بسم الله الرحمن الرحيم
لَبَّيْك داعي الله
دروس وثقافات
من ثورة الإمام الحسين (ع)
في عاشوراء
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}
لبيك، داعي الله
لَبَّيْك داعي الله
دروس وثقافات
من ثورة الإمام الحسين (ع)
في عاشوراء
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}
لبيك، داعي الله
الزيارات المخصوصة في كربلاء لسيد الشهداء(ع)، والهيئات والمواكب الحسينية ومواكب المشاة إلى كربلاء... تظاهرات ثقافية وسياسية واسعة من قبل جماهير المؤمنين، وتحمل معاني، ومواقف سياسية، في الصمود، والمقاومة، ورفض الذلّ، والتبعية، ورفض الاحتلال والعدوان، والدفاع عن الإسلام والمسلمين، والولاء، والبراءة.
إن ساحة كربلاء ساحة غنية بالثقافة، والمفاهيم والأخلاق، والقوة والإيمان والرفض والصمود.
وهذه التظاهرة المليونية الواسعة في كربلاء عند مرقد الحسين سيد الشهداء(ع) تمثل كل هذه الثقافات والقيم والأخلاق والمفاهيم.
تلبية الهتاف الحسيني يوم عاشوراء:
ويوم رفع الحسين(ع) استغاثته إلى المسلمين في كربلاء(أما من مغيث يغيثنا؟، اما من ذاب يذب عن حرم رسول الله(ص)؟ هل من معين يرجو ما عند الله من إغاثتنا؟ هل من ناصر ينصرنا؟).... لم يكن يتوقع نصراً من أولئك الجفاة الأجلاف الذين وقفوا مع طغاة بني أميّة لقتاله، وإنما كان يرفع خطابه في ذلك اليوم العسير إلى أجيال المسلمين المتعاقبة في مستقبل هذه الأمة... إنّ الحسين(ع) كان يقصد هذه الأجيال المتعاقبة، من هذه الأمة المباركة بخطابه يوم عاشوراء، ويطلب منهم أن يقفوا معه وفي صفه لجهاد الظالمين والغاصبين وللدفاع عن الإسلام والمسلمين...
وها هم جماهير زوار الحسين(ع) يأتون كربلاء مشاة وركباناً، استجابة لدعوة الحسين وخطابه يوم عاشوراء، ويلبون دعوة الحسين(ع) ويقولون:
(لبيك داعي الله ان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري).
إنّ هذه الهتافات المدوية التي تملأ سماء كربلاء من مواكب أنصار الحسين(ع) ترتفع استجابة لنداء الحسين وهتافه يوم عاشوراء.
وإن هذه المسيرات المليونية الحاشدة التي تؤم كربلاء، رغم الإرهاب، ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، إعلان لتجديد البيعة وتأكيد للعهد، وتعميق للولاء والبراءة مع الحسين(ع) وحفيد الحسين المهدي من آل محمد(عج).
ثقافة عاشوراء
وسوف نحاول أن نستخلص دروساً وحلولاً لمشاكلنا ، من ثقافة عاشوراء ... إنّ عاشوراء الحسين(ع) غنية بالافكار والمفاهيم والحلول والمواقف، والرؤى والتصورات، وإنّ بامكاننا أن نستقي من هذا اليوم الخالد في التاريخ كل الحلول والمواقف العملية التي تنفع هذه الامة في واقعها السياسي المعاصر ..
إن عاشوراء مدرسة مفتوحة للجميع، وكل منا يجد في ثورة الإمام الحسين(ع) ما يطلبه من العزّة، والكرامة، والقوة، والاستقامة، والصلابة، والموقف الكريم العزيز، وإباء الضيم، ورفض الذلة والظلم.
وفيما يأتي نحاول أن نستخلص طائفة من الدروس من يوم عاشوراء، ومن ثقافة عاشوراء، تنفعنا لبناء مواقفنا السياسية والحضارية، وتُمكّننا من الدخول في هذه الساحة المحتدمة بالصراع بإيمان وعزم وقوة ووعي، إنْ شاء الله.
