بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في مسيرة التيار الصدري (الإستعراضية) / الرسالة والأهداف .
كتابات - راسم المرواني
في كل زمان ومكان ، وحتى في ملكوت الله الأعلى ، هناك ما يدل على انتفاء إمكانية تحقيق الإجماع بين مخلوقات الله ، فنرى بأن الملائكة (أجمعون) يسجدون لآدم ، غير أن إبليس (أبى واستكبر وكان من الكافرين) .كتابات - راسم المرواني
وهذا الإختلاف ينسحب على كل مفردات عالم الإمكان ، وخصوصاً في الأرض ، حيث نجد الرأي والرأي الآخر في الدين ، والسياسة ، والعلوم الإنسانية ، بل وحتى في العلوم التطبيقية أحياناً ، بدءاً من اللبنة الأصغر في المجتمع (الأسرة) ، مروراً بالأحزاب والتجمعات والخلايا والكتل البرلمانية ، وانتهاءً بشعب كامل ، حيث لا يمكن جمع الآراء والتصورات والتحليلات والفهوم ضمن بودقة واحدة ، وذلك ناتج عن تعدد الغايات والتطلعات والأمزجة والمصالح لدى أبناء آدم .
مثل هذا الشئ يمكن إيجاده والشعور به من خلال الرؤى المتناقضة والمتفاوتة بالنسبة للأفراد والأحزاب في ما يخص رؤيتهم وتحليلهم وتفسيرهم لمقدمات ونتائج المسير المليونية (الإستعراضية) التي قام بها أبناء المنهج الصدري يوم الخميس الفائت ، تلبية لدعوة السيد القائد مقتدى الصدر ، والتي تزامنت مع ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين (فاطمة الزهراء) عليها السلام ، وذكرى انطلاقة أول صلاة جمعة دعى لها الولي المقدس محمد محمد صادق الصدر في زمن ما قبل سقوط السلطة والإحتلال ، والتي يمكن من خلالها أن نستقرئ بعض الرؤى التي ترسخت لدي المتابعين والمراقبين ، والتي تستحق النقاش والتفكيك والرد ، ومنها :-
1/ هناك ، ثمة من يرى بأن هذه المسيرة السلمية (الواسعة) هي ورقة (رابحة) بيد قوات الإحتلال لتتخذها ذريعة من أجل البقاء في العراق ، بحجة أن التيار الصدري ما زال يمتلك القدرة على العودة الى الساحة والتحكم بمسيرة الأحداث ، وهو ما سمعناه عبر تعليقات وتحليلات بعض الساسة عبر بعض شاشات التلفزة (الشرقية منها والغربية) .
وللعلم ، فإن قيادة المنهج الصدري لم تكن غافلة عن هذا المعنى ، ولم تسقط من حساباتها هذه النتيجة ، ولكنها تعتبر أن هذا الرأي أو (الرؤية) أو (النتيجة) لا أهمية لها في الواقع التطبيقي ، ذلك لأن قيادة وأبناء المنهج الصدري يعون تماماً بأن قوات الإحتلال (لم ولا ولن) تقدم أي دليل يثبت مصداقية رغبتها في الخروج من العراق عبر الوسائل (السلمية) ، بل الواضح تماماً بأن قوات الإحتلال قد أثبتت (سابقاً وحالياً) بأنها تحاول (خرق) الإتفاقية الأمنية ، والإتيان باتفاقية جديدة تمنحها حق البقاء على أرض الرافدين ، وهي لم تدخر جهداً في محاولة المناورة والتجاذب والإقناع والحوار مع بعض الكتل السياسية من أجل خلق البديل لبقائها في العراق ، هذا فضلاً عن كونها (تمتلك) القدرة على (خلق وإيجاد واستيلاد) أزمة أو حادثة أو منعطف أو توتر يمنحها الذريعة للبقاء مع مسيرة أبناء المنهج الصدري أو بدونها ، فجائت مسيرة أبناء المنهج الصدري لتبعث برسالة (تهديد) وتنبيه لقوات الإحتلال .
2/ في الجانب المساوق لهذا الرأي ، نجد أن هناك من (الشخصيات والأحزاب والكتل السياسية العراقية) من اتخذ من مسيرة أبناء المنهج الصدري ذريعة لمطالبة (قوات الإحتلال) بالبقاء ، متعللاً بإمكانية انقضاض (الصدريين) على الشارع العراقي ، وعودة المليشيات – كما يسميها البعض – المسلحة للعمل والتأثير والفاعلية إبان خروج قوات الإحتلال ، بل هناك من يتذرع بالخشية من عودة (العنف الطائفي) الذي جعلته وسائل الإعلام (الصهيو – عرب - أمريكية) ملازماً ولصيقاً بالتيار الصدري الوطني .
