إثبات أن ابن تيمية يقول بالنزول الحقيقي لله تعالى الله علوا عما يقوله الجاهلون
قال ابن حجر في الدرر الكامنة ج1/153- 155 بترجمة ابن تيمية نقلاً عن رحلة الأقشهري (ت731هـ) (1):
: "وكان يتكلم على المنبر على طريقة المفسّرين مع الفقه والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسُّنّة واللُّغة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدة مجالس كأنّ هذه العلوم بين عينيه فيأخذ منها ما يشاء ويذر، ومن ثَمّ نُسِبَ أصحابه إلى الغلو فيه ، واقتضى له ذلك العُجب بنفسه ، حتى زَهَا على أبناء جِنْسِه ، واستشعر أنه مُجْتَهِدٌ فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم ، قويّهم وحديثهم ، حتى انتهى إلى عمر فخطّأه في شىء ، فبلغ الشيخ إبراهيم الرَّقي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر، وقال في حق عليّ : "أخطأ في سبعة عشر شيئًا ، خالف فيها نَصّ الكتاب ، منها : اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين" . وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى إنه سبّ الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه.
ولما قدم غازان بجيوش التتر إلى الشام خرج إليه وكلّمه بكلام قوي ، فهمّ بقتله ثم نجا ، واشتهر أمره من يومئذ.
واتفق أن الشيخ نصرًا المنبجي كان قد تقدّم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه، فبلغه أن ابن تيمية يقع في ابن العربي ، لأنه كان يعتقد أنه مستقيم ، وأن الذي ينسب إليه من الاتحاد أو الإلحاد من قصور فهم من ينكر عليه . فأرسل ينكر عليه وكتب إليه كتابًا طويلاً ، ونسبه وأصحابه إلى الاتحاد الذي هو حقيقة الإلحاد . فعظم ذلك عليهم ، وأعانه عليه قوم آخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة وقعت منه في مواعظه وفتاويه ، فذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال: كنزولي هذا ، فنسب إلى التجسيم ، وردّهِ على من توسّل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو استغاث ، فَأُشْخِصَ من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة فجرى عليه ما جرى وحبس مرارًا ، فأقام على ذلك نحو أربع سنين أو أكثر وهو مع ذلك يشتغل ويفتي ، إلى أن اتّفق أن الشيخ نصرًا قام على الشيخ كريم الدين الآملي شيخ خانقاه سعيد السعداء فأخرجه من الخانقاه ، وعلى شمس الدين الجزري فأخرجه من تدريس الشريفيّة ، فيقال إن الآملي دخل الخلوة بمصر أربعين يومًا فلم يخرج حتى زالت دولة بيبرس وخمل ذكر نصر وأطلق ابن تيمية إلى الشام . وافترق الناس فيه شيعًا فمنهم من نسبه إلى التجسيم لِمَا ذَكَرَ في "العقيدة الحموية" و "الواسطية" وغيرهما ، من ذلك كقوله : إن اليد ، والقدم ، والساق ، والوجه صفات حقيقيّة لله ، وإنه مستوٍ على العرش بذاته ، فقيل له: يلزم من ذلك التحيّز والانقسام!!. فقال: أنا لا أسلّم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام!. فَأُلْزِمَ بأنه يقول بتحيّز في ذات الله. ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُستغاث به ، وأن في ذلك تنقيصًا ومنعًا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري ، فإنه لَمَّا عُقِدَ له المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين : يُعَزَّر ، فقال البكري: لا معنى لهذا القول ، فإنه إن كان تنقيصًا يُقْتَل ، وإن لم يكن تنقيصًا لا يعزر. ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في عليّ ما تقدّم ، ولقوله: إنه كان مخذولاً حيثما توجه ، وإنه حاول الخلافة مرارًا فلم ينلها ، وإنما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنه كان يحب الرياسة، وإن عثمان كان يحب المال، ولقوله: أبو بكر أسلم شيخًا لا يدري ما يقول ، وعليّ أسلم صبيّا ، والصبي لا يصح إسلامه على قول". انتهى كلام ابن حجر.
--------------------------- (1) قال ابن حجر في ترجمته من الدرر الكامنة ج3/309 رقم (831) : محمد بن أحمد بن أمين بن معاذ بن إبراهيم بن عبد الله الأقشهري منسوب إلى أقشهر بقونية ولد بها سنة 665 ورحل إلى مصر ثم إلى المغرب فسمع من أبي جعفر بن الزبير بالأندلس ومحمد بن محمد بن عيسى بن منتصر بفاس وغيرهما وجمع رحلته إلى المشرق والمغرب في عدة أسفار وجمع كتابا فيه أسماء من دفن بالبقيع سماه الروضة قال القطب الحلبي تناولته منه وحدث عنه أبو الفضل النويري قاضي مكة وجاور بالمدينة ثم اتخذها موطنا إلى أن مات سنة 731 . انتهى
تعليق