وإليك طائفة من هذه الدروس:
1 ـ 2 ـ الميراث والانتظار:
يمتد الولاء عبر (الماضي) إلى (المستقبل)، ولا يخلو شيء من الزمان عن الولاء، من بدايات التاريخ، من آدم ونوح(ع)، إلى نهايات التاريخ، حيث يظهر المهدي من آل محمد(عج)، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويرث الأرض من أيدي الظالمين، تحقيقاً لوعده تعالى في التوراة والزبور والقرآن.
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
مواريث الأنبياء:
أهل البيت(ع) يرثون الأنبياء والصالحين في التاريخ، يرثون منهم الصلاة، والذكر، والزكاة، والحج، والدعوة إلى الله، ومقاومة الظالمين، والقيم، والأخلاق، والصمود والصلابة في الحق.
وزيارة (وارث) للحسين(ع) تعبّر عن هذه الوراثة المعرفية والحضارية والثقافية والحركية والجهادية العريقة للحسين(ع) من الأنبياء(ع) ...
(السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ...).
هذه الوراثة، ضاربة في أعماق التاريخ، منذ آدم ونوح(ع) إلى رسول الله(ص) وعلي والحسن(ع) والحسين(ع) في موقفه بكربلاء يوم عاشوراء.
لقد كان الحسين(ع) يجسّد كل هذا الميراث المعرفي، والثقافي، والحضاري، والعبادي والاخلاقي، والحركي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهادي غي مقاومة الظالمين والاحتلال.
إذن للولاء تاريخ عميق، ضارب في أعماق التاريخ، وأهل البيت(ع) يرثون هذه المسيرة الطويلة الصالحة للأنبياء(ع) ... ونحن نرث عنهم هذا التاريخ.
نرث منهم الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والدعوة إلى الله، والذكر، والإخلاص، وسائر قيم التوحيد، فلا نكون مثلا للضائعين الضالّين، كما في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ}.
وإنّما نحفظ الصلاة، ونقيمها، وندعوا إليها، كما حفظها سلفنا من قبل، ونكون ـ إن شاء الله ـ من الذين يأخذون بقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ، وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.
فنحفظ في أنفسنا ومجتمعنا وأهلينا هذا الميراث الإلهي العظيم الذي ورثناه من سلفنا الصالح، كابرا بعد كابر، وجيلا بعد جيل... وهو ميراث الصلاة والتقوى والعبودية والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا عن امتداد (الولاء) في أعماق الماضي والتاريخ، وهو (الميراث).. وهو البُعد الأول من الولاء، والبعد الثاني هو البعد المستقبلي للولاء وهو الانتظار.
الانتظار
وللولاء امتداد مستقبلي في أعماق المستقبل، حيث ننتظر ظهور الإمام المهدي من آل محمد(ع)، وننتظر بظهوره الفرج والنصر الكبير، والانقلاب الكوني الشامل الذي أخبرنا به الله تعالى في كتابه الكريم، وفي التوراة والزبور من قبل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
والانتظار، ليس معنى سلبياً، كما يرصد الناس خسوف القمر وكسوف الشمس، وإنما الانتظار معنى ايجابي، كما نفهم نحن من نصوص الانتظار، وهو التحضير والإعداد السياسي والثقافي والعملي على وجه الأرض، لإعداد الأرض والمجتمع لظهور الإمام(عج) وقيامه بالانقلاب الكوني الكبير الذي يقوده(ع) إن شاء الله.
ومعنى الانتظار، بناءً على هذا الفهم الايجابي لهذه الكلمة هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وجهاد الظالمين، وإعلان كلمة الله، ونشر الثقافة الربانية في الأرض، وإقامة الصلاة، وتربية اسرنا وعوائلنا واصلاح زملائنا واوساطنا الاجتماعية واصلاح ثقافتنا وما إلى ذلك من ألوان التحضير والإعداد للانقلاب الكوني الكبير القادم... إن شاء الله.
