تقرير لمحاضرة الشيخ الحبيب بعنوان: (تحرير الإنسان الشيعي) - الحلقة الأولى
اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما اسروا وما اعلنوا وفي مابلغني عنهم ومالم يبلغني
الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة وازكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق اجمين سيدنا المصطفى محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم وظالميهم وجاحدي أمامتهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين .. آمين .
(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والأنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه و اتبعوا النور الذي أُنزل معه اولائك هم المفلحون)
إنّ هذه الاية الكريمة من اروع آيات القرآن الحكيم وكل آيات القرآن رائعة. إنها ترسم لنا معالم الحركة النبوية الخاتمة. تلك الحركه التي بشر بها الانبياء السابقون عليهم السلام وجعلوا الامم تترقبها كما تترقب الشمس حينما يبزغ نورها ليشق الظلام لأنه الرسول الأُمي أي المكي الذي يشع اسمه صريحا في التوراة و الإنجيل غير المُحرفين, وهو الرسول الذي تكون معالم حركته بحسب مابشرت به تلك الكتب المقدسه ثلاثة معالم
1ـ أنّه يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر فكل مافيه ارتقاؤهم وتكاملهم يكون هذا الرسول دائم الدعوة له أمرا ونهيا و ترغيبا وترهيبا حتى يعالج المرضى من حوله, غيرَ مُنتظر لأن يأتوه بل يأتيهم هو ويدور عليهم كما وصفه أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله (طبيب دوّارٌ بطبه) صلوات الله عليه و اله. هذا أولا.
2_ أنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث فيُطيّب بذلك نفوسهم و ارواحهم وعقولهم و ابدانهم حتى يبين لهم أي غذاء يطلبون سواءا كان غذاءا للنفس او الروح او العقل او البدن حتى يتجنبوا الغذاء الخبيث و الدواخل الخبيثه التي تُخبّث نفوسهم وارواحهم وعقولهم و ابدانهم , ومن تلك الطيبات ولعله رأسها أخذ العلم من أهله ومن تلك الخبائث ولعله ايضا رأسها قول من خالف كما جاء في الحديث الشريف عن الامام الباقر صلوات الله عليه. هذا ثانيا
3_ أنه يضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم. الإصر هو الثقل الذي يأصِرُ صاحبه أي يحبسه عن الحركة بسبب ثقله كما تُؤصَر السفيه حينما تضع اثقالها في قاع البحر. أما الاغلال فهي جمع غل وهي القيود التي يُغل بها المرء في رقبته و في يده كسلاسل من حديد مثلا فتجعله ذليلا أسيرا سجين هذه الآصار والأغلال التي جاء هذا الرسول الخاتم صلوات الله عليه واله لفكها ووضعها عن ظهور و اعناق الناس حتى يجعلهم احرارا يعيشون الحرية, يتنفسون هواء الحرية, والحرية هي أن تكون عبدا لله وحده لا لغيره كما قال أمير البلاغة عليه السلام (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا), سواءا كان ذلك الغير شيطانا أم وثنا ام سلطانا ام حكومة ام حزبا ام دنيا ام شهوةً ام غير ذلك. الحريه هي أن تعبد الله وتكون عبداً له وحده (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا), الحرية هي أن تكون مسقوفا بقوانين السماء لا الارض ,كما أنك حين تمشي تكون مسقوفا بالسماء لا الارض, و إلا اذا كنت تمشي ببدنك هكذا ولكنك تمشي بسلوكك بالعكس بأن تمضي على قوانين الارض الوضعيه الجاهليه فتؤثِر قوانين الارض على قوانين السماء فأنت بهذا تكون مسقوفا بالارض لا بالسماء , تجعل الارض سقفا على رأسك كمن يمشي منكوسا على رأسه مُكبَا على وجهه (أفمن يمشي مُكبّا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم). لا عليك إن كان غيرك منكوسا هكذا. لا عليك إن كانت الاكثرية تمضي هكذا.
كن أنت حرا و إن استلزم ذلك أن تكون غريبا وسط هذا الخلق المنكوس اي المقلوب. لقد قال سيدنا ومولانا باقر علوم النبيين صلوات الله عليه( المؤمن في هذه الدنيا غريب وفي هذا الخَلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار الى الاخرة )
الذين يؤمنون بهذه الحرية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه و اله و بشر بها الانبياء عليهم السلام, الذين يؤمنون بهذه الحرية فبايعوا النبي صلى الله عليه واله و آزروه أي عضدوه و أعانوه, و عزّروه أي عظّموه ونصروه ببذل المُهج دونه و آمنوا بالنور الذي أُنزل معه وهو علي والأئمة من وُلده عليهم السلام كما جاء في الاحاديث الشريفة, هؤلاء هم الاحرار و هم المفلحون. يُفلحون في الدنيا والاخرة, يكونون احرارا في الدنيا والاخرة, يكونون سادة في الدنيا والاخرة, هل نحن كذلك؟
أحسب أكثرنا غافلين غير مستشعرين أن السيادة لغيرنا, وأن العلو لغيرنا, ومانحن في وسط و في خضم الأمم بشيء.
كيف لا ؟ ولا تزال مقدساتنا مدمرة محتلة كما في البقيع مثلا كيف لا؟ ونحن لا نزال نُقتل ونٌعذب ونُضطهد ونُستباح!
كيف لا؟ ونحن لا نملك أزمّة الأمور في بلادنا ويسودنا غيرنا!
كيف لا؟ وكيف وكيف.. ولا أظن أني بحاجة لأعدد صور واقعنا الأليم, و أكثر مايؤلم فيه أننا استمرأناه وهضمناه وتكيفنا معه حتى صار عندنا هذا الواقع عاديا طبيعيا لا نتطلع الى تغييره بل إذا دعى أحد منا الى تغييره رمقته نظرات الاستهجان وسلقته ألسنة حداد وكأنه يدعو إلى تبديل الفطرة. مثلا ما الذي جعلنا نستعذب العذاب والهوان؟ انها تلك الآصار والأغلال التي قيّدنا بها انفسنا وحرمنا بها انفسنا من الحرية والسيادة.
أثقالٌ من الماضي ورثناها بغفلة عن انها ليست بواجبة ولا محتومة علينا, بل و رثناها إما لقصورا أو تقصير ممن سلف وها نحن بدلا من أن نزيحها عن طريق استعلائنا ونهضتنا كما دلتنا عليه تعاليم نبينا وأئمتنا عليهم السلام, فإننا بدلا من ذلك نورثها لمن يخلُفنا من اجيال ليبقى هذا الانسان الشيعي أبد الدهر مغلولا مأصورا مظلوما مغبونا محروما من حقوقه, يُداس على كرامته ويطلب منه مع ذلك أن يفرح ويبتهج.