وقد همس أحدهم في أذني بأن هناك بعض الشخصيات (السياسية القيادية العراقية) قد شد الرحال الى بعض مناطق العراق ذات الأغلبية (السنية) ليزرع في (الوعي الجمعي) لدى أبناء المناطق السنية بأن خروج الإحتلال من العراق معناه انقضاض (الشيعة) على الحكم ، محاولاً (بنجاح) أن يقمع التظاهرات المطالبة بخروج (المحتل) ، والتي صدحت بها أصوات الوطنيين الشرفاء من أخوتنا وأحبتنا وشركائنا في المحنة والدين والوطن من أبناء السنة العراقيين ، ولست أخلي ذمة بعض الساسة من الإتصال ببعض الدول (المجاورة) للوساطة لدى الأمريكان من أجل تشجيعهم على إطالة مدة بقائهم في العراق .
وهذا كله مردود ، ففي الأمس (القريب) كان البعض يلقي – جزافاً – باللائمة على (جميع) شيعة العراق ، ويلصق بهم صفة (العمالة للمحتل) معتبراً أنهم كانوا سبباً من أسباب (استقدام) قوات الإحتلال للعراق من أجل الخلاص من سلطة الديكتاتورية البعثية الصدامية ، ورغم أننا – كصدريين – نؤمن بأن من يستعين بقوات الإحتلال لإسقاط سلطة ديكتاتورية تجثم على صدره ، فهو أحمق و (أخرق) ، لأنه يستبدل السئ بالأسوأ ، ولكننا نختلف مع البعض في (شمولية الإطلاق) ، حيث نعتبر بأن ليس (كل) شيعة العراق هم ممن استنجد بقوات الإحتلال لإسقاط السلطة ، في نفس الوقت الذي نؤمن فيه بأن ليس كل أبناء (السنة) هم مع قوات الإحتلال ، رغم وجود الكثير من الساسة (السنة) ممن أتوا على دروع الإحتلال .
ومن جهة أخرى ، فقد أثبتت الوقائع والأحداث – رغم تخرصات وسائل الإعلام – بأن اللحمة العراقية ليس من السهل (خرقها) ، وإن تم (اختراقها) من خلال استغلال بعض ذوي النفوس المريضة من التكفيريين والطائفيين وأدوات هدم المجتمع من المحسوبين على الشيعة والسنة على حد سواء ، وأثبتت الوقائع والأحداث بأن أبناء المنهج الصدري هم من العراقيين الأقحاح ممن لا يحملون ضغينة لأحد إلاّ بمقدار تعلق الأمر باحترام الوطن والوطنية والإنسانية ، والمتتبع (المنصف) للكتابات والتوجيهات والإستفتاءات التي صدرت عن السيد القائد مقتدى الصدر يعي تماماً بأن هذا الشاب (العراقي الوطني) لم يسع لمصلحة (طائفته أو تياره) كما يفعل البعض من قيادات الكتل السياسية ، ولم يعمل ضمن منطق (المحاصصة) ، بل ، أنا (أجزم) ، وأنا بما أقول زعيم ، بأن السيد مقتدى الصدر لم يدخل العملية السياسية بقناعة (كاملة) إلا لأجل سببين مهمين ، أولهما ، تجرده ورفضه للعمل ضمن الأطر (الديكتاتورية) مع أخوته من أبناء المنهج الصدري ، وعدم رغبته في الإنفراد بالقرار ، وذلك عبر النزول عند رغبة أصوات البعض من الصدريين الذين ارتأوا الخوض في مجال السياسة لأسباب (تكتيكية) ، وثانيهما ، أنه أراد أن يمنح أبناء منهجه فرصة امتلاك سلطة التأثير و (فرملة) القرارات التي من شأنها أن تضر بمستقبل العراق والعراقيين ، من خلال زج (كتلة) وطنية تكون (داعمة) للصوت الوطني داخل السلطة التشريعية .
