إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

العوامل التاريخية والعقائدية عند الشيعة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العوامل التاريخية والعقائدية عند الشيعة

    أولاً ـ التشيع رؤية وسلوك:

    ان التشيع في تصور الكثير من الناس هو مذهب فقهي يقابل المذاهب الفقهية الاسلامية، او مذهب كلامي رديف لمذهب المعتزلة والاشاعرة، او هو موقف سياسي ناتج عن الاراء العائدة الى الخلافة الاسلامية بعد رسول الله (ص).
    والحقيقة ان التشيع هو رؤية وسلوك إسلاميين بيّنهما الائمة من آل البيت واتباعهم، يتجاوز في أبعاده الإجتهادات الفقهية أو الآراء الكلامية والمواقف السياسية، وإن كانت هذه الأبعاد من نتائج تلك الرؤية والسلوك.
    وأول من لفظ كلمة التشيع واستعملها هو الرسول الاكرم حيث قال: " يا علي ستدخل أنت وشيعتك على الله راضيين مرضين ". وكان شيعة علي في عصر الرسول كبار أصحاب الرسول من بينهم فاطمة بنت الرسول وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وغيرهم.
    وبإمكاننا أن نخص الرؤية هذه بالرؤية الملتزمة المتطورة التي اصبحت في ما بعد مبدأ الاجتهاد في الدور الديني. كما يمكن تفسير السلوك المشار إليه بأنه التفاني في سبيل خدمة الأمة وتحمل الشقاء وبذل التضحيات دون الجنوح نحو الفئوية والاستئثار.
    وبذلك نتمكن ان نعتبر التشيع لعلي في ينابيعه هو رؤية الطليعة المناضلة وسلوك الرواد، وبتعبير آخر انه محاولة الاحتفاظ بالاسلام بوصفه حركة لا مؤسسة ذات مصالح ومنافع ذاتية.
    وقد برز بعد وفاة الرسول موقف محدد من علي وشيعته وهو أنهم أصروا على ضرورة تعيين خليفة الرسول بالنص الديني لا بالاختيار والتعيين، واعتبروا أن هذه المهمة؛ وهي بناء المجتمع الجديد على ضوء القيم والمفاهيم الاسلامية والذي بدأ ببنائه الرسول نفسه، إن هذه المهمة تبلغ من الدقة درجة لا يمكن تفويضها إلى الناس وهم في بداية إسلامهم. ذلك لأن تطبيق المبادىء للمرة الاولى بصورة يسمو على المصالح الذاتية وعلى الآراء المختلفة، هو مسألة بالغة الخطورة والتأثير على واقع الاسلام وعلى التاريخ.
    سيما وأن الرسول قد أعلن عند عودته من حجة الوداع وفي مكان الجحفة، مفترق طرق الحجاج، وفي اليوم الثامن عشرمن ذي الحجة، أعلن عن ولاية علي بعد أن بلغ الامة بقرب وفاته وبعد ان اشهدهم على ولايته التي وردت في القرآن في الآية: " النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم ". [ الأحزاب /6 ].
    وبالرغم من هذا الموقف الأساسي فإن عليا وشيعته بعد الإعلان عن موقفهم لاحظوا خطورة الوضع وحداثة عهد الناس بالاسلام وإمكانية إنفجار المجتمع الجديد فوقفوا مع الخلفاء مؤيدين، ناصحين، مدافعين عن النظام، وأمدوا الأمة بما كان عندهم من روايات نبوية، واجتهادات ومواقف، وكانوا في صميم المجتمع الاسلامي غير منفصلين ولا متربصين ولا شامتين، حتى أصبح القول المأثور عن أحد الخلفاء الراشدين " لاأبقاني الله لمعضلة وليس أبو الحسن " أصبح مثلا.
    وإستمر الائمة من آل البيت في هذا الخط يصونون الاسلام بمواقفهم التي كانت تتنوع حسب مواقف الخلفاء وحسب استجابة الأمة. فالحسن بن علي الذي صالح معاوية، وعلي بن الحسين، الملقب بالسجاد وهو الامام الرابع من ائمة الشيعة، لم يستمرا في الثورة المسلحة بل كانا يعلنان عن الأحكام الإسلامية وعن الإنحرافات الرسمية بأساليب هادفة، تربوية، ودعائية وغيرها، وكانا يحافظان على الإسلام ويحميانه.
    أما الحسين بن علي فقد خرج ثائرا لكي يدين الانحرافات الخطيرة التي كان يمارسها يزيد بن معاوية، والتي كانت تهدد الكيان وتشوه حقائق الاسلام.

    وكانت الظروف ملائمة للتوعية والتعليم وتربية المجتهدين وتطوير الفكر الاسلامي في أواخر القرن الأول الهجري إلى أواسط القرن الثاني مجالا رحبا للصادقين، الإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق، حيث كان الخلفاء الأمويون ملتهين بمشاكلهم الداخلية وبصراعهم مع العباسيين، وحيث التقى المجتمع الاسلامي بالمجتمعات الأخرى فوجد نفسه أمام آلاف من الأسئلة والمواضيع الجديدة، وكان بحاجة ملحة إلى قيادة فكرية أصيلة متطورة.
    والتعاليم التي حفظت عن الإمامين والتي جعلت الصفة التابعة للشيعة بالجعفريين ليست مختصة بالفقه بل إنها تشمل طريقة فهم القرآن والأصالة والإيديولوجية في المسائل الأصولية أمام التيارات الفكرية التي تأثرت بالفكر الإغريقي أو غيره، كما أنها تحتوي على التوجيه العلمي في مختلف الحقول، وعلى الإنفتاح تجاه الثقافات مع حفظ الأصالة. وقضى موسى بن جعفر حياته بين نفي وسجن واضطهاد ولكنه بقي ينصح ويطرح الصورة الصحيحة للاسلام تماما" مثل إبنيه الرضا والجواد اللذين عاشا مضطهدين بالقرب من الخلفاء، ومثل حفيديه الهادي والعسكري اللذين بقيا سنين مسجونين في ثكنة العسكر.

    ثانياً ـ الشيعة طليعة الأمة لا فئوية ولا مذهبية:

