إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب من وحي الثورة الحسينية بقلم العلامة السيد هاشم معروف الحسني (رحمه الله )(3)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب من وحي الثورة الحسينية بقلم العلامة السيد هاشم معروف الحسني (رحمه الله )(3)

    بين هجرة الرسول و هجرة الحسين
    هجرتان من أجل الإسلام و رسالة الإسلام ، الأولى منهما كانت فراراً من الموت الذي استهدف رسالة محمد بشخصه ، و قد نفذها الرسول الأعظم بأمر من ربه ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش كأبي سفيان و أمثاله والثانية قام بها سبطه الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) و لكنها كانت للشهادة بعد أن ادرك ان الأخطار المحدقة برسالة جده لا يمكن تفاديها و تجاوزها إلا بشهادة .
    لقد هاجر رسول الله من مكة إلى يثرب لأجل رسالته بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها و انتشارها مرهون بحياته ، و بعد أن وجدت ان جميع وسائل العنف التي استعملتها معه على إختلاف اصنافها و أنواعها خلال ثلاثة عشر عاماً لم تغير من موقفه شيئاً كما لم تجدها جميع الاغراءات و العروض السخية ، و كان رده الأخير على عروض أبي سفيان و أبي جهل و مغرياتهما ، و الله لو وضعتم الشمس في يميني و القمر في شمالي ما تركت هذا الأمر أو أموت دونه .
    و عادت قريش بعد جميع تلك المراحل التي مرت بها معه تخطط من جديد للقضاء على رسالته لاسيما بعد أن أحست بأن يثرب ستكون من أعظم معاقلها و ستنطلق منها إلى جميع انحاء الحجاز و إلى العالم بأسره ، فاجتمع قادتها في مكان يعرف بدار الندوة و راحوا يتبادلون الآراء للتخلص منه فاقترح بعضهم ان يضعوه في إحدى البيوت مكبلاً بالحديد بعيداً عن أعين الناس و مجالسهم إلى أن يأتيه الموت ، كما اقترح آخرون ان يطرد من مكة حتى لا يتحملوا مسؤولية قتله ، و اتفقوا اخيراً على ان يباشروا قتله على ان تشترك فيه جميع القبائل المكية و يتولى ذلك من كل قبيلة فتى من أشد فتيانها و اتفقوا على الزمان و المكان الذي يتم فيه التنفيذ و قد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في الآية :
    { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أو يَقْتُلُوكَ أو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } .
    و الذي تعنيه الآية ان الله قد فوت عليهم هذا التخطيط و أخبر رسوله بما كان من أمرهم ، و أمره بالخروج من مكة ليلاً و أن يأمر عليا في المبيت على فراشه قبيل خروجه .
    و حينما عرض الأمر على علي ( عليه السَّلام ) لم يتردد لحظة واحدة في التضحية بنفسه في سبيله و قال له : أو تسلم أنت يا رسول الله ان فديتك بنفسي ، فرد عليه النبي ( صلى الله عليه و آله ) بقوله : بذلك وعدني ربي ، فطابت نفسه عند ذلك و تبدد ما كان يساوره من خوف و قلق على النبي ، و تقدم إلى فراشه مطمئن النفس رابط الجأش ثابت الفؤاد و اتشح ببرده الحضرمي الذي اعتاد ان يتشح به في نومه .
