الخلفاء الراشدين المهديين الإثني عشر
إن من واجب المسلمين طاعة الخلفاء الراشدين كلهم ما لم يتعارض ذلك مع كتاب الله و سنة رسوله لقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنو أطيعو الله وأطيعو الرسول و أولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر[. و روى الترمذي: عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا بَعْدَ صَلاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ: «إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟». قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ إِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ. فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا. وَ إِيَّاكُمْ وَ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّو عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»[1]. و روى أحمد: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ أنه قال: «أَلا إِنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ وَ لا يُوحَى إِلَيَّ، وَ لَكِنِّي أَعْمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ r مَا اسْتَطَعْتُ. فَمَا أَمَرْتُكُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَحَقٌّ عَلَيْكُمْ طَاعَتِي فِيمَا أَحْبَبْتُمْ وَ كَرِهْتُمْ».
أما عن شروط الخليفة الراشد، فبالإضافة لشروط الخليفة بشكل عام كالذكورة و الإسلام و البلوغ و غير ذلك فلا بُدَّ من توفٍّر شروطٍ أخرى ليكون راشداً. منها:
1. أن يكون عادلاً متبعاً لِسُـنّة مُحَمَّدٍ عليه أتمُّ الصَّلاة و التّسليم، و هذا واضح بالبداهة من تعريف الخليفة الرّاشِد.
2. أن يكون من قريش. و رغم أن هذا الشرط ليس ضرورياً لكل خليفة و لكنه ضروريٌ لأن نعتبر هذا الخليفة راشداً لحديث رسول الله r الذي في صحيح مسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ». فَسَمِعْتُ كَلامًا مِنَ النَّبِيِّ لَمْ أَفْهَمْهُ. قُلْتُ لِأَبِي: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ». و قد جاء في ذلك الحديث عدة روايات صحيحة منها عند مسلم: «لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً»، و كذلك «لا يَزَال الْإِسْلام عَزِيزًا...»، و«إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»[2]، و في زيادةٍ عند أحمد «يُنصَرون على من ناوَأهَم عليه»[3]. و في زيادةٍ صحيحة «ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْج». فهذا كلّه دليلٌ قاطعٌ على أنه ليس في هذا الحديث تعاقب هؤلاء الخلفاء، إنما يكونون حتّى مطلع الساعة[4]. و الهَرْج هو الفِتَنُ الْمُؤْذِنَة بقيام يوم القيامة، كخروج الدَّجَّال و يَأْجُوج و مَأْجُوج.
3. أن تجمع عليه الأمة كلها لقول رسول الله r «كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ». و هذا لا يعني بالضرورة أن يحكم بلاد المسلمين كلها، إذ لم يحكم علي بن أبي طالب الشام، لكن لم يعترض معاوية و لا أحد من المسلمين على أحقية علي بالخلافة، و إنما أقصر بعضهم عن بيعته لرغبتهم في أن يثأر من قتلة عثمان أولاً كما أسلفنا من قبل بالتفصيل.
4. أن يعيش جزءاً كبيراً من حياته في المدينة المنورة لقول رسول الله r: «الخِلافَةُ بالمَدينَةِ وَ المُلْكُ بِالشَّام»[5]. أو من الملاحظ أن معاوية لم يَعِش في المدينة فترة طويلة (عاش حوالي أربعة سنين)، و إنما في مكة و الشام. لذلك لا يصنف ضمن الخلفاء الراشدين، و لو أنه صحابي جليل، و خليفة عظيم من أعدل حكام المسلمين. و يؤيد ذلك الحديث الصحيح: «خِلافَة النُّبُوَّة بَعْدِي ثَلاثُونَ سَنَة، ثُمَّ تَكُون مُلْكًا». و قال الإمام النووي: مدة خلافة أبي بكر سنتان و ثلاثة أشهر و عشرة أيام. «و مدَّة خلافة عمر عشر سنين و خمسة أشهر و إحدى و عشرين يوماً. و عثمان اثنتي عشرة سنة إلا ست ليال. و علي خمس سنين، و قيل خمس سنين إلا أشهراً، و الحسن نحو سبعة أشهر».
