إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب من وحي الثورة الحسينية بقلم العلامة السيد هاشم معروف الحسني (رحمه الله )(2)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب من وحي الثورة الحسينية بقلم العلامة السيد هاشم معروف الحسني (رحمه الله )(2)

    موقف الحسين من بيعة يزيد بن ميسون
    لقد كان الحسين الوارث الوحيد لتلك الثورة التي فجرها جده الرسول الأعظم على الجاهلية الرعناء و العنصرية و الوثنية لإنقاذ المستضعفين في الأرض من الظلم و التسلط و الإستعباد و واصلها أبوه و أخوه من قبله ، و كان دوره القيادي للسير بها على خطا جده و أبيه سنة ستين للهجرة حيث الأمة كانت بانتظار من ينهض بأعبائها و يكون الحارس الأمين المسؤول عنها بها أن أخذت دعائمها تنهار و تتقوض تحت ضربات بني أمية و أعوانهم ، و جميع معطياتها التي انطلقت قبل خمسين عاماً أو أكثر قد صادرها الأمويون و أعوانهم و الكتاب الكريم رفع على حرابهم وحراب جلاديهم ، و الفكر العقائدي الذي جاء به الإسلام ليبني العقول و القلوب خضع لتوجيه السلطات الحاكمة ، و سيوف المجاهدين انتقلت إلى الجلاوزة و الجلادين للتنكيل بالصلحاء و الإبرياء ، و الصدقات و الغنائم التي كانت تصل إلى مسجد الرسول و تذهب منه إلى بيوت الفقراء و المساكين أصبحت تنتقل إلى قصر الخضراء لشراء الضمائر
    و تخدير المعارضين للسلطة الحاكمية و جيل الثورة الثاني بين من تعرض للإبادة الجماعية في مرج عذراء و قصر الخضراء و بين من سيطرات عليهم مبادئ الردة و المرجئة و المجبرة و المتصوفة فأقعدتهم عن التحرك و افقدتهم القدرة على النضال و غرست في نفوسهم و قلوبهم بذور الإستسلام للواقع المرير الذي كانت تتخبط فيه الأمة من جور الأمويين و امعانهم في تزوير السنة و تحريف مبادئ الإسلام و تعاليمه لصالح جاهليتهم التي حاربت محمداً أكثر من عشرين عاماً .
    و من هنا كان دور الحسين الوريث الوحيد لثورة جده و أبيه على الشرك و الوثنية و العنصرية شاقاً و عسيراً لأنه لم يرث معها جيشاً و لا سلاحاً و لا مالا و لا أي قوة جبهوية أو مجموعة منظمة غير نفسه وحفنة من بنيه و إخوته ، لم يكن يملك غير ذلك و يملك في الوقت ذاته القدرة على الإنزواء للعبادة و مكانه من الجنة مضمون ، و لكنه لم يكن من طينة أولئك الذين اختاروا العبادة طريقاً إلى الجنة بدلاً عن الجهاد و التضحيات ، لأنه يدرك ان الطريق الأكمل إلى الله هو طريق الحق و طريق الحق هو الجهاد و النضال و الإلتزام بمبادئ الثورة الإسلامية و تعليمها ، و إذا جاز على غيره من صلحاء المسلمين ان ينزوي في المساجد للعبادة و يتخلى عن النضال و الجهاد فلا يجوز ذلك على الحسين وارث الرسول و علي ( عليهم السَّلام ) بأن يتخلى عن وعيه النظالي و يلجأ إلى زوايا المعابد تاركاً للجاهلية الجديدة المتمثلة في حكم يزيد أن تستفحل في بطشها بقيم الحق و العدل و كرامة الإنسان فلم يبق امامه إلا الثورة و بدونها لا يكون سبطاً للرسول و ابنا لعلي ( عليه السَّلام ) و وارثاً لهما و قدره ان يكون شهيداً و ابنا لأكرم الشهداء و أبا لآلاف الشهداء ، و أن يكون المثل الأعلى لجميع الأحرار الذين يناضلون من أجل الحق و العدل و المستضعفين في الأرض من الرجال و النساء .