    و تمت الهجرة في جوف الليل من مكة إلى الغار و منها إلى يثرب في السادس من ربيع الأول ، و اعتمد المسلمون تلك الهجرة في تواريخهم منذ عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على أثر خصومة بين اثنين في دين يدعي أحدهما استحقاقه في شهر شعبان بموجب سند بيده ، و سأل الخليفة الدائن أي شعبان هذا أشعبان هذه السنة أو التي بعدها ؟ و لما لم يطمئن لأحد منهما جمع المسلمين في المسجد ليعتمد لهم تاريخاً ، و المسلمون يوم ذاك لم يكن لهم تاريخ خاص ، فكان بعضهم يؤرخ بعام الفيل و بعضهم بحرب الفجار و أكثرهم كانوا يعتمدون تواريخ الدول المجاورة لشبه الجزيرة العربية ، و اختلفت آراء الصحابة في الزمان الذين يعتمدونه في تواريخهم و كادوا ان يتفرقوا بدون ان ينتهوا إلى نتيجة حاسمة لولا ان عليا أقبل عليهم بالمعهود من رأيه السديد و قال : نؤرخ بهجرة الرسول من مكة إلى المدينة فأعجب إبن الخطاب برأيه و هتف قائلا : لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، و اقترن رأيه هذا بأعجاب الحضور و تقديرهم لأن هجرة الرسول كانت المنطلق لانتصار الإسلام على الشرك و الوثنية و حدثا تاريخياً لعله من أبرز الأحداث في تاريخ الدعوة ، و استمر المسلمون على ذلك في تواريخهم و لم يحدث التاريخ عنهم بأنهم اعتبروا شهر المحرم بداية لسنتهم الهجرية ، و لعل ذلك لم يحدث إلا بعد مقتل الحسين و بعد ان أصبحت الأيام الأولى من شهر المحرم أيام حزن عند أهل البيت و شيعتهم فجعلها الأمويون بداية للسنة الهجرية و عيداً من أعيادهم ، و لا يزال المسلمون عند مواقفهم من تلك الأيام الأولى من ذلك الشهر ، فالشيعة يحتفلون بذكرى الحسين ( عليه السَّلام ) و يرددون تلك المأساة في مجالسهم و مجتمعاتهم بما تحمله و تنطوي عليه من الإخلاص للعقيدة و المبدأ و التضحيات الجسام في سبيل الحق و المستضعفين و كرامة الإنسان ، و غيرهم من مسلمي السنة يحتفلون به كبقية الأعياد و يتباهون بمظاهر الفرح و الزينة و أنواع الأطعمة .
    و مهما يكن فلقد كانت الهجرة من مكة إلى المدينة في السادس من ربيع الأول بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على ولادة الإسلام ، و في اليوم الثاني عشر منه كان النبي في المدينة بين أنصاره الجدد الذين احتضنوه
    و أخلصوا لرسالته و أنقذه الله من تلك المؤامرة الدنيئة التي استهدفت حياته و رسالته و حاك خيوطها شيخ الأمويين يوم ذاك أبو سفيان بن حرب ، و سلم محمد لرسالته التي ارغمت أبا سفيان و غيره من مشركي مكة بعد سنوات قليلة من تلك الهجرة على الانضواء تحت لوائها بقلوبهم المشركة الحاقدة يتململون بين أقدام طريدهم بالأمس يستجدون عفوه و رأفته أذلاء صاغرين .
    و أبت نفسه الكبيرة التي اتسعت لتعاليم السماء و رسالة الإسلام إلا أن تتسع لأبي سفيان و حتى لزوجته هند آكلة الأكباد و غيرها من المشركين و المشركات و أعلن العفو العام حينما دخل مكة فاتحا منتصرا متجاهلاً جميع سيآتهم بكلماته الخالدة التي لا تزال سمة خزي و عار ما دام التاريخ : اذهبوا فأتنم الطلقاء ، و أعطى لأبي سفيان العدو الأكبر للإسلام ما لم يعطه لأحد من المشركين .
    و هل غيّر هذا الموقف العظيم الذي لا يمكن ان يصدر من أي انسان مهما كان نوعه ، هل غيّر من نفس أبي سفيان و روحه شيئاً ، و هل ادرك ان موقفا كهذا لا يصدر الا عن انسان تسيره ارادة السماء ؟ ان النفوس الحقودة اللئيمة لا علاج لها إلا بالإستئصال و الرسول العظيم يعلم ذلك و يعلم أن ما صنعه مع البيت الأموي لا يغير من طبيعته و لكن مصلحة الإسلام يوم ذاك فرضت عليه ان يعالجهم بهذا الأسلوب و يستعمل معهم العفو و الرحمة بدلاً من معاملتهم بما يستحقون .
    و بقي الحزب الأموي بقيادة أبي سفيان يتحين الفرص و يستغل المناسبات و حينما انتقلت الخلافة إلى سليل بيته عثمان بن عفان أحس بنشوة تملأ نفسه الحاقدة و ذهب يقوده غلامه لينفس عما تراكم في نفسه من أحقاد على الإسلام و دعاته ، إلى قبر الحمزة ليركله برجله و يقول : قم يا أبا عمارة ان الذي تجالدنا عليه لقد أصبح تحت أقدامنا .