و قد انعقد إجماع هذه الأمّة على أن الخلفاء الأربعة كلّهم يُعَدون من الخلفاء الراشدين، و من ظنّ غير ذلك فهو أضَلّ من حمار أهله. و لعلّ أكثر من اجتمع له من بيعات هو عثمان بن عفان t، و أقلهم علي بن أبي طالب t، إذ لم يُبايعه إلا القليل من المهاجرين و الأنصار. و مع ذلك فعلى الرغم من إعراض الكثير من الصحابة عن بيعة علي، إلا أن بيعته صحيحة لا شكّ فيها. و قد تقدّم آنفاً ما نقلناه أن أحداً لم ينازعه الخلافة أو يزعم أنه غير جديرٍ بها.
أما الحسن t ففي ثبوت خلافته خلاف مشهور، و يزيد الخلاف أنها لم تزد على ستة أشهر، حيث اختلف بعض المؤرخين في التواريخ و في إن كانت ضمن الثلاثين سنة أم بعدها. و فيها عدة إشكاليات منها:
1. لم يوصِ علياً له قبل موته، إذ قيل له: «ألا تستخلِف علينا؟». قال: «مَا اِسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَسْتَخْلِفُ، وَ لَكِنْ إِنْ يُرِدْ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ»[6]. و الجواب على هذا أن الوصية ليست بضرورية. فهذا رسول الله r لم يوص لأحد! و كذلك عمر و عثمان.
2. الحسن كان ينوي مبايعة معاوية حتى قبل أن يبايع بالخلافة. و لذلك اشترط على أهل العراق أن يبايعو من يبايع، فرفضو و أرادو مبايعة الحسين بدلاً منه فرفض الحسين، فاضطر أهل العراق مرغمين على مبايعة الحسن على ذلك الشرط. و لكني لم أجد في هذا ما يطعن في خلافته.
3. لم تبايع الحسن الغالبية العظمى من المهاجرين و الأنصار، خاصة أن الحجاز كان تحت سيطرة معاوية. و لذلك فإن الإشكال الأساسي في خلافته في إن كانت الأمة قد اجتمعت عليه فعلاً أم لا. و الذي أرجّحه أن الاجتماع قد حصل، لأن معاوية لم ينادي بالخلافة إلا بعد أن استغنى الحسن له عنها.
فالرّاجح عندي إلحاق خلافة الحسن t بالخلافة الرّاشدة لأنه يدخل –في أصح الراويات– بمدّة الثلاثين سنة، و لضعف الإشكاليات على خلافته كما رأينا. و الله أعلم.
أما خلافة معاوية الأول بن أبي سفيان t، فالإجماع أنها صحيحة، لكنها ليست من الخلافة الراشدة على قول الجمهور. إنما هي خلافة مُلك للأسباب التي أوضحناها أعلاه في شرحنا للشرط الرابع.
أما خلافة يزيد بن معاوية، فهي خلافة صحيحة أيضاً. إذ أن معاوية قد شاور كبار الصحابة و سادات القوم و وِلاة الأمصار، و جاءته الوفود بالموافقة على بيعة يزيد، و بايعه الكثير من الصحابة حتى قال الحافظ عبد الغني المقدسي «خلافته صحيحة، بايعه سِتُّون من أصحاب رسول الله r منهم ابن عمر». و لكنها ليست خلافة راشدة بالإجماع، و هذا واضح و لله الحمد.
أما خلافة معاوية الثاني بن يزيد، ففيها نظر لأن معاوية الثاني نفسه لم يكن يريدها و قد خلع نفسه بنفسه، عدا أنه لم يعش بعد موت أبيه إلا بضعة أشهر. فكيف يصير خليفة و هو لا يُقِرُّ على نفسه بالخلافة؟! فالراجح أن خلافته لم تقع أصلاً.
أما خلافة عبد الله بن الزبير t، ففيها كلام كثير. إذ أنّ بعض الصحابة كما أسلفنا يعتبره باغياً على بني أمية. و الحقيقة أن هذا لا يمنع خلافته. فقد سبق و نقلنا أقوال العلماء أن البغي ليس بفسقٍ بالضرورة. أما في حال صحابي جليل كابن الزبير، فلا شك أن الفسق منتفٍ بأي حالٍ لأن الصحابة كلهم عدولٌ كما أثبتنا بالأدلة القاطعة. هذا لكل صحابي في أيّ حالٍ، فكيف إذا كان مُتأوِّلاً مُجتهداً؟! لا شكَّ أن هذا لا يطعن بأيِّ شكلٍ بخلافته –رضي الله عنه–. أضف إلى ذلك أنه لم يَدْعُ إلى الخلافة إلا بعدما استغنى عنها معاوية الثاني، فلم يُنازع عليها أحد.