3/ ثمة هناك من يعتبر (مسيرة) الصدريين ، إيذاناً أو ضرباً على ناقوس (الخطر) الآتي ، وهناك الكثير ممن أرهقوا الصدريين اعتقالاً وتنكيلاً وتهجيراً وتعذيباً وتقتيلاً بدأوا يشعرون بأن ساعة الحساب أوشكت أن تعلن موعد الإستيقاظ ، متصوراً بأن هذه المسيرة هي (صوائح) تتبعها (نوائح) ، وأنه خاضع – لا محالة – للقصاص ، غير ملتفت الى أن السيد مقتدى الصدر قد أسس خلال فترة (تجميد) جيش الإمام المهدي الى (ترسيخ) وتوسيع رقعة ثقافة احترام القانون لدى أتباعه ، و (توطيد) العلاقة الوطنية الإنسانية بين أتباعه والقوات الأمنية العراقية ، بل وسعى (ناجحاً) في خلق روح التسامح ونسيان الماضي ونزع (الغل) من صدور أتباعه ممن وقع عليهم الحيف والأذى من سطوة السلطة في وقت من الأوقات ، وذلك عبر المؤسسات والبرامج التثقيفية والتوعوية الوطنية كمشروع (الممهدون) و (المناصرون) والهيئات والمؤسسات والروابط الثقافية والطلابية الشعبية ، حتى لتجحد من النادر أن تجد أحداً من أبناء المنهج الصدري يتحدث أو يتذكر أزمات التنكيل السابقة .
4/ البعض من التجار وطلاب الربح والمقاولين وحتى بعض صغار (الباعة المتجولين) يشعرون بأن هذا الإستعراض يؤذن بإمكانية عودة (المقاومة) ، وعليه ستترتب آثار (توقف) أو تعطيل الحياة ، وانقطاع الربح ، وارتباك سعر صرف (الدولار) ، وخلق مناطق توتر ، غير مبالين بأهمية استقلال العراق وخلاصه من براثن الإحتلال التي جرت ورائها (الويلات) لهذا الشعب ، وبالتالي ، فليس غريباً على هذه الطبقة من البشر أن يبدوا تخوفهم وتوجسهم وامتعاضهم حتى من العطل الرسمية المساوقة للمناسبات الدينية والوطنية ، وللناس فيما يذهبون مذاهبُ .
وبالنتيجة ، فقد كانت مسيرة الصدريين (مسيرة سلمية وطنية دينية) ، متزامنة مع ذكرى ولادة (الزهراء) البتول بنت رسول الله ، وسيدة نساء العالمين (عليها وعلى أبيها أفضل الصلاة والتسليم) ، ومتزامنة مع ذكرى انطلاقة أول (صلاة جمعة) أطلقها الولي المقدس المصلح الثائر محمد محمد صادق الصدر (عليه صلوات من ربه ورحمة) في زمن الطاغية ، والتي كان ثمنها دماءه ودماء نجليه ، مع الإشارة الى أن هذه المسيرة المطرزة بأعلام العراق ، لم تؤثر – رغم سعتها - على انسيابية حركة وتنقلات المواطنين ، ولم تمنع موظفاً من الإلتحاق بعمله ووظيفته ، ولم تعطل الحياة كما يتذرع المرجفون ، بل لم تمنع (حتى) المحلات والدكاكين والمتاجر والأسواق والبقاليات التي تقع – مباشرة - على الشارع المتضمن للمسيرة من أن تفتح أبوابها للبيع والشراء ، ولم (تجبر) المشاركين على ترك أعمالهم أو مصالحهم ، بل استثمرت فيهم روح الوطنية والتطوع وحب الأرض والدين والعرض ، مانحة إياهم فرصة من أجل أن يوصلوا (كالزواجل) رسالة لأعداء العراق والعراقيين من المحتلين ، مفادها ما يلي :-
أولاً / أبناء العراق ما زالوا على عهدهم للوطن ، لم تقهقرهم سجون أو معتقلات ، ولم ترجفهم آلة المحتل الطائشة ، ولم تحصرهم في زاوية اليأس والملل والقنوط .
ثانياً / إن المشاركين في المسيرة ليسوا (كل) الصدريين ، بل هناك أضعاف مضاعفة من الصدريين ممن لم يشاركوا في المسيرة لأسباب متعددة ، فضلاً عن الكثير الكثير من العراقيين ممن هم ليسوا بصدريين ، ولكنهم ضد الإحتلال والمحتلين .
ثالثاً / كل هذا الكم من المشاركين في (الإستعراض) السلمي ، ومعهم الكثير ، هم سهام قابلة للتصويب بصدر المحتلين حين تأزف الآزفة ببيان أو كلمة أو إشارة من أخيهم وقائدهم مقتدى الصدر .
رابعاً / إن مشاركة أبناء المنهج الصدري في العملية السياسية ، واشغالهم للوزارات (الثمان) والمقاعد (الأربعين) في البرلمان ، لم تلههم أو تثنهم عن ثوابتهم الوطنية ، ولم تشغلهم عن مبدئهم الثابت والرغبة الأكيدة المتجذرة في نفوسهم وصدورهم في حب المقاومة ، والسعي لطرد المحتلين .
المستشار الثقافي للتيار الصدري
العراق / عاصمة العالم المحتلة