    و خلال سنوات معدودات من حكمهم استطاعوا ان يحققوا لهذا البيت أكثر أمانيه و اتجهوا يعملون لوثنيتهم و جاهليتهم حتى لا يبقى لرسالة محمد ناطق على منبر أو محراب و ليصبح أئمة المساجد و القراء و الرواة أبواقا للسلطة الحاكمة و القبضة الأموية الجديدة التي تعمل للسلطة و الجاهلية باسم الإسلام أداة لغسل الادمغة من عقائده و حشوها بمبادئ الردة و الوثنية ، وظلوا يعملون بهذا الاتجاه الوثني حتى انقلبت القيم و سحقت التعاليم و ذهبت رياح الجاهلية بجهود المخلصين و جاءت بكنوز الذهب للمنافقين ، و أصبح التوحيد ستاراً للشرك و الإسلام لا يعني سوى الإستسلام للحاكمين ، و السنة قاعدة للسلطة ، و الحديث عرضة للوضع و التزوير و التحريف و الألسن قطعت أو اشتريت بأموال الفقراء و المساكين .
    اما أصحاب السابقة و الجهاد فقد تقاضوا الثمن ولايات و امارات ، و اعتزل فريق للعباد و فريق ساوموا على سكوتهم عن الظلم و الجور حتى لا يواجهون النفي و الموت في صحراء الربذة و مرج عذراء و قصر الخضراء ، و عادت الجاهلية الجديدة أثقل ظلا و أشد ظلمة و وحشية و العدو الجديد أشد دهاء و أكثر نضجا و ذكاء .
    و فجأة سطع ضوء في الظلام و من بين ركام الإسلام المتداعي و أضاءت للملأ ملامح امل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق و بدأ للعالم انسان يخط على التراب بدمه ، ألا و اني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما .
    انه الحسين بن علي و فاطمة سبط ذلك الرسول الذي هاجر من مكة ليثرب قبل ستين عاماً لأجل رسالته و انقاذها من الشرك و الوثنية و مرة ثانية و في ظروف لعلها اسوأ على الإنسانية و الرسالة من الظروف التي خرج فيها جده من قبل لإنقاذ البشرية مما كانت تعانيه من عسف و جور و استغلال خرج من بيت محمد و علي البيت الذي وسع التاريخ كله فكان أكبر منه خرج غاضباً مصمما على الموت كأن في صدره اعصارا هو في طريقه إلى الانطلاق . خرج لأجل الرسالة التي هاجر لأجلها جده الرسول الأعظم من قبل يتلفت من حوله وحيداً أعزل يرى الرسالة و آمال الفقراء و المستضعفين تساق إلى قصر الخضراء في دمشق لا يملك سلاحا غير الشهادة التي يراها زينة للرجال كما تكون القلادة زينة للفتاة و هاجر للحصول عليها على هدى و بصيرة و شبحها ماثل نصب عينيه يتطلع إلى تربة كربلاء مع ركبه بصبر و صمود و هو يقول : خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة أفلا ترون إلى الحق لا يعمل به و إلى الباطل لا يتناهي عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً .
    لقد هاجر من مدينة جده إلى مكة و منها إلى العراق بعد أن رأى رسالة الإسلام تتعرض للانهيار و مصير الإنسان يوم ذاك اسوأ من مصير انسان الجاهلية نافضاً يديه من الحياة لا يملك في مقابل عدوه سوى سلاح الشهادة و في كل مرحلة كان يقطعها و هو يحث السير إليها كان يشير إلى أنصاره الذين رافقوه في تلك الرحلة ليموتوا معه و إلى أهل بيته الذين هم كل ما يملكه من الحياة إلى هؤلاء جميعاً كان يشير و يكشف لهم عن معاني الشهادة و أهدافها و معطياتها و يشهد العالم بأسره بأنه قد أدى للإنسانية كل ما يقدر عليه .
    لقد كان سيد الشهداء يدرك و يعي اهمية الرسالة الملقاة على عاتقه و يعلم بأن التاريخ ينتظر شهادته و انها ستكون ضمانا لحياة أمة و اساسا لبناء عقيدة و هتكا لاقنعة الخداع و الظلم و القسوة و أداته لسحق القيم و محوها من الأذهان و انقاذا لرسالة الله من أيدي الشياطين و الجلادين ، و هذا هو الذي كان يعنيه بقوله لأخيه محمد بن الحنفية و هو يلح عليه و يتململ بين يديه باكيا حزينا ليرجع إلى حرم جده : لقد شاء الله ان يراني قتيلا و شاء ان يرى حرمي و عيالي سبايا .
