عصائب أهل الحق طريق الحق ومنبع المجاهدين
قال تعالى(ان تنصرو الله ينصركم ويثبت اقدامكم )
قانون الهي وقاعدة ربانية صريحة وواضحة في أن الثبات والكينونة تأتي بعد الرجوع الى الثوابت والضوابط الالهية التي يجب أن تتبع حتى ينزل التثبيت الالهي وترسخ الاقدام ولاتزال عن موضعها
(ولدتك أمك يا ابن آدم باكيــــاً والناس حولك يضحكون سروراً
فاجهد بنفسك أن تكون اذا بكوا في يوم حشرك ضاحكاً مسروراً)
رحم الله الشاعر الذي أطلق هذه الأبيات، إذ أن فيه الشريف صدع بلؤلؤ ودرس وليس بكلمات أدبية بليغة.
نعم ولد ابن آدم وهوباكٍ يصرخ ويعوعل ولسان حاله يقول: آه من هذا السفر الطويل المجهول الذي لا يعلم ما فيه، حيث إنه أشبه بغابة ان لم يكن اسوأ منها. بكى الانسان حينما جاء الى الدنيا، والناس من حوله في فرح وسرور يهنئون الأبوين بالمولود الجديد، حيث سيكون ذكراً عامراً لأبويه الكريمين. وفي الأثر الشريف: من مات ولم يعقّب كأنما لم يولد، ولم يعش في الحياة الدنيا.
واذا ما انطلق في الحياة يلحظ المذاهب والأطياف الفكرية المختلفة، كلها تبحث عن غايتها وهدفها، بأي مستوى كانتا، وأسمى هدف للإنسان هوالاستقرار ونيل الراحة والسعادة، فلذلك يظل دائم الحركة حتى الغاية المبتغاة، وهي لا تحصل إلا تحت ظل البارئ المصور عزوجل، ذوالنعم والآلاء الكبيرة والوفيرة عليه، فيدخل في دائرة المعتقدات والسلوكيات والتكاليف، وهي وإن كانت ثقيلة على النفس التي تصبو الى الراحة والدعة، لكن لا مفر منها بتاتاً إلا أن الغاية أسمى فتحتاج إلى نفس صعوبة تركب الصعاب قال تعالى: (ولكل وجهة هو موليها) فول وجهك شطر المسجد الحرام)، نعم لكل مشروب ومسلك يأخذه إلى مبتغاه لكن المؤمن وجهه إلى الله تعالى، لأنه الفاطر، أي فطر النفوس وابدعها، فهي تعنو وتصبو إليه قال الحق جل وعلا: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) الذاريات: 50، والفرار إليه يعني القرار عنده والتمكن في عالمه، بعد معرفة أن الأصل للكون الحق جل وعلا. وتقدمة ذلك الأمر باطاعة الله تعالى والانصياع لما يريد وركوب الطريق الذي ارتضاه واصطفاه جل ذكره: (ملة ابيكم ابراهيم هوالذي سماكم المسلمين)، ولم يسمهم بذلك اعتباطاً أو اقتراحاً، بل لأنهم على السمت الصحيح الذي رسمه اليهم، فهو بالاسم وقف بكيان التوحيد أمام الطغاة والجبابرة ليعلن التسمية إعلاناً عملياً، ونداءً يصبح مسيرة انسانية من بعده، خطها بخطوات لم نسمع نظيرها من قبل وبعد، حينما الهبت عليه السنة النار وهو ينادي أن لا طريق غير الذي خطيت ولا مندوحة فيما صنعت، فهو عهد فطري ووفاء لمن ابدع وصور واعطاه الله تعالى سؤله طبقاً لقوله تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) غافر:51.
وهذا الشيخ الموحد، بل أسس التوحيد حينما أسر النبي لوط عليه السلام وقف كجبال شامخ أمام العدو المقيت، فشد الحزم وعقد العزم وخرج خرجة الصم الصياخيد ليترجم عملاً معنى العزة والكرامة ومعنى رفض الذل والانكسار وأن لا حظ للمتجاوز فيما اقترفت يداه اللئيمتان، وأن ذلك تجاوز على حدود الانسانية بأسرها. ووصل الى مبتغاه وحرر لوط عليه السلام من الأسر وفقاً للقاعدة الالهية السالفة.
