منقول عن موقع : جمعية المشاريع الخيريه الأسلاميه.
ليعلم أن أحمد بن تيمية هذا الذي هو حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور، ولد بحرّان ببيت علم من الحنابلة ، وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفا من المغول ، وكان أبوه رجلا هادئا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولّوه عدة وظائف علميّة مساعدة له ، وبعد أن مات والده ولوا ابن تيمية هذا وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعا له على المضي في وظائف والده وأثنوا عليه خيرا كما هو شأنهم مع كل ناشئ حقيق بالرعاية . وعطفهم هذا كان ناشئا من مهاجرة ذويه من وجه المغول يصحبهم أحد بني العباس ، وهو الذي تولى الخلافة بمصر فيما بعد ، ومن وفاة والده بدون مال ولا تراث بحيث لو عين الآخرون في وظائفه للقي عياله البؤس والشقاء .
وكان في جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني و محمد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم، لكن ثناء هؤلاء
غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم ، فبدأ يذيع بدعا بين حين وءاخر، وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح ، فتخلّوا عنه واحدا إثر واحد على توالي فتنه .
ثم إن ابن تيمية وإن كان ذاع صيته وكثرة مؤلفاته وأتباعه ، هو كما قال فيه المحدث الحافظ الفقيه ولي الدين العراقي ابن شيخ الحفّاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية
( علمه أكبر من عقله))، وقال أيضا : إنه خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها اهـ .
وتبعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم ، فأسرع علماء عصره في الردّ عليه وتبديعه ، منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي قال في الدرّة المضية ما نصّه : ((أما بعد ، فأنه لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد ، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسُّنّة ، مظهرا أنه داعٍ إلى الحقّ هادٍ إلى الجنّة ، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع ، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع ،
وقال بما يقتضي الجسميّة والتركيب في الذات المقدّس ، وأن الافتقار إلى الجزء ـ أي افتقار الله إلى الجزء ـ ليس بمحال ، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى ، وأن القرءان محدَث تكلم الله به بعد أن لم يكن ، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات ، وتعدّ في ذلك إلى استلزام قِدم العالم ، والتزامه بالقول بأنه لا أوّل للمخلوقات فقال بحوادث لا أوّل لها ، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديماً ، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملّة من الملل ولا نِحل من النّحَل ، فلم يدخل في فرقة من الفِرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأُمّة ، ولا وَقفت به مع أمة من الأمم هِمَّةٌ ، وكل ذلك وإن كان كفراً شنيعاً مما تَقِلّ جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع)). أ.هـ.
وقد أورد كثيراً من هذه المسائل الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي ، نقل ذلك المحدّث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر، قال ما نصه : ((ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع ، فمنها ما خالف فيها الإِجماع ، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب ، فمن ذلك : يمين الطلاق ، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفَّارة يمين ، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة ، ودام إفتاؤه بذلك زماناً طويلاً وعظم الخضب ، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوامّ وعمَّ البلاء .
وأنَّ طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته ، وأنَّ الطلاق الثلاث يردّ إلى واحدة ، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنَّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقاً كثيراً من الناس فيه . وأن الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مُباح لها . وأنَّ المكوس حلال لمن أقطعها ، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها . وأنَّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها وأن الصلاة إذا تركت عمداً لا يشرع قضاؤها . وأنَّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد ، وقد رأيت من يفعل ذلك ممَّن قلّده فمنعته منه .
وسئل عن رجل قدّم فراشاً لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل . وسئل عن شرط الواقف فقال : غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس ، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام ، ولا يحضر درساً على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعاداً يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس . وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به . ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبيح التي يقول بها المعتزلة ، فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل مايبنى عليه كالموازنة في الأعمال .
