أولاً ـ التشيع رؤية وسلوك:
ان التشيع في تصور الكثير من الناس هو مذهب فقهي يقابل المذاهب الفقهية الاسلامية، او مذهب كلامي رديف لمذهب المعتزلة والاشاعرة، او هو موقف سياسي ناتج عن الاراء العائدة الى الخلافة الاسلامية بعد رسول الله (ص).
والحقيقة ان التشيع هو رؤية وسلوك إسلاميين بيّنهما الائمة من آل البيت واتباعهم، يتجاوز في أبعاده الإجتهادات الفقهية أو الآراء الكلامية والمواقف السياسية، وإن كانت هذه الأبعاد من نتائج تلك الرؤية والسلوك.
وأول من لفظ كلمة التشيع واستعملها هو الرسول الاكرم حيث قال: " يا علي ستدخل أنت وشيعتك على الله راضيين مرضين ". وكان شيعة علي في عصر الرسول كبار أصحاب الرسول من بينهم فاطمة بنت الرسول وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وغيرهم.
وبإمكاننا أن نخص الرؤية هذه بالرؤية الملتزمة المتطورة التي اصبحت في ما بعد مبدأ الاجتهاد في الدور الديني. كما يمكن تفسير السلوك المشار إليه بأنه التفاني في سبيل خدمة الأمة وتحمل الشقاء وبذل التضحيات دون الجنوح نحو الفئوية والاستئثار.
وبذلك نتمكن ان نعتبر التشيع لعلي في ينابيعه هو رؤية الطليعة المناضلة وسلوك الرواد، وبتعبير آخر انه محاولة الاحتفاظ بالاسلام بوصفه حركة لا مؤسسة ذات مصالح ومنافع ذاتية.
وقد برز بعد وفاة الرسول موقف محدد من علي وشيعته وهو أنهم أصروا على ضرورة تعيين خليفة الرسول بالنص الديني لا بالاختيار والتعيين، واعتبروا أن هذه المهمة؛ وهي بناء المجتمع الجديد على ضوء القيم والمفاهيم الاسلامية والذي بدأ ببنائه الرسول نفسه، إن هذه المهمة تبلغ من الدقة درجة لا يمكن تفويضها إلى الناس وهم في بداية إسلامهم. ذلك لأن تطبيق المبادىء للمرة الاولى بصورة يسمو على المصالح الذاتية وعلى الآراء المختلفة، هو مسألة بالغة الخطورة والتأثير على واقع الاسلام وعلى التاريخ.
سيما وأن الرسول قد أعلن عند عودته من حجة الوداع وفي مكان الجحفة، مفترق طرق الحجاج، وفي اليوم الثامن عشرمن ذي الحجة، أعلن عن ولاية علي بعد أن بلغ الامة بقرب وفاته وبعد ان اشهدهم على ولايته التي وردت في القرآن في الآية: " النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم ". [ الأحزاب /6 ].
وبالرغم من هذا الموقف الأساسي فإن عليا وشيعته بعد الإعلان عن موقفهم لاحظوا خطورة الوضع وحداثة عهد الناس بالاسلام وإمكانية إنفجار المجتمع الجديد فوقفوا مع الخلفاء مؤيدين، ناصحين، مدافعين عن النظام، وأمدوا الأمة بما كان عندهم من روايات نبوية، واجتهادات ومواقف، وكانوا في صميم المجتمع الاسلامي غير منفصلين ولا متربصين ولا شامتين، حتى أصبح القول المأثور عن أحد الخلفاء الراشدين " لاأبقاني الله لمعضلة وليس أبو الحسن " أصبح مثلا.
وإستمر الائمة من آل البيت في هذا الخط يصونون الاسلام بمواقفهم التي كانت تتنوع حسب مواقف الخلفاء وحسب استجابة الأمة. فالحسن بن علي الذي صالح معاوية، وعلي بن الحسين، الملقب بالسجاد وهو الامام الرابع من ائمة الشيعة، لم يستمرا في الثورة المسلحة بل كانا يعلنان عن الأحكام الإسلامية وعن الإنحرافات الرسمية بأساليب هادفة، تربوية، ودعائية وغيرها، وكانا يحافظان على الإسلام ويحميانه.