وإلى هذا البعد المستقبلي للولاء تشير الزيارة الجامعة: (منتظر لأمركم، مرتقب لدولتكم)، (حتى يحيي الله تعالى دينه بكم، ويردّكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكّنكم في أرضه).
والكلمة الأخيرة (ويمكّنكم في أرضه) تشير إلى الآيات الأوائل من سورة القصص: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ}.
ويتبلور هذا الانتظار في العمل، والحركة، والجهاد، والصبر، والمقاومة، والهدم، والبناء، والسعي في الأرض لإقامة دين الله، والإعداد والتحضير لقيام الدولة الإلهية على وجه الأرض، بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومكافحة الباطل والمنكر وجهاد أئمة الكفر.
نُدْبة الفراق والانتظار:
وإليك صورة مشجية من الندبة التي يندب بها المؤمنون إمامهم(ع) في فراقه، وفي انتظار فرجه:
(أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية؟
أين المعدّ لقطع دابر الظلمة؟
أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج؟
أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان؟
أين المُدّخر لتجديد الفرائض والسنن؟
أين المُتّخذ لإعادة الملة والشريعة؟
أين المؤمّل لإحياء الكتاب وحدوده؟
أين محيي معالم الدين وأهله؟
أين قاصم شوكة المعتدين؟
أين هادم أبنية الشرك والنفاق؟
أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان؟
أين قاطع حبائل الكذب والافتراء؟
أين مبيد العتاة والمردة، ومستأصل أهل الفساد والضلال والإلحاد؟
أين معزّ الأولياء ومذلّ الأعداء؟
أين جامع الكلمة على التقوى؟
أين باب الله الذي منه يؤتى؟
أين صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى؟
أين مؤلف شمل الصلاح والرضا؟
أين الطالب بذحول الأنبياء وأولاد الأنبياء؟
أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟
أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى؟
أين المضطرّ الذي يُجاب إذا دعى؟
أين ابن النبي المصطفى، وابن علي المرتضى، وابن خديجة الغراء، وابن فاطمة الكبرى؟).
والانتظار مزيج من هذه الندبة المشجية، والعمل الكادح، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الظالمين، لإعداد الأرض لظهور الإمام المهدي وقيامه.
وتتحول هذه الندبة المشجية في قلوب المؤمنين إلى عمل، وحركة، وسعي، وثورة، وقيام، وإزالة الاحتلال والظلم والفساد من بلاد المسلمين، وصبر، صمود، ومقاومة، وجلد، وجهاد، ودعوة، وهدم، وبناء، لتحضير الأرض لظهور الإمام(ع) وقيام دولته الكونية التي وعدنا الله بها في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ}.
وليس من شك أنّ ظهور الإمام المهدي(ع) وقيامه العالمي الكبير يكون بعد الجيل الذي يوطئ الأرض لظهوره وقيامه(ع)، كما وردت وتواترت بذلك النصوص الإسلامية. وهذا الجيل الموطّئ هو الذي يُعدّ الأرض لظهور الإمام(عج) وقيامه. ويأتي جيل أنصار الإمام(ع) الذين يقاتلون بين يدي المهدي(ع) في الجيل الثاني بعد هذا الجيل.
ومعنى الانتظار إذن هو التعجيل والتسريع في هذه التوطئة والإعداد بالأمر بالمعروف والجهاد والحركة والعمل.
كما لو كان الانسان ينتظر ضيفا عزيزا فان معنى الانتظار هنا الاعداد والتحضير لاستقبال الضيف وتكريمه ، وكما لو كان الطالب ينتظر النجاح في الامتحان، فان معنى الانتظار هنا التحضير والاعداد لمناهج الامتحان.