وهذا موسى عليه السلام ارسله تعالى الى بني اسرائيل الذين كانوا مستعبدين تحت وطأة الفراعنة الطغاة، ذهب الى الجبار وهو يقول: حرر بني شعبي وارجعهم الي، انك غاصب للأرض والأنفس، ويجابه بغرور الملك المشرق وتعمى عينه عن الأيات الباهرة، فيأخذ خلفهم حتى يلقى حتفه في البحر، ويكون قصص وحكايات تردد: (نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) يونس 92. وآيات الله تعالى كثيرة ومستديمة لا حصر ولا عد لها.
وبعد ذلك رجع بهم موسى عليه السلام لتحرير الأرض التي يقطنوها وأخرجوا منها ظلماً حتى جرت بينهم وبين موسى عليه السلام نتيجة التردد النفسي والميل الى الدعة والراحة وذلك سبب ضرب التيه عليهم اربعين سنة، لأنهم اضاعوا حقهم وضيعوا الخطة الربانية المرسومة لسوم الحياة والتاريخ والاجتماع.
ومن المبادئ الرئيسية في الشريعة الاسلامية بل وجميع الشرائع حثت على الجهاد والمجاهدة في سبيل الله تعالى بالأنفس والأموال، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت: 69.
وقد نعى الله تعالى صحابة النبي (ص) حيث رفضوا الخروج والقتال في سبيله قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) التوبة 38.
وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ) التوبة 21
فالجهاد والقتال جزء من شريعة السماء التي ارسلت عن طريق الأنبياء الى الناس، ووصف بأنه حياة لهم ونعى على من لم يقم بهذه الشعيرة، وحثهم على أداء أمر الجهاد والنهوض به قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) النساء 75
ففي الجهاد الحياة ودفع الظلم ونصرة المظلوم ونعيي الطغاة وردعهم وارجاعهم الى الحق والصواب حيث هناك نساء مستضعفة وأطفال مستباحة وشيوخ تئن من سياط الظلم، وهذا الأنين يهد كيان العرش وترد ملائكة السماء.
وأي جهاد أعظم من صرخة الضمير وانكاره لغصب أرضه وابناء شعبه واطلاق حريتهم وكسر الاغلال التي يرزحون تحت وطأتها والنار الملتهبة التي تأكلهم ليل نهار، بعد ملاحظة أن هذا الغازي البغيض جاء من أقصى الأرض وهو يطوي الغيافي من اجل الاستعباد والاستحواذ، ونهب الانسانية وتجويع أبناء عيال الله تعالى من اجل نزوة او حب السطوة على الآخرين. هذا ورسالة السماء بدأت دعوتها بقول ذلك الصحابي الذي قال: جاء النبي (ص) لأخراج الناس من العبودية الى عبودية الله تعالى.
وهي مسألة فطرية لا تحتاج الى بيان او تسطير الأقلام بصفحات مطولة وكلمات عريضة، بل الضمير يتناغم معها والانسانية تهفو اليها وتسعد بها إلا ان نابتة بين الفينة والأخرى تظهر في ربوع المعمورة، تقلب الحقيقة، وتتفلسف بالكلمات وتضرب أيات القرآن الكريم وراء ظهرها، وتأخذ بعض العبارات والجمل المقطوعة عن سياقها لتظهر التدليل على كلماتها المتهرئة والتي لا تقوم على سند سديد أو أصل عتيد يقومها ويدحض الاوهام من حولها... نعم هذه النابتة أخذت تترسخ ببعض الجمل لتعترض على الحرية والكرامة الانسانية، ولأجل ذلك ستعرض بعض أيات الذكر الحكيم وكلمات أهل العصمة والطهارة عليهم السلام والفقهاء والكرامات وهي تؤكد بصورة واضحة وبينة على صدق قولنا وصحة كلامنا.
1- قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة 251.
التي وردت بعد قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا ) البقرة:246.
