علماء اللغة و الكلام حول الكثير من الإشكاليات التي كانت تتعلق أساسا بعلاقة اللغة و المنطق و إشكالية اللفظ/المعنى عن طريق محاولة استنتاجية منطقية لتأسيس مفهوم الكلي و تشريع دور المنطق في البيئة الإسلامية التي كانت رافضة لها . يحاول الفارابي بداية شرح كيفية تكون المعرفة بدءا من الإحساس فالتجربة فالتذكر فالفكرة من ثم نشأة العلوم العملية و النظرية . وبين الفكرة و نشأة العلوم يضع الفارابي مرحلة نشوء اللغة : فبعد تولد الفكرة عند الإنسان تأتي الإشارة ثم التصويت (إخراج أصوات معينة) و من تطور الأصوات تنشأ الحروف و الألفاظ (و يختلف النطق حسب الجماعات البشرية و فيزيولوجيتها و بيئتها ) و هكذا تتشكل الألفاظ و الكلمات : المحسوس أولا ثم صورته في الذهن ثم اللفظ المعبر عنه . في مرحلة لاحقة تتكون العبارات و التعابير من دمج الكلمات و الألفاظ لتعبر ليس فقط عن الأسياء بل عن العلاقات التي تربط بينها . الفارابي هنا يستخدم أسلوب برهانيا ليحدد العلاقة بين اللفظ و المعنى و يقرر أسبقية المعنى على اللفظ (مخالف بذلك لمدرسة أهل الكلام الذين يعطون الأسبقية للفظ على المعنى ). و بنفس السياق أيضا يقرر أن نظام الألفاظ (اللغة) هي محاولة لمحاكاة نظام الأفكار (في الذهن) و ما نظام الأفكار في الذهن إلا محاولة لمحاكاة نظام الطبيعة في الخارج من علاقات بين الأشياء الفيزيائية المحسوسة . إضافة إلى ذلك فقد تقرر نتيجة تحليل الفارابي أن هناك نظامين : نظام للألفاظ يحاول محاكاة ترتيب العلاقة بين المعاني في النفس، و نظام آخر مستقل للمفهومات و المعقولات تحاول محاكاة ترتيب الأشياء الحسية في الخارج الفيزيائي . و من هنا ضرورة وجود علمين : علوم اللغة أو علم اللسان الذي يعنى بصر ألفاظ اللغة و علاقاتها مع مدلولاتها و معانيها . و علم المنطق الذي يعنى بترتيب العقل للمفاهيم و طرق الاستنتاج السليم للقضايا من البدهيات أي قواعد التفكير السليم.
يلي ذلك حسب ترتيب الفارابي مرحلة جمع اللغة و صون الألفاظ من الدخيل و الغريب ثم تقنين اللغة عن طريق وضع القواعد التي تضبط طريقة كتابتها و نطقها (نشأة علوم النحو) ، و هكذا تتطور ما يمكن تسميته بالعلوم العامية .
يترافق ذلك مع تطور للعلوم العملية من قياس و تقنية ، و من ثم سيتلو ذلك نشأة العلوم القياسية التي تعرف بالعلوم الطبيعية ، هي العلوم بحق ضمن المفهوم الأرسطي الذي يتبناه الفارابي أيضا أي علوم الرياضيات و المنطق و لأسلوب القياسي الاستنتاجي . فتتميز الطرق الاستدلالية : الخطبية و الجدلية و السفسطائية و الاللهمية (الرياضية) و أخيرا البرهانية و يتضح أن المعرفة اليقينية تنحصر في الطرق البرهانية ، و هكذا تتشكل الفلسفة ليليها بعد الذلك نشأة الشريعة أو الدين أو بمصطلح الفارابي الملة فحسب الفاربي : الفلسفة يجب أن تسبق الملة و ما الملة (الشريعة) إلا وسائل خطبية للجمهور و العوام لنقل الحقائق التي نتوصل لها عن طريق الفلسفة .
لكن في بعض الحالات (و يقصد هنا حالة الأمة الإسلامية) لا تتشكل الفلسفة في مرحلة مبكرة بل يتشكل الدين بشكل مسبق و من هنا يحصل التعارض بين تأويلات الدين و تاوبلات الفلسفة و واجب الفلاسفة تبيين الحقائق بحيث يبدو ما تقرره الملة ليس إلا مجرد مثالات لما تقرره الفلسفة .