كلا بيني وبين الله تعالى لا أجد نفسي مفروغ الذمة إن شاركت في بقاء هذا. لن اقبل في بقاء الانسان الشيعي سجينا بأفكار ومفاهيم مغلوطة ما أنزل الله بها من سلطان فتتعطل طاقاته الجبارة او تتبدد في ما لا طائل من ورائه فتضيع هذه الفرصة الحضارية العظيمة التي لو انتهزتها الأمة الشيعية لاستعادت السيادة على هذا العالم ولقرّبت حتما من اليوم الموعود حيث يظهر مهدي آل محمد صلوات الله عليهم ليقيم دولة الحق والعدل وليملأ الدنيا قسطا وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا. ألا ليت قومي يعلمون, ليتهم يعلمون أننا على مقربة من عالم يكون فيه الانسان الشيعي سيد نفسه حرا مقتدرا عزيزا لا يعلو عليه احد. إننا على مقربة من هذا العالم, لماذا؟ لأنّ مفاتيح تكوّنه بأيدينا و قد جاءت بها تعاليم أئمتنا عليهم السلام. نحن على مقربة منه لأنه مضافا الى ذلك فإنّ هذا العالم الحالي يعيش مخاضا رائعا تندك فيه الحضارات بعضها ببعض وتتطاحن فيه القوى وتموج فيه التيارات, ومع ذا كله هو مخاض رائع لأنه لا محال سيفضي الى تشكيل عالم جديد يخضع فيه الجميع للأقوى والاعز و الاعلى كما هو الحال في كل مرحلة اندكاك حضاري من مراحل التاريخ الانساني, و إذا أدركنا أننا الاقوى والأعز والاعلى, أو قل اذا اكتشفنا حقيقة ماينطوي عليه تراثنا الحضاري من هذه المقومات التي تؤدي الى ذلك التقدم, المقومات المؤدية الى أن نكون الاقوى والاعز والاعلى, أذا اكتشفنا حقيقة مانمتلكه من موارد هائلة وطاقات جبارة, أذا أدركنا ذلك و اكتشفنا ذلك ثم دخلنا هذا المخاض الحضاري بطموح وعزم وثبات فإنّ النتيجة لا محالة ستكون لصالحنا. أن لم نغدُ بُعيدَ انتهاء المخاض القوة الاولى فلا اقل من أنْ نحجز لأنفسنا مقعدا وسط القوى الكبرى وبين السادة الكبار في هذا العالم ثم إذا مضينا على المنهجية الاستعلائية النهضوية ذاتها فلن نلبث حتى نغدو القوة الأولى المهيمنة على هذا العالم ويُتوج ذلك حتما بظهور سيد هذا العالم بل العوالم مولانا صاحب الزمان الحجة بن الحسن صلى الله وسلم عليهما وعجل الله فرجه الشريف. إنّ هذا أيها الإخوة ليس حلما خياليا
و إن كان من حق الانسان الشيعي أن يحلم على الاقل.
كم من حالمٍ تحقق حلمه؟ ودوننا ذلك اليهودي ثيودور هيرتزل الذي عاش ذليلا حقيرا لكنه كان يحلم بدولة يهودية تتحكم في العالم يوما ما. كان يحلم أن يتحرر قومه من الذل والاستعباد والاستحقار الذي ضُرب عليهم آلاف السنين و أن يجتمعوا بعد الشتات ويصبحوا سادة العالم. كان يحلم فتحقق حلمه و إن مات قبل ذلك. أكرر أنّ هذا الذي نقوله ليس حلما وليس تنظيرا خياليا لأنه رؤية تعتمد على ماوعد الله المؤمنين به وهو أن يكونوا هم الاعلون. قال تعالى (ولا تَهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). مهما حاولت جبهات الكفر والخلاف والضلالة في منع التفوق الحضاري الشيعي و مهما جهد اعداؤنا في محاربتنا بكل حيلهم فإنهم لن يفلحوا و سيكون النصر حليفنا حتما لاننا الأعلون. إنظروا حينما خاض النبي العظيم موسى ابن عمران صلوات الله عليهما التحدي مع الجبهات المناوئة له حينما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم فخُيل للناس أنها تسعى. هنا جاء الوعد الإلهي لموسى عليه السلام (قلنا لاتخف إنك انت الاعلى) هذا وعد إلهى لموسى عليه السلام. وعد إلهي بماذا؟ بالنصر, بالتفوق لأنه الاعلى. بمثل هذا الخطاب الذي خاطب الله به موسى عليه السلام خاطبنا الله تعالى حين قال (ولاتهنوا ولا تحزنوا و أنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين) و لموسى قال ( قلنا لاتخف إنك انت الاعلى) ولنا قال (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون إن كنتم مؤمنين)
إذاً هذا وعد من الله تعالى لنا بالنصر و التفوق و أن نكون الاعلى ولكن بشرط أن نكون مؤمنين (إن كنتم مؤمنين). مؤمنين حقيقين. المؤمنون إذا عملوا بإيمانهم لن يعلو عليهم احد حتى في الدنيا, لن يكون لأحد عليهم سبيل. هكذا قال الله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)
المؤمنون إذا عملوا بإيمانهم ستكون العزة لهم والقوة العظمى لهم مصداقا لما بشّر به سبحانه حيث قال (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لايعلمون). إذاً إنّ تطلعاتنا إلى أن نغدو الأمة المهيمنة على الامم في مرحلة الاندكاك الحضاري التي نعيشها هي تطلعات معقولة مشروعة لا خيالية. غاية ماهنالك أنه يجب علينا أن نعمل بإيماننا لا أن نحتفظ به في قلوبنا فقط, فإيمان بلا عمل ليس بإيمان. كم نحن غافلون عن أننا بإمكاننا أن نعلو و نهيمن و أن نمتلك السيادة العظمى على هذا العالم, كم نحن غافلون عما نمتلكه من منهاج نبوي معصومي عظيم إذا طبقناه يتحقق لنا ذلك. إنّ طلب العلو والهيمنة هو من صلب مايدعو اليه ديننا و لا ينبغى أن يكون هنالك دين آخر على وجه الارض يعلو على ديننا, لا ينبغي أن تكون هنالك حضارة أخرى على وجه الارض تعلو على حضارتنا, لا ينبغي أن يتحكم بنا احد بل يجن أن نكون نحن الاحرار, نحن الاسياد, نحن الذين نفرض على هذا العالم قوانيننا, لا نفرضها بالقوة الإكراهية إنما نفرضها بالقوة الحضارية تماما كما نرى أنّ قوانين الحضارة الغربيه بشكل عام هي السائدة علينا وعلى جميع الامم اليوم, و إن كان كثير من تلك القوانين قد فُرض بالقوة الاكراهيه الا إنّ قسما ملحوظا منها خاصة في هذه العقود الأخيرة قد جاء بالقوة الحضارية. فُرض بالقوة الحضارية, أعني أنّ الغرب أبهر بتقدمه وتفوقه الحضاري بقية الشعوب فانساقت من حيث تشعر أو من حيث لا تشعر إلى حيث ثقافته العامة بما في تلك الثقافة من افكار وسلوكيات و أنماط معيشة صحية كانت أم مرضية. في ظل هذا كم هو مؤلم أن نرى انفسنا نحن شيعة ال محمد عليهم السلام منساقين ايضا لا إلى تلك الحضارة الغربيه فقط بل الى حضارات هي ادنى و أدنى و إلى ثقافات هي أخس و أخس كالثقافة البكرية مثلا. حين ترى مَن مُفترض به أن يكون ممثلا للحضارة الشيعيه يتكلم من تحت هذه العمامة بمنطق بكري بل يفكر بمنطق بكري ويخشى من الأقلية وينهزم بل ينبطح امام كل ما هو غير أو آخر. حينما ترى ذلك فعليك حين إذن أن تقرأ على الشيعة والتشيع السلام. قد ذهب أولائك الشيعة الابرار الذين ماكانوا يقبلون أن يستطيل عليهم أحد. قد مضى أولئك الشجعان الذين بلغ بهم الايمان مبلغ أن يتصدوا لكل مناويء ويصكوا بالحق جبهته, و إنْ كان سلطانا جائرا. نعم رحمة الله على أولئك العظماء الذين كانوا يطبقون القاعدة الفقهية العظيمة, القاعدة الذهبية, قاعدة العزة والكرامة والهيمنة, تلك القاعدة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه واله حين قال (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه).
