البجث لاية الله العلامة السيد علي ابو الحسن
حب ابي بكر لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم
قال الله تعالى في محكم متابه:
*<قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم>*(1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((أعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)).
أقول :
تفصيل معنى هذا الحديث ان يقال:
إن أي شخص إما ان يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يحب ربه جلّ وعلا, او العكس ,او ان يحبهما معاً, او لا يحبهما جميعاً.
وحبّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بما هو رسول رب العالمين لا يمكن ان يتحقق مع عدم تحقق حب الله تعالى,إذ كيف يحبه بما هو رسول ربه, ولا يحب ربه؟!
الفهرس
(1)سورة آل عمران الآية 31.
ص 2
وحبّ الله تعالى دون حب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتم إلا في مورد الجهل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,وإلا فمع العلم به والاطلاع عليه, فلا يكون مدعي حب الله تعالى إلا كاذباً. وإلا فكيف يدّعي حبّ الله تعالى بما هو لطيف بعباده, رحيم بخلقه, علماً بأن ذلك يقضي بأن يبعث رسلاً مبشرين منذرين معرّفين عنه , ومع ذلك لا يحب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مظهر رحمته سبحانه.
فيتلخص أن مثل ابي بكر الصدّيق وهو صاحب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المعترف ظاهراً بنبوته, لا يخلو حاله,إما أنه يحب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويحب ربه سبحانه حباً حقيقياً وحقاً, او انه لا يحبهما.
واذا صدق العبد في حبه لله تعالى, فإنه لا محالة سيحبه الله تعالى ,ولا يمكن احتمال ان يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن لا يحبه, فإنه صلى الله عليه وآله وسلم ليس في طرف الضد لله تعالى.
والمولى تعالى لا يخدعه احد, فإنه سبحانه إما أن يعلم بأن عبده صادق ,او أنه غير صادق.
لذا يستطيع كل احد ان يدّعي الحب لله تعالى ,بقطع النظر عن كون سكناته وأفعاله وحر كاته منسجمة مع أوامره سبحانه أو غير منسجمة, ولكن ليس لأحد أن يدّعي بأن الله تعالى يحبه, اللهم إلا إذا اطلع الغيب.
فإذا شهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأحد بأنه يحبه هو وربه, كشف ذلك بنحو اليقين على ان ذاك الشخص ممن صدق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في حبه لهما.
ص 3
وإذا شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعكس فإن ذلك كاشف قطعي عن ان ذاك الشخص غير صادق في ادعائه الحب لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ,ولو انه صادق لأحبه المولى سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,فإنهما يحبان كل صادق ,ويبغضان كل منافق.
ثم في المقابل ,يمكن ان يكون عند صنف من الناس درجة دنيا من المحبة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,ولكن مع ذلك يعصي ويخالف الأوامر الإلهية,دون ان يكون في حد ذاته من المتمردين المعاندين.
وهذا الصنف من الناس لا يصح ان يقال لهم: إنكم لا تحبون الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم, فإنهم قطعاً يحبونهما بدرجة معينة ,نعم يصح ان ننفي عنهم حبهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بنحو مطلق ,اي بنحو تام.
فهذا الصنف يحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,ولكن لا بنحو كامل مطلق.
فتلخص ان الناس اما يصح ان ننفي عنهم مرتبة الحب لله تعالى او نثبتها بنحو مطلق,او ننفيها بنحو جزئي فتثبت حينئذ بنحو جزئي ايضاً.
بينما حب الله تعالى لشخص لا يحتمل هذا التشقيق, فإما ان الله تعالى يحب الشخص او لا يحبه, بغض النظر عن كون الشخص الذي لا يحبه الله تعالى فيه بعض الجهات من الحسن, فإن في هذه الحالة سيكون المولى تعالى محباً لتلك الخصال والجهات ,ليس إلا.
لهذا ,فإن ثبوت عدم حب الله تعالى لشخص يكشف عن ذاك الشخص ممن لا يؤمن بالله تعالى ,إذ كيف لله تعالى ان لا يحب من يؤمن به, ويعتقد بربوبيته!!
وبعبارة ثالثة واضحة:إن الكافر او المنافق مثلاً لا يمكن ان يحبهما الله تعالى, وان كان قد يحب فعلهما فيما إذا كان حسناً.
ثم إنني سمعت المولى جلت كلمته يقول في محكم كتابه *<قل إنّ كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم>*.
ص 4
أقول:
وقد ثبت فيما تقدم في الفضيلة الثانية بنحو لا يشوبه شك, ان ابا بكر لم يكن تابعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,فإنه لم يكن منه, والآية الكريمة صريحة في ان غير التابع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون ممن يحب الله تعالى.
فمن يحب الله تعالى يتبع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,ومن يتبع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يكن منه, وفي المقابل من لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو تابع له, ومن لم يكن تابعاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون ممن يحب الله تعالى.