    لقد اعطى الحسين للعالم كله بشهادته دروساً مليئة بالحياة غنية بالقيم و روعة الجمال و أصبح هو و من معه من طفله إلى إخوته و أنصاره و غلمانه القدوة الغنية بمعطياتها للعالم في كل زمان و مكان يعلمون الأبطال كيف يموتون في مملكة الجلادين الذين ذهبت ضحية سيوفهم آمال أجيال من الشباب و تلوَّت تحت سياطهم جنوب النساء و أبادوا و أجاعوا و استعبدوا رجالاً و نساءً و مؤذنين و معلمين و محدثين .
    لقد ترك الحسين و إخوته و أصحابه و حتى غلمانه دروساً سخية بالعطاء و القيم حافلة بالعبر و المثل التي تنير العقول و تبعث في النفوس و القلوب قوة الإيمان بالمثل العليا و المبادئ السامية التي دعا إليها و ضحى بكل ما يملك من أجلها و لا تزال الأجيال تستلهم منها كل معاني الخير و النبل و الفضيلة و سيبقى الحسين و أنصاره مثلا كريما لكل ثائر على الظلم و الجور و الطغيان إلى حيث يشاء الله .
    لقد هاجر من مدينة جده إلى أرض الشهادة و الخلود ليقدم دمه الزكي و دماء إخوته و أنصاره الخالدين ثمنا لإحياء شريعة جده الرسول الأعظم و انقاذها من مخالب الكفر والانحراف ، و لكي يضع حداً لسياسة البطش و التنكيل و اراقة الدماء و ليعلن بصوته المدوي الذي لا يزال صداه يقضُّ مضاجع الظالمين ان الإسلام فوق ميول الحاكمين و أن المثل و القيم فوق مستوى مطامعهم الرخيصة و أن الحرية و الكرامة من حقوق الإنسان في حياته و لا سلطان للحكام و الطغاة عليها .
    أجل ان رسالة الحسين ( عليه السَّلام ) كانت و لا تزال امتدادا لرسالة جده و جهاده امتدادا لجهاد جده و أبيه أمير المؤمنين بطل الإسلام الخالد الذي قام الإسلام و انتشر بسيفه و جهاده .
    و كما خيبت هجرة الرسول مساعي المتآمرين على قتله بخروجه من مكة إلى يثرب بعد أن بات على فراشه بطل الإسلام الخالد ليدرأ عنه خطر الأعداء و يفديه بنفسه من مؤامرة أبي سفيان و حزبه كذلك خيبت شهدة سبطه الثائر العظيم آمال أمية و أمانيها و مما يطمح إليه حفيدها يزيد بن معاوية من تحطيم الإسلام و عودة الجاهلية و الاصنام آلهة آبائه و أجداده و سجلت انتصاراً حطم أولئك الجبابرة الطغاة و دولتهم الجائرة العاتية التي قابلها الحسين و قضى عليها بشهادته و دمه الزكي الطاهر بالرجال و العتاد و الأموال .
    و لرب نصر عاد بشر هزيمة * تركت بيوت الظالمين طلولا
    لقد قاتل مع الحسين ( عليه السَّلام ) اثنان و سبعون شخصاً من إخوته و أبنائه و أنصاره الأبطال الذين امتحن الله قلوبهم بالإيمان فقاتلوا دفاعاً عن الحق و العقيدة و رسالة الإسلام و أرخصوا حياتهم لإعلاء كلمة الله في الأرض و كانوا مع قلة عددهم و كثرة الحشود التي اجتمعت لقتالهم يكرون على تلك الحشود بقلوبهم العامرة بالتقوى و نفوسهم المطمئنة إلى المصير الذي أعده الله للمجاهدين في سبيله فيفرون من بين أيدهم فرار المعزا إذا شدت عليها الذئاب ، و رحم الله السيد حيدر الحلي القائل :
    جاءوا بسبعين ألف سل بقيتهم * هل قابلونا و قد جئنا بسبعين
    لقد ترك لنا الحسين و جدّ الحسين و الأئمة من ذرية الحسين من اقوالهم و سيرتهم و سلوكهم و جهادهم مدرسة غنية بكل ما نحتاجه في الحرب و السلم و الشدة و الرخاء و الفقر و الغنى و كل نواحي الحياة فما اولانا و نحن ندعي الإسلام و التشيع لهم ان نرجع إلى سيرتهم و نسير على خطاهم و نصنع من ميراث أمتنا و قادتنا خير أمة اخرجت للناس .