    وفي جميع الروايات الواردة عن الباقر والصادق وعن غيرهما من الائمة الاثني عشر تشكل كلماتهم وسرهم مصدرا واسعا من مصادر التشيع يظهر الإلتزام الإسلامي العام وأن ما يقولونه مروي عن الرسول، ولا يشعر الباحث عنها إطلاقا، برائحة الفئوية المذهبية والإنفصال عن الأمة، بل أنهم كثيرا ما كانوا ينتقدون موقف بعض القادة من خلفاء وعلماء بسبب التفرد وعدم الإنسجام مع ما ورد في الكتاب والسنة.
    أما علماء الشيعة المجتهدون والإختصاصيون في مختلف العلوم الإسلامية فإنهم كانوا يبذلون قصارى جهدهم لكي ينقلوا بأمانة ما ورد في تفسير القرآن والسنة، وما نقل اليهم من تعاليم الائمة الاثني ويرفضون الإجتهاد في مقابل النص، بل يجتهدون ضمن الاطار العام للاحكام والمبادىء الاسلامية.
    وقد رفض السيد " الرضي " قدس الله سره، ـ الرضي والمرتضى أخوان من كبار العلماء ـ أحد كبار علماء الشيعة في أواسط القرن الرابع، رفض اعتماد ركن خاص بالمذهب في الكعبة أو في المسجد الحرام عندما تقرر تحديد أماكن خاصة للمذاهب الأربعة الأخرى هناك. رفض السيد ذلك رغم مكانته الكبيرة وقربه من الحاكم. فالحاكم كان يريد تصنيف المذاهب الإسلامية. نحن الآن لا نشاهد ذلك ولكن سابقا كان هناك محراب يسمى المحراب المالكي، المحراب الشافعي، المحراب الحنفي، والمحراب الحنبلي، وكان أئمة المذاهب يصلون هناك. إذا"، طلب من " الرضي " ان يقام محراب باسم المحراب الجعفري فرفض.
    الآن، أنا أسمع كثيرا من الخطباء الشيعة يقولون أن السبب يعود إلى عدم توفر المبلغ المطلوب، اذ دفع السيد الرضي النصف وطلب النصف الآخر من أغنياء الشيعة فخذلوه، ولو كانوا قد دفعوا لكان المذهب الشيعي الآن مذهبا رسميا. هذا الإدعاء في رأينا غير وارد، فالسيد الرضي لا يوضع في نفس المكان مع الآخرين الذين يكرسون المذهبية الفعلية. الاسلام واحد ونحن روايتنا إسلام، فكتب الحديث المعتمدة عند الشيعة مليئة بالنقل عن صحابة النبي وعن كبار رواة المذاهب الأخرى مشروطا بالوثوق والدقة في النقل.
    هذا هو الخط الأساس عند الشيعة خلال التاريخ الطويل ورغم ما عانوه من مصاعب قل أن عاناها غيرهم في العالم.
    إذا"، مهما فعلوا بنا كشيعة نحن في خدمة المسلمين جميعا، لسنا فئويين، فنحن طليعة المسلمين، نموت لأجل الجميع وليس لأجلنا نحن ـ هذا هو السلوك التاريخي الشيعي. هكذا انا افهم التشيع. اما مذهب لهذا او فئة لهذا لها مصالح وتنظيمات خاصة فليس هناك شيء من هذا. هذا التاريخ، هذا الملهم لنا في حركة المحرومين.
    من الطبيعي أن يكون هناك مواقف وآراء تختلف عن هذا الخط العام سيما بعد القرن العاشر الهجري ـ عصر الانحطاط. كثير من الكتب والخطب والمواقف والعادات عند الشيعة كان في مقام رد فعل والرد العاطفي على الاضطهاد العنيف الذي كان يمارس ضدهم.
    اليوم يؤخذ علينا كشيعة أن لماذا نسب الخلفاء، نسب أصحاب الرسول.
    نقول لهم أن السب ليس جزءا من مذهبنا، إنه مرفوض: الامام علي (ع) سمع جماعة من جيشه يسبون " معاوية " فقال لهم: لا أحبكم قوما سبابين.
    السب مرفوض. المذهب الشيعي يرفض سب الخلفاء والاصحاب ولعنهم. ولكن تفسير ما حصل هو ان هذا كان ردا لان معاوية فرض على جميع خطباء الجمعة في العالم ان يلعنوا علي بن ابي طالب على المنابر يوم الجمعة، والصيغة معروفة فكانوا يقولون: اللهم إن أبا تراب قد ألحد في دينك فالعنه لعنا وبيلا.
    عمر بن عبد العزيز حذف الفقرة ووضع مكانها: ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر. وهذا حتى الان موجود.
    إذا"، تفسير ان اجدادنا كانوا يسبون يعود الى أن الشيعة تعرضوا للضغط، الدفاع كان بحاجة الى بارود والسب كان بمثابة البارود، هذه كانت " شوكة " الشيعة في التاريخ وليس جزءا من المذهب. وعند اللحظة التي تتفهم الامة هذا الواقع فبإمكان علماء الدين أن يحرموها إذ ليست جزءا من الدين أبدا.
    والسؤال لماذا هذه الضغوط على الشيعة؟

    السبب الأساسي لهذه الضغوط الرسمية على الشيعة في التاريخ، هو ان الشيعة كانوا اقلية خطرة، اقلية عقائدية تعتمد على رؤية إيديولوجية لا تقر بالولاء للخلافة وكان الشيعة يعتبرون أن التعاون مع الحاكم ذل وظلمة ولذلك نجد تعاليم الأئمة وفتاوى الفقهاء مليئة بالإعلان عن مواقف صريحة تجاه الحكم المنحرف والظالم وإن الواجب التصدي له بصورة لا تعرض الأمة للخطر. وهذا كان يشكل خطراً على الأنظمة، ولذلك قتلوهم، سبوهم، نفوهم، حبسوهم، أفقروهم، وشوهوا طريقهم وتاريخهم. وحتى اليوم، في القرن العشرين، وأينما توجهت في العالم العربي يبادرون الشيعة بالقول: انتم تسبون الخلفاء، انتم تؤلهون آل البيت... طبعا، هذا تشويه عقائدي في التاريخ، ونريد أن نوضح هذا الأساس.

  • #2
    ثالثاً ـ مواصفات التشيع:

    إذا"، التشيع رؤية إسلامية صافية، وسلوك اسلامي صاف يجعلان من الشيعة طليعة الأمة. وإذا كان المطلوب أن يسمى التشيع مذهبا، فإن المطلوب أيضا" أن نعطي كلمة " المذهب " حجمه الحقيقي
    ماذا يعني مذهب؟ يعني " طريق ".
    " مذهب " مفعل من ذهب، ويذهب. مذهب اسم مكان، مكان الذهاب. إذا"، التشيع مذهب للطريق ـ طريق الاسلام. الاساس والدين هو الاسلام، وعند ذلك فإننا نقدر أن نذكر المواصفات العامة له في النقاط التالية:

    1 ـ الولاية:

    لقد ذكرنا أن الرسول كان له دور الرسالة: إبلاغ أحكام الله، ودور الولاية: تنفيذ أحكام الله. هذا الدور أنيط بـ " علي " الذي كان يضطلع به وكان يسعى لاقامة حكم صالح هذا مفهوم الولاية في الفترة الأولى من تاريخ الأمة. أما الآن فإن مفهومها هو السعي لإقامة حكم صالح من أجل بناء مجتمع صالح، حكم يكون في الخط الذي سار عليه علي. ونذكر في هذه المحاضرة نماذج من كلمات الإمام: " ألا وإن إمامكم قد ارتضى من دنياكم بطمريه ومن طعامه بقرصيه " وأمثال ذلك. فالمطلوب التوجه نحو سلوكه الذي حدد مفهومه للحاكم ومسؤوليته بقوله: أأقنع من نفسي أن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟
    إذا"، الميزة الاولى: الولاية.

    2 ـ النزاهة التامة في القائد الامام:

    عند الشيعة، الامام الذي هو مصدر الشريعة، معصوم. والقاضي والمجتهد وإمام الجماعة والبلد والشاهد يجب أن يكونوا عدولا. أما الحاكم فيجب أن يكون في درجة عالية من العدالة. والناس جميعا مدعوون لأن يبلغوا درجة التقوى.