اذ بعد انتصار موسى عليه السلام على فرعون مصر واخراج بني اسرائيل منها وموت فرعون غرقاً وهو يتبع الاسرائيليين، وقعوا في العبودية جديداً فأرسل الله تعالى لهم نبياً جديداً (اشموئيل) ليرجع حريتهم وأرضهم المغتصبة، وبالفعل تحرك طالوت بهم وذهب لمحاربة جالوت، وبرز من بين الجموع النبي داوود عليه السلام ليقضي على جالوت بضربة واحدة، فنزلت الآية المباركة التي ذكرنا وهي تبين ضرورة الجهاد والدفاع وارجاع الحق الى اهله الذي أخذ منهم بالقوة. خصوصاً وان الاوضاع تفرض في أحايين كثيرة أن القوة هي التي تردع القوة الباغية.
2- قال عزّ من قائل: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج:39 – 41.
حيث ان الآية الشريفة تشرع مقاتلة الكافر الباغي، لأنه يريد اطفاء نور الله تعالى في الأرض، فاذا ما وقف بوجههم وصفت الصفوف لمواجهتهم وارتفعت صيحات الجهاد ضدهم فإنهم سيتمكنون من البلاد والعباد، ويسوقونهم الى نار الكفر والضلال وقطعهم عن السماء وشرائعها، وابداع شرائع وأحكام جديدة تخالف ما سنه خالق السموات والأرض، فلذلك عقبت الآية بقولها: (ولولا دفع الله الناس) أي اذا ما نهض بذلك الإنسان ودافع عن كيانه ومبادئه فانه سيؤدي الى تهديدهم الشرائع وابطالها والرجوع بالناس الى الجاهلية البشرية التي خيمت على صدر الانسانية عصوراً وعهوداً متطاولة. وقد ورد عن الصادق عليه السلام قوله: (وبحجة هذه الآية يقاتلوا مؤمنوا كل زمان)) الكافي 5: 17
وفي خطبة الامام الحسن عليه السلام انه قال: (أيها الناس، ان رسول الله (ص) قال: من لأي سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله (ص) يعمل في عباد الله بالأثم والعدوان فلم يغير بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يدخله مدخله)) الطبري 7: 30.
وعن الامام الحسين عليه السلام حينما جاءه مروان ناصحاً له بيعته يزيد قال: (اليك عني يا عدو الله فإنا أهل بيت رسول الله (ص)، والحق فينا وبالحق تنطق السنتنا، وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فافقروا بطنه، فو الله لقد رآه اهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، قاتلهم الله بابنه يزيد زاده الله في النار عذاباً)). كتاب الفتوح 5:17.
فما بالك بالكفار والمشركين الذين يهجمون على بلاد المسلمين والتسلط على كافة شؤونهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فإن جهادهم وقتالهم من أوجب الواجبات، ومن الأمور اللازمة على كل شخص قادر على جهادهم وردعهم بل الدفاع عن بيضه الاسلام واجبة حتى مع الحاكم الجائر، ففي خبر يونس بن عبد الرحمن عن الرضا عليه السلام قال: (قلت له: جعلت فداك إن رجلاً من مواليك بلغه أن رجلاً يعطي السيف والفرس في سبيل الله فأتاه فأخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل ثم لقيه أصحابه فأخبره أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما ؟ فقال: فليفعل.
قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له: قد شخص الرجل؟ قال فليرابط ولا يقاتل. قال: ففي مثل قزوين والديلم وسقلان وما أشبه هذه الثغور ! فقال: نعم، فقال له: يجاهد؟ قال: لا إلا ان يخاف على ذراري المسلمين فقال: أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم ؟ قال: يرابط ولا يقاتل وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطات. قال: قلت: قد جاء العدوا الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: يقاتل عن بيضة الاسلام لا عن هؤلاء، لأن في دروس الاسلام دروس دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم) الكافي 5 : 21.