و لذلك فالذي نراه –بخلاف الجمهور– أن خلافته صحيحة، و خلافة مروان بن الحكم باطلةٌ[7] لأنه لا يجوز أن يُدعى خليفتين في وقتٍ واحد. و لكنها ليست من الخلافة الراشدة لأن الأمّة لم تتفق عليه، إذ أن كثير من الصحابة كعبد الله بن عمر و عبد الله بن العباس بايعو عبد الملك بن مروان بدلاً عن عبد الله بن الزبير، و كذلك كان فعَل أهل الشام. و إعراض الكثير من كبار الصحابة عن بيعته، دفع جمهور المؤرخين لاعتبار خلافته باطلة. إذ لمّا تولّى الخلافة التف عليه جماعة من الخوارج يدافعون عنه، منهم نافع بن الأزرق[8] وعبد الله بن أباض[9] وجماعة من رؤسهم[10]، و بايعه أيضاً الباطنية و على رأسهم المختار، بينما رفض كبار الصحابة مبايعته. و لم تقتصر هذه المعارضة على كبار الصحابة، بل تَعدَّتها إلى كبار التابعين كمحمّد بن علي بن أبي طالب[11]، و سعيد بن المسيّب. فقام عامله على المدينة (عبد الرحمان بن الأشعث) بضرب سعيد بن المسيب ستين سوطاً ليجبره على مبايعة بن الزبير، فامتنع من ذلك. مما أحرج إبن الزبير، فعزل عبد الرحمان.
قال تقي الدين بن تيمية: « الإمامة عندهم –أي أهل السنة– تَثـْبُتُ بموافقة أهل الشـَّوكة عليها. و لا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة. فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة و السلطان. فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة و السلطان، صار إماماً»[12].
أما عبد الملك بن مروان فقد صحّت خلافته بعد استشهاد إبن الزبير بالإجماع، و في صِحّتها قبل ذلك خلاف، و الجمهور يقول بصحّتها. و كان عبد الملك من أعظم الناس عدالةً، و كان أحسن من إبن الزبير تدبيراً للمُلك. و لكنّ عدله قد عُرِف في الأمصار التي والته، أمّا في العراق فكان واليه هو الحجّاج بن يوسُف الثَّقَفي. فلا سبيل بعد ذلك إلى عدّه من الخلفاء الراشدين.
أما أولاده فلم ينشئ منهم أحد بالمدينة، فلا تكون خلافتهم راشدة و إن كانت صحيحة بالإجماع. أما خلافة عمر بن عبد العزيز، فقد اتّفق العلماء على إلحاقها بالخلافة الراشدة الأولى، و هذا هو الصواب. إذِ اجتمعت شروطها كلّها له. أما عن عدله فحدّث و لا حرج. و حسبه أنه من أشبه الخلفاء بسيرة جدّه عمر. و قد عاش بالمدينة المنورة أكثر عمره لأنه كان والياً لها. و قد اجتمعت الأمة كلها حوله، حتى الشيعة و الخوارج منهم لما شاهدوه من عدله و تسامحه.
أما ما يقال عن إلحاق بعض خلفاء بني العباس بالخلافة الراشدة كمحمد المهدي و موسى الهادي فهذا جائز لكن فيه نظر، و الله أعلم بالصواب.
و كما نرى فإن هذه الشروط لا تنطبق إلا على اثني عشرة رجلاً ظهر منهم ستة (على أقل تقدير) و بقي ستة، آخرهم يسمى بالمهدي، يخرج في آخر الزمان من نسل الحسن، و اسمه محمد بن عبد الله، و يصلي المسيح عيسى بن مريم خلفه في دمشق. و هؤلاء الستة هم:
1. أبو بكر الصديق (11–13 هـ) (632–634 م).
2. عمر بن الخطاب (13–23 هـ) (634–644 م).
3. عثمان بن عفان (23–35 هـ) (644–656 م).
4. علي بن أبي طالب (35–40 هـ) (656–661 م).
5. الحسن بن علي (40–41 هـ) (661–662 م).
