قناة الجزيرة بين الانحياز للجماهير والانحياز للحقيقة !
كلاهما جميل: أن تنحاز للحقيقة أو تنحاز للجماهير، مهلاً ! فإنني قبل أن أخوض في رومانسيتي الفلسفية فلا يسعني ابتداءً إلا أن أقف بإجلال أمام قناة الجزيرة في مواقف كثيرة انحازت فيها إلى ما أحب وأتمنى ، وحرّكت مشاعري نحو قضايا تهمني ، وهي بالضرورة قد اتجهت صوب آخرين بمثل ما اتجهت به صوبي، ولا بأس أن أعترف أنني كنت أشعر بالاستغلال الجميل، ولِمَ لا يكون جميلاً ، وأنا أشعر أننا بحاجة إلى إعلام حرّ تنتفّس منه ، ونرتحل إلى جنبه إذا حزبتنا الأمور ، وقست علينا الظروف في وطننا العربي القاسي على أبنائه .
وكنتُ فوق ذلك كله أغض الطرف عما كنت أظنه احترافاً في تقديم الصورة التي أحبها بتقديم التنوّع والرأي الآخر في سياق عام يتجه في النهاية إلى تأكيد الصورة المنشودة المحبوبة .
وأنا أتابع كل يوم إصرار الجزيرة على الانحياز للجماهير التي تتمرد على واقعها وتتطلع إلى الحرية والخروج من قشرة الزمن القديم الذي تغير ما حوله وأبى أن يتغير ، فانقلبت عليه سنن الدهر وإرادة التغيير .
تابعت الجزيرة أكثر من غيرها لأن غيرها كان يخدم أنظمة بعينها ، فغابت عنها المصداقية ، وتعاملنا مع هذه القنوات بنظرات الشك المفضي إلى الغضب أو حتى الامتناع عن مشاهدتها لأننا بكل بساطة غاضبون منها ، وإذا نظرنا إليها مرة فلكي نبحث عن كلمة سقطت فيها أو موقف أخلّت به في عرضها .
أما الجزيرة فقد كانت عندنا مغفورة الذنب، معصومة من الوقوع في الخطأ فمال إليها الناس ، وأصغوا إليها وقبلوها حكماً ومصدرا للمعرفة ومرجعاً للعلم وملاذاً للحقيقة المغيّبة.
صفقنا للجزيرة في تونس ، وحملناها في مصر، ورفعناها في ليبيا ، ثم اختلطت الصورة عندنا في اليمن ، وانحسرت في البحرين ، وغامت في المغرب ، وانقلبت في سوريا ، وهادنت في السعودية ، واضطربت في عُمان، ومرّت بسرعة في الأردن، ثم تغيرت في ليبيا ثانية ... هذه الألوان المختلطة وضعت عقلي أمام ما أنا عليه من حيرة ، وأجبرتني على إعادة موقفي منها وأنا الذي ما زلتُ أحبها ، ومضت الأيام ثقيلةً عليّ ملأى بالقراءات المشاغِبة ، والتحليلات المضنية ، وطفقتُ أبحث عن الحقيقة وراء كل هذا فأوصلني عقلي المكدود إلى أن الجزيرة لم تعد كما كنتُ أراها منبراً للحقيقة والقلوب العطشى ، وأنها اليوم أصيبت بشعور القوة المفرطة القادرة على قيادة الجماهير المأزومة ، وبات يشعر من وراءها أنها تحمل هذه الإمكانيات الرهيبة فاستخدموها في تدبيرهم ، وصاغوها وفق رؤيتهم ، وحولوها إلى مخلب مفترس على خصومهم ، ومنديل ناعم على مصالحهم ، وتجاوزت الجزيرة معايير المهنة ، وميثاق الشرف الصحفي الذي نادت به ، وأصبحت تمارس دور القاضي والحكم والجلاد أيضاً ، ولم تعد المرآة الصادقة التي نعود إليها عندما تغبش الصورة ، ويحلولك السواد ، وتغتام السماء .
والمصيبة أن تغطية الجزيرة المريبة أصابت العقل في المقتل ، فلم نعد قادرين على التحليل الدقيق بناء على هذه المغالطات الكثيرة التي ترتكبها الجزيرة فأخطأنا التحليل في ليبيا وفي اليمن ، وجرفتنا الجزيرة إلى الدم ، وجرفتنا في بلدان أخرى إلى استعمال المنطق الطائفي ففاض الدم في الشوارع بسبب هذه التغطية ... والحقيقة في ذلك مرة لا تكاد تقال.
في ختام الموقف عرفت أخيراً أن ادعاء الانحياز للجماهير في الإعلام هو كتهمة الانحياز للحكام مع أنني في حقيقة عقلي لا أفرق في منطق فرز المجتمع وتصنيفه بين حاكم ومحكوم ، وصار همي اليوم كيف أصل إلى الحقيقة إذا انسدّت طرقها !!