[]دور الثقافة الشيعية
لاقت محاولة الفارابي لتفسير النشوء في الفلسفة اليونانية والتي كانت مختلفة نوعا ما عن فكرة الخلق قبولا وتعاطفا من قبل الصوفية و الإسماعيليين الذين تمكنوا من تشكيل كيان سياسي لهم في تونس وقاموا بتأسيس الدولة الفاطميةعام 909 والذي كان معارضا للخلافة السنية في بغداد وفي عام 973 إمتد نفوذ الإسماعيليين إلى القاهرة وقاموا ببناء جامع الأزهر .
بدأ الفكر الإسماعيلي بالإقتناع بأن الإمام الشيعي هو بطريقة ما عبارة عن ضل الله في الأرض وكانت هناك قناعة بان الرسول محمد بن عبد الله عهد بالعلم الحقيقي إلى علي بن أبي طالب وسلالته من بعده وتم تسمية هذا العلم المتوارت "النور المحمدي" . كان الفكر الإسماعيلي يعتقد إن الفلسفة تركز فقط على الجانب العقلي والمنطقي في الدين ولاتعير إهتماما إلى الجانب الروحي ولهذا نشأ تيار يركز على فهم المعاني الدفينة للقرآن وسمي هذا العلم علم الباطن وبدلا من استعمال العلم والقياسات لفهم العالم الخارجي استعمل الإسماعيليون تلك الوسائل لفهم التفكير الداخلي الباطني للإنسان
قام الإسماعيليون بدمج بعض الأفكار الزردشتية مع الإفلاطونية المحدثة لتوضيح فكرتهم الفلسفية التي كانت عبارة عن فكرة قديمة نوعا ما ومفاده ان الحياة او الحقيقة او الأعمال اليومية لها وجهان وجه نراه في الحياة الدنيا ووجه خفي يقع في السماوات العلى وعليه وحسب هذا المفهوم فإن اي صلاة او دعاء او زكاة يقوم به الإنسان في هذه الحياة هي في الحقيقة نسخة مشابهة لنفس تلك الفعاليات في السماء العلى مع فرق مهم وهو ان نسخة السماء العلى هي الخالدة وذات ابعاد حقيقية وإن السماء العلى نفسها هي أكثر حقيقية من الحياة الدنيا .
من الجدير بالذكر ان فكرة بعدي الحياة الدنيا و السماء العلى كانت فكرة إيرانية قديمة تركها الفرس عندما إعتنقوا الإسلام ولكن الإسماعيليين أعادوها للحياة ودمجوها مع فكرة النشوء اليونانية وتحليل الفارابي القائلة إن الإنسان بالرغم من منشأه على هذه الأرض فإنه إمتداد لسلسلة من أطوار النشوء التي بدأت من المصدر إلى السماء العلى إلى الكواكب والشمس و القمر وإن الإنسان له القدرة بأن يزيل اتربة هذه التراكمات من النشوء لكي يرجع إلى الخالق الأولي
كانت السماوات العشر التي تفصل الإنسان عن الله حسب المفهوم الإسماعيلي مرتكزة على الرسول محمد و أئمة الشيعة السبع حسب الإسماعيلية (علي ، الحسن ، الحسين ، علي زين العابدين بن الحسين ،محمد الباقر بن علي ،جعفر الصادق بن محمد ، إسماعيل بن جعفر الصادق) ، ففي السماء الأولى كان الرسول محمد وفي السماء الثانية علي بن أبي طالب ، وبعد الأئمة السبع وأخيرا وفي السماء الأقرب إلى الأرض كانت فاطمة ابنة الرسول محمد . وكان هذا بالطبع مخالفا لفكرة أرسطو و تحليل الفارابي لتلك الفكرة حيث كانت الفلسفة اليونانية تؤمن إن هناك "الأول" ومن هذا الأول نشأ "الثاني"الذي إتصف بالذكاء ونتيجة لقدرة الثاني على إستيعاب فكرة الأول نشأ "الثالث" ومن الثالث نشأ "السماء العلى" ومنه نشأت النجوم و الكواكب والشمس والقمر ومنه اتى العاشر والأخير الذي كان بمثابة جسر رابط بين الحياة الدنيا و السماء العلى
