الإصلاح السياسي .. يحتاج فقهاء أتقياء أذكياء
بقلم العلامة الشيخ الغزالي
الفساد السياسي مرض قديم في تاريخنا، هناك حكّام حفروا خنادق بينهم وبين جماهير الأمة..لأن أهواءهم طافحة وشهواتهم جامحة ، لا يؤتمنون على دين الله ولا دنيا الناس ، ومع ذلك فقد عاشوا آمادًا طويلة.
وقد عاصرت حكامًا تدعو عليهم الشعوب، ولا تراهم إلا حجارة على صدرها توشك أن تهشمه. انتفع بهم الاستعمار الشرقي والغربي على سواء في منع الجماهير من الأخذ بالإسلام والاحتكام إلى شرائعه ، بل انتفع بهم في إفساد البيئة حتى لا تنبت فيها كرامة فردية ولا حرية اجتماعية..أيا كان لونها.
ومع هذا البلاء، فقد رأيت منتسبين إلى الدعوة الإسلامية يصورون الحكم الإسلامي المنشود تصويرًا يثير الاشمئزاز كله.. قالوا: إن للحاكم أن يأخذ برأي الكثرة أو رأي القلة، أو يجنح إلى رأي عنده وحده..!
أهذه هي الشورى التي قررها الإسلام؟ فما الاستبداد إذن؟!
ووضع بعضهم دستورًا إسلاميا أعطى فيه رأس الدولة سلطات خرافية لا يعرفها شرق ولا غرب..وعندما تدبرت هذا الكلام وجدت أن معايب ثلاثًا تلتقي فيه:
الأول: سوء فهم لمعنى الشورى، وغباء مطلق في إنشاء أجهزتها المشرفة على شئون الحكم.
الثاني: عمى عن الأحداث التي أصابت المسلمين في أثناء القرون الطوال والتي نشأت عن استبداد الفرد، وغياب مجالس الشورى.
الثالث: جهل بالأصول الإنسانية التي نهضت عليها الحضارة الحديثة والرقابة الصارمة التي وضعت على تصرفات الحاكمين.
فإذا استقبل المسلمون القرن الخامس عشر، وفهم عدد منهم لوظيفة الحكم لا يتجاوز هذا النطاق العقيم..فكيف تسير الأمة، وأين تتجه؟؟!
ضلال في تصويـر الإسـلام
إن الفقه الدستوري في أمتنا يجب أن تنحسر عنه ظلال الحجاج، وعبيد الله بن زياد، وبعض ملوك بني العباس، وبعض سلاطين آل عثمان..
ويجب أن يمنع عن الخوض فيه شيوخ يقولون: إن الرسول(صلى الله عليه و سلم) افتات على الصحابة في عمرة الحديبية ، فمن حق غيره أن يفتات على الناس ويتجاوز آراءهم.
إن ذلك الضلال في تصوير الإسلام يفقد الإسلام حق الحياة.. – والمعروف أن الرسول (صلى الله عليه و سلم) احترم الشورى، ونزل على حكمها فيما لا وحي فيه، وأن قصة الحديبية تصرف فيها الرسول (صلى الله عليه و سلم) على النحو المروي لما حبس ناقته حابس الفيل، وأحس أن الله تعالى يلزمه بمسلك يجنب الحرم ويلات حرب سيئة.
فكيف يجئ من يعطي الرؤساء حق الحرب والسلام ، بعيدًا عن الشورى..لأن الرسول(صلى الله عليه و سلم) فعل ذلك يومًا ما في مكة، التي يعلل القرآن منع الحرب فيها بقوله:
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَأَيدِيَكُم عَنهُم بِبَطنِ مَكَّةَ مِن بَعدِ أَن أَظفَرَكُم عَلَيِهِم وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرًا. هُمُ الذَِّينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُم عَن المَسجِدِ الحَراَمِ وَالهَدىَ مَعكُوفًا أَن يَبلُغَ مَحِلَّهُ وَلَولاَ رِجالٌ مُّؤمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤمِنَاتٌ لَّم تَعلَموُهُم أَن تَطَئُوهُم فَتُصِيبَكُم مِّنهُم مَّعرَّة بِغَيرِ عِلمٍ لِيُدخِلَ اللهُ فيِ رَحمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَو تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبنَا الذَِّينَ كَفَرُواْ مِنهُم عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح:24-25)
وظاهر أن الرسول(صلى الله عليه و سلم) اتجه مع توجيه السماء له.
وظاهر كذلك أن الشورى تكون حيث لا نص فيه يوجه، وأن الأمة هي مصدر السلطة حيث لا نص بداهة.
ويؤسفني أن الكلام عن تكوين الدولة عندنا تعرّض له أقوام على حظ كبير من الطفولة العقلية، أو على حظ منا؛ لزلفى يكسبون به الدنيا ويفقدون به الإيمان.