أما الحسين بن علي فقد خرج ثائرا لكي يدين الانحرافات الخطيرة التي كان يمارسها يزيد بن معاوية، والتي كانت تهدد الكيان وتشوه حقائق الاسلام.
وكانت الظروف ملائمة للتوعية والتعليم وتربية المجتهدين وتطوير الفكر الاسلامي في أواخر القرن الأول الهجري إلى أواسط القرن الثاني مجالا رحبا للصادقين، الإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق، حيث كان الخلفاء الأمويون ملتهين بمشاكلهم الداخلية وبصراعهم مع العباسيين، وحيث التقى المجتمع الاسلامي بالمجتمعات الأخرى فوجد نفسه أمام آلاف من الأسئلة والمواضيع الجديدة، وكان بحاجة ملحة إلى قيادة فكرية أصيلة متطورة.
والتعاليم التي حفظت عن الإمامين والتي جعلت الصفة التابعة للشيعة بالجعفريين ليست مختصة بالفقه بل إنها تشمل طريقة فهم القرآن والأصالة والإيديولوجية في المسائل الأصولية أمام التيارات الفكرية التي تأثرت بالفكر الإغريقي أو غيره، كما أنها تحتوي على التوجيه العلمي في مختلف الحقول، وعلى الإنفتاح تجاه الثقافات مع حفظ الأصالة. وقضى موسى بن جعفر حياته بين نفي وسجن واضطهاد ولكنه بقي ينصح ويطرح الصورة الصحيحة للاسلام تماما" مثل إبنيه الرضا والجواد اللذين عاشا مضطهدين بالقرب من الخلفاء، ومثل حفيديه الهادي والعسكري اللذين بقيا سنين مسجونين في ثكنة العسكر.
ثانياً ـ الشيعة طليعة الأمة لا فئوية ولا مذهبية:
وفي جميع الروايات الواردة عن الباقر والصادق وعن غيرهما من الائمة الاثني عشر تشكل كلماتهم وسرهم مصدرا واسعا من مصادر التشيع يظهر الإلتزام الإسلامي العام وأن ما يقولونه مروي عن الرسول، ولا يشعر الباحث عنها إطلاقا، برائحة الفئوية المذهبية والإنفصال عن الأمة، بل أنهم كثيرا ما كانوا ينتقدون موقف بعض القادة من خلفاء وعلماء بسبب التفرد وعدم الإنسجام مع ما ورد في الكتاب والسنة.
أما علماء الشيعة المجتهدون والإختصاصيون في مختلف العلوم الإسلامية فإنهم كانوا يبذلون قصارى جهدهم لكي ينقلوا بأمانة ما ورد في تفسير القرآن والسنة، وما نقل اليهم من تعاليم الائمة الاثني ويرفضون الإجتهاد في مقابل النص، بل يجتهدون ضمن الاطار العام للاحكام والمبادىء الاسلامية.
وقد رفض السيد " الرضي " قدس الله سره، ـ الرضي والمرتضى أخوان من كبار العلماء ـ أحد كبار علماء الشيعة في أواسط القرن الرابع، رفض اعتماد ركن خاص بالمذهب في الكعبة أو في المسجد الحرام عندما تقرر تحديد أماكن خاصة للمذاهب الأربعة الأخرى هناك. رفض السيد ذلك رغم مكانته الكبيرة وقربه من الحاكم. فالحاكم كان يريد تصنيف المذاهب الإسلامية. نحن الآن لا نشاهد ذلك ولكن سابقا كان هناك محراب يسمى المحراب المالكي، المحراب الشافعي، المحراب الحنفي، والمحراب الحنبلي، وكان أئمة المذاهب يصلون هناك. إذا"، طلب من " الرضي " ان يقام محراب باسم المحراب الجعفري فرفض.
