إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب علاقة الحركة الإسلامية بولاية الأمر - آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب علاقة الحركة الإسلامية بولاية الأمر - آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي

    علاقة الحركة الإسلامية
    بولاية الأمر
    محمد مهدي الآصفي

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ.

    * * *

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ .

    تعليق


    • #3
      فهرس المحتويات

      فهرس الموضوعات
      المقدمة
      ظهور الحركة الإسلامية والدولة الإسلامية
      مسؤولية الحركة الإسلامية تجاه الدولة الإسلامية
      الفصل الأول/ ولاية الأمر
      ما هي الولاية؟
      البعد الاعتقادي والفقهي للولاية
      من هم أولوا الأمر
      الفصل الثاني/ الحركة الإسلامية
      هوية الحركة الإسلامية
      علاقة الحركة الإسلامية بالأمة
      الانتماء والوظيفة في الحزب
      العلاقة العضوية والعلاقة الوظيفية
      علاقة قيادة الحركة الإسلامية بقواعدها
      الفصل الثالث/ العلاقة بين الحركة الإسلامية والولاية
      الولاية والطاعة
      الولاية حكم وليست بعقد
      تحديد مركز الولاية والطاعة
      شمولية مبدأ الولاية والطاعة في الفقه
      الأمة الواحدة تحكمها سياسة واحدة
      المؤامرة على وحدة القيادة السياسية
      نظام ترسيخ الارتباط بالولاية
      الولاء وظروف الحصار السياسي
      التثقيف بالولاية
      تفعيل الارتباط بالولاية
      التضامن العملي
      تقنين الارتباط وآلية الارتباط
      المستقبل السياسي ومشروع الوحدة
      سلامة الخط الفكري والسياسي للحركة الإسلامية
      الملاحق الفقهية

      تعليق


      • #4
        المقدمة

        المقدمة

        ظهور الحركة الإسلامية والدولة الإسلامية:
        في العقود الأخيرة من القرن الرابع عشر وفي بداية القرن الخامس عشر ظهر في الساحة الإسلامية في (العراق وإيران) حدثان جديدان على درجة عالية جداً من الأهمية والخطورة، وهما ظهور الحركة الإسلامية في العراق والدولة الإسلامية في إيران.
        والحدث الأول حسب التسلسل الزمني هو ظهور (الحركة الإسلامية) في العراق، حيث اخذ التحرك والجهاد السياسي بحكم ضرورات الأوضاع السياسية شكلاً منظماً، وتبلور ضمن شبكات حركية عاملة ومتخصصة في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة تحديات الحضارة المادية.
        وكان ظهور الحركة الإسلامية في العراق، وقبله في مصر وإيران وفلسطين في حركة (الأخوان المسلمين) و(فدائيان إسلام) و(حزب التحرير) حتمية من حتميات التاريخ، بسبب تنامي الوعي الإسلامي في المنطقة الإسلامية، واحتدام الصراع الحضاري والسياسي بين الإسلام والاستكبار العالمي، وضرورات المواجهة للتحديات السياسية والحضارية الشرقية والغربية في بلادنا، التي بلغت حداً كان من غير الممكن مواجهتها إلا من ضمن شبكات منظمة ومتخصصة في العمل الحزبي، ونظراً لهذه الضرورات حظيت الحركة الإسلامية عندنا في العراق بالتأييد من قبل بعض الفقهاء ومراجع التقليد من جانب ومن قبل الشباب المؤمن المتدين من جانب آخر.
        وبعد فترة قصيرة ظهرت (الدولة الإسلامية) بقيادة الإمام الخميني (رحمه الله) في إيران بعد ثورة تُعد من أعمق ثورات التاريخ وكانت في امتداد ثورات (التوحيد) التي قادها الأنبياء (ع) في مواجهة (الشرك).
        وبذلك تم قيام كيان سياسي للإسلام على وجه الأرض بعد مرور قرون طويلة من انحسار الإسلام عن السيادة والحكم في حياة الإنسان.
        وكان انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رحمه الله) تعبيراً عن تصاعد الوعي من جانب وهذا هو (الفعل) وردود فعل لتراكم الظلم والاستبداد السياسي ونفوذ الحضارة المادية إلى العالم الإسلامي من جانب آخر.
        وكان قفزة في الصراع الحضاري والسياسي بين الإسلام وأئمة الكفر، وإيذاناً للاستكبار بمرحلة جديدة من الصراع والمواجهة الحضارية مع الحالة الإسلامية الجديدة التي تمخضت عنها (الثورة).
        وقد كان واضحاً لقادة الاستكبار، وبشكل خاص قادة البيت الأبيض والكرملين (في حينه) أن هذا الصراع أصبح أمراً لا يمكن اجتنابه، ولا بد من مواجهة الحالة الإسلامية الجديدة في أسيا وشمال أفريقيا والكيان الإسلامي الناشئ في إيران قبل أن تقوى وتمتد جذورها، وتتمكن.
        وإن هذا الصراع سوف يكلف الاستكبار كثيراً من الجهد والمال والمنافع والاستقرار.
        وكانت الثورة الإسلامية والقيادة السياسية للإمام الهدف الأول والمقدم في هذا الصراع.
        واقتضى ذلك أن تقوم الثورة - في أيام انتصارها الأولى - بحملة تعبئة واسعة للاستعداد لهذا الصراع الذي كان يتوقعه كل الذين كانوا يقرؤون المستقبل السياسي للثورة الإسلامية في الأرض.
        كما تحمل هذا الكيان الناشئ كل الضريبة المتوقعة لهذا الصراع الحضاري المرير والتي تجسدت في أشكال مختلفة منها خسائر الحرب، ومنها الحصار الاقتصادي، ومنها العزلة السياسية، ومنها التضليل الإعلامي الذي تمكن مع الأسف حتى من الرأي العام الإسلامي وتوجهات الحركة الإسلامية السنية- في بعض الحدود-.
        وفي خضم هذه الأوضاع أصبح من الواجب على المسلمين جميعاً أن ينصروا الثورة الإسلامية في مقابل هذه الهجمة الاستكبارية الشرسة، فقد ارتبط مصير الإسلام بمصيرها ارتباطاً وثيقاً، وأصبح من المفهوم أن أي ضرر يلحق هذا الكيان السياسي الناشئ يلحق التحرك السياسي للإسلام على العموم، إذا عرفنا أن انتكاسة الثورة الإسلامية انتكاسة للدور السياسي والقيادي للإسلام على وجه الأرض.

        مسؤولية الحركة الإسلامية تجاه الدولة الإسلامية:
        وهذا الخطاب بالمسؤولية يشمل بطبيعة الحال الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي قبل غيرها، لأنها أوعى لهذه المسؤولية، وأوعى لهذا الصراع ومتطلباته وضروراته وتبعاته وما ينجم عنه وأبعاده في حياة الأمة الحركية والسياسية والجهادية، ولان هذه المسؤولية تدخل في صلب مهمة ورسالة الحركة الإسلامية بسبب طبيعة اختصاصها الحركي.
        ولا تختلف في أمر هذه المسؤولية الحركة الإسلامية السُنيّة عن الحركة الإسلامية الشيعية، غير أن الحركة الإسلامية الشيعية اقرب إلى هذه المسؤولية والصق بها.
        فقد كان انتصار الثورة الإسلامية حدثاً كبيراً وخطيراً بالنسبة إلى الإسلاميين وأعداءهم على نحو سواء، وكان على هؤلاء وأولئك أن يعيدوا النظر بعد انتصار الثورة في حساباتهم وأفكارهم، أما الأعداء فقد أدركوا أن المواجهة والصراع مع الإسلام دخلت مرحلة جديدة وخطيرة، وعليهم أن يعدوا العدة لهذه المرحلة، ولم يعد الصراع كما كان محدوداً في دائرة الجماعات الإسلامية المحكومة بالأنظمة.
        فقد شاء الله تعالى أن يخرج هذا الصراع من دائرة سيطرة عملاء الاستكبار والتعتيم الإعلامي إلى الساحة الدولية الواسعة، التي لا يمكن فرض السيطرة عليها، ولا يمكن التعتيم عليها بالشكل الذي كان أعداء الإسلام يمارسونه من قبل.
        وأما الإسلاميون فقد وجدوا في هذه الثورة منطلقاً قوياً ينطلقون منه، ومعقلاً منيعاً يلجأون إليه ... دون أن نقصد بذلك (المطلق) في المنطلق والمعقل، وكان عليهم من ناحية موضوعية وميدانية أن يبحثوا عن الأسس الموضوعية للعلاقة والارتباط بهذا الكيان الكبير الذي جدّ على الساحة.
        وكان عليهم من ناحية شرعية، بمقتضى إنهم إسلاميون يلتزمون بأحكام الله تعالى أن يبحثوا عن الأسس الشرعية في الفقه السياسي للعلاقة مع هذا المستجد الكبير في الساحة الإسلامية، وموقعه منهم، وموقعهم منه، ومسؤوليتهم تجاهه، ومسؤوليته تجاههم.
        وفي الفقه السياسي في الإسلام نجد تحديداً دقيقاً لأصول العلاقة بين الجماعات الإسلامية العاملة في ساحات الجهاد والمواجهة والقيادة السياسية للأمة.
        ولابد من دراسة فقهية وموضوعية لهذه العلاقة بعيداً عن الانفعالات التي تؤدي إليها عادة أمثال هذه الحالات، وبعيداً عن الأعراف الدولية الجاهلية التي تلتزم بها الأنظمة والجماعات السياسية إقليمياً وقومياً ووطنياً.
        وأساس هذه الدراسة وحدة الأمة المسلمة الحاملة للواء التوحيد، وهي ساحة هذا الصراع والحركة.
        ووحدة الساحة تتطلب وحدة محور القيادة السياسية والولاية ووحدة محور القرار.
        والحركة الإسلامية جزء من هذه الأمة لها ما لها، وعليها ما عليها، ويلزمها ما يلزم سائر شرائح هذه الأمة، وتلتزم بالقيادة الشرعية للأمة المتمثلة في ولي الأمر، شانها في ذلك شان سائر شرائح هذه الأمة وتكتسب منها شرعية قيادتها وقرارها.
        ولا يصح القول بان الحد الأدنى من هذه العلاقة يتحقق بالتنسيق والتفاهم بين محور الولاية والحركات الإسلامية في العالم، فان التنسيق والتفاهم أمارة التعددية في حالة التفاهم الايجابية.
        والذي يقرره الفقه السياسي هو (الوحدة) وليس (التعددية). ولا يتم ذلك إلا بتوحيد القيادة السياسية والقرار في الأمة، ولا يصح من الناحية الفقهية أن نحجم القيمة الشرعية لهذه الولاية بالحدود الإقليمية، وان كان الكيان السياسي والإداري التابع لهذا المحور إقليميا.
        وبشكل أوضح أقول: أن الجمهورية الإسلامية إذا كانت إيرانية فان محور (ولاية الأمر) الذي ترتبط به الجمهورية الإسلامية، وتكتسب منه الشرعية ليس محدوداً بحدود إقليمية معينة، ولذلك فليس أمام الحركة الإسلامية من خيار آخر غير البيعة والارتباط بالولاية.
        وهذا هو الموقف الشرعي للحركة الإسلامية تجاه ولاية الأمر، ولا مجال للتشكيك في هذه الحقائق من الناحية المبدئية الفقهية (الكبرى)، ولا من الناحية التطبيقية (الصغرى).
        وفي هذا البحث سوف نقوم بدراسة العلاقة بين (الحركة الإسلامية) و(ولاية الأمر) من خلال ثلاث نقاط.
        1- ولاية الأمر.
        2- الحركة الإسلامية.
        3- العلاقة بين الحركة الإسلامية والولاية.
        والنتائج التي ننتهي إليها في النقطة الأولى والثانية هي التي تقرر النقطة الثالثة بطبيعة الحال.
        وفيما يلي نبحث - أن شاء الله- عن هذه النقاط الثلاثة نقطة بعد أخرى في ثلاثة فصول.

        تعليق


        • #5
          الفصل الأول
          ولاية الأمر

          * ما هي الولاية؟
          * البعد الاعتقادي والفقهي للولاية.
          * من هم أولوا الأمر؟

          تعليق


          • #6
            الفصل الاول

            ما هي الولاية؟
            نجد في كتاب الله مفهومين مترابطين: (الولاية والطاعة)، وهما وجها قضية واحدة، وتلك القضية هي حاكمية وسيادة دين الله على وجه الأرض.
            والوجه الأول لهذه القضية: هي الولاية، والوجه الثاني لها: هي الطاعة.
            وقد ورد ذكر كل منهما في القران بصيغة التشريع، أما الولاية ففي قوله تعالى إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ( المائدة: 55 ).
            ومعنى الولاية هو تقديم إرادة أولي الأمر على الأمة، وهو معنى الحاكمية والسيادة والى هذا المعنى تشير الآية 6 من سورة الأحزاب النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ومعنى أولوية النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المؤمنين تقديم إرادة رسول الله على الأمة، وهو بشكل دقيق بمعنى حاكمية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيادته على الأمة.
            والولاية هي الخط النازل في علاقة الله ورسوله وأولي الأمر بالأمة.
            والخط الصاعد في علاقة الأمة بالله ورسوله وأولي الأمر هو (الطاعة).
            يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (النساء: 59 ).
            ويتكرر الأمر بالطاعة في هذه الآية مرتين ... وهذا التكرار يشعر بان طاعة الله تعالى سنخ آخر غير سنخ طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر، فان طاعة الله في التشريع سواء كان التشريع من الكتاب أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
            وطاعة الرسول وأولي الأمر في شؤون الولاية، التي يطلق عليها فقهاء أهل السنة: (الأحكام السلطانية)، ويطلق عليها فقهائنا الأحكام الولائية، وهي طاعة مطلقة لا يحددها شيء إلا حدود الله تعالى، فلا طاعة لمخلوق بمعصية الخالق.
            فكل ما يرجع إلى تنفيذ أحكام الله تعالى وحدوده وحلاله وحرامه فهو من طاعة الله تعالى، وان كان المبلغ له هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكل ما كان من شؤون الولاية والسلطان هو من طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر، إذن هناك سنخان من الطاعة.
            الطاعة للأحكام والحدود الإلهية التي شرعها الله لعباده من العبادات والمعاملات ... وهذا كله يدخل في حقل طاعة الله وحدود الله ومن السنخ الأول من الطاعة.
            وطاعة الرسول وأولياء الأمر في شؤون الولاية والسلطان في الحرب والسلم، والتي لم يرد فيها تشريع ثابت من عند الله وفي دين الله... وهذا كله يدخل في حقل طاعة الرسول وأولي الأمر، ومن السنخ الثاني من الطاعة.
            وقد ورد التأكيد في القرآن على طاعة الرسول كثيراً، وإليك نماذج من هذه الآيات:
            قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ( النور: 54 ).
            أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ( محمد: 33).
            وحتى لو قلنا بأن طاعة الرسول تشمل الأحكام الشرعية (من حقل التشريع)، فلا أشكال في أن طاعة الرسول تشمل- إلى جنب ذلك - الأمور الولائية والسلطانية التي يتولاها أولياء الأمور من حياة الناس، وان طاعة الرسول واجبة فيها، كما تجب طاعته في الأحكام الشرعية الثابتة.
            ولا تخص هذه الطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط دون سائر الأنبياء، فهو الركن الثاني من الدين في كل رسالات الله.
            وهذان الركنان هما عبادة الله وتقوى الله في حدوده وحلاله وحرامه من جانب وهذا هو الركن الاول، وطاعة الرسل من جهة أخرى وهو الركن الثاني.
            تأملوا في هذه الآيات المباركات من سورة الشعراء من كتاب الله:
            إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( الشعراء: 106 - 108 ).
            كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( الشعراء: 123 - 126).
            كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( الشعراء: 141 - 144).
            كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ  ( الشعراء: 160 - 163).
            إذن طاعة الرسل هو الركن الثاني من دين الله، والركن الأول هو طاعة الله وتقوى الله تعالى.
            وطاعة أولي الأمر مقترنة بطاعة الرسول، يقول تعالى: وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ وليس من شك أن طاعة الرسول من طاعة الله تعالى، يقول تعالى:  مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ( النساء: 80 ).
            وإذا ضممنا هذه الآيات من كتاب الله إلى بعضها ننتهي إلى النتيجة التالية:
            وهي أن طاعة أولي الأمر من طاعة الرسول، وطاعة الرسول من طاعة الله وبحذف المكرر من هاتين المعادلتين، نستنتج أن طاعة أولي الأمر من طاعة الله، وهي نتيجة هامة ننتهي إليها من خلال هذه المجموعة من الآيات.
            وقد روي ابن أبي ليلى في هذا المعنى عن الصادق (ع): (وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله)( الكافي 1: 181) ، وهذا هو الخط الصاعد من هذا الدين.
            إذن فان دين الله تعالى يتلخص في هذين الخطين: ولاية الله تعالى ورسوله وولاية أولي الأمر على الناس، وهو الخط النازل، وطاعة الله وطاعة الرسل وأولي الأمر من قبل الناس وهو الخط الصاعد.
            وفي هذين الخطين يندرج كل ما في هذا الدين من عقيدة وشريعة وسيادة وولاية وسلطان.
            وتأتي طاعة الرسل وأولي الأمر من بعد الرسل في شؤون السلطان والولاية في حياة الناس في هذا السياق، وهو الركن الثاني من هذا الدين.
            ولا يسقط هذا الركن ولا تسقط هذه الطاعة من حياة الناس في عصر الغيبة الكبرى، وهو أطول عصور هذا الدين إلى اليوم، ولا يشك أحداً أن هذه الطاعة (الثانية) قائمة في حياة الناس في عصر الغيبة، كما هي قائمة في عصر حضور المعصومين من أولي الأمر، غير أن الطاعة في عصر الحضور لأولي الأمر المعصومين (ع) وفي عصر الغيبة لنوابهم الذين ينوبون عنهم في ولاية الأمر.
            البعد الاعتقادي والفقهي للولاية:

            والارتباط بالولاية مسالة ذات بعدين: (البعد الاعتقادي، والبعد الفقهي).
            فالولاية من ناحية البعد الأول امتداد لولاية الله ورسوله وأولياء الأمور من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهي الحبل النازل من عند الله إلى عباده، وقد قرر الله تعالى هذه الولاية، واقرها في حياة المسلمين، قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وقد تواترت الروايات بان المقصود بالفقرة الثالثة من الآية هو الإمام علي ابن أبي طالب (ع) ... يتوارث عنه أبناؤه الولاية، وهم أولياء الأمور المعصومون، من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وولاية الفقيه المتصدي تأتي في امتداد هذه الولاية، ونيابة عنها.
            وقد حفلت النصوص الإسلامية بأهمية (الولاية) وقيمتها ودورها في حياة الناس، وإنها الأصل والأساس في هذا الدين.
            روى عجلان عن الإمام الصادق قال: قلت لأبي عبد الله (ع): أوقفني على حدود الأيمان، فقال: (شهادة أن لا اله إلا الله، وان محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، وصلاة الخمس وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت وولاية ولينا، وعداوة عدونا، والدخول مع الصادقين)( أصول الكافي2- 8 ) .
            وعن أبي جعفر (ع) قال: (بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية)( أصول الكافي 2: 8 وبحار الأنوار 68: 330 ).
            قال زرارة (راوي الحديث) فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ قال: الولاية أفضل لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن، ثم قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته.
            أن الله عز وجل يقول: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ( النساء: 80 ).
            أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه، ولا كان من أهل الأيمان، ثم قال: أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته) وهذا هو البعد الأول، وهو البعد العقائدي.
            والبعد الثاني هو البعد الفقهي، وهو الطاعة، والطاعة كما ذكرنا هي طاعة ولي الأمر في شؤون الولاية.
            وللطاعة أهمية كبيرة في دين الله، وقد حفلت النصوص الإسلامية بأهمية طاعة أولي الأمر، واعتبارها من طاعة الله تعالى ورسوله وفيما يلي إضبارة من هذه النصوص.
            عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما نظر الله عز وجل إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة ولإمامه بالنصيحة إلا كان معنا في الرفيق الأعلى)(الكافي 1: 404 ).
            وعن أبي عبد الله (ع): (من فارق جماعة المسلمين، ونكث صفقة الإمام جاء إلى الله عز وجل أجذم)( الكافي1: 405).
            وعن أبي حمزة قال: سالت أبا جعفر (ع) ما حق الإمام على الناس؟ قال حقه أن يسمعوا ويطيعوا.
            قلت فما حقهم عليه؟ قال يقسم بينهم بالسوية، ويعدل في الرعية.
            وعن محمد بن الفضل قال سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عز وجل فقال: طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة وأولي الأمر(الكافي1: 187 ).
            وعن ابن أبي ليلى عن أبي عبد الله (ع): وصل الله طاعة ولي الأمر بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله(الكافي1: 181 ).
            وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اسمعوا وأطيعوا لمن ولاّه الله الأمر، فإنه نظام الإسلام)(الأمالي: 14 المجلس الثاني ح2).
            وفي مواعظ الإمام علي بن الحسين (ع):
            (فقدّموا أمر الله وطاعته، وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر الله عز وجل وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم( تحف العقول: 254).
            وفي مسند زيد بن علي (ع): (حق على الإمام أن يحكم بما انزل الله، وان يعدل في الرعية، فإذا فعل ذلك حقَّ عليهم أن يسمعوا ويطيعوا، وان يجيبوا إذا دعوا، وأيما إمام لم يحكم بما انزل الله فلا طاعة له)( مسند زيد: 322/ كتاب السير، باب طاعة الإمام).
            والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ومتضافرة.
            وهذا هو البعد الفقهي من مسالة الولاية.
            وبعد هذا التوضيح للولاية والطاعة في الخط النازل والصاعد وبعديهما العقائدي والفقهي نتساءل: من هم أولو الأمر؟
            من هم أولو الأمر؟
            أولو الأمر على ثلاثة أنحاء:
            1- أولوا الأمر بالأصالة.
            2- أولوا الأمر بالنيابة الخاصة.
            3- أولوا الأمر بالنيابة العامة.
            أما أولوا الأمر بالأصالة فهم الذين يتم اختيارهم بالتعيين والتخصيص من عند الله تعالى، كما جعل الله تعالى إبراهيم (ع) إماماً، قال تعالى:  قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .
            وكما جعل الله تعالى داود خليفة وأمره بان يحكم بين الناس بالحق قال تعالى:  يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ  (ص: 26 ).
            وكما جعل الله تعالى رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال تعالى:  النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ  ( الأحزاب: 6 ).
            وهذه الولاية بالأصالة لا يتم إلا من جانب الله تعالى: ولسنا الآن بصدد شرح وإيضاح هذه النقطة.
            وهذه الولاية بالذات هي التي تنتقل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين من بعده حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم: ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ (مشيراً إلى الآية 6 من سورة الأحزاب).
            قالوا : بلى.
            قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه.
            وتسلسل هذه الولاية في ذرية علي بتخصيص من عند الله حتى المهدي من آل محمد، وهو الإمام الثاني عشر في هذه السلسة.
            وهؤلاء هم أولوا الأمر بالتعيين والتخصيص من عند الله.
            وأما أولو الأمر بالنيابة الخاصة فهم النواب الأربعة الذين اختارهم الإمام المنتظر (عج) نواباً عنه في فترة الغيبة الصغرى.
            وأما أولوا الأمر بالنيابة العامة فهم الفقهاء الذين ينوبون عن الإمام المهدي (عج) بشكل عام في عصر الغيبة الكبرى.
            ويختلف الرأي الفقهي في مسالة الولاية في هذا العصر بين آراء أهمها رأيان:
            1- نظرية ولاية الفقهية.
            2- نظرية البيعة.
            ويذهب أصحاب النظرية الأولى إلى ولاية الفقهاء جميعاً في عصر الغيبة بالنصب العام للولاية من جانب الإمام المنتظر (عج) بالأدلة التي تقرر الولاية للفقهاء في هذا العصر، وبموجب هذه النظرية يكتسب الفقهاء العدول جميعاً حق الولاية في هذا العصر...وعند التزاحم يقدم الفقيه المتصدي الأكثر كفاءة والأسبق في التصدي حسب قواعد باب التزاحم وتتوجه إلى هذا الرأي مؤاخذات علمية عديدة لست بصدد شرحها الآن.
            والنظرية الثانية هي نظرية البيعة، وخلاصة هذه النظرية: أن الفقاهة لا تكسب صاحبها الولاية الشرعية على المسلمين، وإنما تؤهله لها، ويتم تعيين ولي الأمر من بين الفقهاء المؤهلين لهذا المنصب بالبيعة من جانب المسلمين... وهو الرأي الذي أميل إليه.
            وعلى أي، ومهما تكن النظرية الفقهية التي نعتمدها للولاية في عصر الغيبة... فان طاعة الفقيه المتصدي الذي بايعه جمهور غفير من المسلمين واجبة على كل المسلمين على كل المباني الفقهية: على مبنى ولاية الفقيه، أو على مبنى البيعة الذي أرجحه وأميل إليه.
            ولست اعرف فقيهاً يذهب إلى خلاف هذا الرأي، ويجيز عدم طاعة الفقيه(لا نعرف من الفقهاء من لا يشترط الفقاهة في ولاية الأمر على كل المباني الفقهية، إلا في حالات الحسبة، حيث يصح الأمر من عدول المؤمنين عند فقدان الفقيه الكفوء ) (راجع الملحق رقم / 1 ) المتصدي للولاية الذي بايعه جمهور غفير من المسلمين.
            فان الخلاف المعروف بين الفقهاء في أمر (ولاية الفقيه) لا يتصل بهذه المسألة، ولا ينفي الولاية ووجوب طاعة الفقيه المتصدي للولاية، ولا علاقة له بمسألة الارتباط بالولاية، والطاعة والبيعة، سواء كان الرأي الفقهي في مسألة ولاية الفقيه بالإيجاب أو السلب.
            فان الخلاف المعروف في مسالة ولاية الفقيه يتلخّص في أن الفقاهة هل تُكسب صاحبها الولاية ام لا؟
            وهذه مسألة يختلف فيها الفقهاء بين رأيين مختلفين؛ فينفي الشيخ الأنصاري وطائفة من تلامذة مدرسته ولاية الفقيه بهذا المعنى ومنهم أستاذنا آية الله السيد الخوئي (رحمه الله)، ويذهب جمع آخر من الفقهاء إلى اثبات الولاية للفقهاء كالشيخ احمد النراقي استاذ الشيخ الانصاري رحمهما الله، ومنهم الإمام الخميني (رحمه الله) من المعاصرين، وبموجب هذا الرأي يحق لكل فقيه أن يمارس الولاية في شؤون المسلمين، ما لم تتزاحم الولايات، فاذا تزاحمت الولايات نفذ الحكم السابق من هذه الولايات، كما تقتضي ذلك القواعد الاصولية.
            وهذه هي خلاصة الخلاف في مسالة ولاية الفقيه، والفقهاء المعاصرون بين مؤيد لها، ومعارض، يرى أن الادلة التي يذكرها المؤيدون لولاية الفقيه لا تنهض بهذه النتيجة.
            وهذه مسألة تختلف في الموضوع والحكم عن مسالة الارتباط بالولاية والطاعة والبيعة، إذا تصدّى فقيه عدل كفوء لأمر الولاية والحكم، ولا أعتقد أنّ فقيهاً من الفقهاء يذهب إلى جواز مخالفة ولي الأمر وجواز الانفصال عنه في هذا الفرض، فإنّ البديل لهذا الحكم هو تعطيل الحدود الإلهية والنظام والأمن الاجتماعيين وإقرار ولاية الظالمين المتصدين للحكم أو القبول بالفوضى الاجتماعية والسياسية في حياة الناس.
            وإذا سقط كلّ من هذين البديلين من الاعتبار فلا محالة ينحصر الأمر في الفرض الأول، وهو متابعة وطاعة ولي الأمر والارتباط به، ولا اعتقد ان فقيهاً يخرج عن هذه البديهية الفقهية.
            فإن إلغاء السيادة والحاكمية في المجتمع رأساً يؤدي إلى تعطيل الحياة كلها، فضلاً عن تعطيل حدود الله وشريعته، وهو أمر لا يمكن ان يلتزم به أحد وهذا هو أحد البديلين.
            والبديل الآخر هو إقرار الأنظمة العلمانية والحكام الظلمة وتشريعاتهم وأحكامهم والالتزام بها.
            وهذا البديل يواجه عقبتين أساسيتين، إحداهما عقبة واقعية والأخرى نظرية.
            أما الواقعية فهي إن هؤلاء الحكام يدخلون في ممارساتهم اليومية للحكم في مخالفات شرعية كثيرة، ويرتكبون كثيراً من المظالم والمنكرات ... ومن يقرأ تاريخ هذه الحكومات والأنظمة المعاصرة منها والمتقدمة لا يشكّ في هذه الحقيقة. ويكفي إلقاء نظرة سريعة على الأنظمة القائمة في حياتنا السياسية اليوم لئلاً ندخل في جدل عقيم غير مثمر في هذه البديهية.
            وافتراض وجود نظام سياسي غير إسلامي يحقق العدل الذي يريده الله تعالى، وينظّم حركة عجلة حياة المجتمع من دون أن يدخل في ممارسات محرّمة، ويرتكب المظالم والمنكرات افتراض غير واقعي، لا يصحّ من الناحية العلمية ان نتوقف عنده.
            وهذه الأنظمة وهؤلاء الحكام موضوع حكمين شرعيين لا يختلف فيهما الفقهاء.
            الحكم الأول: وهو أيسرهما حرمة التعاون مع الظلمة، وحرمة التحاكم إليهم، الا بالعنوان الثانوي، وحرمة دعمهم وتأييدهم وإسنادهم، بكل أشكال الدعم والاسناد.
            الحكم الثاني: وهو أشقّهما وأصعبهما: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعرضهما العريض الذي يبتدئ بالتغيير وفرض المعروف باليد (الثورة المسلحة لقلب النظام)، ويمتد عبر العصيان المدني، ومرحلة المقاطعة السياسية والإدارية والاقتصادية، ومرحلة الاجهار بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشجب والردع، وآخره الإنكار بالقلب وهو أدنى درجات الإيمان.
            وهذه هي العقبة العملية التي تجعل معايشة هذه الأنظمة أمراً ممتنعاً ومحرماً من الناحية الشرعية؛ فإن معايشة هذه الأنظمة وقبول سيادتها من أبرز وأوضح مصاديق الركون إلى الظالمين الذي نهانا الله تعالى عنه بقوله تعالى: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ (هود: 113 ).
            أما العقبة الثانية فهي العقبة النظرية وتتلخص هذه العقبة في مسألة (توحيد الولاية) وانحصار الولاية في حياة الإنسان في الله تعالى ومن يأذن ويأمر الله بولايته، وسلب الولاية من غير الله تعالى وغير أولياء الله، الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وعدم مشروعية أية ولاية أخرى، مهما كانت الأسباب. وهذه مسلّمة قرآنية، لا يرقى إليها الشكّ، ولها علاقة مباشرة بقضية (التوحيد) في القرآن.
            يقول تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ ...  ( الشورى: 9 ).
            ويقول تعالى: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء (الكهف: 102 ).
            ويقول تعالى:  ... وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ...  ( هود: 20 ).
            ويقول تعالى:  قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... ( الأنعام: 14 ).
            ويقول تعالى:  ... اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء...  ( الأعراف: 3).
            وهذه كلها آيات بيّنات محكمات من كتاب الله، صريحات في توحيد الولاء لله تعالى، وإلغاء شرعية أيّ ولاء آخر غير ولاء الله تعالى ومن يأمر الله تعالى بولايته.
            وليس من شك أن معايشة الأنظمة غير الإسلامية تتضمن التسليم لولاية الحكام الظلمة وقبولها، والتحاكم إليهم.
            وقد نهانا الله تعالى في كتابه عن طاعتهم، والتسليم والانقياد لهم، ونهانا عن التحاكم إليهم، وأمرنا بأن نكفر بهم، ونرفضهم، وحرّم علينا الإقرار بولايتهم، وسلب منهم شرعية الحكم والولاية.
            يقول تعالى:  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ( النساء: 60 ).
            وهذه الآية الكريمة تقرر بشكل قطعي حرمة التحاكم إلى الطاغوت ووجوب الكفر به وتستنكر التحاكم إلى الطاغوت. وليس من شك ان الحكام، الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من أبرز وأوضح مصاديق الطاغوت.
            ويقول تعالى:  ... وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ( الكهف: 28 ).
            ويقول تعالى:  فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ( الإنسان: 24 ).
            وبناءً على ذلك، فلا يصحح وجوب إقامة النظام والأمن في المجتمع ولاية الظالم الذي أمرنا الله تعالى برفضه، وحرّم علينا طاعته والتحاكم إليه.
            وهذه هي العقبة النظرية للبديل الثاني، ومع سقوط هذين البديلين عن الاعتبار وعدم وجود بديل ثالث لا يبقى أمامنا غير خيار شرعي واحد وهو الارتباط بمحور الولاية، أعني ولاية الفقيه العدل الكفوء المتصدي، وهو القدر المتيقن ممن نعلم بأن الله تعالى أذن له في ولاية المسلمين في عصر الغيبة، وأمرنا بالالتزام بطاعته ومبايعته، والسعي لتمكينه وبسط يده وسلطانه، إذا كان قائماً ومتصدياً بالفعل، أو السعي لنصبه للولاية، إذا لم يكن ناهضاً بأمر الولاية والحكم بالفعل، وتمكينه من الحكم والولاية.
            وأعتقد ان طرح المسألة بهذه الصيغة يحقق لنا وحدة الرأي الفقهي في مسألة الولاية، بغضّ النظر عن اختلاف الفقهاء في الرأي في مسألة ولاية الفقيه.
            وقد قُلنا إنّ هذه المسألة لا ترتبط بتلك المسألة، والخلاف المعروف في مسألة (ولاية الفقيه) ليس بمعنى الخلاف في مسألة الارتباط بالولاية، ومن الممكن ان نستحصل وحدة الرأي الفقهي في مسألة الارتباط بالولاية، مع وجود هذا الخلاف في مسألة ولاية الفقيه أو حتى مع اختيار الرأي السلبي في مسألة ولاية الفقيه.
            فإنّ الرأي السلبي في تلك المسألة لا يصحح الموقف السلبي من مسألة الارتباط بالولاية، ومخالفتها والخروج من الطاعة.
            وقد انطلقت في تكوين هذا الرأي من مجموعة من المسلّمات الفقهية. ولذلك اعتقد ان بالإمكان ان نجعل من هذا الرأي أساساً لوحدة النظر بين الفقهاء المعاصرين في مسألة الارتباط بالولاية.