فالمولى سبحانه يأمر رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأن قل لأصحابك :إن كنتم صادقين في ادعائكم الحب لله تعالى, فاتبعوني, فإن اتباعكم لي يعني سلوككم مسلك الحق والصواب, ومن يسلك جادة الهدى والرشاد يحبه الله تعالى.
وبديهي أنّ من لا يتبع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون واقعاً محباً لله تعالى, وإلا لصدق في اتباعه لمن أمر سبحانه باتباعه.
هذا وقد أخرج احمد بن حنبل,والبخاري,ومسلم ,والبيهقي, والنسائي, وابو يعلى بإسنادهم عن سهل بن سعد – واللفظ للبخاري – ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه, يحب الله ورسوله ,ويحبه الله ورسوله ,قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها, فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو ان يعطاها , فقال: أين علي بن ابي طالب, فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه ,قال: فأرسلوا إليه فأتي به, فبصق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع,فأعطاه الراية(1).
وأخرج ابن ابي شيبة ,وابن حنبل ,ومسلم,وغيرهم بإسنادهم عن أبي هريرة-واللفظ لمسلم –أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر:لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ,يفتح الله على يديه, قال عمر بن الخطاب:ما أحببت الإمارة إلا يومئذ, قال: فتساورت لها رجاءً أن أدعى لها, قال:فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياه, وقال: امش(2).
الفهرس
(1)مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 333,فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ص 15-16, صحيح البخاري ج 4 ص 20-207 وج 5 ص 76,صحيح مسلم ج 7 ص 121, السنن الكبرى للبيهقي ج 9 ص 106-107,السنن الكبرى للنسائي ج 5 ح 8403 ص 110, خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي ص 55-56, مسند أبي يعلى ج 13 ح 7527 ص 522وح 7537 ص 531.
(2)المصنف لابن ابي شيبة الكوفي ج 7 ح 33 ص 500 وج 8 ح 10 ص 522,فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ص 16,صحيح مسلم ج 7 ص 121,مسند أبي داود الطيالسي ص 320,مسند ابن راهويه ج 1 ص 253,السنن الكبرى للنسائي ج 5 ح 8151 ص 46 وح 8404 ص 110, صحيح ابن حبان ج 15 ص 379-380,كتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ح 1377 ص 594, الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج 2 ص 110, تاريخ بغداد ج 8 رقم 4036 ص 5.
ص 5
اقول:
كون عمر بن الخطاب قد طمع في ان يأخذ الراية, لا ينافي كونه ممن سبق أن أخذها ورجع,فإنّ الطمع بالمنصب او الرياسة من صفة غالب البشر, ومن الطبيعي للناس العاديين ان يطمعوا في شيء ذي فضل عظيم بنية صالحة او فاسدة, وإن كانوا في قرارة أنفسهم يدركون جيداً أنهم ليسوا أهلاً لذلك, غير أنّ ذلك لا ينفي الأمل لديهم.
واخرج البخاري ,ومسلم , والبيهقي, والطبراني بإسنادهم عن سلمة بن الأكوع- واللفظ للبخاري- قال كان عليّ عليه السلام تخلّف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر,وكان به رمد,فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !فخرج عليّ عليه السلام فلحق بالنبي عليه السلام فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :لأعطين الراية او قال ليأخذن غداً رجل يحبه الله ورسوله,او قال يحب الله ورسوله يفتح الله عليه, فإذا نحن بعليّ وما نرجوه, فقالوا:هذا عليّ عليه السلام فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,ففتح الله عليه(1).
الفهرس
(1)صحيح البخاري ج 4 ص 12و207, صحيح مسلم ج 7 ص 122,السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 362,المعجم الكبير للطبراني ج 7 ص 13 و31و36.
ص 6
اقول :
وفي سنن البيهقي بإسناده عن سلمة قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,فذكر الحديث بطوله, قال:فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عليّ عليه السلام يدعوه وهو أرمد..(1).
اقول:
وا لثبته البيهقي بقوله (فذكر الحديث بطوله)), يدل بوضوح على أنّ هناك زيادة تخص المورد, وقد صدق بعض حفّاظهم مع أنفسهم في المقام فأورد الحديث بتمامه.
الفهرس
(1)السنن الكبرى للبيهقي ج 9 ص 131.
ص 7
الحديث الأول:
اخرج ابن ابي اسامة,والطبراني,وابن عساكر,وابن كثير بإسنادهم عن سلمة بن الأكوع – واللفظ لابن ابي اسامة – قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابا بكر بن ابي قحافة الصدّيق برايته إلى بعض حصون خيبر فقاتل فرجع ولم يك فتحاً وقد جهد, ثم بعث عمر بن الخطاب الغد فقاتل ثم رجع ولم يك فتحاً وقد جهد,فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله, يفتح الله على يديه ليس بفرار, قال سلمة: فدعا عليّ بن ابي طالب عليه السلام وهو أرمد فتفل في عينيه, ثم قال: خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك(1).