بقلم/ عثمان
كلاهما جميل: أن تنحاز للحقيقة أو تنحاز للجماهير، مهلاً ! فإنني قبل أن أخوض في رومانسيتي الفلسفية فلا يسعني ابتداءً إلا أن أقف بإجلال أمام قناة الجزيرة في مواقف كثيرة انحازت فيها إلى ما أحب وأتمنى ، وحرّكت مشاعري نحو قضايا تهمني ، وهي بالضرورة قد اتجهت صوب آخرين بمثل ما اتجهت به صوبي، ولا بأس أن أعترف أنني كنت أشعر بالاستغلال الجميل، ولِمَ لا يكون جميلاً ، وأنا أشعر أننا بحاجة إلى إعلام حرّ تنتفّس منه ، ونرتحل إلى جنبه إذا حزبتنا الأمور ، وقست علينا الظروف في وطننا العربي القاسي على أبنائه .
وكنتُ فوق ذلك كله أغض الطرف عما كنت أظنه احترافاً في تقديم الصورة التي أحبها بتقديم التنوّع والرأي الآخر في سياق عام يتجه في النهاية إلى تأكيد الصورة المنشودة المحبوبة .
وأنا أتابع كل يوم إصرار الجزيرة على الانحياز للجماهير التي تتمرد على واقعها وتتطلع إلى الحرية والخروج من قشرة الزمن القديم الذي تغير ما حوله وأبى أن يتغير ، فانقلبت عليه سنن الدهر وإرادة التغيير .
تابعت الجزيرة أكثر من غيرها لأن غيرها كان يخدم أنظمة بعينها ، فغابت عنها المصداقية ، وتعاملنا مع هذه القنوات بنظرات الشك المفضي إلى الغضب أو حتى الامتناع عن مشاهدتها لأننا بكل بساطة غاضبون منها ، وإذا نظرنا إليها مرة فلكي نبحث عن كلمة سقطت فيها أو موقف أخلّت به في عرضها .
أما الجزيرة فقد كانت عندنا مغفورة الذنب، معصومة من الوقوع في الخطأ فمال إليها الناس ، وأصغوا إليها وقبلوها حكماً ومصدرا للمعرفة ومرجعاً للعلم وملاذاً للحقيقة المغيّبة.
صفقنا للجزيرة في تونس ، وحملناها في مصر، ورفعناها في ليبيا ، ثم اختلطت الصورة عندنا في اليمن ، وانحسرت في البحرين ، وغامت في المغرب ، وانقلبت في سوريا ، وهادنت في السعودية ، واضطربت في عُمان، ومرّت بسرعة في الأردن، ثم تغيرت في ليبيا ثانية ... هذه الألوان المختلطة وضعت عقلي أمام ما أنا عليه من حيرة ، وأجبرتني على إعادة موقفي منها وأنا الذي ما زلتُ أحبها ، ومضت الأيام ثقيلةً عليّ ملأى بالقراءات المشاغِبة ، والتحليلات المضنية ، وطفقتُ أبحث عن الحقيقة وراء كل هذا فأوصلني عقلي المكدود إلى أن الجزيرة لم تعد كما كنتُ أراها منبراً للحقيقة والقلوب العطشى ، وأنها اليوم أصيبت بشعور القوة المفرطة القادرة على قيادة الجماهير المأزومة ، وبات يشعر من وراءها أنها تحمل هذه الإمكانيات الرهيبة فاستخدموها في تدبيرهم ، وصاغوها وفق رؤيتهم ، وحولوها إلى مخلب مفترس على خصومهم ، ومنديل ناعم على مصالحهم ، وتجاوزت الجزيرة معايير المهنة ، وميثاق الشرف الصحفي الذي نادت به ، وأصبحت تمارس دور القاضي والحكم والجلاد أيضاً ، ولم تعد المرآة الصادقة التي نعود إليها عندما تغبش الصورة ، ويحلولك السواد ، وتغتام السماء .
والمصيبة أن تغطية الجزيرة المريبة أصابت العقل في المقتل ، فلم نعد قادرين على التحليل الدقيق بناء على هذه المغالطات الكثيرة التي ترتكبها الجزيرة فأخطأنا التحليل في ليبيا وفي اليمن ، وجرفتنا الجزيرة إلى الدم ، وجرفتنا في بلدان أخرى إلى استعمال المنطق الطائفي ففاض الدم في الشوارع بسبب هذه التغطية ... والحقيقة في ذلك مرة لا تكاد تقال.
في ختام الموقف عرفت أخيراً أن ادعاء الانحياز للجماهير في الإعلام هو كتهمة الانحياز للحكام مع أنني في حقيقة عقلي لا أفرق في منطق فرز المجتمع وتصنيفه بين حاكم ومحكوم ، وصار همي اليوم كيف أصل إلى الحقيقة إذا انسدّت طرقها !!
بقلم/ عثمان
تعليق