    لقد حاول معاوية أن يفرض بيعة ولده يزيد على الحسين فلم يتهيأ له ذلك و لا سكوته عنه و هو أدنى ما كان يرجوه معاوية و يتمناه ، و استمر الحسين على موقفه من تلك البيعة التي فرضها معاوية على المسلمين بالسلاح و المال و التشهير بمعاوية و أحداثه و تحريض المسلمين على تلك البيعة الغادرة ، و مات معاوية سنة ستين من الهجرة و الحسين على موقفه المتصلب منها ، كما امتنع جماعة من البيعة تاسياً بالحسين ( عليه السَّلام ) .
    و كما ذكرنا من قبل فان يزيد بن ميسون لم يكن كأبيه في حزمه و احتياطه للمشاكل و الأحداث و التستر بالدين ليسدل ذلك الستار الشفاف على جرائمه و تصرفاته كما كان يفعل ابوه من قبله ، و لما انتقلت السلطة إليه كان من الأولويات عنده ان يلزم الحسين و من تخلف معه من وجوه الصحابة ببيعته فكتب إلى الوليد بن عقبة حاكم المدينة يوم ذاك كتاباً يأمره فيه أن يأخذ البيعة من الحسين و عبد الله بن عمر و إبن الزبير و لا يسمح لهم بالتاخير و لو لحظة واحدة ، و عندما استلم الكتاب استدعي الحسين إليه ليلاً ، و عندما دخل الحسين عليه اخبره بموت معاوية و قرأ عليه كتاب يزيد إليه فاراد الحسين ( عليه السَّلام ) ان يتخلص منه بدون استعمال العنف ، فقال له : مثلي لا يبايع سراً فإذا خرجت غداً إلى الناس و دعوتهم لها أرجو أن يكون أمرنا واحداً ، و كان الوليد يتمنى أن لا تضطره الأمور إلى التورط مع الحسين بما يسيء إليه فاقتنع بجوابه ، و لكن مروان بن الحكم أبت له أمويته الحاقدة أن يخرج الحسين من مجلس الوالي معززاً مكرماً كما دخل فحاول أن يستفزه و يشحنه عليه فقال له : لأن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها حتى تكثر القتل بينك و بينه و لكن احبسه فان أبى و لم يبايع فاضرب عنقه .
    و هنا لم يعد أمام الحسين ( عليه السَّلام ) في مقابل هذا التحدي الصارخ إلا أن يعلن عن موقفه من يزيد و حكومته و عن تصميمه على الثورة مهما كانت التضحيات و قد أصبح وجها لوجه أمام دوره التاريخي الذي يتحتم عليه أن يصنعه فوثب عند ذلك ليعلن عما ينطوي عليه بكل ما في الصراحة من معنى فقال له : ويلي عليك يا إبن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت و لؤمت ، ثم اقبل على الوليد و قال : أيها الأمير انا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة بنا فتح الله و بنا ختم و يزيد فاسق فأجر شارب المخمور و قاتل للنفوس المحترمة و مستحل لجميع الحرمات و مثلي لا يبايع مثله .
    و جاء في مثير الأحزان لإبن نما ان الوليد بتحريض من مروان رد على الحسين بأسلوب يتسم بالحجة و الغلظة فهجم من كان مع الحسين من إخوته و مواليه و بيدهم الخناجر و أخرجوه من المنزل ، فقال له مروان : لقد عصيتني و الله لا يمكنك من مثلها ابداً ، فرد عليه الوليد بقوله كما جاء في رواية الطبري : ويح غيرك يا مروان لقد اخترت لي ما فيه هلاك ديني أقتل حسيناً ان قال لا أبايع يزيداً و الله أن امرءا يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان يوم القيامة لا ينظر الله إليه و لا يزكيه و له عذاب اليم .