الفهرس
(1)بغية الباحث للحارث بن ابي اسامة ح 694 ص 218, المعجم الكبير للطبراني ج 7 ص 35, تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 90, البداية والنهاية لابن كثير ج 4 ص 212.
ص8
اقول:
أولاً:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((ليس بفرار))يناقض ما في الخبر من لفظ((وجهد)), فإن الذي يجهد نفسه في القتال ولا يوفّق لا يكون فراراً, ولا معنى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ((يفتح الله على يديه ليس بفرار))لولا ان ابا بكر وعمر قد فرا وهربا.
ثانياً:
الحديث بهذه السياقة التي أخرجها ابن ابي اسامة والطبراني وابن عساكر فضلاً عن كونه موافقاً لما سيأتي من احاديث صحيحة, فإن معه يستقيم سياق فقراته.
توضيح ذلك: ان قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه,لا يكاد يتم له في اتركيب سلامة,إلا مع تقدم حدوث ما ينافيه ويعاكسه, فإنه مع ذهاب احد بالراية وعدم توفيقه بالفتح يستقيم القول: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله عليه, وكل متأمل في النص بالكيفية التي اخرجها البخاري ومسلم وغيرهما, يجزم بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم كان مسبوقاً بحدث كانت نتيجته خلاف ما وعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بتحققه حين اعطي الراية لأمير المؤمنين عليه السلام.
على ان النحو الذي اخرجوه به الحديث من جهة عدم اشتماله على التفصيل لا يشتمل على ما ينفي ما اثبتته بعض النصوص الأخرى التي سيوافيك التعرض لها.
بمعنى أن ما سيأتي من الأحاديث المصرّحة بأن ابا بكر وعمر كانا قد اخذا الراية قبل ان يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام قوله ذاك, لا ينافي هذه الأحاديث الخالية عن بيان تلك الخصوصية, فإن هذه الأحاديث تدل على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قوله ذاك, وليست تدل على انه لم يكن قد حدث شيء آخر.
ص 9
وبعبارة أخرى:
هذه الأحاديث حكت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحسب, وتلك الأحاديث اشتملت على بيان خصوصية أخرى لا تنفيها هذه الأحاديث بأي نجو من الأنحاء.
فهل أنه كان قد حدث أمر ما, أو لم يكن قد حدث شيء سبق قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قاله, فهذه الأحاديث غير متعرّضة لذلك لا نفياً ولا إثباتاً, وعليه فإن ثبت من خلال روايات الثقات ان أمراً ما كان قد حصل, فاللازم الأخذ به, ولا مجال لادعاء معارضته لما سكتت عن بيانه هذه الأحاديث.
وأمثلته العرفية كثيرة جداً, ويكاد لا يخلو كلام الناقلين لأية حادثة وقعت عن مثله.
ففلان مثلاً يقول:كنت يوم الجمعة في بغداد ,فسمعت خطيب الجمعة فيها يقول: إن عدونا ظالم, ويأتينا شخص آخر يقول, كنت يوم الجمعة في بغداد , فسمعت خطيب الجمعة فيها يقول: قصف العدو بيوت المدنيين,إن عدونا ظالم.
فهل أن النص الأول والنص الثاني يتنافيان؟!طبعاً لا.
مع ان الأمر في ما نحن فيه أوضح, ذلك لاشتمال الحديث على صياغة لا تصح عرفاً إلا مع وقوع حدث ما,إذ لا بد وان يكون هناك احد قد ذهب بالراية ولم يفتح الله عليه , حتى يصح ان يقال: لأبعثن او لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه.
ص 10
الحديث الثاني:
اخرج ابن حبان في الثقات من طريق ابي سفيان, قال: اخبرنا محمد بن حسن بن قتيبة, اخبرنا بن ابي السري, حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا معمر, عن الزهري, عن عبيد الله ,عن عبدالله بن عباس, قال:حدثني ابو سفيان بن حرب – في حديث طويل عن غزوة خيبر: قال: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحاً, ثم بعث آخر يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحاً, وحمى الحرب بينهم وتقاعسوا, فقال صلى الله عليه وآله وسلم :لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ,ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار, فلما اصبح دعا علياً عليه السلام وهو أرمد فتفل في عينيه فبرأ, ثم قال: خذ هذه الراية واقبض بها حتى يفتح الله عليك(1).
اقول:ورجال الحديث ثقات(2).
الفهرس
(1)الثقات لابن حبان ج 2 ص 1 وص 11-13.
(2)اما ابو سفيان بن حرب, فهو من رجال البخاري ومسلم,قد عدوه من الصحابة.(الإصابة ج 3 رقم 4066 ص 332, اسد الغابة ج 3 ص 12, تهذيب الكمال للمزي ج 13 رقم 2855 ص 119),وجميع الصحابة عند أبناء العامة ثقات.
