نقطة الإنطلاق إلى العالم
و نتكلم في هذا الفصل ضمن عدة جهات :
الجهة الأولى : في سرد الأخبار الدالة على ذلك :
ستكون نقطة الإنطلاق إلى فتح العالم هي الكوفة من العراق على وجه التعيين ، وستكون في المدى القريب عاصمة الدولة العالمية المهدوية العادلة .
والمراد بالكوفة وكما عرفنا . المنطقة التي تشمل النجف أيضاً ، باعتبار أن تجاورهما أرضاً وبناءً ، يجعلهما كالمدينة الواحدة .ومن هنا جاءت الأخبار لتسمي الكوفة تارة والنجف أخرى . وكلا القسمين يرجع إلى معنى واحد:
روى القندوزي في الينابيع(1) عن كتاب فضل الكوفة لمحمد بن علي العلوي ، بسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله (ص) : يملك المهدي أمر الناس سبعاً أو عشراً . أسعد الناس به أهل الكوفة .
وروى ابن الصباغ في الفصول المهمة (2) عن أبي جعفر (ع) – في حديث طويل – قال: إذا قام (ع) سار إلى الكوفة فوسع مساجدها .. الخ الرواية .
صفحة (311)
ـــــــــــــــــ
(1) ينابيع المودة ص531
(2) الفصول المهمة ص321
وروى المفيد في الإرشاد(1) عم أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (ع) ، قال:
كأني بالقائم (ع) على نجف الكوفة ، فد سار إليها من مكة في خمسة الآف من الملائكة . جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه ،وهو يفرق الجنود في البلاد .
وفي رواية عن عمر بن شمر عن أي جعفر (ع) . قال : ذكر المهدي فقال :
يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت ، فتصفو له . ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب ، فلا يدري الناس ما يقول ، من البكاء .
فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة .فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك ... الحديث .ورواه الطبرسي(2) أيضاً بنفس النص .
ورواه الشيخ في الغبة (3) عن عمر بن ثابت عن ابيه عن أبي جعفر (ع) وساق الحديث إلى قوله :
ولا يدري الناس ما يقول من البكاء وقال فيه : فإذا كانت الجمعة الثانية ، قال الناس : يابن رسول الله الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (ص) والمسجد لا يسعنا . فيقول أنا مرتاد لكم . فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس .
وأخرج الشيخ أيضاً (4) بسنده عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر(ع) قال:
إذا دخل القائم الكوفة ، لم يبق مؤمن إلا وهو بها أو يجيء إليها .
وهو قول أمير المؤمنين (ع) . وقول لأصحابه : سيروا بنا إلى هذا الطاغية ، فيسيروا إليه .
وأخرج أيضاً(5) بسنده عن صالح بن أبي الأسود عن ابي عبد الله (ع) قال: ذكر مسجد السهلة ،فقال له :اما أنه منزل صاحبنا إذا قدم باهله .
صفحة (312)
ـــــــــــــــــ
(1) ص341 وكذلك الحديث الذي بعده .
(2) أعلام الورى للطبرسي ص430.
(3) ص281. (4) ص275.
(5) ص282.
وروى المجلسي في البحار(1) عن السيد علي بن الحميد في كتاب الأنوار المضيئة بإسناده إلى أحمد بن محمد الأبادي يرفعه إلى اسحق بن عمار قال :
سألته عن أنظار الله تعالى إبليس وقتاً معلوماً ذكره في كتابه فقال : إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم. قال : الوقت المعلوم يوم قام القائم . فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة ... الخ الخبر .
وروى أيضاً(2) عن بعض مؤلفات أصحابنا بإستاده عن المفضل بن عمر ، قال سألت سيدي الصادق (ع) :
هل للمأمور(3) المنتظر من وقت موقت يعلمه الناس – والحديث طويل إلى عدة صفحات ، يقول فيه – قال المفضل : قلت : يا سيدي ، فإين يكون دار المهدي ويجتمع (مجمع) المؤمنين . قال :دار ملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها . وبيت ماله مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة . وموضع خلواته الذكورات البيض بين الغريين . قال المفضل : يا مولاي ، كل المؤمنين يكونون بالكوفة ؟ قال : أي والله ، لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها . وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم ... الخ الخبر .
وهناك عدد من الأخبارعن منجزات الإمام المهدي (ع) في الكوفة ، سيأتي الحديث عنها عند عرض نظام دولته(ع).
وذكر الشبلنجي في نور الإبصار(4) عدة فوائد بعد إيراده لأخبار المهدي (ع) وقال : الخامسة أنه بعد أن تعقد له البيعة بمكة يسير منها إلى الكوفة وثم يفرق الجند إلى الأمصار .
اقول : التعبير في الأخبار بالنجف ونجف الكوفة ، والغري ، والذكوات ، البيض بين الغريين ، كلها تعبيرات عن منطقة واحدة هي مدينة النجف الأشرف الحالية ، التي فيها مرقد الإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام .
صفحة (313)
ـــــــــــــــــ
(1) البحار، ص197 ج13.
(2) المصدر : يبدأ هذا الخبر المطول ، ص200 ج13 وما نقلناه موجود ، ص203 .
(3) لعلها : المامول.