[]علم الباطن
تعتبر الباطنية فرقة من فرق الشيعة ويطلق عليه ايضا القرمطية او القرامطة و الإسماعيلية وكانوا يأمنون حسب تعبيرهم ان "لكل ظاهر باطنا والظاهر بمنزلة القشور والباطن بمنزلة اللب المطلوب" ويعتقد ان لفظة الباطنية ظهرت مع ميمون بن ديصان الأحوازي الذي إختاره جعفر الصادق وصيا على حفيده محمد بن إسماعيل
كانت الفكرة الرئيسية لعلم الباطن هو معرفة الأبعاد الخفية للدين وتم التكثيف من استعمال الرموز التي حسب إعتقاد الإسماعيليين أظهرت حقائق عميقة لم يتمكن الحواس اوالمنطق من إدراكها . كانت الوسيلة الرئيسية هي التأويل والذي كان بإعتقادهم سوف يرجع بهم إلى لحظة الوحي بالتالي إلى اللوح المحفوظ . حاول الفيلسوف الفرنسي هينري كوربن (1903 - 1978) توضيح فكرة التأويل حيث كان كوربن مهتما بتاريخ ودور الثقافة الشيعية فقال كوربن ان التأويل يمكن تشبيهه بالتناغم في الموسيقى حيث كان الإسماعيليون يزعمون إنهم قادرون على سماع عدة مستويات عند سماعهم لآية قرآنية وكانوا يحاولون سماع الصدى الفردوسي بالإضافة إلى الكلمات المجردة
طرح المفكر الإسماعيلي أبو يعقوب السجستاني (توفي عام 971) نظريته حول أفضل وسيلة لمعرفة كينونة وماهية الخالق الا وهي وسيلة نفي النفي ، على سبيل المثال يبدأ المرء بالقول إن الله ليس كينونة وإن الله ليس بعالم كل شيء ثم يبدأ المرحلة الثانية وهي نفي هذا النفي بقول ان الله ليس ليس كينونة وإن الله ليس ليس بعالم كل شيء. كانت الفكرة الرئيسية من هذا الطرح هو محاولة إظهار ان اللغة الإنسانية غير قادرة على وصف طبيعة الخالق
بعد السجستاني حاول المفكر الإسماعيلي حميد الدين كرماني (توفي عام 1020) يوضح اهمية إسلوب نفي النفي في بعث الطمأنينة الداخلية إذا تم إستعمالها بحكمة وإنها ليست عبارة عن خداع عقلي بل محاولة لتنوير الباطن . من الجدير بالذكر ان فلسفة نفي النفي يتم إستعمالها بكثافة لحد هذا اليوم وخاصة في مجال البحوث الإحصائية العلمية حيث يبدأ الفرضية عادة بنفي ثم يتم نفي هذا النفي ، على سبيل المثال يبدأ باحث ما بدراسة علاقة التدخين بالسرطان فيبدأ من فرضية انه لاعلاقة بين التدخين و السرطان وتدريجيا من خلال الأرقام و الأحصاءات يتم نفي هذا النفي. كانت لمدرسة الفكر الباطني والفكر الإسماعيلي أعظم الأثر في نشوء حركة إخوان الصفا الفلسفية لاحقا.
[]إخوان الصفا
تحت تأثير الفكر الإسماعيلي إنبثقت جماعة اخوان الصفاء في البصرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري وكانت إهتمامات هذه الجماعة متنوعة وتمتد من العلم و الرياضيات إلى الفلك و السياسة وقاموا بكتابة فلسفتهم عن طريق 52 رسالة مشهورة ذاع صيتها حتى في الأندلس ويعتبر البعض هذه الرسائل بمثابة موسوعة للعلوم الفلسفية ، كان الهدف المعلن من هذه الحركة "التظافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس" للإطلاع على نبذة مختصرة من رسائل إخوان الصفا اقرأ هذا الرابط . من الأسماء المشهورة في هذه الحركة كانت أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو الحسن علي ابن هارون الزنجاني .