            تعليق


            • #7
              الفصل الثاني
              الحركة الإسلامية



              * هوية الحركة الإسلامية.
              1- علاقة الحركة الإسلامية بالامة.
              * الانتماء والوظيفة في الحزب.
              * العلاقة العضوية والعلاقة الوظيفية.
              2- علاقة قيادة الحركة الإسلامية بقواعدها.

              تعليق


              • #8
                الفصل الثاني

                هوية الحركة الإسلامية
                (الحركة الإسلامية) تنظيم بشري ذو طبيعة حركيّة للدعوة إلى الله، وإزالة ولاية الطاغوت من حياة الإنسان.
                وقوام الحركة الإسلامية: النظم، والقيادة، والتخطيط. وغايتها الدعوة إلى الله وتحكيم شريعته، وتقرير عبودية الإنسان لله على وجه الأرض.
                وهي حالة جديدة - من حيث الشكل والتنظيم - في العالم الإسلامي، اليوم، وآخذه بالتوسع والتقدم، وقد أثبتت التجارب كفاءتها على اجتذاب الشباب، ومواجهة وتحدي التنظيمات الكافرة المستوردة إلى بلادنا من اليمين واليسار.
                كما أثبتت التجارب عجز الأنظمة الظالمة القمعية في المنطقة الإسلامية عن استئصال الحركة الإسلامية والقضاء عليها.
                وهذه نقاط مضيئة ومشرقة في الحركة الإسلامية. ولما كانت الحركة الإسلامية بشكلها التنظيمي وتركيبتها الإدارية والسياسية المعاصرة، وليس بمحتواها الحركي، حالة جديدة في العالم الإسلامي فلابد من دراسة فقهية دقيقة لهيكلية (الحركة) وعلاقتها بـ (الولاية) و(الأمة) من جانب، وعلاقة قيادة الحركة بقاعدتها من جانب آخر.
                فلابد من دراسة فقهية دقيقة في نقطتين:
                الأولى: في علاقة الحركة الإسلامية بالأمة.
                الثانية: في علاقة قيادة الحركة بقاعدتها داخل الحركة، ومن خلال هاتين النقطتين نستطيع ان نصل إلى نتائج صحيحة ودقيقة في علاقة الحركة الإسلامية بالولاية إن شاء الله.

                1- علاقة الحركة الإسلامية بالأمة:
                نحن نفهم التنظيم والحزب في المجتمع الإسلامي بمنهج ونظرية متميّزة ومختلفة عن المنهج والنظرية التي يفهم الغرب بموجبها الحزب والتنظيم.
                ففي الغرب يفهمون (الحزب) كياناً سياسياً مستقلاً عن الوسط الذي يعمل فيه الحزب، وهوية سياسية وثقافية مستقلة، له قواعده وقيادته ومواقفه وأفكاره وثقافته وتصوراته الخاصة به وقد لا يشاركه الوسط الاجتماعي الذي يعمل فيه ويتحرك فيه في شيء من ذلك.
                ويعمل الحزب باتجاه توسعة قواعده، والاستيلاء على مراكز القوة والسلطة في المجتمع، وإقامة نظام على نهج آخر في ذلك الوسط.
                وليس (التنظيم) و(الحزب) في المجتمع الإسلامي كذلك، وبين مفهوم الحزب والتنظيم عندنا، ومفهوم الحزب في الثقافة السياسية الغربية والشرقية بون شاسع واختلاف كبير.
                والصيغة الصحيحة للحزب والحركة، إسلامياً انها شريحة منظمة من الأمة، تلتزم بأفكار الأمة ومفاهيمها وقراراتها السياسية، ومواقفها، وأحكامها، ولها ما لها، وعليها ما عليها، على نحو الدقة. ومن غير الصحيح استخدام كلمات من قبيل (أفكار الحزب، ومتبنياته، ومفاهيمه، وتصوراته). فإن هذه الافكار والمفاهيم والتصورات ان كانت أفكار الإسلام ومفاهيمه وتصوراته، فهي لا تخص الحزب وحده، وإنما تعم الأمة المسلمة كلها، وإن لم تكن من الإسلام فهي ليست لنا كما ليس للآخرين من هذه الأمة. فالتنظيم السياسي على نحو الاجمال شريحة من جسم الأمة تؤدي دوراً وظيفياً خاصاً، ولا تتميز عن سائر شرائح الأمة الا بهذه الوظيفة، وهي تنظيم أمور الدعوة إلى الله، والحركة في سبيل تحكيم شريعة الله على وجه الأرض.
                ولا يصح على وجه الاطلاق ان يكون للحزب والحركة موقف أو قرار أو قيادة أو تصور غير موقف الأمة وقرارها وقيادتها، وهو شريحة من الأمة، كما ان الجيش والشرطة شريحتان من الأمة، فإن للمؤسسة العسكرية قيادتها العسكرية وقراراتها الا انها تابعة للقيادة السياسية في أي نظام سياسي غير عسكري( مع اختلاف وفارق بين مهمة ورسالة الجيش ومهمة التنظيم الإسلامي).
                (الانتماء) و(الوظيفة) في الحزب:
                إذن للحزب (انتماء) و(وظيفة) ويجب ان نفرق بينهما، والخلط بينهما مصدر كثير من التشويش والخطأ.
                أما (الانتماء) فهو إلى امة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقيادتها، وقواعدها، وقراراتها، ومواقفها، وتصوراتها، وأي تمييز في هذا المجال عن الأمة مزلق من مزالق الشيطان، واستخدام كلمة (نحن) في هذه المساحة مقابل (أنتم) من أخطر المفاهيم، وليس فقط علينا ان نتجنب استخدام كلمة (نحن) و(أنتم) في هذه المساحة، وإنما علينا ان نعمّق الإحساس بالاسرة الواحدة والانتماء الواحد في أفكار ونفوس أبناء الحركة الإسلامية.
                هذا عن (الانتماء)، وأما (الوظيفة) فلها شأن آخر.
                إن الحركة الإسلامية تُمارس وظيفة متميزة عن كثير من شرائح الأمة، في تنظيم عمل الدعوة إلى الله، وتقرير إلوهية الله وعبودية الإنسان لله، وكشف مؤامرات الاستكبار، ومواجهة تحديات الطاغوت، وتعبئة طاقات الأمة في هذه المعركة، والتخطيط لهذا العمل الجبار، وتنظيم العناصر المؤمنة في هذا المشروع الضخم الكبير الذي يقع في امتداد رسالة الانبياء والمرسلين، وهي وظيفة ومسؤولية الشرائح الواعية والعاملة من هذه الأمة المنظمة وغير المنظمة.
                (العلاقة العضوية) و(العلاقة الوظيفية):
                إن علاقة الفرد بالحزب والتنظيم علاقة وظيفية خالصة، قائمة على أساس أداء مهمة الحركة والدعوة إلى الله، وتأخذ هذه العلاقة موقعاً معيناً من مسلسل التنظيم، وشأنها في ذلك شأن سائر العلاقات الوظيفية.
                وهذه العلاقة تختلف عن العلاقة العضوية التي هي الاساس في شبكة العلاقة داخل الأمة.
                ويسمي القرآن العلاقة العضوية التي تربط أعضاء الأمة المسلمة على وجه الأرض بعضها ببعض، وتربطها جميعاً بالله ورسوله وأولي الأمر منهم بـ (الولاء) يقول تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ.
                ويقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ .
                والولاء هو النسيج الإلهي الذي يجمع أسرة التوحيد على وجه الأرض وعلى امتداد التاريخ، ويؤلف بينها، ويجعل منها أمة واحدة، في مقابل الامم المشركة بالله، والولاء هو العلاقة العضوية التي تربط أعضاء هذه الاسرة بعضها ببعض بأقوى وأمتن واحكم العلاقات.
                ومحتوى هذه العلاقة هي التناصر، والتعاون، والتآلف والتحابب، والتكافل، والتضامن، والتناصح، والتسالم على الخطوط: (الافقية والعمودية) والطاعة على الخط العمودي فقط، وهو خط القيادة وولاية الأمر.
                وهذه العلاقة هي العلاقة المتينة والقوية التي تحفظ وحدة الأمة المسلمة وتماسكها، وتجعل منها كتلة واحدة، وهي الأصل والاساس في العلاقة.
                وأما العلاقة الوظيفية فهي علاقة متفرعة من هذه العلاقة، تقوم بدور وظيفي بين مجموعة من الأفراد داخل الاسرة الكبيرة، كالعلاقة القائمة داخل تنظيم العسكر أو تنظيم الشرطة، أو أي تنظيم آخر يدخل في هيكلية الدولة الشرعية.
                فهي لا تعتبر - بالضرورة - علاقة في عرض العلاقة التي تربط أعضاء المؤسسة العسكرية أو الأمنية بقيادتها الشرعية، وإنما تعتبر في امتداد تلك العلاقة، وليس في عرضها ولا بديلاً عنها، وتكتسب شرعيتها من تلك العلاقة.
                وهذا أصل نظري هام لابد من معرفته والبناء عليه في تركيب المنظمة والحركة الإسلامية، ومن دون ان نأخذ هذا الاصل بنظر الاعتبار لا تأخذ المنظمة والحركة السياسية داخل الأمة شكلها وصيغتها الشرعية الصحيحة.
                وهذا أصل نستقيه من أصول اعتقادية، وثقافية، وفقهية إسلامية مسلّمة، لا مجال للمناقشة فيها.
                والتشابك والخلط بين هذين النوعين من العلاقة يؤدي إلى التباسات ومزالق كثيرة داخل التنظيم الإسلامي.
                ولذلك فلابد في الثقافة التنظيمية من فك الاشتباك بين هذين النوعين من العلاقة بصورة دقيقة وحاسمة، لئلا يؤدي بصورة مقصودة أو غير مقصودة إلى عزل الكيان التنظيمي الصغير من جسم الأمة الكبيرة، ولئلا يؤدي إلى تكوين كيان سياسي صغير مستقل داخل الكيان الكبير، له قواعده، وقيادته، وقراره، وموقفه بمعزل عن الأمة في قواعدها، وقيادتها، وقرارها، وموقفها، ورفضها، وقبولها.
                وسوف يبقى التنظيم الإسلامي داخل الأمة حاجة اساسية، ولا سيما في ظروف صعبة كالظروف التي يستقبلها العراق في مشتبك الصراع السياسي والثقافي الذي نقدر انه واقع لابد منه ... أقول في ضمن هذه التوقعات تبقى الحاجة إلى التنظيم الإسلامي والحركة الإسلامية حاجة أساسية، ولكن بشرط ان يأخذ التنظيم موقعه الصحيح من جسم الأمة.
                وبخلاف ذلك - لا سمح الله - ينقلب التنظيم والحزب الإسلامي إلى مشكلة جديدة تضاف إلى قائمة مشاكل الأمة، وتؤدي بصورة طبيعية إلى انكماش الأمة عنه وانعزال التنظيم من جسم الأمة، ويفقد بذلك فائدته ونفعه ودوره، بل يتحول إلى مصدر تعب لجسم الأمة.
                ولست اعتقد ان الموقف من هذه الحالة هو إلغاء شرعية التنظيم، والانكماش عنه، والتحفظ منه، بل الصحيح إذا علمنا ان التنظيم حاجة حقيقية لمستقبل العراق، ولمستقبل المسلمين عامة أن يتولى الفقهاء والعلماء والمخلصون من أبناء هذه الأمة تبني واحتضان التنظيم الإسلامي وفي نفس الوقت ترشيده وتوجيهه ومراقبة حركته السياسية والتنظيمية.
                وأعتقد ان هذا الموقف المسؤول كان هو الموقف الذي اتخذه الشهيد السعيد الصدر (قدس الله نفسه الزكية) والنخبة المسؤولة من العلماء الذين وضعوا الأساس الأول لحزب الدعوة الإسلامية في ظروف المد الشيوعي في العراق، رحم الله الماضين منهم، وحفظ الباقين (منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً).
                غير ان هذه الرقابة لابد ان تتم ضمن صيغة محددة وتقنين دقيق، وليس من الصحيح، ولا يكاد ان يؤدي هذه الرقابة دورها إذا تمت بصورة عفوية غير مقننة.
                وفي رأيي ان الصيغة المفضّلة لهذه الرقابة أن تتم من قبل مجموعة من علماء وفقهاء المسلمين الذين يدركون ضرورة وجود منظمة إسلامية قوية في صفوف المسلمين، ويحملون هموم القضية الإسلامية المعاصرة، ويعيشون ظروف المواجهة الحاسمة بين الإسلام والكفر، سواء كانوا من داخل التنظيم أو خارجه، ويتم بشكل دقيق تحديد صلاحيات ومسؤوليات هذه المجموعة في الاشراف على فكر المنظمة الإسلامية وحركتها.
                هذا فيما يتعلق بالجزء الأول من فقه الحركة وهو علاقة الحركة الإسلامية بالأمة.
                وأما فيما يتعلق بالجزء الثاني من فقه الحركة، وهو علاقة قيادة الحركة الإسلامية بقواعدها فسوف نوجز الكلام فيه ان شاء الله فيما يأتي:

                2- علاقة قيادة الحركة الإسلامية بقواعدها:
                لابد في التنظيم من (القيادة) و(القرار) معاً، ومن دون القيادة والقرار لا يتحقق للتنظيم وجود في المجتمع.
                ولكن بشرط ان تكون (القيادة) في امتداد قيادة الأمة، وليست في عرضها، وبشرط ان يكون القرار في امتداد قرار قيادة الأمة، وفي مساحتها، وبموافقتها الإجمالية، ولا يكفي ان يكون القرار غير متقاطع لقرار قيادة الأمة، بل لابد ان يكون في امتداده، وفي مساحته، وبموافقة قيادة الأمة الإجمالي.
                فليس التنظيم في المنظور الإسلامي مجموعة منفصلة ومستقلة عن الأمة وقيادتها وقرارها وموقفها، كما قلنا.
                و(القيادة) و(القرار) قضيتان خطيرتان وحساستان في تركيب الأمة، لا يجوز الاستهانة بهما على أي صعيد، وبأي شكل.
                والمصدر الشرعي لـ (القيادة) و(القرار) هو (ولاية الأمر).
                والقيادة السياسية والقرار السياسي يكتسب صفته الشرعية من الاتصال المباشر أو غير المباشر بـ (ولاية الأمر) ومن دون ذلك لا يكتسب الصفة الشرعية الا في الظروف الاضطرارية، وبقاعدة (الحسبة).
                فان القيمة الشرعية لقرار القيادة (الإلزام الشرعي) ومن دون هذا الإلزام تفقد القيادة كل قيمتها، وما قيمة القيادة إذا كانت تفقد صلاحية الإلزام الشرعي لأعضائها.
                وتطوع الأعضاء للتنفيذ ليس بديلاً عن صلاحية القيادة للإلزام.
                وقد جرت العادة في حزب الدعوة الإسلامية ان يقسم العضو في الحزب بطاعة القيادة ما دام في الحزب، وبذلك يلزم نفسه بالطاعة، وتكتسب القيادة صفة الإلزام.
                وكنت أناقش أخواني العلماء في الحزب بأن هذا التخريج الفقهي لشرعية قرارات القيادة ومنحها صفة الإلزام تخريج فقهي ضعيف، وإذا أمكن الاستفادة من هذا التخريج الفقهي لفترة قصيرة تقتضيها الضرورة، فمن الخطأ اعتماد اليمين أساساً لشرعية القيادة وقرارها، وليس هذا من منهج الفقه في قليل أو كثير.
                وللفقه الإسلامي منهجه الخاص في شرعية (القيادة السياسية) و(القرار السياسي) و(الإلزام) و(الطاعة) ليس هذا منه بالتأكيد. ولا نجد في كل الفقه مورداً واحداً - على الأقل - يسلك فيه التشريع هذا المسلك الغريب في منح الشرعية للقيادة، وإعطاء صفة الإلزام للقرار وإلزام العضو بالطاعة.
                واذكر ان احد إخواننا العلماء في حينه طرح تخريجاً فقهياً آخر لإلزام الدعاة بالطاعة للقيادة ومنح القيادة صفة الشرعية وصلاحية الإلزام، وهو (مقدمة الواجب)، حيث يتوقف التنظيم على مثل هذه الطاعة والإلزام، فإذا كان التنظيم واجباً توجّب على الداعية ان يلتزم بقرارات القيادة، فلا يمكن ان يتحقق التنظيم من دون القيادة والقرار والإلزام والطاعة.
                وهذا تخريج ضعيف آخر، لا يصلح ان يكون بديلاً عن المنهج الفقهي العام في القيادة والطاعة، وهو الارتباط بولاية الأمر وكسب الشرعية في القيادة والقرار من موقع الولاية، وان كان ضمن مسلسل من حلقات الارتباط.
                وبحكم ذلك في الضعف الاستناد إلى حكم فقيه من الفقهاء - غير ولي الأمر - في منح القيادة وقراراتها قوة الإلزام.
                ومهما كان الأمر، فان النهج الفقهي الشرعي في قيادة التنظيم أن تكون القيادة مرتبطة بموقع الولاية، وتكتسب شرعيتها منه، وان يكون القرار في مساحة قرار الولاية، وبموافقته الإجمالية، وبذلك تأخذ القيادة السياسية في التنظيم موقعها الشرعي في امتداد الولاية، ويأخذ القرار موقعه الشرعي، ويكتسبان صفة الإلزام.
                وقد يشير إلى ذلك (الحصر) الوارد في آية الولاية إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فإن أداة الحصر في هذه الآية (إنما) تدل على حصر السيادة والولاية في الله ورسوله والذين آمنوا - كما في الآية الكريمة- وإذا عرفنا ان المقصود بـ (الذين آمنوا) هو أمير المؤمنين (ع)، كما تواترت بذلك الروايات من الفريقين عرفنا ان أداة الحصر في هذه الآية المباركة تفيد حصر الولاية والسيادة والقيادة السياسية في هذه الأمة بهذا الخط العريض الذي تبيّنه آية الولاية إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ .
                فالولاية والقيادة السياسية التي تتصل بهذا الخط ولاية وقيادة مشروعة، وما عدا ذلك من الولايات والامارات التي لا تتصل بهذا الخط تفقد الصفة الشرعية. وولاية الفقيه اليوم بالنيابة عن الإمام المهدي (عج)، متصلة بهذا الخط العريض، وتكتسب شرعية الولاية من هذا المصدر.
                وأي ولاية وقيمومة وقيادة سياسية حركية في المجتمع تريد ان تكتسب صفة الشرعية لابد لها من الاتصال بقيادة الأمة المتمثلة في ولي الأمر، والتي تتصل بدورها بولاية وإمامة الإمام الحجة (عج)، على نهج النيابة العامة في حلقات منظمة ومتماسكة.
                وهذا هو إجمال الحديث عن النقطة الثانية من (فقه الحركة)، ولابد لهذا الحديث من تفصيل فقهي ليس موضعه هنا(راجع الملحق رقم (2) ).

                تعليق


                • #9
                  الفصل الثالث
                  العلاقة بين الحركة الإسلامية والولاية

                  * الولاية والطاعة.
                  * الولاية حكم وليست بعقد.
                  * تحديد مركز الولاية والطاعة.
                  * شمولية مبدأ الولاية والطاعة في الفقه.
                  * الأمة الواحدة تحكمها سياسة واحدة.
                  * المؤامرة على وحدة القيادة السياسية.
                  * نظام ترسيخ الارتباط بالولاية.
                  * الولاء وظروف الحصار السياسي.
                  * المستقبل السياسي ومشروع الواحدة.
                  * سلامة الخط الفكري والسياسي للحركة الإسلامية.

                  تعليق


                  • #10
                    الفصل الثالث

                    الولاية والطاعة:

                    في ضوء تحديد النقطتين السابقتين: (ولاية الأمر، والحركة الإسلامية) نستطيع ان نفهم الصيغة الشرعية للعلاقة فيما بين الحركة الإسلامية وولاية الأمر.
                    ويطلق على هذه العلاقة في الثقافة الإسلامية كلمة (الولاء).
                    وهي علاقة عضوية بين الأمة ومؤسساتها من جانب وولاية الأمر من جانب آخر في الخط العمودي.
                    وأساس هذه العلاقة والارتباط هو الطاعة، والنصرة، والنصيحة، والحب، يقول تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وهذا في الخط العمودي من الولاء.
                    كما تربط (علاقة الولاء) الأمة بعضها ببعض، في الخط الافقي بعلاقة التناصر، والتناصح، والتعاون، والتحابب. يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ .
                    والذي يهمنا الآن من هذه العلاقة هو البعد الأول، وهو الولاء لولي الأمر... في الخط العمودي من الولاء.
                    وقوام هذه الولاية كما ذكرنا الطاعة، والنصرة، والنصيحة، وتجب هذه الطاعة للفقيه الذي بايعه جمهور من المسلمين على الطاعة والولاية، من غير خلاف فقهي يعبأ به من فقهائنا، بل من فقهاء المسلمين عامة.
                    وقد استعرضت مباحث هذا المسألة في كتب الفقه في مسألة وجوب طاعة الفقيه المتصدي في عصر الغيبة، إذا انعقدت له البيعة من قبل جمهور من المسلمين، يعبأ بهم، فلم أجد فقيهاً لرأيه وزن لدى الفقهاء يقول بجواز مخالفته والخروج عن طاعته وولايته.
                    ولا يختلف في ذلك فقهاء أهل السنة عن فقهاء الشيعة الإمامية.
                    غير أن الشيعة يعتقدون ان الولاية في عصر الغيبة للإمام المهدي (عجل الله فرجه) والفقهاء ينوبون عنه في الولاية.
                    الولاية حكم وليست بعقد:
                    والولاية ليست عقداً بين الوالي والرعية وإنما هو حكم من الله تعالى.
                    يقول تعالى:
                    أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ وهذا حكم، وليس بعقد.
                    وحكم الله تعالى في الولاية يختلف عن نظرية (العقد الاجتماعي)، التي تقوم على أساسها الديمقراطية الحديثة، والتي حمل لوائها ونظّر لها المفكر الفرنسي (جان جاك روسو) إبّان الثورة الفرنسية.
                    إن الولاية، بناءً على هذه النظرية العلمانية، تستبطن عقداً اجتماعياً بين الشعب والحاكم.
                    أما في حكم الله تعالى، فالأمر يختلف تماماً، والولاية حكم وليست بعقد.
                    نعم، للوالي على الرعية حقوق، وللرعية على الوالي حقوق.
                    فإذا أخلّت الرعية بحق الوالي عن عمد كانت عاصية، وإذا أخلّ الوالي بحقوق الرعية عن عمد وعلم سقطت عدالته بطبيعة الحال، والعدالة من شروط الولاية.
                    و(الولاية) و(العدالة)كُلاّن لا يتجزءان، فإذا كان الوالي إماماً عادلاً ثبتت ولايته على المسلمين جميعاً، من أوفاهم حقّهم، ومن قصر عن الوفاء بحقوقهم، ولو لم يكن عادلاً سقطت ولايته عن المسلمين جميعاً من أوفاهم حقهم ومن لم يوفهم حقهم.
                    فلا يجوز تجزّئ العدالة ولا تجزّئ الولاية، بمقتضى الحقوق المتبادلة بين الوالي والرعية.
                    والتجزئ في الولاية نظرية مغلوطة مقتبسة من حيث نعلم أو لا نعلم من نظرية (العقد الاجتماعي).
                    ولا يجوز ولا يصحّ بحال من الاحوال ان نتناول مسألة كالولاية والإمامة السياسية التي أولاها الإسلام هذا الاهتمام الكبير من زاوية انفعالية من خلال الظروف الصعبة والتعقيدات الادارية والقصور والتقصير، وسوء الادارة في أجهزة الدولة الإسلامية.
                    وقد كانت هذه المشاكل موجودة بشكل أو بآخر في عصر الولاية المعصومة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين (ع).
                    وعلينا ان ننصح وننقد الوضع الإداري نقداً موجّهاً وسليماً ... وفي الوقت نفسه علينا ان نحذر حذراً شديداً من ربط مسألة استراتيجية في الإسلام - بعمق الولاية وأهميتها - بمسائل الإدارة وسوء التصرف الإداري الذي يحصل في كل مكان حتى في عصر الولاية المعصومة.
                    تحديد مركز الولاية والطاعة:
                    ومركز الولاية والطاعة في الفقه هو موقع ولاية الأمر بالذات.
                    وقبل الدخول في تفاصيل البحث عن الارتباط لابد من القول بأن هذه الولاية هي التي تعم طاعتها والارتباط بها المسلمين جميعاً، ولا تحدد بحدود إقليمية معينة.
                    وأما الإمارات والكيانات السياسية التابعة للولاية فهي محدودة في السيادة والولاية بالمساحة الجغرافية أو الحقلية التي عينها له ولي الأمر.
                    فإذا عيّن أمير المؤمنين (ع) مثلا مالك الاشتر (رحمه الله) أميراً على مصر، فإن إمارته لا تزيد على مصر، ولا تتجاوزها، ولا تعمّ العراق والشام واليمن، وأما ولاية أمير المؤمنين (ع) نفسه فهي عامة وشاملة للمسلمين جميعاً، ولا يشذ منها إقليم، ولا يخرج عنها مسلم على وجه الأرض، وحديثنا عن الارتباط والطاعة يخصّ موقع الولاية فقط.
                    شمولية مبدأ الولاية والطاعة في الفقه:
                    ولا يصحّ من الناحية الفقهية تحجيم ولاية ولي الأمر بإقليم خاصّ أو قومية معينة، وليس في دين الله تعالى أي تبرير وتوجيه لذلك، وقد جاء هذا الدين ليكسر هذه الحواجز التي تفصل عباد الله بعضهم عن بعض، وتوحدهم تحت مظلة التوحيد والتقوى، وليس من الجائز بحال من الاحوال في دين الله تحجيم حدود الولاية بالقومية والاقليم.
                    ولا يصح تحجيم حدود الولاية بمساحة البيعة(راجع الملحق رقم (3) ). فيقال: إن البيعة لو تمت لولي الأمر من قبل إقليم من أقاليم المسلمين، فإن ولاية ولي الأمر تتحدد تبعاً لذلك في ذلك الاقليم. وليس من خلاف بين فقهاء المسلمين في أنّ دائرة البيعة لا تحدد مساحة الولاية، فإذا تحققت البيعة للفقيه المتصدي في دائرة معينة، ومن قبل جمهور يعبأ بهم من المسلمين تعمّ طاعته وولايته المسلمين جميعاً.
                    وقد بويع أمير المؤمنين علي (ع) من قبل المهاجرين والانصار وآخرين من غيرهما في المدينة، فألزم المسلمين جميعاً بالبيعة والطاعة. يقول (ع) في ذلك:
                    (وإنما الشورى للمهاجرين والانصار، فإن اجتمعوا على رجل، وسموه إماماً، كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة رُدّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى، فاقتلوه، على اتباعه (لاتّباعه) غير سبيل المؤمنين، وولاّه الله ما تولى)(نهج البلاغة، صبحي صالح، 367/ كتاب 6 ).
                    والإمام أمير المؤمنين (ع) يلزم المسلمين بالطاعة في هذه الكلمة، استناداً على بيعة المهاجرين والانصار له، بناءً على التصور الذي كان يحمله يومئذ المخاطبون الذين كان يخاطبهم الإمام (ع) من أهل العراق والشام، من ان إمامة الإمام أمير المؤمنين تتم بالبيعة، وليس بالنص، فيلزمهم الإمام (ع) بتحقق البيعة في المدينة من قبل المهاجرين والانصار، وليس لسائر المسلمين من سائر البلاد أنْ يتخلفوا عن بيعته عندئذٍ.
                    ومن الواضح ان الإمام (ع) يلزم مخاطبيه بما يؤمنون به، وإلاّ فإن إمامة أمير المؤمنين (ع) تلزم المسلمين بالنص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغدير، ولا يحتاج إلى مثل هذه البيعة لإقرار إمامته.
                    ولا يصح تحجيم الولاية بالمساحة التي تمتد اليها يد ولي الأمر، وينبسط عليها نفوذ وسلطانه، فلم يكن للإمام أمير المؤمنين (ع) يوم بويع بالخلافة سلطان على الشام ولم يتهيأ له بعد ذلك هذا السلطان على بلاد الشام، ومع ذلك فقد توجه الإمام (ع) إلى صفين لتحرير الشام من قبضة معاوية، وأخذ البيعة من أهل الشام بالطاعة، وسيرة أمير المؤمنين (ع) في شؤون الولاية والسلطان سيرة هادية للفقهاء( راجع الملحق رقم (4)).
                    الأمة الواحدة تحكمها سياسة واحدة:
                    إن إمتنا امة واحدة، وليست أمماً شتّى.
                    إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ( الأنبياء: 92 ).
                    وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ( المؤمنون: 52 ).
                    وهذه (الوحدة) التي يصرّح بها القرآن الكريم ويؤكدها، وحدة حضارية وسياسية معاً.
                    وحدة حضارية في الفكر والثقافة والاعراف والضوابط والتراث والتاريخ.
                    ووحدة سياسية في القيادة السياسية والموقف السياسي والقرار السياسي والفعل السياسي.
                    ولا يصحّ في الأمة الواحدة وجود قيادة سياسية لها أمر ونهي وموقف وقرار سياسي، ولو على مساحة صغيرة، بمعزل عن قيادة الأمة السياسية العامة، ولا يصح وجود قيادتين سياسيتين في وقت واحد.
                    يقول أمير المؤمنين (ع) في وحدة القيادة والبيعة السياسية: (لأنها بيعة واحدة، لا يُثَنّى فيها النظرة، ولا يُستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، والمروي فيها مداهن)( نهج البلاغة - قسم الكتب - الكتاب السابع).
                    فليس في دين الله تعددية في القيادة السياسية، كما ليس في دين الله تعددية في الأمة وما لم تكن القيادة السياسية في امتداد قيادة الأمة لا تكون شرعية، كما لا يكون القرار السياسي شرعياً.
                    ولا تجب طاعة القيادة السياسية من قبل القاعدة في الحركة الإسلامية إذا كانت مفصولة عن القيادة العامة للأمة، كما لا تجوز ممارسة الفعل القيادي من قبل القيادة نفسها، لو لم تكن في امتداد القيادة العامة للأمة.
                    وهذا أصل هام وخطير في الفقه السياسي في الإسلام ... وعلى هذا الاصل تتوقف وحدة هذه الأمة السياسية.
                    المؤامرة على وحدة القيادة السياسية:
                    ولسنا نستبعد من خلال قراءة للحالة الثقافية الإسلامية للساحة الإسلامية وجود مؤامرة منسوجة نسجاً دقيقاً لتعطيل دور القيادة الإسلامية في العالم الإسلامي.
                    ومن خيوط هذه المؤامرة، التأكيد على الحالة القومية والوطنية في ثقافة المسلمين، وتحجيم الولاية والقيادة الإسلامية في الدائرة القومية والوطنية.
                    وإذا تمكّن أصحاب هذه النظرية من تحجيم الولاية في هذه الدائرة أو تلك، وإلغاء عالمية الولاية والقيادة السياسية الإسلامية فسوف لا تقل الخسارة التي تلحق بالاسلام من الخسارة التي لحقت الإسلام والمسلمين بإلغاء الدولة الإسلامية وتعطيل الدور السياسي للإسلام على وجه الأرض.
                    وعلى الحركة الإسلامية بالخصوص ان تكون على درجة عالية من الوعي السياسي لئلا تقع من حيث تعلم أو لا تعلم في شِراك هذه المؤامرة، فنكون قد ساهمنا من حيث لا ندري في تحجيم القيادة السياسية الإسلامية، بعد أن أذن الله تعالى لها بالظهور على الساحة الدولية.
                    وعلى الحركة الإسلامية العالمية الشيعية والسُنية على نحو سواء ان تباشر دوراً ثقافياً فعّالاً لإحباط هذه المؤامرة.
                    ونحن نعتقد ان خسارة الإسلام في هذه المؤامرة لا تقلّ عن خسارة الإسلام في مؤامرة تعطيل وإلغاء الدولة الإسلامية.
                    إن الدولة الإسلامية مشروع عالمي ضخم يغيّر الخارطة السياسية على وجه الأرض، ويُعدّ الأرض لظهور الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ويحبط دور القوى الاستكبارية الظالمة في استضعاف الإنسان وتكبيله وتعطيل طاقاته وكفاءاته، ويُعبّد الإنسان لله تعالى، ويُقرر حاكمية الله ودينه على وجه الأرض.
                    وعلينا ان نكون على حذر ووعي لئلاً يتمكّن الاستكبار العالمي من إحباط هذا الدور العظيم للقيادة السياسية للإسلام على وجه الأرض عن طريق تحجيم وتحديد هذه القيادة، وتأطيرها بالإطار القومي، والوطني، والإقليمي، والطائفي، ونعمل على كسر هذه الأطر، إطاراً بعد إطار، لتنطلق هذه الإمامة السياسية الجديدة على وجه الأرض لتحقيق أهدافها التي أرادها الله تعالى لها.

                    * * *
                    نظام ترسيخ الارتباط بالولاية:
                    الارتباط بالولاية لا يتحقق بمجرد النية والتعهد والالتزام بالطاعة. ذلك لان الارتباط والولاية انتماء حركي، وسياسي، وعقائدي، وحضاري في ساحة الصراع.
                    وفي هذه الساحة المتأججة بالصراع بين الأطراف المتناقضة والمتضاربة في ولائها لابد من ابراز هذا الارتباط، وتسليط الاضواء عليه، وتفعيله، والتثقيف به.
                    وهذا التفعيل والإعلان جزء من متطلبات الصراع في هذه الساحة.
                    ولأمرٍ ما يهتم الإسلام بأمر الشعار هذا الاهتمام البليغ، فإن (الشعار) في ساحة المعركة من متطلبات المعركة، وجزء من المعركة، ولا يجوز إلغاء الشعار وإهماله في ساحة المعركة، بحجة أن الشعار تظاهر بالانتماء، ولا يزيد ولا ينقص من الانتماء، فإن إعلان الانتماء في ساحة الصراع والمواجهة جزء من المواجهة وتفعيل للانتماء.
                    ونحن اليوم نعيش في ساحة صراع حقيقية بين الإسلام والكفر، وقد احتدم هذا الصراع بشكل ضاري لم يسبق له مثيل في تاريخنا المعاصر والقريب، منذ قيام الإمامة السياسية للإسلام على وجه الأرض، بعد انتصار الثورة الإسلامية، ودخل هذا الصراع ساحات الحياة كلها من الثقافة والفن والاعلام والسياسة إلى المواجهة المسلحة الميدانية، ولم يعد أمر هذا الصراع خافياً على احد، أو يمكن إخفاؤه.
                    وفي مثل هذا الجو يجب على كل من ينتمي سياسياً وحركياً وعقائدياً إلى هذا المحور السياسي الجديد لإمامة المسلمين على وجه الأرض .. ان يعبر عن انتمائه وارتباطه بوضوح، وضمن شعار يكافئ الصراع المحتدم والمتأجج بين المعسكرين.
                    وقد عاش أهل البيت (ع) ظروفاً سياسية مشابهة لظروفنا نحن اليوم مع الدولتين الأموية والعباسية، وكان الصراع، كما هو اليوم، بين محوري ولاية الله تعالى ومحور الطاغوت المتجسد في حكام وسلاطين هاتين الدولتين.
                    فكان أهل البيت (ع) يأمرون شيعتهم ومواليهم بإظهار ارتباطهم بمحور الإمامة والولاية، والتثقيف به، وتعميقه، والتعبير عنه بمختلف وسائل التعبير.
                    ومن مصاديق التعبير عن الولاية في ثقافتنا الولائيّة زيارة أمير المؤمنين والحسين (ع) والتأكيد عليهما في مناسبات مختلفة في السنة، وتسمية أولادهم بأسمائهم، وإقامة مجالس العزاء لسيد الشهداء (ع)، وإنشاد الشعر فيه، والاجتماع والاحتفال بمناسبات أهل البيت (ع) في أحزانهم وأفراحهم، وقد ورد عنهم (ع) في وصفهم لشيعتهم (إنهم يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا).
                    وفي نصوص الزيارات الواردة عنهم (ع) نجد تعبيرات رقيقة وشفافة وعميقة في الانتماء الحركي والسياسي والعقائدي إلى هذا المحور الرباني على وجه الأرض، مثل:
                    (وقلبي لقلبكم سلم، وأمري لأمركم متّبع، ونصرتي لكم معدّة).
                    (فمعكم معكم، لا مع عدوّكم).
                    وفي يومنا: الصراع نفس الصراع بين محوري ولاية الله ورسوله والمؤمنين وولاية الطاغوت.
                    وإمامة المسلمين السياسية تأتي في امتداد ولاية أئمة أهل البيت (ع) وبالنيابة عنهم، وتكتسب بذلك شرعية الولاية والإمامة، ولا خلاف في ذلك.
                    فلابد ان يكون الارتباط والولاء بنفس القوة، والتفعيل والشعار والتظاهر السياسي، والتثقيف.
                    ولئن كان يشك أحد في قيمة الشعار والتظاهر السياسي في أمر الولاية والارتباط بها، فلا يجوز ان يكون هذا التشكيك من ناحية المنتمين إلى مذهب أهل البيت (ع) .
                    لأن الولاء والتظاهر به، والتعبير عنه مما تثقّف به العقل الشيعي، وترسّخ في وجدانه وضميره، خلال أكثر من ألف سنة من الصراع السياسي بين أولياء الله وأولياء الطاغوت.
                    ونحن اليوم نعيش في نفس الساحة، وفي نفس الظروف، وعلى نفس الخط والامتداد، ان شاء الله تعالى، ولذلك تحكمنا نفس التعليمات الولائية التي كان يعطيها أهل البيت (ع) لشيعتهم.
                    الولاء وظروف الحصار السياسي:
                    وقد تحفّظ بعض الاخوة العاملين في حقل الحركة الإسلامية عن إعلان ارتباطهم بالولاية، وتفعيلها في الساحة السياسية نظراً للظروف السياسية الصعبة التي تحيط ولاية أمر المسلمين، والمحاصرة الدولية والاقليمية المعلنة وغير المعلنة التي تطوّق هذا الكيان الإسلامي السياسي الجديد ... ويعتقد هؤلاء الاخوة إن إعلان الارتباط يضرّ بقضيتهم السياسية.
                    وهو تحليل سياسي ضعيف، ونحن في الحركة الإسلامية الشيعية ندفع ضريبة الارتباط بالولاية مسبقاً وسلفاً، ومن ناحية الدول الاقليمية في المنطقة والقوى الاستكبارية في العالم ... وتعتبر الحركة الإسلامية الشيعية جزءاً لا يتجزأ من هذا الكيان في حساباتهم السياسية الدقيقة، رضيت هذه الحركات بهذه النسبة أم لم ترضَ، فهي محسوبة سياسياً على هذا الخط والمحور وحساباتنا نحن في الحركة الإسلامية عن تصورات القوى ذات الشأن في قضيتنا السياسية غير دقيقة. وهذه القوى إذا انفتحت على الحركة الإسلامية الشيعية واستمعت اليها، أو انغلقت عليها ولم تسمع لها فهي تأخذ بنظر الاعتبار على كل حال هذه الحقيقة، وإذا انفتحت عليها وتعاملت معها، فليس لخفاء هذه النقطة عليها، وإنما لأن الحركة الإسلامية تمكّنت بفضل الله ان تجعل من حضورها في ساحة الأمة والساحة السياسية أمراً واقعاً ذا حجم سياسي كبير... والقوى الاستكبارية بحكم مهمتها لابد لها ان تتعامل مع هذا الأمر الواقع ومع كل أمر واقع على الساحة الدولية، ولا تستطيع ان تتجاوز الواقع، مهما كانت قوتها وإمكاناتها. هذا أولاً.
                    وثانياً: أن إعلان الارتباط بالولاية وتفعيلها في جسم الحركة الإسلامية يمنحها قوة ونفوذاً ووثوقاً في الوسط الإسلامي الذي يتفاعل معه.
                    ومهما يكن من أمرٍ فأن أمر الارتباط بالولاية وتفعيلها، والتعبير عنها من المسائل المهمة في الحركة الإسلامية، ولكي يتحقق ارتباط الحزب الإسلامي بالولاية بشكل مؤثر وقوي وفاعل لابد من خطوات ثلاثة ضرورية في تحقيق هذا الارتباط وتعميقه، وهذه الخطوات هي:
                    1- التثقيف بالولاية.
                    2- تفعيل الارتباط بالولاية.
                    3- تقنين الارتباط وآلية الارتباط.
                    وفيما يلي نقدم شرحاً موجزاً لهذه الخطوات الثلاث:
                    1- التثقيف بالولاية:
                    الارتباط بالولاية عمل عقائدي، حضاري، سياسي، حركي. ولا يمكن ان يتم ترسيخ هذا الاصل في حياة المسلمين بتنظيم آلية الارتباط فقط ... فإن آلية الارتباط بالولاية - لوحدها - قاصرة عن تحقيق مثل هذا المشروع الضخم في حياة الأمة، وإنما يجب في تحقيق هذا المشروع ان نوظّف عامل التثقيف بشكل واسع، حتى يتم ترسيخ هذا المفهوم الحضاري في عمق وجدان الأمة، وتكتسب الأمة بذلك حصانة في مقابل العوامل المناوئة للولاية، فإن الولاية تتعرض بصورة دائمة لعوامل النقض والهدم من قبل أعداء هذه الأمة والمنافقين، ولا يمكن لهذا المفهوم الحضاري - الحركي ان يواجه كل هذه التحديات بعامل الآلية والتقنين فقط، ما لم يتم ترسيخ هذا المفهوم في وجدان الناس بالتثقيف.
                    ولأمر ما أولى أهل البيت (ع) اهتماماً كبيراً بهذا العامل، وأوصوا شيعتهم بالاهتمام بثقافة الولاية، ونشر هذه الثقافة في أوساطهم، وتثقيف أبنائهم عليها، وكانوا يشجعون الشعراء بإذاعة هذه الثقافة، واستخدام الشعر لهذه الغاية الكبيرة ... ولذلك فمن الضروري ان تسلك الحركة الإسلامية نهجاً واضحاً في التثقيف بالولاية في الحلقات التنظيمية، وفي الندوات الحزبية العامة والدورات الحزبية وسائر النشاطات الثقافية والسياسية.