ص 11
واما ابن عباس, فهو من افاضل الصحابة ايضاً, وقد تقدم بيان حال الزهري محمد بن مسلم ص 120, ومعمر بن راشد ص 119, وعبد الرزاق بن همام ص 170.
1-عبيد الله.
اقول:
إن الزهري محمد بن مسلم ,قد روى عبيد الله بن ابي رافع, وعبيد الله بن عبدالله بن ثعلبة الانصاري, وعبيدالله بن عبدالله بن ابي ثور,وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ,وعبيد الله بن عبدالله بن عمر بن الخطاب ,وعبيد الله ابن عياض المدني.(تهذيب الكمال للمزي ج 26 ص 424).
اقول:
اما ابن ابي رافع, وابن ثعلبة, وابن الخطاب,وابن عياض, فلم يرو احدهم عن ابن عباس,(تهذيب الكمال ج 19 رقم 3632 ص 34 ورقم 3649 ص 66 ورقم 3654 ص 77 ورقم 3672 ص 139),وعليه فيتعين ان يكون عبيد الله هو إما ابن ثور او ابن عتبة.
قال المزي:عبيد الله بن عبدالله بن ابي ثور القرشي المدني, روى عن عبدالله بن عباس, روى عنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.(تهذيب الكمال ج 19 رقم 3650 ص 68).
اقول: مضافاً غلى انه من رجال البخاري ومسلم, ورجالهما حجة عند ابناء العامة, فقد صحح حديثه الترمذي ,والحاكم ,وذكره ابن حبان في الثقات ,ووثقه ابن حجر ,وقال الذهبي: وثق.(سنن الترمذي ج 4 ذيل ح 2579 ص 55 وج 5 ذيل ح 3374 ص 96, المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 104 ,الثقات لابن حبان ج 5 ص 65, من له رواية في كتب الستة ج 1 رقم 3560 ص 681, تقريب التهذيب ج 1 ص 634).
ص 12
2- عبيدالله بن عتبة.
قال المزي:عبيد الله بن عتبة بن مسعود الباهلي, ابو عبد الله المدني الفقيه الاعمى احد الفقهاء السبعة بالمدينة ,روى عن عبدالله بن عباس ,روى عنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.(تهذيب الكمال ج 19 رقم 3653 ص 73-74)
قال :عثمان بن سعيد الدرامي: سألت يحيى بن معين ,قلت :عكرمة احب اليك عن ابن عباس او عبيد الله بن عبدالله ؟ قال:كلاهما ولم يخير. وقال الواقدي: كان عالماً, وكان ثقة, فقيهاً, كثير الحديث والعلم. ووثقه العجلي, وابو زرعة, وذكره ابن حبان في المشاهير.
وقال النسائي :احسن الأسانيد التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اربعة منها: الزهري, عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ,عن ابن عباس.(الطبقات الكبرى ج 5 ص 250, الجرح والتعديل للرازي ج 5 رقم 1517 ص 319-320, معرفة الثقات ج 2 رقم 1161 ص 111-112, رسائل في علوم الحديث للنسائي ص 67, مشاهير علماء الأمصار رقم 429 ص 106, تهذيب الكمال ج 19 ص 75-77, تذكرة الحفاظ ج 1 رقم 75 ص 78- 79, تهذيب التهذيب ج 7 رقم 50 ص 22- 23).
2- محمد بن المتوكل بن ابي السري المسقلاني.
وثقه ابن معين, والحاكم في المستدرك ,وذكره ابن حبان في الثقات . وقال الذهبي:محمد بن ابي السري, الحافظ الصدوق, محدث فلسطين .(الثقات لابن حبان ج 9 ص 88, المستدرك على الصحيحين ج 1 ص 234 وج 3 ص 605,تذكرة الحفاظ ج 2 رقم 486 ص 473, لسان الميزان ج 7 رقم 4729 ص 373).
ص13
3- محمد بن الحسن بن قتيبة.
اقول: لو لم يكن إلا انه معتمد ابن عدي في الكامل , وابن حبان في الثقات ,لكفى آية على غاية جلالته عند ابناء العامة, فإنهما اعتمداه في الجرح والتعديل.
ووثقه الدارقطني , وقال الذهبي: الإمام الثقة, المحدث الكبير, ابو عباس, محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي المسقلاني, وكان مسند اهل فلسطين ,ذا معرفة وصدق . وقال ابو الحسين الحافظ:كان من أماثل اهل الشام .(تاريخ مدينة دمشق ج 52 رقم 6232 ص 317- 320,سؤالات حمزة للدارقطني رقم 12 ص 78, تذكرة الحفاظ ج 2 رقم 765 ص 764, سير أعلام النبلاء ج 14 رقم 189 ص 292).