الآن، أنا أسمع كثيرا من الخطباء الشيعة يقولون أن السبب يعود إلى عدم توفر المبلغ المطلوب، اذ دفع السيد الرضي النصف وطلب النصف الآخر من أغنياء الشيعة فخذلوه، ولو كانوا قد دفعوا لكان المذهب الشيعي الآن مذهبا رسميا. هذا الإدعاء في رأينا غير وارد، فالسيد الرضي لا يوضع في نفس المكان مع الآخرين الذين يكرسون المذهبية الفعلية. الاسلام واحد ونحن روايتنا إسلام، فكتب الحديث المعتمدة عند الشيعة مليئة بالنقل عن صحابة النبي وعن كبار رواة المذاهب الأخرى مشروطا بالوثوق والدقة في النقل.
هذا هو الخط الأساس عند الشيعة خلال التاريخ الطويل ورغم ما عانوه من مصاعب قل أن عاناها غيرهم في العالم.
إذا"، مهما فعلوا بنا كشيعة نحن في خدمة المسلمين جميعا، لسنا فئويين، فنحن طليعة المسلمين، نموت لأجل الجميع وليس لأجلنا نحن ـ هذا هو السلوك التاريخي الشيعي. هكذا انا افهم التشيع. اما مذهب لهذا او فئة لهذا لها مصالح وتنظيمات خاصة فليس هناك شيء من هذا. هذا التاريخ، هذا الملهم لنا في حركة المحرومين.
من الطبيعي أن يكون هناك مواقف وآراء تختلف عن هذا الخط العام سيما بعد القرن العاشر الهجري ـ عصر الانحطاط. كثير من الكتب والخطب والمواقف والعادات عند الشيعة كان في مقام رد فعل والرد العاطفي على الاضطهاد العنيف الذي كان يمارس ضدهم.
اليوم يؤخذ علينا كشيعة أن لماذا نسب الخلفاء، نسب أصحاب الرسول.
نقول لهم أن السب ليس جزءا من مذهبنا، إنه مرفوض: الامام علي (ع) سمع جماعة من جيشه يسبون " معاوية " فقال لهم: لا أحبكم قوما سبابين.
السب مرفوض. المذهب الشيعي يرفض سب الخلفاء والاصحاب ولعنهم. ولكن تفسير ما حصل هو ان هذا كان ردا لان معاوية فرض على جميع خطباء الجمعة في العالم ان يلعنوا علي بن ابي طالب على المنابر يوم الجمعة، والصيغة معروفة فكانوا يقولون: اللهم إن أبا تراب قد ألحد في دينك فالعنه لعنا وبيلا.
عمر بن عبد العزيز حذف الفقرة ووضع مكانها: ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر. وهذا حتى الان موجود.
إذا"، تفسير ان اجدادنا كانوا يسبون يعود الى أن الشيعة تعرضوا للضغط، الدفاع كان بحاجة الى بارود والسب كان بمثابة البارود، هذه كانت " شوكة " الشيعة في التاريخ وليس جزءا من المذهب. وعند اللحظة التي تتفهم الامة هذا الواقع فبإمكان علماء الدين أن يحرموها إذ ليست جزءا من الدين أبدا.
والسؤال لماذا هذه الضغوط على الشيعة؟
السبب الأساسي لهذه الضغوط الرسمية على الشيعة في التاريخ، هو ان الشيعة كانوا اقلية خطرة، اقلية عقائدية تعتمد على رؤية إيديولوجية لا تقر بالولاء للخلافة وكان الشيعة يعتبرون أن التعاون مع الحاكم ذل وظلمة ولذلك نجد تعاليم الأئمة وفتاوى الفقهاء مليئة بالإعلان عن مواقف صريحة تجاه الحكم المنحرف والظالم وإن الواجب التصدي له بصورة لا تعرض الأمة للخطر. وهذا كان يشكل خطراً على الأنظمة، ولذلك قتلوهم، سبوهم، نفوهم، حبسوهم، أفقروهم، وشوهوا طريقهم وتاريخهم. وحتى اليوم، في القرن العشرين، وأينما توجهت في العالم العربي يبادرون الشيعة بالقول: انتم تسبون الخلفاء، انتم تؤلهون آل البيت... طبعا، هذا تشويه عقائدي في التاريخ، ونريد أن نوضح هذا الأساس.