إن (الولاء) ـ كما قلنا ـ (ميراث) و(انتظار). ميراث يشدّنا إلى مسيرة الأنبياء والصالحين في التاريخ، ورسول الله(ص) والأئمة الهداة المهديين من ذريته، وانتظار يشدّنا إلى الانفتاح على الأمل المشرق الذي فتحه الله تعالى علينا للمستقبل، وقد أورثنا الله تعالى ذلك الميراث، ووعدنا هذا الفرج والنصر.
ولكن هذا الأمل يجب أن يقترن دائماً بالكدح والجهاد والعمل، حتى يتحقق بإذن الله، وليس هو الترقّب وانتظار العلامات فقط، كما يهواه بعض الشباب.
التحذير من استغلال الانتظار
وفي الوقت الذي نؤكّد فيه على ضرورة تعميق حالة الانتظار في نفوس الناس، وبشكل خاص في نفوس الشباب.
ونقول لهم: إنّ الانتظار الحقيقي لا يكون بالآمال، وإنما يتحقق بالعمل، والكدح، والجهاد، لبناء جيل مقاوم وصلب، يوطئ الأرض لظهور الإمام(عج).
ونقول لهم: إنّ الانتظار يبعث في نفوس الشباب الأمل، والقوة، والعزم، ومن يفقد الانتظار يفقد الأمل، ومن يفقد الأمل يفقد العزم والقرار، ومن يفقد العزم والقرار يتحوّل إلى خشبة عائمة في مسير الأحداث، ولا يكون له دور فاعل في الحياة وفي بناء المستقبل.
أقول: في نفس الوقت ينبغي أن نُحَصّن حالة الانتظار من أن يستغلها انتهازيون مضلّلون، يستغلون إيمان الناس وعقيدتهم في انتظار الإمام(عج)، ويدّعون السفارة للإمام المهدي(ع)، أو يدّعون المهدوية مباشرة، ويضلّلون الناس من ناحية، ويتركون أثراً سلبياً في عقيدة الناس تجاه الانتظار من ناحية أخرى.
ولهؤلاء الأدعياء خطرٌ كبير على عقائد الناس من ناحيتين:
تضليل فئات من المؤمنين من جانب، وتشكيك آخرين في الإمام المهدي(عج) الذي أجمع المسلمون على انتظاره شيعة وسُنّة من جانب آخر.
إنّ ظهور الإمام المهدي(عج) يقترن كما تظافرت به الروايات التي يرويها الفريقان الشيعة والسُنّة، بآيات وعلامات كونيّة واضحة باهرة، لا يتوقف فيها أحد إلاّ الذين في قلوبهم مرض من المنافقين، ويقترن بالنصر والتأييد الإلهي مرحلة بعد مرحلة، ونصراً بعد نصر.
إنّ ظهور الإمام(عج) آية من آيات الله الباهرات لا تخفى على أحد، ومثله ومثل هؤلاء الأدعياء الذين يضلّلون الناس، مثل معجزة موسى(ع) عندما ألقى عصاه، وما واجهه به سحرة فرعون من السحر الذي أراد به فرعون أن يضلّل الناس. . فلم يبق يومئذٍ أحد من الناس يشك في أنّ ما جاء به موسى بن عمران(ع) هو الحقّ والهدى، وما جاء به السحرة هو الضلال والباطل.
وكان في مقدمة هؤلاء الذين آمنوا هم السحرة أنفسهم، رضوان الله عليهم.
إنّ ظهور الإمام(عج) آية باهرة من آيات الله الكونيّة، لا تبقي لأحد مجالاً للشك والترديد.
أقول: لابد من تثقيف الناس، حتى لا ينجرّوا إلى هذه الدعاوى المضلّلة. ولابد أن يوضّح العلماء والخطباء للناس مفهوم (الانتظار) و(الظهور) و(الانقلاب الكوني) الذي يقوم به الإمام(ع) حتى لا ينخدع الناس بهؤلاء الأدعياء المضلّلين.
تعليق