    و اضاف إلى ذلك إبن عساكر في تاريخه ان أسماء بنت عبد الرحمن بن الحارث زوجة الوليد انكرت عليه ما جرى منه مع الحسين ( عليه السَّلام ) فأجابها بأنه كان هو البادئ بالشتم والسب ، فقالت له : أتسبه و تسب أباه أن سبك ، فقال لها لا أعود لذلك ابداً .
    لقد اعلن الحسين ثورته على يزيد و دولته بتلك الكلمات التي وجهها إلى الوليد بن عقبة المكلف بتوطيد حكمه في الحجاز و في مدينة الرسول بالذات و لم يكن الوالي يحسب أن الحسين سيعلنها في مجلسه بتلك الصراحة و في المجلس من هم أشد عداء لمحمد و آل محمد و رسالة محمد
    من يزيد و أبيه .
    ان فيه الوزغ و إبن الوزغ طريد رسول الله الذي لا يستطيع ان يزيح عن قلبه و نفسه تلك العقد الدفينة التي خلفتها معاركهم مع الإسلام و انتصاراته التي ارغمتهم على التظاهر به مرغمين و ما تلا ذلك من ابعادهم عن المدينة إلى مكان مقفر من بلاد الطائف و تحريض المسلمين على مقاطعتهم رداً على أيذائهم للنبي و تجسسهم عليه و هو في بيته مع أهله و نسائه .
    هذا الموقف و ما تلاه من المواقف الأخرى التي كان من جملتها موقفه مع مروان بن الحكم و هو ينصحه ان يبايع ليزيد بن معاوية فرد عليه بقوله : و على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد بن معاوية ، و قوله ان الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ، كل هذه المواقف الحسينية تشكل إعلاناً صريحاً لتصميمه على الثورة و مناهضة الحكم الأموي بقيادة يزيد بن معاوية مهما بلغ حجم التضحيات في سبيلها ، و قد بلغت مواقفه هذه يزيداً بأقصى حدود السرعة بواسطة الأمويين الذين كانوا يفاوضونه و يراقبون جميع تحركاته و تصرفاته و يحصون عليه حتى أنفاسه .
    لقد بلغت مواقف الحسين يزيداً بكل أبعادها و مضاعفاتها فأفقدته وعيه و اندفع مع نزقه و مضى يعمل للتخلص من الحسين قبل أن يخرج من مدينة جده و يستفحل خطره فدس جماعة من جلاديه لقتله في المدينة قبل مغادرتها إلى العراق أو إي بلد آخر كما تؤكد ذلك أكثر المصادر ، و لعل ذلك هو ما حداً بالحسين إلى مغادرة المدينة إلى مكة مع بنيه و إخوته و أسرته ليفوت على يزيد بن ميسون و حفيد هند آكلة الأكباد ما كان يخطط له من اجهاض ثورته و هي لا تزال في مراحلها الأولى . و قد اختار الحسين ( عليه السَّلام ) لنفسه مكة و هو في طريقه إلى الشهادة على تراب كربلاء ليضع المسلمين حيث يجتمعون فيها في ذلك الفصل من جميع مناطق الحجاز امام الواقع المرير الذي ينتظرهم في ذلك العهد المظلم ، و يضع
    بين أيديهم ما يحدق بالاسلام من دولة أبي سفيان العدو الأكبر لمحمد و رسالته و ماعزم عليه من الثورة و التضحية لإنقاذ شريعة جده من أولئك المردة أحفاد أبي سفيان و الحكم بن العاص طريد رسول الله حتى و لو كلفه ذلك حياته و حياة بنيه و جميع أسرته ، و فيها اجتمع بتلك الوفود و من بقي من أنصر جده و وضعهم تجاه مسؤولياتهم و استعرض جميع أحداث معاوية و مواقفه المعادية للإسلام و ما ينتظرهم من خليفته المستهتر الخليع و دعاهم إلى نصرته و جهاد الظالمين ، و مضى في طريقه إلى الهدف الأسمى و الغاية القصوى و هو يتمثل بقول القائل :