6. عمر بن عبد العزيز (99–101 هـ) (717–720 م).
http://www.islamicweb.com/goldenbook/islamic_6.htm
إن من واجب المسلمين طاعة الخلفاء الراشدين كلهم ما لم يتعارض ذلك مع كتاب الله و سنة رسوله لقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنو أطيعو الله وأطيعو الرسول و أولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر[. و روى الترمذي: عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا بَعْدَ صَلاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ: «إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟». قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ إِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ. فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا. وَ إِيَّاكُمْ وَ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّو عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»[1]. و روى أحمد: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ أنه قال: «أَلا إِنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ وَ لا يُوحَى إِلَيَّ، وَ لَكِنِّي أَعْمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ r مَا اسْتَطَعْتُ. فَمَا أَمَرْتُكُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَحَقٌّ عَلَيْكُمْ طَاعَتِي فِيمَا أَحْبَبْتُمْ وَ كَرِهْتُمْ».
أما عن شروط الخليفة الراشد، فبالإضافة لشروط الخليفة بشكل عام كالذكورة و الإسلام و البلوغ و غير ذلك فلا بُدَّ من توفٍّر شروطٍ أخرى ليكون راشداً. منها:
1. أن يكون عادلاً متبعاً لِسُـنّة مُحَمَّدٍ عليه أتمُّ الصَّلاة و التّسليم، و هذا واضح بالبداهة من تعريف الخليفة الرّاشِد.
2. أن يكون من قريش. و رغم أن هذا الشرط ليس ضرورياً لكل خليفة و لكنه ضروريٌ لأن نعتبر هذا الخليفة راشداً لحديث رسول الله r الذي في صحيح مسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ». فَسَمِعْتُ كَلامًا مِنَ النَّبِيِّ لَمْ أَفْهَمْهُ. قُلْتُ لِأَبِي: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ». و قد جاء في ذلك الحديث عدة روايات صحيحة منها عند مسلم: «لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً»، و كذلك «لا يَزَال الْإِسْلام عَزِيزًا...»، و«إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»[2]، و في زيادةٍ عند أحمد «يُنصَرون على من ناوَأهَم عليه»[3]. و في زيادةٍ صحيحة «ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْج». فهذا كلّه دليلٌ قاطعٌ على أنه ليس في هذا الحديث تعاقب هؤلاء الخلفاء، إنما يكونون حتّى مطلع الساعة[4]. و الهَرْج هو الفِتَنُ الْمُؤْذِنَة بقيام يوم القيامة، كخروج الدَّجَّال و يَأْجُوج و مَأْجُوج.
3. أن تجمع عليه الأمة كلها لقول رسول الله r «كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ». و هذا لا يعني بالضرورة أن يحكم بلاد المسلمين كلها، إذ لم يحكم علي بن أبي طالب الشام، لكن لم يعترض معاوية و لا أحد من المسلمين على أحقية علي بالخلافة، و إنما أقصر بعضهم عن بيعته لرغبتهم في أن يثأر من قتلة عثمان أولاً كما أسلفنا من قبل بالتفصيل.
4. أن يعيش جزءاً كبيراً من حياته في المدينة المنورة لقول رسول الله r: «الخِلافَةُ بالمَدينَةِ وَ المُلْكُ بِالشَّام»[5]. أو من الملاحظ أن معاوية لم يَعِش في المدينة فترة طويلة (عاش حوالي أربعة سنين)، و إنما في مكة و الشام. لذلك لا يصنف ضمن الخلفاء الراشدين، و لو أنه صحابي جليل، و خليفة عظيم من أعدل حكام المسلمين. و يؤيد ذلك الحديث الصحيح: «خِلافَة النُّبُوَّة بَعْدِي ثَلاثُونَ سَنَة، ثُمَّ تَكُون مُلْكًا». و قال الإمام النووي: مدة خلافة أبي بكر سنتان و ثلاثة أشهر و عشرة أيام. «و مدَّة خلافة عمر عشر سنين و خمسة أشهر و إحدى و عشرين يوماً. و عثمان اثنتي عشرة سنة إلا ست ليال. و علي خمس سنين، و قيل خمس سنين إلا أشهراً، و الحسن نحو سبعة أشهر».