من منّا التفت الى هذه القاعدة العظيمه و أجراها على حياته العملية؟ و أولائك الذين قد يكونون ممن التفت اليها كطلبة العلم والمشتغلين بتحصيل العلم في الحوزات العلمية, هل نظروا إلى هذه القاعدة بعين السعة والشمول؟ أم أبقوها حبيسة التطبيقات المحدودة في بعض الاحكام والفتاوى المتداولة بينهم؟ أو قل هل ادركوا مغزى هذه القاعدة ونقّحوا مناطها الذي يعم سائر مفاصل الحياة العملية للإنسان المؤمن؟ أكون مبالغا إذا قلت أنّ اكثريتنا التفتت الى هذه القاعدة اصلا فضلا عن إدراك مغزاها وادراكها جيدا! نعم إنّ الفقهاء يذكرون هذه القاعدة ويفرعون منها عشرات المسائل والاحكام الفقهية لكن تبقى حقيقة أنّ المشتغلين بالتحصيل يمرون عليها ويتذوقونها بغير تلقف للثمر.
إنهم حين يُسألون مثلا عن امرأة مسلمة هل يجوز أن ينكحها كافر؟ يقولون كلا لأن الاسلام يعلو ولا يُعلى عليه والمرأة المسلمة تعلو ولا يجوز أن يعلوها الكافر.
إنهم حين يُسألون عن امرأة اسلمت دون زوجها الكافر ما الحكم هاهُنا؟ يقولون لاسبيل له عليها لأن الله لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا و الاسلام يعلو ولا يُعلى عليه فهذه المرأة تنفصل عن زوجها مادام باقيا على كفره وتَبينُ منه بعد العدة. إنهم حين يُسألون عن عبد كافرا أسلم هل تبقى ولاية سيده الكافر عليه؟ يقولون كلا لان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فهذا العبد منذ أن اسلم يكون في حكم الحر لاتبقى سيادة للكافر عليه لانّ هذا العبد قد اصبح أعلى من الكافر بإسلامه.
انهم حين يُسألون انه هل يجوز للحاكم نصبُ والٍ كافر على المسلمين؟ يقولون كلا إنّ الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فلا يتأمرنّ كافر على مسلم. أنهم حين يُسألون مات مسلم وله ولد كافر فهل يرث منه الولد الكافر؟ يقولون كلا, ويجيبون بجواب الامام الباقر عليه السلام (ان الله عز وجل لم يزدنا بالاسلام الا عزا) فنحن نرثهم ولا يرثوننا. إنهم أي هؤلاء الطلبة, هؤلاء المنشغلين بالتحصيل حين يسألون هل لكافر أن يستطيل بناؤه على مسلم اي هل له أن يستطيل بناؤه العمراني على المسلم؟ يقولون كلا الاسلام يعلو , المسلم اعز, المسلم اعلى. كل هذه الاحكام ونظائرها ترجع الى هذه القاعدة قاعدة (الاسلام يعلو) وهذه هي مصاديقها المتداولة تجدونها في كتب الفقه والاحكام ولكن وهذا هو الاهم مامغزى هذه القاعدة؟ ماهو هدفها؟ مالحكمة من ورائها, ما الغاية منها؟ إنّ مغزاها نفي كل مامن شأنه علو غير المسلم على المسلم, فلا حكم في الشريعة يبيح ذلك, هذا سلبا و أما إيجابا وهو الهدف من وراء هذه القاعدة و هو تحقيق علو المسلم على غيره, تحقيق التفوق الاسلامي, الهيمنة الاسلامية, السيادة الاسلامية فلا شيء يعلو على الاسلام مطلقا و إن كان في مرحلة من المراحل كالمرحلة التاريخيه التي نعيشها الآن ثمة تفوق وهيمنة لغير الاسلام فهذا يتطلب من المسلمين أن يستنفروا طاقاتهم وجهودهم لتصحيح هذا الاختلال. المسلم الحق لا يخضع لغيره ولا يقبل بأن يعلو عليه غيره, المسلم الحق لا يقبل أن تعلو الحضارات الارضية على حضارة السماء, لا يترك الحضارات الفاسدة الرجعية المريضة تعلو على حضارة الاسلام الانسانية المثلى. إذاً ليست قاعدة الاسلام يعلو منحصرة التطبيق في تلك الاحكام الفرعية المتداولة في المتون الفقهية بل هي تعم سائر مجالات الحياة ولها آفاق تطبيقية لأرحب و أوسع. إنها في الواقع تدخل في كل مجال, في كل ميدان, في الاقتصاد مثلا يجب أن نكون نحن المسيطرون على الاقتصاد العالمي. في الاجتماع كذلك, في السياسة كذلك, في التكنولوجيا كذلك. يجب أن نكون نحن المتفوقين, نحن المهيمنين, نحن المتفوقين دائما ومسؤولية كل فرد منا هي الاسهام في تحقيق هذا التفوق الحضاري الشامل لانه نداء رسول الله صلى الله عليه واله( الاسلام يعلو ولا يعلى عليه) وهو نداء الله جلا وعلا الذي جعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. الله الذي وعد بأن يُظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون. كم هو رائع إذاً أن نلتفت إلى تطبيق هذه القاعدة العظيمة بهذه الشمولية, بهذا الاتساع وكم هو رائع أن نمتلك الثقة بالنفس والاستعداد النفسي للتحدي الحضاري الكبير و أن نخطو باتجاه تفوقنا الحضاري على جميع الامم. إننا يجب أن نؤمن بذلك, يجب أن نؤمن من اعماق قلوبنا بأننا نحن الاعلى, يجب أن نلهج دوما بهذه الآية الكريمة (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون إن كنتم مؤمنين)
فيا أيها المؤمنون, ياشيعة علي أنتم الأعلون, انتم الاعلون, إنكم شيعة علي. علي من العلو الذي لا أعلى منه, علي هذا الذي لا اعلى منه الا الله تبارك وتعالى ورسوله الخاتم صلوات الله عليه واله, وانتم شيعة علي الذين لا اعلى منكم في الاسلام, انتم الذين لا اعز منكم في الاسلام, انتم قمة القمم في الاسلام, انما الاسلام يعلو بكم ولا يُعلى عليه. إعرفوا قدر انفسكم, إعرفوا قدر انفسكم,قال إمامنا الصادق صلوات الله عليه (ألا و إنّ لكل شيء عزا وعز الاسلام الشيعة, ألا و إنّ لكل شيء دعامة و دعامة الاسلام الشيعة, ألا و إنّ لكل شيء ذروة و ذروة الإسلام الشيعة, ألا ان لكل شيء شرفا وشرف الاسلام الشيعه ألا و إنّ لكل شيء سيدا وسيد المجالس مجلس الشيعة أو مجالس الشيعه ألا و إنّ لكل شيء إماما و إمام الارض أرض تسكنه الشيعة أو أرض تسكنها الشيعة) يقول امامنا الصادق سلام الله عليه (والله لولا مافي الارض منكم ما رأيتَ بعينٍ عشبا أبدا, والله ـ وهذه كلمة قوية ـ والله لولا مافي الارض منكم ما انعم الله على اهل خلافكم, ولا أصابوا مالهم في الدنيا ولا لهم في الاخرة من نصيب). كل ناصب و إن تعبد واجتهد منسوب الى هذه الايه (عاملةٌ ناصبة تصلى نارا حامية) فكل ناصب مجتهد فعمله هباء.