حب ابي بكر لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم
قال الله تعالى في محكم متابه:
*<قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم>*(1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((أعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)).
أقول :
تفصيل معنى هذا الحديث ان يقال:
إن أي شخص إما ان يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يحب ربه جلّ وعلا, او العكس ,او ان يحبهما معاً, او لا يحبهما جميعاً.
وحبّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بما هو رسول رب العالمين لا يمكن ان يتحقق مع عدم تحقق حب الله تعالى,إذ كيف يحبه بما هو رسول ربه, ولا يحب ربه؟!
الفهرس
(1)سورة آل عمران الآية 31.
ص 2
وحبّ الله تعالى دون حب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتم إلا في مورد الجهل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,وإلا فمع العلم به والاطلاع عليه, فلا يكون مدعي حب الله تعالى إلا كاذباً. وإلا فكيف يدّعي حبّ الله تعالى بما هو لطيف بعباده, رحيم بخلقه, علماً بأن ذلك يقضي بأن يبعث رسلاً مبشرين منذرين معرّفين عنه , ومع ذلك لا يحب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مظهر رحمته سبحانه.
فيتلخص أن مثل ابي بكر الصدّيق وهو صاحب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المعترف ظاهراً بنبوته, لا يخلو حاله,إما أنه يحب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويحب ربه سبحانه حباً حقيقياً وحقاً, او انه لا يحبهما.
واذا صدق العبد في حبه لله تعالى, فإنه لا محالة سيحبه الله تعالى ,ولا يمكن احتمال ان يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن لا يحبه, فإنه صلى الله عليه وآله وسلم ليس في طرف الضد لله تعالى.
والمولى تعالى لا يخدعه احد, فإنه سبحانه إما أن يعلم بأن عبده صادق ,او أنه غير صادق.
لذا يستطيع كل احد ان يدّعي الحب لله تعالى ,بقطع النظر عن كون سكناته وأفعاله وحر كاته منسجمة مع أوامره سبحانه أو غير منسجمة, ولكن ليس لأحد أن يدّعي بأن الله تعالى يحبه, اللهم إلا إذا اطلع الغيب.
فإذا شهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأحد بأنه يحبه هو وربه, كشف ذلك بنحو اليقين على ان ذاك الشخص ممن صدق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في حبه لهما.
ص 3
وإذا شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعكس فإن ذلك كاشف قطعي عن ان ذاك الشخص غير صادق في ادعائه الحب لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ,ولو انه صادق لأحبه المولى سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,فإنهما يحبان كل صادق ,ويبغضان كل منافق.
ثم في المقابل ,يمكن ان يكون عند صنف من الناس درجة دنيا من المحبة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,ولكن مع ذلك يعصي ويخالف الأوامر الإلهية,دون ان يكون في حد ذاته من المتمردين المعاندين.
وهذا الصنف من الناس لا يصح ان يقال لهم: إنكم لا تحبون الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم, فإنهم قطعاً يحبونهما بدرجة معينة ,نعم يصح ان ننفي عنهم حبهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بنحو مطلق ,اي بنحو تام.
فهذا الصنف يحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,ولكن لا بنحو كامل مطلق.
فتلخص ان الناس اما يصح ان ننفي عنهم مرتبة الحب لله تعالى او نثبتها بنحو مطلق,او ننفيها بنحو جزئي فتثبت حينئذ بنحو جزئي ايضاً.
بينما حب الله تعالى لشخص لا يحتمل هذا التشقيق, فإما ان الله تعالى يحب الشخص او لا يحبه, بغض النظر عن كون الشخص الذي لا يحبه الله تعالى فيه بعض الجهات من الحسن, فإن في هذه الحالة سيكون المولى تعالى محباً لتلك الخصال والجهات ,ليس إلا.
لهذا ,فإن ثبوت عدم حب الله تعالى لشخص يكشف عن ذاك الشخص ممن لا يؤمن بالله تعالى ,إذ كيف لله تعالى ان لا يحب من يؤمن به, ويعتقد بربوبيته!!
وبعبارة ثالثة واضحة:إن الكافر او المنافق مثلاً لا يمكن ان يحبهما الله تعالى, وان كان قد يحب فعلهما فيما إذا كان حسناً.
ثم إنني سمعت المولى جلت كلمته يقول في محكم كتابه *<قل إنّ كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم>*.
ص 4
أقول:
وقد ثبت فيما تقدم في الفضيلة الثانية بنحو لا يشوبه شك, ان ابا بكر لم يكن تابعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,فإنه لم يكن منه, والآية الكريمة صريحة في ان غير التابع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون ممن يحب الله تعالى.
فمن يحب الله تعالى يتبع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,ومن يتبع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يكن منه, وفي المقابل من لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو تابع له, ومن لم يكن تابعاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون ممن يحب الله تعالى.