قال صاحب الجواهر 31، 47 ((لو أراد الكفار محو الاسلام ودرس شعائره وعدم ذكر محمد (ص) وشريعته فلا إشكال في وجوب الجهاد حينئذ ولو مع الجائر لكن بقصد الدفاع عن ذلك لا إعانة سلطان الجور، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافاً الى النصوص بالخصوص التي تقدم بعضها، والى عموم الأمر بالقتال في الآيات المتكثرة الشاملة للفرض، بل ظاهر الأصحاب أنه من اقسام الجهاد فتشمله حينئذ آياته ورواياته وإن كان لا يشترط فيه الشرائط الخاصة التي هي للجهاد والابتدائي للدعاء الى الاسلام))
3- وفي خطبة للامام علي عليه السلام وهو يذكر هجوم خيل معاوية على المسلمين حيث يقول ((وهذا أخو غامد قد وردت خيله الانبار، وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاشها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاستدحام، ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ولا أريق لهم دم. فلو أن امراً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً))
نهج البلاغة 1: 69 من خطبة له في الحث على الجهاد.
وهذا بالفعل ما يحدثه الكافر عندما يهاجم بلداً مسلماً حيث يرتكب فيها شتى المجازر ومختلف الفجائع، ويستبيحها مع أهلها، بل حتى الحيوانات لا تخلص من شره وافساده، فضلاً عن النساء والاطفال والشيوخ العزل.
فالجهاد الدفاعي مقابل هجمات الكفار والمرتزقة من البديهيات الواجبة في الشريعة الاسلامية، بل وجميع الشرائع والرسالات وجميع الأعراف البشرية ذات الفطرة السليمة. وهو يحتاج الى اعداد قوة وتهيئة المقدمات اللازمة خصوصاً وأن الغازي المستعمر المحتل يملك امكانات وقرارات كبيرة، ففي المقابل يجب على المسلمين السعي لتحصيل الاعدادات اللازمة التي تجعلهم بمستوى يستطيعون من خلاله مواجهة الغزاة والمعتدين، وهي لا تقل أهمية عن الواجبات الأخرى خصوصاً بعد ملاحظة ان الوقوف بوجههم وصدهم فيه إحياء للشريعة المقدسة وفيه اعلاء لكلمة الله تعالى على كلمة الكفر والباطل، حيث ان هذا المعتدي لا يقرّ بشريعة ومنهج ولا يري لله تعالى ولا لرسالاته أي احترام، والا لو كان يرى لها حرمة لما تجاوز على عباد الله تعالى ولما استباح البلاد والعباد، لأن جميع الشرائع السماوية بل والفطرة الانسانية تحرم التجاوز والاعتداء على الآخرين، فاذن هو بربري جاهل متهتك لا يؤمن بشريعة الا شريعة القوة والوصول الى مصالحة وأهدافه وغاياته بأي وسيلة كانت وعن أي طريق كان، حتى لو اقتضى ذلك قتل الآلاف بل الملايين من البشر، وهيروشيما ونازاكي شاهدة على ما نقول، فحينما اقتضت المصلحة الامريكية ايقاف الحرب حيث صبت جام غضبها على الأبرياء، واحرقت الأخضر قبل اليابس وطبقت شرعة بربرية لم تعهد عند اهل الغاب ولم توجد بين الذئاب لكنها ارتكبت ذلك جهاراً عياناً لأن مصلحتها هي المقدمة على كل شيء، وهو الغاية التي نظر لها ميكافللي في نظريته المشؤومة.
فالقوة ضرورية ولازمة والتخطيط لابد منه والتأني والدراسة والعمل من الواجبات على المجاهد الذي يريد احياء النفوس وانقاذها من براثن التعبيد الجديد، بعد أن وقعت منطقة الشرق الأوسط تحت انظار الدول المستعمرة، وهي تسعى لأن تسلب منها الخير وتجعل منها اسواق مستهلكة لمنتوجاتها.
وهو وظيفة على كل حر أبي قادر على اداء وظيفته والحياة بحرية وكرامة لا بعبودية وذلة.