دعونا نتأمل قليلا في معاني كلام امامنا. إنه يؤكد أننا نحن الشيعه عز الاسلام ودعامة الاسلام يقول: (ألا و إنّ لكل شيء ذروة وذروة الاسلام الشيعة, ألا و إنّ لكل شيء شرفا وشرف الاسلام الشيعة) ما الذروة و ما الشرف؟ ذروة الشيء أشرف مواضعه و أعلاها, والشرف هو العلو و المكان العالي. فعلى هذا نحن الاعلى بنص صادق ال محمد صلوات الله عليهم, نحن اعلى المسلمين واشرف المسلمين, نحن ذروة الاسلام, شرف الاسلام, فنحن اعلى المسلمين, اشرف المسلمين, نحن السادة, نحن الاعلون, نحن اصحاب الفضل حتى على مخالفينا, نحن اصحاب الفضل حتى على مخالفينا فلولا وجودنا نحن ما انعم الله عليهم بشيء مما يحصلون عليه في دنياهم. إنه عليه السلام يقسم على ذلك فيقول (والله لولا مافي الارض منكم ما انعم الله على اهل خلافكم ولا اصابوا مالهم في الدنيا). هذه الدنيا الذين يتنعمون فيها إنما يتنعمون بها بسبب وجودنا نحن, فإن الله تعالى يرزق بالمؤمن المُخالف كما يرزق بالمسلم الكافر اقتضاءا لحكمته, حكمته في احتياج البشر بعضهم لبعض لانه تعالى ينظر الى مخالفينا بعين الرحمة والرأفة إكراما لنا نحن لذا هم مدينون لنا نحن ساداتهم, نحن اشرافهم. هذا ليس استعلاءا وتكبرا معاذ الله, إنه بيان واقع ولا ينبغي أن يُناقَش في هذا الواقع, اعني الواقع الشرعي, لماذا؟ لانه بعد ثبوت أنّ الاكرمية عند الله تعالى هي للاتقى حيث يقول جل وعلا (إنّ اكرمكم عند الله اتقاكم) بعد ثبوت ذلك فلا محيص عن القول بأنّ الاكرم عند الله تعالى هو الشيعي لانه الاتقى بالنسبة الى غيره حيث التزم هذا الشيعي بأمره في موالاة العترة الطاهرة للنبي الخاتم صلى الله عليه واله, إلتزم بأمر الله تعالى بالإتمام بهم, بمشايعتهم.
إذاً هو الاتقى, هو الاكرم. الامر واضح.
إذا كان الامر هكذا فما بالنا ونحن السادة الاعلون نتصاغر امام من هم ادنى منا؟ مابالنا نَهِنُ ونتضعض امامهم؟ لماذا نقبل بأن يستطيل أحد علينا؟ لماذا نقبل بأن يسود أحد علينا؟ لماذا يمتلك غيرنا ازمّة امورنا ويتنعم بمقدراتنا ونقبل نحن الفتات الذي يعطينا إياه؟ لماذا نسمح بأن يفرض غيرنا قوانينه علينا فيتحكم لا في دنيانا فقط بل حتى في ديننا؟, الى متى نبقى انهزاميين أمام الآخر؟, الى متى نبقى نشعر بأننا اقل من الاخرين؟ لماذا نعود انفسنا على اهتضام ظلم و إجحاف الاخرين بحقنا؟ لماذا نقبل بأن يستقوي علينا أحد؟ لماذا نحن نراعي جانب الآخر ونحسب الف حساب لكل حركة خشية أن تؤدي الى انزعاج الاخر بينما هذا الاخر لا يراعي جانبنا مطلقا ولا يحسب لنا حسابا مطلقا؟ اني لا احصر المخالف او الآخر هاهنا بالمخالف البكري بل أعممه الى كل من هو آخر.
الشيعي في هذا الزمان مع الاسف الشديد يحسب حساب كل أحد ولا يحسب أحد حسابه. يُظلم فيسكت, يُسرق فيسكت, يُصفع فيسكت لانه لاقيمة له, لا حق له في شيء انما هو تبع للكبار , تابع للكبار الذين يتلاعبون بمقدراته ويفرضون احكامهم عليه ولا اريد أن استخدم عبارات اقسى فأقول إّن هذا الشيعي في نظرهم مجرد عبد من العبيد. مالذي اوصلنا الى هذه الحالة؟ ما عِلة تقهقرنا عن موقع السيادة والصدارة الى حيث نحن الآن في الذيل والفناء؟ مع اننا عند الله تعالى وعند رسوله صلوات الله عليه واله وعند الائمة الاطهار عليهم السلام نحن الاكرم والاعلى والاشرف وهكذا ينبغي ان نكون في واقع الحياة الحقيقة.
إننا قد قتلنا في انفسنا التطلع الى القمة, قتلنا في انفسنا التفكير في السيادة, قتلنا في انفسنا طلب العلو. إنما نسير في حياتنا على النحو السائد, على النحو الجاري دونما تفكيرا بالتغيير وما ذلك إلا لاننا تكيفنا مع هذا الواقع المُذل بحيث لا يطرأ على بال أحد منا إلا مَن ندر بأنّ هاهُنا اختلالا رهيبا ينبغي إصلاحه, هاهُنا تراجعٌ وتقهقرٌ في موقع الشيعة على خريطة توازنات القوى العالمية.
ينبغي أنْ يُصاحَ بالخلاص من هذا التراجع والتقهقر. هذا لا يخطر على بال أحد, هذا لا يفكر به احد, ويرجع غياب هذا التفكير عنا بل غياب الشعور بهذا الاختلال الرهيب الى ما بدأنا به كلامنا.
إنها تلك الاغلال والآصار. القيود الفكرية التي فرضناها على انفسنا وصارت جزءا اصيلا في الذهنية العامة الشيعية مع انها طارئة, فقتلت كل تطلع وقيّدت كل همة, لذا أيها الإخوة المؤمنون نحن بحاجة الى تحرير هذه الذهنية من هذه القيود التي ما انزل الله بها من سلطان, نحن بحاجة الى مراجعة و لو اجمالية لثقافتنا العامة, لطبيعة تفكيرنا لنحدد معوقات تقدمنا, لنحدد مثبطات استعلائنا ثم لنعرض كل ذلك على منهج القرآن و أعداله صلوات الله عليهم لنرَ هل أنّ التعايش مع واقعنا هذا أمر مقبول به حسب هذا المنهج أم لا؟ إنّ الانسان الشيعي في عالمنا هذا, في يومنا هذا, هذا الانسان الشيعي سجين لأفكار بالية يحسبها شرعية, ولسلوكيات يحسبها أخلاقية وذلك مايعطل استعلاءه بحيث يصبح هذا الانسان الشيعي صاحب السيادة على هذا العالم. نحن بحاجة الى تخليص هذا الانسان وتحريره من تلك الافكار البالية والسلوكيات الخاطئة, وبعبارة اخرى نحن بحاجة الى أن نفتح أمامه الآفاق ونعيد تأصيل المفاهيم الشرعية فيه بحيث تتبدد تلك المفاهيم المنحولة التي تراكمت على ذهنيته عبر قرون وصارت إصراً يمنعه من الحركة والنهوض, لهذا سنشرع إن شاء الله تعالى في هذه السلسة من المحاضرات بعنوان (تحرير الانسان الشيعي) آملين أن يوفقنا الله تعالى في نفض هذا الغبار المتراكم, سنخوض أو سنجول بعون الله تعالى على محطات في الفكر العام الشيعي السائد اليوم وسنحاول أن نقيس المسافة بينها وبين محطات الفكر الإمامي الرافضي الأصيل الذي أرسى الائمة الاطهار صلوات الله عليهم دعائمه, وحددوا معالمه ودعونا الى تطبيقه على الارض حتى نعلو ولا يُعلى علينا ..