تأثرت رسائل إخوان الصفا بالفلسفة اليونانية والفارسية والهندية وكانوا يأخذون من كل مذهب بطرف ولكنهم لم يتأثروا على الإطلاق بفكر الكندي وإشتركت مع فكر الفارابي و الإسماعيليين في نقطة الأصل السماوي للأنفس وعودتها إلى الله وكان فكرتهم عن منشأ الكون يبدأ من الله ثم إلى العقل ثم إلى النفس ثم إلى المادة الأولى ثم الأجسام و الأفلاك و العناصر والمعادن و النبات و الحيوان فكان نفس الإنسان من وجهة نظرهم جزءا من النفس الكلية التي بدورها سترجع إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى البعث الأصغر، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى الله البعث الأكبر . وكان إخوان الصفا على قناعة إن الهدف المشترك بين الأديان و الفلسفات المختلفة هو أن تتشبه النفس بالله بقدر ما يستطيعه الإنسان .
كانت كتابات إخوان الصفا ولاتزال مصدر خلاف بين علماء الاسلام وشمل الجدل التسائل حول الإنتماء المذهبي للجماعة فالبعض إعتبرهم من أتباع المدرسة المعتزلية والبعض الآخر إعتبرهم من نتاج المدرسة الباطنية وذهب البعض الآخر إلى حد وصفهم بالإلحاد و الزندقة ولكن إخوان الصفا أنفسهم قسموا العضوية في حركتهم إلى 4 مراتب :
مَن يملكون صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول وسرعة التصور. ولا يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عامًا؛ ويُسمَّوْن بالأبرار والرحماء، وينتمون إلى طبقة أرباب الصنائع.
مَن يملكون الشفقة والرحمة على الأخوان. وأعضاؤها من عمر ثلاثين فما فوق؛ ويُسمَّوْن بالأخيار الفضلاء، وطبقتهم ذوو السياسات.
مَن يملكون القدرة على دفع العناد والخلاف بالرفق واللطف المؤدِّي إلى إصلاحه. ويمثل هؤلاء القوة الناموسية الواردة بعد بلوغ الإنسان الأربعين من العمر، ويُسمَّوْن بالفضلاء الكرام، وهم الملوك والسلاطين.
المرتبة الأعلى هي التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عيانًا. وهي قوة الملكية الواردة بعد بلوغ الخمسين من العمر، وهي الممهِّدة للصعود إلى ملكوت السماء؛ وإليها ينتمي الأنبياء .
[]كتاب الإشارات لابن سينا
وصلت الفلسفة الإسلامية إلى إحدى قممها على يد ابن سينا (980 - 1037) الذي ولد لعائلة شيعية في إحدى قرى "بخارى" وتأثر منذ صغره بفلسفة الفارابي و الإفلاطونية المحدثة . أدرك ابن سينا إن الفلسفة بحاجة إلى التأقلم مع متغيرات الإمبراطورية الإسلامية الذي أصبح فيه الخليفة بعيدا كل البعد عن صفات قائد المدينة الفاضلة التي دعى إليها أفلاطون وإعتبرها الفارابي مطابقة لصفات الرسول محمد . كان ابن سينا مقتنعا ان الرسول محمد هو أرفع شأنا من الفيلسوف لكونه معتمدا على الإتصال المباشر بالمعرفة الإلهية ولكنه وفي نفس الوقت كان معاديا لفكرة الأيمان الأعمى حيث كان ابن سينا متأثرا بفكر أرسطو بإستعمال العقل و المنطق والأدلة للوصول إلى ماهية الخالق بل إعتبر ابن سينا استعمال هذه الوسائل واجبا على كل مسلم لكي يحرر فكره من الخرافة و الأساطير ومن الجدير بالذكر ان ابن سينا لم يكن عابدا متزهدا حيث ان هناك مصادر تشير إلى وفاته وهو في الثامنة و الخمسين من العمر لإفراطه في شرب النبيذ .
طرح ابن سينا فكرته في الإثبات العقلي على وجود الخالق التي يجب ان تبدأ حسب رأيه بفهم طريقة تفكير الإنسان أولا وأعطى مثال الشجرة لتوضيح فكرته. فالشجرة وحسب مثال ابن سينا تتألف من جذر و جذع و اوراق ولحاء وعندما يحاول الإنسان فهم موضوع معين فيجب عليه تقسيم الموضوع إلى عدة أقسام ثانوية ويتوقف عملية التقسيم هذه لحد التوصل إلى جزء غير قابل للقسمة وسوف يساعد هذه الطريقة حسب رأي ابن سينا في الوصول إلى جوهر المسألة التي قد تم تعقيدها لأسباب خارجية.