ان التشيع في تصور الكثير من الناس هو مذهب فقهي يقابل المذاهب الفقهية الاسلامية، او مذهب كلامي رديف لمذهب المعتزلة والاشاعرة، او هو موقف سياسي ناتج عن الاراء العائدة الى الخلافة الاسلامية بعد رسول الله (ص).
والحقيقة ان التشيع هو رؤية وسلوك إسلاميين بيّنهما الائمة من آل البيت واتباعهم، يتجاوز في أبعاده الإجتهادات الفقهية أو الآراء الكلامية والمواقف السياسية، وإن كانت هذه الأبعاد من نتائج تلك الرؤية والسلوك.
وأول من لفظ كلمة التشيع واستعملها هو الرسول الاكرم حيث قال: " يا علي ستدخل أنت وشيعتك على الله راضيين مرضين ". وكان شيعة علي في عصر الرسول كبار أصحاب الرسول من بينهم فاطمة بنت الرسول وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وغيرهم.
وبإمكاننا أن نخص الرؤية هذه بالرؤية الملتزمة المتطورة التي اصبحت في ما بعد مبدأ الاجتهاد في الدور الديني. كما يمكن تفسير السلوك المشار إليه بأنه التفاني في سبيل خدمة الأمة وتحمل الشقاء وبذل التضحيات دون الجنوح نحو الفئوية والاستئثار.
وبذلك نتمكن ان نعتبر التشيع لعلي في ينابيعه هو رؤية الطليعة المناضلة وسلوك الرواد، وبتعبير آخر انه محاولة الاحتفاظ بالاسلام بوصفه حركة لا مؤسسة ذات مصالح ومنافع ذاتية.
وقد برز بعد وفاة الرسول موقف محدد من علي وشيعته وهو أنهم أصروا على ضرورة تعيين خليفة الرسول بالنص الديني لا بالاختيار والتعيين، واعتبروا أن هذه المهمة؛ وهي بناء المجتمع الجديد على ضوء القيم والمفاهيم الاسلامية والذي بدأ ببنائه الرسول نفسه، إن هذه المهمة تبلغ من الدقة درجة لا يمكن تفويضها إلى الناس وهم في بداية إسلامهم. ذلك لأن تطبيق المبادىء للمرة الاولى بصورة يسمو على المصالح الذاتية وعلى الآراء المختلفة، هو مسألة بالغة الخطورة والتأثير على واقع الاسلام وعلى التاريخ.
سيما وأن الرسول قد أعلن عند عودته من حجة الوداع وفي مكان الجحفة، مفترق طرق الحجاج، وفي اليوم الثامن عشرمن ذي الحجة، أعلن عن ولاية علي بعد أن بلغ الامة بقرب وفاته وبعد ان اشهدهم على ولايته التي وردت في القرآن في الآية: " النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم ". [ الأحزاب /6 ].
وبالرغم من هذا الموقف الأساسي فإن عليا وشيعته بعد الإعلان عن موقفهم لاحظوا خطورة الوضع وحداثة عهد الناس بالاسلام وإمكانية إنفجار المجتمع الجديد فوقفوا مع الخلفاء مؤيدين، ناصحين، مدافعين عن النظام، وأمدوا الأمة بما كان عندهم من روايات نبوية، واجتهادات ومواقف، وكانوا في صميم المجتمع الاسلامي غير منفصلين ولا متربصين ولا شامتين، حتى أصبح القول المأثور عن أحد الخلفاء الراشدين " لاأبقاني الله لمعضلة وليس أبو الحسن " أصبح مثلا.
وإستمر الائمة من آل البيت في هذا الخط يصونون الاسلام بمواقفهم التي كانت تتنوع حسب مواقف الخلفاء وحسب استجابة الأمة. فالحسن بن علي الذي صالح معاوية، وعلي بن الحسين، الملقب بالسجاد وهو الامام الرابع من ائمة الشيعة، لم يستمرا في الثورة المسلحة بل كانا يعلنان عن الأحكام الإسلامية وعن الإنحرافات الرسمية بأساليب هادفة، تربوية، ودعائية وغيرها، وكانا يحافظان على الإسلام ويحميانه.