هذا وصلى الله على نبينا محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين
اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما اسروا وما اعلنوا وفي مابلغني عنهم ومالم يبلغني
الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة وازكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق اجمين سيدنا المصطفى محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم وظالميهم وجاحدي أمامتهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين .. آمين .
(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والأنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه و اتبعوا النور الذي أُنزل معه اولائك هم المفلحون)
إنّ هذه الاية الكريمة من اروع آيات القرآن الحكيم وكل آيات القرآن رائعة. إنها ترسم لنا معالم الحركة النبوية الخاتمة. تلك الحركه التي بشر بها الانبياء السابقون عليهم السلام وجعلوا الامم تترقبها كما تترقب الشمس حينما يبزغ نورها ليشق الظلام لأنه الرسول الأُمي أي المكي الذي يشع اسمه صريحا في التوراة و الإنجيل غير المُحرفين, وهو الرسول الذي تكون معالم حركته بحسب مابشرت به تلك الكتب المقدسه ثلاثة معالم
1ـ أنّه يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر فكل مافيه ارتقاؤهم وتكاملهم يكون هذا الرسول دائم الدعوة له أمرا ونهيا و ترغيبا وترهيبا حتى يعالج المرضى من حوله, غيرَ مُنتظر لأن يأتوه بل يأتيهم هو ويدور عليهم كما وصفه أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله (طبيب دوّارٌ بطبه) صلوات الله عليه و اله. هذا أولا.
2_ أنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث فيُطيّب بذلك نفوسهم و ارواحهم وعقولهم و ابدانهم حتى يبين لهم أي غذاء يطلبون سواءا كان غذاءا للنفس او الروح او العقل او البدن حتى يتجنبوا الغذاء الخبيث و الدواخل الخبيثه التي تُخبّث نفوسهم وارواحهم وعقولهم و ابدانهم , ومن تلك الطيبات ولعله رأسها أخذ العلم من أهله ومن تلك الخبائث ولعله ايضا رأسها قول من خالف كما جاء في الحديث الشريف عن الامام الباقر صلوات الله عليه. هذا ثانيا
3_ أنه يضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم. الإصر هو الثقل الذي يأصِرُ صاحبه أي يحبسه عن الحركة بسبب ثقله كما تُؤصَر السفيه حينما تضع اثقالها في قاع البحر. أما الاغلال فهي جمع غل وهي القيود التي يُغل بها المرء في رقبته و في يده كسلاسل من حديد مثلا فتجعله ذليلا أسيرا سجين هذه الآصار والأغلال التي جاء هذا الرسول الخاتم صلوات الله عليه واله لفكها ووضعها عن ظهور و اعناق الناس حتى يجعلهم احرارا يعيشون الحرية, يتنفسون هواء الحرية, والحرية هي أن تكون عبدا لله وحده لا لغيره كما قال أمير البلاغة عليه السلام (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا), سواءا كان ذلك الغير شيطانا أم وثنا ام سلطانا ام حكومة ام حزبا ام دنيا ام شهوةً ام غير ذلك. الحريه هي أن تعبد الله وتكون عبداً له وحده (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا), الحرية هي أن تكون مسقوفا بقوانين السماء لا الارض ,كما أنك حين تمشي تكون مسقوفا بالسماء لا الارض, و إلا اذا كنت تمشي ببدنك هكذا ولكنك تمشي بسلوكك بالعكس بأن تمضي على قوانين الارض الوضعيه الجاهليه فتؤثِر قوانين الارض على قوانين السماء فأنت بهذا تكون مسقوفا بالارض لا بالسماء , تجعل الارض سقفا على رأسك كمن يمشي منكوسا على رأسه مُكبَا على وجهه (أفمن يمشي مُكبّا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم). لا عليك إن كان غيرك منكوسا هكذا. لا عليك إن كانت الاكثرية تمضي هكذا.
كن أنت حرا و إن استلزم ذلك أن تكون غريبا وسط هذا الخلق المنكوس اي المقلوب. لقد قال سيدنا ومولانا باقر علوم النبيين صلوات الله عليه( المؤمن في هذه الدنيا غريب وفي هذا الخَلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار الى الاخرة )
الذين يؤمنون بهذه الحرية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه و اله و بشر بها الانبياء عليهم السلام, الذين يؤمنون بهذه الحرية فبايعوا النبي صلى الله عليه واله و آزروه أي عضدوه و أعانوه, و عزّروه أي عظّموه ونصروه ببذل المُهج دونه و آمنوا بالنور الذي أُنزل معه وهو علي والأئمة من وُلده عليهم السلام كما جاء في الاحاديث الشريفة, هؤلاء هم الاحرار و هم المفلحون. يُفلحون في الدنيا والاخرة, يكونون احرارا في الدنيا والاخرة, يكونون سادة في الدنيا والاخرة, هل نحن كذلك؟
أحسب أكثرنا غافلين غير مستشعرين أن السيادة لغيرنا, وأن العلو لغيرنا, ومانحن في وسط و في خضم الأمم بشيء.
كيف لا ؟ ولا تزال مقدساتنا مدمرة محتلة كما في البقيع مثلا كيف لا؟ ونحن لا نزال نُقتل ونٌعذب ونُضطهد ونُستباح!
كيف لا؟ ونحن لا نملك أزمّة الأمور في بلادنا ويسودنا غيرنا!
كيف لا؟ وكيف وكيف.. ولا أظن أني بحاجة لأعدد صور واقعنا الأليم, و أكثر مايؤلم فيه أننا استمرأناه وهضمناه وتكيفنا معه حتى صار عندنا هذا الواقع عاديا طبيعيا لا نتطلع الى تغييره بل إذا دعى أحد منا الى تغييره رمقته نظرات الاستهجان وسلقته ألسنة حداد وكأنه يدعو إلى تبديل الفطرة. مثلا ما الذي جعلنا نستعذب العذاب والهوان؟ انها تلك الآصار والأغلال التي قيّدنا بها انفسنا وحرمنا بها انفسنا من الحرية والسيادة.
أثقالٌ من الماضي ورثناها بغفلة عن انها ليست بواجبة ولا محتومة علينا, بل و رثناها إما لقصورا أو تقصير ممن سلف وها نحن بدلا من أن نزيحها عن طريق استعلائنا ونهضتنا كما دلتنا عليه تعاليم نبينا وأئمتنا عليهم السلام, فإننا بدلا من ذلك نورثها لمن يخلُفنا من اجيال ليبقى هذا الانسان الشيعي أبد الدهر مغلولا مأصورا مظلوما مغبونا محروما من حقوقه, يُداس على كرامته ويطلب منه مع ذلك أن يفرح ويبتهج.