كان ابن سينا موافقا لفكر أرسطو بأن الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات وإن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة وأضاف ابن سينا بان إنعدام المحرك الأولي معناه ان الكون كله عبارة عن فوضى ولكن الكون ليس بفوضى وعليه فإن خلقه من الأساس كانت منظمة ورجع ابن سينا إلى فكرة تبسيط الأشياء إلى أجزاءها الأولية البسيطة لغرض فهمها فقال ان الله فكرة الله هي البساطة نفسها حيث ان الفكرة غير قابلة لتقسيم او تفريع أكثر .
قدم ابن سينا طرحه الفكري عن الخلق و النشوء الذي كان مشابها لفكرة الإفلاطونية المحدثة عن الفضاءات العشرة او السماوات العشرة المتسلسلة لنشوء الكون التي تفصل الإنسان عن الله وركز على الطبقة الأخيرة او الجسر الرابط بين الحياة الدنيا و السماء العلى وقال ان هذا الجسر عبارة عن الوحي من جبريل إلى الرسول محمد. في سنواته الأخيرة إنكب ابن سينا على كتابة كتابه المشهور كتاب الإشارات حيث كان هناك في هذا الكتاب توجه واضح وصريح نحو الفلسفة المشرقية وفيه ذكر مصطلح الإشراق وكان لهذا الكتاب أعظم الأثر في نشوء المدرسة الفكرية الإشراقية على يد يحيى السهروردي
[]الغزالي والإسماعيليين
بدأ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (1058 - 1111) التعمق في فائدة التحليل المنطقي و العقلي والفلسفة من الأساس في إثبات او نفي الخالق ، كان الغزالي باحثا من الطراز الرفيع حيث تولى وهو في الرابعة والثلاثين من عمره إدارة المدرسة النظامية في بغداد وكان الهدف الرئيسى للوزير السلجوقي نظام الملك من هذا التعيين هو قيام الغزالي بالتصدي للفكر الإسماعيلي لكن طموح الغزالى لم يتوقف عند هذه الرغبة الضيقة للوزير السلجوقي حيث أن بحثه عن اليقين المطلق عن طبيعة الخالق دفعه إلى التعمق في دراسة جميع المذاهب الفكرية والتوجهات الفلسفية وإنتهى به البحث إلى الإستنتاج إن جميع الفلسفات والمدارس الفكرية السابقة قد فشلت في إثبات وجود الخالق لكون فكرة الخالق غير خاضعة للقياس من الأساس وأعلن في كتابه "تهافت الفلاسفة" فشل الفلسفة في إيجاد جواب لطبيعة الخالق وصرح إن الفلسفة يجب ان تبقى مواضيع إهتماماتها في المسائل القابلة للقياس و الملاحظة مثل الطب و الرياضيات و الفلك وإعتبر الغزالي محاولة الفلاسفة في إدراك شيء غير قابل للإدراك بحواس الإنسان منافيا لمفهوم الفلسفة من الأساس .
كان لتعمق الغزالى في دراسة التيارات الفكرية و الفلسفية السابقة دور سلبي فبدلا من إقترابه نحو اليقين بالخالق زاد إقترابه من الشك وإنتهى به الأمر بالإصابة بمرض الكآبة وترك مهنة التدريس وكان في تلك الفترة من حياته مقتنعا ان الدليل الوحيد للوصول إلى اليقين بشأن وجود الخالق هو ملاقاته وجها لوجه بعد الموت . للخروج من هذه الأزمة بدأ الغزالي تدريجيا يقتنع إن هناك جانبا روحيا غير ملموس في الإنسان لايمكن تجاهله وبغض النظر عن منشأ هذا الجانب فإن هناك فصلا واضحا بين ما أسماه "عالم الشهادة" و"عالم الملكوت" ويقصد به الجزء الظاهر المحسوس والخاضع لقوانين الفيزياء مع الجزء المعنوي الغير الملموس .