فالمولى سبحانه يأمر رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأن قل لأصحابك :إن كنتم صادقين في ادعائكم الحب لله تعالى, فاتبعوني, فإن اتباعكم لي يعني سلوككم مسلك الحق والصواب, ومن يسلك جادة الهدى والرشاد يحبه الله تعالى.
وبديهي أنّ من لا يتبع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون واقعاً محباً لله تعالى, وإلا لصدق في اتباعه لمن أمر سبحانه باتباعه.
هذا وقد أخرج احمد بن حنبل,والبخاري,ومسلم ,والبيهقي, والنسائي, وابو يعلى بإسنادهم عن سهل بن سعد – واللفظ للبخاري – ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه, يحب الله ورسوله ,ويحبه الله ورسوله ,قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها, فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو ان يعطاها , فقال: أين علي بن ابي طالب, فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه ,قال: فأرسلوا إليه فأتي به, فبصق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع,فأعطاه الراية(1).
وأخرج ابن ابي شيبة ,وابن حنبل ,ومسلم,وغيرهم بإسنادهم عن أبي هريرة-واللفظ لمسلم –أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر:لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ,يفتح الله على يديه, قال عمر بن الخطاب:ما أحببت الإمارة إلا يومئذ, قال: فتساورت لها رجاءً أن أدعى لها, قال:فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياه, وقال: امش(2).
الفهرس
(1)مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 333,فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ص 15-16, صحيح البخاري ج 4 ص 20-207 وج 5 ص 76,صحيح مسلم ج 7 ص 121, السنن الكبرى للبيهقي ج 9 ص 106-107,السنن الكبرى للنسائي ج 5 ح 8403 ص 110, خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي ص 55-56, مسند أبي يعلى ج 13 ح 7527 ص 522وح 7537 ص 531.
(2)المصنف لابن ابي شيبة الكوفي ج 7 ح 33 ص 500 وج 8 ح 10 ص 522,فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ص 16,صحيح مسلم ج 7 ص 121,مسند أبي داود الطيالسي ص 320,مسند ابن راهويه ج 1 ص 253,السنن الكبرى للنسائي ج 5 ح 8151 ص 46 وح 8404 ص 110, صحيح ابن حبان ج 15 ص 379-380,كتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ح 1377 ص 594, الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج 2 ص 110, تاريخ بغداد ج 8 رقم 4036 ص 5.
ص 5
اقول:
كون عمر بن الخطاب قد طمع في ان يأخذ الراية, لا ينافي كونه ممن سبق أن أخذها ورجع,فإنّ الطمع بالمنصب او الرياسة من صفة غالب البشر, ومن الطبيعي للناس العاديين ان يطمعوا في شيء ذي فضل عظيم بنية صالحة او فاسدة, وإن كانوا في قرارة أنفسهم يدركون جيداً أنهم ليسوا أهلاً لذلك, غير أنّ ذلك لا ينفي الأمل لديهم.
واخرج البخاري ,ومسلم , والبيهقي, والطبراني بإسنادهم عن سلمة بن الأكوع- واللفظ للبخاري- قال كان عليّ عليه السلام تخلّف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر,وكان به رمد,فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !فخرج عليّ عليه السلام فلحق بالنبي عليه السلام فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :لأعطين الراية او قال ليأخذن غداً رجل يحبه الله ورسوله,او قال يحب الله ورسوله يفتح الله عليه, فإذا نحن بعليّ وما نرجوه, فقالوا:هذا عليّ عليه السلام فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,ففتح الله عليه(1).
الفهرس
(1)صحيح البخاري ج 4 ص 12و207, صحيح مسلم ج 7 ص 122,السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 362,المعجم الكبير للطبراني ج 7 ص 13 و31و36.
ص 6
اقول :
وفي سنن البيهقي بإسناده عن سلمة قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,فذكر الحديث بطوله, قال:فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عليّ عليه السلام يدعوه وهو أرمد..(1).
اقول:
وا لثبته البيهقي بقوله (فذكر الحديث بطوله)), يدل بوضوح على أنّ هناك زيادة تخص المورد, وقد صدق بعض حفّاظهم مع أنفسهم في المقام فأورد الحديث بتمامه.
الفهرس
(1)السنن الكبرى للبيهقي ج 9 ص 131.
ص 7
الحديث الأول:
اخرج ابن ابي اسامة,والطبراني,وابن عساكر,وابن كثير بإسنادهم عن سلمة بن الأكوع – واللفظ لابن ابي اسامة – قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابا بكر بن ابي قحافة الصدّيق برايته إلى بعض حصون خيبر فقاتل فرجع ولم يك فتحاً وقد جهد, ثم بعث عمر بن الخطاب الغد فقاتل ثم رجع ولم يك فتحاً وقد جهد,فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله, يفتح الله على يديه ليس بفرار, قال سلمة: فدعا عليّ بن ابي طالب عليه السلام وهو أرمد فتفل في عينيه, ثم قال: خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك(1).