                    2- تفعيل الارتباط بالولاية:
                    من أبعاد العلاقة بالولاية البعد السياسي، وفي العمل السياسي لا تكفي النية المجردة عن العمل.
                    والقضية السياسية لا تنفصل عن الاعلام، ومن دون الاعلام لا يحقق المشروع السياسي اهدافه وغاياته.
                    وانطلاقاً من هذا التصور في العمل السياسي لا يتحقق الارتباط بالولاية من دون الاعلام، وإعلان التضامن في الموقف السياسي، والإعلان عن وحدة الموقف السياسي، ووحدة المواجهة بقدر ما تسمح به الظروف السياسية بالمسيرات السياسية والبيانات والندوات والمؤتمرات والصحافة والإذاعة وأمثال ذلك بحضور فاعل وقوي ومشهود.
                    والحركة الإسلامية المعاصرة، أينما تكون لابد ان تعلن تضامنها مع الكيان الإسلامي السياسي الكبير، فإن الارتباط عمل سياسي في جملة من أبعادها، ولا يتحقق الا بالإعلام والإعلان عن الارتباط ووحدة الموقف والتضامن السياسي والحركي بالحجم المناسب المعقول الذي يؤدي الغرض.
                    والإعلام من وسائل تفعيل الارتباط بالولاية، فهو يرسخ حالة الارتباط في نفوس العاملين أولاً، ويوضح ويحدد هوية الحركة الإسلامية السياسية ثانياً، ويدعم الموقف السياسي للولاية السياسية في ساحة الصراع ثالثاً.
                    ويكسب الحركة الإسلامية ثقة وتأييد ودعم الساحة الإسلامية والوسط الإسلامي والجماهير رابعاً.
                    ولقد كانت المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) موفّقه في حساباتها الحركية والسياسية، ودقيقة في التعبير عن هويتها السياسية، وارتباطها بولاية الأمر، وتضامنها معها.
                    وتجربة حركة المقاومة الإسلامية في لبنان تجربة رائدة، تخدم الحركة الإسلامية المعاصرة، وتقدم لها نموذجاً من الصراحة والوضوح السياسي إلى جنب العمل الحركي والجهادي والسياسي الحقيقي والجاد.
                    وليس من شك ان (حزب الله) في لبنان يحتلّ دوراً أساسياً وفعالاً في مواجهة الصهيونية وأمريكا.
                    ولا يستطيع اليوم - في عالمنا الذي نعيش فيه - ان يُلغي كيان سياسي - مهما كان - كياناً سياسياً آخر. وقد دخلت أمريكا بإمكاناتها الأمنية والعسكرية بلاداً متخلفة كالصومال فلم تتمكن ان تصنع شيئاً.
                    إن الهزيمة النفسية التي تخالج نفوس بعض العاملين في الحقل السياسي هو السبب في الكثير من التراجع والضعف في مواقفنا السياسية.
                    ولو أننا جرّدنا مواقفنا من عامل الهزيمة النفسية لكان لنا شأن آخر في الساحة السياسية اليوم. ولستُ أقول ولا أريد ان نجنح إلى الخيال، ونبتعد عن الواقع، ولكن بشرط ان نفهم واقع الطرفين المتصارعين بحجمهما الموضوعي الحقيقي أولاً. ونتذكر تأييد الله تعالى ودعمه وإسناده للمؤمنين ثانياً إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ .
                    قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ  .
                    التضامن العملي:
                    ونضيف إلى ما تقدم من دور الإعلام في تفعيل الارتباط فنقول: إن من وسائل تفعيل الارتباط التضامن العملي في الموقف السياسي مع الولاية، وهذا التضامن يُفعّل ارتباط الحركة الإسلامية بالولاية من جانب، ويدعم الموقف السياسي للولاية في صراعها مع الاستكبار والكفر العالمي من جانب آخر.
                    والصراع حقيقة قائمة بين الجبهتين، تحاول الجبهة الأولى عزل وتحجيم ولاية الأمر، وإلغاء دورها في الساحة السياسية العالمية، وتحاول الجبهة الثانية تأكيد وتعميق هذا الدور ودعم الموقف السياسي للولاية في هذا الصراع.
                    وبغض النظر عن المردود السياسي والإعلامي للتضامن مع الولاية بالنسبة إلى الحركة الإسلامية في تأكيد وتعميق علاقتها بالولاية ... أقول: بغض النظر عن كل ذلك يجب على الحركة الإسلامية ان تعلن عن تضامنها العملي في المواقف السياسية للولاية في جو الصراع العالمي القائم اليوم بين الإسلام والكفر.
                    3- تقنين الارتباط وآلية الارتباط:
                    ولكي يستقر الارتباط بالولاية في المنظمة الإسلامية، ولا يتعوّم، فلابد من تحديد آلية للارتباط قوية ومناسبة ومكافئة لهذه المهمة، تحقق غايات الارتباط، وتمكن الحركة الإسلامية من تحقيق الارتباط بصورة مؤثرة، ولابد لهذا الارتباط من نظام وقانون، كما أن المؤسسة القانونية والقضائية والعسكرية تمارس هذا الارتباط من خلال آلية معينة وتقنين دقيق، ولا تقتصر في الارتباط على النية والارادة والرغبة والشعار.
                    * * *
                    وفي نهاية هذه الرسالة أود ان أشير إلى مسألتين أحداهما سياسية والأخرى تتعلق بسلامة الخط الفكري والسياسي للحركة الإسلامية المعاصرة واليكم هاتين المسألتين:
                    الأولى: المستقبل السياسي ومشروع الوحدة:
                    إن المستقبل السياسي للعراق يتأثر بشكل أو بآخر بدائرة اللعبة الدولية والإقليمية بالتأكيد، وسوف يواجه الإسلاميون واقعاً سياسياً صعباً في غاية التعقيد، وليس بإمكان الإسلاميين أن يخرجوا من هذه الدائرة، ويحرروا العراق من العوامل الدولية والإقليمية الضاغطة الا إذا واجهوا تحديات المستقبل بوحدة الصف، والكلمة، والموقف والقرار بين مختلف الشرائح الإسلامية العاملة في الساحة.
                    وليس للإسلاميين بدّ - في مواجهة تحديات المستقبل - من ان يبذلوا كل جهد ممكن من الآن في تحقيق وتفعيل هذه الوحدة.
                    ولا يمكن تحقيق (الوحدة السياسية) من دون مشروع عمل سياسي فليست الوحدة أمنية، ولا رغبة، ولا شعاراً. وإنما الوحدة جهد وعمل سياسي يوحّد الأمة، ويوحّد الساحة الإسلامية.
                    ... وهو وحده القادر على مواجهة تحديات المستقبل، بكل ضراوتها، وإقامة موقف سياسي وحركة سياسية واحدة، تنهض بالحالة الإسلامية.
                    وعندئذٍ لا تتمكّن أي قوة في دائرة اللعبة الدولية والإقليمية من احتواء الحالة الإسلامية، وترويضها، وتبقى هذه الحالة هي الحالة الصعبة والوحيدة في الحاضر والمستقبل، لا يمكن احتواؤها، ولا يمكن تجاوزها، مهما كانت هذه العوامل من القوة والتأثير، ومهما كانت الظروف التي يمر بها الإسلاميون.
                    وقد جعل الله تعالى الطاعة والولاية من أهم عوامل وحدة الأمة وتماسك الحركة الإسلامية ... ولا وحدة من دون طاعة، ولا طاعة من دون ولاية وهذه معادلات مترابطة في واقعنا السياسي والحركي.
                    الثانية: سلامة الخط الفكري والسياسي للحركة الإسلامية:
                    لم يستقم خط فكري وسياسي منذ غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلى اليوم، كما استقام خط المرجعية والولاية والفقاهة من الفقهاء الذين تعاقبوا على هذا الخطّ من عصر الصدوقين والمفيد والمرتضى والطوسي والمحقّق والعلاّمة والشهيدين والكركي وصاحب الحدائق والبهبهاني وصاحب الجواهر والأنصاري إلى عصر فقهائنا المعاصرين الذين تعاقبوا على هذا الخط.
                    وقد قدر الله تعالى لهذا الخط (النائب) ان ينوب عن وليه الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويستقيم على هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منذ غيبة الإمام (عجل الله فرجه) وإلى ظهوره، ولا يشذّ ولا ينفرط، على هذا الامتداد الطويل من الزمان، وهو أطول فترات تاريخ هذه الأمة إلى اليوم، ولم يضع المؤمنون من اتباع مدرسة اهل البيت (ع) ثقتهم في خطّ ولا فكر ولا جهة،كما وضعوا ثقتهم في هذا الخط المبارك وأولوه ثقتهم وشرائع دينهم.
                    و(ولي أمر المسلمين) اليوم سماحة الإمام الخامنئي (حفظه الله) ومن قبله الإمام الخميني (رحمه الله) على امتداد هذا الخط والتاريخ بالذات، يرثان هذا الميراث الضخم من سلفهما من الفقهاء، بسط الله تعالى يديهما ورزقهما من القوة والنفوذ في الساحة السياسية ما لم يُرزقه أحد من الفقهاء قبلهما.
                    و(الحركة الإسلامية المعاصرة) مدعوة، في ضوء هذا التاريخ، وهذا التصور، ان تشد نفسها بهذا المحور المبارك، شداً وثيقاً وحقيقياً، فكرياً وسياسياً واجتماعياً... ضمن آلية واضحة وتعبير واضح عن الارتباط.
                    فإن هذا الخط هو الخط الأمين فكريا وسياسياً عند اتباع أهل البيت (ع)، ويستقطب هذا الخط من ثقة المؤمنين ما لا يستقطبه أي خط آخر، رغم كل التحديات التي تواجه هذا الخط، والله تعالى هو الموفق والهادي والمعين.
                    رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ( الأعراف: 126 ).
                    رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( البقرة: 250 ).
                    رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ( آل عمران: 193 - 194 ).
                    رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( التحريم: 8 ).
                    محمد مهدي الآصفي
                    ربيع الثاني/ 1418هـ

                    تعليق


                    • #11
                      الملاحق الفقهية

                      الملاحـــــــــق الفقهيــــــــــــــــة



                      * الملحق رقم (1)
                      * الملحق رقم (2)
                      * الملحق رقم (3)
                      * الملحق رقم (4)