إستخلص الغزالى إلى فكرة أنه من المستحيل تطبيق قوانين الجزء المرئي من الإنسان لفهم طبيعة الجزء المعنوي وعليه فإن الوسيلة المثلى لفهم الجانب الروحي يجب ان يتم بوسائل غير فيزيائية وإختار الغزالي طريق التصوف للوصول إلى اليقين بوجود الخالق أثناء الحياة بدلا من الإنتظار إلى مابعد الموت للوصول إلى الحقيقة . يظهر الطابع الصوفي للغزالي جليا في كتابه مشكاة الأنوار من خلال تفسيره للآية 35 من سورة النور والتي تنص على "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" حيث قال الغزالي إن النور المقصود هنا يشير إلى الله والى كل جسم مضيئ آخر مثل المشكاة والنجوم وحتى العقل المستنير لأن ضوء العقل المستنير قادر على عبور حاجز الزمن والفضاء وكان الغزالي يقصد بالعقل المستنير العقل القادر على التخيل و التصور وإدراك إن الجانب الروحي يتطلب نظرة غير حرفية وغير فيزيائية لفهمها .
بهذه النظرة ألغى الغزالى أي دور للفلسفة في إثبات او عدم إثبات وجود الخالق من خلال طرحه الفكري بأنه لايمكن استعمال الفلسفة في الوصول إلى اليقين الذي لايقبل الجدل حول ماهية الله ففكرة الله كانت حسب نظره واقعة خارج نطاق التفكير المنطقي ولكن هذا التصريح الخطير لم تكن نهاية الفلسفة حيث قام ابن رشد من قرطبة بإحياء دور الفلسفة في الوصول إلى معرفة الله حيث إعتبر ابن رشد الفلسفة اعلى مراتب التدين
.
[]مفهوم ابن رشد
من المفارقات التأريخية حول ابن رشد (1126 - 1198) هو إختلاف وجهات النظر حوله بين المسلمين المعاصرين له وبين وجهة نظر الغرب له ، فقد إعتبره الغرب من أهم الفلاسفة المسلمين على الإطلاق حيث ترجمت أعماله إلى اللاتينية و العبرية وأثرت أفكاره بشكل واضح على كتابات على الفلاسفة المسيحيين واليهود ومنهم بالتحديد توماس أكويناس (1225 - 1274) و ألبرت الكبير (1206 - 1280) و موسى بن ميمون (1135 - 1204) و أيرنست رينان (1823 - 1892) بينما لم يلق ابن رشد نفس الإهتمام من المعاصرين له حيث فضل الفيلسوفان المعاصران له ، يحيى السهروردي و مؤيد الدين العربي إتباع منهج ابن سينا بدلا من منهج ابن رشد .
كان ابن رشد متعمقا في الشريعة الإسلامية بحكم منصبه كقاضي إشبيلية وحاول التقريب بين فلسفة أرسطو و العقيدة الإسلامية حيث كان ابن رشد مقتنعا انه لايوجد تناقض على الإطلاق بين الدين و الفلسفة وإن كلاهما يبحثان عن نفس الحقيقة ولكن بإسلوبين مختلفين وقام بالرد على كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي في كتابه المشهور "تهافت التهافت" وأصر على عكس الغزالي على قدرة الفلسفة بإيصال الإنسان إلى اليقين الذي لايقبل الجدل حول ماهية الله .
شدد ابن رشد على نقطة في غاية من الأهمية كانت غائبة عن بال من سبقوه وهي إن الفلسفة و علم الكلام و الصوفية والباطنية وغيرها من التيارات الفكرية تشكل خطرا على الأشخاص الذين ليس لهم القدرة على التفكير الفلسفي وان الشخص الغير المتعمق او الذي يأخذ بقشرة الفكرة سوف يتعرض إلى صراعات نفسية و فكرية تؤدي به إلى الشك و التشتت بدلا من اليقين و التنور .