وأما ما يحدث الآن في العراق ودخول القوات الغازية اليه، خصوصاً بعد مراجعة الأحداث من حيث بدئها الى حيننا هذا، فأمريكا وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991م استفردت بالعالم وأصبحت القوة الوحيدة التي تحكمه، بعد أن سقط رقيبها وأضحى في مزبلة التاريخ، وكانت تخاف من تحول العالم بعد سقوط السوفيت الى قوى متعددة كالقوة الاوروبية وقوى الدول الاسلامية، ومن أجل ذلك أظهرت النظرية الجديدة وفجرتها في وسط العالم وهو محاربة الأرهاب، وان العالم سيحتل من قبل الارهابيين ان لم تتوجه القوة اليهم وتتكاثف الجهود لدحرهم ورد كيدهم، وبالفعل انساق العالم العربي والغربي وراء الخدعة الامريكية، خصوصا بعد الدعايات المكثفة التي روجت لها أمريكا وبشكل مكثف جداً، واستحوذت على ذهنة فكرة الارهاب، وفي المقابل أخذت أمريكا باعطاء الضوء الاخضر لبعض أذنابها وبعض متبعيها والمقتاتين على موائدها، وأخذوا ينشرون الوعد الامريكي في الاوساط الدولية وقاموا بتغيير بعض الاماكن العامة، كالقطارات وكخطف الاطفال في المدارس، وقتل الناس في الشوارع وغير ذلك مما سبب رعباً عالمياً وتوجهاً دولياً وصدقاً بالنبوءة الامريكية التي اخترعتها وصنعتها ورعتها.
والسياسة الامريكية الاستعمارية أخذت تسير وفق المخطط البغيض بشكل تصاعدي حتى استطاعت ان تتصدر الدول الراعية للمستعمرات الاوروبية في نهاية القرن العشرين، وبالخصوص المستعمرة الغنية الكبيرة منطقة الشرق الاوسط، واستطاعت صناعة أنظمة موالية تحرس مصالحها ومنافعها بشكل متداوم، وكل يوم تظهر أمريكا الى العالم لعبة وخوف جديد، من الاصولية، الى التطرف انتهاء بالارهاب والقاعدة وطالبان والامر مستمر لا يقف عند حد. حتى اذا ما حانت الفرصة وسلمت دخلت ترعى دول الشرق بشكل مباشر. وكان العراق المحطة الرئيسية لذلك حيث شكل العصب الرئيسي داخل المنطقة الغنية بالنفط، والذي أصبح شريان حياة الشركات الغربية، ومن دونه يموت العالم الغربي ويندثر وتضرب بذلك ضربتها الأخيرة والخطر الجدي المحدق بها وهو العقيدة الاسلامية، حيث صورت الاسلام منظمة ارهابية يجب السيطرة عليها وايقاف نشاطها بعد أن صنعت احدوثة الحادي عشر من سبتمبر ودخول افغانستان، ومن ثم الوصول الى قلب الاسلام والعالم الاسلامي... وبالفعل نجحت في خططها وسارت كما رسمت فالمسألة مرتبطة بجانبين رئيسيين، أولهما المنافع الموجودة في المنطقة وبالأخص النفط والثانية الدين الاسلامي واتباعه من الذين يشكلون خطراً على الحضارة الغربية، فهذه الثلة المؤمنة التي تجاهد الاستعمار الامريكي في العراق مدركة لما يحدث وتعرف أن الهدف الذي جاءت من أجله امريكا ومن ورائها الغرب هي القضاء على الامة المسلمة وابدال الارث السماوي بارث ميكافيللي وفكر مارشال منظر الاطروحة الصهيونية، والراسم للهيمنة الاستعمارية، فهي تقاتل وواجبها القتال من اجل المحافظة على الدين والبقاء تحت تعاليم السماء المحررة للإنسان والرافضة للظلم والعدوان بشتى أنواعه، بينما الاستعمار يريد عكس ذلك تماماً، فهو يريد اقامة الدين في النفوس الشرقية ورسم ديانة جديدة بايد صهيونية ملخطة بدماء الابرياء وملوثة بشتى أنواع المظالم التي يرفضها أدنى عقل سليم يأبى الظلم والعدوان.ونذكر مصداق على ذالك عصائب اهل الحق من العراق فهم مصداق لقول عيسى عليه السلام حينما قال لاتباعه: (من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصارك)، ومصداق لقوله تعالى (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) فهم شعروا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم وبالنداء الإلهي الذي يصدع الاسماع ويوقظ الضمائر، فاستجابوا واجابوا نداء ربهم وقالوا: نحن انصار الله واتباعه. ونحن ذلكم الخلق العدول الذين ينفون عن الدين تحريف المتأولين والمبطلين.
بقلم سيد حيدر الموسوي