                      تعليق


                      • #12
                        الملحق الاول

                        الملحق رقم ( 1 )
                        اختصاص الولاية بالفقهاء:
                        نستدل على اختصاص الولاية بالفقهاء بثلاث طوائف من الأدلة:
                        الطائفة الأولى:
                        الروايات الدالة على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر:
                        1- ما ورد بسند صحيح عن العيص بن القاسم، عن أبي عبد الله (ع): (عليكم بتقوى الله وحده، لا شريك له، وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها، يخرجه ويأتي بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها)( 1).
                        والعلم الذي يشترطه الإمام الصادق (ع) في من يتولى الإمامة هو معرفة الحلال والحرام، وحدود الله، وهو واضح لمن يعرف طبيعة وظروف الخلاف بين أهل البيت (ع) وحكام بني أمية وبني العباس، وكذلك المعارضة السياسية التي كانت تريد الإمامة لغير أهل البيت (ع) .
                        ولا نحتمل ان يكون المقصود من العلم في هذه الرواية وامثالها علم الإدارة أو القتال أو غير ذلك، فهو أمر مفروغ عنه لدى الطرفين.
                        والمخاطب الذي يخاطبه الإمام الصادق (ع) بهذا الخطاب - كما يتضح من خلال الحديث نفسه - لا يعتقد بالنص والعصمة، ولا يذكره الإمام (ع) بهما في هذا الحديث، فلا يمكن ان يكون المقصود بالعلم: الأحكام الواقعية التي لا يعرفها الا المعصوم؛ لأن الإمام (ع) يتحدث إلى ناس لا يشترطون في الإمام النص والعصمة، وليس الإمام (ع) بصدد مناقشة عقائدية في هذه المسألة.
                        2- ما رواه الكليني بسند صحيح عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، عن الصادق (ع): (اتق الله، وأنتم أيها الرهط فاتقوا الله، فإن أبي حدثني، وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله عز وجل وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه، وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ مكلف)(2 ).
                        والمقصود بالعلم هو ما تقدم في صحيحة العيص، والأمر هنا أوضح لظروف الرواية والحوار الذي جرى بين الإمام (ع) وعمرو بن عبيد في هذا المجلس.
                        و(الأعلمية) المذكورة في هذه الصحيحة وتلك لابد ان تتعادل مع سائر الشروط والأوصاف المطلوبة في الإمامة كالكفاءة والتقوى، فتكون الأعلمية نسبية، وليست مطلقة، أي الأعلمية في دائرة الأكفاء والصالحين والمتقين.
                        ولا نحتمل ان يكون سبب اشتراط العلم في هذه الصحيحة وتلك في الإمام أو الخليفة لأن الإمام كان يتعهد إلى جانب (الولاية) المرجعية الفقهية للأمة، كما كان في الصدر الأول من الإسلام.
                        ومع فصل سلطة الحكم عن الفتيا لا حاجة إلى الأعلمية في الفقه ... أقول: إن هذا التصور لا يصحّ؛ لأن الفصل بين سلطة الافتاء وسلطة الولاية حصل منذ بداية عصر بني أمية إلى انقراض الدولة العباسية.
                        ولم يكن اعتراض الإمام الصادق (ع) على إمامة (محمد بن عبد الله بن الحسن) - كما في الصحيحة الثانية - لعدم صلاحيته للجمع بين (الولاية) و(المرجعية الفقهية) ... فإن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يكن مرشحاً يومئذ ليجمع بين هذين الموقعين، وإنما كان مرشحاً للولاية فقط، ولم تكن وحدة موقع الفتيا والولاية مطروحة للنقاش يومئذٍ، وكان بإمكان الحاضرين عند الإمام (ع) ان يتخلصوا من اعتراض الإمام (ع) بالرجوع إلى محمد بن عبد الله بن الحسن في شؤون الولاية والسلطة فقط والرجوع إلى الفقهاء في شؤون الفقه، كما كان ذلك هو المعمول به يومئذٍ في جهاز الخلافة الرسمية.
                        وعن أمير المؤمنين (ع) كما في نهج البلاغة: (أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله. فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل)( 3).
                        الطائفة الثانية:
                        الروايات التي يذكرها الفقهاء المعاصرون، ومنهم الإمام الخميني (رحمه الله) دليلاً على ولاية الفقيه، منها: مقبولة عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله الصادق (ع) وفيها: (من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنما استُخِفّ بحكم الله، وعلينا ردّ، والراد علينا راد على الله، وهو على حدّ الشرك بالله)( 4).
                        وقد تلقّى فقهاؤنا روايات عمر بن حنظلة بالقبول، رغم عدم وجود توثيق صريح باسمه، واشتهرت روايته بالمقبولة.
                        ومنها: حديث (اللهم ارحم خلفائي) فقيل له: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: (الذين يبلّغون حديثي وسنتي، ثم يعلمونها أمتي)( 5).
                        ولا شك أنّ مهمة الولاية من أهم مناصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد النبوة، والفقهاء هم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الموقع، ولا دليل على صرف الخلافة عن هذا الموقع وتخصيصه بموقع التبليغ فقط بقرينة (الذين يبلغون حديثي)؛ فإن الجملة الأخيرة صفة للخلفاء - كما هو ظاهر - وليس قرينة على اختصاص الخلافة بموقع التبليغ فقط من مواقع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثلاثة: النبوة والتبليغ، الإمامة والولاية، والقضاء.
                        ومنها: حديث: (العلماء ورثة الأنبياء)( 6).
                        وحديث: (الفقهاء حصون الإسلام)(7 ).
                        وحديث: (الفقهاء أمناء الرسل)(8 ).
                        ومنها: التوقيع الذي يرويه محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عج) فيه: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم)(9 ).
                        ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة، قال: أخبرني جماعة عن جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وغيرهما عن محمد يعقوب، عن اسحاق بن يعقوب( 10).
                        وإسناد الشيخ الطوسي جيد إلى محمد بن يعقوب، وأمّا إسحاق فهو مجهول غير ان رواية محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) عنه في أمر خطير مثل التوقيع الصادر عن صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) يبعث على الاطمئنان، غير ان محمد بن يعقوب (رحمه الله) نفسه لم يروِ هذا الحديث في الكافي وهو مما يثير الشبهة في النفس.
                        وفي هذا التوقيع يحيل الإمام صاحب الزمان (عج) راوي الحديث إسحاق بن يعقوب في (الحوادث الواقعة) إلى رواة أحاديثهم (ع) .
                        وإطلاق (الحوادث الواقعة) ولا سيما في ظروف صدور التوقيع وهو ظرف غيبة الإمام صاحب الزمان (عج) يدلّ على ان الإمام صاحب الزمان (عج) أوكل الفقهاء (الرواة لأحاديثهم) في كل ما يكون من شأنه في عصر الحضور من تبليغ الأحكام وشؤون الولاية ويأمر الإمام (عج) المؤمنين في هذا التوقيع بالرجوع إليهم في كل ذلك.
                        وبهذا المضمون وردت روايات أخرى لا نريد ان نقف عندها ... يستدل بها القائلون بولاية الفقيه على إثبات الولاية للفقيه، ويشكّك النافون في دلالتها على ذلك، وهذه الروايات يذكرها الشيخ احمد النراقي (رحمه الله) في (العوائد) والشيخ الأنصاري (رحمه الله) في المكاسب، والامام الخميني (رحمه الله) في دروس ولاية الفقيه.
                        والنقاش بين القائلين بولاية الفقيه والنافين لها طويل لا يسعه المجال، وأما أنا فاعتقد ان آحاد هذه الروايات لو خضعت للنقد في إسنادها أو دلالتها، فلا يمكن التشكيك فيها من حيث المجموع، وهي طائفة واسعة من الروايات، والتشكيك في صحة صدور آحاد هذه الروايات لا يلازم التشكيك في مجموعها.
                        ولا أعتقد اننا لو سمعنا هذه التصريحات أو بعضها من حاكم يتوقع الناس منه الوصية لشخص نشكّ في أمر هذه الوصية من بعده في أمور الولاية والحكم - على فرض تصحيح السند - . فلو قال الحاكم مثلاً: (إني قد جعلت عليكم فلاناً خليفة من بعدي) و(هو خليفتي فيكم) و(وهو وارثي) و(وهو حصن هذه الأمة من بعدي) و(هو أميني في أمتي) و(وارجعوا إليه في الحوادث الواقعة من بعدي) ... وغير ذلك.
                        أقول: لو سمعنا من حاكم أمثال هذه التصريحات في شخص لا نشكّ في أنه يريد بهذه التصريحات تعيينه من بعده حاكماً وخليفة له على الناس، والتشكيك في آحاد هذه الروايات من حيث الإسناد والمتن شيء والتشكيك فيها مجتمعة شيء آخر، فإذا صحّ الأول فلا يصحّ الثاني بالضرورة.
                        اما من ناحية السند، فان تكرر هذا المضمون في طائفة واسعة من الروايات، تبعث في النفس الاطمئنان إلى صحة صدور هذا المضمون من المعصوم.
                        ولكني في نفس الوقت أعتقد أن هذه الروايات لا يمكن ان تدل على إسناد الولاية الفعلية إلى عامة الفقهاء، فهو أمر غير مألوف في التاريخ السياسي للسيادة والولاية في العالم، ولا نعتقد ان الشارع يسلك في أمثال هذه المسائل مسالك غير مألوفة للناس. على أنه من غير الممكن عملياً إسناد الولاية والرئاسة إلى كل الفقهاء في وقت واحد، فلابد إذن أن يكون المقصود بهذه الروايات بيان تأهيل الفقهاء للولاية، واشتراط الفقاهة في الولاية والإمامة، وهو أمر معقول ومقبول ومألوف وممكن ومنسجم مع روح هذا الدين.
                        الدليل الثالث:
                        لا يختلف فقيه فيما ذكرنا من اشتراط الفقاهة في الإمام وولي الأمر ويرسل الفقهاء هذه القضية في الفقه إرسال المسلّمات( 11) كما يرسل ذلك فقهاء أهل السنة إرسال المسلّمات بنفس الطريقة( 12).
                        وعدم الخلاف في هذه المسألة بالإضافة إلى الروايات المتقدمة يجعل من اشتراط الفقاهة في الإمام وولي الأمر قدراً متيقناً لا يجوز تجاوزه بالتأكيد، فإن ولاية الفقيه العدل الكفوء صحيح قطعاً ومن دون خلاف، وولاية غير الفقيه على الناس مورد للشكّ، والأصل في أمثال هذه الموارد هو عدم ولاية أحد على غيره، وعدم نفوذ حكم أحد على غيره.
                        نخرج من هذا الأصل في حالتين:
                        الحالة الأولى: ان يتولى الفقيه العدل الكفوء أمور الناس، وهو من القدر المتيقن الذي لا يشكّ في صحته فقيه.
                        الحالة الثانية: ان يتعذر تحصيل فقيه عدل كفوء للقيام بمسؤولية الولاية والإمامة، فيتمّ التنازل بمقتضى الضرورة من هذا الشرط إلى الحاكم العدل الكفو المتفقه غير الفقيه، إذا كان يعتمد فتوى فقيه أو لجنة من الفقهاء في أمور الحكم، غير ان هذه الحالة حالة استثنائية بمقتضى الضرورة، والضرورات تقدّر بقدرها و ... تفصيل هذا الدليل الأخير في كتابينا (ولاية الأمر) و(الاجتهاد والتقليد).


                        ---------------
                        الهوامش
                        ---------------

                        ( 1) وسائل الشيعة 11: 35، الباب 13 من أبواب جهاد العدو/ ح1.
                        ( 2) وسائل الشيعة 11: 28، الباب 9 من أبواب جهاد العدو/ ح2. وظروف الحديث ان جماعة فيهم عمرو بن عبيد جاءوا إلى الإمام الصادق (ع) يدعونه إلى محمد بن عبد الله بن الحسن، فسأل الإمام (ع) عمرو بن عبيد، المتحدث باسم الجماعة مسائل مما يجب ان يعرفها الإمام أو من يعين الإمام، فلما عجز عمرو عن الجواب خاطبهم الإمام (ع) بالخطاب المذكور في هذه الصحيحة.
                        ( 3) نهج البلاغة/ الخطبة 173 .
                        ( 4) وسائل الشيعة 18: 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي/ ح1.
                        ( 5) معاني الأخبار 2: 374، ورواه الصدوق ايضا في (من لا يحضره الفقيه) 4: 420، وفي الأمالي: 109 .
                        ( 6) الكافي 1: 32 ، 34 . ووسائل الشيعة 18: 53 .
                        ( 7) الكافي 1: 38 .
                        ( 8) الكافي 1: 46 .
                        ( 9) رواه الصدوق في كمال الدين 2: 483 .
                        ( 10) الغيبة/ الشيخ الطوسي: 176 .
                        ( 11) راجع تذكرة الفقهاء/ العلاّمة الحلي 1: 452 .
                        ( 12) راجع الأحكام السلطانية لأبي الحسن الماوردي: 6 ، والأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى: 20 ، والمنهاج للنووي الشافعي: 518 ، والمحلّى لابن حزم 6: 359 ، وغيرهم

                        تعليق


                        • #13
                          الملحق الثاني

                          الملحق رقم (2)
                          يمكن ان يتصور علاقة الحركات الإسلامية بالولاية على نحوين:
                          النحو الأول: (العلاقة المركزية) ومن شأن هذه العلاقة الارتباط كما هو الشأن في الوزارات والدوائر المرتبطة بالولاية من خلال مسلسل الارتباط، وكذلك الأحزاب والحركات والجمعيات داخل الدولة الإسلامية.
                          والنحو الآخر من الارتباط: الارتباط (اللامركزي) في الخطوط السياسية العامة، بصورة ذاتية. وهذه الصورة أكثر ملائمة لحال الحركات الإسلامية خارج حدود ونفوذ الدولة الإسلامية.
                          وهذه الصيغة من العلاقة صيغة شرعية، تحقق الارتباط المطلوب شرعاً، وفي نفس الوقت يتيسر للحركات الإسلامية التحرك السياسي خارج دائرة نفوذ الدولة الإسلامية. فتتبع الحركة الإسلامية ولاية الأمر في المنهج العام الحركي والسياسي للحركة السياسية (أو ما يسمّى اليوم بالقضايا الاستراتيجية للحركة)، ثم تقوم الحركة الإسلامية بإدارة شؤونها الادارية والتنظيمية والسياسية والحركية، بصورة ذاتية، من دون حاجة إلى الارتباط والرجوع فيها إلى مركز الولاية والمسألة فقهياً بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتأمّل.