    3 ـ مسؤولية القائد لا حدود لها:

    هذه المسؤولية تبدأ برعاية مصالح الناس بدقة متناهية حتى أنه اذا كان في مركز السلطة يجب عليه أن يعيش في مستوى أقل من أفراد شعبه كما يقول علي: " أأبيت مبطانا وحولي بطون غرثى واكباد حرى ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع ". وقد سبق ما يؤكد هذا الامر.
    المسؤولية تبدأ بالرعاية عندما يكون القائد في مركز السلطة، وإلا فعليه صيانة مصالح الناس بالتضحية والاصرار وبمختلف وسائل الضغط حتى يبلغ درجة التضحية والاستشهاد. والمبدأ الثابت ينفي إسلام من لم يهتم بشؤون الأمة الحياتية فالرسول يقول: " من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ".
    هذه المسؤولية لا تختص بمن يسمى قائدا ولخدمة الآخرين بل ان الانسان مسؤول بمقدار وعيه وحسب امكاناته: " كلكم راع وكلكم مسؤول ".
    ان مسؤولية الواعي من الشعب او حسب المصطلح، مسؤولية المثقفين، مسؤولية الكوادر تصحيح أوضاع الناس.

    4 ـ مصادر اكتشاف الاسلام وأحكامه: مصادر التشريع هي: القرآن، وسنة النبي التي هي قوله وسلوكه وإقراره، والإجماع والعقل.
    هذه المبادىء الأربعة مشتركة في أساسها بين المسلمين عامة. فما هي الفروق؟
    يمتاز التشيع باعتماد أحاديث الأئمة المعصومين من آل البيت، مقابل اعتماد الصحابة على أحاديث وأقوال لأصحاب الرسول جميعا.
    إذا"، كيف نفهم أن هذا حلال وهذا حرام، هذا واجب، هذا صحيح، هذا باطل..؟ مصادر التشريع التي هي القرآن والسنة والعقل والاجماع هي متفق عليها بين كل المسلمين. في حين أن الشيعة: بالإضافة إلى ذلك، يقولون: أقوال الأئمة، وإن السنة يقولون: أقوال الصحابة
    ورغم تداخل هذا المصدر لأن قسما كبيرا من الصحابة نحن نعمل بقولهم وهم يعملون بقسم من اقوال الائمة، فإن وجود الائمة في الأجيال المتعاقبة. ـ اثني عشر جيلا ـ ساهم مساهمة كبرى في إغناء المصادر وتقديم التجارب في الفترات الثقافية والعقائدية الصعبة الدقيقة.
    كما ذكرنا، المجتمع الاسلامي بدأ يتوسع: الحضارات العالمية والثقافات العالمية من اليونان والاسكندرية والعراق، وايران،.. دخلت المجتمع الاسلامي وهنا حصل التفاعل وكان لا بد من قيادة ثقافية. وقد نتج عن هذا الامر بقاء باب الاجتهاد مفتوحا لدى الشيعة. بينما بقاؤه كذلك لدى المسلمين الاخرين، بدليل قلة المصادر، كان يشكل خطرا كبيرا. فالصحابة عاشوا جيلين فقط، وغابوا عند الحاجة القصوى، اي عندما التقى المجتمع الاسلامي بالمجتمعات الاخرى ذات الثقافات والحضارات العريقة، وعندما وجد الانسان المسلم نفسه امام الاسئلة والمواضيع الجديدة، وعلى رغم المواضيع الجديدة، الشيعة كان عندهم ائمة، اي ان المصدر موجود.
    اما عند غير الشيعة فالامام غير موجود والصحابة ماتوا فهم من جيل واحد كلهم، فما العمل؟ اعتمدوا القياس: حكم شبيه بحكم، موضوع شبيه بموضوع. استعملوه، وانتهى القياس فاعتمدوا المصالح المرسلة، ومع ذلك بقيت الحاجة الى اكتشاف الحكم تفرض على المجتهدين ما يصلح للتشريع. اي ان الحكم صار مثل التشريع، يعني ان العالم الديني اصبح مثل مجلس النواب يشرع اذ لم يكن هناك اكتشاف لحكم اسلامي فبرز الخطر عند الانقسام الشديد والتباين في الافكار فارتأى القادة سد هذا الباب فترة طويلة، فانسد باب الاجتهاد عند الاخرين، بينما بقي مفتوحا عند الشيعة، حتى العصور المتأخرة حيث إنفتحت أبواب الاجتهاد تدريجيا.

    5 ـ الانفتاح:

    يبقى بعض المعالم الاخرى في القسم الاخير من حديثنا، ولا بد من التأكيد ان الاجتهاد، وان كان مختصا في الفقه وفي فهم الاحاديث واستنباط الاحكام الا انه القى ظلالا واسعة على مختلف الشؤون الاسلامية عند الشيعة، وخلق ميزات حضارية معينة من جملتها مبدأ الانفتاح على المذاهب والاديان الاخرى، والشيعة يملكون في تراثهم شواهد كثيرة لذلك.

    6 ـ رفض الحاكم الجائر:

    وقد اثر مبدأ الولاية في رفض التشيع للحكام وللانظمة شبه الإسلامية، ويالتالي، في اعلان مواقفهم من الحكام وفي عدم الارتباط معهم وفي عدم الذوبان في الانظمة حتى في قضايا التمويل والموازنات. في البلاد الاسلامية الاخرى ترى ان الازهر او المؤسسات الدينية الاخرى جزء من النظام، الرئيس ينتخب بناء على اقتراح. الجهاز جزء من النظام.
    بينما علماء الشيعة لم يكونوا ابدا جزءا من النظام خلال هذه الفترة ـ هذه الامور لها تأثير فيما نريد ان نبحث فيه بالنسبة لولادة الحركة ـ واعتمدوا في ادارة مؤسساتهم على الاوقاف قبل وضع يد الدول عليها وعلى الحقوق الشرعية ولم يسمحوا باعتبارها من الضرائب المقدمة الى الحاكم الاسلامي. فلذلك، ترى ان الشيعي يدفع الضريبة مرتين: سهم السادة وسهم الامام، والزكاة، والضريبة العامة التي يعطيها للدولة من حقوقه، وهذا بدوره ساعد في بقاء التشيع حركة لا مؤسسة الى وقت طويل. طبعا، في بعض البلاد، وفي بعض الازمان، صارت مؤسسة. ونحن عندما نرفض الحكام ليس لانهم غير شيعة وحتى لو كان شيعيا، فيجب ان يكون حكمه منطبقا على المبادىء العامة.

    7 ـ الانتظار للمهدي:

    لا بد من اضافة مبدأ الانتظار للمهدي ( عج ). انتظار المهدي المنتظر الامام الثاني عشر، من معالم ومواصفات هذا المذهب. وهذا المبدأ كان ينعكس على الناس باساس التهيؤ الدائم والامل الدائم والاستعداد، وهذان وحدهما حفظا التشيع في عصور الاضطهاد القاسي.
    والمعروف ان الشيعة الامامية يعتقدون: ان الامام الثاني عشر وهو احد الائمة من آل البيت ومن نسل علي وفاطمة واسمه محمد وكنيته ابو القاسم سيظهر، وانه يملاء الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.
    ان المهدي هو الذي سيقود الناس الى المجتمع المثالي الذي يسود فيه العدل التام وتتوفر فيه الفرص للجميع وليس فيه مكان للظلم بأنواعه وللجهل والباطل.
    وانتظار الظهور بمعنى التهيؤ والامل واجب مذهبي لدى الشيعة.