إصلاح أداة الحكم وأصله الأول يحتاج إلى فقهاء أتقياء أذكياء[1].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - المصدر: موقع الشيخ الغزالي –رحمه الله
بقلم العلامة الشيخ الغزالي
الفساد السياسي مرض قديم في تاريخنا، هناك حكّام حفروا خنادق بينهم وبين جماهير الأمة..لأن أهواءهم طافحة وشهواتهم جامحة ، لا يؤتمنون على دين الله ولا دنيا الناس ، ومع ذلك فقد عاشوا آمادًا طويلة.
وقد عاصرت حكامًا تدعو عليهم الشعوب، ولا تراهم إلا حجارة على صدرها توشك أن تهشمه. انتفع بهم الاستعمار الشرقي والغربي على سواء في منع الجماهير من الأخذ بالإسلام والاحتكام إلى شرائعه ، بل انتفع بهم في إفساد البيئة حتى لا تنبت فيها كرامة فردية ولا حرية اجتماعية..أيا كان لونها.
ومع هذا البلاء، فقد رأيت منتسبين إلى الدعوة الإسلامية يصورون الحكم الإسلامي المنشود تصويرًا يثير الاشمئزاز كله.. قالوا: إن للحاكم أن يأخذ برأي الكثرة أو رأي القلة، أو يجنح إلى رأي عنده وحده..!
أهذه هي الشورى التي قررها الإسلام؟ فما الاستبداد إذن؟!
ووضع بعضهم دستورًا إسلاميا أعطى فيه رأس الدولة سلطات خرافية لا يعرفها شرق ولا غرب..وعندما تدبرت هذا الكلام وجدت أن معايب ثلاثًا تلتقي فيه:
الأول: سوء فهم لمعنى الشورى، وغباء مطلق في إنشاء أجهزتها المشرفة على شئون الحكم.
الثاني: عمى عن الأحداث التي أصابت المسلمين في أثناء القرون الطوال والتي نشأت عن استبداد الفرد، وغياب مجالس الشورى.
الثالث: جهل بالأصول الإنسانية التي نهضت عليها الحضارة الحديثة والرقابة الصارمة التي وضعت على تصرفات الحاكمين.
فإذا استقبل المسلمون القرن الخامس عشر، وفهم عدد منهم لوظيفة الحكم لا يتجاوز هذا النطاق العقيم..فكيف تسير الأمة، وأين تتجه؟؟!
ضلال في تصويـر الإسـلام
إن الفقه الدستوري في أمتنا يجب أن تنحسر عنه ظلال الحجاج، وعبيد الله بن زياد، وبعض ملوك بني العباس، وبعض سلاطين آل عثمان..
ويجب أن يمنع عن الخوض فيه شيوخ يقولون: إن الرسول(صلى الله عليه و سلم) افتات على الصحابة في عمرة الحديبية ، فمن حق غيره أن يفتات على الناس ويتجاوز آراءهم.
إن ذلك الضلال في تصوير الإسلام يفقد الإسلام حق الحياة.. – والمعروف أن الرسول (صلى الله عليه و سلم) احترم الشورى، ونزل على حكمها فيما لا وحي فيه، وأن قصة الحديبية تصرف فيها الرسول (صلى الله عليه و سلم) على النحو المروي لما حبس ناقته حابس الفيل، وأحس أن الله تعالى يلزمه بمسلك يجنب الحرم ويلات حرب سيئة.
فكيف يجئ من يعطي الرؤساء حق الحرب والسلام ، بعيدًا عن الشورى..لأن الرسول(صلى الله عليه و سلم) فعل ذلك يومًا ما في مكة، التي يعلل القرآن منع الحرب فيها بقوله:
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَأَيدِيَكُم عَنهُم بِبَطنِ مَكَّةَ مِن بَعدِ أَن أَظفَرَكُم عَلَيِهِم وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرًا. هُمُ الذَِّينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُم عَن المَسجِدِ الحَراَمِ وَالهَدىَ مَعكُوفًا أَن يَبلُغَ مَحِلَّهُ وَلَولاَ رِجالٌ مُّؤمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤمِنَاتٌ لَّم تَعلَموُهُم أَن تَطَئُوهُم فَتُصِيبَكُم مِّنهُم مَّعرَّة بِغَيرِ عِلمٍ لِيُدخِلَ اللهُ فيِ رَحمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَو تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبنَا الذَِّينَ كَفَرُواْ مِنهُم عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح:24-25)
وظاهر أن الرسول(صلى الله عليه و سلم) اتجه مع توجيه السماء له.
وظاهر كذلك أن الشورى تكون حيث لا نص فيه يوجه، وأن الأمة هي مصدر السلطة حيث لا نص بداهة.
ويؤسفني أن الكلام عن تكوين الدولة عندنا تعرّض له أقوام على حظ كبير من الطفولة العقلية، أو على حظ منا؛ لزلفى يكسبون به الدنيا ويفقدون به الإيمان.
إصلاح أداة الحكم وأصله الأول يحتاج إلى فقهاء أتقياء أذكياء[1].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - المصدر: موقع الشيخ الغزالي –رحمه الله