وأما مقالاته في أصول الدين فمنها قوله : إنَّ الله سبحانه محل الحوادث ، تعالى الله عمَّا يقول علوّاً كبيراً . وإنه مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء . وإنَّ القرءان محدث في ذاته تعالى . وإنَّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائماً ، فجعله موجباً بالذات لا فاعلاً بالاختيار، سبحانه ما أحْلَمَهُ . ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مردود . وصرَّح في بعض تصانيفه بأنَّ الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر ، تعالى الله عن ذلك ، وصنَّف جزءاً في أنَّ علم الله لا يتعلَّق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنَّة ، وأنه لا يحيط بالمتناهي ، وهي التي زلق فيها بعضهم ،
ومنها أنَّ الأنبياء غير معصومين ، وأنَّ نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلاَّ ويكون مخطئاً ، وصنف في ذلك عدة أوراق . وأنَّ إنشاء السفر لزيارة نبينا ÷ معصية لا يقصر فيها الصلاة ، وبالغ في ذلك ولم يقل بها أحد من المسلمين قبله . وأنَّ عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد حكاه بعض الفقهاء عن تصانيفه . ومن أفراده أيضاً أنَّ التوراة والإِنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنَّما وقع التحريف في تأويلها ، وله فيه مصنف ، هذا ءاخر ما رأيت ، وأستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلاً عن أعتقاده)). ا. هـ .
وقد استُتيب مرات وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة حتى حُبس بفتوى من القضاة الأربع الذين أحدهم شافعي والآخر مالكي والآخر حنفي والآخر حنبلي ، وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ وهو من تلامذة ابن تيمية ، وأصدر الملك محمَّد بن قلاوون منشوراً ليقرأ على المنابر في مصر وفي الشام للتحذير منه ومن أتباعه .
وكان الذهبي وهو من معاصري ابن تيمية مدحه في أوّل الأمر ثمّ لماّ انكشف له حاله قال في رسالته (( بيان زغل العلم والطلب )) ما نصه : (( فوالله ما رمقت عيني أوسع علماً ولا أقوى ذكاء من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل و الملبس والنساء ، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن ، وقد تعبت في وزنه وفتشه حتى مللت في سنين متطاولة ، فما وجدت أخّره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفَّروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار ، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور ، نسأل الله المسامحة ،
فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه ولا أزهد منه ، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وءاثام أصدقائهم ، وما سلَّطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه ، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر ، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقّون ، فلا تكن في ريب من ذلك)) . ا هـ . وهذه الرسالة ثابتة عن الذهبي لأن الحافظ السخاوي نقل عنه هذه العبارة في كتابه الإِعلان بالتوبيخ ص/77 .
ذكر بعض العلماء والفقهاء والقضاة الذين ناظروا ابن تيمية أو ردّوا عليه وذكروا معايبه ممن عاصروه أو جاءوا بعده.
يتبع....
ليعلم أن أحمد بن تيمية هذا الذي هو حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور، ولد بحرّان ببيت علم من الحنابلة ، وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفا من المغول ، وكان أبوه رجلا هادئا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولّوه عدة وظائف علميّة مساعدة له ، وبعد أن مات والده ولوا ابن تيمية هذا وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعا له على المضي في وظائف والده وأثنوا عليه خيرا كما هو شأنهم مع كل ناشئ حقيق بالرعاية . وعطفهم هذا كان ناشئا من مهاجرة ذويه من وجه المغول يصحبهم أحد بني العباس ، وهو الذي تولى الخلافة بمصر فيما بعد ، ومن وفاة والده بدون مال ولا تراث بحيث لو عين الآخرون في وظائفه للقي عياله البؤس والشقاء .
وكان في جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني و محمد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم، لكن ثناء هؤلاء
غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم ، فبدأ يذيع بدعا بين حين وءاخر، وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح ، فتخلّوا عنه واحدا إثر واحد على توالي فتنه .
ثم إن ابن تيمية وإن كان ذاع صيته وكثرة مؤلفاته وأتباعه ، هو كما قال فيه المحدث الحافظ الفقيه ولي الدين العراقي ابن شيخ الحفّاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية

وتبعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم ، فأسرع علماء عصره في الردّ عليه وتبديعه ، منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي قال في الدرّة المضية ما نصّه : ((أما بعد ، فأنه لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد ، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسُّنّة ، مظهرا أنه داعٍ إلى الحقّ هادٍ إلى الجنّة ، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع ، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع ،
وقال بما يقتضي الجسميّة والتركيب في الذات المقدّس ، وأن الافتقار إلى الجزء ـ أي افتقار الله إلى الجزء ـ ليس بمحال ، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى ، وأن القرءان محدَث تكلم الله به بعد أن لم يكن ، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات ، وتعدّ في ذلك إلى استلزام قِدم العالم ، والتزامه بالقول بأنه لا أوّل للمخلوقات فقال بحوادث لا أوّل لها ، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديماً ، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملّة من الملل ولا نِحل من النّحَل ، فلم يدخل في فرقة من الفِرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأُمّة ، ولا وَقفت به مع أمة من الأمم هِمَّةٌ ، وكل ذلك وإن كان كفراً شنيعاً مما تَقِلّ جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع)). أ.هـ.