    8 ـ التقليد:

    وبعد حصول الغيبة الكبرى، أي عصر انقطاع الامة عن الائمة المعصومين، صدرت الاوامر المطاعة من الائمة بان واجب الناس الرجوع في كافة شؤونهم الدينية وفي المسائل المستحدثة الى الفقهاء المجتهدين العدول او حسب تعبير النص " من الفقهاء من كان صائنا لنفسه حافظا لدينه عاصيا لهواه مطيعا لأمر مولاه ".
    وأصبح التقليد، أي متابعة المجتهد العادل في كافة الشؤون الحياتية أي في معرفة أحكامها، واجبا من واجبات الشيعي المكلف.
    ويمكن ان يختار الانسان المؤمن طريق الاجتهاد الذي هو رغم مشقته مفتوح لكل شخص، وعند ذلك عليه ان يدرس ويتخصص في العلوم الاسلامية التي تمكنه من استنباط الاحكام من مصادرها التي اشرنا اليها.

    9 ـ تاريخ وابناء:

    وقبل ان ننهي المواصفات العامة للمذهب الشيعي، علينا ان نقف امام تاريخ هذا المذهب وابنائه حيث انه ايضا بحد ذاته يكمل الصورة المطلوبة:

    انه تاريخ مليء بالاضطهاد والضغوط المتنوعة من قبل السلطات، وكان من ابشع انواعها وأشدها خطرا على الاسلام هي حملة التشويه الشاملة التي تعرضت الشيعة لها، والتي فرقت بين المسلمين وصورت المذاهب الاسلامية كأنها اديان وامم متعددة.
    وفي المقابل كان موقف القادة من الشيعة الالتزام التام والحرص المطلق على مصالح المسلمين، وبنفس الوقت، الاصرار على التمسك بالاراء والسلوك حتى ولو ادى ذلك الى الاستشهاد. وهو في تاريخنا لا ينحصر في الائمة المعصومين بل يشمل الفئات والقبائل والشخصيات المعروفة، وهذا البحث بحد ذاته يتطلب كتبا مطولة لعلنا نتوفق بتقديم نماذج عنها للابحاث الثقافية.
    والشيعة يحتفظون بهذه الذكريات، سيما ذكريات استشهاد الحسين والائمة المعصومين، ويقيمون حفلات بهذه المناسبات، ويستفيدون منها للتعليم والتربية لعامة الناس.
    لقد برز في تاريخ العالم الاسلامي بعض الرجال الشيعة، وبعض الشيعة حكموا العالم الاسلامي او قسما منه لفترة طويلة او قصيرة، بالاضافة الى فترات الاضطهاد الطويل، ومن ابرزهم الفاطميون في مصر، والحمدانيون في سورية، والمرابطون في المغرب، والصفوية في ايران وغيرهم.
    عدد افراد الشيعة الان في العالم يبلغ حوالي مائة مليون يسكنون ايران والعراق والجنوب الغربي من الاتحاد السوفياتي: اذربيجان، ارمينيا، جورجيا والافغان والهند وباكستان والصين وتركية وسورية ولبنان والخليج العربي والقسم الشرقي من المملكة العربية السعودية واليمن وعمان.
    وابرز جامعاتهم الدينية في الوقت الحاضر هي في العراق وايران، ولهم مؤسسات ثقافية ومكتبات كبرى وغير ذلك، ويعيش كبير علمائهم " المرجع " في الوقت الحاضر في جامعة النجف الاشرف بالعراق بينما كان المرجع منذ فترة قصيرة يعيش في جامعة " قم " ايران.
    هذا يا اخوان ما حكيناه في هذا البحث والذي سيطبع. بالنسبة للحلقات خلاصة من الرؤية العامة عن الشيعة.

    نحن امام البند الرابع ـ دور القيادة.

    في الواقع، انا في حرج عظيم ان اكتب هذا البحث وان يبقى الامر غير مطروق. نحن قلنا ان الحركة ولدت من ضمن صفوف الطائفة الشيعية هذه. مذهبها انفتاح وعدم كونها فئوية، فطبيعة المذهب تكمن في هذا الامر.
    والوضع الاجتماعي للشيعة ذكرناه، وكذلك الوضع الاجتماعي للبنان ولم يبق سوى دور القيادة. دور القيادة، طبعا، اذا لم يكن الدور الاول ـ وهو ليس كذلك حتما ـ ولكنه دور اساسي. اي لو كانت هذه الظروف كلها متوفرة، ولكن كان هناك أناس آخرون لا يفهمون التشيع كحركة كان من الممكن ان يأخذوا الطائفة الشيعية الى جانب النظام، الى جانب التحالف مع أصحاب الإمتيازات فيعتبرونها اقلية حليفة للاقلية الاخرى ولكان الخط غير هذا الخط. او مثل بعض القاصرين الذين كانوا يعتبرون ان الاسلام ليس له نظام اقتصادي واجتماعي، وان التشيع كذلك ليس عنده شيء من هذا النوع، لكان برز الخطر في ارتماء الحركة في احضان الشيوعية واليسار المتطرف.
    إذا"، نحن في موقع التحدي، وهنا، دور القيادة دور اساسي. فاذا لم اتمكن ان اكتب شخصيا حلقة القيادة لأن الأمر يعود لي شخصيا في الغالب وهذا محرج لي فعلا، كما ان التقييم قد يكون غير موضوعي لأن الأمر بين أن يتواضع الانسان أو أن يزكي نفسه أكثر من الواقع.
    اليوم أنا متعب، وإن شاء الله، في بداية الجمعة القادمة، نأخذ خلاصة من هذه الأبحاث ونطرح التسلسل المنطقي والطبيعي لأن حركة المحرومين تنشأ من قلب الطائفة الشيعية ومن مستوى القيادة مع الناس، وهذا الشيء طبيعي جدا ومنطقي جدا ومقتضى قلب التاريخ أيضا". وبطبيعة الحال، عند ذلك نقدر أن ننظر إلى المستقبل بشكل آخر وبرؤية أخرى.
    إذا"، نحن قدمنا حتى الآن ثلاث دروس ويبقى الدرس الرابع في الجمعة القادمة بإذن الله.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تعليق


    • #3
      القسم الرابع: دور القيادة في بعث هذه الحركة

      اولاً ـ الامام والامامة:

      في تحليل لغوي عند العلامة العلايلي في كتاب " المرجع " واستنادا الى دراسة له طويلة، يفسر " الامام " بميزان خشبي كان يستعمله البناؤون لمعرفة استقامة البناء او انحرافه، والذي تحول فيما بعد الى ميزان " الزيبق "، هو المعنى الاصيل.
      وفي مصطلحنا المعاصر يطلق " الامام " على علماء الدين القادة في التفكير والقول والسلوك، مع ما يشوب الالقاب في مجتمعاتنا من المجاملات والمبالغات والتمنيات.
      ولكن الغاية من هذا البحث تفرض ان نفسر كلمة الامام بمعنى المصطلح المذهبي عند الشيعة ـ الشيعة الامامية. انه انسان لا اله ولا نصف اله، بلغ الكمال الذي يريده الاسلام، الانسان الفائق وليس ما فوق الانسان، انسان بلغ الكمال وبنفس الوقت القائد المسؤول لتوجيه الامة. وفي المتون الشيعية: الامام حجة الله على الارض، كتاب الله الناطق، المرآة التامة للاسلام، الاسلام المتجسد، الانسان الذي تحول في أحاسيسه وفي تفكيره وفي احكامه وفي اقواله وفي اعماله وحتى في سكوته، الانسان الذي تحول الى مستوى الميزان. كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " انا ميزان الاعمال وعلي لسانه ". وبكلمة، انه الانسان الفائق القمة وليس ما فوق الانسان. انه وصي وليس نبيا.