الفهرس
(1)بغية الباحث للحارث بن ابي اسامة ح 694 ص 218, المعجم الكبير للطبراني ج 7 ص 35, تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 90, البداية والنهاية لابن كثير ج 4 ص 212.
ص8
اقول:
أولاً:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((ليس بفرار))يناقض ما في الخبر من لفظ((وجهد)), فإن الذي يجهد نفسه في القتال ولا يوفّق لا يكون فراراً, ولا معنى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ((يفتح الله على يديه ليس بفرار))لولا ان ابا بكر وعمر قد فرا وهربا.
ثانياً:
الحديث بهذه السياقة التي أخرجها ابن ابي اسامة والطبراني وابن عساكر فضلاً عن كونه موافقاً لما سيأتي من احاديث صحيحة, فإن معه يستقيم سياق فقراته.
توضيح ذلك: ان قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه,لا يكاد يتم له في اتركيب سلامة,إلا مع تقدم حدوث ما ينافيه ويعاكسه, فإنه مع ذهاب احد بالراية وعدم توفيقه بالفتح يستقيم القول: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله عليه, وكل متأمل في النص بالكيفية التي اخرجها البخاري ومسلم وغيرهما, يجزم بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم كان مسبوقاً بحدث كانت نتيجته خلاف ما وعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بتحققه حين اعطي الراية لأمير المؤمنين عليه السلام.
على ان النحو الذي اخرجوه به الحديث من جهة عدم اشتماله على التفصيل لا يشتمل على ما ينفي ما اثبتته بعض النصوص الأخرى التي سيوافيك التعرض لها.
بمعنى أن ما سيأتي من الأحاديث المصرّحة بأن ابا بكر وعمر كانا قد اخذا الراية قبل ان يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام قوله ذاك, لا ينافي هذه الأحاديث الخالية عن بيان تلك الخصوصية, فإن هذه الأحاديث تدل على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قوله ذاك, وليست تدل على انه لم يكن قد حدث شيء آخر.
ص 9
وبعبارة أخرى:
هذه الأحاديث حكت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحسب, وتلك الأحاديث اشتملت على بيان خصوصية أخرى لا تنفيها هذه الأحاديث بأي نجو من الأنحاء.
فهل أنه كان قد حدث أمر ما, أو لم يكن قد حدث شيء سبق قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قاله, فهذه الأحاديث غير متعرّضة لذلك لا نفياً ولا إثباتاً, وعليه فإن ثبت من خلال روايات الثقات ان أمراً ما كان قد حصل, فاللازم الأخذ به, ولا مجال لادعاء معارضته لما سكتت عن بيانه هذه الأحاديث.
وأمثلته العرفية كثيرة جداً, ويكاد لا يخلو كلام الناقلين لأية حادثة وقعت عن مثله.
ففلان مثلاً يقول:كنت يوم الجمعة في بغداد ,فسمعت خطيب الجمعة فيها يقول: إن عدونا ظالم, ويأتينا شخص آخر يقول, كنت يوم الجمعة في بغداد , فسمعت خطيب الجمعة فيها يقول: قصف العدو بيوت المدنيين,إن عدونا ظالم.
فهل أن النص الأول والنص الثاني يتنافيان؟!طبعاً لا.
مع ان الأمر في ما نحن فيه أوضح, ذلك لاشتمال الحديث على صياغة لا تصح عرفاً إلا مع وقوع حدث ما,إذ لا بد وان يكون هناك احد قد ذهب بالراية ولم يفتح الله عليه , حتى يصح ان يقال: لأبعثن او لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه.
ص 10
الحديث الثاني:
اخرج ابن حبان في الثقات من طريق ابي سفيان, قال: اخبرنا محمد بن حسن بن قتيبة, اخبرنا بن ابي السري, حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا معمر, عن الزهري, عن عبيد الله ,عن عبدالله بن عباس, قال:حدثني ابو سفيان بن حرب – في حديث طويل عن غزوة خيبر: قال: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحاً, ثم بعث آخر يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحاً, وحمى الحرب بينهم وتقاعسوا, فقال صلى الله عليه وآله وسلم :لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ,ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار, فلما اصبح دعا علياً عليه السلام وهو أرمد فتفل في عينيه فبرأ, ثم قال: خذ هذه الراية واقبض بها حتى يفتح الله عليك(1).
اقول:ورجال الحديث ثقات(2).
الفهرس
(1)الثقات لابن حبان ج 2 ص 1 وص 11-13.
(2)اما ابو سفيان بن حرب, فهو من رجال البخاري ومسلم,قد عدوه من الصحابة.(الإصابة ج 3 رقم 4066 ص 332, اسد الغابة ج 3 ص 12, تهذيب الكمال للمزي ج 13 رقم 2855 ص 119),وجميع الصحابة عند أبناء العامة ثقات.