كلا بيني وبين الله تعالى لا أجد نفسي مفروغ الذمة إن شاركت في بقاء هذا. لن اقبل في بقاء الانسان الشيعي سجينا بأفكار ومفاهيم مغلوطة ما أنزل الله بها من سلطان فتتعطل طاقاته الجبارة او تتبدد في ما لا طائل من ورائه فتضيع هذه الفرصة الحضارية العظيمة التي لو انتهزتها الأمة الشيعية لاستعادت السيادة على هذا العالم ولقرّبت حتما من اليوم الموعود حيث يظهر مهدي آل محمد صلوات الله عليهم ليقيم دولة الحق والعدل وليملأ الدنيا قسطا وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا. ألا ليت قومي يعلمون, ليتهم يعلمون أننا على مقربة من عالم يكون فيه الانسان الشيعي سيد نفسه حرا مقتدرا عزيزا لا يعلو عليه احد. إننا على مقربة من هذا العالم, لماذا؟ لأنّ مفاتيح تكوّنه بأيدينا و قد جاءت بها تعاليم أئمتنا عليهم السلام. نحن على مقربة منه لأنه مضافا الى ذلك فإنّ هذا العالم الحالي يعيش مخاضا رائعا تندك فيه الحضارات بعضها ببعض وتتطاحن فيه القوى وتموج فيه التيارات, ومع ذا كله هو مخاض رائع لأنه لا محال سيفضي الى تشكيل عالم جديد يخضع فيه الجميع للأقوى والاعز و الاعلى كما هو الحال في كل مرحلة اندكاك حضاري من مراحل التاريخ الانساني, و إذا أدركنا أننا الاقوى والأعز والاعلى, أو قل اذا اكتشفنا حقيقة ماينطوي عليه تراثنا الحضاري من هذه المقومات التي تؤدي الى ذلك التقدم, المقومات المؤدية الى أن نكون الاقوى والاعز والاعلى, أذا اكتشفنا حقيقة مانمتلكه من موارد هائلة وطاقات جبارة, أذا أدركنا ذلك و اكتشفنا ذلك ثم دخلنا هذا المخاض الحضاري بطموح وعزم وثبات فإنّ النتيجة لا محالة ستكون لصالحنا. أن لم نغدُ بُعيدَ انتهاء المخاض القوة الاولى فلا اقل من أنْ نحجز لأنفسنا مقعدا وسط القوى الكبرى وبين السادة الكبار في هذا العالم ثم إذا مضينا على المنهجية الاستعلائية النهضوية ذاتها فلن نلبث حتى نغدو القوة الأولى المهيمنة على هذا العالم ويُتوج ذلك حتما بظهور سيد هذا العالم بل العوالم مولانا صاحب الزمان الحجة بن الحسن صلى الله وسلم عليهما وعجل الله فرجه الشريف. إنّ هذا أيها الإخوة ليس حلما خياليا
و إن كان من حق الانسان الشيعي أن يحلم على الاقل.
كم من حالمٍ تحقق حلمه؟ ودوننا ذلك اليهودي ثيودور هيرتزل الذي عاش ذليلا حقيرا لكنه كان يحلم بدولة يهودية تتحكم في العالم يوما ما. كان يحلم أن يتحرر قومه من الذل والاستعباد والاستحقار الذي ضُرب عليهم آلاف السنين و أن يجتمعوا بعد الشتات ويصبحوا سادة العالم. كان يحلم فتحقق حلمه و إن مات قبل ذلك. أكرر أنّ هذا الذي نقوله ليس حلما وليس تنظيرا خياليا لأنه رؤية تعتمد على ماوعد الله المؤمنين به وهو أن يكونوا هم الاعلون. قال تعالى (ولا تَهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). مهما حاولت جبهات الكفر والخلاف والضلالة في منع التفوق الحضاري الشيعي و مهما جهد اعداؤنا في محاربتنا بكل حيلهم فإنهم لن يفلحوا و سيكون النصر حليفنا حتما لاننا الأعلون. إنظروا حينما خاض النبي العظيم موسى ابن عمران صلوات الله عليهما التحدي مع الجبهات المناوئة له حينما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم فخُيل للناس أنها تسعى. هنا جاء الوعد الإلهي لموسى عليه السلام (قلنا لاتخف إنك انت الاعلى) هذا وعد إلهى لموسى عليه السلام. وعد إلهي بماذا؟ بالنصر, بالتفوق لأنه الاعلى. بمثل هذا الخطاب الذي خاطب الله به موسى عليه السلام خاطبنا الله تعالى حين قال (ولاتهنوا ولا تحزنوا و أنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين) و لموسى قال ( قلنا لاتخف إنك انت الاعلى) ولنا قال (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون إن كنتم مؤمنين)
إذاً هذا وعد من الله تعالى لنا بالنصر و التفوق و أن نكون الاعلى ولكن بشرط أن نكون مؤمنين (إن كنتم مؤمنين). مؤمنين حقيقين. المؤمنون إذا عملوا بإيمانهم لن يعلو عليهم احد حتى في الدنيا, لن يكون لأحد عليهم سبيل. هكذا قال الله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)
المؤمنون إذا عملوا بإيمانهم ستكون العزة لهم والقوة العظمى لهم مصداقا لما بشّر به سبحانه حيث قال (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لايعلمون). إذاً إنّ تطلعاتنا إلى أن نغدو الأمة المهيمنة على الامم في مرحلة الاندكاك الحضاري التي نعيشها هي تطلعات معقولة مشروعة لا خيالية. غاية ماهنالك أنه يجب علينا أن نعمل بإيماننا لا أن نحتفظ به في قلوبنا فقط, فإيمان بلا عمل ليس بإيمان. كم نحن غافلون عن أننا بإمكاننا أن نعلو و نهيمن و أن نمتلك السيادة العظمى على هذا العالم, كم نحن غافلون عما نمتلكه من منهاج نبوي معصومي عظيم إذا طبقناه يتحقق لنا ذلك. إنّ طلب العلو والهيمنة هو من صلب مايدعو اليه ديننا و لا ينبغى أن يكون هنالك دين آخر على وجه الارض يعلو على ديننا, لا ينبغي أن تكون هنالك حضارة أخرى على وجه الارض تعلو على حضارتنا, لا ينبغي أن يتحكم بنا احد بل يجن أن نكون نحن الاحرار, نحن الاسياد, نحن الذين نفرض على هذا العالم قوانيننا, لا نفرضها بالقوة الإكراهية إنما نفرضها بالقوة الحضارية تماما كما نرى أنّ قوانين الحضارة الغربيه بشكل عام هي السائدة علينا وعلى جميع الامم اليوم, و إن كان كثير من تلك القوانين قد فُرض بالقوة الاكراهيه الا إنّ قسما ملحوظا منها خاصة في هذه العقود الأخيرة قد جاء بالقوة الحضارية. فُرض بالقوة الحضارية, أعني أنّ الغرب أبهر بتقدمه وتفوقه الحضاري بقية الشعوب فانساقت من حيث تشعر أو من حيث لا تشعر إلى حيث ثقافته العامة بما في تلك الثقافة من افكار وسلوكيات و أنماط معيشة صحية كانت أم مرضية. في ظل هذا كم هو مؤلم أن نرى انفسنا نحن شيعة ال محمد عليهم السلام منساقين ايضا لا إلى تلك الحضارة الغربيه فقط بل الى حضارات هي ادنى و أدنى و إلى ثقافات هي أخس و أخس كالثقافة البكرية مثلا. حين ترى مَن مُفترض به أن يكون ممثلا للحضارة الشيعيه يتكلم من تحت هذه العمامة بمنطق بكري بل يفكر بمنطق بكري ويخشى من الأقلية وينهزم بل ينبطح امام كل ما هو غير أو آخر. حينما ترى ذلك فعليك حين إذن أن تقرأ على الشيعة والتشيع السلام. قد ذهب أولائك الشيعة الابرار الذين ماكانوا يقبلون أن يستطيل عليهم أحد. قد مضى أولئك الشجعان الذين بلغ بهم الايمان مبلغ أن يتصدوا لكل مناويء ويصكوا بالحق جبهته, و إنْ كان سلطانا جائرا. نعم رحمة الله على أولئك العظماء الذين كانوا يطبقون القاعدة الفقهية العظيمة, القاعدة الذهبية, قاعدة العزة والكرامة والهيمنة, تلك القاعدة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه واله حين قال (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه).