      ثانياً - عاشوراء:

      عاشوراء تاريخيا هي يوم مقتل الحسين (ع) في كربلاء والمقصود في هذه الدراسة او في محاضرتي، على الاقل المقصود من عاشوراء هو محتوى ذلك اليوم من احداث مرتبطة باسباب وبنتائج والذكريات الاحتفالية التي بدأت منذ الايام الاولى بعد المأساة واستمرت ونمت وتطورت حتى يومنا هذا.
      إذاً نحن في هذه الدراسة، امام عاملين قائمين حيين فاعلين ولسنا امام حدثين تاريخيين. فالامام كما عرفناه تجسيد للرسالة، فهو باق في مركز القدوة وفي مركز القيادة، حيا كان الامام او ميتا، قوله وسلوكه وسكوته ورضاه سند نستند عليه في كتبنا الفقهية كجزء من المذهب. فالامام حكم متجسد وايمان متجسد، انتصر في المعركة او هزم او عزل لا فرق، عامل فاعل مستمر حتى الآن. وعاشوراء ايضا شهادة، والشهادة في منطق القرآن خلود وتحرك وقيادة، أعيد الى ذاكرتكم الآية الكريمة: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً " ـ أرجو الانتباه الى هذه النقطة ـ " بل أحياء عند ربهم يرزقون " [ آل عمران /169 ] ـ النمو المستمر ـ " فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم" [آل عمران \170 ] ـ القيادة الدعوة.
      إذاً نحن امام عاملين قائمين لا امام حدثين تاريخيين فنصل الى تفاعل العاملين الموجودين في عنوان هذا الحديث لكي يفرز هذا التفاعل لنا عناوين ثلاثة: الاول شهادة الامام، والثاني امامة الشهيد والثالث الشهادة الامام.

      الاول: شهادة الامام فهي الترابط العميق بين الامام وبين الشهادة، حتى ان الشهادة جزء اساس من مسؤولية الامام القيادية.
      الثاني: امامة الشهيد، فالشهيد في سبيل الله امام. ومعنى ذلك ان الشهادة بحد ذاتها قدوة وقيادة وهما في درجتيهما العاليتين اساسان لمفهوم الامامة. والشهيد العادي يتمتع بصفتين اساسيتين من صفات الامام فهو في موكب الامام.
      الثالث: الشهادة الامام، واعني بها ان مستوى شهادة الامام الحسين في عاشوراء اذا درسناها بأسبابها ودوافعها النفسية وتفاصيلها ونتائجها تفوق الشهادات كلها، ولذلك نسمي الحسين " سيد الشهداء " او على حد تعبير العقاد " ابو الشهداء ". والحديث يقول: " لا يوم كيومك يا ابا عبد الله " كلمة وردت في كثير من الاثار الدينية الشيعية. اذاً، الشهادة الحسينية يوم عاشوراء هي امام الشهادات، الشهادة الامام.
      ان المطلوب مني في هذه الدراسة هو العنوان الاول فحسب، يعني شهادة الامام. وأعتقد أن زملائي الأحد عشر سيؤدون دوراً موضحاً للتحدث عن الثالث: الشهادة الامام لأنهم ألقوا أضواءهم جميعاً على عاشوراء.
      اما العنوان الثاني وهو امامة الشهيد، فانه بحث اجتماعي وديني مستقل تطرق اليه الكثيرون من الباحثين بالتفصيل وقد نكتفي في ذلك بالآية التي تليت حول دور الشهيد في الدعوة وفي الاثارة وفي الخلود وفي التحول الى القيم. فلندخل في صميم بحثنا ـ شهادة الامام.

      ثالثاً ـ شهادة الامام:

      1 ـ المبادىء الاساسية:

      وهنا نحتاج الى ان نتحدث عن مفهوم الامام وضرورته عند الشيعة وابعاد معنى الامام لدى المذهب.
      ولاجل ان ندرك تسلسل الفكرة ونصل الى صورة واضحة عن الامام، الينا هذه المبادىء:

      اولاً: الحياة في مفهومها الديني حركة دائمة نحو الكمال والقرآن الكريم يلخص هذا بقوله:
      " انا لله وانا اليه راجعون " ] البقرة \ 156 [. أي نحن في رجوع مستمر الى الله، اي الكمال المطلق. وهذا المفهوم نجده في كثير من التعاليم الدينية التي تأمر بالحركة الدائمة والسعي الدائم حتى الرمق الاخير.

      ثانياً: الحركة تغيير مستمر واتجاهها نحو الكمال اللانهائي الذي هو الله يستدعي سيرها نحو الافضل، اذ الحياة في مفهومها الديني سير دائم وتغيير مستمر نحو الافضل، وبالتالي رفض الوقوف والجمود والتراجع.

      ثالثاً: والتحول الواجب نحو الافضل ـ بما في ذلك التجارب والانتكاسات طبعا ـ هادىء احيانا وعنيف احيانا اخرى حسب ظروف الحركة.

      رابعاً: وجود الخير والشر في الاحساس ووجود الخير والشر في الحياة، يخلقان الصراع الدائم في نفس الانسان قبل الصراع في الخارج وبالتالي فإن هذا الصراع هو الدافع المتجدد نحو الكمال.
      الانسان متحركا نحو الكمال، دافعه وجود عنصر الخير والشر في نفسه وفي الخارج والا فلو لم يكن الانسان يدرك الشر او لو لم يكن الشر في الخارج لم يكن الاختيار اي الصراع او الرياضة الدائمة، وبالتالي، الكمال الدائم. وهذا مفهوم قرآني، ففي سورة الشمس يقول: " فألهمها " ـ يعني الله ألهم النفس ـ " فجورها وتقواها " [ الشمس \ 8 ] ـ يعني ان الله الهم الانسان وخلقه بحيث يحس بالشر كما يحس بالخير ـ " قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها " [ الشمس \ 9ـ10 ]ـ الفلاح أي الكمال يحصل بعد الصراع ـ وآية اخرى "وهديناه النجدين " ] البلد \ 10 [. الخالق علم الانسان طريقه الى الخير والشر، وتضيف الآية: " فلا اقتحم العقبة " ] البلد \ 11 [. الانسان المقصر ما اقتحم وما عبر المشكلة. " وما ادراك ما العقبة، فك رقبة" ] البلد \ 12ـ13 [ تحرير انسان فردا كان في يوم من الايام او جماعة في يومنا هذا. " او اطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة او مسكينا ذا متربة " ]البلد \ 14ـ16[. الاطعام يعني خلق العيش للانسان فرديا كان حسب طاقات الانسان او جماعيا. فدافع الانسان نحو الكمال وجود عنصر الخير والشر، صر اع الخير والشر المستمر في الذات، الصراع في النفس والصراع في الخارج.