في محاولة من ابن رشد لتضييق الفجوة بين الدين و الفلسفة طرح ابن رشد فكرته حول أفضل وسيلة لتفسير الدين و الخالق من وجهة نظر فلسفية فقال إن على الفيلسوف القبول ببعض الأفكار الدينية لكي يصبح فعالا في الوصول إلى طبيعة الخالق ومن هذه الأفكار :
وجود الله
وحدانية الله
كون الله فريدا من نوعه
عدالة الله
الحياة بعد الموت
خلق الله للكون
قام ابن رشد بتوضيح فكرته أكثر قائلا ان القرآن على سبيل المثال قد ذكر ان الله قد خلق الكون ولكنه لم يوضح كيف تم هذا الخلق ومتى تم هذا الخلق وبهذا فإن القرآن قد فتح الباب على مصراعيه للفيلسوف بان يستعمل العقل و المنطق للتعمق في هذه النقطة وبهذا إعتبر ابن رشد التحليل الفلسفي لأمور الدين قمة التدين وليس منافيا لمفهوم الدين []
[]العصر الحديث
بعد انتهاء العصر الذهبي للإمبراطورية الإسلامية ، يمكننا ان نقول بشكل عام انه قد ساد نوع من الخمول في الحركة الفكرية و الفلسفية . سادت في المناطق الإسلامية بين معظم الأوساط الدينية فلسفات أكثر ارتباطا بفلسفة الإشراق (السهروردي و محي الدين بن عربي ) و حكمة الماللهن (الملا صدرا ) التي كانت أساسا تشكل الثقافة و العلم للطرق الصوفية التعبدية التي انتشرت بين سائر الناس . ولهذا الحكيم والفيلسوف مدرسة فلسفية وحكمية قائمة بذاتها وهي مدرسة الحكمة الماللهة ومن أهم مميزات هذه المدرسة انها وفقت بين القرآن والعرفان والبرهان.
لكن عودة الاتصال بالغرب بعد بدء الحملات العسكرية الأوروبية على البلدان الإسلامية أعاد من جديد ضرورة التفكير الفلسفي و طرح مفهوم النهضة بين مفكرين كانوا يحاولون الإجابة عن سؤال سبب التخلف .
سؤال التخلف سيسيطر على الساحة الفكرية و سيطرحه بداية بعض رجال الدين مثل : جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و رشيد رضا و شكيب أرسلان و رفاعة الطهطاوي إضافة لمفكرين أكثر علمانية أهمهم : شبلي شميل ، ساطع الحصري . و سيقى هذا السؤال مطروحا بسبب فشل المحاولات التحديثية و التجارب العلمانية للحكومات العربية بعد الاستقلال في تجربة تحديث البلدان العربية و الإسلامية . سيبقى السؤال مطروحا بأساليب مختلفة فمثلا سيؤلف أبو الحسن الندوي كتاب ماذا خسر العالم بتخلف المسلمين ؟ .
لكن كل هذه المحاولات يمكن ان نقول أنها كانت تندرج في إطار الفكر عامة و الفكر السياسي خاصة أكثر منها محاولات فلسفية عميقة ، فأسئلة مثل : ما معنى الوجود و ما هي ماهيته ؟ من النادر أن تبحث فيما تعاني أمة ما من مشكلة وجود حقيقة و مشكلة إثبات ذات .
ربما تكون إحدى المحاولات الفلسفية النادرة لمسلم في العصور الحديثة هي تجربة الشاعر المفكر محمد إقبال الذي صاغ معظم فكره تقريبا بشكل قصائد باللغتين الفارسية و الأردية . إضافة لبعض محاضرات في الفكر السياسي الإسلامي ، و كتاب فريد من نوعه يدعى تجديد الفكر الإسلامي .
ارحمنا ياالله-خفف عنا العذاب يالله أهل جهنم بهذا الدعاء يجأرون إلى الله أن يخفف عنهم العذاب فتستجيب جهنم بنارها المستعره في الحال لكل من دعا إلى الله عز وجل وتخفف وتخفف وتخفف حتى تصبح على الخلق وكأنها يوم صيف حار أهل جهنم كلهم من الرجال وكلهم فوق سن الرشد وليس بيهم من النساء أحد .أهل جهنم في ملابسهم العادية التى كانوا بها على الحياة الدنيايجرون هنا وهناك في جهنم في شوارعها العريضه وفى ميادينها الفسيحة وكلهم ألم وحسره وندم لما فرطوا في حياتهم الدنيا.تنتشر في جهنم أشجار الزقوم وثمارها طعام الاثمين وكما ورد في القران الكريم .-
انهم في فوضى دائمه وحياتهم أشبه ما يكون بحياة الغجر
يمزحون ويقزفون بعضهم ببعض بقطع من النارالملتهب لاتحسبوا رقصاتى بينكم طربا --- فالطير يرقص مذبوحا من الالم
وعندما يعطش أهل جهنم فانهم يشربون من الانهار الموجودة في جهنم ومياهها أشبه بمياه الحمم والبراكين
للموضوع بقية عبد القهار الدردير أحمد عبد المنعم عاشور سوهاج-ساقلته