أما الحسين بن علي فقد خرج ثائرا لكي يدين الانحرافات الخطيرة التي كان يمارسها يزيد بن معاوية، والتي كانت تهدد الكيان وتشوه حقائق الاسلام.
وكانت الظروف ملائمة للتوعية والتعليم وتربية المجتهدين وتطوير الفكر الاسلامي في أواخر القرن الأول الهجري إلى أواسط القرن الثاني مجالا رحبا للصادقين، الإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق، حيث كان الخلفاء الأمويون ملتهين بمشاكلهم الداخلية وبصراعهم مع العباسيين، وحيث التقى المجتمع الاسلامي بالمجتمعات الأخرى فوجد نفسه أمام آلاف من الأسئلة والمواضيع الجديدة، وكان بحاجة ملحة إلى قيادة فكرية أصيلة متطورة.
والتعاليم التي حفظت عن الإمامين والتي جعلت الصفة التابعة للشيعة بالجعفريين ليست مختصة بالفقه بل إنها تشمل طريقة فهم القرآن والأصالة والإيديولوجية في المسائل الأصولية أمام التيارات الفكرية التي تأثرت بالفكر الإغريقي أو غيره، كما أنها تحتوي على التوجيه العلمي في مختلف الحقول، وعلى الإنفتاح تجاه الثقافات مع حفظ الأصالة. وقضى موسى بن جعفر حياته بين نفي وسجن واضطهاد ولكنه بقي ينصح ويطرح الصورة الصحيحة للاسلام تماما" مثل إبنيه الرضا والجواد اللذين عاشا مضطهدين بالقرب من الخلفاء، ومثل حفيديه الهادي والعسكري اللذين بقيا سنين مسجونين في ثكنة العسكر.
ثانياً ـ الشيعة طليعة الأمة لا فئوية ولا مذهبية:
وفي جميع الروايات الواردة عن الباقر والصادق وعن غيرهما من الائمة الاثني عشر تشكل كلماتهم وسرهم مصدرا واسعا من مصادر التشيع يظهر الإلتزام الإسلامي العام وأن ما يقولونه مروي عن الرسول، ولا يشعر الباحث عنها إطلاقا، برائحة الفئوية المذهبية والإنفصال عن الأمة، بل أنهم كثيرا ما كانوا ينتقدون موقف بعض القادة من خلفاء وعلماء بسبب التفرد وعدم الإنسجام مع ما ورد في الكتاب والسنة.
أما علماء الشيعة المجتهدون والإختصاصيون في مختلف العلوم الإسلامية فإنهم كانوا يبذلون قصارى جهدهم لكي ينقلوا بأمانة ما ورد في تفسير القرآن والسنة، وما نقل اليهم من تعاليم الائمة الاثني ويرفضون الإجتهاد في مقابل النص، بل يجتهدون ضمن الاطار العام للاحكام والمبادىء الاسلامية.
وقد رفض السيد " الرضي " قدس الله سره، ـ الرضي والمرتضى أخوان من كبار العلماء ـ أحد كبار علماء الشيعة في أواسط القرن الرابع، رفض اعتماد ركن خاص بالمذهب في الكعبة أو في المسجد الحرام عندما تقرر تحديد أماكن خاصة للمذاهب الأربعة الأخرى هناك. رفض السيد ذلك رغم مكانته الكبيرة وقربه من الحاكم. فالحاكم كان يريد تصنيف المذاهب الإسلامية. نحن الآن لا نشاهد ذلك ولكن سابقا كان هناك محراب يسمى المحراب المالكي، المحراب الشافعي، المحراب الحنفي، والمحراب الحنبلي، وكان أئمة المذاهب يصلون هناك. إذا"، طلب من " الرضي " ان يقام محراب باسم المحراب الجعفري فرفض.