      خامساً: اما الدعوة الالهية فلها مراحل ودرجات: المرحلة الاولى الضمير، او على حد تعبير القرآن الفطرة ـ فطرة الله التي فطر الناس عليها. ان الضمير هو المرحلة الاولى للدعوة الالهية نحو الكمال، والضمير هو النبي الباطن. المرحلة الثانية هي النبي، النبي يأتي من الله. والنبي ضمير الكون والوجود، يساعد الانسان في صراعه هذا ويخرجه، اذا اراد، من الظلمات الى النور. هذه خلاصة دعوة الانبياء جميعا: " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور " ] المائدة \ 15ـ16 ]. أي من ظلمات الجهل الى نور العلم ومن ظلمات الفقر الى نور الرفاه، وهكذا.. انهم الانبياء بعثوا من الاميين، من عامة الناس، ليزكوهم ويعلموهم الكتاب والحكمة كما ورد هذا في القرآن بالنسبة للنبي محمد. فالمرحلة الاولى من الدعوة هي الضمير والثانية دعوة الانبياء.
      اما المرحلة الثالثة للدعوة فلعلها لا تخلو من غرابة ولكنها مليئة بالتفاؤل والتربية وخلق القوة من الضعف وهي المصيبة.
      والقرآن الكريم له منطق خاص في هذا المجال لانه يجعل المصيبة دافعا مساعدا لانتباه الانسان ووعيه وحركته. كما ان التفاعلات الاجتماعية وظهورالفساد في البر والبحر، حسب تعبير القرآن، عامل آخر لتنبيه الانسان الى اخطائه في توجهه. يقول القرآن: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " ] الروم \41[ نلاحظ إذاً ان هناك آثارا اجتماعية سيئة نتيجة لعمل الانسان جاءت لكي تنبه الانسان، فهي نوع من الدعوة الجديدة والتذكير. هذا بالنسبة للاحداث الاجتماعية ويسري نفس المنطق بالنسبة للمصائب " ولنبلولنكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " [ البقرة \ 155ـ157 ]. حتى المصيبة في الرؤية القرآنية مرحلة من الدعوة.

      سادساً: ثم ان الدعوة الشاملة لجميع البشر: " ولكل قوم هاد " ] الرعد\7[. والقرآن يؤكد خلال آيات متعددة وجود الدعوة بواسطة الانبياء لجميع شعوب الارض وبالتالي يثبت ان دعوة الله للانسان عامة بواسطة الانبياء ومستمرة بواسطة الهادين " الائمة " والاوصياء.
      هذا الاستمرار والشمول في الدعوة الالهية هو عناية من الله لانقاذ الانسان من سيطرة الاهواء وعناصر الشر في داخله وفي الخارج، والتي تظهر خلال دعوة الانبياء وبعدهم، وتتراكم حتى تصبح خطرا على الدعوة ذاتها ومن هنا يبدأ دور الامام لمنع تحول المفاهيم والاحكام الالهية عن طريق عناصر واناس يشوهون الفكرة ويحرفون الكلام عن مواضعه.
      فالامام عند الشيعة له دور حفظ الدعوة والقيادة عدا انه ليس نبيا ولا يوحى اليه، ولكنه معصوم عن الخطأ والذنب. ومعنى ذلك ان الامام المعصوم طبعا لا الامام في مصطلحنا المعاصر ـ يمثل الارادة الالهية في سير الانسان نحو الكمال. ومن اجل ذلك يقول الشيعة ان تولية الامام يجب ان تكون حسب النص وليس حسبالانتخاب والاختيار. فالامام يمثل الارادة الالهية اي مساعدة الانسان في صعوده نحو الكمال وهو يصطدم بعراقيل وعقبات. والصدام خفيف تارة وعنيف اخرى وطالما ان الامام يمثل هذه الارادة يتضح معنى الحديث " اكثر الناس بلاء الانبياء ثم الاوصياء " باعتبار مسؤوليتهم عن دعوتهم المستمرة. ونعرف معنى الحديث " من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية " لمواجهة خطر الانحراف وسيطرة الشر.
      هذه الاستمرارية في القيادة ومساعدة الناس على صراعهم الداخلي والخارجي ودفعهم نحو الكمال تعبير صادق عن سنة الله في الخلق " ولن تجد لسنة الله تبديـلا " [الاحزاب / 62[. فالتغير والتطور والتكامل هنا يلتقي مع الثبات والاطلاق ويصبح امرا لا يتغير في الاساس، متغيرا في المضمون . فالسنة الازلية المطلقة تتطلب التغير الدائم، هنا يلتقي التغيير والثبات

      تعليق


      • #4
        1 ـ العلاقة بين الشهادة والامامة:

        ان النبي، كل نبي، ومن بعده الامام الوصي، ومع الامام ممثلوه كما ورد في الحديث " من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه عاصيا لهواه مطيعا لامر مولاه " ـ اصحاب هذه الصفات، الامام يعبر عنهم فيقول ـ: " فانه حجتي عليكم وانا حجة الله عليكم ". وهؤلاء القادة: النبي، الامام وممثل الامام، مسؤولون امام الله عن سلوك الناس واستمرار تحركهم نحو الكمال مهما كان الثمن، وكيفما كانت الظروف حتى لو استلزم ذلك التضحيات، اي " الشهادة ". فالامام مسؤول عن تقديم الشهادة وان يتقدم لاجل الشهادة عند الاقتضاء حتى يصون سير الانسان نحو الكمال الذي يصطدم بعراقيل وعقبات خفيفة احيانا وعنيفة اخرى.
        ومن هنا فان مفكري الشيعة ـ او على الاقل بعض مفكري الشيعة ـ يميلون الى رفض تصنيف التشيع مذهبا في الاصل منفصلا عن المذاهب الاخرى. المفكرون يرفضون ذلك بل انهم يقولون ان التشيع بمعنى المسؤولية هو ايدولوجية القادة وسلوكهم القيادي المعتمد على الاجتهاد والجهاد وهو الدرس الصحيح للمرحلة المعاشة والسعي حتى الشهادة في سبيل تحويلها الى الافضل.
        وهنا نصل الى التلاقي العميق بين الامامة والشهادة لان الامامة مسؤولية لصيانة تحرك الناس، ومن الطبيعي ان المسؤول قد يحتاج الى درجة الشهادة. فالشهادة جزء من الامامة. وندرك مفهوم الحديث الوارد عن الائمة " ما منا الا شهيد او مسموم "، حيث يلقي الاضواء على ابعاد النضال الذي كانوا يمارسونه لتحمل مسؤولياتهم. وهنا نصل الى الخط العريض لتاريخ التشيع الذي تشكل عاشوراء صفحة بارزة منه.. ذلك الخط الشاق المأساوي الذي جعله رغم قلة اصحابه، مذهب الرفض ام المخالفة ام المعارضة في اطار الالتزام الاسلامي بالنصوص والمتجدد بالاجتهاد.