و قد انعقد إجماع هذه الأمّة على أن الخلفاء الأربعة كلّهم يُعَدون من الخلفاء الراشدين، و من ظنّ غير ذلك فهو أضَلّ من حمار أهله. و لعلّ أكثر من اجتمع له من بيعات هو عثمان بن عفان t، و أقلهم علي بن أبي طالب t، إذ لم يُبايعه إلا القليل من المهاجرين و الأنصار. و مع ذلك فعلى الرغم من إعراض الكثير من الصحابة عن بيعة علي، إلا أن بيعته صحيحة لا شكّ فيها. و قد تقدّم آنفاً ما نقلناه أن أحداً لم ينازعه الخلافة أو يزعم أنه غير جديرٍ بها.
أما الحسن t ففي ثبوت خلافته خلاف مشهور، و يزيد الخلاف أنها لم تزد على ستة أشهر، حيث اختلف بعض المؤرخين في التواريخ و في إن كانت ضمن الثلاثين سنة أم بعدها. و فيها عدة إشكاليات منها:
1. لم يوصِ علياً له قبل موته، إذ قيل له: «ألا تستخلِف علينا؟». قال: «مَا اِسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَسْتَخْلِفُ، وَ لَكِنْ إِنْ يُرِدْ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ»[6]. و الجواب على هذا أن الوصية ليست بضرورية. فهذا رسول الله r لم يوص لأحد! و كذلك عمر و عثمان.
2. الحسن كان ينوي مبايعة معاوية حتى قبل أن يبايع بالخلافة. و لذلك اشترط على أهل العراق أن يبايعو من يبايع، فرفضو و أرادو مبايعة الحسين بدلاً منه فرفض الحسين، فاضطر أهل العراق مرغمين على مبايعة الحسن على ذلك الشرط. و لكني لم أجد في هذا ما يطعن في خلافته.
3. لم تبايع الحسن الغالبية العظمى من المهاجرين و الأنصار، خاصة أن الحجاز كان تحت سيطرة معاوية. و لذلك فإن الإشكال الأساسي في خلافته في إن كانت الأمة قد اجتمعت عليه فعلاً أم لا. و الذي أرجّحه أن الاجتماع قد حصل، لأن معاوية لم ينادي بالخلافة إلا بعد أن استغنى الحسن له عنها.
فالرّاجح عندي إلحاق خلافة الحسن t بالخلافة الرّاشدة لأنه يدخل –في أصح الراويات– بمدّة الثلاثين سنة، و لضعف الإشكاليات على خلافته كما رأينا. و الله أعلم.
أما خلافة معاوية الأول بن أبي سفيان t، فالإجماع أنها صحيحة، لكنها ليست من الخلافة الراشدة على قول الجمهور. إنما هي خلافة مُلك للأسباب التي أوضحناها أعلاه في شرحنا للشرط الرابع.
أما خلافة يزيد بن معاوية، فهي خلافة صحيحة أيضاً. إذ أن معاوية قد شاور كبار الصحابة و سادات القوم و وِلاة الأمصار، و جاءته الوفود بالموافقة على بيعة يزيد، و بايعه الكثير من الصحابة حتى قال الحافظ عبد الغني المقدسي «خلافته صحيحة، بايعه سِتُّون من أصحاب رسول الله r منهم ابن عمر». و لكنها ليست خلافة راشدة بالإجماع، و هذا واضح و لله الحمد.
أما خلافة معاوية الثاني بن يزيد، ففيها نظر لأن معاوية الثاني نفسه لم يكن يريدها و قد خلع نفسه بنفسه، عدا أنه لم يعش بعد موت أبيه إلا بضعة أشهر. فكيف يصير خليفة و هو لا يُقِرُّ على نفسه بالخلافة؟! فالراجح أن خلافته لم تقع أصلاً.
أما خلافة عبد الله بن الزبير t، ففيها كلام كثير. إذ أنّ بعض الصحابة كما أسلفنا يعتبره باغياً على بني أمية. و الحقيقة أن هذا لا يمنع خلافته. فقد سبق و نقلنا أقوال العلماء أن البغي ليس بفسقٍ بالضرورة. أما في حال صحابي جليل كابن الزبير، فلا شك أن الفسق منتفٍ بأي حالٍ لأن الصحابة كلهم عدولٌ كما أثبتنا بالأدلة القاطعة. هذا لكل صحابي في أيّ حالٍ، فكيف إذا كان مُتأوِّلاً مُجتهداً؟! لا شكَّ أن هذا لا يطعن بأيِّ شكلٍ بخلافته –رضي الله عنه–. أضف إلى ذلك أنه لم يَدْعُ إلى الخلافة إلا بعدما استغنى عنها معاوية الثاني، فلم يُنازع عليها أحد.