    ان كان دين محمد لم يستقم * إلا بقتلي يا سيوف خذيني

    تاركاً وراءه آراء المشيرين و الناصحين الذين لم تتسع آفاقهم لأهداف ثورته و ما سيكون لها من الآثار السخية بالعطاء على مدى التاريخ .
    سنة إحدى و ستين
    لقد كانت سنة إحدى و ستين مسرحاً لصراع عنيف بين ارادتين و وقف التاريخ مذهولاً بين تلك الإرادتين ارادة الخير و إرادة الشر تمثلت الأولى في شخصية عظيمة خرجت من بيت علي و فاطمة أضفت عليها القداسة هالة من الإشعاع كأنه اشعاع الفجر المنبلج في كبد الظلام ، و تمثلت الثانية ارادة الشر في رجل أقل ما يقال فيه انه كان ربيب الشرك و الجاهلية و حفيداً لأبي سفيان و زوجته هند آكلة الأكباد .
    و الأول هو الإمام الحسين سبط الرسول الأعظم و شبل علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ذلك الإمام العظيم و البطل الخالد .
    لقد كان الحسين فرعاً لشجرة التوحيد الممتدة جذورها الطيبة الزكية لهاشم سيد العرب في زمانه و يزيد شوكة من حسك نابت في تربة سبخة من أرض موات أنبتت اخبث شجرة كان بنو أمية من نتاجها ، و لقد عكست واقعة الطف الدامية التي شهدت مأساتها أرض كربلاء أثر كلا الجانبين بل أثر تلك الإرادتين الإرادة الخيرة الهادفة
    للإصلاح و إستئصال الشرك و الوثنية تلك الإرادة المتمثلة في الحسين و صحبه ، و الإرادة الثانية الشريرة الهادفة للفساد و سفك الدماء و استعباد الصلحاء و الأحرار و اعادة الجاهلية بكل أشكالها و معالمها كما كان يمثلها حفيد أبي سفيان و آكلة الأكباد .
    لقد وقف الحسين وقفته العظيمة التي حيرت العقول بما فيها من معاني البطولات و التضحيات التي لم يحدث التاريخ بمثلها في سبيل العقيدة و المبدأ و حرية الإنسان و كرامته فرداً أمام جولة جبارة تخضع لنفوذ ملك ظالم جبار يحتل الصدارة في قائمة الطغاة و السفاحين و المجرمين في كل أرض و زمان .
    لقد وقف الحسين وقفته الخالدة التي كانت و لا تزال مصدراً من أوفر المصادر حظاً بكل معاني الخير و الفضيلة و المثل العليا رافضاً الخنوع و الاستكانة لحكم ذلك الذئب الكاسر المتمثل في هيكل انسان يسميه الناس يزيداً ، و قدم دمه و دماء ذويه و إخوته و أنصاره قرباناً لله و للدين ليبقى حياً ما دامت الإنسانية تحتضن الأجيال على مدى العصور و بقي الحسين خالداً خلود الدهر بدفاعه عن كرامة الإنسان و حريته و عقيدته و بمواقفه التي أعلن فيها ان كرامة الإنسان فوق ميول الحاكمين و لا سبيل لأحد عليها .
    و ذهب يزيد و من على شاكلته من الحاكمين في متاهات الفناء ، و التاريخ تتبعهم لعنات الأجيال إلى قيام يوم الدين .

    عش في زمانك ما استطعت نبيلا * و اترك حديثك للرواة جميلا


    و لعزك استرخص حياتك انه * اغلى و إلا غادرتك ذليلاً


    تعطي الحياة قيادها لك كلما * صيرتها للمكرمات ذلولا


    العز مقياس الحياة و ضلَّ مَن * قد عدَّ مقياس الحياة الطولا


    قل كيف عاش و لا تقل كم عاش من * جعل الحياة إلى عُلاه سبيلا


    لا غرو ان طوت المنية ماجدا * كثرت محاسنه و عاش قليلا


    قتلوك للدنيا و لكن لم تدم * لبني أمية بعد قتلك جيلا
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X