        2 ـ الرسالة... حلقات شهادة:

        ان رسالة الدين واحدة في سلسلة واحدة متصلة الحلقات. والهدف لا يتحقق الا بتحرير الانسان من عبادة الذات ومن التأثر بنزعات الشر ومن عبادة ما حوله ومن حوله.ان التحرر من عبادة الذات يحصل خلال الصراع النفسي وهو امر ذاتي يخصنا رغم انه يكلف جهدا كبيرا وقد عبر عنه الرسول بـ " الجهاد الاكبر " ولكن عندما يصل الانسان الى التحرر من عبادة آلهة الارض ورفض عبادة من حوله، يعني تحرير الانسان من عبادة الناس والاصنام - الهة الارض الذين يستعبدونه ويستضعفونه - عندما يصل الامر الى التحرر من الطغاة، يصطدم بمصالح هؤلاء وتحتدم المعركة.
        وهنا نجد ان جهاد الانبياء والائمة والاوصياء جميعا في ساحة واحدة، بحيث يمكننا ان ندرس موقف كل منهم في اطار عام. ومن جملة هذه المجاهدات بل قمة هذه التضحيات استشهاد الامام الحسين يوم عاشوراء. فليست الشهادة الحسينية حلقة معزولة عن الحلقات الاخرى، بل ندرسها من خلال تاريخ نضالي طويل اوجد شهادة الحسين. كما ان شهادة الحسين اوجدت شهادات اخرى، ولكن شهادة الحسين هي القمة. ولذلك فالروايات الشيعية في الزيارات تؤكد وتقول: السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله ( يربط بين الحسين وبين ادم ) السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث اسماعيل ذبيح الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك... وهكذا...
        هذه الاحاديث تركز، على ربط الحركة الحسينية بالحركات القيادية لتحرير الانسان من عبادة آلهة الارض، ودوره في انه يحمل اعباء التاريخ كلها ضمن معارك جرت منذ الاول في وجه الطغاة ولخدمة المعذبين في الارض منذ ان كانت الارض. وهذه المعارك استمرت وسقط شهيد تلو شهيد في الطريق حتى جاء الحسين وهو سيد الشهداء، فهو حلقة مترابطة مع هذا الماضي. وبنفس الوقت هذا يعني ان حركته نابعة من حركتهم وهي بدورها ام الحركات، والحسين بدوره " ابو الشهداء ".
        ان آلهة الارض " الطغاة " في المصطلح الديني هم آلهة المال وآلهة القوة وآلهة الاغراء والهة الجاه والطغيان والظلم. إن هذه الآلهة وزبانيتها تقوم باستعباد الانسان او على حد تعبير القرآن " استضعاف الانسان ". طبعا كلمة الاستضعاف في القرآن كلمة شاملة، تعني اعتبار انسان لاخيه الانسان ضعيفا لكي يأخذ منه ماله وهذا استثمار في مصطلحنا المعاصر، او ليأخذ منه حريته، وهذا نسميه الاستعمار، او يأخذ منه عقله وفي مصطلحنا هو التسلط والاغراء والارهاب والتضليل. فالاستضعاف ان هو في الاستشمار والاستعمار والتسلط والاغراء والارهاب والتضليل، وجميع العناصر التي تسلب الانسان سلوكه الصحيح وحريته المسؤولة. ومن الطبيعي ان هذه الآلهة لا تترك الساحة دون جهد فتصتدم مع رسالة الدين المتجسدة في دعوة الانبياء والائمة، ويحصل الصراع وتراق الدماء وتمتلىء السجون ويضطهد المستضعفون في الارض.
        ثم تبدأ المرحلة الثانية التي تسمى بمرحلة " التأويل ". ذلك لانه عندما ينتصر نبي في المعركة، سرعان ما يغير الطغاة ادوارهم فيلبسون ملابس الدين ويقوون سلطانهم باحكام الدين وطقوس الدين، فيأخذون صدور المجالس ومراكز المعابد. ويعود الخطر ويبقى المعذبون في الارض تحت الاعباء الجديدة التي اكتسبت لون القداسة من خلال المؤسسات الدينية ورجال الدين ايضا الذين يساعدون هؤلاء الطغاة ـ آلهة المال والجاه والطغيان ـ المستضعفون يتألمون وتستمر المأساة ويعود الصراع بقيام نبي او وصي وتراق الدماء وتمتلىء السجون وتسقط الضحايا وهكذا...

        3 ـ الحسين... ثائراً:

        والحسين الذي عاش الرسالة الاسلامية، وشاهد جهود محمد وعلي واصحاب محمد، شاهد جهودهم في سبيل تحرير الانسان من قيوده ودفعه الرائد نحو الكمال. الحسين عاصر تحطيم الاصنام في الكعبة. وعاصر تحطيم الاصنام في المجتمع وسقوط الشاهنشاهية الفارسية، والقيصرية الرومانية، والتمييزات الطبقية القريشية، وتحرير الانسان اليمني والحبشي. وعاصر ولادة المجتمع الجديد، مجتمع الاخوة الذي اسسه محمد على اسس العدل والكرامة الانسانية والقيم. الحسين هذا الذي عاصر تلك المعارك فشاهد النتائج وميز الصفوف فوجد انصار الحق مقابل انصار الباطل، يرجع البصر كرة اخرى فيرى ان كل شيء قد تغير، ويرى ان الذين كانوا يحاربون الحق في الامس القريب ويستضعفون الناس باساليب طاغية اصبحوا حماة الدين الجديد وادعياء حماية هذا الدين، فيحكمون من خلال المنابر والمساجد فيقول متألما: " اصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا ".
        الحسين يشاهد ان على منبر الرسول ومن خلال مركز القيادة الجديدة، مركز تحصين الانسان وانقاذ الانسان، يتحكم ساسة الارهاب والتجويع في العالم الاسلامي عدا جيوش الحاكم - المرتزقة ( راجعوا شرح نهج البلاغة - المجلد الثاني، والطبري - المجلد السادس والاستيعاب وابن الاثير والمسعودي ) لكي تعلموا اخبار العصابات التي كانت تكلف من قبل الخليفة لكي تغيرعلى اطراف العالم الاسلامي، عصابات السلب والقتل وابادة ارزاق الناس ومنع الناس عطاياهم واجورهم ونهب بيت المال.
        والى جانب ذلك، سيف المستضعفين، اي سيف محمد، وصل الى يد الطاغين من جديد. فيستضعفون بسيف محمد من جديد وهذا هو الخطر الدامي الامَّر.
        ثم يشاهد الحسين ان سياسة التفرقة بين القبائل وتشتيت الامة والتفرقة بين الشعوب وبين العناصر تتحكم في المجتمع ـ لاحظوا كتاب الصفين لنصر بن مزاحم، والطبري وتاريخ الاسلام السياسي، لكي تشاهدوا كيفية خلق الفتن بين اليمني والقيسي، وبين فئات من اليمنيين، وبين العراق والشام، والحجاز والشام، واليمامة واليمن، وداخل القبائل كيف كانت تمارس سياسة التفرقة ـ.