و لذلك فالذي نراه –بخلاف الجمهور– أن خلافته صحيحة، و خلافة مروان بن الحكم باطلةٌ[7] لأنه لا يجوز أن يُدعى خليفتين في وقتٍ واحد. و لكنها ليست من الخلافة الراشدة لأن الأمّة لم تتفق عليه، إذ أن كثير من الصحابة كعبد الله بن عمر و عبد الله بن العباس بايعو عبد الملك بن مروان بدلاً عن عبد الله بن الزبير، و كذلك كان فعَل أهل الشام. و إعراض الكثير من كبار الصحابة عن بيعته، دفع جمهور المؤرخين لاعتبار خلافته باطلة. إذ لمّا تولّى الخلافة التف عليه جماعة من الخوارج يدافعون عنه، منهم نافع بن الأزرق[8] وعبد الله بن أباض[9] وجماعة من رؤسهم[10]، و بايعه أيضاً الباطنية و على رأسهم المختار، بينما رفض كبار الصحابة مبايعته. و لم تقتصر هذه المعارضة على كبار الصحابة، بل تَعدَّتها إلى كبار التابعين كمحمّد بن علي بن أبي طالب[11]، و سعيد بن المسيّب. فقام عامله على المدينة (عبد الرحمان بن الأشعث) بضرب سعيد بن المسيب ستين سوطاً ليجبره على مبايعة بن الزبير، فامتنع من ذلك. مما أحرج إبن الزبير، فعزل عبد الرحمان.
قال تقي الدين بن تيمية: « الإمامة عندهم –أي أهل السنة– تَثـْبُتُ بموافقة أهل الشـَّوكة عليها. و لا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة. فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة و السلطان. فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة و السلطان، صار إماماً»[12].
أما عبد الملك بن مروان فقد صحّت خلافته بعد استشهاد إبن الزبير بالإجماع، و في صِحّتها قبل ذلك خلاف، و الجمهور يقول بصحّتها. و كان عبد الملك من أعظم الناس عدالةً، و كان أحسن من إبن الزبير تدبيراً للمُلك. و لكنّ عدله قد عُرِف في الأمصار التي والته، أمّا في العراق فكان واليه هو الحجّاج بن يوسُف الثَّقَفي. فلا سبيل بعد ذلك إلى عدّه من الخلفاء الراشدين.
أما أولاده فلم ينشئ منهم أحد بالمدينة، فلا تكون خلافتهم راشدة و إن كانت صحيحة بالإجماع. أما خلافة عمر بن عبد العزيز، فقد اتّفق العلماء على إلحاقها بالخلافة الراشدة الأولى، و هذا هو الصواب. إذِ اجتمعت شروطها كلّها له. أما عن عدله فحدّث و لا حرج. و حسبه أنه من أشبه الخلفاء بسيرة جدّه عمر. و قد عاش بالمدينة المنورة أكثر عمره لأنه كان والياً لها. و قد اجتمعت الأمة كلها حوله، حتى الشيعة و الخوارج منهم لما شاهدوه من عدله و تسامحه.
أما ما يقال عن إلحاق بعض خلفاء بني العباس بالخلافة الراشدة كمحمد المهدي و موسى الهادي فهذا جائز لكن فيه نظر، و الله أعلم بالصواب.
و كما نرى فإن هذه الشروط لا تنطبق إلا على اثني عشرة رجلاً ظهر منهم ستة (على أقل تقدير) و بقي ستة، آخرهم يسمى بالمهدي، يخرج في آخر الزمان من نسل الحسن، و اسمه محمد بن عبد الله، و يصلي المسيح عيسى بن مريم خلفه في دمشق. و هؤلاء الستة هم:
1. أبو بكر الصديق (11–13 هـ) (632–634 م).
2. عمر بن الخطاب (13–23 هـ) (634–644 م).
3. عثمان بن عفان (23–35 هـ) (644–656 م).
4. علي بن أبي طالب (35–40 هـ) (656–661 م).
5. الحسن بن علي (40–41 هـ) (661–662 م).
6. عمر بن عبد العزيز (99–101 هـ) (717–720 م).
http://www.islamicweb.com/goldenbook/islamic_6.htm
تعليق