الآن، أنا أسمع كثيرا من الخطباء الشيعة يقولون أن السبب يعود إلى عدم توفر المبلغ المطلوب، اذ دفع السيد الرضي النصف وطلب النصف الآخر من أغنياء الشيعة فخذلوه، ولو كانوا قد دفعوا لكان المذهب الشيعي الآن مذهبا رسميا. هذا الإدعاء في رأينا غير وارد، فالسيد الرضي لا يوضع في نفس المكان مع الآخرين الذين يكرسون المذهبية الفعلية. الاسلام واحد ونحن روايتنا إسلام، فكتب الحديث المعتمدة عند الشيعة مليئة بالنقل عن صحابة النبي وعن كبار رواة المذاهب الأخرى مشروطا بالوثوق والدقة في النقل.
هذا هو الخط الأساس عند الشيعة خلال التاريخ الطويل ورغم ما عانوه من مصاعب قل أن عاناها غيرهم في العالم.
إذا"، مهما فعلوا بنا كشيعة نحن في خدمة المسلمين جميعا، لسنا فئويين، فنحن طليعة المسلمين، نموت لأجل الجميع وليس لأجلنا نحن ـ هذا هو السلوك التاريخي الشيعي. هكذا انا افهم التشيع. اما مذهب لهذا او فئة لهذا لها مصالح وتنظيمات خاصة فليس هناك شيء من هذا. هذا التاريخ، هذا الملهم لنا في حركة المحرومين.
من الطبيعي أن يكون هناك مواقف وآراء تختلف عن هذا الخط العام سيما بعد القرن العاشر الهجري ـ عصر الانحطاط. كثير من الكتب والخطب والمواقف والعادات عند الشيعة كان في مقام رد فعل والرد العاطفي على الاضطهاد العنيف الذي كان يمارس ضدهم.
اليوم يؤخذ علينا كشيعة أن لماذا نسب الخلفاء، نسب أصحاب الرسول.
نقول لهم أن السب ليس جزءا من مذهبنا، إنه مرفوض: الامام علي (ع) سمع جماعة من جيشه يسبون " معاوية " فقال لهم: لا أحبكم قوما سبابين.
السب مرفوض. المذهب الشيعي يرفض سب الخلفاء والاصحاب ولعنهم. ولكن تفسير ما حصل هو ان هذا كان ردا لان معاوية فرض على جميع خطباء الجمعة في العالم ان يلعنوا علي بن ابي طالب على المنابر يوم الجمعة، والصيغة معروفة فكانوا يقولون: اللهم إن أبا تراب قد ألحد في دينك فالعنه لعنا وبيلا.
عمر بن عبد العزيز حذف الفقرة ووضع مكانها: ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر. وهذا حتى الان موجود.
إذا"، تفسير ان اجدادنا كانوا يسبون يعود الى أن الشيعة تعرضوا للضغط، الدفاع كان بحاجة الى بارود والسب كان بمثابة البارود، هذه كانت " شوكة " الشيعة في التاريخ وليس جزءا من المذهب. وعند اللحظة التي تتفهم الامة هذا الواقع فبإمكان علماء الدين أن يحرموها إذ ليست جزءا من الدين أبدا.
والسؤال لماذا هذه الضغوط على الشيعة؟
السبب الأساسي لهذه الضغوط الرسمية على الشيعة في التاريخ، هو ان الشيعة كانوا اقلية خطرة، اقلية عقائدية تعتمد على رؤية إيديولوجية لا تقر بالولاء للخلافة وكان الشيعة يعتبرون أن التعاون مع الحاكم ذل وظلمة ولذلك نجد تعاليم الأئمة وفتاوى الفقهاء مليئة بالإعلان عن مواقف صريحة تجاه الحكم المنحرف والظالم وإن الواجب التصدي له بصورة لا تعرض الأمة للخطر. وهذا كان يشكل خطراً على الأنظمة، ولذلك قتلوهم، سبوهم، نفوهم، حبسوهم، أفقروهم، وشوهوا طريقهم وتاريخهم. وحتى اليوم، في القرن العشرين، وأينما توجهت في العالم العربي يبادرون الشيعة بالقول: انتم تسبون الخلفاء، انتم تؤلهون آل البيت... طبعا، هذا تشويه عقائدي في التاريخ، ونريد أن نوضح هذا الأساس.
تعليق