ومسجد (السهلة) أحد مساجد الكوفة يبعد عنها إلى جه الشمال نحو كيلو متر واحد . بناه أحد أصحاب الإمام أميرالمؤمنين (ع) و ويحتوي على عدة نقاط ، روى أنها موضع صلاة عدد من الأنبياء والأولياء والظاهر أن أول من قام بتحديدها هو السيد مهدي بحر العلوم من أبرز علماء الإمامية في القرن الثاني عشر الهجري . وهو أعلم ما قال وفعل .
منها: الموضع الذي يعرف مقام المهدي (ع) . الذي يروي أ ن الإمام المهدي (ع) صلى فيه ركعتين في بعض عصور غيبته .
وأما (جامع الكوفة) الكبير الذي كان مركز قضاء الإمام أمير المؤمنين (ع) وصلاته وخطبه .وفيه الموضع الذي ضرب فيه ضربته التي توفي عنها ... وكان له في التاريخ الإسلامي أثر كبير ، فهذا الجامع غني عن التعريف .
(الجهة الثانية والجهة الثالثة حذفت من المسودة )
الجهة الرابعة : هل هذه الروايات قابلة للإثبات بالنسبة إلى الأغراض التي سقناها من أجلها .
دلتنا هذه الروايات على عدة اشياء داخلة في حاجتنا وغرضنا :
أولاً : أن المنطقة الرئيسية لوجود الإمام المهدي (ع) بعد مكة المكرمة هي الكوفة (بالمعنى الشامل للنجف الأشرف).
وقد أصبح هذا المضمون مستفيضاً بل متواتراً ، بعد أن كان مروياً من كلا الفريقين . ويدل عليه هذا المجموع من الروايات . كما تدل عليه الأخبار التي سمعناها لسفر المهدي (ع) وجيشه إلى الكوفة . و تدل عليه أيضاً مجموعة أخرى من الأخبار التي تتحدث عن انجازات المهدي (ع) في الكوفة ، مما أجلنا الحديث عنه .
ثانياً : اجتماع المؤمنين في الكوفة نصرة وتأييداً للإمام (ع) .
وقد دلّ على ذلك عدد من الأخبار ، ذكر أهمها . وهو عدد كاف للإثبات .
ثالثاً : إلقاء المهدي خطاباً أساسياً في مسجد الكوفة .
وهذا ما دلت عليه روايتان مما سبق روتهما ثلاثة من المصادر الإمامية القديمة . فإذا لاحظنا طبيعة الموقف تقتضي إلقاء هذا الخطاب ، بحيث لو لم يرد له ذكر ، لكان الأنسب عرضه كأطروحة محتملة على أقل تقدير ، فكيف وقد ورد ذكره في الأخبار .إذن ، يكون هذا الخطاب ثابتاً وتاريخياً.
رابعاً : إن الكوفة والعراق على العموم ، محكومة للسفياني ،وإنه يقوم من المهدي (ع) – لأول مرة – موقف المجاملة والملاينة .
وهذا ثابت تاريخياً كما سمعنا من أخبار السفياني السابقة ، وما سيأتي من الأخبار التي تتحدث عن قتاله مع المهدي (ع) ، وإن كانت أخبارنا في هذا الفصل لم تذكر ذلك بوضوح .
خامساً : إن الشعب الكوفي والنجفي سيخضع للمهدي (ع) بسهولة ويؤيده بحرارة .
وهذا واضح من مجموع الروايات ، وقد تحدثت كل منها عن زاوية من نتائجه ... إلى جانب مناسبته مع طبع هذا الشعب وطبع الحوادث .
نعم ، دلت إحدى الروايات
سادساً:أن المهدي (ع) يصلي بالناس صلاة الجمعة .
وهو أمر دلت عليه الروايات ، وتقتضيه القواعد الفقهية الإسلامية أيضا، كما لا يخفى على المطلع .إلا أننا عرفنا أنه لا دليل على شرعة إقامته لهذه الصلاة ...وإن كان الطلب منه لإقامتها سريعاً ، نتيجة لإندفاع الناس عاطفياً نحو الإمام المهدي (ع) وحبهم له واحترامهم إياه واعتبارهم له الحجة بينهم و بين الله تعالى .
فقد تتأخر إقامتها إلى حين انتهاء بناء المسجد الكبير في النجف بين الغريين .
سابعاً: إن المهدي (ع) يبدأ بغزو العالم انطلاقاً من الكوفة ، وذلك بإرسال السرايا وبث الجيوش المتكاملة للقيام بهذه المهمة .
وقد عرفنا ذلك تاريخياً ، بعد وروده في مصادر كلا الفريقين . حتى اعتبره الشبلنجي أصلاً مسلماً ، كما عرفنا .
مضافاً إلى اقتضاء طبع الحوادث له ، من حيث الحصول على القوة الكافية لهذا الهدف يومئذ وعدم حصولها قبل ذلك .وخاصة بعد سيطرته على حكم البلاد على وجه العموم ،وأما تأجيلها أكثر من ذلك فهو بلا موجب بعد حصول القوة الكافية ،ووجود الضمانات الكافية للإنتصار التي سنسمعها عما قريب .
هذه هي أهم الأمور التي أردنا التعرف عليها في هذا الفصل .
المصدر
موسوعة الامام المهدي
الجزء الثالث
تاريخ مابعد الظهورالشهيدالسيد محمد الصدر(رحمة الله)