        تعليق


        • #5
          ثم يشاهد الحسين ايضا تزوير الاحاديث فهناك اناس ممتهنون، يأخذون رواتب لكي يزوروا الاحاديث، وينقلوا الروايات في فضل القبائل ( راجعوا شرح النهج ايضا وقد جمع ذلك احمد امين في كتاب نهج الاسلام ) حتى اصبح في الاحاديث مدرسة باسم مدرسة معاوية في الاحاديث ـ. ثم يشاهد الحسين ان المحنة ـ محنة المستضعفين ـ اصبحت اكثر خطورة، لانه تكونت ايديولوجيات خطرة لاستمرار المعذبين في تحمل الاعباء والصبر، فتكونت فرقة " المرجئة ". و " المرجئة " كما يقرها ابن حزم في الفصل تعتمد على هذه القاعدة: " لا تضر مع الايمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. فاذا كان الانسان مؤمنا بقلبه كفى ذلك، مهما ارتكب من الظلم فلا يضره شيئا ". هذه الفلسفة تكونت لخدمة الطغاة الذين كانوا يتحكمون باسم الاسلام. كما ان " الجبرية " انتشرت في هذا الوقت بالذات وتركت الامور للتقادير وسلب الانسان ارادته: ارهاب في الحياة الفكرية، تجويع، والاغلال تعممت. وبالتالي يشاهد الحسين نتيجة هذه الامور في قتل الابرياء وترحيل القبائل ـ وان حصة لبنان من قضية ترحيل القبائل حصة وافرة لان كثيراً من القبائل الذين انتقلوا ورحلوا الى لبنان كانوا من القبائل الشيعية في العراق ـ ونفي الصحابة التابعين وتسفيرهم نتيجة ذلك.
          يشاهد تحولا عميقا في مفاهيم الجيش، فالجيش كان جيشا رساليا فصار جيشا مرتزقا. وفي مفهوم بيت المال، الذي كان للامة فصار لمصلحة الطاغين.
          وشاهد الفرق في الحكم، في مفهوم الحكم الذي هو اعطاء حكم الله لا تنفيذ رغبة الناس، والتغيير في الشعائر الدينية، المسجد المتواضع والصلاة البسيطة اصبحت ضخمة في الشكل، يهتمون بشكلها وابنيتها كما يقول الرسول " مساجدهم عامرة بالبناء خراب من الهدى ".
          وتغير في البيعة، فالبيعة التي كانت تعبر عن رضى الناس، واختيار الناس. وتصويت الناس، اصبحت مفروضة تؤخذ مسبقا وبالاغراء والتهديد.
          يشاهد الحسين هذه القواعد وتلك النتائج في جانب الحاكم، ثم يشاهد من جهة اخرى ان الامة تنظر كالنعاج الى هذه الاوضاع دون اعتراض، وان اليأس واللامسؤولية والخوف والطمع عوامل مسيطرة على الناس.

          4 ـ الحسين شهيدا:

          وهو الحسين، مسؤول عن سلامة تحرك الناس، هو المسؤول لانه الامام، ولكنه لا يملك جيشا ولا قوة، فاختار ان يحول نفسه الى سلاح الميزان " الا ترون ان الحق لا يعمل به وأن والباطل لا يتناهى عنه فليرغب المؤمن الى لقاء ربه محقا ". فخرج مع اولاده واهل بيته واصحابه وعائلته " والله ما خرجت اشرا ولا بطرا انما اريد الاصلاح في امة جدي ما استطعت ". ويقف لكي تتحقق المأساة بافظع صورها فتكشف خصومه وتعزلهم عن ادعائهم تمثيل المفاهيم الدينية، وتؤكد للناس ان هؤلاء الحكام ليسوا هم القديسون، ولكي تهز ضمائر الامة من جهة اخرى " اذا كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي يا سيوف خذيني ". وهكذا كان.
          وكانت نتائج الامر كما قدرها الحسين: اعتراض بعد اعتراض وتمرد وثورة. فحركة التوابين جاءت بعد فترة وجيزة من مشهد الحسين وقتله كما يقول الطبري، ثم جاءت ثورة المدينة ثم ثورة المختار بن ابي عبيدة الثقفي في سنة 66 هـ. يعني بعد خمس سنوات اشتعل العالم الاسلامي في كثير من اجزائه في حركات دموية قاسية، وجاء مترف بن مغيرة بن شعبة فثار على الحجاج في سنة 77، وعبد الرحمن بن محمد الاشعث في سنة 81، وزيد بن علي بن الحسين في سنة 121، حتى انتهت الى ثورة بني العباس التي قلعت جذور بني امية. وهنا نلاحظ ان جميع هذه الثورات كانت شعارها: " يا لثارات الحسين ".
          وملخص الكلام ان الشهادة مسؤولية اصيلة في القادة وفي الامام الذي هو سيد القادة في المصطلح الاصلي الشرعي. فالمعركة يجب ان تدرس كما هي مدروسة في الحلقات الاحدى عشرة القادمة. معركة رسالية: جزء من الكل، مرتبطة بالماضي، واصلة المستقبل الى الماضي، طبيعية وناجحة. وهكذا نجد الترابط الواضح بين كلمة الامام في مفهومه الاصيل وبين كلمة الشهادة التي يعبر عنه عنوان محاضرتنا بعاشوراء ونصل الى ان الذين يريدون ان يسلكوا هذا السبيل عليهم الاستعداد لمثل هذه المسؤوليات وتحملها وأن في ذلك أضواء على الابعاد التفصيلية الموضوعية التي سنشاهدها.

          5 ـ استمرار عاشوراء:

          واستمرار عاشوراء في التاريخ كما قلنا، لكي يبعد الموضوع عن كونه حدثا تاريخيا ننظر إليه كقصة في التاريخ، بل انه المتجدد مع كل سنة.
          واختيار صورها امر وطني، بشري، فني، فقد عبر عن عاشوراء بتعابير مختلفة فمن معبر بالشعر أو بالنثر او بالكلمة او بالاحتفالات أو بالمسرحيات أو بصور اخرى متكاملة. فالغاية ابقاء اللوحة في وجه الانسان لمساعدته في صراعه مع الشر ولكي يتجسد ويفهم ما يقوله النبي عن الحسين في كلمتين:

          الكلمة الاولى: انه يعبر بأنه مصباح الهدى، المصباح الذي ينير الطريق للهداية. ويقول ثانيا: " حسين مني وانا من حسين ". فالحسين منه امر واضح لانه ابنه، اما هو من الحسين فهنا يأتي دور عاشوراء في التاريخ لان الاسلام الذي جاء لتحرير الانسان أصبح من جديد اغلالا في ايدي الناس المستغلين، فولد الاسلام في شكله الحقيقي المتحرر والمحرر للمستضعفين في اطار القيادة على يد الحسين مرة اخرى ولذلك يقول النبي: " انا من حسين ".
          الرجاء.. اقبلوا عذري ايها الاخوة للتأخير والاختصار.
          والسلام عليكم ورحمة الله

          تعليق


          • #6
            مشكور يا أخي نعل الحسين ووفقك الله ورعاك وسدد خطاك ،،

            تقبل تحياتي

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

            يعمل...
            X