من منّا التفت الى هذه القاعدة العظيمه و أجراها على حياته العملية؟ و أولائك الذين قد يكونون ممن التفت اليها كطلبة العلم والمشتغلين بتحصيل العلم في الحوزات العلمية, هل نظروا إلى هذه القاعدة بعين السعة والشمول؟ أم أبقوها حبيسة التطبيقات المحدودة في بعض الاحكام والفتاوى المتداولة بينهم؟ أو قل هل ادركوا مغزى هذه القاعدة ونقّحوا مناطها الذي يعم سائر مفاصل الحياة العملية للإنسان المؤمن؟ أكون مبالغا إذا قلت أنّ اكثريتنا التفتت الى هذه القاعدة اصلا فضلا عن إدراك مغزاها وادراكها جيدا! نعم إنّ الفقهاء يذكرون هذه القاعدة ويفرعون منها عشرات المسائل والاحكام الفقهية لكن تبقى حقيقة أنّ المشتغلين بالتحصيل يمرون عليها ويتذوقونها بغير تلقف للثمر.
إنهم حين يُسألون مثلا عن امرأة مسلمة هل يجوز أن ينكحها كافر؟ يقولون كلا لأن الاسلام يعلو ولا يُعلى عليه والمرأة المسلمة تعلو ولا يجوز أن يعلوها الكافر.
إنهم حين يُسألون عن امرأة اسلمت دون زوجها الكافر ما الحكم هاهُنا؟ يقولون لاسبيل له عليها لأن الله لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا و الاسلام يعلو ولا يُعلى عليه فهذه المرأة تنفصل عن زوجها مادام باقيا على كفره وتَبينُ منه بعد العدة. إنهم حين يُسألون عن عبد كافرا أسلم هل تبقى ولاية سيده الكافر عليه؟ يقولون كلا لان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فهذا العبد منذ أن اسلم يكون في حكم الحر لاتبقى سيادة للكافر عليه لانّ هذا العبد قد اصبح أعلى من الكافر بإسلامه.
انهم حين يُسألون انه هل يجوز للحاكم نصبُ والٍ كافر على المسلمين؟ يقولون كلا إنّ الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فلا يتأمرنّ كافر على مسلم. أنهم حين يُسألون مات مسلم وله ولد كافر فهل يرث منه الولد الكافر؟ يقولون كلا, ويجيبون بجواب الامام الباقر عليه السلام (ان الله عز وجل لم يزدنا بالاسلام الا عزا) فنحن نرثهم ولا يرثوننا. إنهم أي هؤلاء الطلبة, هؤلاء المنشغلين بالتحصيل حين يسألون هل لكافر أن يستطيل بناؤه على مسلم اي هل له أن يستطيل بناؤه العمراني على المسلم؟ يقولون كلا الاسلام يعلو , المسلم اعز, المسلم اعلى. كل هذه الاحكام ونظائرها ترجع الى هذه القاعدة قاعدة (الاسلام يعلو) وهذه هي مصاديقها المتداولة تجدونها في كتب الفقه والاحكام ولكن وهذا هو الاهم مامغزى هذه القاعدة؟ ماهو هدفها؟ مالحكمة من ورائها, ما الغاية منها؟ إنّ مغزاها نفي كل مامن شأنه علو غير المسلم على المسلم, فلا حكم في الشريعة يبيح ذلك, هذا سلبا و أما إيجابا وهو الهدف من وراء هذه القاعدة و هو تحقيق علو المسلم على غيره, تحقيق التفوق الاسلامي, الهيمنة الاسلامية, السيادة الاسلامية فلا شيء يعلو على الاسلام مطلقا و إن كان في مرحلة من المراحل كالمرحلة التاريخيه التي نعيشها الآن ثمة تفوق وهيمنة لغير الاسلام فهذا يتطلب من المسلمين أن يستنفروا طاقاتهم وجهودهم لتصحيح هذا الاختلال. المسلم الحق لا يخضع لغيره ولا يقبل بأن يعلو عليه غيره, المسلم الحق لا يقبل أن تعلو الحضارات الارضية على حضارة السماء, لا يترك الحضارات الفاسدة الرجعية المريضة تعلو على حضارة الاسلام الانسانية المثلى. إذاً ليست قاعدة الاسلام يعلو منحصرة التطبيق في تلك الاحكام الفرعية المتداولة في المتون الفقهية بل هي تعم سائر مجالات الحياة ولها آفاق تطبيقية لأرحب و أوسع. إنها في الواقع تدخل في كل مجال, في كل ميدان, في الاقتصاد مثلا يجب أن نكون نحن المسيطرون على الاقتصاد العالمي. في الاجتماع كذلك, في السياسة كذلك, في التكنولوجيا كذلك. يجب أن نكون نحن المتفوقين, نحن المهيمنين, نحن المتفوقين دائما ومسؤولية كل فرد منا هي الاسهام في تحقيق هذا التفوق الحضاري الشامل لانه نداء رسول الله صلى الله عليه واله( الاسلام يعلو ولا يعلى عليه) وهو نداء الله جلا وعلا الذي جعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. الله الذي وعد بأن يُظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون. كم هو رائع إذاً أن نلتفت إلى تطبيق هذه القاعدة العظيمة بهذه الشمولية, بهذا الاتساع وكم هو رائع أن نمتلك الثقة بالنفس والاستعداد النفسي للتحدي الحضاري الكبير و أن نخطو باتجاه تفوقنا الحضاري على جميع الامم. إننا يجب أن نؤمن بذلك, يجب أن نؤمن من اعماق قلوبنا بأننا نحن الاعلى, يجب أن نلهج دوما بهذه الآية الكريمة (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون إن كنتم مؤمنين)
فيا أيها المؤمنون, ياشيعة علي أنتم الأعلون, انتم الاعلون, إنكم شيعة علي. علي من العلو الذي لا أعلى منه, علي هذا الذي لا اعلى منه الا الله تبارك وتعالى ورسوله الخاتم صلوات الله عليه واله, وانتم شيعة علي الذين لا اعلى منكم في الاسلام, انتم الذين لا اعز منكم في الاسلام, انتم قمة القمم في الاسلام, انما الاسلام يعلو بكم ولا يُعلى عليه. إعرفوا قدر انفسكم, إعرفوا قدر انفسكم,قال إمامنا الصادق صلوات الله عليه (ألا و إنّ لكل شيء عزا وعز الاسلام الشيعة, ألا و إنّ لكل شيء دعامة و دعامة الاسلام الشيعة, ألا و إنّ لكل شيء ذروة و ذروة الإسلام الشيعة, ألا ان لكل شيء شرفا وشرف الاسلام الشيعه ألا و إنّ لكل شيء سيدا وسيد المجالس مجلس الشيعة أو مجالس الشيعه ألا و إنّ لكل شيء إماما و إمام الارض أرض تسكنه الشيعة أو أرض تسكنها الشيعة) يقول امامنا الصادق سلام الله عليه (والله لولا مافي الارض منكم ما رأيتَ بعينٍ عشبا أبدا, والله ـ وهذه كلمة قوية ـ والله لولا مافي الارض منكم ما انعم الله على اهل خلافكم, ولا أصابوا مالهم في الدنيا ولا لهم في الاخرة من نصيب). كل ناصب و إن تعبد واجتهد منسوب الى هذه الايه (عاملةٌ ناصبة تصلى نارا حامية) فكل ناصب مجتهد فعمله هباء.