وقد أورد كثيراً من هذه المسائل الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي ، نقل ذلك المحدّث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر، قال ما نصه : ((ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع ، فمنها ما خالف فيها الإِجماع ، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب ، فمن ذلك : يمين الطلاق ، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفَّارة يمين ، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة ، ودام إفتاؤه بذلك زماناً طويلاً وعظم الخضب ، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوامّ وعمَّ البلاء .
وأنَّ طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته ، وأنَّ الطلاق الثلاث يردّ إلى واحدة ، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنَّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقاً كثيراً من الناس فيه . وأن الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مُباح لها . وأنَّ المكوس حلال لمن أقطعها ، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها . وأنَّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها وأن الصلاة إذا تركت عمداً لا يشرع قضاؤها . وأنَّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد ، وقد رأيت من يفعل ذلك ممَّن قلّده فمنعته منه .
وسئل عن رجل قدّم فراشاً لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل . وسئل عن شرط الواقف فقال : غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس ، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام ، ولا يحضر درساً على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعاداً يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس . وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به . ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبيح التي يقول بها المعتزلة ، فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل مايبنى عليه كالموازنة في الأعمال .
وأما مقالاته في أصول الدين فمنها قوله : إنَّ الله سبحانه محل الحوادث ، تعالى الله عمَّا يقول علوّاً كبيراً . وإنه مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء . وإنَّ القرءان محدث في ذاته تعالى . وإنَّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائماً ، فجعله موجباً بالذات لا فاعلاً بالاختيار، سبحانه ما أحْلَمَهُ . ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مردود . وصرَّح في بعض تصانيفه بأنَّ الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر ، تعالى الله عن ذلك ، وصنَّف جزءاً في أنَّ علم الله لا يتعلَّق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنَّة ، وأنه لا يحيط بالمتناهي ، وهي التي زلق فيها بعضهم ،
ومنها أنَّ الأنبياء غير معصومين ، وأنَّ نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلاَّ ويكون مخطئاً ، وصنف في ذلك عدة أوراق . وأنَّ إنشاء السفر لزيارة نبينا ÷ معصية لا يقصر فيها الصلاة ، وبالغ في ذلك ولم يقل بها أحد من المسلمين قبله . وأنَّ عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد حكاه بعض الفقهاء عن تصانيفه . ومن أفراده أيضاً أنَّ التوراة والإِنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنَّما وقع التحريف في تأويلها ، وله فيه مصنف ، هذا ءاخر ما رأيت ، وأستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلاً عن أعتقاده)). ا. هـ .
وقد استُتيب مرات وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة حتى حُبس بفتوى من القضاة الأربع الذين أحدهم شافعي والآخر مالكي والآخر حنفي والآخر حنبلي ، وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ وهو من تلامذة ابن تيمية ، وأصدر الملك محمَّد بن قلاوون منشوراً ليقرأ على المنابر في مصر وفي الشام للتحذير منه ومن أتباعه .
وكان الذهبي وهو من معاصري ابن تيمية مدحه في أوّل الأمر ثمّ لماّ انكشف له حاله قال في رسالته (( بيان زغل العلم والطلب )) ما نصه : (( فوالله ما رمقت عيني أوسع علماً ولا أقوى ذكاء من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل و الملبس والنساء ، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن ، وقد تعبت في وزنه وفتشه حتى مللت في سنين متطاولة ، فما وجدت أخّره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفَّروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار ، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور ، نسأل الله المسامحة ،
فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه ولا أزهد منه ، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وءاثام أصدقائهم ، وما سلَّطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه ، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر ، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقّون ، فلا تكن في ريب من ذلك)) . ا هـ . وهذه الرسالة ثابتة عن الذهبي لأن الحافظ السخاوي نقل عنه هذه العبارة في كتابه الإِعلان بالتوبيخ ص/77 .
ذكر بعض العلماء والفقهاء والقضاة الذين ناظروا ابن تيمية أو ردّوا عليه وذكروا معايبه ممن عاصروه أو جاءوا بعده.
يتبع....
تعليق