    و لو نظرنا و مع الاسف الشديد إلى مبادئ التشيع التي تجسد الإسلام بكل فصوله و خطوطه و قارنّا بينها و بين ما نحن عليه من تخاذل و تراجع و اذلال و انحراف عن الإسلام و مبادئه و قيمه وجدنا انفسنا من ابعد الناس عن علي و بنيه و عن الحسين بالذات الذي نحتفل في كل عام بذكراه و نبكيه و نردد بألسنتنا يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً ، و أنا لا اشك بأن الحسين لو وجد في زماننا هذا لصنع من القدس و جنوب لبنان كربلاء ثانية و سوف لا يناصره ممن يدعون الإسلام و التشيع و من يتباكون على القدس و الجنوب و يتاجرون بهما في البيانات و الخطب و على صفحات الجرائد أكثر من العدد الذي ناصره في كربلاء الأولى .
    ان بكاء الباكين و تباكيهم على الحسين و على القدس و الجنوب لم يكن إلا لأنه يلتقي مع مصالحهم أو لبعض الحالات الطبيعية التي تسيطر على الإنسان أحيانا ، فهل هؤلاء مع الحسين و مبادئه و مع القدس القبلة الأولى للمسلمين و فلسطين التي اغتصبتها و شردت اهاليها قوى الشر و العدوان ، و مع جنوب لبنان الذي عبثت فيه الأهواء و الاطماع و مزقته إلى احزاب و شيع لا تحصى حتى و لو تعارض ذلك مع مصالحهم و أهوائهم ، فعشرات الشواهد و الأرقام تؤكد ان مصالحنا و أهوائنا إذا تعارضت مع الحسين و جميع القيم و مع القدس و الجنوب و جميع المظلومين و المعذبين لم نعد نتعرف على الحسين و لا على مبادئه و قيمه و لا على القدس و الجنوب و لا على المظلومين و المعذبين و لو خرج من يحمل مبادئ الحسين في زماننا هذا لحاربناه كما حاربه أولئك بالأمس و لقطعنا رأسه و رؤوس من يناصره و أهديناها لمن يحمل روح يزيد و إبن زياد و ما اكثرهم في زماننا هذا .
    لقد بكى عمر بن سعد على الحسين في كربلاء و سالت دموعه على لحيته عندما رآه يجود بنفسه و الدماء تنزف من جسده و في نفس الوقت أمر أصحابه بقتله و قال لهم : انزلوا إليه و أريحوه . و الإنسان في الغالب قد يتأثر و ينفعل من غير قصد و اختيار كما يتنفس و يتألم و يفرح و يحزن و سرعان ما يتغير و كأنه انسان آخر ، و بذلك نستطيع ان نفسر بكاء أكثر الباكين على الحسين من المحبين و المجرمين القساة و هم يستمعون إلى حديث كربلاء و ما حل بها من الفجائع على أهل البيت عليهم السلام .
    و جاء عن بعض العلويات انها قالت : حين استشهد أخي الحسين هجم العدو على خيامنا للسلب و النهب و دخل خيمتي رجل ازرق العينين فأخذ ما في الخيمة و نظر إلى زين العابدين و هو على نطع و كان مريضاً فجذبه من تحته و رماه إلى الأرض و التفت الي و أخذ القناع عن رأسي و قرطين كانا في أذني و جعل يعالجهما و يبكي حتى انتزعهما ، فقلت له : تسلبني و أنت تبكي ؟ فقال : ابكي لمصابكم أهل البيت .
    و بلا شك فان الكثيرين من الذين يبكون لمصاب أهل البيت و ما حل بهم في كربلاء يحملون روح هذا المجرم ازرق العينين ، و لو تسنى لهم ان يسلبوا الحوراء أو غيرها خمارها إذا اقتضت مصلحتهم ذلك لا يقصرون و لا يتورعون ، و أي فرق بين ازرق العينين الذي اقتحم خيام الحسين و أخذ النطع من تحت الإمام السجاد و انتزع القرطين من أذني الحوراء و بين من يدعون التشيع و الإسلام في زماننا هذا و يعتدون على أموال الناس و حقوق الناس و كرامتهم غير مكترثين بالأديان و لا بالأخلاق و الأعراف التي لا تقر الاساءة لأحد من الناس .
    ان هؤلاء لا فرق بينهم و بين عمر بن سعد و أزرق العينين و لو وجدت العقيلة الحوراء في زماننا هذا لا يتورعون عن انتزاع قرطها و لا عن قتل أخيها و أبيها إذا اقتضت مصلحتهم ذلك ، و في الوقت ذاته يتأثرون و ينفعلون و قد يبكون عندما يستمعون إلى حديث كربلاء و ما فعله ازرق العينين .

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
ردود 2
9 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X