دعونا نتأمل قليلا في معاني كلام امامنا. إنه يؤكد أننا نحن الشيعه عز الاسلام ودعامة الاسلام يقول: (ألا و إنّ لكل شيء ذروة وذروة الاسلام الشيعة, ألا و إنّ لكل شيء شرفا وشرف الاسلام الشيعة) ما الذروة و ما الشرف؟ ذروة الشيء أشرف مواضعه و أعلاها, والشرف هو العلو و المكان العالي. فعلى هذا نحن الاعلى بنص صادق ال محمد صلوات الله عليهم, نحن اعلى المسلمين واشرف المسلمين, نحن ذروة الاسلام, شرف الاسلام, فنحن اعلى المسلمين, اشرف المسلمين, نحن السادة, نحن الاعلون, نحن اصحاب الفضل حتى على مخالفينا, نحن اصحاب الفضل حتى على مخالفينا فلولا وجودنا نحن ما انعم الله عليهم بشيء مما يحصلون عليه في دنياهم. إنه عليه السلام يقسم على ذلك فيقول (والله لولا مافي الارض منكم ما انعم الله على اهل خلافكم ولا اصابوا مالهم في الدنيا). هذه الدنيا الذين يتنعمون فيها إنما يتنعمون بها بسبب وجودنا نحن, فإن الله تعالى يرزق بالمؤمن المُخالف كما يرزق بالمسلم الكافر اقتضاءا لحكمته, حكمته في احتياج البشر بعضهم لبعض لانه تعالى ينظر الى مخالفينا بعين الرحمة والرأفة إكراما لنا نحن لذا هم مدينون لنا نحن ساداتهم, نحن اشرافهم. هذا ليس استعلاءا وتكبرا معاذ الله, إنه بيان واقع ولا ينبغي أن يُناقَش في هذا الواقع, اعني الواقع الشرعي, لماذا؟ لانه بعد ثبوت أنّ الاكرمية عند الله تعالى هي للاتقى حيث يقول جل وعلا (إنّ اكرمكم عند الله اتقاكم) بعد ثبوت ذلك فلا محيص عن القول بأنّ الاكرم عند الله تعالى هو الشيعي لانه الاتقى بالنسبة الى غيره حيث التزم هذا الشيعي بأمره في موالاة العترة الطاهرة للنبي الخاتم صلى الله عليه واله, إلتزم بأمر الله تعالى بالإتمام بهم, بمشايعتهم.
إذاً هو الاتقى, هو الاكرم. الامر واضح.
إذا كان الامر هكذا فما بالنا ونحن السادة الاعلون نتصاغر امام من هم ادنى منا؟ مابالنا نَهِنُ ونتضعض امامهم؟ لماذا نقبل بأن يستطيل أحد علينا؟ لماذا نقبل بأن يسود أحد علينا؟ لماذا يمتلك غيرنا ازمّة امورنا ويتنعم بمقدراتنا ونقبل نحن الفتات الذي يعطينا إياه؟ لماذا نسمح بأن يفرض غيرنا قوانينه علينا فيتحكم لا في دنيانا فقط بل حتى في ديننا؟, الى متى نبقى انهزاميين أمام الآخر؟, الى متى نبقى نشعر بأننا اقل من الاخرين؟ لماذا نعود انفسنا على اهتضام ظلم و إجحاف الاخرين بحقنا؟ لماذا نقبل بأن يستقوي علينا أحد؟ لماذا نحن نراعي جانب الآخر ونحسب الف حساب لكل حركة خشية أن تؤدي الى انزعاج الاخر بينما هذا الاخر لا يراعي جانبنا مطلقا ولا يحسب لنا حسابا مطلقا؟ اني لا احصر المخالف او الآخر هاهنا بالمخالف البكري بل أعممه الى كل من هو آخر.
الشيعي في هذا الزمان مع الاسف الشديد يحسب حساب كل أحد ولا يحسب أحد حسابه. يُظلم فيسكت, يُسرق فيسكت, يُصفع فيسكت لانه لاقيمة له, لا حق له في شيء انما هو تبع للكبار , تابع للكبار الذين يتلاعبون بمقدراته ويفرضون احكامهم عليه ولا اريد أن استخدم عبارات اقسى فأقول إّن هذا الشيعي في نظرهم مجرد عبد من العبيد. مالذي اوصلنا الى هذه الحالة؟ ما عِلة تقهقرنا عن موقع السيادة والصدارة الى حيث نحن الآن في الذيل والفناء؟ مع اننا عند الله تعالى وعند رسوله صلوات الله عليه واله وعند الائمة الاطهار عليهم السلام نحن الاكرم والاعلى والاشرف وهكذا ينبغي ان نكون في واقع الحياة الحقيقة.
إننا قد قتلنا في انفسنا التطلع الى القمة, قتلنا في انفسنا التفكير في السيادة, قتلنا في انفسنا طلب العلو. إنما نسير في حياتنا على النحو السائد, على النحو الجاري دونما تفكيرا بالتغيير وما ذلك إلا لاننا تكيفنا مع هذا الواقع المُذل بحيث لا يطرأ على بال أحد منا إلا مَن ندر بأنّ هاهُنا اختلالا رهيبا ينبغي إصلاحه, هاهُنا تراجعٌ وتقهقرٌ في موقع الشيعة على خريطة توازنات القوى العالمية.
ينبغي أنْ يُصاحَ بالخلاص من هذا التراجع والتقهقر. هذا لا يخطر على بال أحد, هذا لا يفكر به احد, ويرجع غياب هذا التفكير عنا بل غياب الشعور بهذا الاختلال الرهيب الى ما بدأنا به كلامنا.
إنها تلك الاغلال والآصار. القيود الفكرية التي فرضناها على انفسنا وصارت جزءا اصيلا في الذهنية العامة الشيعية مع انها طارئة, فقتلت كل تطلع وقيّدت كل همة, لذا أيها الإخوة المؤمنون نحن بحاجة الى تحرير هذه الذهنية من هذه القيود التي ما انزل الله بها من سلطان, نحن بحاجة الى مراجعة و لو اجمالية لثقافتنا العامة, لطبيعة تفكيرنا لنحدد معوقات تقدمنا, لنحدد مثبطات استعلائنا ثم لنعرض كل ذلك على منهج القرآن و أعداله صلوات الله عليهم لنرَ هل أنّ التعايش مع واقعنا هذا أمر مقبول به حسب هذا المنهج أم لا؟ إنّ الانسان الشيعي في عالمنا هذا, في يومنا هذا, هذا الانسان الشيعي سجين لأفكار بالية يحسبها شرعية, ولسلوكيات يحسبها أخلاقية وذلك مايعطل استعلاءه بحيث يصبح هذا الانسان الشيعي صاحب السيادة على هذا العالم. نحن بحاجة الى تخليص هذا الانسان وتحريره من تلك الافكار البالية والسلوكيات الخاطئة, وبعبارة اخرى نحن بحاجة الى أن نفتح أمامه الآفاق ونعيد تأصيل المفاهيم الشرعية فيه بحيث تتبدد تلك المفاهيم المنحولة التي تراكمت على ذهنيته عبر قرون وصارت إصراً يمنعه من الحركة والنهوض, لهذا سنشرع إن شاء الله تعالى في هذه السلسة من المحاضرات بعنوان (تحرير الانسان الشيعي) آملين أن يوفقنا الله تعالى في نفض هذا الغبار المتراكم, سنخوض أو سنجول بعون الله تعالى على محطات في الفكر العام الشيعي السائد اليوم وسنحاول أن نقيس المسافة بينها وبين محطات الفكر الإمامي الرافضي الأصيل الذي أرسى الائمة الاطهار صلوات الله عليهم دعائمه, وحددوا معالمه ودعونا الى تطبيقه على الارض حتى نعلو ولا يُعلى علينا ..
هذا وصلى الله على نبينا محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين
تعليق