ص 11
واما ابن عباس, فهو من افاضل الصحابة ايضاً, وقد تقدم بيان حال الزهري محمد بن مسلم ص 120, ومعمر بن راشد ص 119, وعبد الرزاق بن همام ص 170.
1-عبيد الله.
اقول:
إن الزهري محمد بن مسلم ,قد روى عبيد الله بن ابي رافع, وعبيد الله بن عبدالله بن ثعلبة الانصاري, وعبيدالله بن عبدالله بن ابي ثور,وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ,وعبيد الله بن عبدالله بن عمر بن الخطاب ,وعبيد الله ابن عياض المدني.(تهذيب الكمال للمزي ج 26 ص 424).
اقول:
اما ابن ابي رافع, وابن ثعلبة, وابن الخطاب,وابن عياض, فلم يرو احدهم عن ابن عباس,(تهذيب الكمال ج 19 رقم 3632 ص 34 ورقم 3649 ص 66 ورقم 3654 ص 77 ورقم 3672 ص 139),وعليه فيتعين ان يكون عبيد الله هو إما ابن ثور او ابن عتبة.
قال المزي:عبيد الله بن عبدالله بن ابي ثور القرشي المدني, روى عن عبدالله بن عباس, روى عنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.(تهذيب الكمال ج 19 رقم 3650 ص 68).
اقول: مضافاً غلى انه من رجال البخاري ومسلم, ورجالهما حجة عند ابناء العامة, فقد صحح حديثه الترمذي ,والحاكم ,وذكره ابن حبان في الثقات ,ووثقه ابن حجر ,وقال الذهبي: وثق.(سنن الترمذي ج 4 ذيل ح 2579 ص 55 وج 5 ذيل ح 3374 ص 96, المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 104 ,الثقات لابن حبان ج 5 ص 65, من له رواية في كتب الستة ج 1 رقم 3560 ص 681, تقريب التهذيب ج 1 ص 634).
ص 12
2- عبيدالله بن عتبة.
قال المزي:عبيد الله بن عتبة بن مسعود الباهلي, ابو عبد الله المدني الفقيه الاعمى احد الفقهاء السبعة بالمدينة ,روى عن عبدالله بن عباس ,روى عنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.(تهذيب الكمال ج 19 رقم 3653 ص 73-74)
قال :عثمان بن سعيد الدرامي: سألت يحيى بن معين ,قلت :عكرمة احب اليك عن ابن عباس او عبيد الله بن عبدالله ؟ قال:كلاهما ولم يخير. وقال الواقدي: كان عالماً, وكان ثقة, فقيهاً, كثير الحديث والعلم. ووثقه العجلي, وابو زرعة, وذكره ابن حبان في المشاهير.
وقال النسائي :احسن الأسانيد التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اربعة منها: الزهري, عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ,عن ابن عباس.(الطبقات الكبرى ج 5 ص 250, الجرح والتعديل للرازي ج 5 رقم 1517 ص 319-320, معرفة الثقات ج 2 رقم 1161 ص 111-112, رسائل في علوم الحديث للنسائي ص 67, مشاهير علماء الأمصار رقم 429 ص 106, تهذيب الكمال ج 19 ص 75-77, تذكرة الحفاظ ج 1 رقم 75 ص 78- 79, تهذيب التهذيب ج 7 رقم 50 ص 22- 23).
2- محمد بن المتوكل بن ابي السري المسقلاني.
وثقه ابن معين, والحاكم في المستدرك ,وذكره ابن حبان في الثقات . وقال الذهبي:محمد بن ابي السري, الحافظ الصدوق, محدث فلسطين .(الثقات لابن حبان ج 9 ص 88, المستدرك على الصحيحين ج 1 ص 234 وج 3 ص 605,تذكرة الحفاظ ج 2 رقم 486 ص 473, لسان الميزان ج 7 رقم 4729 ص 373).
ص13
3- محمد بن الحسن بن قتيبة.
اقول: لو لم يكن إلا انه معتمد ابن عدي في الكامل , وابن حبان في الثقات ,لكفى آية على غاية جلالته عند ابناء العامة, فإنهما اعتمداه في الجرح والتعديل.
ووثقه الدارقطني , وقال الذهبي: الإمام الثقة, المحدث الكبير, ابو عباس, محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي المسقلاني, وكان مسند اهل فلسطين ,ذا معرفة وصدق . وقال ابو الحسين الحافظ:كان من أماثل اهل الشام .(تاريخ مدينة دمشق ج 52 رقم 6232 ص 317- 320,سؤالات حمزة للدارقطني رقم 12 ص 78, تذكرة الحفاظ ج 2 رقم 765 ص 764, سير أعلام النبلاء ج 14 رقم 189 ص 292).
تعليق