                          تعليق


                          • #14
                            الملحق الثالث

                            الملحق رقم (3)
                            من المسائل المثيرة للنقاش الفقهي الصيغة الواردة في دستور الجمهورية الإسلامية عن بيعة مجلس الخبراء لولي الأمر بالولاية والطاعة، فإن تدوين الدستور تمّ في ظروف سياسية موضوعية وواقعية قائمة اليوم في العالم الإسلامي، وهذه الظروف تعتبر بالتأكيد عاملاً ضاغطاً على طريقة تدوين دستور اُولى دولة إسلامية في العالم اليوم.
                            فقد أخذ مدوّنوا الدستور بنظر الاعتبار الوضع السياسي الواقعي والموضوعي للعالم الإسلامي اليوم في تدوين هذا الدستور.
                            وقد قرّر الدستور - في ضوء هذا الواقع الموضوعي - أن البيعة تتم أولاً من قبل مجلس الخبراء (أصحاب الحلّ والعقد) الذين يمثّلون مساحة معينة من العالم الإسلامي، وليس كلّ العالم الإسلامي.
                            وتتم البيعة ثانياً بصيغة محدودة في الولاية والطاعة في دائرة الجمهورية الإسلامية.
                            ومن الواضح أنّ هاتين النقطتين قد تم تدوينهما في دستور اُولى دولة إسلامية في العالم المعاصر بهذه الطريقة نظراً للظروف الموضوعية الضاغطة على هذه الدولة، ولم يكن من الممكن تدوين هاتين النقطتين بغير هذه الصورة في العالم الذي نعيشه اليوم نحن.
                            إلاّ أن هذه الصيغة المحدودة في البيعة والولاية، وتحديد دائرة الخبراء الذين يبايعون ولي الأمر بالولاية ... قد يعقّد فقهياً التخريج الفقهي لعالمية ولاية الأمر، وفيما يلي أقدم توضيحاً فقهياً لهذه المسألة، فأقول:
                            حقيقة البيعة هو الالتزام بالطاعة تجاه ولي الأمر، ونتساءل: ما مقدار ما يجوز للإنسان ان يُقدّم لولي الأمر من الطاعة؟ هل يجوز للإنسان ان يقدّم لولي الأمر طاعته وطاعة غيره من المسلمين؟ في أية دائرة تكون (ضيّقة أم واسعة)؟ أم يحق له فقط ان يلتزم عن نفسه بالطاعة، ويقدم لولي الأمر ما يتعلّق به شخصياً من الطاعة، ولا يحقّ له ان يقدم لولي الأمر طاعة سائر المسلمين؟
                            فلا تلزم البيعة - إذن - غير الشخص الذي يبايع، ولا تلزم بيعته بيعة غيره من المسلمين (في أية دائرة) بالطاعة والانقياد.
                            ولابد من تحرير هذه المسألة أولاً، ففي تحرير هذه المسألة القول الفصل في هذه القضية.
                            والمسألة بالتحديد هي: تحديد دائرة البيعة سعة وضيقاً.
                            ولتحديد هذه المسألة نرجع إلى الأصل الأولي في ولاية الإنسان على نفسه وعلى الآخرين، فأقول:
                            إن الأصل الأولي عدم ولاية الإنسان على نفسه وعلى غيره، ولا نخرج عن هذا الأصل الا بالمقدار القطعي المتيقن، والمقدار المتيقن منه هو التزام الإنسان بالطاعة لولي الأمر عن نفسه بالبيعة.
                            فلا تكون بيعته ملزمة الا لنفسه، ولا يحقّ له بموجب هذا الأصل أن يعطي تعهداً بالطاعة عن غيره، ويكون تعهده بالطاعة عن غيره باطلاً ولغواً، ولا يكون ملزماً الا لشخصه فقط.
                            ويترتب على ذلك بطلان كل التزام وتعهد يرد في البيعة على الآخرين من قبل الشخص المبايع، في أي دائرة يكون الالتزام، صغيرة أو كبيرة.
                            فلو بايع مسلم شخصاً مرشّحاً للإمامة على إمامة المسلمين جميعاً لا يكون هذا التعهد ملزماً لغيره بالطاعة، وكذلك لو بايعه على إمارة إقليم أو قطر لا تكون هذه البيعة ملزمة لأحد بالطاعة غير شخص المبايع، ويكون هذا التعهد والالتزام لغواً وباطلاً في البيعة، بناءً على الشرح المتقدم، الا فيما يتعلق بنفسه.
                            إذن نتساءل: كيف تعمّ البيعة سائر المسلمين؟ إذا عرفنا أن من غير الممكن عادة أن يؤدي جميع المسلمين البيعة لولي أمر المسلمين، وأن يتفق جميع المسلمين على إمامة شخص واحد بالبيعة.
                            الجواب عن ذلك فيما ذكرنا سابقاً: أنه إذا اجتمع رأي طائفة كبيرة من المسلمين أو أصحاب الحل والعقد على بيعة شخص، وبايعوه على الطاعة ألزمت هذه البيعة سائر المسلمين، وحرم على الآخرين شقّ الجماعة، وعدم الدخول فيما دخل فيه الآخرون.
                            والدليل على ذلك - كما ذكرنا -: سيرة أمير المؤمنين (ع) فقد بايعه الأنصار والمهاجرون في المدينة، فألزم الإمام (ع) سائر المسلمين بالطاعة، وأمر المسلمين بالخروج إلى قتال معاوية بالشام، الذي كان يريد ان يستأثر بما تحت يده من سلطان الشام، وسمّاه الإمام (ع) باغياً.
                            علماً بأن الذين خرج بهم الإمام (ع) لقتال معاوية، والذين كان يخاطبهم الإمام بالطاعة لم يكونوا يؤمنون بالنص على الإمام من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نعتقد نحن، وإنما كانوا يعتقدون بأن شرعية إمامة أمير المؤمنين (ع) ببيعة المهاجرين والأنصار.
                            فكان يقول (ع) لهم: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد ان يختار، ولا للغائب ان يرد)( نهج البلاغة/ صبحي الصالح: 366 ). والخطاب لمعاوية بالذات وهو ينكر النصّ على الإمام (ع) من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة ومع ذلك يلزمه الإمام بالطاعة والدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار (يعني أهل الحل والعقد).
                            إذن البيعة التي تتم اليوم لولي أمر المسلمين من قبل (مجلس الخبراء) في حدود دستور الجمهورية الإسلامية ملزمة للمسلمين، وذلك لأن مجلس الخبراء يمثلون شريحة كبيرة وواسعة من المسلمين، ويعتبرون بذلك من أصحاب الحل والعقد. ولا يضرّ عدم دخول الآخرين من أهل الحل والعقد في هذه البيعة نظراً للظروف السياسية العالمية التي تشكّل عاملاً ضاغطاً على تدوين دستور الجمهورية الإسلامية بهذه الصيغة المحدودة. فإن بيعة أمير المؤمنين (ع) قد تمّت من قبل المهاجرين والأنصار فقط في المدينة - كما ذكرنا - ومع ذلك فقد ألزم الإمام علي (ع) سائر المسلمين في سائر الأقطار بالطاعة.
                            كما لا يضرّ بشمولية نتيجة هذه البيعة مبايعة ولي الأمر من قبل الخبراء على مساحة معينة (دائرة الجمهورية الإسلامية)، بمقتضى ما تتطلبه ضرورات الوضع السياسي في العالم اليوم، والتي كانت - كما ذكرت - هي العامل الضاغط على تدوين دستور الدولة الإسلامية بهذه الصيغة.
                            فإن شرعية البيعة تتحدد فقط بحدود الشخص الذي يبايع ومن يمثله فقط، وليس من حق المبايع ان يبايع ولي الأمر عن غيره حتى في دائرة ضيقة مثل المدينة والمحافظة والقطر والإقليم.
                            إذن تقييد الطاعة بمساحة معينة قيد باطل ولغو من الناحية الفقهية، ولا يُعبأ به ولا يضرّ وجوده، فلا يصحّ من بيعة أصحاب الحلّ والعقد (الخبراء)، إلاّ بقدر ما يتعلق بأشخاصهم ومن يمثّلونهم من المسلمين ولا تفرض بيعتهم لوليّ الأمر طاعة وليّ الأمر على غيرهم وغير من يمثلون من المسلمين، وكلّ قيد يرد في متن البيعة غير ذلك باطل ولغو، ولا أثر له في البيعة إيجاباً أو سلباً، فإذا تعهّدوا لوليّ الأمر بطاعة المسلمين جميعاً لم تنفذ هذه البيعة إلاّ على أنفسهم ومن يمثّلونهم بحكم قانون (الانتخابات)، ولا تنفذ على غيرهم من المسلمين.
                            غير أنه إذا اجتمع عدد كبير من أهل الحل والعقد، أو عدد كبير من عامة المسلمين على بيعة شخص بالولاية والإمامة والطاعة عمّت ولايته وطاعته غيرهم من المسلمين كما ذكرنا.
                            وبهذه الصيغة تكون ولاية ولي أمر المسلمين ملزمة لعامة المسلمين.

                            تعليق


                            • #15
                              الملحق الرابع

                              الملحق رقم (4)
                              وحدة الإمامة
                              فيما يلي اذكر بعض الأدلة على وحدة الإمامة في العالم الإسلامي وعدم شرعية تعدد محاور الولاية والإمامة.
                              1- الدليل الأول:
                              يتألف هذا الدليل من مقدمتين:
                              المقدمة الأولى: وحدة (الأمة).
                              يؤكد القرآن الكريم وحدة الأمة في آيتين، يقول تعالى:
                              إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. الأنبياء/ 92 .
                              وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. المؤمنون/ 52.
                              المقدمة الثانية:
                              النظام السياسي من أهمّ مقومات الأمة بعد العقيدة والإيمان ومناسك العبادة، فقد جعل الله تعالى لكلّ أمة منسكاً للعبادة لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ، كما جعل لكلّ أمة شرعة ومنهاجاً للحكم، وأمرهم بالطاعة لوليّ الأمر والانتظام في النظام السياسي الحاكم.
                              يقول تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ، المائدة/ 48 .
                              وملاحظة سياق الآية الكريمة تؤكد ما ذكرته آنفاً من أن (النظام السياسي) و(الحاكمية) من مقومات الأمة، فإن هذه الآية تقع في سياق ما أنزل الله تعالى على موسى (ع) من التوراة إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى و ... وما أنزل الله على عيسى (ع) من الإنجيل وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ثم يأمر الله تعالى أهل الإنجيل ان يحكموا بما أنزل الله وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ ويأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحكم بما أنزل الله إليه فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ بعد ذلك تقول الآية لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً .
                              ومن هذه الآيات يتبين بوضوح أن الله تعالى جعل للأمم شرائع ومناهج متعددة وأمرهم ان يحكموا بما أنزل الله عليهم من شريعة ومنهاج.
                              ولايضاح أكثر أقول: إن دعوة الأنبياء (ع) تتلخص في كلمتين: تقوى الله وطاعته، وطاعة الأنبياء.
                              إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . الشعراء/ 106 - 108 .
                              إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . الشعراء/ 124 - 126 .
                              إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . الشعراء/ 142 - 144 .
                              إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . الشعراء/ 177 - 179 .
                              فكل نبي يدعو أمته إلى طاعة الله تعالى: (فاتقوا الله)، وطاعة النبي: (وأطيعون) وطاعة النبي غير طاعة الله، ولذلك تتعدد الطاعة.
                              يقول تعالى:  قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ آل عمران/ 32 .
                               يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ النساء/ 59 .
                               وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ، المائدة/ 92 .
                              وليس من شك ان للرسول طاعة غير طاعة الله، فإن طاعة الله في شرائع دينه ولو كان الرسول هو المبلغ لذلك، وطاعة الرسول فيما يأمر به الرسول في نظام الحكم وشؤون الولاية.
                              وتعدد الطاعة في هذه الآيات، وفصل طاعة الأنبياء عن طاعة الله يشير إلى ان الطاعة الأولى في امتثال احكام الله تعالى وحدوده.
                              وعن هذه الطاعة يقول تعالى: فاتقوا الله، و(أطيعوا الله.
                              والطاعة الثانية هي طاعة الرسول في شؤون الولاية والحكم والسلطان. يقول تعالى على لسان نوح وصالح وشعيب ولوط (ع): وأطيعون. ويعطف القرآن طاعة (أولي الأمر) على طاعة (الرسول) يقول تعالى: وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ .
                              ومن مجموع هذه الآيات نكتشف ان الطاعة الادارية والسياسية ونظام الحكم من أهم مقومات وحدود الأمة بعد العقيدة والإيمان. فالأمة إذن تتقوم بأمرين:
                              1- العقيدة والمنسك والشريعة. وهو معنى تقوى الله، وطاعة الله، والإيمان بالله ورسله.
                              2- النظام السياسي والولاية والسيادة، وهو ما تعبر عنه الآيات الكريمة بالحكم بما أنزل الله وطاعة الأنبياء وأولي الأمر.
                              النتيجة:
                              وبعد هذا التوضيح نعود مرة أخرى إلى آية (الأنبياء) و(المؤمنون):
                              إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. الأنبياء/ 92 .
                              وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. المؤمنون/ 52.
                              فنقول: إن تأكيد القرآن على وحدة هذه الأمة يعني وحدة العقيدة والمنسك والشريعة والمنهاج من جانب، ووحدة الحكم والنظام السياسي والولاء من جانب آخر، وهذا هو ما نقوله من وحدة (الإمامة) و(النظام السياسي) للمسلمين في العالم.
                              الدليل الثاني:
                              والدليل الآخر على وحدة الإمامة والنظام السياسي في العالم الإسلامي سيرة أمير المؤمنين (ع). وسيرة أمير المؤمنين في محاربة معاوية سيرة هادية في أمور الولاية والحكم.
                              1- فقد حارب أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان وتوجه بجيش كبير إلى الشام ليدعو معاوية إلى (الطاعة والجماعة)، كما ورد ذلك في النصوص التاريخية المتواترة، فلما التقى الجيشان على الفرات، ولم يستجب معاوية لدعوة الإمام (ع) له إلى الطاعة والجماعة، لم يسع الإمام (ع) غير ان يقاتله، وفي هذه الحرب قتل جمع غفير من الجانبين وأوشك جند الإمام ان يهزموا جيش الشام، لولا ان معاوية لجأ إلى المكر والخدعة.
                              2- خرج الإمام إلى قتال معاوية بجيش غفير من الحجاز والعراق، ولم يكن جند الإمام الذين خرج بهم الإمام (ع) إلى قتال معاوية يومئذٍ يؤمنون بأن خلافة الإمام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنص وإنما كانوا يعتقدون أن الإمامة انعقدت للإمام أمير المؤمنين (ع) بعد مقتل الخليفة الثالث بالبيعة.
                              3- ولم يسبق من أهل الشام بيعة ولا عهد بالطاعة للإمام (ع) ليقاتلهم الإمام (ع) بنقض العهد ونكث البيعة.
                              4- ولا نعرف من كلمات الإمام (ع) وخطابه للمسلمين يومئذٍ أنه (ع) إنما دعا الناس إلى قتال معاوية لانه لا يستحق الإمامة بسبب ما عرف الناس من فسقه ونفاقه، وإنما خرج الناس مع أمير المؤمنين (ع) لقتال معاوية؛ لأن معاوية لم يدخل فيما دخل فيه المسلمون في الطاعة، بل شقّ جماعة المسلمين، واستأثر بما كان تحت يده من سلطان الشام، وبغى على إمام المسلمين، ولذلك كله أمر الإمام بقتال معاوية.
                              ونحن لا نشكّ ان الناس عندما أمرهم الإمام (ع) بالخروج لقتال معاوية فهموا من الإمام هذه الحقيقة بصورة واضحة.
                              5- فكيف يمكن ان يدعو الإمام (ع) المسلمين إلى قتال معاوية يومئذٍ بهذا العدد الغفير من الحجاز والعراق و... من غير ان يعلموا من الإمام على وجه اليقين أن الإمامة إذا انعقدت لإمام المسلمين بالبيعة في قطر من الأقطار لا يسع سائر المسلمين في سائر الأقطار الا البيعة والطاعة، ولا يجوز لأحد ان يتصدى لدعوة الناس إلى إمامة نفسه، وعدم الدخول في طاعة الإمام الذي بايعه المسلمون من قبل.
                              فإذا تصدّى أحد لذلك دعاه الإمام إلى الطاعة والجماعة، فإذا أبى قاتله الإمام.
                              6- وكلمات الإمام (ع) صريحة في ذلك.
                              كتب (ع) إلى معاوية: (انه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد ان يختار، ولا للغائب أن يُردّ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل، وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة، ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولاّه الله ما تولّى)( نهج البلاغة/ صبحي الصالح، قسم الكتب - الكتاب السادس، ص366).
                              ومن كتاب له (ع) إلى معاوية ايضاً: (لانها بيعة واحدة لا يُثنّى فيها النظر، ولا يُستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، والمُزوّي فيها مداهن)( نهج البلاغة/ صبحي الصالح، قسم الكتب - الكتاب السابع، ص366).
                              ويقول (ع): (أيها الناس، إن أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استُعْتِب فإن أبى قوتل.
                              ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس فما إلى ذلك سبيل، لكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد ان يرجع، ولا للغائب ان يختار، ألا وإني اُقاتل رجلين: رجلاً ادّعى ما ليس له، وآخر منع الذي عليه)( نهج البلاغة/ صبحي الصالح، الخطبة 173).
                              وكتب إلى معاوية: (وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس)(نهج البلاغة/ الكتاب رقم 64 ).
                              7- وهذه هي خلاصة وافية لخطاب الإمام لمعاوية: (ادخل فيما دخل فيه الناس)، وخلاصة لخطاب الإمام (ع) للمسلمين في أمر معاوية: (فإن خرج عن أمرهم خارج ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه، على اتّباعه غير سبيل المؤمنين).
                              وأعتقد ان سيرة الإمام (ع) في قتال معاوية، وخطابه (ع) لمعاوية بالطاعة، والدخول فيما دخل فيه المسلمون يومذاك، وخطابه (ع) للمسلمين بقتال معاوية بسبب بغيه وعدم دخوله فيما دخل فيه المسلمون يومئذٍ ... دليل واضح على ان الإمامة إذا انعقدت لأحد بالبيعة من قبل جمهور من المسلمين، يُعبأ بهم، وجبت مبايعته وطاعته على المسلمين، وهذا هو الحكم الأولي في هذه المسألة الذي لا يجوز العدول عنه إلى غيره إلاّ بالعنوان الثانوي.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X